رواية مذاق العشق المر كاملة جميع الفصول بقلم سارة المصري

رواية مذاق العشق المر كاملة جميع الفصول بقلم سارة المصري

رواية مذاق العشق المر كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة سارة المصري رواية مذاق العشق المر كاملة جميع الفصول صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية مذاق العشق المر كاملة جميع الفصول حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية مذاق العشق المر كاملة جميع الفصول

رواية مذاق العشق المر كاملة جميع الفصول بقلم سارة المصري

رواية مذاق العشق المر كاملة جميع الفصول

الفصل الاول 
"تعلن الخطوط الجوية التابعة لمصر للطيران عن وصول رحلتها رقم 704 والقادمة من باريس "، تردد النداء فى انحاء المطار ليتنهد رجل فى منتصف الستينات تقريبا وهو يضيق عينيه ليعادل الرؤية التى ضعفت بفعل الزمن ويجول باحثا عن وجه غاب عن عينيه لسنوات طويلة ، وجه يحمل بملامحه ذكريات الطفولة وعنفوان الشباب وطيشه وجنونه ، اعوام طويلة فصلت بينهما الا ان الوصال لم ينقطع وان كان هاتفيا، ربما كان هذا كافيا ليبقى ميثاق الصداقة قائما لكل هذا العمر رغم كل مافصل بينهما من مسافات  ،أخذ يدقق النظر باحثا عن صديقه الذى قرر بعد اعوام طويلة العودة الى ارض الوطن مع ولديه حتى تلاقت اعينهما اخيرا ففتح كل منهما ذراعيه من قبل ان يقترب حتى من الاخر ، خطوات مسرعة متعثرة من كليهما دفعتهما فى النهاية الى عناق طويل وحميم بثا فيه كل ما اختزناه من مشاعر وذرفت فيه كثير من الدموع ، دموع الحنين لكل شىء للصحبة للوطن للاهل ولكل ذكرى حلوة كانت ام مرة ، دموع الكهولة ما اسهلها وما ايسر ان تراق فى لحظة وكأنها تخرج كل ما مر به الانسان على كل فترات حياته ، بعد دقائق استطاع كل منهما التخلص من بين ذراعى الاخر وان بقيت الايادى متشابكة بعض الشىء ، نظر محمود الى صديقه الغائب في حنين  قائلا " اخيرا يا سمير ..رجعت بلدك اخيرا " 
دمعت عينا سمير فى تأثر وقال " اخيرا يا محمود " وترك يده وهو يشير الى طفل فى التاسعة من العمر يرتدى نظارة سوداء ، كان اشقرالشعر يحمل ملامح اوربية صميمة ، مسح محمود على شعره وهو يقول " على ابنى " 
مد محمود يده للطفل ليصافحه فلم يستجب ، فأشار سمير  الى عينيه ليمتقع وجه محمود فى صدمة فالطفل كفيف ، تخلص من صدمته ليمسك بكتفى على وينحنى مقبلا جبينه وهو يقول " ازيك ياعلى ..معلش يابنى مش بعرف فرنساوى " 
تفاجىء محمود للمرة الثانية حين رد عليه على بابتسامة " بتكلم عربى كويس يا عمو ..ازى حضرتك " 
اعتدل محمود فى دهشة فرؤية هذا الطفل بملامحه الغربية تلك يتحدث العربية تبدو مزحة بالفعل وقبل ان يعلق ابتسم سمير وهز رأسه وهو يشير الى فتاة تبدو فى منتصف العشرينيات تقف خلفه وهو يقول" ودى ايلى ..ايلينا بنتى " 
يبدو ان هذا هو اليوم العالمى للذهول فقد فتح محمود ثغره وهو يتأمل تلك الفتاة التى وقفت تبتسم فى ثقة ، كانت على عكس شقيقها تحمل ملامح مصرية صميمة ورثتها بالطبع عن ابيها ويبدو انها لم ترث من امها ملمحا واحدا ، كانت قمحية البشرة بنية العينين وللدهشة كانت ترتدى حجابا بسيطا وانيقا يتناسب مع زيها  الراقى والمحتشم ، قطعت ايلينا تأمله وهى تقول " عمو محمود ازى حضرتك ..بابا كلمنا كتير عنك " 
ابتسم محمود وهو يضع يديه فى خصره وينظر الى سمير قائلا " ماشاء الله ولادك بيتكلمو عربى كأنهم اتولدو واتربو فى مصر مع ان عمرهم ما زاروها " 
ضحك سمير فأردف محمود " بصراحة لما قولت انك جاى مع ابنك وبنتك متخيلتش انهم هيكونو كدة ..انا قولت هلاقى اتنين خواجات..لكن اتفاجئت بيتكلمو عربى كويس وكمان ايلينا فرنساوية ومحجبة " 
ردت ايلينا نيابة عن ابيها فى ادب جم " احنا اه مشوفناش مصر قبل كدة بس لينا نص مصرى ..وبالنسبة للحجاب فده فرض على كل مسلمة واعتقد انه مش متحدد لا ببلد ولا جنسية " 
نظر لها محمود فى اعجاب وقال " ماشاء الله ياسمير عرفت تربى " 
قال محمود فى تأثر وهو يأخذ ولديه تحت ذراعيه " مش لوحدى ..جانيت الله يرحمها كانت ليهم نعم الام " 
تنهد محمود فى تعاطف وهو يرى صديقه  يرثى قصته القديمة وقال " الله يرحمها .." ، اما بداخله فلا زال ذهوله على وضعه ،جانيت الفرنسية المتحررة التى خسر سمير اهله من اجل الارتباط بها وغادر ارض الوطن باكمله من اجلها ولامه كل انسى على وجه البسيطة وحذره من عواقب ما يفعله تنجب له ولدين يسرا القلب والعين هكذا ، كيف ربتهما معه وعلى حد علمه انها لم تكن مسلمة حين تزوجها و..، قطع شروده صوت سمير وهو يقول " مش يلا بينا يامحمود انا والولاد محتاجين نرتاح" ، تنهد محمود وهو يشير الى سائقه الذى رافقه ليساعدهم فى نقل الحقائب .
****************************************************************
فتح سمير باب المنزل القديم ،منزل العائلة ،خطا فى تردد وكأن صدى اصواتهم لازال يجلجل فى اذنه كآخر مرة له فى هذا البيت ، تلك الاصوات التى كانت تعلو وتعلو لتعنى شيئا واحدا انه لم يعد له مكان ، تبعته ايلينا وهى تمسك بكف اخيها  لتمنعه من التعثر ، نظر محمود الى صديقه الذى كان يتأمل كل زاوية من زوايا المنزل فى بطء ويتلمس الجدران فى حنين جارف ، رغم القسوة والنبذ والحرمان تظل العائلة هى الملجأ والمأمن يظل عشقها كعشق الوطن لعنة ، ظل سمير يتأمل المنزل وهو يستدعى كل ذكرياته به ، به قضى بعضا من طفولته وجل شبابه ، فى هذا المنزل بدأت احلامه وطموحه ، هذا المنزل يحمل رائحة من حنان امه وبعضا من شدة ابيه ، كل شىء فيه بقى على حاله الا الارواح الطيبة التى كانت تسكنه ، اقترب من منضدة وضعت عليها صورة لامه وابيه رفعها ودمعة تسيل على وجنته وهو يمسح بكفه عليها ويمر امام عينيه شريطا سريعا لذكرياته يتوقف عند المحطة الفاصلة ، جانيت الفرنسية التى عشقها ولم يندم يوما على حبه لها الذى كلفه الكثير ، دخلت حياته منذ ثلاثون عاما ، كان شابا يافعا سعيدا بوظيفته الجديدة فى احدى شركات الاستثمار الاجنبى حين رأى جانيت لاول مرة وقد جاءت لزيارة مصر مع وفد فرنسى ، كان مرافقا لهذا الوفد ولفتت جانيت بجمالها عقله العابث فهو لم يكن أكثر من شاب سطحى التفكير كأغلب جيله ، حاول التقرب اليها فتفاجىء بها تسأله فى احدى المرات عن الاسلام وتطلب منه ان يتحدث لها عنه ، تفاجىء سمير بطلبها فهو بالكاد يؤدى صلاته ولم يكن بالالتزام او الخبرة الكافية لهذه المهمة التى بالفعل لمست قلبه ، فلم يكن امامه خيار سوى ان يتعلم ويعلمها ، اقتربا معا من الله وسلكا طريقهما اليه سويا ، واكتشف معها لذة ايمان افتقدها فى حياته ، تعلمت جانيت معه كل شىء عن الاسلام وتبقى فقط القرار الاخير وهو اشهارها لاسلامها ،فى هذا الوقت لم يكن لدى سمير ادنى شك ان جانيت قد اصبحت جزءا هاما فى حياته وانه بالفعل احبها وتمناها زوجه له ليكملا معا الطريق  ، فعرض عليها الزواج ولم يحسب ان ردة فعل اهله ستكون بهذا العنف ، فقد رفضتها العائلة ورفضته معها ولفظته تماما خارجها ، حاول سمير وحاول سنوات ولكن دون جدوى ، بل واستغل والده نفوذه ليضيق عليه العيش فى وطنه فأصبح يفصل من عمل ولا يلبث ان يستقر فى غيره ليفصل منه ثانية حتى انتهى الامر واتخذ قراره بالهجرة الى باريس وبلا عودة فهو لن يحتمل ان يبقى فى وطن تحاك له فيه المؤامرات من اقرب الناس اليه ، لن يحتمل ان تنبت مشاعر الكراهية بقلبه تجاه اهله او تجاهه منهم ، لن يحتمل ان يحرم عليه رؤيتهم وهو على بعد كيلو مترات منهم، لن يحتمل ان ..، " سمير " انتبه على صوت محمود فاستدار له وهو لازال يحمل صورة والديه بين اصابعه " انت كنت بتقول حاجة يا محمود " نظر محمود الى الصورة وقال فى تعاطف " بقول لو محتاج تشوف مكان تانى .اشوفلك " 
وضع سمير الصورة وهو يقول لمحمود فى امتنان " كتر خيرك يا محمود لحد كدة ..كفاية اوى تعبتك فى تنضيفه وتجهيزه تانى " 
قال محمود فى عتاب " احنا اخوات يا سمير ..وبعدين يعنى هوا انا اللى نضفته بنفسى ماهم الخدامين .." 
واضاف وهو ينحنى قليلا " اه بالمناسبة انا شوفتلك مكان مناسب للكافيه اللى انت عاوز تفتحه ..مع انى قولتلك ملوش لزوم وتشتغل معايا وانت اللى مش عاوز " 
هنا تدخلت ايلينا فى الحوار قائلة " حضرتك برضه هتفتح كافيه فى مصر " 
هز سمير رأسه قائلا " ايوة يا حبيتى انا مش بفهم فى حاجة غير كدة " 
هزت ايلينا رأسها فى تفهم ونظرت الى المكان فى تفحص سريع وقالت " هشوف اوضا ليا واوضة لعلى عشان نستريح ..بعد اذنكو " واخذت ايلينا بيد على وادخلته الى احدى الغرف ، كان كفيفا ولكنه ذكيا للغاية ويمتلك من الحكمة مالا يمتلكه من تجاوزه بالعمر سنوات لم يكن من هؤلاء الذين يتذمرون من اعاقتهم ليحيو حياة درامية بل كان متعايشا معها كأنه امر طبيعى قدر لكل البشر ، كعادته حين دخل الغرفة اخذ يتعرف عليها بلمساته ويحفظ كل شىء فى ذاكرته بسرعة ليستطيع التحرك بها فى حرية ، عقدت ايلينا ساعديها وهى تراقب اخاها بابتسامة  ملاك حارس يراقبه دوما بعلمه او دون علمه ، فعلى لم يكن اخاها الاصغر بل هو صديقها المقرب الذى تستمع الى رأيه فى بعض الاوقات حين يعرض حلولا لمشاكلها بسيطة كبساطة تفكيره ونقية كنقاء قلبه الذى لم يلوث بنزاعات البشر بعد ، جلس على على طرف الفراش وقال وهو يخلع نظارته " كدة حفظت الاوضة خلاص ..باقى الشقة لما ارتاح شوية " 
ربتت ايليلنا على كتفه قائلة " تحب اساعدك فى حاجة حبيبى " 
ربت على يدها قائلا " شكرا ايلينا بس ياريت لو تجيبيلى شنطتى من برة " 
احضرت له ايلينا الحقيبة وفتحتها ولم تتدخل كما يحب فهى واثقة فى قدرات على التى تجعل ايا كان يشك فى كونه كفيف من الاصل ، تحسس على الحقيبة واخرج ثوبا للنوم منها واعاد غلقها من جديد فقالت ايلينا " تحب ارتبلك الهدوم فى الدولاب " 
بدأ على فى فك ازرار قميصه وهو يقول " من امتى يا ايلينا  بتساعدينى ..انتى عارفةانى بحب ارتب حاجتى بنفسى " 
قالت ايلينا بسرعة " حبيبى انا مقصدتش حاجة ..انا اقصد ان المكان جديد مش اكتر " 
ابتسم على قائلا " بس انا حفظته وحفظت كمان الدولاب فيه كام رف وكام دلفة ما تقلقيش " همت ايلينا ان ترد لولا ان قطع رنين الهاتف صوتها فتنهدت ليقول على " روحى ايلينا ردى على تليفونك وارتاحى شوية انتى كمان " 
نظرت ايلينا الى على قائلة فى جدية وهى تنظر الى هاتفها " لو احتجت حاجة حبيبى بس ناديلى " 
ابتسم على بينما خرجت  ايلينا لتفتج باب الحجرة المجاور لعلى مباشرة وتفتح المكالمة هاتفة بالفرنسية التى تجيدها اكثر من العربية فهى اللغة التى ظلت تتحدثها سنوات " صوفيا ..كيف حالك عزيزتى "
جاءها صوت صوفيا الساخر " كيف حالك انتى وحال الصحراء التى سافرت اليها " 
امتعض وجه ايلينا وهى ترد " مصر ليست صحراء ابدا صوفيا ..انا واثقة انها جميلة " 
ضحكت صوفيا قائلة " ربما... ولكن ليست اجمل من فرنسا وطنك يا عزيزتى " 
ابتسمت ايلينا وهى تتأمل الغرفة " وهنا وطنى ايضا يا صوفيا " 
تنهدت صوفيا قائلة " بالمناسبة حينما علم ريان بسفرك اقام الدنيا ولم يقعدها ..لا اعرف حقا علام ينوى بالضبط تجاهك " 
زفرت ايلينا فى ضيق قائلة " فليذهب الى الجحيم ..لقد انتهينا ولا سبيل للعودة بيننا ابدا " 
_ولكنه يحبك ايلينا انتى تعلمين ذلك 
قالت ايلينا فى حنق " هذا ليس حبا ابدا ..لقد حاولت كثيرا وانتهى الامر ولن ابقى طيلة عمرى فى دائرة الخطر " 
_ربما لم تحبينه بالقدر الكافى لتحمل المخاطرة من اجله 
اغمضت ايلينا عينيها وقالت " عزيزتى صوفيا دعى عنك تلك الاحلام الساذجة فهناك اشياء كثيرة اكبر من الحب تتحكم بنا "
_حقا لا اعرف بما اجيبك ولكن اتمنى لك السعادة فيما تختارينه  
ابتسمت ايلينا وقالت " وانا ايضا صوفيا ..وبالمناسبة هل فكرت فيما قلته لك ؟؟" 
ضحكت صوفيا وقالت جملتها المعتادة التى سأمتها ايلينا بالفعل " فيما بعد ايلينا فيما بعد " 
قالت ايلينا فى احباط " لافائدة ترجى منك ايتها المتهورة ...انتبهى لحالك جيدا ..وتوقفى عن نسيان اشيائك فى كل مكان فلم اعد موجودة خلفك دائما لاجمعها ..مع السلامة " 
انهت ايلينا المكالمة  وهى تنظر الى اثاث الغرفة العتيق والراقى فى الوقت ذاته ، كان طراز البيت عربيا كلاسيكيا للغاية رأته فى كثير من الافلام المصرية القديمة التى كانت تتابعها لتشعر بها انها تأخذها لجولة فى وطنها الام ، نظرت الى صورة كبيرة تحتل جزءا ليس بالهين من احد الجدران ومن الواضح انها لجدها ، ملامحه صارمه ذو حاجبين كثين وشارب مفتول ونظرة قاسية لا تعلم هل اصطنعها ام الزمن كان كفيل بنقشها على ملامحه ، بدأت فى فك حجابها وهى تقف امام المرآة تفرد شعرها الغجرى الاسود الذى يمتد الى نهاية ظهرها ليعطها مظهرا مثيرا يختلف تماما عن مظهرها البرىء بالحجاب ، لم ترث ايلينا ملمحا واحدا من ملامح جانيت ورثت اكثر من ملامح محمود فجمالها كان مصريا خالصا له جاذبيته يزيده تلك النظرة الواثقة المتحدية فى عينيها وشخصيتها المنفردة الممتزجه بالتزام شرقى فى الخارج والتزام غربى عملى فى داخلها ، تمنت كثيرا ان تزور مصر فى الماضى ولكن لم يخطر ببالها الاقامة ولا تعرف لما قرر ابوها العودة فى ذلك التوقيت بالذات وخاصة بعد ان مر على وفاة جانيت خمس سنوات وحياتهم واعمالهم مستقرة كثيرا فى باريس التى تحبها ولم تفكر ابدا فى تركها ففيها عاشت كل ذكرياتها مع امها الراحلة وفيها صديقاتها العديدات على اختلاف ثقافتهن وفيها خاضت اكثر من معركة من اجل حجابها ، معارك لاتنتهى وتشعرها بلذة حقيقية فهى كانت تجاهد من اجل مبادئها ودينها وستختفى تلك اللذة فى وطن اسلامى كما تتوقع عن مصر ، لا تعرف لما تشعر بعدم الارتياح منذ ان قرر والدها العودة الى مصر ، لاتدرى سببا لشعورها بالاختناق منذ ان وطئت قدمها ارض المطار ، تنهدت وهى تتعزى انها مجرد اعراض لاى بداية ونقلة جديدة فى الحياة ودعت الله ان تكون بداية موفقة 
*************************************************************
ترأست سميرة مائدة الافطار حيث غاب زوجها هذا الصباح لمقابلة صديقه فى المطار كما اخبرها ، نظرت الى الاطباق المتراصة بعناية وتأكدت ان الخدم ليسو بحاجة الى اى لفت نظر هذا الصباح فقد نفذو اوامرها دون اى اضافات او نقصان معتاد ، نظرت الى السلم حيث كان يهبط ابنها الاوسط زين بخطواته  السريعة التى تتلائم تماما مع جسده الرياضى ذو الطول الفارع وتبعته اخته ايتن بخطوات متمهلة تناسب تماما حذائها الانيق ذو الكعب المرتفع الذى يصدر صوتا بدا مزعجا لاذن اخيها وهو يرتطم برتابة بدرجات السلم الرخامى ليتجاوزها مسرعا وهو يتأفف ويقف فى لحظات امام امه يقبل يديها ورأسها ككل صباح قبل ان يتخذ مجلسه وتتبعه ايتن لتفعل المثل وتتخذ مجلسها بدورها ليبدءا فى تناول الطعام ، شبكت سميرة كفيها ببعضهما وهى تنظر الى السلم من جديد للحظات وتضيق عينيها ليقول زين فى خبث " ماما ..يوسف زمانه نازل ولا احنا مش مكفينك والا ايه يا ست الكل " 
هزت سميرة رأسها وهى تقول " ابنى البكرى واللى شايل همكو كلكو من زمان مع ابوكو " 
ابتسم زين ونظر الى شقيقته ايتن قائلا " شايفةواخد الحب كله واحنا .." وهز كتفيه فى حركة مسرحية ساخرة فتصنعت ايتن الامتعاض فهزت امها رأسها واساريرها تنفرج تدريجيا وهى ترمق يوسف يهبط السلم فى هيبته المعتادة ، يبدو ان الطول سمة وراثية فى العائلة فيوسف كان اكثر طولا من اخيه ، نظراته جدية يحمل سترته على ذراعه ونظارته الشمسية الانيقة تعلو رأسه ، اقترب يوسف من امه وقبل يدها ورأسها فى احترام وهو يقول " صباح الخير على عيونك يا ست الكل ..يا احلى حاجة فى الدنيا كلها " 
ربتت سميرة على كفه وهى تقول " صباح الفل يا حبيبى ..اقعد افطر يلا " 
نظر يوسف الى زين وايتن قائلا فى تهكم " نازلين اكل اكل مش بتستنو حد ابدا " 
قال زين وهو يبتلع طعامه " انت اللى اتأخرت وساعة البطون بقا انت عارف " 
رد يوسف وهو يسحب كرسيه ليجلس " انا مبتكلمش عنى انا بتكلم عن بابا هوا فين ؟؟" 
ردت امه وهى تضع بعض الطعام فى طبقه " خرج من بدرى يقابل واحد صاحبه فى المطار " 
ابتسم يوسف بامتنان لأمه وقال " ده صاحبه اللى كان مسافر باريس مع مراته ومرجعش تانى " 
هزت سميرة رأسها قائلة " ايوة هوا ..رجع مع ابنه وبنته وناوى يستقر بعد الغربة " 
قال يوسف وهو يبدأ بتناول طعامه " الراجل ده غريب اوى ..بابا لما كان بيحكى عنه كنت بحس انه مخه فيه حاجة ...بقا معقول يسيب بلده واهله عشان خاطر واحدة " 
تنهدت ايتن وقالت " بيحبها يا ابيه ...الحب بيعمل المعجزات " 
نظر يوسف الى اخته نظرة طويلة وقال وهو يعود الى طعامه " حب ايه وكلام فارغ ايه ..الحب مش موجود غير فى الروايات الخايبة اللى بتمققى فيها عنيكى ياست ايتن ...ده واحد ضعيف الشخصية جرى ورا نزواته " 
قالت سميرة فى صرامتها المعتادة " عيب يا يوسف اللى انت بتقوله ده متنساش والدك بيعزه قد ايه " 
نظر يوسف الى امه وقال فى اعتذار " مقصدتش حاجة يا ست الكل ..بس الحكاية انى مش مقتنع تماما بحاجة تاخد من الواحد عقله وكيانه ويقولك حب ..حب ايه بس وبتاع ايه " 
تمعنت به سميرة للحظات وقالت " مشكلتك يا يوسف انك جد اوووى وبتاع شغل وبس ..مش عارفة والله هتتجوز ازاى ولما تتجوز مراتك هتعمل فيها ايه " حك يوسف ذقنه بسبابته وهو ينظر الى طعامه كأنه المفر من القصيدة اليومية التى ستلقيها امه على مسامعه ، فكل الطرق لديها تؤدى الى طريق واحد الزواج ،ضحك زين وهو يميل الى يوسف قائلا " استلقى وعدك بقا ..موال كل يوم " 
وبدأت امه بالفعل قصيدتها التى يحفظها عن ظهر قلب " يوسف حبيبى ..انت مش ناوى تفرح قلبى بيك بقا ..يابنى انت عندك دلوقتى اتنين وتلاتين سنة هتستنى ايه بس ...اللى فى عمرك دلوقتى عندهم عيل واتنين وتلاتة ..كل ما جبلك عروسة تطلعلى فيها القطط الفاطسة ...اختار انت يا حبيبى لو عايز بس فرحنى " 
كان يوسف كالعادة يتظاهر انه يسمعها بينما يتناول طعامه بهدوء فقد تعود على هذا كل صباح ولكن حين اضافت امه الجزء الجديد كاد ان يبصق مافى فمه " ايه رأيك فى سمر بنت عمك اهى حلوة وغلبانة " 
ازدرد يوسف طعامه بصعوبة وهو يقول " سمر مين ...نهار اسود ..دى عيلة " 
ردت سميرة فى جدية " اولا عشر سنين فرق مش كتير ...ثانيا زى ما ابوك بيقول احنا اولى بلحمنا ..البنت اتيتمت بدرى وهيا واخوها ملهمش غيرنا " 
ابتسم يوسف فى خبث وهو ينظر الى زين قائلا " مادام احنا اولى بلحمنا يبقا زين اولى بقا ..هوا قريب فى السن منها ...خمس سنين ارحم كتير من عشرة ..وبعدين انا شايفها ميالة ليه " 
رفع زين حاجبه فى استنكار وقال " جرا ايه يايوسف سمر زى اختى ...من فضلك متهزرش فى الحاجات دى " 
تخطاه يوسف بنظراته لينظر الى ايتن قائلا " وحسام بقا ياخد ايتن بالمرة ده قرب يبوس رجلك يا مفترية عشان توافقى " 
قطبت ايتن حاجبيها وقالت فى غضب " ده نجوم السما اقربله منى ...انا اتجوز واحد زى ده على آخر الزمن " 
تضايق زين من طريقتها فى الحديث على ابن عمه وصديقه فالتفت لها قائلا فى استنكار " وماله ده ان شاء الله يا ست هانم ...راجل محترم ويعتمد عليه " 
لوت فمها فى سخرية وقالت " ومالها سمر يا سى زين ماهى حلوة وصغيرة ودكتورة علاج طبيعى اد الدنيا والف مين يتمناها " 
زفر فى غضب قائلا " دى غير دى " 
مالت اليه وصوتها يعلو اكثر " الاتنين واحد من حقك تختار وانا مش من حقى ليه ؟؟" 
قال زين من بين اسنانه " وطى صوتك واتكلمى بأدب " 
رفعت صوتها اكثر وهى تقول " انا اتكلم زى ما انا عاوزة " 
رفع زين صوته بدوره وهو يقول " انتى قل..." قاطعته سميرة وهى تقول " الله الله حلو اوى يا بيه يا محترم انت والهانم ..متضربو بعض قدامى احسن " 
ربت يوسف على كف امه وقال " اهدى يا ست الكل عشان صحتك " 
ونظر الى اخويه فى صرامة وقال " صوتكو يعلى تانى فى وجود ست الكل رد فعلى مش هيعجبكو نهائى فاهمين ولا لا " 
زفرت ايتن فى ضيق وهمت لتقوم قائلة " انا رايحة كليتى " 
رمقها يوسف بنظرة ارعبتها وقال " محدش يتحرك  غير لما ماما تسمحله فاهمة ولا لا ..اتفضلى اقعدى " 
ضغطت ايتن باسنانها على شفتها السفلى وجلست فى تأفف بينما   ابتسمت سميرة وهى تنظر الى ولدها فى امتنان وكأنها تخبره انه دوما لها نعم السند ، نظرت الى السلم بابتسامة قالت بعدها فى خفوت صارم " ولاد عمكو نازلين مش عايزة حد فيكو ينطق بكلمة تضايقهم " 
جاءت سمر ومن خلفها حسام الذى بحث تلقائيا عن كرسى مقابل لكرسى ايتن وابتسم لها فى خجل وهو يضبط نظارته على وجهه فى ارتباك ، نظرت له ايتن فى ضيق لتشيح بوجهها بعيدا ، حسام لم يكن بالجاذبية والوسامة التى تحلم بها فتاة مثل ايتن بالكاد تجاوزت سنوات مراهقتها وهى الان فى التاسعة عشر من العمر ، كانت تشدها المظاهر وحسام بمظهره المتواضع كان يئد اى محاولة منه للفت انتباهها لتتقرب منه وتتعرف على جوهره الحقيقى ، هو فقط يرتبك امامها وتضيع منه الكلمات الا انه ناجح فى عمله يدير احدى شركات المجموعة بنجاح مذهل ، صرامته تخيف كل موظفينه واسمه معروف فى الاوساط الثقيلة لرجال الاعمال مثله كيوسف وزين على الرغم من انه اصغرهم فهو فى السادسة والعشرين بينما زين فى السابعة العشرين . 
اما سمر فجلست على كرسيها فى حزن فقد سمعت مادار بينهم من حوار قبل ان يصل اخوها ، وزعت نظراتها بين الجميع فقد سمعت منهم مايكفى هذا الصباح ، تعرضت للرفض من ابنى عميها وكأنها مجرد عرض او بضاعة يراد التخلص منها لانها لم تعد لها قيمة ، لم يكلف احد نفسه بسؤالها هى عن رأيها قبل ان تطرح للبيع هكذا وكأن موافقتها امر مفروغ منه فمن ستجد افضل من ابناء البدرى للزواج ، لقد عاشت فى هذا المنزل كأمانة يخشى عليها من السرقة لم تنل ولو نصف الحرية التى نالتها ايتن فحياتها اقتصرت على الجامعة والمنزل ولكنها لم تشعر فى حياتها بالاهانة مثلما شعرت بها فى هذه اللحظة ، لم تستطع ان تتحمل اكثر فاستئذنت الجميع وعادت الى غرفتها لتذرف دموعها بعيدا عن الجميع كما اعتادت .
**************************************
" متشكر ايلينا " قالها محمود وهو يتناول فنجان قهوته منها وهى تبتسم وتمرر فنجانا اخرا لأبيها لتجلس فى مقعد مجاور له ، ارتشف محمود من قهوته وقال فى تلذذ " الله تسلم ايدك " 
قالت ايلينا فى سعادة " شكرا يا عمو .." 
واضافت وهى تميل للأمام قليلا " كنت عاوز اسأل حضرتك على المكان اللى احنا فيه ايه مداخله ومخارجه اقرب سوق او سوبر ماركت .." قاطعها محمود قائلا " حيلك حيلك ايه يا بنتى ده كله " 
هزت ايلينا كتفيها قائلة " حضرتك عارف ان بابا بقاله سنين برة مصر واكيد كل حاجة اتغيرت ..هنحتاج لحاجات كتير نشتريها مش هنعيش على الدليفرى " 
ابتسم محمود وهو ينظر الى سمير ثم الى ايلينا وواصل " بس البلد جديدة عليكى ايلينا هبعتلك حد من الشغالين يساعدك " 
بسطت ايلينا كفيها امامها قائلة " لا لا لا ..انا مبحبش حد يعملى حاجة فى بيتى انا بحب اعمل كل حاجة بنفسى " 
ابتسم محمود وهو يتذكر ايتن وسمر التى لا تجيد احداهما اى شىء سوى الثرثرة عديمة المعنى ، اتاه صوت سمير ليخرجه من عالمه " مستغرب ليه ...ايلينا ست بيت شاطرة جدا والدتها توفت من خمس سنين وهيا شالت مسئولية اخوها والبيت كله " 
مط محمود شفتيه ونظر الى ايلينا متسائلا " وناوية برضه تشتغلى مع بابا فى الكافيه ؟؟" 
ردت ايلينا "  لا انا هدور على شغل فى مجالى " 
_مجالك ؟؟
ربت سمير على كتف ايلينا قائلا " ايلينا مصممة ازياء بتصمم ازياء للمحجبات بس وكان ليها شهرة واسعة هناك فى باريس وسط العرب والمسلمين " 
ابتسم محمود وهو ينظر لها فى اعجاب واضح لم يستطع اخفائه وفكرة ما تراود عقله " حلو اوى ..يبقا مش محتاجة تدورى احنا مجموعتنا بتوكيل لبس معروف واكيد هنحتاجك ..انا هكلم يوسف يسلمك شغل من بكرة " 
شبكت ايلينا اصابعها وقالت " لحظة واحدة يا عمى بس ..اولا حضرتك مشوفتش شغلى ولا السى فى بتاعى عشان تعرف اذا كنت مناسبة للشغل ولا لا ...ثانيا واضح ان حضرتك مش اللى بتدير الشغل يعنى سورى ابن حضرتك هوا اللى من حقه يحدد ده " 
عقد محمود ساعديه وهو يتراجع فى كرسيه قائلا " حاسس ان فيه ثالثا قوليها بالمرة " 
حكت ايلينا كفها بجبينها قائلة " بصراحة انا مبحبش موضوع الواسطة فى الشغل ده خالص انا احب لما اكون موجودة فى مكان اكون موجودة عشان المكان ده محتاجلى ومحتاج شغلى ..يعنى انا مش هقبل اشتغل وانتو ممكن متكونوش محتاجين مصممين ازياء اصلا وهتشغلنى مجاملة " 
رد محمود " خلينا ناخدها واحدة واحدة ..انا فعلا مش ماسك الشغل ويوسف هوا رئيس مجلس الادارة وانتى متعريفهوش معندوش مجاملات فى الشغل يعنى لو شغلك مش عاجبه لو حتى امه مش هيقبل وجودك وده برضه اجابة على سؤالك التانى انك مش هتكونى موجودة فى مكان مش محتاجك " ..اما بالنسبة لحاجتنا لمصممين ازياء فده حقيقى ..احنا فعلا محتاجين تغير ..اديكى شايفة الحجاب فى الشارع عامل ازاى ...يا اما لبس ضيق مينفعش يتقال عليه حجاب اصلا يا اما مهرول ويكره الناس فى الحجاب وانا اهو شايف لبسك قدامى راقى ومحترم وفى نفس الوقت شيك فوجودك فى المكان هيكون اضافة كبيرة ..وزيادة اطمئنان ليكى انا مش هقول ليوسف حاجة على علاقتنا ببعض ..انتى هتروحى تقدمى السى فى بتاعك وتوريه شغلك وهوا يحكم ايه رأيك ؟؟" 
تنهدت ايلينا وهى تنظر الى سمير فقال " متبصليش انتى طول عمرك مسئولة عن قراراتك " 
رفعت ايلينا رأسها قائلة " خلاص ياعمو حضرتك ادينى العنوان واى رقم تليفون اقدر اتواصل بيه مع الشركة عشان اعرف اخد معاد "
قال محمود فى اهتمام " طب خلينى اساعدك فى موضوع المعاد ده لان الدنيا بتبقى زحمة عنده وممكن تتأخرى على ما تقابليه " 
رفعت ايلينا حاجبها وهى تشير بسبابتها قائلة " عمو انت وعدتنى مش هتتدخل " 
نظر محمود الى سمير فى استسلام قائلا " بنتك واضح انها عنيدة ..عنيدة جدا ...خلاص يا ستى اللى يريحك "
دلف محمود الى حديقة القصر ، طوى بقدمه بساط العشب الأخضر المنسق بعناية ، أرسل بكفه تحياته الى العامل المختص برعايتها وهو يثني مجهوده ، ابتسم وأبطأ خطواته وهو يرى زوجته سميرة تجلس على الأرجوحة المقابلة للمسبح ترتدى نظارتها الطبية وتمسكك بين يديها كتاب الله ترتل آياته فى خفوت ،اتجه اليها وجلس الى جوارها فى هدوء فخلعت نظارتها والتفتت اليه وهى تغلق المصحف قائلة ” صدق الله العظيم ” وأضافت بابتسامة حانية” حمد لله ع السلامة ” 
بادلها ابتسامتها قائلا ” الله يسلمك ” 
احتضنت المصحف قائلة ” صاحبك رجع مع ولاده خلاص ؟؟“ 
هز محمود رأسه قائلا ” ايوة ” واضاف بعد ان ضيق عينيه وتمعن بوجهها لحظات ” مالك حاسس وشك متغير ليه ” 
زمرت شفتيها قائلة في عدم رضا ” هيكون مالي.. هيكون فيه ايه غير البهوات عيالك ” وقصت له باختصار ماحدث صباحا على الافطار 
فزفر محمود فى ضيق قائلا” انتى عارفة انه كان هيرفض وبعدين سمر متنفعهوش هوا ” 
لوحت بكفها قائلة في يأس” يعنى اعمل ايه كل ما اجبله واحدة يرفضها ..بقا عنده اتنين وتلاتين سنة ولحد دلوقتى عازب ..ناقصه ايه هوا مش فاهمة ؟؟..لو كان هلاس زى باقى الشباب كنت قلت عاوز يقضيها ..لكن ده موارهوش غير شغله وبس واى واحدة تتمنى منه بس اشارة ” 
شرد محمود ببصره فى المسبح أمامه لحظات فقالت سميرة وهى تلوح بكفها امامه ” رحت فين بكلمك ” 
ظل محمود ينظر الى المسبح في شرود قائلا ” والله يا سميرة انا فى دماغى حاجة كدة لو نفعت يبقا ابنك ربنا بيحبه ” 
قطبت سميرة حاجبيها فى اهتمام فنظر لها محمود واخبرها بما يفكر فيه فشهقت وهى تضع يدها على صدرها فى صدمة قائلة ” خواجاية يا محمود ..ده الحل اللى عندك ..عايز تجوز ابنك لواحدة لا عارفين هيا اتربت ازاى ولا على ايه ” 
قاطعها محمود وهو يبسط كفيه أمامه لتهدأ قائلا ” اهدى شوية فيه ايه ..انتى لو شوفتيها مش هتصدقى انها اتربت فى فرنسا ..حجاب واخلاق وتربية ومسئولة ويعتمد عليها ” 
رمقته سميرة بعدم تصديق وقالت ” مش عشان بنت صاحبك تجامله بابنك يا محمود ” 
رد محمود فى عتاب ” اجامله فى ابنى ؟؟...طب ايه رأيك ان البنت اصلا كانت رافضة تشتغل مع ابنك ولحد دلوقتى متعرفش حاجة عن الموضوع اصلا ” 
مررت سميرة يدها على وجهها فى نفاذ صبر وقالت ” انا مش فاهماك ..لزمته ايه اللف والدوران ..انا معنديش مانع اخد يوسف ونروح نشوفها مادام عاجباك ” 
حك محمود ذقنه بسبابته فى تفكير ” انتى عارفة ان ابنك مش نافعة معاه الطريقة دى وبيروح معاكى تقضية واجب مش اكتر ..ابنك محتاج واحدة تحركه ..واحدة يعرفها من غير ما يكون مفروض عليه انه يعرفها ..يكتشفها هوا بنفسه من غير ضغط ..طريقتك فشلت معاه وانا متأكد ان لو حطيت البنت دى فى طريقه هتعجبه ” 
ضيقت سميرة عينيها فى تفكير وقالت ” طب افرض انه رفض يشغلها ولا شغلها معجبوش ..انت لازم تكلمه وتوصيه ” 
نهض محمود قائلا ” انا عايز الموضوع يمشى طبيعى ابنك لماح ..وهيا زيه بالظبط ” ونظر اليها نظرة ذات مغزى مضيفا ” بس ده ميمنعش من محاولة من بعيد من غير ما اخلف وعدى معاها ” 
**************************************
انهمك يوسف فى تركيز شديد على الحاسوب امامه فى مكتبه الفخم بمجموعة البدرى قبل ان يقطع تركيزه دخول محمود والده ، نهض يوسف فى سعادة مطلقا كل عبارات الترحيب في قاموس اللغة فأشار له والده ليجلس قائلا ” اقعد ياواد انت وبطل الشويتين اللى بتعملهم على امك دول ..انا ابوك ياواد فاهم ” 
حك يوسف رأسه بكفه قائلا ” ليه بس كدة يا حاج هوا انا ليا غيركو ؟؟“ 
نظر محمود ليوسف لحظات تأمل فيها ملامحه المرهقة وقال بامتعاض ” كنت فين امبارح باليل يا يوسف واوعى تقول انك كنت فى شغل ” 
اطرق يوسف برأسه ارضا وقال ” لا ياحاج مكنتش فى شغل ” 
ابتسم محمود بزاوية فمه فى سخرية قائلا ” يعنى كالعادة كل ليلة فى كباريه شكل ...بتفضل تسكر لحد متبقاش قادر تقف على حيلك وترجع ع الشركة على ما تقدر تفوق الاول وبعدين ترجع البيت ” 
مرر يوسف يديه فى شعره وقال دون ان ينظر الى ابيه ” يا حاج ما دام مفيش حاجة بتأثر على شغلى يبقى خلاص من حقى اعيش حياتى زى اى حد ” 
ضرب والده كفيه ببعضهما قائلا "هو انت ازاى عايش بالازدواجية دى ؟؟...بالنهار مثال للالتزام والاحترام وباليل بتتحول ..يا شيخ ده انت امك النهاردة بتقولى لو كان هلاس ..امال لو عرفت انك كل يوم مع واحدة شكل هتعمل ايه ..يا بنى ده انت عندك اخت اتقى الله ” 
نهض يوسف قائلا  في هدوء غريب كأنه يتحدث بالمنطق” انا مبخدعش حد ولا بوعدهم بحاجة ..كل واحدة عارفة اخرها ايه وبتاخد المقابل ..وانا اه علاقاتى كتير بس موصلتش للغلط اللى فى دماغك ” 
قال والده من بين اسنانه فى غيظ فهدوء ولده يذهب بضبط نفسه أدراج الرياح ” غلط ؟؟...كل ده ومفيش غلط ..ده مجرد وجودك مع واحدة غلط ..لو مسكت بس ايدها ده اكبر غلط وحرام ..انا نفسى اعرف انت بتعمل فى نفسك كدة ليه ..اطلع من اللى فات بقا يا يوسف ” 
تحركت عضلة في جانب وجه يوسف أخبرت أبيه عن استياءه للتلويح بأمر يحاول تناسيه فاحتد قائلا ”بابا لو سمحت انا مش طفل واقدر ..“ تراجع والده فى صدمة من حدته فتنهد يوسف وقال فى اعتذار وهو يتنهد  ” انا آسف يا بابا..حقك عليا ..“ 
اشاح محمود بوجهه للحظات ، ما كان عليه ان يذكر اى شىء يخص ما مضى تماما ، تنهد فى عمق بدوره ليتجاوز الموقف بأسره وينفذ الى ما يريد  وقال ” اقعد نستني كنت عاوز اقولك ايه ” 
جلس يوسف في هدوء فتابع محمود ” انا حاسس ان احنا بقالنا فترة مبنجددش استايلات اللبس اللى بنزلها وخصوصا ازياء المحجبات ” 
تنحنح يوسف قائلا وهو يستعيد عمليته” والله يا بابا على يدك احنا بنتعامل مع اكبر مصممين ازياء فى البلد ” 
لوح محمود بكفه في عدم رضا قائلا ” افكارهم كلها بقت قديمة ومكررة ..احنا محتاجين دم جديد ” 
مد يوسف شفتيه فى تفكير وقال ” ممكن ننزل اعلان فى الجرايد ” 
هز محمود رأسه قائلا ” اعلان ايه بس يا يوسف ده انت بيجيلك الشركة هنا كل يوم يييجى ميت واحد مبتقابلهمش ..“ 
اخذ يوسف يدق بقلمه على مكتبه  وقال فى حنكة رجل أعمال ناجح ” كلهم موهوبين ممكن ..بس مبتدئين وانا مش هغامر بسمعة الشركة ” 
ضحك محمود قائلا ” جرى ايه يا يوسف انا اللى هعلمك البيزنس كله ماهو الا عبارة عن مغامرة ” 
تنهد يوسف  وقبل ان يرد دلفت هالة سكرتيرته فرفع يوسف نظره اليها قائلا ” خير  يا هالة فيه ايه ” 
قالت هالة فى رسمية ” فيه واحدة برة يا فندم بتقول انها مصممة ازياء وعايزة تقابل حضرتك ..ابعتها على قسم المصممين زى اللى قبلها ولا تحب تقابلها ” 
نظر يوسف الى محمود الذى نظر الى هالة قائلا ” واضح ان البنت دى بينها وبين ربنا عمار ” 
ابتسم يوسف قائلا ” دخليها ياهالة” 
اومأت هالة برأسها فى نفس اللحظة التى نهض فيها محمود فقال يوسف ” على فين يا بابا ..مش هنقابلها سوا ؟؟؟؟“ 
تصنع محمود عدم الاهتمام وقال ” شوفها انت بقا يا يوسف ” تابعه يوسف في دهشة وهو يخرج وقال ” على فين يا حاج الباب من هنا ” 
ازدرد محمود ريقه قائلا بابتسامة” لا ما انا هخرج من هنا عشان هعدى على زين قبل ما امشى ” 
ولم يمهله محمود فرصة فحين فتحت هالة الباب كان محمود قد خرج بالفعل ، جلس يوسف على كرسيه فى وقاره المعتاد بينما دخلت ايلينا فى خطواتها المتمهلة الواثقة حين رفع يوسف نظره اليها لتلتقى عيناهما للمرة الاولى، نظر لها يوسف فى تمعن من اخمص قدمها الى رأسها ليلفت نظره زيها الراقى المحتشم وتناسق الالوان الواضح ، ابتسمت فى روتينيه قطعت تأمله ” السلام عليكم ” 
رد فى رسمية مماثلة ” وعليكم السلام ” 
واشار الى الكرسى قائلا ” اتفضلى اقعدى ” جلست ايلينا فشبك يوسف اصابعه واستند بمرفقيه على المكتب قائلا ” نتشرف بالاسم ” 
ردت ايلينا ” ايلينا سمير ..خمسة وعشرين سنة ” 
هز يوسف رأسه قائلا ” طيب انسة ...ولا مدام ..“  وقطب حاجبيه فى محاولة لتذكر الاسم الصعب على ذهنه فتنهدت ايلينا قائلة ” انسة يافندم ...واسمى ايلينا ” 
ابتسم يوسف قائلا ” سورى بس الاسم غريب شوية ..المهم انتى اشتغلتى قبل كدة ولادى مجرد هواية ” 
وضعت ايلينا الملف الذى كان بيدها امامه فى هدوء قائلة ”  ده  جزء من شغلى قبل كدة ” اخذ يوسف الملف وتراجع على كرسيه وهو يتفحصه جيدا ليدرك انها ليست هاوية ابدا بل محترفة ، الازياء طرازها غريب وجديد وربما هذا ما كان يريده بالضبط ، قال دون ان يرفع عينه عن الورق ” انتى بتصممى لبس لمحجبات وبس ” 
هزت ايلينا رأسها قائلة ” ايوة ” 
قال يوسف بابتسامة ” شغلك كويس جدا ..افكارك جديدة واحنا محتاجين لده ” واضاف وهو يميل الى الامام قليلا ” هتشتغلى معانا تحت الاختبار شهر وبعدين نقرر هتكملى ولا لا ” 
واضاف وهو ينهض ايذانا بانتهاء المقابلة ” اما بالنسبة للمرتب والماديات ونظام الشغل ومواعيده فده كله عند هالة برة هتفهمك كل حاجة ” ومد يوسف يده ليصافحها حين نهضت بدورها قائلة ” فرصة سعيدة انسة ...“ 
ردت ايلينا بابتسامة ” ايلينا واسفة جدا مش بسلم على رجالة ” 
تنحنح يوسف فى احراج وهو يعيد كفه الى جيب سترته ويهز رأسه في تفهم قائلا ” طيب تقدرى تتفضلى ” 
خفضت ايلينا رأسها كتحية والتقطت ملفها لتخرج بينما عينا يوسف البنيتان تتابعها بابتسامة لا يعرف لها معنا 
***********************************************************************
مر محمود قبل رحيله على مكتب زين ، وجده مشغولا بدراسة احدى المناقصات التي ستدخلها المجموعة فلم ينتبه لظهوره ، تنحنح محمود ليعلن عن وجوده فنهض زين مسرعا في احترام ليرحب بأبيه ويقبل يده ، ابتسم محمود وزين يعرض عليه ان يجلس على رأس المكتب مكانه فرفض باشارة من كفه وجلس على مقعد أخر قائلا "اقعد انت راخر وبلاش أدبك الزايد ده "
ابتسم زين في بساطة ليتأمله محمود لحظات ، هو لا يشبه أخاه مطلقا ، زين مثال للالتزام والاستقامة في كل وقت وحين ، وهو ما اثبته له بطلبه الذي كرره وهو يحك رأسه في خجل "بابا لو سمحت أنا مش عايز السكرتيرة اللي برة دي "
مسح محمود وجهه بكفه في ملل قائلا "وبعدهالك يا زين ...مالها دي كمان ...البنت شاطرة جدا في شغلها ومعملتش غلطة واحدة ..اوعي تقولي لبسها !!"
رفع حاجبيه وخفضهما ليرد على أبيه قائلا "بالظبط ..ومش بس لبسها لا طريقتها في الكلام ولا أسلوبها ولا.."
قاطعه محمود في تذمر قائلا "انت مفيش واحدة بتعجبك أبدا ...كل ما تيجي واحدة تقولي لبسها وطريقتها ...احنا هنلبس الناس على مزاجنا يا زين ..مهياش عايزة تتحجب هيا حرة مش هنقطع عيشها .."
قطب زين حاجبيه في عدم رضا قائلا 'يا بابا مش موضوع حجاب  "
استند محمود بمرفقيه على المكتب وهمس له في غيظ "ما تحبكهاش يا زين ..ما تحبكهاش يا حبيبى ..انت حتى أختك مش عاجبك لبسها وعاوزها تتحجب .."
وغمز بعينه قائلا "لما تبقى تتجوز ابقا اعمل ما بدالك في مراتك ان شالله حتى تنقبها "
ابتسم زين وهو يشيح بوجهه فلا فائدة ترجى من محاولة اقناع أبيه بوجهة نظره مطلقا ، دق محمود على المكتب ليلفت نظر ولده وهو يقول "مش ان الاوان بقى ...عاوزين نفرح بيك يلا ..بما اننا خلاص فقدنا الأمل في اخوك نفرح امك بيك انت "
ابتسم زين في تندر وقال "ايه يا حاج لقتلي عروسة "
بسط محمود كفيه قائلا "هو فيه احلى ولا أجمل من سمر بنت عمك "
لم يأخذ زين الحديث على محمل الجدية فهو على تمام الثقة أن الجميع يعلم أن سمر مثل ايتن تماما بالنسبة اليه ، مجرد شقيقة صغرى "وبعدين بقا يا حاج ..ما انت كلكو عارفين انها أختي "
حدق به محمود للحظات في حنق حتى انفجر به قائلا "خوتة لما تبقى تخوتك انت كمان ...أختك منين ان شاء الله "
نهض زين من مقعده واتجه الى أبيه يربت على كتفه قائلا في محاولة لترضيته "ايه بس يا حاج مالك ..انا وسمر اتربينا مع بعض زي الاخوات فعلا ..ما تكبروش الموضوع في دماغ البنت "
ازاح محمود كف ولده في عنف وهو يقول " اوعي يا واد انت ...انا هقوم امشي "
ونهض ليغادر بالفعل بين ابتسامات زين من طريقته ، ابتسامات لم يجعله محمود يهنأ بها وهو يلتفت له قائلا في حنق "وحياة سميرة أمك... السكرتيرة اللي برة دي ما هتتحرك من مكانها " 
تلاشت ابتسامة زين وهو يعلم جدية أبيه حتى لو كانت الجملة تبدو كمزحة ، وقبل أن يفتح محمود الباب التفت له مرة أخيرة قائلا وهو يشير باصبعه يمينا ويسارا في سرعة  "خليها بقا رايحة جاية قدامك كدهو ..لحد ما تقول حق برقبتي عايزة اتجوز "
************************************
كانت ايتن تعبث بهاتفها حين دخلت امها الى غرفتها بشكل مفاجىء وهي تهز رأسها فى تأفف ، رفعت ايتن نظرها اليها قائلة ” ماما؟؟..خير فيه ايه ؟؟“ 
اقتربت سميرة والتقطت الهاتف من يدها قائلة ” عاوزة اتكلم معاكى شوية ” 
مررت ايتن يدها فى شعرها قائلة في ملل ” فى ايه ” 
قالت امها فى ترقب ” فى الموضوع اللى اتفتح الصبح ” 
رفعت ايتن حاجبيها فى استنكار وقالت ” موضوع ايه ..هوا بقا موضوع خلاص ؟؟“ 
تنهدت سميرة قائلة ” انا مش عارفة ايه اللى مش عاجبك فى حسام ” 
نهضت ايتن وقالت فى غيظ مشوب بانكار ” قصدك تقولى ايه اللى ممكن يعجبنى فى حسام ؟“ 
نهضت سميرة وقالت لابنتها فى تحذير ” اتكلمى بأدب عن ابن عمك يا بنت ” 
ابتسمت ايتن فى سخرية وقالت وهي تكتف ذراعيها  ” ابن عمى وبس على عينى وراسى مش هتكلم ..انما اكتر من كدة لا هقول وهقول كتير كمان ” واشارت بسبابتها الى صدرها قائلة ” انا اتجوز حسام ..طب ازاى ؟؟..ايه اللى ممكن يشدنى فيه من اصله ؟؟...قصير كدة ومكعبر ومش بيعرف يلبس ولا يتشيك زى باقى الناس ..بحسه بيلبس لبس واحد عنده تسعين سنة ..عنده ايه يتحب اصلا ” 
اشاحت سميرة بوجهها للحظات حتى تكتم غيظها من سطحية تفكير ابنتها وعجرفتها الفارغة  لتلتفت لها من جديد قائلة بأقصى قدر ممكن من ضبط النفس ” عنده قلب من دهب مش عند حد ..بيخاف عليكى من الهوا الطاير ..بس اقول ايه واحدة تافهة زيك بتاخد بالمظاهر هتقدر ازاى واحد زيه ..انتى عايزالك واحد من الخنافس اللى ماشين فى الشارع يضحك على عقلك بكلمتين وبعد الجواز يصبحك ويمسيكى بعلقة ” 
زفرت ايتن وقالت فى ضيق وحدة واضحة ” هيا الدنيا كلها مفيهاش غير حسام ..ريحى نفسك يا ماما لو اخر حد فى الدنيا مش ممكن اتجوزه ” 
” صوتك عالى ليه ” صوته الصارم جعلها تنتفض على الفور لتلتفت تجد يوسف يعقد حاجبيه وهو يقترب منها ” قلت قبل كدة محدش صوته يعلى فى وجود ماما ” 
واضاف فى نبرة غاضبة ” فاهمة ولا افهمك بطريقة تانية ” 
امسكت سميرة بذراع ولدها قبل ان يقترب من شقيقته أكثر فهى تعرف نوبات غضبه جيدا وتخشى أن يمس ابنتها احداها ، هي تعرف أنها خطه الأحمر الذي يرفض مجرد الاقتراب منه ، قالت في قلق ” خلاص يا يوسف ..مكنش قصدها ” 
ابتسم يوسف لسميرة لينفي ما تفكر فيه وتخشاه  بينما التفت الى ايتن وهو يعيد الى ملامحه الصرامة من جديد قائلا ” سيبها يا ماما ..حسام ده الف واحدة بتفهم تتمناه لكن دى واحدة تافهة بتاخد بالمظاهر وبس ” اخفضت ايتن نظرها في خجل بينما ربتت سميرة على كتفه قائلة ” حبيبى شكلك تعبان روح ريح انت ” 
فرك يوسف عينيه قائلا ” فعلا كان يوم طويل اوى ” 
تذكرت سميرة ان هذا اليوم هو يوم لقائه مع ايلينا فحاولت ان تتحايل عليه لتعرف اى شىء ولو من بعيد لتقول فى تلعثم وحذر” ماهو العادى يا يوسف ولا فيه حاجة جدت ” 
رد يوسف وهو يتثاءب ” ايه الجديد يعنى ..اهو نفس الطحنة كل يوم ” ومال على رأسها مقبلا اياه وهو يقول ” تصبحى على الف خير ” 
وقبل ان يهم بالخروج نادته ايتن ” ابيه يوسف ” 
التفت لها فقالت وهى تفرك يديها فى خجل ” متزعلش منى انا اسفة ” 
اتسعت حدقتى يوسف وقال فى استنكار ” اعتذارك ده امك اولى بيه ولو رفعتى صوتك عليها تانى مش هقولك هعمل ايه ..ده آخر تحذير ” 
امسكت ايتن بكف امها وقبلته قائلة فى طفولة ” مامى حبيتى مش بتزعل منى ابدا ” 
ابتسمت سميرة وهى  تمسح على شعرها فرفع يوسف حاجبيه وخفضهما قائلا ” بقا كدة ..ماشى اطلع انا منها بقا ” 
وكرر تحيته على امه قبل ان يغلق الباب ويذهب لتتعلق عينا سميرة بالباب خلفه ، تذكرت ذهابها لرؤية ايلينا بالامس مع محمود زوجها وان كان انبهار محمود بها بعد ذلك لايساوى عشر انبهارها بها ، لا يمكن بالفعل ان تقارن بأى عروس اخرى اقترحتها على ولدها من قبل ، بساطتها تدينها حنانها على اخيها ، كل شىء فيها ادهشها عن حق وجعلها تبتهل لله ان تكون هى الزوجة الصالحة لولدها بل تمنت منها نسخة اخرى منها لولدها زين ، اخبرت محمود انها توافقه على خطته وستدعمه فيها بكل قوتها فهى لن تتنازل على ان تكون ايلينا زوجه لابنها .
*************************************************************
كان سمير فى غرفته يكتم تأوهاته فمنذ ان عاد الى وطنه والألم يزداد ، قلبه المريض لم يعد يحتمل المكابرة وهو يجبره على أن يواصل دون ادنى اعتبار لحالته .
تمدد على فراشه بعد ان اخذ قرصا من دوائه واخذ يلهث فى تعب ، طرق باب غرفته ليدخل على وهو يتحسس الطريق امامه ، فاعتدل محمود فى فراشه وحاول ان يوازن صوته قائلا ” فيه حاجة يا على ؟؟“ 
وصل على الى حافة الفراش وجلس عليه قائلا ” انا اللى جاى اسألك السؤال ده يا بابا ..فيه حاجة ؟؟“ 
اغمض سمير عينيه في محاولة لكتم المه وقال ” قصدك ايه ؟؟؟“ 
التفت على بوجهه وتحسس الفراش حتى وصل الى كف ابيه فقبض عليها قائلا ” ليه بتخبى عننا انا حاسس بيك بتتأوه طول الوقت ” 
حدق سمير فى ولده للحظات هذا الفتى يفاجئه دوما ، لديه قدرات تفوق المبصرين ، الأعمى هو من يظن بهذا الطفل العمى  ، تنهد وهو يضغط على كف ولده قائلا ” معقول يا بابا لسة بتستغرب ...انا صحيح اعمى بس ربنا ادانى نعمة وحاسة تانية اقوى بكتير من البصر ..احساسى ..زى عينيكو بالظبط اللى بتشوفو بيها ..بيه برسم ملامحكو وبشوف وشوشكو ..عمرى ما حسيت انى فيه حاجة ناقصة ” 
طالعه محمود من جديد ، هذا ليس طفلا فى التاسعة ابدا بل هو رجل فى حكمة السبعين ، ربت على كفه قائلا ” انت عاوز تعرف ايه يا على انا كويس يا حبيبى ” 
ابتسم على قائلا ” حضرتك قررت بعد سنين طويلة نرجع مصر ..رغم ان ماما ماتت من خمس سنين فليه التوقيت ده بالذات وبعدين طول الوقت حاسس انك تعبان وبتخبى ” 
دمعت عينا سمير فاقتربت يد على تتحسس خده وتمسح دمعته قائلا ” انا اسف بابا مقصدتش ازعلك انا كنت حابب بس اطمن عليك ” 
وقبل ان يرد سمير شعر الاثنان بباب الشقة يفتح فمال سمير الى ولده هامسا بحزم ” على اوعى تتكلم قدام اختك فى حاجة  ” 
كان على يريد ان يكمل حديثه او يسأله عن سر عدم رغبته فى الافصاح عن مرضه ولكنه رضخ لابيه وقال فى ادب ” حاضر يا بابا ” 
دخلت ايلينا عليهما وقالت في مرح ” السلام عليكم ” 
رد سمير وعلى ” وعليكم السلام ” 
وضعت ايلينا حقيبتها على منضدة مجاورة وارتمت على كرسى قريب وبدأت فى فك حجابها لتحصل على بعض الاسترخاء وهى تطلق العنان لشعرها الغجرى المثير ، قالت وهى تضيق عينيها وتنظر الى سمير ” مالكو ..بابا انت كويس ” 
ابتسم سمير قائلا ” اه بس الكافيه خد منى مجهود ” واضاف بضحكة حاول جيدا ان تبدو طبيعيه ” الظاهر انى كبرت وعجزت خلاص ” 
ابتسمت ايلينا وهى تدلك رقبتها ” عجوز ايه يا بابا انت لسة فى عز شبابك ” 
قال سمير فى اهتمام ” طمنينى عليكى اخبار الشغل ايه ؟؟“ 
مدت ايلينا شفتيها قائلة في سعادة” ماشى الحال ...الشهر اللى اتحطيت فيه تحت الاختبار  عدى خلاص وهبدأ اشتغل فى ازياء هتنزل فى الكوليكشن بتاع الموسم الجاى ..متتخيلش انا قلقانة قد ايه ” 
نهض سمير فى الم تحامل ليخفيه ومسح على شعرها قائلا ” وليه القلق زى ما نجحتى هناك هتنجحى هنا برضه ان شاء الله ” 
هزت ايلينا رأسها قائلة ” التصميمات اللى انا قدمتها تعتبر غريبة شوية ومش عارفة الناس هنا هتستقبلها ازاى ” 
وتنهدت وهى تنظر الى ابيها قائلة ” انا بحب اكون دايما عند ثقة اللى قدامى ويوسف ادانى ثقته وانا مش عايزة اخذله ” 
قطب والدها حاجبيه  فى اهتمام قائلا ” يوسف ” 
تنحنحت ايلينا وقالت ” ماهو الشركة اللى بيديرها الباش مهندس يوسف وهوا ادانى كل الصلاحيات ” 
نظر سمير فى عينى ابنته للحظات فارتبكت وتراجعت قائلة ” انا هروح اغير هدومى عشان نتغدى سوا ” 
واتجهت ايلينا الى غرفتها ،وقفت تتأمل نفسها امام المرآة لحظات وهى تعبث فى شعرها فى شرود وتتساءل لماذا ارتبكت هكذا حين ذكر اسمه ؟؟، لماذا طالعها والدها بتلك النظرة ، هى لا تنكر مطلقا انها تعجب بذكائه ورجاحة عقله ففى هذا العمر يدير هذا الصرح الكبير ليحفر له اسما ناجحا واضحا فى سوق رجال الاعمال ، يعجبها انضباطه وجديته وايمانه بموهبتها فقد وافق على المغامرة بطرح عملها فى السوق ولا بد ان تكون على مقدار ثقته ، تنهدت وهى تضع يدها على شفتيها تنكر تلك الابتسامة التى تلوح على ثغرها وتكرر على نفسها هذا ليس اعجاب امرأة برجل هو مجرد اعجاب بشخص ناجح فتجربة ريان لم تخرج منها بعد ، نظرت الى الكراس التى رسمت فيه التصاميم بابتسامة وتساءلت هل سيعجبه ؟؟
اما ما حدث فى صباح اليوم التالى فلم يعجبها هى وتغيرت تلك الصورة التى رسمتها فى خيالها ليوسف لتحل محلها صورة اخرى ...
تابعته في شرود وهو يتفحص آخر ما أنجزته من تصميمات على حاسوبها الصغير، عبثت باحدى أطراف حجابها المتدلية على كتفها في ابتسامة لا تعرف كيف تستوطن شفتيها كلما تأملته عن قرب هكذا ، نظر اليها بابتسامة رضا  محت بسرعة ابتسامتها البلهاء تلك وهو يقول في حماس ” التصاميم غريبة بس جميلة ..انا شايف ان شاء الله شركتنا هتنفرد بيها ” 
ازدردت ايلينا ريقها فى ارتباك لا تعرف مصدره ، ارتباك يصيبها فقط حين يثني على عملها أو ينفحها احدى ابتساماته ، ارتباك لا تجد له تفسير  وتخشى أن تعرف له مبرر ” أتمنى يا فندم ” 
اغلق يوسف الحاسوب أمامه ونظر لها فى تمعن ، داعب ذقنه بسبابته لحظات قائلا ” قلقانة ؟؟“ 
هزت كتفيها محاولة التظاهر بالثبات من هجوم نظراته المباغت دون أن تتحاشاه قائلة ” أكيد ..حضرتك شيلتنى مسئولية واسم المجموعة ودى حاجة مش سهلة أبدا ” 
رفع يوسف حاجبيه وخفضهما قائلا في تقدير ” مكنتش هعمل كدة لو مكنتش واثق من النجاح ” واضاف وهو يشبك اصابعه ويميل اليها قليلا معطيا الفرصة لعطره أن يتسلل الى أنفها ليربكها أكثر  ” وواثق كمان انك اضافة كويسة للمجموعة ”، تراجعت للخلف وتنحنحت لتستعد  ان ترد مجاملته ،وقبل أن تفعل فتح الباب فجأة فظنها يوسف هالة مديرة مكتبه ولكنه تفاجىء بما جعل فكه الأسفل يتدلى ببلاهة فقد وقفت فتاة شقراء تبدو فى منتصف العشرينيات تقربيا ترتدى تنورة قصيرة جدا من اللون الاسود لا تتجاوز منتصف فخديها مع سترة من نفس اللون يظهر من تحتها قميص ابيض فتحت أزراره بما يكفى لإظهار جزء لايستهان به من صدرها ، خطت فى ثقة بكعبها المرتفع الذى تعالى صوت ارتطامه بالارض مع تعالى نبضات قلبه المتوترة ، اقتربت أكثر  وقالت فى دلال وبلكنة أجنبية معربة ” يوسف ” تنهد  ليعادل أنفاسه المتسارعة والتي تشي بوضوح عن حالة القلق الحادة التي أصابته   وحين ركضت فى اتجاهه لترتمى بين ذراعيه ابعدها فى رفق وهو ينظر الى ايلينا فى احراج والتى بدورها كانت تتابع ما يحدث وهى تخفض رأسها أرضا لتهدر نظرات ذهولها بعيدا عنهما  ، نظر يوسف الى الفتاة قائلا فى غضب وبفرنسية سليمة ” جينا ؟؟..ماذا تفعلين هنا ؟؟؟“ ..وكيف تمكنت من الدخول الى مكتبى ؟؟“ 
ابتسمت جينا وهى تحاول ان تحيط عنقه بذراعيها ” لا يوجد احد بالخارج ..ماذا عزيزى ألم تشتق الى جينا حبيبتك ” 
أنزل يوسف ذراعيها قبل أن يبلغا عنقه قائلا في تأفف” لايصح ما تفعلينه هذا أبدا ...هذا مكان عمل رجاءا توقفى عن هذا واخبريني ماذا جاء بك الى هنا ” 
ابتسمت فى خبث قائلة ” اتعني الى مصر أم الى عملك ؟؟“ 
زفر فى نفاذ صبر وهو يترك ذراعيها في ملل” الاثنان ” 
مالت بوجهها قليلا لتنسدل خصلة من شعرها على وجهها فى اثارة وهي تقول ” أنسيت أنني مضيفة طيران ياعزيزي ..كان لدي رحلة إلى مصر ..وبمجرد أن وطئت قدمي أرض وطنك قدمت إلى هنا مباشرة لأستزيد برؤية عينيك البنيتين هاتين وملامحك التى أعشقها يا فارسي الجميل ” 
نظر يوسف الى ايلينا التى أشاحت بوجهها الى الاتجاه الآخر وهو يتنهد ظنا أنه قد افلت فهى لا تعرف الفرنسية على حد علمه ، عليه أن يتظاهر بأقصى درجة من الجدية اذن لتظن أنها مجرد عميلة أجنبية تتعامل بوقاحة الغرب وانفتاحهم ليس أكثر ، التفت الى جينا قائلا في صرامة  ” جينا لا تخدعي نفسك لم تكن بيننا هذه العلاقة أبدا ..علاقتنا كانت عابرة خالية من أي مشاعر....علاقتنا كانت للمتعة فقط....أنا لم أخدعك فلاتوجد أنثى على وجه الأرض بامكانها تحريك مشاعر يوسف البدرى ” 
اقتربت جينا وأمسكت بياقة قميصه قائلة في دلال ” أواثق أنت أنني لم أفعل أم أنني لا استطيع أن أفعل ” 
زفر في ضيق وهو ينزل كفيها " أخبرتك أن تتوقفي عن هذا "
التفتت جينا الى ايلينا ورمقتها من اخمص قدمها الى رأسها كأنها لم تنتنبه لوجودها سوى الان، رفعت الثانية  نظراتها اليها هذه المرة لتتواجه العيون بتحد لم يفهم له يوسف معنا ،  نظرت جينا من جديد اليه قائلة وهى تكتف ذراعيها ” حسنا عزيزى انت تعرف اين انتظرك ..واعرف جيدا كم تشتاقنى وان تظاهرت بالعكس ..هل ستأتي ؟؟“ 
اراد يوسف ان يصرفها من امامه بأى طريقة فهو يخشى من تماديها أكثر من هذا فعض على شفته السفلى قائلا ” نعم سأفعل ” 
ابتسمت فى ظفر وهى تتراجع للخلف وترسل له قبلة فى الهواء ، اغمض يوسف عينيه فى تقزز كأنه يمتنع عن استقبال تلك القبلة المجازية،  التفت الى ايلينا التى كانت تشيح بوجهها عنه محاولة بقدر المستطاع اخفاء انفعالاتها وصدمتها فيه فقال لها بالفرنسية دون وعي ” اذهبي الى مكتبك الان ايلينا وسنتابع غدا ” انتبه للغة وحين هم ان يكرر ما قاله بالعربية وجدها ترد فى حنق بالفرنسية أيضا ” حسنا سيدي نتابع غدا ” 
اتسعت حدقتا يوسف وقبل ان تصل الى الباب لترحل ناداها قائلا فى تلعثم ” انتى بتعرفى فرنساوى ؟؟“ 
توقفت لحظات قبل ان تستدير له قائلة ” فرنساوى والمانى وانجليزى ..بعد اذنك ” 
مرر يوسف يده فى شعره وهو يشده فى غيظ من هذه الفرنسية الغبية ، لا يحب ان تنتقل تلك الصورة عنه بين موظفينه او اهله وان كان والده قد علم بالمصادفة فلن يسمح لتلك المصادفة بالتكرار من جديد ، لايعرف حقا هل يمقت نمط حياته هذا ام يحبه ام هو مجرد اعتياد ورهبة من التغيير ، هل بامكانه ان يغير معتقده عن النساء يوما ما انهن لم يخلقن الا من اجل المتعة وان الزواج بمسئولياته قد يسلبه اياها، عض على شفته السفلى فى حنق وهو يتذكر نظرة ايلينا له وحظه العاثر فى معرفتها بالفرنسية بينما كان يتحدث مع جينا بحرية ظنا منه انها لاتفهم اى شىء مما يقول ، حاول تذكر ماقاله وهو يجول فى مكتبه فى غضب حاول التنفيث عنه فرفع سماعة الهاتف اخيرا وطلب من هالة مديرة مكتبه الحضور وفى لحظات كانت أمامه ، نظر لها يوسف فى غضب أرعبها قائلا ” سيادتك كنتى فين ؟؟“ 
نظرت له هالة فى تساؤل فواصل يوسف بلهجة لاول مرة يحدثها بها ” الاقى الناس داخلة عليا من غير معاد وكأنها وكالة من غير بواب ..سيادتك ملكيش لزمة هنا ولا ايه ” 
قالت هالة بسرعة وفى توتر ” يافندم انا روحت الحسابات عشان ” 
بسط يوسف كفه امامه قائلا ” ولا كلمة ...انتى من النهاردة مش مديرة مكتبى وهنقلك مكان تانى ” لمعت الدموع فى عينى هالة ولكنها لم تؤثر تماما فى يوسف وحين همت بالحديث لتسوق له اى مبررات اكتفى يوسف بأن اشار الى الباب وقال فى اصرار ” على مكتبك وفترة مؤقتة وحد هياخد مكانك ” فذهبت من امامه وهو يلعنها ويلعن جينا فى سره كلما تذكر ماحدث ونار غضبه تتأجج اكثر ولا يعرف لما غضبه يتضاعف اكثر لان المصادفة هذه المرة اختارت ايلينا بالذات ، زفر فى غضب وهو يغلق عينيه ويزيح تماما الفكرة عن رأسه ، نعم هى مختلفة فى كل شىء وذكية ولكن اعجابه بها لا يتعدى اعجابه بموظف نشيط ومجتهد ولا يمكن ان يتخطى اكثر من ذلك فهى فى النهاية مجرد انثى ، والاناث لديه يخضعن لقاعدة لاتشذ عنها سوى أمه، لم يستطع ان يبقى فى مكانه اكثر غادر المجموعة بعد ان ترك خبرا لزين وحسام برحيله ، وبينما كان يغادر  طرد هاجسا قويا عن باله بلا رجعة ، هاجسا يدفعه الى الذهاب الى مكتبها وتقديم اى مبرر لما حدث ولكنه تراجع فلتعتقد ما تعتقد ولتذهب الى الجحيم ما شأنه فقد حدث ما حدث .
***************************************************
” قلقتنى ياسمير مالك ؟؟“ هتف بها محمود في خوف  بينما كان يجلس مع سمير على إحدى الطاولات فى مقهاه 
وضع سمير جبينه بين سبابته وابهامه ليمسده قائلا ” خايف اوى يا محمود ” 
قطب محمود حاجبيه  في قلق قائلا ” من ايه يا سمير ما تتكلم على طول ” 
لاحت شبح ابتسامة يأس على شفتى سمير وهو يتنهد قائلا ” الدكاترة قالو خلاص اني حالة قلبى مش مستحملة ” 
اغمض محمود عينيه فى ألم متذكرا ماعاناه سمير مع مرضه في الماضي وقال ” المرض ده لسة بتعاني منه ؟؟“ 
مسح سمير وجهه كأنه يخفي علامات ألمه البادية بوضوح على ملامحه  قائلا ” طول عمرى متعايش معاه بس الظاهر خلاص هنجيب اخرنا مع بعض ” 
مد محمود يده ليربت على كف سمير قائلا في حنان  ” متقولش كدة يا راجل الدكاترة بتحب تهول خلى املك فى الله كبير ” 
رفع سمير حاجبه قائلا ” انا مش خايف على نفسى يا محمود انا خايف على عيالى من بعدى مش هيبقالهم حد ...انا لما لقيت المرض بيتمكن منى رجعت بيهم على مصر على طول كنت خايف يكملو باقى حياتهم فى الغربة وينسو كل اللى اتعلموه ويبقو خواجات زى اللى عايشين معاهم ..لكن هنا اهو الاسم عايشين وسط اهلهم وناسهم ” 
، عض على شفته السفلى وهو يقاوم تأثير هذا الهاجس الصعب في تخيل قسوة الحياة على أبنائه من بعده ، قبل أن يرفع رأسه مجددا ويضيف  بلهجة كلها رجاء“ لو جرالى حاجة يا محمود ..عيالى أمانة فى رقبتك ” 
قال محمود ودمعة تعاطف  تلوح فى عينيه ” ياراجل ان شاء الله تبقا كويس وتفرح بيهم وعيالهم وعيال عيالهم كمان ” واشاح بوجهه للحظات قبل ان يقول ” هوا حد فيهم عارف بالموضوع ده ؟؟“ 
اشار سمير بسبابته في نفي  ” لا أبدا ..على بس هوا اللى حاسس ...بس ايلينا متعرفش ومش عايزها تعرف كفاية اللى هيا فيه ..شالت مسئوليتنا انا واخوها وهيا مكملتش عشرين سنه اكيد هتعرف بس فى الوقت المناسب ...المهم دلوقتى يا محمود ..عيالى مش هيبقالهم حد بعدى ابقى خلى بالك منهم عشان خاطرى ” امتعض وجه محمود وقال ” ياراجل بطل بقا ..الأعمار بيد الله ان شاء الله خير ..ان شاء الله ” وشرد محمود بعينيه وهو يتذكر نيته تزويج ايلينا بوسف وتمنى لو كان بامكانه ان يخبره على ما خطط له ولكنه تراجع وشىء ما حول الامر كله الى النقيض تماما ، لقد أوصاه الرجل بولديه وهو يسعى لتزويج ابنته بولده الذى يعرف جيدا هفواته ونزواته ، ألايعد هذا ظلما لايلينا ؟؟ ، ألايمكن اعتبارها خدعة وانانية منه للنظر الى صالح ولده فقط دون أدنى اعتبار لتلك التى ستعانى معه حتى وهي تحاول اصلاحه ؟؟، ومن هنا  بدأ محمود جديا فى صرف الفكرة عن باله .
*******************************************
دخلت ايلينا الى منزلها ، اغلقت الباب خلفها واستندت بظهرها اليه للحظات وهى تقطب حاجبيها فى غضب لم تتخيله هكذ ابدا ، كان مهذبا دائما فى التعامل معها وراقيا الى ابعد حد لم يتجاوز معها ولو بنظرة، ابتسمت فى سخرية وهى تتذكر انها فى بعض الأحيان ظنته خجولا ،كيف يجيد التمثيل الى هذا الحد الذى لا يجعله يختلف عن الواقع ، تذكرت كلماته مع جينا في اشمئزاز ماذا يعنى بعلاقة عابرة دون مشاعر ؟؟، هذا الحقير الذى خدعت فيه ماذا يقصد ، شعرت بالاختناق وهى تستحضر بذاكرتها مشهدها وهى تحاول ان ترتمى بين ذراعيه وتحيط عنقه بذراعيها ، قطع افكارها تسلل رائحة طعام الى انفها فظنته اباها ولكنها تفاجئت حين ذهبت الى المطبخ بعلي وهو يقلب بعض الطعام على النار ، شهقت فى صدمة فالتفت لها على حين شعر بوجودها قائلا ” حمدلله ع السلامة ” 
لوحت ايلينا بكفها قائلة في صرامة ” انت بتعمل ايه يا على ؟؟“ 
واصل على تقليب الطعام قائلا في بساطة  ” بطبخ ” 
اقتربت ايلينا وحملت الاناء من على النار وخبطته على السطح الرخامى فى غضب كادت به أن تحطمه وهى تقول ” انا كام مرة قولتلك متولعش البوتاجاز ولا تدخل المطبخ وانا مش موجودة ” 
قال على فى احتجاج  ” دى مش أول مرة ايلينا أنا كنت بدخل المطبخ هناك على طول ” 
انحنت ايلينا لتكون فى مستواه قائلة فى حزم ” هناك انت حافظ المكان وعارف كل حاجة فيه هنا لسة ..عارفين كلنا ان عندك قدرات خاصة بيك بس فى الاول والاخر لازم تقدر ظروفك مش كل مرة الدنيا هتمشى تمام ..فاهمنى ؟؟“ 
اخفض علي رأسه بانكسار ولم يرد فشعرت ايلينا بالندم على طريقتها الجافة التى تتحدث بها اليه لاول مرة ، عن اى ظروف تتحدث ،علي حتى لم يتعثر مرة واحدة فى طريقه وضعت يدها على كتفه وقبل ان تنطق قال  ” انا راجع اوضتى بعد اذنك ” 
نظرت الى اناء الطعام وهزت رأسها فى الم  منذ متى تعامل اخاها هكذا ، منذ متى وهى تلوح بظروفه فى اى مشكلة ، كيف سمحت ان يكون هو وسيلتها في التنفيس عن غضبها ، اتجهت الى غرفته لتجده يجلس على طرف الفراش مطرقا رأسه فى حزن جعلها تلعن نفسها وتلعن هذا اليوسف الذى جعلها تفقد اعصابها على اعز مخلوق على قلبها ، اقتربت منه ومالت على رأسه مقبلة اياه فى حنان وقالت ” حقك عليا يا حبيبى كنت متوترة شوية ومتضايقة ” 
ظل على مطرق الرأس فجلست ايلينا الى جواره وهى تحيط كتفيه بذراعيها قائلة ” خلاص بقا ..انت عارف انى مقدرش على زعلك كنت خايفة عليك ” 
رفع على رأسه قائلا في ألم مشوب بكبريائه المعتاد  ” انا مقدر ظروفى وبتعامل على اساسها بس مش معنى انى اعمى انى اتحرم من كل حاجة... انتو ليه كلكو مستهونين بنعمة الاحساس اللى ربنا ادهالى ” 
تنهدت وهى تضمه الى صدرها قائلة ” يمكن عشان مش عندنا يا علي ..يمكن ” 
وابتسمت وهى تضع وجهه بين كفيها تمسد ما زواه بين حاجبيه قائلة ” لو عايز تطبخ يا سيدى اطبخ بس وانا موجودة ..انت عارف ان هنا ممكن تحصل مشكلة فى الانبوبة بتاعة الغاز الغريبة دى ..اكون موجودة على الاقل عشان اصوت والم الناس تساعدنا ” 
ضحك علي فمسحت ايلينا على شعره الاشقر قائلة ” وعشان اثبتلك ان عندك قدرات وانا مؤمنة بيها هنبدأ اتفاقنا من النهاردة ..المطبخ هناك روح كمل اللى انت بتعمله وانا اهو موجودة ” 
ظهر التردد على وجهه فربتت ايلينا على يده مشجعة وهى تقول ” يلا ” رن جرس هاتفها فأضافت ” يلا هرد على صوفيا وارجعلك ” ابتسم على ولم تحاول ايلينا مساعدته هذه المرة اكتفت بمراقبته من بعيد وهى تتحدث مع صوفيا بصوت منخفض حتى لا يصله ” صوفيا ازيك ” 
صمتت صوفيا ولم ترد فواصلت ايلينا ” صوفيا انتى بتعرفى عربى كويس وانتى اصلا من اصول مصرية فاتكلمى معايا عربى لو سمحتى ” 
صمتت صوفيا قليلا وبعدها تنحنحت قائلة ” داكووووغ هكلمك عربى واهو بالمرة منساش..مال صوتك ” 
أخرجت ايلينا لسانها لترطب شفتيها وتساءلت هى بالفعل ماذا بها ومايهمها فليكن يوسف ما يكن ، كررت صوفيا السؤال فتنهدت ايلينا قائلة ” مش عارفة صوفيا بس انا حاليا فى حالة صدمة ” وقصت لها كل ماحدث صباحا مع يوسف ، ضحكت صوفيا قائلة ” وانتى متضايقة ليه برضه مش فاهمة ؟؟؟.هوا حر فى حياته ” 
تلعثمت ايلينا فى الرد فهو السؤال ذاته الذى تطرحه على نفسها دون ان تجد له اجابة” مكنتش فاكرة انه كدة ..كام شهر اهو بشتغل معاه كان فى منتهى الاحترام والادب وفى الآخر يطلع على علاقة باللى اسمها جينا دى ” 
تنهدت صوفيا قائلة ” امممم واللى مضايقك بقا انه ليه علاقات ولا انه ليه علاقة بجينا بالذات ” واضافت بنبرة هادئة ” ولا لأن الكلام بيتعاد قدامك للمرة التانية ” صمتت ايلينا ولم ترد وذكرياتها تطوف فى رأسها كطواف الحجيج ، لقد شعرت باختلافه فهل أصبح حدسها لاقيمة له لهذه الدرجة لقد تخيلت انه ..وفجأة نفضت عن رأسها الفكرة تماما ، لماذا تبحث عن اجوبة ؟؟، لا ولم ولن يهمها امره مطلقا فليكن ما يكن ، قالت صوفيا حين لم تجد ردا منه ” ايلينا مالك ” 
بعد لحظات ردت ايلينا لتغير من دفة الحوار بأكمله وتقنع نفسه ان الامر لا يعنى لها اى اهمية ” بقولك صوفيا ..فكرتى فى اللى قولتلك عليه ” 
ردت صوفيا فى ضيق ” لسة بفكر ايلينا ..الموضوع مش سهل ابدا ” 
هزت ايلينا رأسها قائلة ” عارفة وعندى ثقة فى دماغك وتفكيرك خدى قرارك براحتك ” 
وتبادلا بعدها حوارا قصيرا قبل ان توصى كل منهما الأخرى بنفسها خيرا وتنهيا المكالمة ، ظلت ايلينا تحتفظ بالهاتف فى قبضتها وهى تطرق به على كفها الاخر دون وعى وشعور بالغضب والسخط على يوسف لا يمكنها السيطرة عليه او التخلص منه او حتى ايجاد مبرر له ، شعور لم يراودها نصفه حتى حين حدث هذا مع ريان خطيبها السابق ودون وعى سقطت دمعة منها انكرتها على نفسها ومسحتها على الفور اللعنة لماذا تبكي ايضا ؟؟، من اين تداهمها تلك المشاعر ولمن ؟؟؟، والى اين تذهب بها ؟؟، لن تخضع لها ابدا وخاصة بعدما رأته منه ،بعد ان خرج من تلك الصورة التى حصرته فى اطارها ، حاولت ان تقنع نفسها انها صدمة طبيعية كصدمتها فى اى انسان تخيلته فى شىء غير حقيقته وربما اراحها هذا الاعتقاد كثيرا ، اطمئنت ان علي قد انتهى مما يصنعه وترك المطبخ الى غرفته فعادت بدورها الى غرفتها ،تمددت على فراشها ويدها تتسلل الى حجابها تنزعه لتطلق العنان لشعرها  المثير يفترش وسادتها  وهى تردد ” جينا من جديد ” 
هزت رأسها وهى تستعيد مشهدها مع خطيبها السابق ريان ، حين وقف امامها فى هذا اليوم وقال بكل وقاحة ” ايلينا بلاش تكبرى الامور جينا مجرد صديقة مش اكتر ..انا بحبك انتى وهتجوزك انتى ايه اللى مزعلك ” 
قالت ايلينا فى سخرية ” انت عمرك ما هتتغير ابدا هتفضل طول عمرك كدة مهما احاول معاك مفيش فايدة ” 
زفر ريان فى ضيق قائلا ” يووه ايلينا انا فعلا اتغيرت كتير عشانك ” 
قالت ايلينا وهى تكتف ذراعيها محاولة التحكم في غيظها من فشل محاولتها معه لاصلاحه ، هي ليست ثائرة من أجله بل من اجل روحها التي لم تألف الفشل ولم تعهده ” اتغيرت عشانى وانا قولتلك مش عاوزاك تتغير عشانى ..عاوزاك تتغير للصح عشان انت غلط لكن تكون معايا انسان ولوحدك انسان تانى وبعد فترة تقول هيا دى حياتى اذا كان عاجبك ” واضافت فى كبرياء ” لا ياريان انا مش هتحمل حياتك بكل هفواتها ونزواتها دى ..انا بدأت اقتنع فعلا ان الطبع بيغلب التطبع وان مفيش بنى ادم بيتغير ..احنا مع الوقت اللى بنتعود .وانا مش ناوية اتعود ولا استسلم لطباعك دى ” 
عقد ريان حاجبيه قائلا ” يعنى ايه ؟؟“ 
تنهدت قائلة ” يعنى تعتبر كل حاجة بينا انتهت والمرة دى بحد ومتحاولش تكلم بابا لان المرة دى فعلا مش ناوية ارجع ” عادت ايلينا من ذكرياتها ، لن تعيد تجربة ريان من جديد ولن تجازف بمشاعرها مع اى رجل وتوهم نفسها انها بامكانها تغييره فقد اقتنعت تماما انه لايوجد شخص يتغير فذاك مجرد وهم تخلقه مشاعرنا لنبرر فقط احتفاظنا بمن نحب فى حياتنا . 
*****************************************
خلع يوسف نظارته الشمسية واخذ يبحث بعينيه عنها فى المكان فوجدها هناك على احدى الطاولات المطلة على الشارع بجوار نافذة كبيرة تحتل الحائط باكمله ، زفر فى ضيق واتجه اليها وما ان رأته حتى رسمت ابتسامة واثقة على شفتيها ونهضت لتعانقه فاوقفها  بكفه قائلا ” اقعدى مكانك انتى فاكرة نفسك فين هنا ” 
هزت جينا رأسها وتنهدت وهى تجلس قائلة ” مادام اتكلمت عربى يبقا انت متنرفز ” 
كاد يوسف ان يجلس ولكنه توقف فى منتصف الطريق وانحنى اليها قائلا ” انتى بتتكلمى عربى كويس كدة من امتى ” 
ابتسمت جينا وقالت وهى تعبث فى شعرها الاشقر وتلف احدى خصلاته على اصبعها ” انا بقالى سنة بتعلم عربى وحبيت اعملهالك مفاجئة ..“ 
جلس يوسف وقال وهو يحاول التصنع بالهدوء ” انت ازاى تيجى شغلى من غير ما تعرفينى ؟؟“ 
ردت جينا فى تذمر وهى تشد خصلاتها ” كنت فاكرة ده هيفرحك مش هيخليك تعمل كدة ” 
قطب يوسف حاجبيه وقال فى صرامة ” جينا الا شغلى ..اللى حصل ده ميتكررش تانى ” 
زمرت جينا شفتيها وقالت فى دلال ” اعمل ايه يا يوسف ..وحشتنى اوى ..انت ليه مش قادر تفهمنى ولا بتحس بيا انا بحبك يا يوسف بحبك ” 
اشاح يوسف بوجهه وزفر فى ضيق قائلا ” بصى يا جينا ...انا من الاول كنت صريح معاكى وقلتلك متستنيش اى مشاعر منى ..احنا كل اللى بينا علاقة عادية جدا بنتبسط فيها احنا الاتنين من غير وجع دماغ ..“ 
عضت جينا على شفتها السفلى حتى كادت تدميها  قائلة ” بس انا كنت فاكرة انك مع الوقت هتقدر تحبنى زى ما حبيتك ..كنت بقول يمكن مع الوقت اكون مميزة عن الباقيين ” 
اخرج يوسف علبة سجائره واشعل واحدة واخذ ينفث دخانها فى بطء وهو يتمعن بها قائلا ” اسمعينى ..انا مفيش واحدة مميزة عندى ..وانتى عارفة كويس ان فى حياتى فيه كتير غيرك .يعنى تقريبا فيه نسخة منك فى كل بلد بسافرها وهنا كمان فيه كتير جدا ” ومال الى الامام وهو يقول فى خبث ” بس ده ما يمنعش ان فعلا عندك ميزة وهيا اننا بقالنا اكتر من سنتين مع بعض واى واحدة غيرك مبتاخدش الوقت ده كله ..انا اتفقت معاكى من الاول جينا ..قلبك ابعديه عن المعادلة ..فمتجيش دلوقتى وتعيشى دور المخدوعة وعموما ملحوقة لو عايزة ننهى كل حاجة دلوقتى ننهيها ” والتقط علبة سجائره وهم بالفعل ان ينهض فأمسكت جينا بكفه وقالت فى حذر ” استنى ” 
نظر يوسف الى كفها وابتسم فى ظفر وعاد ليجلس فى هدوء فتابعت جينا فى الم ” انا محدش حسسنى فى الدنيا انى رخيصة زى ما انتى حسستنى يا يوسف ” 
هز يوسف رأسه قائلا ” هنعيده تانى يا جينا ..بعد اذنك ” وهم بالمغادرة بالفعل فضغطت على كفه اكثر وقالت ” طب حتى لو بالوضع ده توعدنى انى على طول هفضل موجودة فى حياتك ” 
ابتسم يوسف وهو يضع كفه على كفها ” طول مانتى بتسمعى الكلام اه اوعدك ” 
فقالت فى ترقب وهي تلقي بسؤالها التالي” حتى لو فى يوم حبيت واتجوزت ” 
ضحك يوسف ضحكة عالية وقال ” حبيبتى اطمنى انا لا هحب ولا هتجوز فريحى بالك ” واضاف وهو يشير بسبابته ” بس طبعا لو انتى اتجوزتى  انا مش هيبقا ليا علاقة بيكى ” 
سحبت يدها من كفه وقالت ” وانا لو اتجوزت هعرفك ليه من اصله مفيش واحدة متجوزة وبتحب جوزها تعرف حد عليه ” 
ابتسم يوسف فى تهكم وقال ” لا فيه وفيه كتير كمان ” 
قالت فى حيرة ” قصدك ايه ” 
تنهد قائلا ” متشغليش بالك المهم زى ما قولتلك ..الوضع بينا هيبقا بشروطى واهمها ان اللى حصل النهاردة ميتكررش تانى ولو اتكرر ” قاطعته جينا فى خوف ” مش هيتكرر يوسف ..مش هيتكرر“ 
اتسعت ابتسامة يوسف قائلا ” يبقا اتفقنا ” والتقط قائمة الطعام من على الطاولة قائلا ” ها...تحبى تاخدى ايه ” 
نظرت له  وهى تتمعن به فى شرود قائلة ” اللى تحبه انت ” 
لاتدرى ماالذى يفعله بها هذا الشرقى الغبى لقد قبلت منه مالم تقبله من اى رجل قط ، جينا ايقونة الفتنة والجمال التي يركع تحت قدميها المئات من امثاله تلهث خلف من يعتبرها مجرد نزوة ولا يخفى هذا بل يعلنه ويصارحها به ويهددها بالرحيل هكذا بكل بساطة لا يخشى ان يفقد جينا ؟؟؟، لقد ذابت فى سحره منذ زمن منذ ان التقته فى احدى رحلاتها ، سحرتها ابتسامته وملامحه الشرقية التى تجعله يبدو احيانا كأحد فرسان العصور الوسطى ، هى من طاردته مرارا وتكرارا حتى رضخت هى له فى النهاية وبشروطه ، قبلت ان تكون مجرد علاقة عابرة وهى تأمل ان تتعمق تلك العلاقة اكثر واكثر مع مرور الوقت ووقوعه فى سحر انوثتها التى لاتقاوم ولكن كأنه لايبالى بكل ذلك فكم دفعته لان يقترب منها كم دعته علانية لذلك ولكنه رفض وهى لم تفقد الامل بعد ستجعله يوما ما يرضح لها وحينها سيعرف حقا ان الابتعاد عن جينا ليس بالامر الهين ابدا . 
**************************************
وقفت تراقبه من بعيد وهو يهتم بحوض زهوره كما اعتاد كل صباح ، منذ الطفولة وهي تعرف حبه لهذا الحوض المميز ، يرفض أن يقترب منه أي حدائقي ويصر أن يوليه هو كل اهتمامه ، تمنت لو أخذت مكان تلك الزهرة التي يتلمسها هناك في رقة كأنه يخشى على نعومتها من لمسة يديه ، لمسة لازالت تحفظ رقتها   ودفئها منذ الطفولة حين كانا يلهوان سويا ، لمسة ضنت عليها أعرافه ودماثة خلقه من التفكير فيها حين شبت ونضجت وأصبح اقترابه منها بحدود ، تحبه ولا تعرف منذ متى ، تحبه دون أن تفكر في مشاعره تجاهها ، تحبه فقط دون النظر الى أي اعتبارات أخرى ، لا يهم أنها لم يكن لديها الفرصة لتعرف غيره ، لايهم ان لم يكن يشعر بها مطلقا الأهم هو أنه لم يعشق بعد وعمها يعدها بين طيات حديثه بين الحين والأخر انه لها وهي تعرف أنه لن يعترض فان لم يفعلها عشقا فسيذعن لأبيه برا ورفقا ، ابتسمت في نفسها وهي تتمنى ككل مرة تراه يهتم بزهوره ان تذهب اليه وتخبره بحبها الذي لا يشعر به بتاتا ويصر على وضعها في اطار الأخوة ، تنهدت وهي تراه ينصب قامته وينظر الى حوض الزهور الخاص به في رضا ايذانا بانتهاء عمله ، ابتسمت وكل ذرة من خلاياها تكرر اعترافها الذي أصبح كقسم تتلوه كل صباح، قسم بعشقها اللامتناهي لزين الدين البدري. .
***********************************
كانت ايلينا تدقق النظر فى حاسوبها طيلة الاجتماع الذى عقده يوسف بموظفينه ليناقش اخر الاستعدادات للموسم الصيفى الجديد ، حاولت تجنب نظراته بقدر المستطاع فعينيها كانت تعرف انها تحمل انفعالات تخشى ان يلحظها فهى تعرف جيدا انهما كتاب مفتوح يوشى دائما بكل ما يعتمل فى صدرها من مشاعر 
” ها ياجماعة ..نسمع اقتراحتكو ” قالها زين فى عملية وهو ينقر بقلمه على المائدة فانتبهت ايلينا ورفعت يدها تطلب الحديث فنظر لها يوسف نظرة سريعة قائلا ” اتفضلى ” 
بادلته ايلينا نظرة خاطفة وبدأت تتحدث فى عملية قائلة ” احنا براند معروف للكل ويعتبر رقم واحد فى مصر بس الفكرة اانكو بتخاطبو فئة معينة من الناس وهى الطبقة الغنية لان الاسعار زى ما انا شايفة عالية جدا ” 
عقد يوسف حاجبيه فى اهتمام قائلا ” ده طبيعى احنا خامتنا كلها مستوردة وعلى درجة كبيرة من الجودة وده بيدى ميزة لمنتجاتنا عن اى منتجات تانية ” 
هزت ايلينا كتفيها قائلة في عملية ” وليه لازم تكون الخامات مستوردة ..فيه خامات مصرية بجودة عالية برضه ” 
نظر يوسف الى زين وتنهد قائلا ” مش فاهم برضو قصدك ايه ..نشتغل بالمصرى ؟؟
التقطت ايلينا ملفا امامها ومررته الى يوسف وهى تقول ” انا عملت دراسة عن الخامات المصرية المناسبة لشغلنا واخترت اجود الانواع واتأكدت بنفسى انها متقلش فى كفائتها عن المستورد ” واضافت وهى تدقق النظر فى حاسوبها وتضغط بعض الازرار ” عشان بس يكون الموضوع واضح ..انا بقترح نشتغل بالاتنين المصرى والمستورد ونعرف المستهلك ده طبعا ...المصرى اكيد هيكون سعره اقل ومناسب للطبقة العادية اللى بتمثل اغلب الناس فكدة كله هيقدر يلبس من البراند بتاعنا ومنتجاتنا هتكون انتشرت بشكل اوسع وهيكون لينا كمان السبق فى حاجة زى دى ” 
لم يستطع يوسف ان يخفى نظرة الاعجاب وهو يقول ” فكرة عظيمة ” 
تابع زين وهو يقلب فى الملف ” هيا هتبقا مغامرة  باسم الشركة ” واضاف وهو يضيق عينيه قائلا في اعجاب ” بس الدراسة اللى انتى عاملاها مش متساب فيها ثغرة ” 
القى يوسف نظرة على زين وعاد ينظر الى ايلينا قائلا بابتسامة هادئة ” البيزنس كله قايم على المغامرات ..هنبدا التنفيذ من بكرة ..“ 
وتراجع فى كرسيه مضيفا ” ولو المغامرة نجحت هيبقا ليكى مكافئة خاصة ايلينا ” 
لم تستطع ايلينا منع الحنق  السجين  بداخلها من التسلل الى نبراتها وهى ترسم ابتسامة ساخرة على شفتيها قائلة ” انا بقوم بشغلى ومش مستنية مكافئات ” 
نظر لها يوسف فى دهشة منعته ان يرد عليها فى الحال فمن تظن نفسها لتحدثه بتلك الطريقة ، تنحنح زين حين شعر ان يوسف قد يفقد اعصابه من جملة ايلينا فقال مسرعا“ حد عنده اقتراحات تانية ” ولم يمهلهم فرصة للرد وهو يقول بينما ينهض ” الاجتماع انتهى تقدرو تتفضلو ” 
انصرف الجميع وتأخرت ايلينا فى جمع حاجتها واغلاق حاسوبها ويوسف يتابعها فى حنق حتى لمح خروج اخر موظف من عنده وقبل ان تلحق به ايلينا اوقفها وهو يهتف فى صرامة ” استني عندك "
توقفت للحظات دون أن تنظر اليه وهي تعض على شفتها في غيظ فهي لاتطيق أن تنظر اليه مطلقا منذ أن رأته مع جينا ولا تطيق نفسها لضيقها هذا الذي تحاول اخفائه دون جدوى ،من يكون هذا المحتال ليقحمها في صراع كهذا ، من يكون ليستحوذ على بعض من اهتمامها بل كبريائها كأنثى يمنعها ان تعترف أنه يستحوذ على أكثر من بعضه بكثير ، تنفست فى عمق قبل ان تلتفت اليه وهى تحتضن حاسوبها الصغير قائلة ” خير ” 
خطا  تجاهها ببطء مميت أراد به العبث بأعصابها  قائلا  فى لهجة قاسية  أشبه بوعيد ” الطريقة اللى كلمتيني بيها دي ما تتكررش تاني ..مفهوم ” 
ضيقت ايلينا عينيها في تفكير وقالت غير عابئة به ” أنهي طريقة مش واخدة بالي ” ثم ابتسمت فى سخرية وقالت وهي تطرق بسبابتها على صدغها كأنها تذكرت ” اه قصدك عشان قولت اني مش مستنية مكافأة على شغلي ” هزت رأسها للحظات قبل ان تواصل  فى تحد غريب ” هوا المفروض كنت قولت ايه ...خيرك مغرقنا ياسعادة الباشا ومكافئتى الحقيقية هيا رضاك عليا ..متأسفة التملق ده مش طبعي ” 
حاول يوسف التظاهر بالهدوء فقد استفزته بالفعل فقال وهو يضع يده في جيب سترته ليمنع نفسه من صفعها وارتكاب اكبر حماقة في حياته بضرب أنثى للمرة الأولى ” قصدك ايه ان شاء الله ان الموظفين هنا بينافقوني ” 
هزت ايلينا كتفيهاوقالت  في بساطة” والله انت ادرى بموظفينك ..واذا كنت انا شايفة انى مش محتاجة  أعمل اللي هما بيعملوه ولا اقول كلامهم ..المفروض ان حضرتك محتاج لكل واحد بيشتغل هنا زي ماهما بالظبط ما محتاجين شغلهم ..فسوري يعنى محدش ليه فضل على التاني ” 
لم يعرف يوسف حقا بما يرد عليها ،جرأتها في الحديث ألجمته ،طريقتها أعجزته عن الرد فلو في موقف آخر لطرد من يتكلم معه بتلك الطريقة دون أن يتناقش معه فيما فعله من الأساس  ولكن هو في حيرة في أمره لما لا يفعل هذا ؟؟، بل في حيرة أكبر لماذا يهتم بمراقبة  نبراتها وانفعالاتها ،عينيها ،اصرارها  كل شىء فيها، حتى أصابعها الطويلة الرفيعة وهي تدق على حاسوبها في رتابة ،وحين لم يصلها رد منه استدارت لتذهب ،حاول اغاظتها بأي شىء ، لن ترحل هكذا دون أن تأخذ نصيبها من استفزازه ،أوقفها في حزم قائلا ” مين سمحلك تمشي ؟؟“ 
عقدت حاجبيها واستدارت له قائلة ” فيه حاجة تانية ؟؟“ 
تصنع يوسف الغضب وقال ” فيه إن قبل ماتمشي لازم تستأذني من مديرك ولا ده كمان بتعتبريه نفاق وتملق ” 
صمتت ايلينا هذه المرة ولم ترد فأسعده هذا وهو ينظر اليها تقف كتلميذة معاقبة أمام معلمها  وهو يجلس على طرف مائدة الاجتماعات ويعبث بقلم بين اصابعه مستمتعا بنظرات الغيظ فى عينيها وأخيرا أشار بقلمه قائلا ” تقدري تتفضلي” 
تنفست ايلينا في عمق شعر به أنها اخذت هواء الغرفة بأكمله في صدرها فلقد منعت نفسها بصعوبة من التقاط حاوية الأقلام أمامه وتلويحها فى وجهه  ، أما هو فأخذ يراقبها وهى تبتعد بخطوات منزعجة سريعة وكأنها تركل الأرض بقدميها عوضا عن توجيه تلك الركلات له هو ، لم يتمالك نفسه بعد أن خرجت من اطلاق ضحكة عالية عابثة  قطعها فجأة وهو يتساءل عما أصابه ، لماذا سمح لها بتحديه دون أن يطردها ، كيف هزت تفكيره بهذه الطريقة ، لا ...هو فكر فى الاحتفاظ بها فقط ليرد لها الصاع صاعين ويؤدبها على وقاحتها وبالفعل لقد تلذذ بمضايقتها ، لا يوجد انسان يتلذذ بمضايقة شخص ي..، ضرب على جبهته فى قوة أين ذهب به تفكيره ؟؟؟، إنها مجرد أنثى ، مجرد أنثى يا يوسف ، والأنثى فى حياته لاتشغل حيزا أكبر من حيز المتعة فقط ، أمه هى الاستثناء الوحيد وماتبقى من النساء كلهن سواء واعتصر ذهنه بالذكرى البعيدة ، برودة مشوبة بألم ضربت اوصاله ، ألم اشبه بصفعة افاقة ليثوب الى رشده كان لازما ليبقى حائلا بينه وبينها بل بينه وبين أي انثى .
*******************************************
اجتمعت عائلة البدرى على العشاء كعادتها كل ليلة ، لحظات مرت من الصمت المطبق لا يقطعها سوى صوت دقات الساعة الأنيقة العملاقة في بهو القصر الواسع متناغمة مع ارتطام الأشواك بالأطباق الصينية الفخمة صانعة نغمة مملة قطعها  زين  بخفته المعتادة قائلا ” وحدوه يا جماعة ايه السكوت ده ” 
ردد الجميع فى خفوت ” لا اله الا الله ” ، ابتسمت سمر وهي ترفع رأسها تتأمله في حب وهو لم يلحظها كالعادة فعادت تنظر إلى طبقها  مجددا في خيبة أمل ، لحظتها سميرة فتنحنحت وهي تنظر الى محمود تخبره بنظرة ما رأته ليبتسم لها ويخبرها بنظرة أخرى أنه رأى كل شىء  فابتسمت وهي تنظر الى الجميع قائلة ”أخبار الشغل ايه ياولاد ” 
نظر زين الى يوسف وقال في حماس واضح ” اه صحيح يا يوسف شفت ايلينا النهاردة والفكرة اللى قالتها ..انا مش عارف أنت ازاى وافقت كنت فاكر انك أول حد هيعترض ” 
وضعت  سميرة كفيها تحت ذقنها وقالت وهي تتظاهر بالبراءة ” مين ايلينا دي؟؟“ 
رد يوسف قائلا في اهتمام واضح وهو يشير بشوكته” دي بنت اشتغلت معانا من فترة ..ذكية جدا وعندها خبرة كبيرة رغم سنها الصغير ..النهاردة عرضت عليا فكرة عمرها ما جت فى بال حد وأنا واثق انها هتنجح ” وأكمل يوسف حديثه عنها في حماس وهو يستعرض فكرتها ويشرحها بالتفصيل بينما تتابعه سميرة فى سعادة وتختلس النظرات الى محمود بين الحين والاخر بحوار لا يفهمه غيرهما وحين انتهى يوسف قال محمود في اعجاب ” والله بنت هايلة ..الفكرة كويسة وهتخلى منتجاتنا تاخد فرصة أعلى في التسويق ” 
اخذت سميرة تعبث في طبق السلطة الخضراء أمامها وقالت ” بس أول مرة يا يوسف اشوفك بتتكلم على ست بالحماس ده ” ونظرت له فى تمعن لتضيف ” كنت على طول بتشوفهم مينفعوش فى حاجة ” 
ارتبك يوسف وتباطىء في مضغ طعامه وهو يبحث عن رد مناسب حتى ازدرده دون ان يكمل مضغه وهو يكذب ما رأته أمه عن أي حماس تتحدث ؟؟، قال زين بابتسامة وباعجاب يشوب نبرات صوته ” هيا تستاهل بصراحة ..هايلة جدا ...بنت ممتازة ” ، غصت سمر بطعامها فلم يلحظها زين كالمعتاد واحمر وجهها خجلا حين وجدت سميرة تلاحظ ما هي فيه وتشير لها برأسها أن تتناول كوب الماء أمامها ، فأخذته لتسكبه بأكمله في جوفها في توتر، للمرة الأولى تلحظ نبرة اعجاب في صوت زين وهو يتحدث عن فتاة ، عليها أن تتحرك قبل أن يضيع منها  للأبد ، أما يوسف فلا يعرف لما تضايق من وصف اخيه وأنكر هذا الضيق على نفسه وحاول اخفائه بكل طريقة  متظاهرا بتناول طعامه ولكن كاميرتي المراقبة الخاصتين بأمه كانت تسجل كل شىء في دقة وتخزنه في سلاسة وسعادة تملؤها أن ولدها بالفعل اخذ اول خطواته فى الطريق الذى تتمناه فيه وأن هناك من تمكنت من تحريك أي شىء ولو قليل من اهتمامه ، حاول يوسف تغيير دفة الحوار بأكمله قائلا ” أومال فين ايتن ؟؟“ 
ردت سميرة وهي تهز رأسها في ملل ” بقالها ساعة بتتكلم فى التليفون برة في الجنينة ” 
نهض محمود قائلا ” أنا هطلع اشوفها وبالمرة أشرب قهوتى في الجنينه“ 
كانت ايتن تتحدث فى الهاتف بصوت منخفض نسبيا وأقرب للهمس حين وجدت حسام يقف أمامها فجأة  ، انتفضت فى هلع وكاد الهاتف  يسقط من يديها لولا ان التقطته فى اللحظات الاخيرة ، رفع حسام كفه وقال في اعتذار ” أنا آسف خضيتك مكنش قصدى ” 
نظرت له ايتن وهي تزفر في ضيق قائلة ” عادي بقا ولا يهمك ” 
حك حسام رأسه في خجل معتاد وهو يحاول أن يبحث عن كلمات ليقولها ويفتح ثغره ويغلقه كل لحظة وهو يقول ” اااا..انتي انتي كويسة ؟؟“ 
تأملته ايتن فى حنق وهي تضغط الهاتف بيدها قائلة  ” اه أنا كويسة ” وكتفت ذراعيها في انتظار ما يريد قوله  حتى زفرت  فى نفاذ صبر قائلة ” حسام انت عاوز حاجة ” 
عدل حسام من وضع نظارته على وجهه كعادته ان توتر وقال ” هاااا ..لا ابدا مش عاوز حاجة ” 
ردت بصوت مرتفع ينم عن غضبها ” أومال واقف هنا ليه ؟؟؟“ 
تراجع حسام فى احراج قائلا ” انتي متضايقة اني واقف معاكي ” 
مررت ايتن يدها  على وجهها كمحاولة لتهدأ وقالت ” حسام احنا عايشين فى بيت واحد وبنشوف بعض كل يوم وانت واقف قدامي بقالك ربع ساعة ومش عارفة انت عاوز ايه ..وانا بصراحة عايز اكمل مكالمتي ..ممكن ” 
تنحنح حسام فى احباط كلما حاول الاقتراب منها أبعدته في قسوة ، نعم أمامها يرتبك ، أمامها فقط تظهر خبرته الضئيلة في التعامل مع النساء ، أمامها يفقد صرامته المعتادة التى ترعب موظفينه ، أمامها لا يعرف ماذا يقول بل يفقد النطق تماما ، ملت مشاعره الثرثرة بداخله وأصابته بالضجر من طيلة حبسه لها في صدره  فهي تريد الانطلاق تريد التحليق الى أبعد مدى في سماء محبوبته العنيدة ،لو كان بامكانه ان يعطى لتلك المشاعر فرصة ، مجرد فرصة لتتحدث هى ، كم يتمنى لو ان آيتن شعرت به و..“ انت بتعمل ايه هنا ؟؟؟“ 
انتفض حسام فى فزع على صوت عمه ليفيق من شروده ليجد ايتن قد رحلت وعمه يقف امامه، تلعثم حسام فى الرد ونظر حوله في ارتباك كاللص الذي ضبط متلبسا  وقال ” أنا ..أنا كنت لسة راجع من الشغل ” 
مال اليه عمه وقال في صرامة ” تعالى ورايا ” 
عدل حسام من نظارته كالعادة  ان توتر وتبع عمه الى الداخل وقبل أن يصل  محمود الى مكتبه ويغلقه عليهما طلب من أحد الخدم استدعاء يوسف ، جلس محمود الى مكتبه يتمعن فى حسام للحظات حتى قال في جدية ” بتحب ايتن مش كدة ” 
اتسعت حدقتا حسام فى صدمة وأخفض رأسه وهو يحكها فى خجل ، لا يعرف هل يستجوبه عمه أم يوبخه ،أخذ عمه يطرق المكتب بأنامله فى غيظ قائلا ” والله البنات حتى ما بقو بكسوفك ده يا اخي ..ما ترد يا بني ...“ 
رفع حسام  رأسه في بطء وتلاشى نظرات عمه بقدر الامكان وهو يرد في حياء وبصوت هادىء ” أنا مبتمناش حاجة من ربنا غير ايتن ” 
تراجع عمه فى كرسيه قائلا ” وايه اللى مسكتك لحد دلوقتي بقا ” 
وقبل أن يرد طرق يوسف الباب فقال ابوه وهو يشير له بكفه  ” تعالى يا يوسف ” 
قلب يوسف شفتيه في حيرة وهو ينظر الى حسام المرتبك بشكل مثير للضحك قبل ان يجلس  أمام ابيه قائلا ” خير يا بابا ؟؟“ 
نظر محمود الى حسام قائلا بابتسامة ذات مغزى ” كل خير ان شاء الله ...حسام طلب ايد ايتن وانا وافقت ” 
عقد يوسف حاجبيه في دهشة بينما اتسعت حدقتي حسام وتدلى فكه فى بلاهة  محاولا النطق فتشنجت عضلات لسانه بفعل الصدمة ولم تسعفه بحرف واحد  فقال عمه وهو يطالعه في استمتاع واضح  ” ايه مالك ..تنحت كدة ليه ؟؟...كنت ناوي تفضل العمر كله تحبها في صمت ولا ايه ؟؟؟“ 
حاول حسام النطق ففتح ثغره عدة مرات قبل أن يتحرك لسانه أخيرا مطلقا جملته المبعثرة بين الفرحة والخوف ” عمي بس ايتن ممكن متوافقش ” 
ضحك عمه قائلا في بساطة غريبة ” ده مش ممكن ده أكيد ” 
ارتسمت البلاهة على وجه حسام فواصل محمود في جدية حافظ فيها على ابتسامته  ” بص يا حسام ..ايتن فى الاول وفى الآخر عيلة ..وانت رغم انك لخمة بس راجل ويعتمد عليك ومش هلاقي لبنتي احسن منك ” 
تنهد حسام في حزن قائلا ” أيوة بس مش لدرجة انك تغصبها ” 
قال محمود وهو يلوح بكفيه ” ومين قال اني هغصبها انا بس هديكو فرصة تعرفو بعض عن قرب ولو هيا فضلت على رأيها يبقا خلاص ..بس خلي بالك دى هتبقى فرصتك الوحيدة يا حسام ” 
هز حسام رأسه قائلا في تردد ” يا عمى بس انا خايف من ...“ 
قاطعه محمود فى صرامة وهو يشير بسبابته قائلا ” كلمة واحدة يا حسام ..عايز ايتن ولا لا ” 
أغمض حسام عينيه للحظات ، هو بالطبع لا يملك سوى اجابة واحدة  عقدت  لسانه  مجددا عن أي رد غير ” طبعا يا عمى انت بتسألني ؟؟“ 
قال محمود في ارتياح ” خلاص يبقا تسيبها عليا وملكش دعوة بحاجة ” وأشار بيده مواصلا ” روح انت دلوقتي ارتاح ” 
وبعد ان تركه حسام نظر الى يوسف الذى بدا شاردا فى عالم اخر  ولم يعقب تماما طيلة الحوار على عكس عادته ، فناداه وهو يدق بقلمه على المكتب قائلا ” روحت فين يا بني ” 
نظر له يوسف نظرة يعيها محمود جيدا  وقال ” بابا انا مش موافق على اللى بيحصل ده ” 
حك محمود جبينه بيده قائلا ” ليه شايف ان حسام يتعايب فى حاجة ” 
رفع يوسف حاجبيه فى تفكير قائلا ” بالعكس حسام مش هنلاقي احسن منه لايتن ” واضاف بصوت منخفض وهو يميل الى ابيه ” بس بنتك مش عايزاه ” 
مد محمود شفتيه قائلا ” اختك دي حته عيلة مش عارفة مصلحتها وكمان طايشة وممكن أي حد من شباب اليومين دول يلف دماغها ويضحك عليها بكلمتين عشان طمعان فى فلوسها ..أنا واثق انها لو ادت لنفسها فرصة انها تعرف حسام هتحبه ...هوا صحيح الواد خيبة ومخبل بس احنا عارفينه وعارفين اخلاقه عاملة ازاي ” 
نظر يوسف لوالده لحظات ونهض بعدها قائلا وهو يشيح بوجهه فى الاتجاه الاخر ” حضرتك كدة بتعيد التاريخ من تانى ” 
نهض محمود بدوره ونظر الى يوسف بغضب قائلا ” يوسف أختك مش زيها ..وكفاية بقا اللى انت بتعمله فى نفسك وفينا ده اطلع من اللى فات بقا يا يوسف كفاية ” 
حاول يوسف ان يميل عن هذا الطريق ويأخذ الحديث الى منحنى اخر ليجنب نفسه ألما ليس في حاجته الان فقال محاولا تلطيف الأمور ” وأنا بعمل ايه مضايقكو بس ؟؟“ 
قال والده بسخرية امتزجت بغيظ ” بتعمل ايه ؟؟لحد دلوقتى قاعدلنا من غير جواز ” 
ابتسم يوسف وهو يحول الأمر لمزحة كالعادة قائلا ” وده عشان كل اللى بتجبهوملي ماما ..سورى يعنى عاهات ” 
لم يتمالك محمود نفسه فضحك قائلا ” حرام عليك بقا القمرات دول عاهات ” 
مرر يوسف يده فى شعره قائلا ” بابا انا مش بتكلم عن الشكل ..انا بتكلم عن ده ” واشار بسبباته الى رأسه 
جلس محمود من جديد وهو يقول ” خلاص يا يوسف انت رجل اعمال كبير وبيورد عليك اشكال والوان معقول ولا واحدة قدرت تلفت نظرك ” وفجأة لاحت صورة ايلينا فى خياله دون ان يشعر ، لاحت كأنها اجابة وحيدة على سؤال أبيه ، اجابة أقر خطأها بسرعة وهو يطرح صورتها بعيدا ويقول فى ضيق ” بابا انت عارفني ..انا بتاع شغل وبس ومبحبش ادخل اى امور شخصية فيه ” 
لوى محمود فمه قائلا في تذمر” طيب ابقى شوفلك صرفة بقا مع امك ليجرالها حاجة من تحت راسك ” 
عقد يوسف حاجبيه قائلا ” يعنى هوا مفيش غيرى ما عندكو زين اهو ركزو معاه شوية ” 
ضم محمود قبضتيه الى بعضهما قائلا ” يا حبيبي انت ابنها البكرى وفرحتها بيك غير فرحتها بزين وايتن ” نظر يوسف الى ابيه وهو يهم بالمغادرة ويلقى بجملته الروتينيه التى ينهي بها مثل هذه الامور ” ربنا يسهل ..محتاج مني حاجة ؟؟“ 
اشار محمود بيده في يأس قائلا” سلامتك ..روح ارتاح ” 
تركه يوسف وهو يفكر في كل ما كان ينتوي فعله ، كلمات سمير الأخيرة ووصيته له بأبنائه جعلته يفكر فى التراجع ، هو يعرف يوسف جيدا ويكاد يجزم أن ايلينا ستغير فيه الكثير وتنتشله من بركة الماضى السحيقة التي يغوص فيها ولكن كيف يجازف هكذا بانسانة ؟؟ كيف يفكر فى ابنته ويزوجها بشاب صالح هل لو  كانت ايلينا ابنته  سيقبل بيوسف زوجا لها ؟؟، ولكن ايلينا ليست ايتن ، ايتن مجرد فتاة طائشة تحتاج الى من يقومها  أما ايلينا فهي ناضجة نظرتها للأمور تختلف كثيرا عن فتاة في عمر ايتن ، أخذ محمود يقلب الأمر فى رأسه حتى وصل الى الحل الذى لا يظلم ايلينا به مطلقا  .
********************************************
تمددت ايلينا في فراشها وهي تعبث في شعرها فى شرود ، تذكرت ماحدث بينها وبين يوسف فى الصباح ورغم حنقها منه الا أنها أحبت هذا التحدي ،لاحت ابتسامة على شفتيها دون أن تشعر وصورته تلوح أمامها حاملة كل انفعالاته ، طريقة حديثه ، ابتسامته ، رائحة عطره الذي .....، وفجأة اعتدلت لتجلس وهى تمسك جبهتها وتعتصرها بين أناملها بقوة ، من يكون يوسف هذا ليشغل حيزا من تفكيرها ؟؟؟، انه مجرد شاب عابث يدعي الفضيلة أمام الجميع ، هو لا يحمل أي ملمح من ملامح الزوج الذى تمنته ، زوج ؟؟، هل خطرت تلك الكلمة على بالها حقا ، يبدو أن عقلها قد اختل تماما ، تنهدت وهي تتناول هاتفها من على المنضدة لتهاتف صوفيا ، هاتفتها مرة بعد مرة دون أي رد ، ظلت تحاول حتى جاءها الرد بعد ساعات ، هتفت ايلينا فى قلق ” صوفيا كنتى فين حرام عليكي ؟؟؟....موتيني من القلق و...“ وللحظات قطعت ايلينا حديثها لتواصل بعد أن تذكرت نبرة صوفيا المهتزة في الرد” صوفيا انتي مال صوتك ” 
تأخر رد صوفيا  ” صوتي ماله كويس اهو ” 
امتقع وجه ايلينا وقالت في غضب وهي تقبض على الهاتف بقوة تكاد تحطمه ” صوفيا انتي سكرانة ؟؟“ 
لم ترد صوفيا فصاحت ايلينا أكثر ” انتي ايه مفيش فايدة فيكي ابدا ..هوا ده اللى اتفقنا عليه ؟؟..هتفضلي طول عمرك مستهترة ” 
قالت صوفيا بلهجة لم تلحظ ايلينا الانكسار فيها ” كفاية ايلينا ارجوكي ” 
واصلت ايلينا وغضبها يتزايد حتى كاد صوتها يوقظ القاهرة بأحيائها مجتمعة  ” انتي مش ممكن تكوني انسانة طبيعية ابدا ...هتفضلي طول عمرك كدة ” 
هنا انفعلت صوفيا وصرخت بها” كفاية بقا ..كفاية ..انتي مش عارفة حاجة ابدا ...طول عمرك بتحكمي على الناس من برة ...طول عمرك مبتعترفيش بأى ظروف ...جربتي تعيشي ظروفي او ظروف اى حد قبل ما تحكمي من برة ” 
قالت ايلينا في قسوة حملت كثيرا من التهكم  ” الظروف دى هيا الشماعة  اللى زيك بيعلقو عليها اخطائهم ” 
شاب البكاء صوت صوفيا وهي تقول في مرارة ” اللى زيى ...بتتعاملي مع الناس على أنك أحسن منهم برضه ..انتى حتى مفكرتيش تسأليني مالي ..أنا مش سكرانة يا ايلينا ..انا بموت ..عارفة يعنى ايه بموت ” 
تنفست ايلينا في عمق وهي تدرك أخيرا ما قالته وما تناسته تماما عن صوفيا وظروفها نبض قلبها فى خوف وقالت فى هدوء حمل نبرة اعتذار بين ثناياه ” صوفيا ..انتي ..انتي تعبانة ؟؟“ 
قاطعتها صوفيا قائلة ” وانتي يهمك فى ايه ..انا اصلا مفرقش مع حد ولا حتى اهلي ...روحى ايلينا عيشي حياتك ومتفكريش فيا تاني ..أنا مش عاوزة حد ” واغلقت صوفيا الخط ،حاولت ايلينا مهاتفتها من جديد دون جدوى فقد أغلقت الهاتف تماما ، تركتها فى قلق وحيرة وندم ، تسرعت كالعادة فى الحكم وقست عليها غير عابئة بنبرة الانكسار فى صوتها ، ظلت الليل كله مستيقظة تعيد محاولاتها مرارا وتكرارا دون جدوى ، تخشى أن يصيبها سوء ، الندم يجلدها وهي تعرف أنها تستحق جزاءا لجلدها صوفيا بقسوتها دون حتى أن تحاول معرفة ما بها ، لقد خذلت صديقتها وكانت معولا اضافيا يضرب في اخر جدران الرحمة التي ترجوها من الدنيا ....
**********************************
كاد زين أن يصعد الدرج الى غرفته حين اوقفته سمر ونادته في رقة " زين "، نظر لها زين بابتسامة فقد كانت بمثابة اخت صغرى له وقال ” ايوة يا سمر  عايزة حاجة ” 
احتضنت سمر كتبا الى صدرها وقالت ” أنا باخد كورس انجليزى وفي حاجات مش فاهماها ومحتاجة مساعدتك أنا عارفة أن مستواك فى الانجليزي فوق الممتاز ” 
استند زين بمرفقيه على سياج السلم قائلا ”بس كدة ..  يلا ”  ابتسمت وهي تتبعه الى احد المقاعد القريبة في غرفة الاستقبال ، جلس وانتظرها تجلس في مقابله وتضع كتبها على المنضدة أمامها في اللحظة التى كان يضع فيها هاتفه فتلامست أنامله بظهر كفها ، لمسة لم يشعر هو بها الا أنها كانت أشبه بمس كهربائي عنيف اصابها فانتفضت للخلف ، ضيق زين عينيه في اهتمام قائلا " سمر ...مالك فيه حاجة " ، ازدردت ريقها المحمل بتوترها الزائد وهي تجمع شعرها الى كتفها الأيمن قائلة بنبرة تحمل تبعثر وشتات امرها " لا ...مفيش حاجة ...يلا نبدأ " ، تنهد في حيرة وهو يفتح كتابا أمامه ويطالعه في دقة ، لحظات قصيرة استغرق فيها بتركيزه ليعطها الفرصة في تأمله والاستمتاع بقربه كما يحلو لها ، زين يزداد وسامة مع الوقت ، شعره الكثيف الذي يحتفظ بلونه البني الداكن منذ الطفولة وعينيه العسليتين التي يبرز صفاء لونها هذا الحليب النقي الذي يحطهما ، لكنه تعكر اليوم بحمرة خفيفة ربما كانت ناتجة من ارهاقه في العمل ، تنهدت في عمق ، العمل !!، هناك فتاة في العمل تمثل خطورة لديها الان ، هناك أخرى تحدث عنها بكل حماس واعجاب ، اخرى لا يمكنها أن تحمل له معشار ما تحمله هي ، نظرت الى أصابعه الرفيعة وهي تقلب في صفحات الكتاب وتتساءل ، ماذا تنتظر لتخبره بحبها ، الى متى ستظل تاركته على اعتقاده بأنها تعده أخا لها ، لماذا لا تخرج الكلمة بنفس سلاسة جريان حبها في كيانها بأكمله ، لا بد أن توثقها ، لا بد أن تخبره بها قبل أن تندم على كتمها بعد ذلك ، أخذت نفسا عميقا كأنها تستعد للغطس بأعمق البحار قبل أن تناديه "زين "
التفت لها فازدردت ريقها قائلة " زين أنا ...أنا .."قطب زين حاجبيه قائلا في حيرة "انتي ايه يا سمر " وانعقد اللسان من جديد وارتدت الكلمة خاسئة الى مخبئها في ثنايا القلب دون أن تأخذ فرصتها الكاملة في أن تعافر لتثبت مصداقيتها واستبدل اللسان جملته بأخرى "أنا حاسة اني تايهة ومش فاهمة حاجة " ربما أصاب اللسان في التعبير عن جزء مما تعانيه ولكن لم يصب عقل زين في التقاط ما تقصده ، ربما لأنه لم يجربه مطلقا ، ابتسم وهو يرفع الكتاب قائلا " ولا يهمك ...الموضوع سهل خالص " ، ابتسمت في حزن وهي تنظر الى الكتاب تشكو لسطوره ، بل الأمر صعب للغاية فماذا سيكون أكثر قسوة من أن تذوب عشقا في حب من لا يشعر بك ..... 
تابعت عينا سميرة ما يحدث  فى اهتمام  الى أن خرج محمود  من غرفة مكتبه أخيرا واتجه ليجلس مقابلا لها ، أشارت سميرة برأسها الى زين وسمر قائلة ” وبعدين يا محمود فى عيالك دول ” 
ضيق محمود عينيه قائلا ” تفتكرى يكون عاوز سمر ” 
هزت سميرة كتفيها قائلة ” وليه لا من زمان وهما منسجمين مع بعض ” 
قلب محمود شفتيه قائلا ” ممكن يكون حب اخوي مش اكتر ...احنا لو فكرنا نجوزهاله مش هيعترض بس البنت كدة ممكن يظلمها معاه ” 
اومأت سميرة برأسها وهي تنظر لهما فواصل محمود ” على فكرة يا سميرة أنا وافقت النهاردة على خطوبة ايتن وحسام ” 
التفتت له سميرة فى دهشة ألجمتها عن النطق فقال محمود ” مالك انتي التانية ..حسام مش عاجبك فى ايه ” 
قالت سميرة فى توتر ” انت عارف اني متمناش لايتن حد أحسن من حسام بس هيا مش هتوافق ..هتغصبها يعني تتجوزه ” 
تنهد محمود قائلا ” لا مش هغصبها تتجوزه ..بس هغصبها تعرفه عن قرب ..هيتخطبو فترة وبعدها نشوف ” 
مررت سميرة يدها على رأسها قائلة ” ربنا يستر ” ونظرت الى زوجها نظرة ذات معنى وقالت ” وبالنسبة للبيه الكبير ...هنفضل سايبينو كدة ” واضافت فى همس ” أنا حاسة من طريقة كلامه انه بدأ يميل للبنت ” 
ابتسم محمود قائلا ” بس ابنك مش بالسهل يعترف بده ” 
هزت سميرة كتفيها وقالت ” واحنا مش كل مرة ناخده على راحته ” 
عقد محمود حاجبيه فى دهشة فواصلت سميرة في استمتاع  ” اسمعني وانا هقولك ” واستمع الى ما قالته وقد كان هذا هو الجنون بعينه الا إنه بالنسبة ليوسف المنطق الوحيد.
راقبتها في ألم وهي تتتلقى صدمتها وتبكي كما لم تبكي من قبل ، صغيرتها المدللة التى تخشى دوما  تهورها ترفض ما أقروه بشأنها مهما حاولت اقناعها أنها مجرد تجربة ليس أكثر ، تمنت لو ضمتها الى صدرها بقوة لتهدأ ولكن الموقف ربما احتاج هذه المرة قليلا من القسوة وبعضا من الحزم ..
" مفيش داعى للى بتعمليه ده على فكرة " قالتها سميرة وهي تربت على ظهر ايتن التي كانت تنتحب بشدة وهي تقول " انا يا ماما..انا تجوزونى حسام ليه حرام عليكو ؟؟؟" 
حاولت أمها كتم انفعالها من غرورها المعتاد حتى وهي بهذا الحال وقالت " وبعدين يا ايتن هتزعليني منك ليه ؟؟" 
نهضت ايتن وهي تمسح عينيها بظهر كفها وتقول " انتو مش بتحبوني ابدا .انتو بتحبو حسام وبس وعايزين تفرحوه حتى على حسابي انا " 
نهضت  سميرة وربتت على كتفها قائلة في لوم " فى  أب وأم ميتمنوش السعادة لولادهم ؟؟" 
ردت ايتن في عصبية امتزجت بنحيبها " وانتي شايفة ان حسام ممكن يسعدني انا مبحبووش يا ماما مش بطيقه " 
تنهدت سميرة  وهي تمسح دموعها بابهاميها قائلة " يا حبيبتى محدش هيغصبك ..انتو هتتخطبو فترة كدة وبعدين لو مش قادرة خلاص " 
نظرت لها ايتن فى شك فواصلت سميرة وهى ترتب خصلات شعرها التى تبعثرت من الانفعال  " اهدى بقا شوية ..انتى مش بتثقى فى كلام امك ولا ايه ؟؟" 
تمعنت بها ايتن طويلا ولم تستطع أن تخفي غيظها فقالت " اشمعنى انا ؟؟" 
عقدت أمها حاجبيها فى تساؤل قائلة " اشمعنى انتى ازاى ؟؟" 
ردت ايتن من بين اسنانها فى حنق " ليه ما أجبرتوش يوسف او زين انه يتجوز سمر هوا كمان ..ولا عشان انا بنت يعنى وهتقدرو تغصبوها انما هما رجالة محدش يقدر عليهم " 
ردت سميرة فى صرامة " ايتن انا مستحملاكى من الصبح ومستحملة دلعك ومع ذلك هرد عليكى ...الست غير الراجل يا ايتن ..انتى لسة صغيرة بس انا هحاول ابسطهالك ...لما الواحدة تتجوز واحد هيا مبتحبوش بس يبقا كويس وراجل بجد يقدر يحتوييها ويديها الأمان والحنية عمرها ما هتقدر تقاوم ده كله وهتحبه مع الوقت ...لكن الراجل غير.. لو مبيحبش مراته حتى لو قتلت نفسها عشانه ولا هيحس بيها وسمر بنتنا زيكو بالظبط ومرضلهاش بالظلم " 
أشارت ايتن الى صدرها قائلة " بس ترضيهولى انا ..صح ؟؟" 
أشاحت سميرة بوجهها لحظات عادت بعدها لتزفر فى ضيق وهى تقول " وبعدين بقا ؟؟؟...بصى ابوكى خد قرار فى الموضوع خلاص ..وانا رأيى تليميها شوية بدل ما يعند بجد ويخليها كتب كتاب وانتى عارفة محدش هيقدر يعصاله كلمة " 

+



                    
أشاحت ايتن بوجهها وهى تبتسم فى سخرية نعم هى تعرف ان حسام مجرد تابع لابيها، مجرد رجل هش،لاقرار له ولا شخصية ، القرار اتخذه أبوها وهو سينفذ حتى وهو يعلم أنها لا تحبه ، قطبت حاجبيها في حنق ، تخيله فى اطار الزوج يصيبها بالغثيان ، كيف تتزوج من حسام هذا ؟؟؟، حسام الذى لا يجيد صياغة كلمتين على بعضهما ،كيف تقدمه الى صديقاتها يهيئته تلك ، اما الحقيقة التي غفلت عنها او تغافلت بتفكيرها السطحي لم تكن هكذا ابدا فحسام رغم كونه شخص بسيط الا أنه شخصية جادة للغاية  ،ربما خبرته فى النساء لا تتعدى  حبه الجارف لها والذي غرق فيه بكل كيانه منذ الطفولة ، كان لبقا فى الحديث الا  معها فجأة تتوه الكلمات وتذوب بين شفتيه ولا يعرف ماذا يقول ، كم تمنى لو شعرت به، لو بادلته ولو جزء بسيط من مشاعره او أولته حتى بعضا من عطفها ، حين أخبره عمه بقراره تأرجحت مشاعره بين السعادة والخوف ، سعادة أن يمتلك الدنيا كلها طوع يديه وخوف أن تعطه الدنيا ظهرها وتحتج وترى ان مشاعره ليست مهرا كافيا لامتلاكها ، وبين السعادة والخوف انتصرت الأولى بضربة  حب قاضية ، حبيبته بين يديه فليترك كل مخاوفه للأيام ربما أثبتت له العكس .
******************************************
وقفت  ايلينا الى جوار النافذة التى تحتل حائطا باكمله فى مكتب يوسف وهى تحاول الاتصال بصوفيا للمرة الالف دون جدوى ، حاولت بكل الطرق ان تصل اليها ،  قست عليها ولكن بدافع حبها لها وشعورها بمسئوليتها منها، فطالما أعدت صوفيا ابنتها وليست ابنة خالتها وصديقتها المقربة  ،  راسلتها عبر كل الوسائل  ولم تتلقى ردا واحدا، تنهدت ولم يعد لديها سوى حل واحد ، ارسلت رسالة قصيرة لها وهى تمني نفسها ان ترد هذه المرة حين تقرأ محتواها ، اما يوسف فكان جالسا على طاولة الاجتماعات يراقبها دون وعى وهو يضع يد على وجنته والأخرى يطرق بها بالقلم على المائدة ، يقتله الفضول ليعرف من توليه كل اهتمامها هذا وتحاول الاتصال به رغم تجاهله ، الفترة الماضية جعلتهما قريبين أغلب الوقت بحكم العمل فلم يخلو الأمر من شد وجذب مستمر ، لا يعرف لماذا يحب تحديها دوما وهو الصارم الذى لايقبل فى عمله أي تجاوز او اعتراض ، وهى رغم حنقها منه الا ان دهشتها كانت اكبر من اخلاقه التى لا تتلائم ابدا مع الحوار الذى سمعته يدور مع جينا فهى لم تلمح فى نظراته او تصرفاته اى شىء يخيفها او يخجلها ، ولم يكن هذا الأمر معها فقط فقد كان مع جميع الموظفات لديه ، بل لمحت ما هو أكثر ، لمحت احداهن وهي تحاول التودد اليه أكثر من مرة ورغم جمالها المثير ونعومة أنوثتها التي لاتقاوم  لم تلقى منه سوى التجهم والتجاهل وحين أفرطت في محاولتها ولم يعد تجاهله ذو قيمة تذكر كان ابعادها الى احدى فروع الشركة حلا مناسبا للغاية ، لماذا يبدو هكذا بأكثر من وجه ،لماذا رفضها وهو على حد علمها سمعته يخبر جينا ان هناك الكثيرات وان علاقته بها عابرة ، ماذا يعنى بعابرة ؟؟؟، استيقظت من افكارها على صوته وهو يقول " مش كفاية كدة ونيجى نشوف شغلنا ؟؟" 
قبضت على الهاتف بين يديها وقالت دون أن تلتفت اليه" الاجتماع لسة مبدأش ومحدش جه بدرى غيرى " 
اعطاها يوسف شبح ابتسامة قائلا " ومش المفروض تجهزي للاجتماع ولا ايه ؟؟" 
عقدت ايلينا حاجبيها  والتفتت تخطو  تجاه المائدة قائلة " وانا مالى انا ...اجهز لاجتماع ليه؟؟" 
رفع يوسف حاجبيه وخفضهما قائلا " انا سبق ووعدتك ان لو فكرتك نجحت فهيبقى ليكى مكافأة " وقبل ان ترد قاطعها بكف يده وقال " انتى من النهاردة مديرة مكتبى " قالها يوسف وهو يتمعن النظر فى وجهها ليقرأ انفعالاتها بمفاجئته ، متشوق هو ليعرف كيف ستستقبل الأمر ، متشوق لما يتوقعه ويعرف أنها ستخالفه ليجد النقيض تماما ،وجدها جامدة لا تعطه اشارة واحدة عما يجول بداخلها  ،لحظات وأشاحت بوجهها قائلة " اسفة جدا انا مرتاحة فى قسم التصميمات " 
زمر يوسف شفتيه وتأملها لحظات استند بعدها على المكتب بكفيه وهو ينهض فى بطء قائلا فى هدوء صارم " انتى بأى حق تقولى موافقة ولا مش موافقة اصلا ..الظاهر النجاح اللى عملتيه خلاكى تتغرى وتكونى فاكرة ان احنا منقدرش نستغنى عنك " واشار بسبابته قائلا فى تحذير " انتى هنا مجرد موظفة وانا مديرك وزيك زى اى حد لو فى يوم قصر فى شغله او منفذش الاوامر هيترمى برة " 
تنهدت لتهدىء من انفعالها وتتجاوز وقاحته ثم واجهته بتحد وهى تقول " انا عمرى ما بقصر فى شغلى مش لانى بخاف انى اترفد..لا.. لانى عندى ضمير ..حضرتك تعرفه ؟؟...اما بالنسبة للغرور فدى ثقة بالنفس وفى موهبتى ولو انتو استغنيتو عنى ففيه الف مكان هيستنى اشتغل فيه ..والنجاح اللى حقققته معاكو هيعملى دعاية مجانية " 
تأملها لحظات قبل ان يطلق ضحكة عالية قائلا " انتى طيبة اوى.. حضرتك بتهددينا بطريقة شيك يعنى انك تقدرى تشتغلى فى مكان منافس بعد ما عرفتى عن شغلنا كتير ..احب اقولك ان .." وقبل ان يكمل قاطعته ايلينا فى حدة وغضب " مش اخلاقى ...مش انا اللى اسرب اسرار عن شغل كنت فيه عشان اكسب مكان فى شغل جديد " 
تنهد يوسف لينهى هذه المناقشة قائلا وهو يجلس من جديد" اسمعى انا هعلن فى الاجتماع دلوقتى انك هتبقى مديرة مكتبى وانا كلمتى مبتتردش ابدا ..يا بكرة الصبح تكونى على مكتبك يا برة الشركة خالص " 
لم تره هكذا ربما منذ أن خرج للحياة من رحمها ، لم تعهده غاضبا من قبل الى هذا الحد ...قاد السيارة بسرعة دفعت أباه الى الصراخ به فلم يعبأ بأحد وهو يعتصر المقود بين يديه ويتجنب النظر اليهما  ..كأنها رحلة فرار لا يعلم سببها سواه ، أو كأنها رحلة موت يهدد الجميع باصطحابهم معه فيها ...وصل الى القصر فهبط من سيارته  مسرعا وتبعه أبواه في صمت ..تقابل مع زين الذي ناداه عدة مرات ولم يجبه ،فتح  باب غرفته فى عنف ، فك رباط عنقه فى عصبية والقاه ارضا في حنق ، نظرت سميرة الى الرباط وتنهدت لتنظر اليه من جديد قائلة  ” ايه مالك ؟؟..ماتهدى كدة وتكلمنى ” 
استدار لها يوسف فى حدة ، فتح ثغره للحظات وأغلقه وهو يغلق عينيه في قوة كمحاولة للسيطرة على ما سيتفوه به لسانه ، عض على شفته السفلى قبل أن يفتح عينيه ويمسح وجهه  هاتفا  ” مالي..انتي بتدبسيني يا ماما ؟؟“ 
عقدت سميرة حاجبيها تسأله في استنكار ” بدبسك!!!! ..بنت اخلاق وأدب وجمال وانت نفسك ياما قلت فيها شعر ..جاى دلوقتى تقولى بدبسك ؟؟“ 
اقترب زين ليربت على كتف أخيه قائلا” اهدى بس يا يوسف وفهمنى فى ايه ..العروسة معجبتكش زى كل مرة ؟؟ايه الجديد بقا ؟؟“ 
نظر له يوسف وهو يعض على شفته مجددا  فى غيظ حتى كاد يدميها  ليهتف مجددا” حضرتك عارف العروسة تبقى مين... تبقى ايلينا اللى بتشتغل معانا ” 
ضيق زين عينيه  في دهشة ليهمس  ” ايلينا ازاى يعنى ؟؟“ 
اشار بكفه الى سميرة وهو يهتف بزين ” اسألهم ” 
هزت سميرة رأسها واقتربت من زين تمسك ذراعه تسأله  ” انت عارفها يا زين ؟؟؟مش كدة ؟؟؟البنت تتعايب فى حاجة ..شوفت عليها حاجة ؟؟“ 
مرر زين يده فى شعره وهو ينظر الى وجه يوسف الذى احمر من الغضب قائلا  ” بصراحة البنت مشوفتش لا فى اخلاقها ولا فى ذكائها ” 
رمقه يوسف وتهكم به” خلاص يا اخويا ما دام عاجباك اتجوزها انت ” ابتسم زين وهو يشيح بوجهه ليقول ” والله انا معنديش مانع بس انت سبقتنى وخلاص مبقاش ينفع ” 
دفعه يوسف فى حنق فقاطعته سميرة فى عصبية ” فى ايه يا يوسف انت فاكر ان البنت رمية ومش لاقية حد يتجوزها ولا ايه دى الف مين يتمناها ” 
بسط يوسف كفيه امامه قائلا ”بسسسس... اديكى قولتى الف مين يتمناها ..تتجوز واحد من الالف دول وتحل عن سمايا ” 
اقتربت سميرة منه كأنها تتوسله” يوسف البنت دى فعلا لو ضاعت منك مش هتلاقى زيها .. .الزوجه الصالحة فى الزمن ده بقت عملة نادرة ..اه البنات فعلا على قفا من يشيل بس اللى هتنفعك واحدة زى ايلينا ” واضافت فى حنان وهى تمسك بكفيه  ” بس يا حبيبى لو فيه حد فى حياتك قول وانا اروح اخطبهالك بنفسى ..انا ميهمنيش غير سعادتك ...نفسي أفرح بيك بقا يا يوسف ” وافلتت دمعة من عينها تعلم جيدا تأثيرها به  فرق لها قلبه على الفور ...يحبها لدرجة التقديس ، يضعها فى مرتبة خاصة لا يضاهيها احد ..يعلم كما تعلم أنها نقطة ضعفه الوحيدة ، اقترب ليمسح بأنامله دمعتها ...رسم ابتسامة بسيطة على وجهه ليتخطى الموقف معها  وقبل رأسها قائلا ” انا اسف يا ماما انى اتعصبت عليكى ..أنا بس اتفاجئت ..حاضر هعملك اللى انتى عاوزاه ...وهتجوز اللي انتي اخترتيها ” 
صفر زين  وهو يضع يده فى جيب سترته ” مش شايفين انكو بتتكلمو على اساس انها وافقت ..ممكن جدا متوافقش على فكرة ” 
امتقع وجه يوسف بينما ابتسمت سميرة لتخبره في جذل" لا ماهى وافقت " 
وهذا ما حير يوسف لماذا ؟؟، لماذا قبلت به وهي تعلم عنه كل ما تعلم ..لحظات  ابتسم بعدها  فى خبث مرددا وهنا مربط الفرس .
**************************************
تمددت ايلينا فى فراشها وتنهدت فى عمق في محاولة لاسترخاء تحتاجه بشدة بعد كل هذه المواجهات الساخنة مع يوسف ، ابتسامة خبيثة طلت في حياء مجتازة شفتيها وهي تتذكر وجهه حين أعطتهم موافقتها على الخطبة ، مررت يدها في شعرها شاردة فيما حدث حين عادت من عملها الى المنزل لتجد محمود يجالس سمير اباها ، تقدمت بابتسامة عذبة لتحيييه وعينيها تتابع بتساؤل  نظرة الوجوم على وجه والدها الذى ربت على الأريكة جواره مبتسما وهو يقول  ” تعالى يا حبيبتى جنبى ..عمك محمود عايزك فى كلمتين ” 
نظرت الى محمود في ترقب قبل أن تتحرك لتجلس الى جوار ابيها ، ابتسمت مجددا وهى تضع حقيبتها على المنضدة قائلة  ” اؤمرنى يا عمى ” 
ابتسم محمود من أدبها وقال ” الامر لله يا حبيبتى ..اخبار شغلك ايه ويوسف عامل معاكى ايه ؟؟“ 
نظرت له فى حيرة  تخلصت منها سريعا لترد قائلة ” الحمد لله الشغل ماشى كويس ” 
نظر محمود الى سمير وشبك اصابعه وهو يطأطأ رأسه ارضا للحظات قبل ان يرفعها من جديد قائلا بسرعة وكأنه يخشى التراجع  ” شوفى يا بنتى من غير لف ولا دوران ومقدمات ملهاش لزمة انا عاوز اطلب ايدك ليوسف ابنى ” 
تراجعت ايلينا فى ذهول ونظرت الى أبيها فى انتظار اى رد منه او تفسير ، عن أي خطبة يتحدث هذا الرجل انها عائدة لتوها من شجار محتدم معه كالعادة من أين خرج بتلك الفكرة المختلة !!!،حاولت قول أي شىء فتلعثمت  ” ح..حضرتك قولت ايه ؟؟“ 
استند محمود بمرفقيه على ركبتيه مواصلا وكأنه يدير صفقة ما  ” قبل أي حاجة لازم تعرفي حاجات كتير عن ابني وأولها عيوبه ...يوسف بتاع ستات ومش بس كدة ده بيشرب كمان ” 
شهقت في عنف وهى تسمع منه هذا الكلام ، نعم سمعت حواره مع جينا ولكن لم تتخيل ان تسمع وصف أبيه بنفسه ، لم تتخيل أنه يعرف حقيقة ولده ويتجاهل، تنهدت في عمق فالحوار على كل حال ليس منطقيا من الأساس وليكن ابن البدري هذا ما يكن ، ماشأنها هي وقبل أن تعطي فرصة لتفكيرها في انكار هذا وادعاء عدم أهميته سارعت قائلة وهى تحاول ان ترسم ابتسامة على ثغرها ” وحضرتك متخيل ان بعد كلامك ده أنا ممكن أوافق عليه ” 
واصل محمود وكأنه يزيح حملا من على كتفه ” يوسف مش كدة ايلينا ..أقصد ان فيه ظروف وصلته لده ..يوسف محتاج مساعدة ..محتاج حب حقيقى يوجهه للصح ..محتاج ست تصحح مفاهيمه ..مش من حقي أقول ظروفه ايه لأن دي حكاية مر عليها سنين طويلة ممكن هوا مع الوقت يقولك بنفسه ..للأسف هوا كان جزء من حكاية قديمة وصعبة خلته يرفض أي ارتباط من أي نوع ” 
قالت ايلينا وهى تدير حدقتى عينيها فى تفكير ، هذا الرجل سيدفعها الى الجنون حتما ” رافض أي ارتباط ازاي اذا كان حضرتك دلوقتي بتقول انه بتاع ستات ” 
تنحنح محمود قائلا في حرج” اه بس ده لزوم أنه يتبسط وبس ” 
أشاحت ايلينا بوجهها فى تقزز قائلة ” اه كدة فهمت ” 
لحقها محمود قائلا ” متفهميش غلط يوسف علاقته بيهم عمرها ما وصلت للحرام ابدا ” 
ابتسمت ايلينا فى سخرية قائلة ” على أساس ان العلاقات بالطريقة دي مش حرام ولا لازم يرتكب كبيرة من الكبائر ..انا اسفة يا عمى انا مش هقدر ارتبط بيه ” 
وهمت بالنهوض لولا أن وقف محمود بدوره أمامها يمنعها قائلا ” انتي بتشتغلى مع يوسف بقالك اد ايه ايلينا ” 
ردت ايلينا في بساطة دون أن تعى ماسبب السؤال ” من ست شهور تقريبا ” 
ضم محمود كفيه الى بعضهما قائلا ” عمره حاول مرة انه يتجاوز حدوده معاكى ..عمرك شوفتيه تجاوز حدوده مع اى موظفة من الموظفين ” اغمضت ايلينا عينيها وهي تحاول أن تستخلص اجابة منصفة ، رغم ماعلمته عنه الا أنه كان مهذبا معها الى أبعد حد ، بالفعل كان يتعمد اغاظتها ولكن حتى نظراته لم تحمل أي تجاوز والحال مع باقى الموظفات ، ردت ايلينا بعدها ” لا عمره ما حاول وده لأنه بيحب يحافظ على شكله ومنظره فى شغله مش اكتر ” 
هز محمود رأسه قائلا ” مش بس كدة ...يوسف عمره ماضحك على واحدة ولا عشمها بحاجة ..أغلب اللى يعرفهم هما اللى جريو وراه وعارفين كويس وضعهم فى حياته ايه ” 
تذكرت ايلينا وقتها حواره مع جينا ، نعم لقد ذكر لفظ علاقة عابرة في طيات حواره  وطلب منها الاتنتظر منه اى مشاعر موضحا أنهما اتفقا على ذلك من البداية ،الان فهمت ما يعنيه  ولكن هذا لا يمنع كونه منحطا ولن تغير رأيها في أخلاقه مطلقا ، وجدت نفسها تقول في تهكم ” لا فعلا ونعم الاخلاق ” 
ونظرت الى أبيها الذي كان يتابع الحوار في صمت وقالت ” ساكت ليه يا بابا متتكلم ” 
هز سمير كتفيه قائلا ” انتي ناضجة وكبيرة كفاية يا ايلينا عشان تقررب أنا واجبي أنصحك وبس ” 
أشار محمود الى ايلينا قائلا ” اقعدي بس يا بنتى خلينا نكمل كلامنا ” 
جلست فى استسلام فواصل محمود وهو يجلس بدوره ” انا قولتلك لحد دلوقتى على عيوب يوسف بس متكلمتش على مزاياه ..يوسف راجل بمعنى الكلمة ..طول ماانتي معاه هتكوني فى أمان ..هوا بس محتاج واحدة زيك تشده معاها للطريق الصح ..أنا من أول ما شوفتك وأنا واثق انك تقدري تقومي بالدور ده ” وأضاف في تردد ” واللى خلانى أصر اكتر اني حسيت ان ابني شايلك احساس جواه ” 
التفتت له ايلينا وقالت وهى تشير بيدها الى صدرها في ذهول  ” ناحيتي أنا ..أكيد بتهزر ؟؟؟“ 
رد محمود فى جدية ” يوسف عمره ما هيعترف بسهولة حتى قدام نفسه انه حب ..مش هيقدر يترجم احساس مجربوش قبل كدة من أصله بالعكس ده هيرفضك بكل طريقة وهيحاول يبعدك كمان ” 
ضحكت ايلينا وهى تضرب كفيها ببعضهما قائلة ” ده على أساس انى هوافق عليه اصلا عشان هوا يرفض ..انتو عايزه يرفضني واروح اقله انا اللى هموت واتجوزك ..انت بتتكلم ازاي يا عمي ” 
قال محمود في حزم ”احنا هنحطه قدام الامر الواقع ” 
ابتسمت ايلينا من اصراره على موافقتها وهو يعطيها بنفسه كل أسباب الرفض  ” حضرتك بتتكلم كأني وافقت ” 
رد محمود فى رجاء ” ايلينا انا ابني فعلا محتاج مساعدتك وانا واثق ان محدش هيقدر يقوم بالدور ده غيرك ..وبعدين مفيش حاجة هتتم غصب عنك مفيش جواز من اصله هيحصل غير لما يوسف يتغير بجد وانتى اللى هتقرري ده ..انا مش هخدعك واقولك ان معركتك معاه سهلة بالعكس دى هتبقى عنيفة وزى ما قولتلك هيحاربك بكل طريقة وهيحاول يبعدك ” 
شعرت بحيرتها تتضاعف وهي تدفع ارادتها خطوة للموافقة وجزء من كيانها الغبي يدفعها معه فردت وهى تضع جبينها بين سبابتها وابهامها  تخبره باحدى مبرراتها التي لازالت في طور المقاومة وترفض الاستسلام ” عمي للاسف انا مقتنعة تماما ان مفيش بنى ادم بيتغير وان الطبع غلاب زى ما بتقولو هنا فى مصر ” 
قال محمود بسرعة ” ويوسف طبعه مش كدة ..قولتلك مجرد ظروف اتعرضلها ” 
هزت ايلينا رأسها ، لا يعرف كم تكره تلك الكلمة  ” تاني ظروف ..حضرتك مش متخيل انا بكره الكلمة دى قد ايه ..الشماعة اللى بنعلق عليها كل غلطنا والحقيقة ان الغلط عمر ما بشوفله مبرر ” 
قال وهو يتشبث ببعض الامل معطيا اياها مثال يفهمه مثلها جيدا ” أي انسان ممكن يتغير ..رابعة العدوية مثلا شوفي كانت ايه وبقت ايه ..ربنا قادر على كل شىء بس بيبعتلنا اسباب وانتى هتكونى السبب اللى هيغير يوسف للأحسن ” 
نظرت له  هذه المرة دون ان تنطق ، تفتت كل مبرراتها فجأة وتهاوت أمام جزءا من ارادتها الخبيثة في الموافقة فواصل محمود ” طبعا انا عارف انك محتاجة وقت تفكرى فيه ” ابتسمت في تعب  وهزت رأسها ليشعر محمود بالأمل يتزايد ” انا هستنى تليفون منك متتأخريش عليا ” 
وذهب تاركا اياها مع أبيها الذى ابتسمت وهى تربت على يده قائلة ” ها يا بابا رأيك ايه ” 
نظر لها سمير فى تعب وقال ” رأيي ان مهما تحاولى تخبى مش هتقدرى تخبى عليا انا ابدا ..انتى زيك زى يوسف بالظبط ..انتي كمان مشاعرك اتحركت ناحيته بس اخلاقك وتربيتك ودينك رافضين وجودها ناحية يوسف بالذات ..ومشاعرك دى هيا الى مخلياكى عاوزة تساعديه وخايفة عليه من الطريق اللى ماشى فيه ” 
ارتبكت ايلينا ووالدها يواجهها على هذا النحو بما لم تعترف به حتى لنفسها  فقالت ”بابا انا ” اشار لها والدها
لتصمت مواصلا وهو ينهض لينهى الحوار ” لو قررتى تساعديه خدى بالك من حاجة مهمة وحطيها حلقة فى ودنك لو حد واقع فى حفرة وانتى مادة ايدك عشان تخرجبه فرصته انه يوقعك تحت اكبر من فرصة انقاذه ..بس انا عارفك كويس وعارف انى عمرك ما بتستسهلى ..تجربتك مع ريان مختلفة عن دى خدى بالك ..ريان كانت مجرد خطوبة تقليدية ومكنش فيها أي مشاعر من ناحيتك ..لكن يوسف ” وصمت بعدها ليغادر المكان قائلا ” زى ماقولتلك قبل كدة ده قرارك  وانا دورى انصحك وبس ” وقبل جبينها وهو يدعو لها بصلاح الحال ، انتشلتها نغمات العود الخاص بعلي من أفكارها ، الصغير يحب الموسيقى وأتقن العزف عليه في وقت قياسي والمدهش أنه يختار نغمات شرقية عتيقة وكلمات صعبة الفهم على فتى في عمره ، ابتسمت وهي تنهض من فراشها لتقترب أكثر من صوته الشجي بمرح ، استندت الى الباب وهي تسمعه يشدو رائعة احمد شوقي
"مضناك جفاه مرقده 
وبكاه ورحم عوده 
حيران القلب معذبه 
مقروح الجفن مسهده 
يستهوي الورق تأوهه 
ويذيب الصخر تنهده 
ويناجي النجم ويتعبه 
ويقيم الليل ويقعده 
الحسن حلفت بيوسفه 
والسورة أنك مفرده 
وتمنت كل مقطعة 
يدها لو تبعث تشهده " ، رددت كلماتها دون وعي وعقلها شارد تماما  
الحسن حلفت بيوسفه 
والصورة أنك مفرده "، لفت خصلة من شعرها حول اصبعها بابتسامة حالمة ترسم ملامحه للحظة ، عينيه البنيتين وتلك الخطوط الصغيرة التي ترتسم حولهما حين يبتسم ، شعره الناعم حالك السواد وأنفه المستقيم في شموخ غريب ، لحيته القصيرة المهذبة باستمرار والتي لاحظت اخفائها لغمازة صغيرة في ذقنه او ما يسمى طابع الحسن ..أما شفتيه فهما ....هزت رأسها في عنف وهي تردد " استغفر الله ..استغفر الله ،"
وعضت على شفتها السفلى وهي تغلق الباب لتقف خلفه مستندة اليه وهي تقول في نفسها " مش حلو أوي يعني ...عادي خالص وأقل من العادي كمان "
 رن  الهاتف لينقذها من مواجهة نفسها بادعائها الكاذب فابتسمت وهى تعود الى واقعها بصوت صوفيا ونبرته الطفولية المميزة قائلة ” صوفيا ..لسة صاحية ؟؟“ 
ردت صوفيا فى ارهاق ” مكنش ينفع انام من غير ما اطمن عليكى ..انتى واثقة من قرارك ايلينا ” 
جذبت ايلينا الغطاء عليها وقالت كأنها لم تسمعها ” انا اسفة صوفيا اسفة بجد اني كنت بالقسوة دى عليكى ” 
تنهدت صوفيا قائلة ” اللى حصل حصل ايلينا ..انا خلاص نسيت ” 
قالت ايلينا في تقدير مشوب بكثير من الاعتذار ” متعرفيش مكالمتك معايا فرقت كتير ازاى ” 
ابتسمت صوفيا قائلة ” خدتى قرارك بسرعة ايلينا ..كنتى محتاجة وقت اكتر من كدة ” 
ردت ايلينا فى شرود ” لوفكرت مش هغامر ..هيا فى الأول والآخر مغامرة ” 
لحظات من الصمت قطعتها صوفيا قائلة في حماس مفاجىء كعادتها ” على فكرة انتى ليكى عندى خبر حلو ...انا جايالك مصر قريب ” 
***********************************
وفي الصباح كانت ايلينا على موعد مع معركة اخرى تعرف انها ستواجهها حتما مع يوسف ، جلست على مكتبها الجديد كمديرة لمكتبه وهى تنقر بقلمها فى توتر وتحاول ان تكون اهدأ ، رفضت المنصب مسبقا ولكنها الآن تحتاجه بشدة ، أنبأتها رائحة عطره المميزة عن قدومه  ، لحظة مرت وجدته بعدها يدلف الى المكان وخلفه الساعى كالعادة يحمل حقيبته ، توقف عند مكتبها وخلع نظارته الشمسية ليرمقها بنظرة نارية جاهدت لتخفي انفعالها بها ، التفت بعدها الى الساعي ليأخذ منه حقيبته ويصرفه بايماءة من رأسه قبل ان يميل اليها قائلا فى غلظة” حصليني” تنهدت في قوة لتستعد لمواجهة تعرف صعوبتها وتحمست في الوقت ذاته لرؤية بارد المشاعر هذا وهو ينصهر أمامها غيظا كلوح الجليد  ، تبعته الى مكتبه وهي ترسم على ثغرها ابتسامة تعرف جيدا أنها سيتفز تماما بها ،  لن تننكر انها تراه جذابا أكثر وهو على عصبيته تلك  ، وجدته واقفا يعطيها ظهره وما ان شعر بالباب يغلق حتى التفت لها قائلا ” انتى بتستعبطى صح ؟؟“ 
هزت ايلينا كتفيها قائلة في هدوء " فيه حاجة غلط فى الشغل يا فندم ؟؟“ وفتحت ملف كان بيدها قائلة ” أنا رتبت لحضرتك المواعيد النهاردة على حس..“ قاطعها وهو يلتقط الملف من يدها ويطيح به أرضا قائلا من بين أسنانه ” بطلي استعباط انتي عارفة أنا بتكلم على ايه ” 
 علقت نظراتها للحظة بينه وبين الملف الملقى أرضا وعادت تبتسم من جديد لتخفي توترها ” حضرتك احنا فى شغل والمفروض ان ” لم يمهلها فرصة للكلام وهو يشير بسبابته اليها قائلا ” مش انتي اللى هتعلمينى اتكلم فين وازاى ..ومش حته عيلة زيك هتقدر تضحك عليا ” 
كتفت ايلينا ذراعيها وقالت فى هدوء كاد ان يفتك به غيظا ” أنا مش فاهمة حضرتك بتتكلم على ايه ” 
نظر  الى الأعلى لحظات وقال بعد أن مسح وجهه بيده " مش فاهمة ؟؟....مقولتيش ليه من الاول انك تبقى بنت صاحب بابا ” 
هزت كتفيها بلا مبالاة قائلة ” وكانت هتفرق معاك فى ايه ..انا قدمت السي في بتاعي زي أي حدد وحضرتك بنفسك اللى اخترتني ” 
وضع  يديه فى خصره وقال ” والله!!!... طيب مكنتيش تعرفى اني جايلك مع اهلي باليل ” 
ردت فى صدق ” مكنتش اعرف ” 
مال اليها وقد اوشك حاجبيه الكثيفين ان يلتصقا ببعضهما من شدة تقطيبه لهما  ” ووافقتى ليه ؟؟“ 
ردت  وهى تعود خطوة للخلف متجنبة مزيدا من التوتر بقربه ” وانت اتقدمتلي ليه ؟؟“ 
صاح في نفاذ صبر ” مترديش على سؤالي بسؤال ” 
ردت في تحد ” خلي اسئلتك منطقية الأول وانا ارد عليك ” 
استدار يوسف ليعطها ظهره لحظات مسح فيها  وجهه بكفه  وعاد ليواجهها من جديد قائلا ” ما علينا من ده كله ..انت دلوقتي هتروحي وتقولى لباباكى انك مش عايزانى ” 
قطبت  حاجبيها في اهتمام قائلة ” لا مش هقول كدة ..انا اديت لباباك ومامتك كلمة وانا مش برجع فى كلامى ..لو حابب انت ترجع براحتك ” 
بسط  كفيه امامه قائلا كأنه يساير طفلة ” خلاص ياستى وانا اهو بقولك انى رجعت فى كلامى ومش عاوزك.. روحى بلغيهم ” 
قالت فى برود وكأن الامر لا يمثل لها أي  قيمة ” طنط سميرة وعمو محمود اللى كلمونى فى الموضووع من الأول انت روح قولهم انك رافض وهما يبلغونى ” 
رد  فى ذهول ” وهيا هتفرق معاكى فى ايه ان شاء الله ” واضاف وهو ينظر اليها فى حنق يزداد وهو يراها لا تعبأ به مطلقا ” دى لو واحدة غيرك واحد قالها انه مش عايزها مكنتش اديته فرصة حتى يكمل الجملة ” 
 هي تعرف انه يختار اقسى الكلمات ليجعلها تتراجع و لن تجعله ينتصر هكذا من اول جولة ” اوكى انا هكلم طنط سميرة واقولها انك مش عاوز ” وهمت ان تغادر لولا ان اوقفها صوته وهو يقول ” استنى هنا رايحة فين ...اوعى تقوليلها كدة ” 
ابتسمت للحظة قبل أن تتصنع الحيرة والتجهم مجددا بتميز وتلتفت اليه قائلة ” حيرتنى معاك ..عايزنى اعمل ايه دلوقتى ؟؟“ 
حك يوسف جبينه بيده وقال في ترقب  ” عاوزك تقولى ان الرفض من ناحيتك انتى ” 
ردت وهى تقلد لهجته وطريقة نطقه للجملة” اسفة مبكدبش ” 
اقترب منها  تدريجيا وهو يقول  ” يعنى ايه مبتكدبيش وانتى موافقة عليا ازاى وليه اصلا ” واضاف فى وقاحة وهو يغمز بعينه  ” تكونيش بتحبيني  ..ولا طمعانة بقا فى الهيلمان ده كله ” 
عضت ايلينا على شفتها فى غيظ ، هذا الوقح المغرور  يتجاوز حدوده ” لا ده ولا ده واسبابى هحتفظ بيها لنفسى ” 
رد وهو يشيح بكفه ” احتفظى باللى انتى عاوزاه بس خليكى فاكرة انا مش عاوزك واتقدمتلك واتدبست فيكى بس عشان رغبة ماما مش اكتر وانا مبحبش ازعلها ” واخفض صوته وهو يقول فى جدية ”بس خدي بالك انتى متعرفيش حاجة عنى ..احسنلك ابعدى ...افتكر اني نصحتك ” 
نظرت الى اليمين واليسار وقالت ” على فكرة النهاردة احنا عندنا شغل كتير فياريت لو خلصت كلامك نبدأ ..ولا غيرت رأيك ومش هبقا مديرة مكتبك ” 
هز يوسف رأسه فى خيبة امل قائلا ”لسوء حظى وحسن حظك انى مش برجع فى كلمة قولتها والا كان زمانك مرمية برة الشركة ” 
علمت جيدا نيته فى استفزازها فلن تعطه ما يريد أبدا ..ابتسمت لتغيظه قائلة في استفزاز  ” خلاص بعد اذنك هروح اشوف شغلى ” ، تابعها وحنقه منها وصل الى اقصاه ، تمنى لو صفعها فقد استفزته كما لم يفعل انسان على البسيطة من قبل  .. سؤال واحد لازال يحيره ...سؤال ترفض تلك السمجة الاجابة عليه .. لماذا قبلت به ،كيف وهى على الاقل علمت جزء من حياته بحواره مع جينا ، جلس على مقعده فى تهالك...هل عليه أن يسلم بالأمر الواقع ..هل حبه لأمه وتقديره لها سيدفعه للاستسلام ...هل سيخالف وعده لنفسه ويربط أنثى باسمه  ...لا لن يكن ...لن يسمح لهذا الزواج ان يتم مهما كلفه الثمن وسيسحق ثقة المغرورة تلك  فى نفسها  هذه تحت قدميه لتعلم من تواجه . 
*****************************************
استرخى محمود فى مقعده وأخذ نفسا عميقا قبل ان يرتشف من فنجان القهوة الذى اعدته له سميرة بيديها،  لسنوات طويلة لم يستسغ طعم القهوة الا من يدها ،  ابتسم لها قائلا وهو يستلذ بمذاقها في فمه  ” لسة ابنك شايط ” 
ضحكت سميرة قائلة في تسلية  ” هوا شايط بعقل ..ده خرج من بدرى عشان ميشوفش حد فينا ” 
وأضافت  وهى تنظر الى الفراغ فى تفكير ” انا بدعى ربنا ليل نهار ان ربنا يهدى ابنك ويحببه فيها ويتم الجوازة دى على خير ..لو ضاعت منه مش هيلاقى زيها ابدا ” 
ربت على كفها في حب قائلا " اطمنى يا ام يوسف ...ابنك فعلا جواه حاجة ليها..بس اقول ايه بقا العند ” 
احتوت كفه في كفها وهي تقول بابتسامة حالمة ” ياما نفسى يكون ليها اخت زيها كدة ناخدها لزين ” 
تنهد محمود قائلا  في حزم ” زين الدين بنت عمه اولى بيه ..بس فى الأول والاخر راجل مقدرش اغصب عليه وفى الاخر يظلم البت معاه ..انتى عارفة ولاد اخويا امانة فى رقبتى هتحاسب عليها قدام ربنا ” وطأطأ رأسه مضيفا في وجع ” كفاية كنت السبب فى حرمانهم من ابوهم وامهم ” 
قالت سميرة فى رقة وهى تضع يدها على كفه ” تانى يا محمود ...الموضوع عدى عليه كتير اخرج منه بقا ”
هز رأسه قائلا فى حزن ” بس لوكنت ..“ وضعت اصبعها على ثغره قائلة ” ربنا يرحمهم برحمته يا محمود انت عملت اللى عليك وزيادة وعيالهم حطتهم فى عنيك وعاملناهم حتى أحسن من عيالنا ” 
رفع محمود نظره اليها لتطالع بهما حزنه الذى عاش به لسنوات طويلة وعقدة الذنب التى ظلت ملازمة له ودمعة تناضل أن تظل محافظة على مكانها خلف جفونه فغيرت من مسار الحديث قائلة ” بقولك ايه ؟؟؟احنا عايزين نحدد معاد للخطوبة ..وننزل مع البنت تنقى شبكتها ..ايه رأيك ” 
ابتسم محمود فى حزن قائلا ” كلميها واتفقى معاها ”
التقط يوسف هاتفه فى تأفف وهو ينظر الى اسم جينا ، فتح المكالمة ورد عليها فى اقتضاب وملل وحين شعر بباب المكتب يفتح لتظهر من خلفه ايلينا تحمل عددا من الملفات رسم على ثغره ابتسامة واسعة غير عابىء بوجودها وهو يغير من طريقة حديثه مع جينا تماما ” انا عارف ..انتى كمان وحشتينى اوووى ..انا عندى بس شوية شغل وهكلمك تانى ..باى باى حبيبتى ” استمعت  الى كلماته بغضب حاولت  جاهدة اخفائه ، غيرتها أقوى من أي قوة لانكار وجودها وهو يردد على مسامع جينا عبارات هيامه وغزله ، ضغطت على الملف الذى بيدها حتى كاد يتكور بين  اصابعها واظافرها بالفعل قد تخللت احدى وريقاته ، حقا هى لاتعرف من اين تبدأ طريقها معه و..“ بتبصيلى كدة ليه ؟؟“ قاطعها يوسف وهو يدور بكرسيه الجلدى فى برود ، ردت  وهى تتنفس فى عمق ” ببصلك ازاى؟؟“ 
ابتسم  وهو ينظر الى الملف الذى كاد ان يتكور فى يدها ” اسألى نفسك ” ونهض فى بطء ليواجهها قائلا ” عشان بس تبقى عارفة ..جينا مش الوحيدة ده فى غيرها كتير ..وانا بقا مش ناوى اتغير عشاان حد ” 
اشاحت بوجهها للحظات قبل ان تنظر اليه من جديد قائلة ” اللى بيتغير بيتغير عشان خاطر نفسه وعشان هوا عارف أنه ماشى فى سكة غلط ..اللى بيتغير بيتغير للصح مش عشان خوف على منظره وشكله مش اكتر ” 
مط شفتيه قائلا ” عاجبانى فلسفتك دى ” وجلس على طرف مكتبه وصمت لحظات قبل ان يضيف فى جديه ” انتى هتتعبى كتير لو فكرتى تتجوزينى وده لأنى عمرى ما هحبك ابدا ” 
هزت كتفيها فى لامبالاة تفتك به قائلة ” الحب مش كل حاجة ” 
تضايق  من برودها فحاول اغاظتها قائلا ” وانا بالنسبالى مقدرش اعيش مع واحدة متربطنيش بيها اى مشاعر فتوقعى بقا فى اى لحظة انى ممكن اتجوز عليكى ”
لن يربح معركته تجاهها ابدا هى تدرك غرضه من استفزازها ، وضعت الملف على المكتب وكتفت ذراعيها قائلة فى هدوء ” مثنى وثلاث ورباع ..ده شرع ربنا حد يقدر يعترض عليه ” 
نهض يوسف من جلسته فى صدمة وقال ” بقولك هتجوز عليكى ايه مش فارق معاكى خالص ” 
تراجعت لتحتفظ بمسافة بينهما قائلة ” هيكون فارق معايا لو بحبك مثلا ..بس انا مش بحبك خالص ” 
رد فى حنق  ” اومال عاوزة تتجوزينى ليه ” 
قالت فى هدوء غير مكترثة به ، تلذذت كثيرا بحرصه على اجابة لسؤاله وحيرته في الوصول الى شيء لن تجعله يبلغه مطلقا” قولتلك محتفظة باسبابى لنفسى ” 
هنا فقد أعصابه تماما وقبض على معصمها قائلا ” بطلى استفزاز ” نظرت اليه  فى شر وبعينين كلهما تهديد لا يتناسب مع برائتهما المعتادة وقالت وهى تحاول ان تفلت يدها من قبضته دون فائدة ” لو فكرت تلمسنى بأى شكل هتشوف منى اللى عمرك ما شوفته ” ، استمتع بنظراتها تلك ، اثارته بهذا التغيير ، بكل متناقضاتها لا يستطيع ان ينكر انها تثير فضوله جنونه حيرته حقده تثير كل متناقضاته بمتناقضاتها ، كم تمنى  لو تمادى اكثر و..، قطع استرسال افكاره الوقحة وهو يقبض على معصمها اكثر قائلا ” انا بقا عايز اشوف اللى عمرى ما شوفته ”
استمرت في محاولة تخليص معصمها منه فابتسم لنجاحه اخيرا في مضايقتها ولو قليلا ، لحظات وترك يدها وهو يتراجع قائلا ” طبعا انا اتمنى اعمل اى حاجة تضايقك بس مش يوسف البدرى اللى يلمس ست غصب عنها ” 
نظرت له فى تهكم وهي تدلك معصمها من قبضته  قائلة ” بتلمسهم بمزاجهم بس حاجة فعلا تشرف ” 
عاد ليجلس على رأس مكتبه وهو يزفر فى ضجر قائلا ” انجزى شوفى انتى كنتى جاية ليه خلصينى ” 
حملت الملفات من جديد وبدأت فى عرضها عليه واحدا تلو الاخر ، كان  منشغلا عنها بصراعه الخاص الذي يشتعل مع اي اقتراب منها .. هو يريد ان ينكر انها بالفعل مميزة وذكية وجميلة واضافة كبيرة لاى مكان تعمل به ...يريد أن يخضعها لتصنيفه الخاص لأي أنثى..  يريد ان تظل هكذا بعيدة عن قلبه الذى احاطه باسوار شائكة تمزق اى صورة مثالية لامرأة قبل ان تقترب من ابوابه ، يشعر بالخطر وحصونه تنهار امام رقتها واحدا تلو الاخر ومقاومته تتضاءل وهو يراقب كل شىء فيها باهتمام ، ولكن لا ....هى لاشىء ، هى مجرد امر فرض عليه ليرضى امه وسينهيه فى الوقت المناسب ، لن تقتحم انثى حياة يوسف البدرى ابدا . 
أما هي  فحالتها لم تختلف عنه فصراعها الخاص كان يحتدم بداخلها بدوره  بعد ان واجهها والدها  بمشاعرها تجاهه ، كانت تحاول ان تقنع نفسها انه يحتاج للمساعدة فحسب ولكن التساؤلات التى جابت خاطرها لم تجد لها اجابة ، لماذا هو ؟؟، لماذا جازفت من جديد من اجله ؟؟، لماذا تتحمل فظاظته وتتنازل عن كثير من كرامتها وهو يرفضها مرة بعد مرة ؟؟، لماذا يجمع كل المتناقضات فى آن واحد ترى حنانه واحترامه لأمه وترى فظاظته مع اخرين ، ترى احترامه معها ومع غيرها من الموظفات وترى وقاحته مع جينا ، ترى أى ظروف مر بها وتحدث عنها والده ؟؟، لن تهدأ حتى تعلم قصته كاملة وسيعرف ابن البدري من منهما سيربح المعركة .
********************************
مر شهر لم تختلف فيه الأمور كثيرا بينهما كل منهما كان يستلذ بتحديه للاخر ولو فى امور بسيطة ، لم يتوقف عن محاولاته المستمرة لابعادها عن طريقه دون جدوى ، ألهته محاولاته الدءوبة عن مواجهة تلك المشاعر التى تتسرب الى خلاياه وتتصدع لها اسوار قلبه المحصنة ، كان يردد دوما بينه وبين نفسه انه يكرهها  ويكره وجودها الذى فرضته الاقدار عليها .
اما ايلينا فحتى هذا الوقت لاتعرف من اين تبدأ طريقها معه فهو لم يعطها اى فرصة تماما ، اصبح يغرقها فى العمل اكثر واكثر حتى تمل منه ومن تحكماته وفى المقابل كانت تنجز كل ما يطلبه منها فى دقة تثير دهشته واعجابه رغما عنه ، وفى يوم الخطبة لم يهتم  ويعطها راحة وبدورها لم تطلب هذا الامر مطلقا ، استغرقت فى عملها حين رن هاتفها برقم صوفيا قائلة بصوتها الطفولى ” مفاجأة انا فى المطار ” 
نهضت ايلينا فى دهشة قائلة ” فين ؟؟...ليه مقولتيش يا صوفيا من الاول ” 
ضحكت صوفيا وقالت ” كنت عايزة اعملهالك مفاجأة يلا تعالى خدينى ” 
وضعت ايلينا يدها على رأسها وهى تنظر الى باب مكتب يوسف ثم الى الملفات امامها وتقول ” طيب صوفيا دقيقة وهرجعلك ” 
حاولت التحدث الى ابيها فوجدت هاتفه مغلقا ، ضربت الارض بقدمها فى غيظ وهي تلقي بهاتفها على المكتب  ،انتفضت فى ذعر  حين رفعت بصرها من جديد لتجده أمامها ، نظر لها في تهكم قائلا  ” مالك ؟؟شوفتى عفريت ؟؟“ 
عادت لهدوئها بسرعة وقالت ” لا بس..“ قاطعها يوسف  وهو يتجه الى مكتبه قائلا ” ورايا ” 
وضعت يدها فى خصرها ونظرت الى مزهرية صغيرة على مكتبها وتمنت بالفعل لو جربت متانتها على رأسه  فهذا المغرور البارد يثير غيظها الى اقصى درجة . 
جلس  على رأس مكتبه وانتظرها حتى جاءت لتقف امامه ، تأملها للحظات ..دقق في ارتباكها وحيرتها ومنع نفسه بصعوبه من سؤالها عما بها ، لايريد ان يعترف انه يهتم بأمرها مطلقا ، قال فى هدوء وبلهجة آمرة ” انا عاوزك تعمليلى مقارنة بين ارباح السنة دى وارباح السنة اللى فاتت وعاوز تقرير عن كل مناقصة دخلناها وكمان تقرير بالخامات الجديدة اللى قررنا ندخلها فى شغلنا وكمان ..“ 
قاطعته في ذهول ” ثوانى بس ده كله هيتعمل امتى ” 
رد وهو يسترخى فى كرسيه ببرود ” النهاردة ” صمتت وهى تتأمله فى حيرة ، أهذا الرجل مختل أم يدعي الاختلال ؟، فواصل فى ظفر امتزج بشماتة ” ومش هتمشى غير لما يكون الورق ده كله قدامى يا ....يا عروسة  ”
اغمضت عيناها في قوة ،هكذا اذن !!، يتحداها كالعادة فليكن ، تنهدت قائلة ” تمام يافندم بس لو ينفع بس ممكن استئذن نص ساعة بس عشان ..“ قاطعها باشارة من كفه ” قولت مش هتتحركى قبل ما تخلصى كل اللى طلبته منك ” 
زفرت فى ضيق وشعرت انها بالفعل فى مأزق حقيقى ، وماذا تفعل مع صوفيا التي تنتظر وحيدة في المطار ..لن تترك الفتاة هكذا مهما حدث ...ستتنازل عن جولتها معه هذه المرة فقط وساحة المعركة لازالت أمامها طويلة  ، كادت ان تنطق لولا ان فتح الباب وظهر زين من خلفه فتنهدت فى راحة وهى تسرع اليه قبل ان يدلف للداخل  ، ابتسم لها قائلا ” حظى حلو النهاردة كدة انى اشوفك ..بس فيه عروسة بتيجى شغلها يوم خطوبتها ؟؟“ 
ابتسمت قائلة ” نعمل ايه بقا ؟؟“ 
واضافت فى خفوت وهى تميل للامام قليلا ” حكم القوى ” 
ضحك زين وهو ينظر الى يوسف الذى التفت اليه بضيق لا يجد له مبرر ، اقتربت ايلينا منه وهمست فى رجا ء” زين ممكن اطلب منك خدمة ” 
اشار زين الى عينيه قائلا ” من عيونى اؤمرينى ” 
ابتسمت فى امتنان قائلة ” متشكرة جدا.. بعد ماتخلص مع يوسف ابقى عدى عليا ” 
وخرجت ليتقدم هو جالسا امام اخيه وهو يقول ” ده انت مفترى منزل البت يوم خطوبتها ” 
تنحنح يوسف وهو يحاول ان يخفى علامات الامتعاض على وجهه ، نظر الى الباب لحظات حيث خرجت ايلينا  وقال ” عاجباك ايلينا يا زين ؟؟“ 
نظر زين الى الباب دون ان يدرى ما رمى اليه اخوه وقال ” بصراحة نادر لما تلاقى حد زيها دلوقتى ” 
نهض يوسف من على رأس مكتبه ليجلس مقابلا لاخيه قائلا فى تردد ” زين انت معجب بايلينا ؟؟“ 
قطب زين حاجبيه وقال فى حدة ” انت بتقول ايه يا يوسف الحاجات دى مفيهاش هزار ” 
قال يوسف وهو يميل اليه ليتمعن به أكثر هو لم ينسى مطلقا حماس أخيه لها من البداية ، لا ينكر أنها تشبهه كثيرا في طباعه  ” انا مش بهزر ..لو ايلينا عاجباك خدها يازين ” 
تمعن زين بأخيه للحظات قبل ان يقول فى جديه ” بص بقا ...ايلينا بنت يتمناها اى حد ..لكن انا مش هبص لواحدة هتبقى مرات اخويا ومش بس كدة ...دى حبيبته كمان ” 
اعتدل يوسف وقال فى صدمة أربكت نبرته ولعثمتها ”حببية مين يا زين ..هوا انا بطيقها اصلا ؟؟“ 
ابتسم زين لارتباك اخيه وقال ” انت لسة فى مرحلة المقاومة يا يوسف بس بعد فترة هتستسلم ...وهتبطل تعاند حبك ليها اللى بيكبر جواك ..المفروض تحمد ربنا ان مشاعرك ورطتك مع الشخص الصح ..مش تفضل تعاند ” 
تنهد يوسف وهو يشيح بنظره بعيدا قائلا ” انت بتقول اى كلام يازين انا مش بعترف ان فيه حاجة اسمها حب اصلا ” 
ضرب زين بكفيه على فخديه وهو ينهض فى بطء قائلا ” بكرة تشوف يا يوسف ” واستدار ليذهب وقبل ان يفتح الباب التفت لأخيه قائلا ” ابقى ارحم الغلبانة اللى برة دى شوية ..ملهاش اى ذنب فى الصراع اللى جواك ده ” 
تنهد يوسف وهو ينظر الى اخيه الذى غادر وتركه يردد فى نفسه ” ملهاش ذنب ..شكلها هتبقى الذنب نفسه ”
دق زين على مكتب ايلينا فى رفق فرفعت رأسها اليه قائلة ” جيت فى وقتك ” نظر الى الملفات المتراكمة حولها قائلا” ايه ده كله ؟؟“ 
اشارت  برأسها الى غرفة اخيه في حنق وقالت ” اسأله ” 
ابتسم زين  للحرب الباردة بينهما فقالت ايلينا ” خلينا فى المهم ...انا بنت خالتى رجعت من باريس وحاليا فى المطار واخوك منعنى استئذن ” 
قطب حاجبيه في ازعاج  وهو يهم ان يعود الى اخيه ” ايه الكلام الفارغ ده ” اوقفته ايلينا وهى تقول ” ارجوك يا زين مش عاوزة حد يتدخل هوا فاكر انى مش هستحمل ...وانا هوريه انى هقدر ..بس صوفيا واقفة فى المطار بقالها نص ساعة ودى اول مرة ليها فى مصر ” 
رفع زين حاجبيه قائلا ” صوفيا !!” 
هزت ايلينا رأسها قائلة ” انا بعد اذنك طبعا ادتلها رقمك وشافت الصورة اللى انت حاططها على الواتس اب وهتعرفك ..عارفة انى هتعبك بس انا بحاول اكلم بابا وهو مش بيرد ” 
ابتسم زين قائلا في رفق ” تتعبينى ايه بس يا ايلينا ..انتى من النهاردة تعتبرينى اخوكى ولما تحتاجى اى حاجة هتلاقينى جنبك ...ولو اللى جوة ده مزعلك انا مستعد ا..“ 
قاطعته ايلينا وهى تضحك قائلة ” اللى جوة ده سيبهولى ” ونظرت الى ساعتها لتضيف ” يلا بقا البنت وقفت كتير فى المطار ” 
***********************************
جلست صوفيا على احدى حقائبها وهى تنظر الى ساعتها للمرة الألف وتزفر فى ملل ، رفعت الهاتف فى تلقائية وهى تنظر الى صورة زين من جديد قائلة ” اتأخرت ليه ؟؟؟...زهقت من الوقفة بقا“ 
وبعد دقائق كان زين فى قاعة الانتظار لايدرى عما يبحث ، تخيل ان يجد نسخة اخرى من ايلينا فى ردائها وطريقتها وبتلقائية بحث عن اى فتاة محجبة فى المكان فلم يجد ، سمع صوت أنثوى ناعم من خلفه يقول ” مساء الخير ” 
التفت الى الصوت ليتفاجىء بفتاة لاتشبه ايلينا على الاطلاق فملامحها كانت اوربية صميمة ، بيضاء البشرة صافية لا تخفيها بأى من مساحيق الزينة ، شعرها اشقر ترفعه للاعلى على هيئة كعكة صغيرة فوق رأسها ليعطيها مظهرا طفوليا ، اما عينيها فقد اربكته حين نظر اليها فلاتوجد كلمة تصف انه بالفعل غرق فى جمال لونها الاخضر العشبي الساحر وبريقها الذى كاد يفقده توازنه ومع ذلك فقد اشاح بوجهه في ضيق من ملابسها المثيرة فقد ارتدت سروالا ضيقا من الجينز يكاد ينفجر صادحا بما يخفيه  وفوقه قميص قصير يحدد انحناءات جسدها بشكل ملفت للنظر وبالكاد يصل الى خصرها ، انتشله صوتها من افكاره وهي تقول ” انت زين مش كدة ؟؟؟“ 
هز رأسه قائلا ” صح“ 
تأملته لحظات قبل ان تقول فى بساطة وهي تصفق بكفيها ” انتى احلى كتير من الصورة ” 
رفع زين حاجبيه وخفضهما فى دهشة من جرأتها ، بالفعل تختلف عن ايلينا تماما ، انتبه الى نظرات الرجال التى كانت تحدق بها فى اعجاب وانبهار واضح فزفر فى غضب وهو يتجه الى حقائبها قائلا ” يلا بينا ” 
والى جواره ركبت  السيارة تتابع العالم من حولها فى بهجة وليد يستكشف الدنيا من حوله ، هتفت فى سعادة ” مصر حلوة اوى ..كنت فاكراها مجرد صحرا ” 
رد فى اقتضاب ” ده اللى بيصورهولكو هناك ؟؟“ 
نظرت له فى حيرة لقد اخبرتها ايلينا عن فظاظة يوسف ولم تتوقع مطلقا  ان زين نسخة اخرى منه ، اما هو فقد كان يحاول اخفاء حيرته وصدمته ، لم يتخيلها بهذا التحرر ، هل هى ليست على نفس الدين ؟؟، اصابه الفضول فى مقتل فأراد التحايل على السؤال قائلا ” انتى فرنساوية فرنساوية ولا والدك برضه من اصول مصرية زى ايلينا ” 
ابتسمت صوفيا لاهتمامه وقالت ” انا والدى مصرى برضه كان صاحب عمو سمير انا اسمى صوفيا احمد مصطفى ” 
تنهد في عمق وهو يضغط على مقود السيارة ” أحمد ... يعنى انتى مسلمة ؟؟“ 
هزت  كتفيها دون ان تدرى ما يرمى اليه قائلة ” تقريبا ” 
نظر لها بسرعة قبل أن يركز في الطريق أمامه من جديد قائلا في تهكم ” تقريبا ”  بينما صمتت هي فى غيظ فقد تضايقت من عدم اكتراثه بها وهى من تعودت ان تلفت نظر كل الأعين من حولها ، تأملت ملامحه من جديد وابتسمت وهى تردد فى نفسها فارس شرقى وسيم ولكن غليظ القلب وأعمى البصر ، عادت تنظر الى النافذة من جديد ملتزمة الصمت حتى أوصلها الى بيت سمير .
*******************************
قطع رنين الهاتف تركيز ايلينا الشديد وهى تحاول ان تنجز عملها فى اسرع وقت وبدقة شديدة ، فتحت المكالمة قائلة ” ايوة يا زين وصلت صوفيا ؟؟“ 
رد زين ” ايوة يا ايلينا روحتها عند عم سمير ” 
ابتسمت بامتنان ” شكرا يا زين ” 
رد في بساطة ” لا شكر على واجب ..بس بنت خالتك دى مش شبهك خالص ” 
تساءلت وهى تتابع الحاسوب امامها ” اه فعلا هيا ورثت ملامح مامتها اكتر وما ورثتش من باباها حاجة ” 
ـ"انا مقصدتش كدة" 
ضيقت  عينيها وقالت فى تفكير ” اومال قصدك ايه ؟؟“ 
رد زين بسرعة ” ولا حاجة متشغليش بالك ” ولكنها  فهمت ما يرمى اليه  فأنهى هو المكالمة قبل أن يطرح الأمر لمناقشة يعرف أنه لن يقبل فيها أي مبرر قائلا ” يلا بقا خلصينا انتى وسى يوسف بدل ما الناس تيجى باليل متلاقكوش ” 
ابتسمت وهى تغلق المكالمة وتمسح وجهها فى ارهاق قائلة ” منك لله يا يوسف ...منك لله” واضافت فى اصرار وهي تنظر الى باب مكتبه” بس على مين والله لتشوف ” 
وفى تمام الثانية ظهرا أنهت ماطلبه منها يوسف الذى لم يصدق انها فعتلها فى هذا الوقت القياسى ، حاول البحث عن أي خطأ فلم يجد ...أسقط فى يده اخيرا وتركها تذهب لتستعد للحفل الذى كان مقررا له فى السابعة مساءا.
أغلقت ايلينا باب المنزل خلفها ووقفت تستند اليه لحظات ،تنهدت وهى تفك حجابها فى ارهاق واضح ، قدمت صوفيا على صوت اغلاق الباب وصاحت فى طفولة وهي تفتح ذراعيها 
” وحشتيني ايلي” 
اندفعت اليها ايلينا وضمتها فى قوة و بادلتها الأخرى مشاعرها فى حرارة وهي تتشبث بها تشبث الطفل التائه الذي  عاد الى أحضان أمه ،ابتسمت ايلينا وهي تمسح على شعرها هامسة في شوق  
” وانتى وحشتينى صوفيا ..وحشني جنانك وهبلك ” 
أفلتت صوفيا نفسها من بين ذراعي ايلينا وهي تتظاهر بالغضب 
” وانتي يا عاقلة ..نازلة الشغل يوم خطوبتك وراجعة كمان متأخر ” 
ردت ايلينا فى تعب وهى ترتمي على أحد المقاعد  القريبة 
” حكم القوي بقا نعمل ايه ” 
قطبت صوفيا حاجبيها  في تساؤل 
” حكم ايه ؟؟“ 
تنهدت ايلينا وابتسمت فى ارهاق مردفة 
”مع الوقت هتتعودي على المصطلحات دي متخافيش ” 
جلست صوفيا على يد المقعد فى خفة وهي تنفي ما قالته صديقتها 
” وقت مين ..دى زيارة وهرجع باريس تاني” 
مسحت ايلينا جبهتها فى ارهاق ، هي ليست على استعداد لمناقشة الأمر مطلقا معها الآن 
” سيبيها لله ..يمكن الظروف تتغير ” 
وأضافت وهي تغمز بعينها لتحول الأمر إلى مزحة 
” أو ربنا يرزقك براجل مصري أصيل يتجوزك ويلمك فى بلدك بقا شوية ” 
مالت صوفيا اليها متهكمة  
” راجل ايه ؟؟مصري ؟؟...لا لا انسي ...مش كفاية اللي بعتهولي يجيبني ده ” 
نظرت لها ايلينا فى اهتمام تسألها
” زين ..حرام عليكى يا شيخة ” 
عقدت صوفيا ذراعيها وقالت في ازعاج 
” شكله نسخة تانية من اخوه ” 
تراجعت ايلينا  هاتفة في دهشة
” زين ؟؟“ 
أكملت صوفيا وهي تشيح بوجهها 
” قليل الذوق الا حتى ما مد ايده يسلم عليا ” 
هزت ايلينا رأسها وقالت فى تفهم 
”اه كدة فهمت ..هوا عشان الراجل بيغض بصره ومحترم يبقا ميعجبكيش ” 
لوت صوفيا فمها فى عدم فهم وهمست
” بي ايه ؟؟؟“ 
نهضت ايلينا ومسحت على رأسها لتخبرها في حنان” للأسف صوفيا انتي متعرفيش حاجات كتيرة عن دينك وأنا ياما حاولت معاكي وانتي مكنتيش بتديني فرصة ..والحقيقة ان زين غير يوسف خالص ” واضافت وهي تتنهد في حزن 
” للأسف ” 
ابتسمت صوفيا فى خبث قائلة
” وللأسف دى عشان انتى حبيتى يوسف مش كدة ؟؟“ 
تراجعت ايلينا فى ارتباك وقالت كأنها تدرء عن نفسها تهمة 
” لا طبعا مبحبوش مين قال كدة ؟؟“ 
تمعنت به صوفيا واقتربت منها لتواجهها بما تنكره 
 ” عمرك ما كنتى هتجازفى تانى بتجربة زى تجربة ريان ..عمرك ما كنتى هتغيرى نظريتك ان الطبع يغلب التطبع ” 
حاولت ايلينا التملص منها بأي سبب اخر 
” مكالمتك فرقت معايا كتير وكمان كلام باباه خلانى احس انه غير ريان تماما ..وانه مر بظروف خلته يحكم بمعايير مختلفة ” 
امسكت صوفيا بكتفيها تجبرها على مواجهتها من جديد وهي تردف 
” انتى خلاص اتورطتى معاه بمشاعرك ايلينا ..انتى بس كل خوفك انك متقدريش تغيريه فتضطرى تبعدى عنه وانتى مش عايزة تبعدى ايلينا ” 
تسللت كلمات صوفيا الى اذنيها بل الى ذهنها مباشرة رفض عقلها التسليم لهذا وهي اعتادت أن تتبعه ، اعتادت أن تكون له اليد العليا .. فانحرفت الكلمات الى طريق آخر تبحث عن اجابة أكثر صدقا، الى قلبها الذي كان له رأي صريح أعلنه بنبضة عالية قوية كادت أن تهز كيانها بأكمله لتخبرها أن الحقيقة أقوى من أن تنكرها.. لتخبرها أن العقل هذه المرة لن يفيدها مطلقا فالاجابة الواضحة لدى القلب وحده ، لقد أحبت... لقد سقطت في عشق لن يفيدها انكار وجوده من عدمه ، محتال ..وقح ..وبه كل ما تكرهه من صفات ولكنها ...أحبته .. حاولت ان تبتسم لتتهرب من المواجهة وهي تهمس في تعب    
” بقيتى فيلسوفة يا صوفيا ” 
واضافت وهى تقترب منها فى حنان 
” مقدرش انكر ان كلامك وقتها فرق معايا جدا وخلانى اغير طريقة تفكيرى ..طمنينى صوفيا انتى دلوقتى احسن ” 
اطرقت برأسها فى حزن قائلة
 ” هبقا أحسن ايلينا ..هبقا أحسن ”
 وكعادتها تخلصت من حزنها سريعا  وقفزت وهى تصفق بيديها قائلة 
” يلا بقا خلينا نستعد ..انا جبتلك فستنان خطوبتك معايا زى ما طلبتيه بالظبط ..هنبهرهم النهاردة بجد"
وبعد ساعتين بالضبط كانت ايلينا تتألق بثوبها الستان الذى أحضرته لها صوفيا من اللون الموف الهادىء ، كان مميزا وراقيا كأغلب ثيابها ، لفت  حجابا من نفس اللون على رأسها وفوقه أضافت صوفيا طوقا صغيرا من الورد الابيض واقتربت في حذر لتضيف لها بعضا من مساحيق الزينة فرفضت ايلينا بشدة وزجرتها فى حنق ” صوفيا دى حاجة ع الضيق مش مستاهلة ده كله ” وانهت الحوار قبل أن تعطي فرصة لالحاحها المضجر ملقية نظرة اخيرة على نفسها فى المرآة لتخبرها بامتنان 
” جميل ذوقك صوفيا ...الفستان تحفة ” 
لوت صوفيا فمها فى انزعاج  وهي تمتم
” ده مش ذوقى خالص انا جبته على ذوقك انتى ” وأزاحت خصلة من شعرها خلف أذنها وهي ترهف السمع لتهتف وهى تقطب حاجبيها 
” ايه ده الناس جم وأنا لسة مجهزتش ” ...قفزت من مكانها كمن لدغها عقرب سام واتجهت لحقيبتها تنبش محتوياتها في عشوائية ، تابعتها ايلينا للحظات وهى تلوح باصبعها محذرة 
” صوفيا البسي حاجة مناسبة ” 
لم تعبأ بها مطلقا وهى تقلب بمحتويات الحقيبة يمينا ويسارا في حيرة ، هزت إيلينا رأسها في يأس ، تنهدت وهي تنظر إلى الباب وتضع  يدها على صدرها تقاوم توترها وتتساءل للمرة الألف هل تسير بالطريق الصحيح ؟؟هل سيلاحقها الفشل في تجربتها المجنونة تلك كما لاحقها من قبل ، هل يوسف يستحق منها المجازفة وتحمل كل ما تجابهه من مخاوف ، هل يستحق أن تتوقف من أجله عن مقاومة تلك المشاعر الخبيثة التى تتسلل الى قلبها وتتملك كل يوم من كيانها أكثر ، مشاعر أشبه بأعراض مرض يضعفها ويسلبها ارادتها حتى في الخلاص منه  فقد انتهى الوقت ، تخشى أن تكون هى الأضعف فيسحبها هو الى عالمه ، رفعت رأسها فجأة ترفض بقوة هذا الاحتمال ...لا لن يحدث ...لن تتنازل عن مبادئها من أجل هفوة من هفوات النفس ..أطرقت برأسها مجددا وقلبها ينفي مؤكدا رفضه لهذا التصنيف ..قلبها يرفض الاهانة فهو لايعرف الهفوات ..قلبها يخبرها 
"توقفى عن الكذب ايلينا ، واجهى نفسك ، انه ...“ 
قاطع أفكارها طرق والدها على الباب فابتسمت وسمحت له بالدخول بعد ان نظرت الى صوفيا لتجدها لازالت تعبث فى حقيبتها ، أطل والدها بابتسامة هادئة وقال فى اعجاب وعينيه تلمع من السعادة 
” بسم الله ما شاء الله ..قمر حبيبتى ” 
ابتسمت فى خجل وانحنت تقبل كفه فقبل جبينها بدوره واحتضن وجهها بين كفيه قائلا فى حنان بالغ 
” انتى متأكدة من الخطوة دى ايلينا ” 
تنهدت وهي تنظر له في رجاء ، لا يعرف أنها فقط  على وشك انهاء كل شىء بمجرد كلمة ، استعادت بعضا من ثباتها لتخبره بنبرة هادئة 
” ادعيلى بابا وادعيله هوا كمان ” 
ربت سمير على وجنتها في حب 
” طب يلا العريس مستنى برة  مع اهله ” 
اومأت برأسها قبل ان تلتفت الى صوفيا تنبهها مجددا 
” صوفيا اجهزى بسرعة هستناكى ” 
ردت صوفيا وهى تقارن بين ثوبين في كلتا يديها ” حاضر حاضر عشر دقايق بس ” 
تأبطت ذراع ابيها في تردد وخرجت اليهم ..وقع نظرها فى البداية على سميرة التى نهضت على الفور واحتضنتها فى سعادة وهى تتمتم بكل عبارات الاعجاب ، بحثت عيناها عنه في تلقائية  وهى بين احضان سميرة حتى تلاقت بنظراته التي  لم تستطع ان تفسرها ، حدق بها طويلا وخيل اليها أنه يرمقها باعجاب وتلاشى الخيال حين اشاح بوجهه في حنق وملل واضحين .. تجاهلته وهى تتلقى التهانى من باقى العائلة ، اتجهت سميرة اليه ولكزته في خبث  ليتقدم الى عروسه فتنهد  قائلا بابتسامة مصطنعة 
” مبروك ” 
ردت بابتسامة فاترة بدورها 
” الله يبارك فيك ” 
اشارت سميرة الى الاريكة قائلة 
” تعالى يا عريس يلا جنب عروستك ..عشان تلبسها الشبكة ” 
 تقدم اولا ليجلس على طرف الأريكة وهو يجذب حافتى سترته فى غيظ مشوب بتوتر لايعرف مصدره ، تبعته وجلست على طرف الأريكة الاخر وكل منهما يشيح بوجهه فى اتجاه فقال زين محاولا تلطيف الأجواء 
” تلبسو الدبل قبل ولا بعد الجاتوه ؟؟“
 لم يعبأ يوسف به بينما ضحك الباقون فأجابته ايلينا وهى تفرك يديها ” هنستنى صوفيا ..دقيقة وهتخرج ” 
عقد محمود حاجبيه متسائلا 
” مين صوفيا ؟؟“
 ” أنا ” 
قالتها صوفيا وهى تتبختر فى دلال مرتدية ثوبا من اللون الاحمر يضيق على جسدها ويرسم منحياته باثارة وقد رفعت شعرها بتسريحة بسيطة ووضعت زينتها بشكل دقيق افقدها مظهرها الطفولى لتخرج امرأة تضج أنوثة وجمالا ، نظر الجميع اليها فى دهشة فأوضحت  ايلينا 
” صوفيا بنت خالتي ”
 وعرفتها بالباقيين حتى وصلت الى زين وقالت 
” الباشمهندس زين اكيد عارفاه ” 
نظرت اليه بابتسامة واسعة ولكن وجهه المقتضب أزاح ابتسامتها جانبا وهو يلوي فمه قائلا 
” أهلا ” 
تنحنحت سميرة قائلة 
” مش يلا يا عريس تلبس عروستك شبكتها ” 
رفعت ايلينا حاجبها فى اعتراض لتقول ” لا طبعا ولا هيلمس ايدى من اصله ” 
رفع يوسف حاجبه بالمثل وعجز عن اخفاء غيظه فمال اليها هامسا من بين أسنانه
 ” لا حوش انا اللى هموت والمسك ” 
ابتعدت عنه وهى تحدق به فى صرامة، ابتسم محمود وسمير وهما ينظران الى بعضهما البعض ، لينظر الأول الى سميرة قائلا
 ” خلاص يا سميرة لبسيهالها انتى ” 
وبالفعل التقطت سميرة العلبة المخملية الأنيقة لتفتحها امام ايلينا التى لم تستطع ان تنكر ذوقها العالى رغم كراهيتها للمجوهرات ، البستها سميرة شبكتها وقبلتها فى حنان واعطت يوسف حلقته الفضية فدسها فى جيبه بعد ان احتفظ بها لحظات بين اصابعه ..التفت الى ايلينا ليقرأ رد فعلها فبرعت كالعادة فى رسم اللامبالاة على وجهها ، لم ينتبه الحضور بما فعله يوسف وانشغلو بتهنئة بعضهم البعض على الخطبة وتقديم التهانى الحارة واطلقت سميرة زغرودة رغم عدم اتقانها للامر مما اثار ضحك الجميع ،تدخل زين بخفته المعتادة ليلطف الأمر 
” دلوقتى بقا ناكل الجاتوه ” 
ضرب محمود كفيه ببعضهما قائلا 
” هوا انت ايه حكايتك يا ابنى انا حاسس انك جاى مخصوص تاكل جاتوه ..هوا انت محروم ولا حاجة ” 
تصنع زين الجدية وقال 
” اومال انت فاكرنى جاى عشان يوسف مثلا ..الا الجاتوه ده انا موصي عليه ” 
نظرت له صوفيا فى تمعن... ابتسامته بدت لها جذابة وزادت من وسامته أكثر ...لم تتخيل ان هذا المتجهم بامكانه أن يضحك هكذا 
ضحك سمير بدوره قائلا 
” خلاص ياعم زين نقوم نجيب الجاتوه ” 
وهم ان يغادر الى المطبخ فأوقفه زين بكفه قائلا 
”ابدا والله ما يحصل ارتاح انت يا عم سمير قولى بس المطبخ فين وانا هتعامل ” 
حاول سمير اثناءه و ولكنه اصر فتبعه وهو يحمل علب الجاتوه الى المطبخ ونظر الى صوفيا قائلا 
” معلش حبيبتي روحى ساعديه ” 
هزت صوفيا رأسها وهى تتبعه فى تردد... وجدته يوزع الاطباق امامه بعد ان فتح علب الجاتوه ليبدأ فى رصفه بها ، تنحنحت لتنبهه الى وجودها وقالت 
” أساعدك ازاى ؟؟“  
أجاب دون ان يلتفت اليها ” متشكر مش محتاج مساعدة ”
نظرت الى اليمين واليسار فى احراج .. تقدمت وأخذت ترصف الجاتوه فى الأطباق مثله ولم تستطع أن تقاوم رغبتها فى تذوقه بعد كل حديثه عنه ، فأخذت قطعة صغيرة وتذوقتها ولاكتها فى فمها فى تلذذ واضح وهى تغمض عينيها قائلة 
” امممم ..حلو اوى ”
 التفت لها ولاحظ سقوط قطعة من الكريمة على ذقنها فابتسم دون أن يعلق  ..قطبت حاجبيها وهى تتساءل عن سر ابتسامته هذه وقبل أن تستفسر منه وجدته يقلب في الأدراج كأنه يبحث عن شىء فاستبدلت السؤال
” بتدور على ايه ” 
رد وهو يفتح درجا 
” على الشوك ” 
مدت يدها لتفتح أحدهم فى نفس اللحظة التى مد يده بدوره ليفتح نفس الدرج فتلامست أنامله مع اناملها الباردة ليبعدها بسرعة كمن لسعته نار .. لم تنتبه هي للامر أو ربما لم تعطه اهمية  فهمس زين وهو يعطيها ظهره ” انا آسف ” 
رمقته فى حيرة وسألته 
” على ايه مش فاهمة ؟؟“ 
قطب زين حاجبيه فى حيرة واستنكار هل لم تشعر بلمسته ؟؟، ام انها اعتادت ان تلمس عن قصد ودون قصد حتى اصبح الامر لديها عاديا ، ازداد حنقه منها حين وصل الى رأسه هذا الاحتمال .. انتهت من رصف بعض الأطباق فقالت في هدوء وهي تحملها لتخرج بها ” يلا بينا ” .. تابعها وهي تخرج بطريقة لم يتابع بها انثى من قبل تابع شعرها الاشقر وقدها الممشوق و..، هز رأسه بعنف ماذا فعلت به هذه الفتاة ستقوده الى الجحيم حتما ان ظلت امامه ، عادت الى المطبخ من جديد لتحمل طبقين آخرين فوجدته لازال فى مكانه موليا لها ظهره وهو يضع يديه فى جيب سترته فمدت أناملها فى تلقائية الى كتفه قائلة 
” انت واقف كدة ليه ؟؟فيه حاجة ؟؟“ 
انتفض من لمستها ولعن نفسه اكثر أن تؤثر به كل هذا القدر فالتفت لها فى حدة وقال فى لهجة أشبه بالتهديد ” ايدك دى ما تلمسنيش تانى ..فاهمة ؟؟“ 
تراجعت وهى تقبض كفها فى الهواء لا تفهم بالضبط مافعلته لتنال منه هذا ، تسمرت للحظات تبحث عن اجابة يخبرها بها فلم تجد سوى نظرات سخطه الغير مبررة ، التمعت الدموع فى عينيها فتنهد فى عمق وهو ينظر حوله ليجد صينيه كبيرة وضع عليها أطباق الجاتوه المتبقية وخرج بل فر من أمامها ..فر من قلبه الذى كاد يتوقف من تزايد نبضاته الغير مفهوم وهو يرى التماع الدموع فى عينيها .. يحثه على اشياء يرفضها عقله  وتدحضها مبادئه تماما ، لم يعش صراعا هكذا من قبل ومن أجل من ؟؟، من اجل فتاة لم تتجاوز العشرين من العمر لم يلتقى بها سوى من ساعات ، حاول ان يقنع نفسه انه اعجاب ذكورى بحت بفتاة صارخة الجمال لتعود نبضات قلبه تكذب ادعائه فهو لم يرها بتلك النظرة ابدا بل تمنى لو خلع سترته وغطى جسدها به ليحميها من اى نظرة تخترقها  ، اللعنه لما تمنى ذلك ؟؟، من تكون تلك الشقراء بالنسبة اليه ؟؟،لقد رأى أجمل منها من قبل ولم تحدث احداهن ولو ذرة من هذا التأثير به  
 تابعته عيناها حتى خرج لتتحرر من دموعها ، لما عاملها بهذه القسوة ؟؟، لما فر منها كأنها شىء يثير تقززه ؟؟، ماذا فعلت لتستحق كل هذا الغضب ؟؟..ضغطت على شفتيها فى غيظ ، لماذا لم تعنفه ؟؟؟لماذا تركته يذهب هكذا دون ان ترد له الصاع صاعين ، منذ متى يهينها شخص وتتركه يذهب هكذا فى سلام ، لماذا غرقت فى نظراته هكذا حتى تاهت بين قسوته وجاذبيته وتأرجحت الى أيهما تميل ، شعورها بالنبذ دائما يقتلها ، لقد لفظت من ابيها وامها وعائلتها بأكملها وتلقت العطف من كل اسرة بعضا من الوقت ، لولا وجود سمير وعائلته لتدمرت تماما ، حافظت لها ايلينا على بعض من شرقيتها بقدر المستطاع ولكن ازدواجيتها لم تفارقها ابدا ،أما ما حدث الليلة فلا يمكنها تقبله أو تفسيره، زين هو اول رجل ينظر اليها هكذا ، لم يكترث بجمالها فيجيل نظره فيه بنهم ، هو اول رجل يشيح بنظراته عنها وكأنها قطعة من القماش البالى لا قيمة له ، اقسمت فى نفسها ان ترد له اهانته والا تتركه يمر هكذا مرور الكرام .
..............
مال حسام الى أيتن التي تقف جواره وهو يهمس في حب 
"عقبالنا "
زفرت وهي ترمقه في حنق للحظة قبل أن تشيح وجهها لتخبره وهي ترفع كفها الأيمن 
" ما احنا مخطوبين اهو ..عقبالنا في ايه "
ابتسم ليقف أمامها ويقول 
"أقصد فرحنا أن شاء الله ..لما انتي ترضي عني وتحددي معاد بقى "
عضت على شفتها ، لقد ملت حقا من تلك اللعبة السخيفة ، ملت من احتمال حسام هذا ولو بعضا من الوقت لتتمكن من اقناع أبيها أنها أخذت فرصتها ولم تحبه لينهي الأمر كما وعدها ..لو أخبرت حسام نفسه بالأمر سيبلغ أباها وسيرفض انهاء الخطبة ، تساؤله دوما لا يمل من طرحه ، كرره مرارا وتكرارا هل هي مرغمة على هذا واجابتها لاتتغير هي ليست مرغمة هي تأخذ فرصتها ليس أكثر ، اجابة قد تبدو له منطقية وهي اكثر كذبة منمقة تمكن خيالها من صياغتها حتى تمر تلك الشهور على سلام .
.............. 
تركت العائلتان يوسف وايلينا على أريكتهما وابتعدا قليلا حتى يتركا لهما مساحة فى الحديث وضع يوسف ساقا على الأخرى وأخرج هاتفه يعبث به بينما ظلت ايلينا تنظر في كل الاتجاهات وهو يتابعها بطرف عينه حتى زفر فى ملل 
” خيليتني بتدوري على ايه ؟؟“ 
لم تنظر اليه وهى تتابع بحثها وتجيبه 
” على صوفيا ” 
ابتسم  فى خبث وهو يفكر فى طريقة جديدة لمضايقتها قائلا في نبرة حاول صبغها باعجاب  
” صوفيا ...مش عارف مطلعتيش زيها ليه ” 
التفتت اليه فى تساؤل فواصل فى استفزاز 
” بصراحة أجمل منك بكتييييير ”
 كان  يعرف جيدا طبيعة اى امرأة وحساسيتها من الانقاص من جمالها امام اخرى وان كانت اقرب الناس الى قلبها ولكن لايلينا قواعدها الخاصة دائما ،ابتسمت وهى تميل اليه قليلا  هامسة في ثقة
” ده بمقاييسك انت ” 
صفر بشفتيه كمحاولة لدهس ثقتها كعادته 
” للدرجادى شايفة نفسك حلوة ؟؟“ 
اعتدلت وهي تضع ساقا على الأخرى مثله وتقول 
” مش مهم انا شايفة نفسى ازاى ..المهم انا راضية عن نفسى ولا لا ..لما بقف قدام المراية بحب اللى انا شايفاه ..لما انام بحس انى مرتاحة ..كفاية اوى احساسى ده ..اهم حاجة فى الحياة هيا الرضا ..اهم حتى من السعادة ..لأن السعادة مش معناها انك ماشى صح بالعكس الغلط ساعات بيكون طعمه أحلى بس الندم احساس مبيتوصفش ”
 وأضافت وهى تتمعن به 
” راضى عن نفسك يا يوسف ؟؟” 
تنهد ولم يجد ردا .. وجدت كلماتها طريقها الى قلبه وغزته فى لطف لتشعر هي ان هناك بعضا من الامل وان الأمر يستحق الصبر والمجازفة ، نهضت من جواره الى المطبخ تبحث عن صديقتها وفي نيتها أن تؤنبها على ثوبها الملفت فقد خالفت اتفاقهما تماما، ولكنها  نست كل شىء فجأة حين رأت صوفيا وهى تستند الى الحائط وتبكى بطريقتها الطفولية التى اعتادتها ايلينا تبكيها حين تحزن بشدة ، كانت تنتحب وهى تمسح دموعها بظهر يدها ، انتفضت لرؤيتها هكذا واندفعت تجذبها  لتضمها الى صدرها تسألها في قلق 
” صوفيا حبيبتى مالك ..انتي تعبانة ؟؟“ 
هزت صوفيا رأسها بالنفى فواصلت ايلينا 
” حد هنا ضايقك ؟؟“ 
هنا اندفعت صوفيا تهتف في غضب من بين شهقاتها 
” البنى ادم المتخلف الهمجى ده اللى اسمه زين ” 
اتسعت حدقتا ايلينا من وصفها لزين وسألتها في استنكار 
” عملك ايه ؟؟“ 
انتحبت صوفيا اكثر فأمسكت ايلينا بكتفيها تكرر سؤالها  ” عملك ايه صوفيا ؟؟“ 
رفعت صوفيا عينيها المنتفختين الى ايلينا وقصت لها كل ما حدث وهى تكيل لزين كل انواع السباب والشتائم التى تعرفها حتى كادت ايلينا ان تصرخ بها لتتوقف ولكنها تمالكت نفسها قائلة فى حسم 
” صوفيا عيب كدة ميصحش ” 
تذمرت صوفيا وقالت في اعتراض  
” كل ده بس عشان لمست كتفه ..يكلمنى بالطريقة دى ” 
عقدت ايلينا حاجبيها فى تفكير ...صوفيا هذه المرة  محقة ..حتى لو كان زين ملتزما الى هذا الحد فلم يكن هناك داعى لهذه الثورة كان يكفيه ان يلفت نظرها بلباقته التى اعتادتها منه ، هذا الفج الغليظ الذى تتحدث عنه صوفيا ليس بزين مطلقا ، ربما ...خاطر مر على بالها فابتسمت فى أعماقها وتمنت لو صح ظنها ولكن كيف بهذه السرعة !!..ربما كانت مجرد بدايات.. وصوفيا ايضا ليس من طبعها ان تكتفى بالبكاء او تبكى من الأصل جراء اى اهانة ، الطبيعي انها كانت ستصفعه او ترد له كلماته اللاذعة كما اعتادت منها ..أما ان تقف هكذا تبكى بحرقة فهذا لم تعهدها عليه مطلقا ، قاطعت صوفيا افكارها تسألها 
” انا بقا عملت ايه لده كله ؟؟“ 
انتبهت لها فتنهدت وهى تمرر يدها على شعرها قائلة فى حنان 
” صوفيا حبيبتى فيه حاجات هنا كتير مختلفة عن باريس مع الوقت هتتعودى عليها ” 
برمت صوفيا شفتيها وتهكمت  
” وقت ؟؟....وقت ايه ..انتى متخيلة انى ممكن اقعد فى بلد زى دى ...انا هرجع باريس تانى وفى اقرب فرصة كمان ” 
وانسحبت من امامها لتخرج ...اصطدمت بنظرات زين التي علقت بمدخل المطبخ دون وعي .. لاحظ احمرار عينيها وأنفها من البكاء فأشاح بوجهه فى ألم أنكره على نفسه ولم يكترث بوجوده بقدر اكتراثه بايجاد مبرر له ..بينهما فقط ساعات كيف يهتم لأمرها من الأساس ...وحين تلاشى نظراتها شعرت أنه كالعادة يزدريها فأسرعت الى الشرفة في محاولة لتنظيم انفاسها وهى تضع يدها على قلبها الضعيف تتوسله ألا يلحق بها نوبة من نوباته ، لحظات مرت قبل ان تلتفت على صوت طرقات على باب الشرفة ..وجدته يقف فى تردد ، اخذت انفاسها تتسارع من جديد.. لن تتركه يفلت هذه المرة ، هذا المتعجرف يستحق اقسى الكلمات فى قاموس اللغة ولكن أين ذهبت الكلمات عليه اللعنة فتحت فمها لتحاول ايذاءه بأى عبارة ولكنها توقفت حين قاطعها 
” أنا آسف ” 
اتسع ثغرها أكثر وصمتت تماما كأنه خدرها بكلمته تلك ..خدرها للدرجة التي لم تشعر فيها بدمعتها التى غافلتها  وسالت دون وعى ...أخفض رأسه ليخفى تأثيرها عليه مرددا 
” حقيقى اسف ”
 ولم يترك لها مجالا للرد اذ انسحب على الفور وهو يهمس  
” بعد اذنك ”
 أهو بالحق يتعمد أن يثير جنونها... لا تنكر ان ملامحه  لفتت نظرها من البداية فهى اقرب صورة من ملامح فارسها... بشرته القمحية وعينيه السوداوين التى يعلوهما حاجبان كثيفان وشعره البني الداكن  الذى تعشق صوفيا لونه ولولا انها شقراء لصبغت شعرها بنفس اللون بعد ان رأت كم يبدو  جذابا به ، حين رأته تخيلت  انه سيكون ككثير من العرب فى باريس متساهلا ووقحا الى حد كبير فى التعامل مع من يظنها اجنبية ولكنها تفاجئت به يزهد بعينيه عنها ، تفاجئت بفظاظته التى تلاشت منذ دقائق بحنان غريب أخرسها تماما ، حنان جعلها تغرق فى عينيه اكثر وتغوص باحثة عما هو اجمل فى اعماقه ، كلمة واحدة كانت كافية لتفعل بها كل ما فعلته وجعلتها تتساءل هل من الافضل ان تغادر الى باريس قبل أن يثير هذا الفارس العربى جنونها اكثر ؟؟؟؟ 
************************
مر أسبوعان على الخطبة ويوسف لايتوقف عن سخافاته باغراقها فى العمل حتى تمل ، لازال يقاوم وهى تعرف أن معركتها تحتاج الى كثير من الوقت ولكن هناك فرصة وستتمسك بها ، أغلقت المكالمة مع ابيها بعد أن اطمئن عليها وشعور خفي  بالقلق يداهمها عليه فهى تلاحظ ان صحته تتدهور ويجاهد بقوة ليخفى المه عنها مخبرا اياها  ان الامر لايتعدى كونه ضيقا من تصرفات ابن عمها الذى ظهر فجأة ، انشغلت فى عملها اكثر حتى تتمكن من انجاز ما طلبه منها هذا المتغطرس ، وبعد فترة نظرت الى  ساعتها لتنتفض فى فزع لقد تعدت الساعة الحادية عشر مساءا  دون ان تشعر ، اللعنة عليك يا يوسف ، القت بقلمها ونهضت لتستعد للذهاب وقبل ان ترحل دخلت الى مكتبه لتضع بعض الملفات التى انجزتها وابتسمت دون وعى وهى تشم رائحة عطره لازالت عالقة بالمكان ، شعرت بقوة الرائحة تزداد تدريجيا فقطبت حاجبيها وهى تنظر تلقائيا تجاه الباب ..تراجعت  فى فزع حين وجدته خلفها وهو في حالة ثمالة واضحة ، أمسك بجبينه وهو يترنح فى عدم توازن ليرفعه بعد قليل ناظرا اليها يسألها فى تلعثم 
” انتى بتعملى ايه هنا ؟؟؟..مروحتيش ليه ؟؟“ 
كتفت ذراعيها وهتفت  فى غضب فتلك هي المرة الأولى التى تراه هكذا  
” ايه خايف على منظرك عشان بشوفك وانت سكران ” 
اقترب منها بخطوات غير متزنه و هتف بها
” دى حياتى اذا كان عاجبك ..بسكر وبعرف ستات ..عاوزة تتجوزينى ليه بقا ؟؟“ 
وأضاف وهو يقترب منها أكثر ويمسك كتفيها ليهزها فى قوة أدركت بها انه ليس فى وعيه تماما فهو لم يفعلها من قبل مطلقا 
” ليه ؟؟...فيكى ايه يحيرنى ويتعبنى كدة ؟؟؟...انتى مين اصلا ..اخرجى من حياتى  ” 
لم يكن فى وعيه أبدا وهو يقربها منه اكثر وهى تحاول التملص من بين ذراعيه وتصرخ به 
” انت بتعمل ايه يا يوسف فوق بقا.. ”
قربها أكثر منه وهو يميل عليها بأنفاسه المشبعة برائحة الخمر لتشيح بوجهها في تقزز ويهتف هو 
" قولتلك ابعدي ...انتي أصريتي ...لازم تعرفي القرب مني بيوجع ازاي "
"فوق يا يوسف ..فوق ...أنا ايلينا " 
صرخت بها  وهى تحاول الفكاك منه باستماته ولكنه كان فاقدا للادراك تماما واخذ يقترب ويقترب اكثر وهى تحاول التملص والمقاومة دون أدنى فائدة ..
حاول أن يشتت تركيزه فى أي شىء 
تابع التلفاز لفترة ثم أغلقه 
طالع كتابا  ولم يتعد صفحتين منه وألقاه جانبا  لم يستطع الدوري الاسباني لكرة القدم ولا أدب نجيب محفوظ اللذان يمثلا عشقا خاصا له ان يطرحا صورة الفاتنة الشقراء عن خياله ، احتلت صورتها شاشة التلفاز وهي تتهادى في مشيتها أمامه بينما تتناثر خصلاتها في عشوائية حول وجهها وعنقها .. 
محت ابتسامتها ما خط على صفحات الكتاب لتخلق سطورا نقشتها ببريق ثغرها ...
أغلق جفونه تماما فتسللت بينهما في خفة كأنها تتحداه برقة تبدو أقوى من أي ارادة يمتلكها  ..
أمسك جبهته بيده وهو يتأفف ماذا فعلت به ؟؟
لم يحدث أن نبض قلبه بتلك الطريقة حتى فى مراهقته ..بينهما مجرد أيام ..ماذا بها لتلبسه الحيرة في أغرب ثيابها؟؟...اختلطت مشاعره لأول مرة تجاه نفس الفتاة ، شعر بحاجته للطمها على ملابسها المثيرة .. ولكن لما ؟؟...حين كان يرى مديرة مكتبه ترتدي مثلها كل ما كان يفكر به أن يبعدها فوجودها يضايقه ..أماهي فلا ..بل الأدهى انه شعر بحاجته لضمها حين رأى دموعها ..شعر للحظة أن أنامله ستخونه وتمتد لتمسحها...لا ليس أنامله بل شفتيه هي من ارتجفت تبغى التقاطها و....  
عليها اللعنة الى الجحيم ستأخذه عاجلا أم آجلا ..من تكون لتأخذ كل هذا الحيز من تفكيره ، أخذ يدق على جبهته وهو يهتف مرددا” ابتعدي ” 
دق باب غرفته فظنها أمه فلا يوجد شخص يطرق غرفته في هذا الوقت المتأخر سواها ، نهض فى خفة وهو يبتسم ليفتح لها فتفاجىء بسمر أمامه ، رمقها فى ذهول ولكنه تخطاه سريعا ليسألها  فى صرامة 
” سمر عايزة ايه وايه اللى جابك هنا فى ساعة زى دى؟؟ ” 
ردت وهى تهم بالدخول 
” ممكن بس ادخل الاول ” 
سد عليها زين الطريق يمنعها في حزم 
” تدخلى فين انتى مجنونة !!! ”
وأضاف وهو يزفر فى ضيق 
” سمر انتى مبقتيش صغيرة ..انتى هتخلصى جامعتك السنة دى وهتشتغلى ..مينفعش عمايلك دى ..قولى عايزة ايه بسرعة وخلصينى ” 
نظرت  الى يديها التى شبكتها فى توتر ثم الى وجهه وتلعثمت  
” أنا أنا ” 
ضرب زين كفيه ببعضهما وهمس  من بين أسنانه
” يارب نخلص ” 
تفاجىء بعدها  بيدها تمتد الى وجنته ..تسمر للحظات والصدمة أعجزته عن اتخاذ أي رد فعل فواصلت وهي تهمس بنبرة هائمة 
” انت هتفضل لحد امتى مش حاسس بيا ابدا ..زين انا بحبك ” 
اتسع ثغره فى ذهول..حملق بها في بلاهة ..حبس أنفاسه للحظة ..لم يظن أن يصل تفكيرها الى تلك النقطة مطلقا ..معاملته لها كمعاملته لايتن ..كم كرر على مسامعها أنها أخته الصغرى ...لم يصدر منه مطلقا ما يؤجج تلك الهلاوس ...
حرر انفاسه الحبيسة ليمد يده يزيح كفها عن وجهه فى عنف في نفس اللحظة التى مر فيها محمود ليراه يضع يدها فى كفه قبل أن يفلتها وهو يدقق في  نظراتها الهائمة لولده فهتف والدم يندفع الى رأسه   
” ايه اللى بيحصل ” 
واقترب منهما ليبدل النظر فيهما للحظات قبل أن يضيف في صرامة 
” كنتى بتعملى ايه عند زين يا سمر ” 
رد زين  بسرعة نافيا عنه تلك التهمة التى كادت ان تلحقها به تلك المجنونة 
” سمر مكنتش عندي يا بابا ”
وأضاف في تلعثم وهو يرمقها في غيظ  
” دي كانت جاية تسألنى على حاجة ”  
لفحه محمود بنظرة شك أحرقت ما يحاول خلقه من مبررات وسأله في ترقب 
” تسألك على ايه ان شاء الله فى ساعة زى دي ؟؟“ 
تراجع خطوة وحاول اضفاء كل ما امتلكه من ثبات الى نبرته التى هزها كذب لم يتقنه مطلقا وفتتها نظرة أبيه المتمعنة في انتظار اجابة 
” كانت بتسألني على سنتر تاخد فيه كورس انجليزي غير اللي بتروحه عشان مش عاجبها ” 
عض محمود على شفته السفلى وأشاح بنظره الى سمر  فلم تعلق على أي كلمة ..فقط احتفظت ببقايا نظراتها الهائمة محاولة هدرها في أي اتجاه ..أمرها فى حزم 
” روحي يا سمر أوضتك يلا ”
هزت رأسها ونظرت الى زين الذى أشاح بوجهه في حنق ، تابعها محمود حتى دلفت الى غرفتها ليقترب من ولده  ويقف امامه  للحظات يتبين صدقه ويقرأ ما يخفيه ، هو غير يوسف يعلم هذا جيدا ولكنه شاب فى النهاية وسمر ابنة عمه جميلة ويثق أنها تميل اليه ، تنهد وهو يقول في محاولة لاحتواء موقف لايفهمه ولكنه يخشى أن يضعه في اطاره الصحيح 
” زين ..سمر تبقى بنت عمك يعنى شرفك وعرضك ” 
اتسعت عينا زين ..ماذا ظن به ابيه !!! ..همس مسرعا في عتاب  ” ايه لزمته الكلام ده يا بابا ..حضرتك بت...“
لم يستطع أن يكمل عبارته لم يطعه لسانه أن يناقش أبيه في شكه به فواصل أبوه ” لو عايز سمر اتجوزها ..انا بتمنى ده من كل قلبي ..لكن اللى شوفته من شوية ده مش ابني ..ابني عمره ما كدب عليا وانت بتكدب يا زين ” 
كاد زين  في تلك اللحظة أن يخبره بكل شىء عن جنون ابنه اخيه فهو يرفض مجرد ظنه سوءا به ولكنه اكتفى بقوله 
” بابا ..سمر بالنسبالى زى ايتن بالظبط ” 
كتف والده ذراعيه نافيا حديثه 
” لا يا زين سمر مش زى ايتن ..ايتن اختك سمر لا ...وياريت تفكر دايما فى حسام وتشوفه بيحافظ على أختك ازاي ” 
حاول زين أن يرد فأنهى والده الحوار قائلا 
” روح نام يازين عندك شغل بدري” 
ألقى محمود جملته وانصرف ليغلق زين  باب غرفته في غيظ ، تلك الحمقاء فيما تفكر بالضبط ، لابد ان يؤدبها على ماقالت لتستيقظ من أوهامها تلك ، كادت أن تتسبب له في أزمة مع أبيه ...وبين نوبات غضبه عادت صورتها تتهادى أمامه في خفة متحدية كل شيء ليبتسم رغما عنه قائلا 
”وبعدين معاكي .. انتى مش عايزة تحلي عني ابدا ”
*****************************
فتح  عينيه على صوت نحيب وشهقات مكتومة تخترق أذنيه ..فرق جفنيه عن بعضهما في بطء مقاوما هذا الصداع المزعج الذى ألم به ، أغمضهما مجددا بقوة قبل ان يفتحهما ثانية ويحاول أن يستوعب أين هو وماذا يحدث حوله ، انتفض بسرعة من كرسيه حين رآها تقف مرتجفة فى احدى زوايا الغرفة وهي تغطى جسدها بسترة له وتمسك بطرف حجابها تحكمه على رأسها محملقة به في ذعر ، للحظات لا يعرف كم مرت ظل يرمقها بعينين متسعتين كأنه سيحتويها بأكملها فيهما ليستوعب ما يحدث ، المشهد أمامه لا يحتمل سوى تفسير واحد يرفضه بكل تفاصيله ،لم يفعلها سابقا و لن يفعلها الان معها بالأخص  ، استطاعت حروفه أن تفلت أخيرا من قيد صدمته فهدر وهو يلهث فى انفعال  
” ايلينا ايه اللى حصل ” 
تعالت أنفاسها للحظات قبل أن تصرخ به   
” مش عارف ايه اللى حصل ..انت مش بنى ادم ابدا ..انت حيوان حيوان ” ” 
استدار وهو يضع كفه على جبينه يفركه بقوة محاولا تذكر اى شىء دون جدوى ، لقد ثمل كالعادة ولا يعرف حتى كيف وصل الى هذا المكان 
اقترب منها وحاول ان يمسك كتفيها فصرخت 
” اوعى تلمسنى ” 
واضافت فى بكاء ألجم كثيرا من صراخها  
” انت ليه عملت كدة ؟؟...ليه حرام عليك ” 
لوح  بكفيه في عجز وهو يصرخ 
” انا مش فاكر حاجة ..ايلينا انا اذيتك ...معقول اكون اذيتك ...ارحمينى وردى عليا ” 
ردت فى مرارة ” معقول مش فاكر جريمتك كمان ” 
همس فى خفوت وصدمته تبعثر حروفه مجددا 
” جريمتي ” 
وارتمى على مقعد قريب فى تهالك غير مصدق انه اصبح ذئب انتهك عرض فتاة وثقت به ، اضطربت انفاسه أكثر فسمعها تقول 
” هات المفتاح اللى قفلت بيه الباب خلينى اخرج ” 
ضرب رأسه بكلتا يديه وهو يتهكم من نفسه ضاحكا في هم 
” انا حبستك كمان ؟؟“
حبس رأسه بين كفيه للحظات وهو يطرقها بهما كأنه يحاول استدعاء أي جزء من ذاكرته ..يتوسل عقله أن يخبره كيف غاب وماذا حدث في غيابه.. نهض بعدها في ضعف وهو يحاول ان يتمالك نفسه قائلا وهو يواجهها من جديد 
” ايلينا انا لازم اصلح اللى حصل ده فورا ...هنكتب الكتاب فى أسرع وقت انا هظبط كل حاجة من غير حد ما يحس ” 
تغيرت فجأة نظرتها المذعورة الى نظرة نارية يعرفها جيدا ..خلعت سترته عنها وألقتها تجاهه فى غضب وهي تهتف في صرامة 
” حصلني على تحت ” 
حملق  بالسترة على الأرض ثم تابعها وهي تخرج من الباب الذي لم يكن موصدا من الأساس و ثغره يتسع  في ذهول ، هل كانت مزحة أم خدعة أم ماذا ؟؟..كلا الأمرين يعني أنها أجادت التمثيل إلى أبعد حد ، تبعها وقد تملكه غيظ العالم منها وتمنى لو تمكن من رأسها وحطمه جراء لعبها بأعصابه على هذا النحو، وجدها تنتظره أمام سيارته تكتف ذراعيها وتنظر له من أعلى الى أسفل في جمود فاقترب منها قائلا من بين أسنانه في غيظ 
” ايه اللى انتى عملتيه ده ؟؟“ 
أجابته وجسدها يهتز غضبا 
” ده اللي سيادتك كنت هتعمله ” 
أشار اليها بسبابته نافيا في قوة
” أنا مستحيل اعمل حاجة زي دي ” 
هزت رأسها وهي تطلق ضحكة متهكمة
” هوا أنت فاكر حاجة اصلا ؟؟...أنت دخلت عليا سكران وقربت مني ولولا أن اغمى عليك من الشرب الله اعلم كنت هتتمادى لحد فين ” 
هز رأسه نافيا فى استنكار واضح مشوب بكثير من غضبه مما فعلته به
” كدابة ...أنا عمري ما أقرب لست غصب عنها حتى لو كانت حالتي ايه ” 
أشارت بسبابتها  تخبره في ثقة 
” هو انت فاكر ولا عارف ..انا فى خمس دقايق أقنعتك باللى انا عاوزاه كله ” 
استند الى باب سيارته يبحث عن رد ..قدرتها على خداعه أغاظته بالفعل فمال اليها فى غضب
” ده يثبتلي قد ايه  انتي ممثلة شاطرة وتستاهلي الأوسكار على أدائك ” 
تأملته لحظات قبل أن تردف فى مرارة 
” هوا ده اللى فارق معاك ...ليه يايوسف ؟؟...ليه ؟؟...ليه تغضب ربنا وتسكر ..ليه تعمل فى نفسك كدة ..ليه تشرب حاجة تفقدك عقلك وارادتك ..انا عملت اللى عملته بس عشان اثبتلك ان ممكن اى حد يستغل حالتك فى يوم ويخدعك .انت ناقصك ايه لده كله ..شاب من عيلة وعنده فلوسه وشغله ونجاحه بدل ما تشكر ربنا على نعمه بتعصيه ” 
تغيرت ملامحه الممتعضة وارتخت عضلات وجهه المتشنجة بغضب لتشعر ببعض من أمل يخبرها أن طريقها معه قد يصبح أسهل ان تخلى فقط عن بعض من عناده ، لمحت حزنا يطفو على السطح ويمتزج بنبرته وهو يغمغم في ألم شاردا 
” للأسف كل الناس بتشوف من برة وبس ” 
ضيقت عينيها  فى تساؤل تمنت أن يعطها جوابه 
” مش فاهماك ”  
تنهد فى خفوت والتفت لها ..تأملها للحظات ظنت فيها أنه سيخبرها الان بكل شيء ولكن أمنيتها البسيطة تلاشت بجملته الحازمة 
” مش مهم ..يلا عشان اوصلك ” 
استعادت جديتها ونظرت حولها قائلة  
” فى وقت زى ده مينفعش طبعا اركب معاك لوحدي” 
ضرب بكفه على السيارة وهتف في غضب 
” نعم !!!...وانتي لو خدتي تاكسي ان شاء الله مش هتبقى لوحدك ..وانتى ضامنة سواق التاكسي ومش ضامناني مثلا ..اومال لو مكنش الفيلم اللى اتعمل من شوية ده كله من اخراجك ” 
لم تستطع أن تخفي ابتسامتها فابتسم  بدوره وهو يقول في حنان تساءلت هل تحمله نبرته بالفعل أم أنه من محض ما تتخيل 
” اركبي يا ايلينا ...مش هطمن عليكي تروحي لوحدك فى وقت زي ده ” 
رمقته فى دهشة.. هل يعني ما قاله حقا ؟؟..هل يخشى عليها بالفعل؟؟ ..و أصابه نصيب من دهشتها فهو لا يعرف كيف خرجت منه تلك الكلمات بهذه البساطة فلم يمهل لتأثيرها وقت ليمحوه تماما قائلا  
” متنسيش انك أمانة فى رقبتي ولازم احافظ عليكي ” 
تنهدت وهي ترفع رأسها في شموخ تخفي به خيبة أملها بجملته التالية ..فتحت باب السيارة لتجلس الى جواره ولم يتفوه أحدهما بكلمة طيلة الطريق فكل منهما كان شاردا فى عالمه الخاص ..
هي تفكر ببوادر الأمل التي لاحت بوضوح فى تلك الليلة.. فقط تمنت لو فتح قلبه وأخبرها بما يشغله ، تمنت لو شاركته أحزانه.. أحلامه ..كل حياته ، أغمضت عينيها فى قوة ،لم يعد هناك داع للانكار هي بالفعل تحبه ..
أما هو فجزء منه يفتك به الغيظ  يقاومه جزء آخر يحمل لها انفعالات أخرى لا يجد لها مسما ..مشاعر لم يختبرها مسبقا وليس لديه أدنى فكرة ليفك طلاسمها  .. لم يعد يعرف الى أين تأخذه  ..ولكن ربما ترك لها يده وتنازل عن جزء من غروره وعناده ..والبداية قراره من هذه الليلة  ألا يقرب الخمر مجددا . 
*************************
ارتفعت ضحكات الفتيات وهن يفترشن أرض حديقة قصر البدرى بعد انتهائهن من تناول الغداء الذي دعا محمود عائلة ايلينا اليه ، أخذن يتبادلن الحديث والذكريات في سعادة وأكثرهن مرحا بالطبع كانت صوفيا بطفولتها المعتادة ،تابعتها سمر في تمعن ..لا تشعر بالراحة مطلقا لوجود تلك الفرنسية الفاتنة التي لاحظت أكثر من مرة نظرات زين المبهمة اليها ...لم تتحمل وجودها أكثر فنهضت تاركة المكان تماما  ، لم يتأثر الجمع بغيابها واستمرت الفتيات في حديثهن حيث قالت صوفيا وهى تميل الى ايتن فى عبث 
” واااو شكله بيحبك أوي ” 
التفتت لها ايتن تسألها في توتر
” قصدك مين ؟؟“ 
أشارت صوفيا برأسها باتجاه حسام الذى أخذ يسترق النظر اليها بين الحين والاخر كمراهق غر فزفرت ايتن فى ضيق  
” بس يا صوفيا انتي كمان الله يكرمك ” 
عقبت ايلينا وهى تتناول تفاحة من طبق الفاكهة أمامهن ” والله حسام شاب محترم وطيب وناجح جدا في شغله وبيحبك كتير يا ايتن ” 
عقدت ايتن حاجبيها وهي تهتف فى ضجر 
” غيرو السيرة الزفت دي ..ممكن ؟؟“ 
وحين همت صوفيا بالرد رمقت زين يمر من الحديقة الى الجانب الخلفي من المنزل فتنحنحت وهي تنهض فى خفة قائلة 
” عن اذنكو شوية وراجعة ”
، ولم تمهل  سؤال ايلينا الوقت لتسمعه 
” على فين صوفيا ”
ونظرت الى الشال الذى نسته  كالمعتاد وهى تتمتم فى غضب 
” برضه صوفيا نسيتيه.. البنت دى مش معقولة ” 
تبعته حتى وجدته يقف أمام حوض صغير للزهور تتوسطه زهرة حمراء مميزة وهو يمسك بخرطوم مياه ويبدأ فى ريه ، اقتربت وتنحنحت لتلفت انتباهه فالتفت لها لحظة ثم أشاح بوجهه فابتسمت وهي تقترب من الحوض أكثر  قائلة 
” الله ..حلو الحوض ده اوووى ..انت اللى بتهتم بيه على طول ” 
رد  فى اقتضاب ” أيوة ” 
همست  وهى تشير بسبابتها تجاهه 
” الوردة دى شكلها مميز ..اسمها ايه ؟؟“ 
كاد زين ان يلتفت اليها ولكنه تراجع وأجابها  
” مبهتمش اسمي الورد ” 
قالت وهى تقترب تتأمل الوردة فى اعجاب 
” بس وردة مميزة زى دي لازم يكون ليها اسم ” 
لم يرد  فسألته  في احراج 
” زين هوانت ليه مش بتبصلى وانت بتكلمني ؟؟” 
عض  على شفته السفلى يجيبها في حذر
” لو قلتلك مش هتزعلى ؟؟“ 
عقدت صوفيا ساعديها تجيبه ببساطة
” مش هزعل أوعدك ”  
رد دون ان يلتفت اليها 
” بصراحة مش قادر أبصلك وانتي لابسة اللى انتي لابساه ده ” 
احمر وجهها خجلا..نظرت الى جسدها في بطء .. الى قميصها عاري الذراعين والكتفين فتذكرت الشال التي أعطته له ايلينا وطلبت منها ارتداؤه ونسيته كعادتها في نسيان كل شىء فطرقعت اصابعها وقالت 
” طيب ثوانى ” 
وركضت كالأطفال لتعود اليه بعد لحظات وهى تغطي ذراعيها وصدرها بالشال.. ابتسمت وهى تحكم اغلاقه عليها 
” كدة تقدر تبصلي ” 
أفلتت منه ضحكة صغيرة رغما عنه وهو يسألها 
” صوفيا انتي عندك كام سنة ” 
ردت دون أن تدرك ما يعنيه 
” واحد وعشرين سنة بالظبط ” 
اتسعت ابتسامته لتسأله فى فضول
” شكلي أكبر من كدة ؟؟“ 
اتجه ليغلق صنبور المياه والتفت اليها أخيرا نافحا اياها نظرة باسمة وهو يجيبها 
” بالعكس شكلك بالكتير تمنتاشر سنة ” 
شعرت لأول مرة ببراءة نظرة رجل لها ، شعرت برقيه وبالفعل أحبت اشاحة نظره عنها وعدم تدقيقه فى وجهها وملامح جسدها ، أحبت اخلاقه ، اختلافه التام عنها ...وهو كان يقاوم بشدة سعادته من هذا القرب .. يود أن يعرف أكثر عنها ،كل شىء يتعلق بتلك الحورية التى تدخله الجنة بمجرد نظرة واحدة من عينيها هاتين ، لم يعد يهتم بالطريق الذى تأخذه اليه ، فلتأخذه الى جنتها أكثر ليغرق في نعيمها  ، نظر اليها لحظات قبل أن يسألها 
” صوفيا ..هو انتي اهلك ازاى موافقين تسيبيهم وتيجى تعيشى مع بنت خالتك وفى بلد لوحدك ..على حسب ما قولتي والدك مصرى ازاي يقبل بحاجة زى كدة ؟؟“ 
مررت يدها فى شعرها وجذبت بعض خصلاته كعادتها ان توترت ..خفضت رأسها للحظات قبل ان تهمس فى حزن لم يعد يهتم بتفسير تأثيره عليه
” ممكن اقولك بعدين ” 
وأحكمت الشال اكثر على جسدها وهى تقاوم ارتجافة ألمت بجسدها فجأة .
................ 
وفى مكان آخر نهضت ايتن من جوار ايلينا لترد على هاتفها ....تركتها وحدها لتشرد فيما حدث منذ أيام ، فؤاد ابن عمها قد تجاوز حدوده بالفعل ، ظهر في البداية مطالبا بالمنزل الذى يقيمان فيه فالطابق باكمله عبارة عن شقتين مملوكتين للعائلة ، والذى لايعلمه فؤاد هو أن جده قد كتب هذا المنزل باسم سمير قبل وفاته كتعويض له فهو لم يرث أي شىء من أمواله الطائلة التى استولى عليها اخوته بتوكيل عام حرره لهم فى مرضه ، عاد فؤاد بعد زمن يطالب بحقه فى المنزل رغم عدم حاجتة اليه فقد أورثه أبوه الكراهية لعمه مع المال الطائل الذى تركه له ، ولكن كل شىء تغير حين رأى ايلينا بقوتها وتحديها له فتغيرت وجهته تماما اليها هي وطلب من عمه الزواج بها ولكنها رفضت بقوة لتبدأ ملاحقاته ومضايقاته لينال موافقتها غير مبال بخطبتها لاخر ...
“ سرحانة فى ايه ؟؟؟“ 
شعرت  بصوته فرفعت رأسها اليه تجيبه فى حزن 
” ولا حاجة متخدش فى بالك ” 
قطب جبينه فى اهتمام نافيا اجابتها
” ولا حاجة ازاي شكلك متضايق..لو عندك مشكلة قولى يمكن اقدر اساعدك ” 
نهضت لتقف أمامه تخبره بما تتمنى أن ينكره 
” عايز تفهمنى انه هيفرق معاك اصلا ..انت ما بتصدق تلاقى حاجة تضايقنى ” 
تراجع خطوة للخلف ..لقد توقف عن مضايقتها ،توقف عن اغراقها فى العمل كعادته ، علاقته بها لم تكن كأى خطيبين ولكن كانت هناك هدنة على الاقل في الوقت الحالي ..،أشاح بوجهه يهمس في ألم
” للدرجادى ايلينا شايفانى انسان وحش ؟؟“ 
تنهدت فى عمق وهي تهمس في حب لم تشعر بمعانقته لنبرتها 
” لو كنت شايفاك انسان وحش مكنتش ارتبطت بيك يا يوسف ” 
ابتسم  فى شرود 
” وبعد اللى عرفتيه عني بتشوفينى كويس ؟؟“ 
ابتسمت قائلة 
” احساسى قالى انك ممكن تتغير ...واحساسى مش هيكدب عليا ابدا ” 
التفت لها  بابتسامة صافية فبادلته ابتسامته لأول مرة دون تهكم او اصطناع أو تحدى أو أي شىء من هذا القبيل ، ابتسامة كانت كافية لتجعل قلب يوسف يستجيب لنبضاته لأول مرة دون مقاومة .
*********************
” زين ..زين ” 
قالتها سمر في عنف فالتفت لها زين الذى كان لازال شاردا فى الطريق الذى رحلت منه صوفيا  ، رد فى ضجر وهو ينظر الى سمر الذى أصبح يعاملها بجفاف منذ ما كادت ان تتسبب به بينه وبين والده 
” نعم فيه حاجة ؟؟“ 
كتفت ذراعيها وردت  فى حدة 
” الخواجاية دى كانت عايزة منك ايه ؟؟“ 
تراجع  فى دهشة فواصلت  
” نظراتها ليك طول الوقت مش مريحانى ..والنهاردة كمان كانت ..“ 
قاطعها  هذه المرة فى حدة قائلا
” كفاية يا سمر ..صوفيا ضيفتنا عيب تتكلمى  عنها كدة ” 
اقتربت منه خطوتين وهمست في رقة  ” اعمل ايه يازين ..بحبك وبغير عليك ” 
زفر زين في حنق من أين جاءت تلك الفتاة بكل تلك الجرأة بل الوقاحة ...لم يعهدها هكذا مطلقا فهتف فى استنكار 
” تانى ...احنا مش قفلنا الموضوع ده خلاص ” 
ردت فى اصرار غريب 
” تانى وتالت ورابع ..زين ارجوك ادينى فرصة مادام مفيش حد فى حياتك ”
وفجأة لاحت صورة حوريته أمامه وكأنها تنفى ما قالته سمر نفيا قاطعا ولكنه تجاهل هذا ليخبرها فى جديه
” شوفى يا سمر انتى بنت عمى وعارفة انا بعزك اد ايه ..انتى اختى ومفيش اخ بيتجوز اخته ولا ايه ؟؟“ 
ردت والدموع تلمع بعينيها 
” حرام عليك يا زين ليه تعمل فيا كدة ؟؟“ 
تنهد زين في نفاذ صبر 
” لاحول ولا قوة الا بالله ..سمر افهمينى هيبقا حرام عليا لو اتجوزتك وظلمتك معايا ..انتى بكرة ربنا هيكرمك بحد يحبك ويقدرك ” 
ردت وصوتها يتمزق من النحيب 
” انا مش عاوزة غيرك انت يا زين حتى لو هتظلمنى انا راضية بالظلم مادام هبقا معاك ” 
كان لايدرى حقا ماذا يفعل لها.. هي اخته ولا يمكن ان ينظر اليها الا هكذا فهتف فى قسوة متعمدة 
” الموضوع منتهى يا سمر ومش هنفتحه تانى فاهمانى ” 
نظرت له فى خيبة امل وانطلقت تركض من امامه ، تاركة داخله اسئلة شتى ؟؟، هل كان الأمر سيتغير لو لم تظهر صوفيا فى حياته ..هل كان رد فعله سيختلف ، لم يكن يخطط ابدا للزواج عن حب ، كان سيتزوج زواجا تقليديا بحسابات العقل فقط وربما ترك الأمر برمته لأمه لتبحث له عن الزوجه المناسبة ولكن كل هذه الموازين قد انقلبت فى لحظة فلم يعد العقل وحده كافيا لاقناعه ، القلب الذى يتحدى المنطق وكأنه يختار الصعاب ليعشقها ، عاد الى نظرة الحزن فى عينى صوفيا فزادت حيرته وتمنى لو عرف عنها الكثير والكثير وبالفعل فى الصباح كان على مكتب ايلينا يتحجج بمراجعة بعض الملفات ..أخذ يدور فى الحديث ولا يعرف من أي زاوية ينفذ الى غرضه حتى وجدها فتسلل منها 
” بس صوفيا مش شبهك خالص يا ايلينا ..حاسس ان انتو الاتنين اتربيتو بطريقة مختلفة رغم انكو قرايب ” 
شعرت ايلينا باهتمامه بصوفيا كما شعرت بميلها اليه وفى نفسها تمنت لو كان كل منهما للاخر فزين بالفعل قادر على انتشال صوفيا مما هى فيه ، ردت وهى تعرف انه يدور حول السؤال ليس اكثر ” فعلا ” 
حك  ذقنه بسبابته قائلا 
” هيا اهلها فين ؟...وازاى سايبينها كدة ؟؟؟“ 
شبكت ايلينا اناملها امام وجهها تخبره في حزن 
” دى حكاية طويلة وتوجع القلب بجد ...توجع القلب بجد يازين ” 
فى تلك اللحظة كان يوسف يخرج من مكتبه واخر ماسمعه هو عبارة ايلينا الاخيرة ورأى اخاه ينظر لها فى تأثر واضح وتركيز وهو يكاد يلتهم ملامحها بعينيه او هكذا خيل له ليضرب بداخله هذا الاعصار ، أعاصير ونيران وزلازل وكل الكوارث الطبيعية  التى تصيبه حين يراها تحادث اى رجل حتى وهو يوقن انها لاتتجاوز اى حدود ، مشاعره تصيبه بالدهشة مالذى يتطور بداخله تجاهها ؟؟، ماهذا الشعور السخيف الذى الم به وهو يراها تحادث زين ،ربما لأنه يرى زين هو الانسب لها او يشك انها تراه كذلك ، تنحنح حتى لايظهر عليه الانفعال وقال 
” ازيك يا زين ..كنت عاوز حاجة ؟؟“ 
نهض زين وهو ينظر الى ايلينا يابتسامة زادت من سخط يوسف حين بادلته اياها كأنه قد اتخذ فرمانا بحكر ابتسامتها عليه  
” لا خلاص شوية ملفات وراجعتها مع ايلينا وماشى ..بعد اذنكو ” 
تابعه يوسف وهو يزمر شفتيه حتى اختفى لينظر الى ايلينا بغضب لم تعرف مصدره وهو يسألها في غيظ مكتوم
” مش ملاحظة انك مزوداها معاه ؟؟“ 
ردت في استنكار واضح 
” مع مين وقصدك ايه ؟؟“ 
رد فى تهكم وهو يشير برأسه حيث خرج زين 
” مع زين وعارفة انا اقصد ايه كويس ” 
نهضت من مقعدها فى غضب لتهتف في فى شراسة 
” انا عمرى ما اتجاوز حدودى مع حد ..ومسمحلكش بتلميحات من النوع ده ” 
تابع  وكأنه لايسمعها 
” لما هوا عاجبك كدة ؟؟؟متجوزتيهوش ليه من الاول بدل ما اتدبس انا فيكى ”
وكعادته فى غضبه لاينتبه ابدا لما يتفوه به ...وهى لم تستطع ان تبتلع اهانته هذه المرة ، حبها له  منعها من مواصلة تلك اللعبة التى تأخذ كثيرا من كرامتها وهى تفرض نفسها عليه مرة بعد مرة .. بل الأدهى يتهمها بعلاقة مع أخيه يعرف جيدا برائتها منها فقط ليتملص من ارتباطهما ، فى الماضى تحملت ولكن الان وهى تعى تماما حقيقة مشاعرها لم تستطع ...رفعت رأسها فى شموخ تخبره
" انا بقول كفاية لحد كدة ..لما توصل للدرجادى يبقى كل حاجة بينا تنتهى احسن ”
قالتها وهى تنتظر منه اى رد.. اى كلمة تدل على تمسكه بها ولو لمرة واحدة  ..
زاد حنقه عليها من تظن نفسها ...أهو مجرد لعبة بين اصابعها تلهو بها كما تشاء ابتلع ريقه فى غضب قائلا  وهو يرفع كفه الايمن
” على فكرة انا اصلا ملبستش دبلتك ...لانى عارف من الاول ان المهزلة دى لازم تنتهى ” 
لم تتوقع ابدا ان يكون بهذه القسوة ..وقتها علمت أنها تعيش حبه وحدها وهولايبالى بها فكان قرارها التى اتخذته في حينها ..
رأى صدمتها جلية فى عينيها ودمعة  تحجرت كصخرة صلبة فيهما  تشتهي بعضا من ضعفها لتتفتت وينحدر حطامها على وجنتيها ولكن كبريائها المعهود يحمي صلابتها ويحفظ قوتها كالمعتاد ..  
طالعته للحظات عاجزة عن الرد..أخفض رأسه يتحاشى نظراتها.. أدرك أخيرا وقاحة ما نطق به ..
رفعت رأسها في شموخ لتخبره في حسم حررت به نبرتها المختنقة :
 ” فعلا مش لازم تستمر ولازم يكون لها نهاية ودلوقتي ”
 تنهد في عمق وهم أن يعتذر عما تفوه به لولا دخول والده المفاجىء وهو يلهث بشده ووجهه يبدو عليه الاضطراب :
” يوسف مبتردش على تليفونك ليه ؟؟“ 
والتفت الى ايلينا في قلق ساده ترقب وهو يقول :
 ” عمك سمير تعب شوية ونقلناه المستشفى ” 
***********************************
احتضنت صوفيا كف ايلينا بين راحتيها وهي تقول فى حنان 
” اهدى يا ايلينا ..عمو محمود هيبقى كويس ان شاء الله ” 
التفتت ايلينا فى ألم  الى علي الجالس جوارها مطرقا فى حزن معاتبة :
” تبقا عارف يا علي وما تقوليش ؟؟“
 رد علي فى هدوء:
 ” دى كانت رغبته يا ايلينا ” 
هتفت فى ضيق :
” رغبته ”
  اقترب حينها  محمود ليربت على كتفها فى رفق مواسيا :
 ” ايوة يا ايلينا باباكى مكنش عايزك انتى بالذات تعرفى حاجة عن مرضه ” 
والتفت الى يوسف الذى وقف يستند الى الحائط ليحثه باشارة من عينيه على النطق بأي شىء ولكن ناظريه المعلقين بايلينا  لم يلتقطا اشارته  بل تابعاها في صمت   ، تؤلمه دموعها الحبيسة ...يقتله حزنها وخوفها فى وجوده ، كم تمنى لو أزاح صوفيا جانبا واحتواها بين ذراعيه حتى تهدأ..كم تمنى لو ضغط كفها بين كفيه  يمنحها الأمان والعطف ..يشعر أنه أحق منهم جميعا بها في تلك اللحظات .. 
يعلم جيدا انها لن تقبل منه اى كلمة بعد ما تفوه به فى الصباح وهو لا يعرف حقا كيف يعتذر ، كلمات المواساة والاعتذار كلاهما تجمد على لسانه ..
خرج الطبيب من عند سمير فهرع الجميع اليه ليضع يده فى جيب معطفه ويتحدث بعمليه بحته :
” الاستاذ سمير حالته متأخرة للاسف ...الجراحة هيا الحل الوحيد رغم انها فى سنه هتبقى مغامرة بس مفيش اختيار تانى ” 
اقتربت ايلينا وهى تمسح دمعة لم يعطها قلقها على أبيها الرفاهية في محاولة اخفائها :
” انا هتمسك بأى امل يرجع بابا لينا ” 
رد الطبيب وهو يهز رأسه فى تفهم :
” الجراحة هتتكلف حوالى 300الف ..والأمل برضه مش كبير ” 
هنا تدخل يوسف وقد تضايق من لهجة الطبيب المحبطة ”مادام فيه امل هنتمسك بيه والفلوس مش مشكلة خالص شوف الأنسب ايه واعمله ” 
هز الطبيب رأسه ليستأذن الذهاب فنظرت ايلينا الى يوسف تخبره فى حدة :
” محدش هيدفع مليم واحد فى علاج بابا ”
 نظر يوسف ومحمود الى بعضهما البعض فواصلت في حسم :
” انا هبيع الكافيه وبابا عنده رصيد كويس فى البنك ولو وصلت هبيع البيت كمان بس مح.“ 
قاطعها محمود وهو يقطب جبينه فى استنكار :
” ايه يا ايلينا الكلام الفارغ ده عايزة تبيعى اللى وراكي واللى قدامك ...واحنا لزمتنا ايه ؟؟؟“ 
واصل يوسف الحديث غير مكترث بما قالته:
 ” سيبك منها يا بابا ..انا هجهز الفلوس وهتابع كل حاجة بنفسى ” 
هنا قطبت ايلينا حاجبيها وهتفت فى غضب :
” انت بتتكلم بصفتك ايه ؟؟؟انت بالذات مش هقبل منك حاجة ..احنا نهينا كل حاجة بينا خلاص نسيت ولا ايه ؟؟“ 
وزع محمود نظراته بينهما ليسأل في حذر 
" نهيتو ايه ؟؟؟...ايه الكلام الفاضى ده ؟؟؟؟...هوا شغل عيال ولا ايه ؟؟؟“ ...بتتصرفو من دماغكو ملكوش كبير ..اسمعو بقا ...مجرد ما سمير ما يفوق هيتكتب كتابكو وده بناء على رغبته ” 
التفتت له ايلينا فى تمعن لتتبين صدق ما قاله.. ، اهذه خطة جديدة ام ماذا ؟؟..فليكن الأمر ما يكن  لقد اكتفت منه وانتهى الأمر ..
” حضرتك بتقول ايه ؟؟“ 
هدأمحمود من نبرته واقترب ليمسك بكتفيها فى رفق هامسا :
” حبيتى باباكى عاوز يطمن عليكى ...وهوا ده اللى حصل صدقينى وهتتأكدى بنفسك اول ما يفوق ان شاء الله ” 
نظرت الى يوسف وتذكرت كلامه الجارح صباحا ورفضه المتكرر لها مرة بعد اخرى واتهامها بالتساهل مع أخيه ..ألجمت انتفاضة كرامتها مشاعرها هذه المرة وانفردت بالقرار فاختنق صوتها وهي تضع النهاية غير قابلة بحلول أخرى مطلقا :
” لا ياعمى اسفة ؟؟؟مش هفرض وجودى على حد تانى ..اتفاقنا لحد هنا وانتهى ” 
والتفت اليه ترمقه بنظرة عاتبه لتذهب من أمامه ..
دوى صدى كلمتها في اذنيه ...اتفاق !!!...أي اتفاق ..دارت كل الأحداث الماضية في رأسه لتتلاحم مع جملتها الأخيرة متأهبة أن تعطه اجابة صريحة على سؤال طالما طرحه عليها ورفضت اعطاءه ولو توضيح ..التفت  الى ابيه ينهي حيرته :
 ” اتفاق ايه اللى بتتكلم عنه ؟؟؟“ 
زفر محمود فى ضيق يسأله بدوره :
 ” انت فعلا قولتلها انها مفروضه عليك ” 
ازدرد يوسف لعابه ليقاوم ألمه وهو يتذكر ما أخبرها به صباحا فأشاح بوجهه في توتر ففهم محمود  ان ولده قد قال ما هو أبشع فتنهد ليخفى ضيقه ويخبره في لوم:
 ” بص يا يوسف ايلينا الف مين يتمناها واذا كنت فاكر ان احنا فرضناها عليك فالعكس هوا اللى حصل ” 
نظر له يوسف فى حيرة لم يتركه أبوه غارقا فيها طويلا  ليقص له كل شىء من البداية.. فلم يصدق ما سمعه وهتف فى صدمة : 
” ده الاتفاق اللى تقصدوه ؟؟؟...يعنى كانت عاوزة تتجوزني عشان كدة بس ...دخلت معاكو فى لعبه لعبتوها سوا عشان كدة؟؟؟“ 
رمقه محمود فى صرامة :
 ” البت مكدبتش عليك فى حاجة يا يوسف اتقدمتلك للشغل عادى وانت وافقت وانت بنفسك بعد كدة اللى خلتها مديرة لمكتبك ”
تنهد حينها وهو يتذكر أن هذا ما حدث بالفعل ..نظر اليها وقد  وقفت تنظر الى ابيها من خلال النافذة الزجاجية للعناية المركزة ، نظرة لم يفهم محمود محتواها ...اهى نظرة غضب ام غيظ ام حب ام كل هذه المشاعر امتزجت فى تلك النظرة التى يراها فى عينى ولده للمرة الاولى ، تابعها فى حيرة ، حيرة من نفسه قبل كل شىء...ولكن لا... لن يتركها تنهى لعبتها متى شاءت وبقواعدها هي .. 
ربما كانت تلك وقتها حجته ...حجة ساقتها مشاعره أمام غروره وعناده لتبرر رغبته في وجودها ...
ضيق عينيه في تمعن حين اتسعت عيناها فجأة وفغرت ثغرها وهى تهتف فى سعادة : 
” بابا فاق ” 
*************************************" حمدلله ع السلامة يا بابا ” 
قالتها ايلينا وهى تقبل كف ابيها الذى قرب جبينها منه ليقبله فهمست اليه  فى عتاب :
” كدة برضه يا بابا تخبى عليا ” 
ابتسم وهو يمرر يده على رأسها :
 ” الظاهر خلاص يا ايلينا مبقاش فيه فايدة من المقاوحة اكتر من كدة ” 
قاطعه محمود في صرامة امتزجت بكثير من العطف :
” متقولش كدة يا راجل ..ان شاء الله تقوم بالسلامة وتفرح بيهم ” 
اضافت ايلينا وهى تصدق على كلمات محمود : 
” ايوة يا بابا ان شاء الله تعمل العملية وتقوم وبالسلامة ” 
وضع سمير يده على صدره وتنهد فى الم :
” عملية ايه بس ؟؟؟...دى غالية اوى والامل فيها مش كبير ” 
تخلص  يوسف من صمته أخيرا هذه المرة :
” ملكش دعوة بالمصاريف خالص ياعمى ..احنا مش اهل ولا ايه ؟؟؟“ 
نظرت له ايلينا فى ضيق بينما رد محمود بابتسامة ممتنة :
” تعيش يا يوسف انا كل اللى بفكر فيه دلوقتى علي وايلينا لو جرالي حاجة مش هيبقا ليهم حد غيركو ” 
دمعت عينا ايلينا وهمست بصوت متلعثم وقد ارتعد داخلها لمجرد الخاطرة 
 ” بابا متقولش كدة انت هتعمل العملية وهتبقى كويس ” 
نظر سمير اليها وواصل فى حنان :
” انا خايف عليكي انتي بالذات ايلينا ابن عمك شكله مش هيجيبها البر ابدا ” 
قطب يوسف حاجبيه متسائلا في حيرة :
” ابن عمها ..ايه الحكاية بالظبط ” 
تنهد سمير ليخبره :
 ” طلبها للجواز وانا رفضت مش فارق معاه كونها مخطوبة من غيره ...طول الوقت عمال يهددنى ويهددها ” 
نظر يوسف  الى ايلينا هاتفا فى استنكار :
” انتى ازاى متقوليليش على حاجة زى دى ؟؟؟“ 
رمقته بنظرة معناها وهل كنت تهتم يوما بشىء يتعلق بي ، أفحمته نظرتها فازدرد ريقه وهو يقول بنبرة أهدأ
” متخافش ياعمي ..محدش يقدر يأذي ايلينا وانا على وش الدنيا ..ومادام الموضوع وصل لكدة يبقى اسمحلي اناعارف انه مش وقته بس لو هنعجل بكتب الكتاب يكون أفضل“
نظر الجميع اليه فى ذهول وأولهم ايلينا هل طلب الزواج حقا ؟؟...هل جن هذا الرجل وسيدفعها للجنون معه ..عن أي زواج يتحدث ..تهكمت فى نفسها حين فهمت مقصده ..فالموقف لا يحتاج الى شرح مطلقا .. شهامة ليس اكثر..شفقة ربما ..تختلف أسبابه ولكنها تتفق في اجباره على الزواج من جديد ولكن بشكل غير مباشر ...قبلت أن تجبره سابقا وهي تنكر حبها له مدعية رغبتها في اصلاحه ..أما اليوم وكل جزء من كيانها يصدح بعشقه لن ترضى بشفقة او شهامة ، تفاجئت بسمير يرد نيابة عنها :
” انا عن نفسي موافق ..لما تتجوزو محدش هيقدر ييجي جنبها لا ابن عمها ولا غيره ”
حملقت به ايلينا ..أبوها قد وصل خشيته عليها حد الذعر ..حد قبوله بيوسف وهو يعرف عنه ما تعرفه .. اذن قد استسلم لمرضه ويأسه   
تابع محمود الحديث عنه فى سعادة:
 ” يبقى خلاص على بركة الله نكتب الكتاب وبعدها نستناك تقوم بالسلامة من العمليه عشان نعمل الفرح ” 
تردد سمير قائلا :
 ” عملية بس انتو عا...“ 
قاطعته ايلينا هذه المرة وهى تعرف طريقها جيدا  ” بابا لازم تعرف ان مفيش جوازة هتتم من قبل ما توافق انك تعمل العملية ” 
نظر لها سمير بابتسامة يسألها في رفق 
” انتى بتساوميني يا بنت انتى ؟؟؟“
 وبرغم انها كانت مزحة الا انها كانت حقيقة لقد كانت بالفعل تساومه وهو تقبل مساومتها تلك بصدر رحب ..يعلم أن ابنته تحب هذا اليوسف ..تحب للمرة الأولى في حياتها ..ويشعر من نظرات يوسف اليها أنه يبادلها الشعور ذاته ولكن بعده لم يرضخ ..يعلم أن ابنته قوية وستغير فيه الكثير ..فقديما عشقه لأمها غير حياتهما سويا ..ربما تكررت القصة من جديد ..من يدري ؟؟
**********************************************
تم عقد قرانهما بالفعل فى المشفى ،ورغم  السعادة التى حلقت فوق الجميع الا ان الحزن والقلق كان من نصيبها وهى تشعر ان حبيبها يتزوجها رغما عنه للمرة الثانية وان ادعى عكس ذلك ليحافظ على ماء وجهه لا أكثر ، نعم تغير وقد لمست بنفسها هذا التغيير ووقعت فى غرام يوسف الجديد بكل ما فيه حتى بغروره وعنجهيته ...غرقت بكل مشاعرها وكيانها فى كل تفاصيله ولن تقبل منه ابدا بأقل مما تشعر به تجاهه ، لن تقبل ان تعيش عذابات حبه وحدها لتكون وسيلته لارضاء غروره كرجل ليس اكثر 
 أما الحيرة فكانت من نصيبه هو ... يرى غيامة حزن تعكر صفحة وجهه الصافي .. اهو ندم ؟؟
ام انها تخشى تلك الخطوة وتفتقد الامان معه ؟؟؟
ام لأن لعبتها خرجت عن الحد الذى رسمته لها ؟؟
أم هو قلقها على أبيها ؟؟ . 
................
انفرد كل منهما بالآخر بعد عقد القران فى حديقة المشفى ...
طال الصمت بينهما كأن كل منهما يعطي للاخر فرصة فى توضيح موقفه أولا .
كانت هى الأسرع فى تمزيق هذا الصمت السخيف فقالت وهي تنظر امامها :
” على فكرة انا وافقت على الجواز بس عشان بابا يوافق يعمل العملية ..لكن متخافش مش هدبسك معايا كتير ” 
عض يوسف على شفتيه فى غيظ وهو يتذكر كلماته الوقحة وهمس في خجل :
 ” انا اسف مقصدتش المعنى ده ابدا ” 
ابتسمت فى حزن قائلة: 
” متعتذرش انت فعلا معاك حق ..أنا فعلا زودتها ..انت رفضتني اكتر من مرة وكان لازم يكون عندى كرامة ” 
كاد ان يصرخ بها أن تتوقف ولكنها واصلت :
” انا طبعا بشكرك على شهامتك ووقفتك معايا ..واوعدك ان التدبيسة دى مش هتستمر كتير وبمجرد ما بابا يفوق ويبقى كويس هننفصل وتقدر تشوف حياتك ”
 ولم تمهله فرصة للرد ابدا فلو امهلته ستحرم نفسها من الاحتفاظ بكرامتها للحظة الأخيرة.. سيرى دموعها التى اخفتها عنه فى كبرياء وأطلقت عنانها بمجرد أن أعطته ظهرها ...كيف سمحت لنفسها بالتورط في حبه هكذا !!..كيف ؟؟ .
راقبها في ألم وهي تختفي من أمامه وسخطه على ذاته يزداد... لماذا لم ينتزعها  من افكارها السخيفة هذه ؟؟
 لماذا يرفض ان يعترف لنفسه بانه لايتحمل فكرة ابتعادها ؟؟
 يرفض هجرها ..
يكره حزنها..
 يمقت شعورها بالخوف فى وجوده ..
يحب قوتها عنادها مشاكستها...
 كل شىء فيها يثير جنونه .. 
لماذا لم يستجب لمشاعره وألجم جسده الذي كاد أن يتحرك ليزرعها بين ذراعيه بقوة لتكون تلك الاجابة الصحيحة والرد المناسب على كل ما زعمته .
. ***********************************
كانت صوفيا فى غرفتها تضع اللمسات الاخيرة لبورتريه خاص مزجت فيه الالوان بشكل رائع فبدت حتى أجمل بكثير من الصور التى التقطتها للنيل فى الغروب ، تأملته فى رضا قبل ان تزيحه جانبا وتستلقى على فراشها وهي تتأوه فى خفوت ، اغمضت عينيها لحظات ثم فتحتهما وهي تبتسم فى خبث ، مدت يدها تلتقط هاتفها من على المنضدة تطالع عليه صورة زين الذى يضعها على تطبيق ” الواتس اب ” صورة يبتسم فيها بوداعة أخذت لبها منذ ان طالعتها للمرة الاولى ، ملامحه الشرقية المنحوته تتوه فيها دائما وتذكرها بفرسان العرب القدامى التى قرأت عنهم فى الاساطير ، لا تستطيع حتى الان تحديد ماهية شعورها نحوه فكثيرا ما تشعر بالحنق منه حين يتجنبها او يشيح بنظره عنها وذاتها تلك الافعال تجذبها اليه اكثر ، نظرت الى صورته من جديد وهي تمرر اصبعها على ملامحه كأنها تريد ان تحفرها بذاكرتها ، نهضت من جديد وابتسامة حالمة تزين ثغرها وهى تتجه الى كراس الرسم وتبدأ فى خط ملامحه بدقة ومهارة ، وبعد ساعة او يزيد انتهت من رسمه بالقلم الرصاص فوضعت القلم فى فمها ورفعت حاجبيها قائلة :
 ” طبعا الأصل احلى ..بس انت اجمل حاجة رسمتها فى حياتى ” 
ابتسمت وهي تضع يدها على ثغرها ...لقد أصبحت تستخدم العربية في التفكير وتلاشى دور اللغة الفرنسية التي لم تتحدث غيرها لسنوات تماما ..أمسكت الصورة واخذت تتأملها وهى تجوب الغرفة بلاهدف ..
لحظات وخطرت على بالها فكرة لم تأخذ سوى لحظات أقل لتضعها قيد التنفيذ ، قامت بتصوير الرسم وأرسلته الى رقمه الذى تحتفظ به منذ ان اعطته لها ايلينا وهى فى المطار ، تعلم انه لا يمتلك رقمها فهل سيكتشف انها من فعلت هذا ؟؟؟هل تراه يشعر بهذا الاضطراب الذى تشعر به . 
رن جرس هاتفه يعلن عن وصول رسالة عبر الواتس اب ففتحها ليجد صورة مرسومة له بالقلم الرصاص فى غاية الدقة والاتقان خطتها انامل بارعة ومحترفة ، قطب حاجبيه فى تفكير من فعل هذا ؟؟، لحظات مرت قبل ان يبتسم وهو يفرك جبينه ، تراها هى ؟؟، حوريته الجميلة التى لاتفارق باله والتى افقدته توازنه وجعلت قلبه ينبض كمراهق دون ادنى ارادة منه ، هل قضت الليلة بأكملها تخط ملامحه ؟؟هل يشغل نفس الحيز الذى تشغله فى حياته ؟؟هل يشاركه قلبها تلك النبضات الغريبة التى يشعر بها للمرة الاولى ، لا يعرف لماذا  اصبح شعوره يقينا وهو يعطيها رده بتغيير صورة ملفه الشخصي الى تلك الرسمة الدقيقة التى أرسلتها واستوعبت هي هذا الرد منه ولم تصدقه ، ولكن تراه فهم ما تعنيه ؟؟؟
 أو بالأحرى هل تفهم هي ماذا تعني من خلف ما فعلته ، الأمر قد تعدى كثيرا مجرد انجذاب.. لقد وصل بها الى تنحية فكرة سفرها تماما ..فوجودها في مصر لم يعد مقتصرا على مرض محمود فقط كما تدعي . 
***************************
تنهد يوسف وهو يتهالك على مقعده متمتما فى حزن ” لاحول ولا قوة الا بالله ”
تلقى الخبر من أبيه منذ لحظات عبر الهاتف ، أخبره بصوت متهدج يحاول أن يسيطر على نبرته بأن رفيق العمر  انتقل الى جوار ربه، مات الرجل قبل أن يستمتع بدفء وطنه ويعوض حرمان الغربة ، مات بعد أن اطمئن الجميع الى استقرار حالته وهجرته الامه  ، مات قبل موعد جراحته بيوم واحد فلله في خلقه شئون  ..
وكل اليه والده مهمة ابلاغ ايلينا بالأمر ،بقي على وضعه هكذا لدقائق ينظر الى الباب في شرود ينبش به عقله عن أي طريقة تحمل الخبر دون أن يصدمها به  ، مرر يده على وجهه في ألم فكل الطرق ستؤدى الى حقيقة واحدة.. 
لقد رحل والدها الذى لمس بنفسه كم تحبه وتحترمه وتعده صديقا وليس مجرد اب ، كيف ستسقبل خبر موته بعدما عاشت في أمل نجاته طيلة الأيام الماضية .. مجرد تخيل الحزن على وجهها يفزعه ، ماذا عساه ان يفعل ؟؟
نهض من كرسيه اخيرا واتجه للباب الذى يفصل بينهما ليفتحه فى بطء ، لم تنتبه له وقد انهمكت فى العمل، فبعد ان اطمأنت على صحة ابيها عادت لتنجز بعض الاعمال الهامة التى كانت تحت مسئوليتها رغم انه اعفاها من ذلك ، ظل واقفا للحظات وهو يبحث مجددا عن أكثر الكلمات رقة لينقل لها به الخبر 
 شعرت برائحة عطره كالعادة فرفعت اليه رأسها بابتسامة متعبة وقالت :
 ” يوسف ..انا قربت اخلص اهو بس فيه حاجات كتير محتاجة امضتك عليها ” 
نظر اليها للحظات في حزن عقد لسانه عن نطق حرف فأطرق برأسه في عجز لتشعر بأن هناك خطب ما ، نهضت من مكتبها وسألته فى حذر:
 ” يوسف مالك حصل ايه ؟؟“
 انتفض قلبها ليضرب صدرها في قوة وهو يشيح بوجهه عنها  ، وضعت يدها على على صدرها تقاوم ألم انقباضه فالأمر يبدو انه يخص صحة ابيها ، التمعت الدموع فى عينيها وهى تقترب منه أكثر قائلة فى تلعثم وشفتاها ترتجف فى خوف :
” الموضوع ليه علاقة ببابا ..رجع انتكس تانى ..رفض يعمل العملية ولا ..“
 وصاحت به وهي على وشك الانهيار :
 ” يوسف رد عليا بقا ”
 أمسكت بذراعه في توسل وهي تكرر سؤالها فرفع  نظره اليها والمته نظرة الهلع والخوف والضياع فى عينيها فلم يشعر بنفسه تماما وهو يحتويها بين ذراعيه  كأنه يحميها من قسوة الحقيقة ويخفيها عن مرارة واقعها وأدركت هي كل شىء فبقيت جامدة وهى تتمتم فى صدمة :
 ” ازاي ؟؟...انا سايباه كويس ....ازاي”
 وسالت دموعها ليشعر بها يوسف تبلل قميصه لتحرقه تماما وهو يراها  للمرة الأولى ، زاد من ضمته لها وهي تهمس فى انهيار :
” بابا مات يا يوسف.. بابا مات ” 
مسح على رأسها فى حنان قائلا بنبرة متهدجة :
 ” انتى ايمانك قوى يا ايلينا ..ادعيله حبيبتى ”  
نطقها بصدق وباحساس عاشق يتعذب من اجل محبوبته نطقها دون ان يشعر أنه قالها ..نطقها دون أن يفكر كيف خرجت بتلك السهولة ...نطقها من أعماقه حين اعترف ألمه من أجلها بالحقيقة ..ولسوء حظه لم تشعر بها أبدا .. لم تشعر بأنها انتزعت اعترافا صريحا منه ،ألم فقدان الأب والصديق كان كافيا لعزلها عن العالم بأسره ..كافيا عن عدم ادراكها أنها بين ذراعيه تتلقى منه حنانا لم تعهده مطلقا ... أغمضت عينيها فى ألم وهي ترفع رأسها من على صدره هامسة بايمان تحاول به مقاومة انهيارها :
” انا لله وانا اليه راجعون ” 
اخذت ترددها وهو يمسك بكتفيها ويشعر بارتجافها حتى خفتت حركتها فجأة لتسقط فجأة بين ذراعيه مغشيا عليها ليهتف فى ذعر ” ايلينا ” 
******************************************
تكفل محمود وابنائه بدفن سمير واقامة العزاء له فى الوقت الذى كانت ايلينا فيه تحاول التماسك قدر المستطاع هى واخيها  وتعينها على ذلك صوفيا وسميرة وايتن .
 وبعد مرور اسبوع  دق الباب ففتحته صوفيا لتجد يوسف ومعه زين يحملا بعضا من الطعام كعادتهما كل يوم منذ وفاة محمود ، ألقى يوسف التحية عليها وسألها فى روتينيه عن أحوالها وأحوال علي ليذهب بعدها الى ايلينا مباشرة التي أخبرته صوفيا انها لاتفارق غرفة ابيها .
 تركها مع زين التى نظرت اليه وسألته في تردد 
" تشرب ايه زين ؟؟“ 
ابتسم زين قائلا 
” مش عاوز اتعبك ” 
شبكت اناملها قائلة : 
” يبقى قهوة مظبوطة انا بشوفك على طول بت..“ وتوقفت عن استرسالها وهي تحك رأسها فى خجل لقد اخبرته ببلاهة انها تهتم بأدق التفاصيل به فتنحنح هو ليخفى سعادته قائلا : 
” خلاص ..يبقى قهوة مظبوط ” 
راقبها وهي تدلف الى المطبخ وتلتفت اليه فى توتر ، لقد كاد ان يخبرها حين وقعت عيناه عليها منذ لحظات الأسود يليق بك يا جميلة ولكن لا ليس الاسود فحسب بل كل الوان الدنيا كأنها خلقت من اجلك كأنك من تعطينها رونقها وبريقها وتميزها ، بريئة كالاطفال وعيناك تلك اه منها لم أعرف من قبل عينين بصفائهما أبدا ، حدائق الجنة ورياضها يعيشها من ترمقينه فقط بنظرة منهما.. 
لمح على المائدة كراس رسم صغير فابتسم في خبث وهو ينظر باتجاه المطبخ ليتأكد انها لا تراه ، اخذ يبحث فيه عن شىء واحد يؤكد له حقيقة ظنه  ، ظل يبحث ولكنه لم يجد مبتغاه حتى انتفض على صوتها وهى تقول بينما تضع القهوة أمامه :
” عجبك رسمي؟؟“ 
تنهد زين وهو يهز رأسه بالايجاب وقال في احباط لاحظته صوفيا على الفور : 
” حلو اوي ..فنانة بجد ”
 وأعاد اليها دفترها وهو يتساءل في نفسه هل لم تكن هي بالفعل ؟؟، لا ربما امتلكت دفترا غيره ...
قالت صوفيا فى خبث وقد أدركت ما يفكر فيه :
” شكله معجبكش وبتجامل وشك باين عليه انه متضايق ” 
ارتشف زين من القهوة أمامه ليزدردها عوضا عن ريقه الذى كاد ان يجف من فرط التوتر والاحباط :
” أبدا..اصل ....“ وهز رأسه وهو يتمتم
 ” الظاهر اني كنت فاهم غلط ” 
رسمت صوفيا البلاهة على وجهها وقالت: 
” بتقول حاجة زين !! ؟؟“ 
تنهد في عمق قائلا :
 ” متاخديش فى بالك ”
دلف يوسف الى غرفة ايلينا فوجدها تقف بجوار النافذة وهى تحمل بيدها صورة لأبيها وتتأمل الدنيا في شرود ، شعور بالضياع يراه فى عينيها ويمقت ان تشعر به فى وجوده ، لم يخفي ألمه وهو يراها على هذا الضعف الذى لم يعهدها عليه ، التفتت له وابتسمت فى شحوب وقبل أن تمد اناملها لتمسح دموعها كانت أنامله هى الأسرع تلك المرة فمسح دموعها بابهاميه وتأملها للحظات وهو يضع كفيها فى كفيه قبل أن يأخذها لتجلس على أريكة قريبة ويأخذ الصورة منها ليضعها على المنضدة المقابلة ، ركع على ركبتيه أمامها قائلا :
 ” ايلينا اتكلمى معايا قولى اى حاجة ” 
ازداد بكائها وهى تقول بصوت تمزقه الدموع 
” اقول ايه ..انا خلاص اتيتمت ومبقاش ليا حد .بابا مكنش مجرد أب وبس ...بابا كان صديق وصاحب عمره فى مرة ما خذلني..عمره مازعقلي ولا زعلني فى يوم حتى وأنا غلطانة ..اتعلمت منه كل حاجة حلوة ..لما كنت بقع فى مشكلة كنت عارفة انى آخر اليوم هرجع الاقيه وأعيط فى حضنه لحد ما ارتاح ..انا مؤمنة بقضاء ربنا بس انا انسانة وموت بابا كسرني ” 
مد ابهاميه ليمسح دموعها ويحتوى وجهها بين كفيه قائلا :
” وأنا روحت فين ...كلنا روحنا فين ...انا جنبك ايلينا ومش هسيبك ابدا ” 
وأخفض رأسه وهو يحفز نفسه بقوة ، هيا خذها بين ذراعيك الان واخبرها بالحقيقة وكفى مراوغه أخبرها انك تحبها كما لم تحب أنثى من قبل ،تحبها !!!!...أجل أنت تحبها وهذا هو أدق مسمى لكل ما مررت به معها معها تألمت...
معها شعرت بالغيرة 
معها عشت كل المتناقضات 
معها ....
عرفت الحب لأول مرة 
أنت ...أنت تحبها يا يوسف 
تلك المخلوقة ..
تلك الأنثى ..
ليست أي أنثى ...
انها التي نبض خافقك بحبها 
أنت ...تحبها ...تحبها ...تحبها   
وهي تستحق ..لن تخذلك.. 
 هيا كن شجاعا وواجه مشاعرك ...
خذ بيدها الى جنتك وعلمها العشق بمبادئك انت 
 رفع رأسه من جديد وحين هم أن ينطق سمع صوت جلبة فى الخارج ، فنظر اليها فى استفهام لتهز رأسها فى حيرة وهي تخرج معه لترى ماذا هناك ، وحين خرجت تفاجئت بفؤاد ابن عمها وهو يقول فى سخرية
 ” الله الله يا ست هانم ..خارج من أوضة نومك كمان ..ابوكي مات من هنا وانتى قلبتهالى مفروش !!!!“ 
ألجمتها الصدمة عن الرد وهي تسمع كلمات ابن عمها  الجارحة والحقيرة ...مشاعرها قد استنزفها الحزن طيلة الأيام الماضية فلم يستطع الغضب أن يؤثر بها كما ينبغي ...
بينما يوسف رده كان أسرع ليصبح التعارف الأول بينه وبين فؤاد  لكمة قوية في فكه كادت أن تطيح بأسنانه والأول يهتف به في غضب :
” اخرس يا حيوان أنت...اللى قدامك دي تبقى مراتي وممكن أدفنك بالحيا لو زودت كلمة واحدة” 
تراجع فؤاد من ألم اللكمة ووضع يده عليها يتحسسها قائلا فى وقاحة :
 ” اتجوزتيه يا ايلينا ؟؟؟....اتجوزتي وانتى عارفة انى بحبك وعاوزك ...ماشي مسيرك فى يوم تكونى ليا وبكرة تشوفي” 
لم يحتمل يوسف نظراته ولا كلماته لها أكثر فعاد يكيل له اللكمات الموجعة مجددا ولولا تدخل زين لفقد الرجل حياته على يدي يوسف الذي يفوقه فى البنيان والقوة ،تابعت ايلينا مايحدث  في هلع وتحررت من صدمتها سريعا وهي تصرخ بيوسف أن يتوقف حتى لا يفتك به .. بينما تابعت صوفيا  ما يحدث بتلذذ غريب فقد رأت بعينيها ان يوسف يغار على ايلينا بجنون يشي ببساطة عن حجم ما يحمله لها  من مشاعر ...والأحمق مثلها تماما ينكر كل شىء ..
 تنهد يوسف مغمضا عينيه للحظات حين سمع صرخات ايلينا  لتنحرف قبضته الى تلابيب  فؤاد  ويوقفه أمامه هاتفا في تهديد لا يقبل المزح تماما  :
” لو فكرت بس تعدي من شارع هيا بتعدي منه قسما بالله ما اخلي الدبان الأزرق يعرفلك طريق جرة ..واسأل عليا كويس هتعرف أن يوسف البدرى مبيهوش ”
وجره ليدفعه خارج المنزل ويصفق الباب خلفه فى عنف ..
التفت لينظر الى ايلينا  مجددا  ليلمح علامات الذعر لازالت تكسو ملامحها ..اقترب خطوة ليضمها اليه  فأوقفته نظرات صوفيا وزين المسلطة عليه في منتصف الطريق فلازال اعتقاده السخيف ان الحب ضعف لايجب اظهاره يلازمه ..تنهد طويلا قبل أن يبدل النظر بين الفتاتين ويقول فى حسم :
” كدة الموضوع زاد عن حده ...انتو هتيجو تعيشو معانا ايلينا ” 
همت ان تعترض فأوقفها  بكفه : 
” انتي وصوفيا وعلي هتقعدو فى الأوضتين اللي في الجنينة برة... دول دايما كنا بنستقبل فيهم الضيوف وميقلوش أبدا عن القصر فى حاجة ” 
هزت رأسها فى إرهاق وأخبرته بنبرة متعبة 
 ” لا يا يوسف أنا مش هقدر ا..“ 
قاطعها فى ضيق :
” بلاش تعاندي وخلاص لو كان الحيوان ده جه وانا مش موجود فكرتى ايه اللى ممكن يحصل ...يا ستي اعتبرى نفسك قاعدة فى فندق ” 
وقبل أن تعترض مجددا لحقتها صوفيا هذه المرة :
” معاك حق يوسف ابن عمها زودها أوي ..اتفضلو انتو دلوقتي وأنا وهي هنجهز كل حاجة وهنستنى علي يرجع من مدرسته ونكون جاهزين على آخر النهار ” 
نظرت لها ايلينا فى غيظ فرمقتها الأخرى فى رجاء حتى لا تعترض فنظر يوسف الى صوفيا بابتسامة ممتنة قائلا ” خلاص هسيبكو دلوقتي تجهزو نفسكو على ما أرجع تاني ” 
رمقته ايلينا وهو يخرج بابتسامتها الحزينة وقبل أن يلحق به زين نادته صوفيا :
” زين استنى ” 
نظر يوسف الى أخيه وإلى صوفيا طويلا  قبل أن يتنهد في عمق ليذهب ...رمقتهما ايلينا بدورها قبل أن تدخل الى غرفتها دون أن تعلق وحين سمعت صوفيا صوت اغلاقها للباب أخرجت ورقة مطوية من جيبها ودستها فى كفه وهي تهمس في نعومة :
” انت مفهمتش غلط ابدا يا زين ” 
فتح الورقة ليجد الصورة التى كان يبحث عنها فابتسم وهو يطالعها تخفض رأسها عابثة في سنابل ذهبها في خجل ...دس الورقة في جيب سترته وهو يهمس  
” شكرا يا صوفيا ..“ 
رفعت رأسها لتنظر له في حب لم يعد بوسعها اخفاءه ..فحجمه أكبر من أن يحتويه داخلها دون أن يظهر بوضوح في نبراتها ..
أنفاسها ...
نظراتها...
اهتمامها البريء به ..
لم يحتمل تلك النظرة أبدا وهو الغارق فى رياض عينيها حتى قمة رأسه ...تنهد محاولا الحفاظ على هدوئه وهو يتراجع قائلا :
” شكرا بجد ” 
هذه المرة لم يعرف هل يشكرها على نظرتها تلك ؟
 أم على جعله يعيش لحظات جنون لا تعوض وهو غارق في رقتها وبرائتها وجمالها ...
على النقيض في كل شىء تمناه فى زوجته...
هي أبعد ما يكون عن الصورة التى ظل يرسمها عقله لفتاة احلامه ...
استجاب الكيان بأسره لصورة أخرى ...صورة لحورية جميلة أشبه بحلم مر على الخاطر في لحظة حنين ثم مضى غير عابىء بمن زرع في قلوبهم الأمل بوصاله.. 
*****************************
وقفت سميرة فى شرفة غرفتها تتنفس في عمق ، لحظات وشعرت بخطوات محمود خلفها ، تأملها قليلا قبل أن  يتقدم ليستند بكوعيه الى سياج الشرفة وينظر الى اللاشىء قائلا :
” مالك يا سميرة ...بقالك فترة مش عاجباني ..من ساعة ايلينا ماجت ” 
نظرت له سميرة نافية بسرعة :
 ” معقول يا محمود مبقتش تفهمني ..أنا هتضايق من وجود ايلينا ..الله اعلم أنها بقت عندى زي ايتن ” وأضافت  في حنق وهى تعبث بخاتم من الذهب الأبيض فى خنصرها :
” بس المشكلة كلها في الخواجاية اللى معاها ” 
قطب محمود حاجبيه قائلا : 
 ” صوفيا ؟؟“ 
واصلت سميرة وهى تعض على شفتيها فى شرود :” مش عارفة هتفضل لازقلها كدة لحد امتى هيا ملهاش أهل ترجعلهم ” 
أجابها محمود في عجب فهو لم يعهدها تضيق بضيف مطلقا من قبل :
” ايه حكايتك يا سميرة دى ضيفة عندنا ...هنطردها يعنى ولا ايه ” 
زفرت سميرة فى ضيق لتوضح له : 
 ” بصراحة بقا وجودها مش مريحني ...نظرات ابنك زين طول الوقت ليها مش مطمناني ...مش عارفة جراله ايه الواد ده ...ده زين بالذات أعقل اخواته معقول يكون يفكر فى الخواجاية دي ” 
لوح محمود بكفه فى عدم اكتراث قائلا : 
” متهوليش الأمور اومال يا سميرة نظرات ايه وبتاع ايه بس ” 
ردت سميرة فى غيظ :
” خليك أنت مستهون بالموضوع كدة لحد ما تلاقيها ملت دماغه وييجى يقولك عايز أتجوزها ” 
ابتسم محمود كأنها تخبره بمزحة سخيفة وهو يجاملها مرغما بضحكته :
” ده أنت  خيالك واسع أوي ...مفتكرش أن زين يفكر فى واحدة زيها ” 
مالت اليه سميرة لتهمس فى قلق :
” البت حلوة ولونة يا محمود وابنك فى الأول وفي الاخر شاب ملوش أي تجارب ” 
قطب محمود حاجبيه وبدأ بالفعل يشاركها القلق..
 ولكن مارأه مسبقا يجعله يشك في ميل ولده  الى سمر...ثم ان صوفيا تلك تحمل كل ما يكرهه ولده من صفات فملابسها تبدو أكثر اثارة من ملابس سكرتيرته التي كان يرفض وجودها...
أضفى بعضا من الأمل على نبرته وقال في هدوء:
 ” صلى ع النبى كدة يا سميرة ..مفيش حاجة هتحصل ان شاء الله ” 
تنهدت وهى تغمض عينيها وتدعو الله ألا يتم هذا الأمر ابدا ، فهى أم وغريزتها تخبرها أن ولدها بالفعل قد تورط  بمشاعره مع تلك الشقراء ..
 نظراته الولهة التي لاتنفك تراقب كل شىء فيها  ابتسامته كالمراهق حين تدلف الى المكان ..
 كل شىء جد بولدها وأحواله التقطته بسهولة ..
 تعرف أن الفتاة من اصول مصرية ولكن أفعالها وثيابها لاتمت لمصريتها بصلة ..
 حتى الان لا تعرف من أى اصل انحدرت فلم ترى لها أهلا ولا عائلة .. لا يمكنها أن تثق فيها كزوجة لابنها وهى لاتعرف على اي أخلاق نمت فربما ربت أحفادها بنفس الطريقة ..
 هى لا تريد أن يصل بها الأمر ان تقف فى وجه ابنها وتحرمه سعادته ولكنها فى النهاية أم تتمنى السعادة لابنها من وجهة نظرها هي، وسعادته لاتراها مطلقا مع صوفيا فالاختلاف بينهما لن يخلق حياة مستقرة بأى شكل من الاشكال ...حبه الزائد لها سيكون نقطة ضعف ضده .
********************
ضغطت ايلينا بيدها على جنبها وهى تتأوه فى خفوت فالتفتت لها صوفيا قائلة فى قلق :
” ايلينا انتى كويسة ؟؟“ 
هزت ايلينا رأسها وأجابت في ارهاق :
” شوية بس وهبقا تمام ..المهم زى ما قولتلك امبارح جهزى نفسك عشان هنسافر ” 
رفعت حاجبيها تهمس فى دهشة : 
” هنسافر برضه ؟؟..“ 
اومأت برأسها تجيبها في حسم :
” ايوة ..بابا عدى على وفاته اهو شهرين مبقاش فيه سبب ولا حاجة نقعد عشانها ” 
اقتربت منها صوفيا وتمعنت فى عينيها قبل ان تسألها فجأة :
” ويوسف ؟؟“ 
أشاحت ايلينا بعينيها عن عينى صديقتها تحاول أن تخبرها بثبات :
” انا ويوسف هننفصل صوفيا ...كفاية بقى لحد كدة ” 
ادارات صوفيا وجه ايلينا اليها قائلة :
” انتى بتهربى ايلينا ..بتهربى منه ومن مشاعرك ناحيته ؟؟“ 
لم ترد ايلينا وجلست على مقعد جلدى مريح والقت برأسها الى ظهره فى انهاك فواصلت صوفيا :
” انتى بتحبيه يا ايلينا ...كفاية بقا تنكرى ” 
اعتدلت ايلينا وهتفت فى ألم كأنها تعترف بتهمة وتلقي عن كاهلها حمل عبئها :
” ايوة بحبه يا صوفيا ارتحتي ...مش هقدر يكون قدامى فى أي مكان وانا عارفة انه مبيحبينيش ..المشاعر اللى جوايا مش هقبل قصادها شوية  شفقة او عطف او شهامة ..مش انا اللى هقبل دور الواحدة اللى تفنى حياتها فى حب واحد وهوا مش حاسس بيها وتقول كفاية انى بحبه وجنبه ..“
ركعت صوفيا على ركبتيها امامها لتقول في حنان :
 ” ومين قال كدة ؟؟؟..انا متأكدة ان يوسف بيحبك ” 
ابتسمت ايلينا فى ألم ساخر وهي تنفي بلهجة قاطعة 
 ” لا يا صوفيا من الأول وهو رافض وجودى ولولا بابا كان هوا اللى أنهى كل حاجة بنفسه ..أنا خلاص قررت هنسافر السبت الجاى جهزي نفسك ” 
نهضت صوفيا فى بطء وهي تخبرها في حسم :
 ” بس انا مش عايزة اسافر ” 
نهضت ايلينا لتواجهها فى دهشة قائلة :
” مش عايزة ايه ؟؟وده من ايه ان شاء الله ؟؟؟..ده انا فضلت اتحايل عليكى شهور عشان تيجى ” 
أعطتها صوفيا ظهرها للحظات وهى تعبث فى خصلاتها وعادت تلتفت لها بنبرة حاولت احكام ارادتها حولها : 
” بصى يا ايلينا انا مش بحب اللف ولا الدوران انا صريحة مع نفسى ...أنا بحب زين ” 
اتسعت عينا ايلينا فى ذهول وتلعثمت قائلة :
” بت ايه ؟؟؟؟“ 
واصلت صوفيا فى خجل وهي تشيح بوجهها :
 ” ايوة بحبه ومتأكدة من مشاعري جدا ومش هسيب البلد دى وموضوعى متعلق معاه كدة ” 
أدارت ايلينا حدقتى عينيها فى تفكير قبل أن تبتسم وتقول في تردد : 
 ” بس يا صوفيا انتى وزين مختلفين جدا ..زين حد ملتزم وجد وانتي ”
 قاطعتها صوفيا وهى تشير بسبابتها :
” وانتى ويوسف عكس بعض ورغم كدة حبيتو بعض ” 
قالت ايلينا وهي تلوي فمها في سخرية
 ” حبينا بعض ” 
همست صوفيا من بين أسنانها في غيظ :
” ايوة حبيتو بعض انا متأكدة ان يوسف بيحبك ...زى ما انا متاكدة ان زين بيحبنى وانا هثبتلك وهتشوفى ..اما خليته يتنازل عن عنجهية الرجالة الشرقين ويقول ان الله حق مبقاش انا صوفيا ” 
ضحكت ايلينا قائلة في عبث :
” العربى بتاعك اتحسن كتير ” 
رفعت صوفيا حاجبها في تحد وقالت
” مش مصدقاني هاااا“ 
امسكت ايلينا بكتفيها وقالت فى حنان 
”الحياة مش بالسهولة دى صوفيا ...خلينا نرجع باريس على الأقل نطمن عليكي ” 
ابتسمت صوفيا وهى تربت على كفها قائلة 
” خايفة عليا اموت زى عمو محمود ...اطمنى ايلينا انا حالتى مستقرة ” 
مسحت ايلينا على شعرها قائلة : 
” بعد الشر عليكى يا حبيبتى ..انا مبقاش ليا غيرك خلاص ” 
احتضنتها صوفيا في حب وهي تتمتم : 
 ” ايلينا بطلى تخافى سيبك قلبك يفرح وبس ” 
وأفلتت نفسها من بين ذراعيها وهي تجمع شعرها برباط احتفظت به حول معصمها وقالت : 
 ” انا هروح اشم هوا فى الجنينة ”
اومأت ايلينا برأسها بينما أخذت صوفيا هاتفها من على المنضدة وهى تنظر له فى اهتمام قبل ان تفتح الباب لتتحرك الى  الحديقة ..
اخذت تنظر الى هاتفها فى انتظار مكالمتها الهامة وبينما هى على ذلك سمعت صوت آيتن وهى تتحدث فى هاتفها ، لم تقصد ان تتجسس عليها مطلقا ولكن ماسمعته جعلها تتسمر فى مكانها ولا تقوى على الحراك حتى أنهت الأخرى المكالمة فالتفتت لتجدها خلفها لتنتفض  فى ذعر ...
لحظات احتاجتها ايتن لتعود الى هدوئها ...ابتلعت ريقها قائلة فى حذر وهى تنظر الى وجه صوفيا تراقب انفعالاته وتبحث عن اجابة لسؤالها الذي طرحته مباشرة ” صوفيا انتى هنا من امتى ؟؟؟“  وسمعتى ايه بالظبط ؟؟؟“ 
حكت صوفيا جبهتها بيدها وقالت فى توتر :
” ايتن انا مكنش قصدى اسمعك انا كنت بتمشى و...“ قاطعتها ايتن وهى تشير بكفها :
 ” خلاص يا صوفيا عارفة انك ..“ 
وأضافت وهى تشيح بوجهها وتتنفس فى عمق : 
” أنا أصلا محتاجة حد اتكلم معاه واعتقد أن أكتر حد ممكن يفهمني هو انتي ” 
اقتربت منها صوفيا وامسكت بكفها فى ود قائلة:
 ” وانا هسمعك يا ايتن ” 
نظرت ايتن اليها مطولا قبل أن تهتف في شجاعة لا تعرف من أين اكتسبتها : 
” انا بحبه يا صوفيا ” 
اطرقت صوفيا الى العشب ودهسته بحذائها في قوة وقالت : 
” ده اللى سمعته بس حسام ”
هزت ايتن رأسها وأجابتها فى حزن :
 ” حسام يبقى ابن  عمى وبعزه... بس هما فرضوه عليا ومش قادرة حتى اتقبله ..عمرى ما تخيلت انى ارتبط بيه ..مفيهوش اى حاجة من صورة فارس الاحلام اللى فى دماغى ” 
هزت صوفيا كتفيها قائلة فى بساطة :
 ” ليه مقولتيلوش كدة ..كنتى ارفضيه يا ايتن ” 
ابتسمت ايتن فى سخرية وهي تنظر للفراغ أمامها
 ” بابا مادام قرر يبقى لازم ننفذ ..حسام مبيقدرش يكسر لبابا كلمة حتى لو انا قلتلته انى انا مش عايزاه ” 
تراجعت صوفيا وهي تستنكر منطقها فتركت يدها وقالت في وضوح :
” بس حسام مش بيتجوزك عشان باباكى ..حسام بيحبك فعلا ..انا لاحظت ده من نظراته وطريقة معاملته ليكى ” 
جعدت ايتن وجهها فى ضجر:
 ” يووووووه انتى هتتكلمى زيهم ” 
بسطت صوفيا كفيها امامها قائلة :
 ” طب خلاص ...بالنسبة للتاني انتى متأكدة انه بيحبك فعلا ” 
ردت  ايتن في سرعة حاسمة :
” طبعا بيحبنى هوا قالى واعترفلى بده ” 
ضحكت صوفيا للحظات قبل أن تقول :
 ” ومن امتى الحب بقا بالكلام يا ايتن ” 
قطبت ايتن حاجبيها في حيرة وسألتها :
 ” قصدك ايه ” 
مطت صوفيا شفتيها قائلة :
” قصدى انه مادام بيحبك فعلا ليه مجاش يتكلم مع باباكى ..ليه سابك تتخطبى لحسام ” 
ردت ايتن وهى تلوح بيديها فى تلعثم : 
” هوا ظروفه مش مناسبة دلوقتى ” 
مررت صوفيا يدها في شعرها لتتجاوز حنقها من تلك الايتن البلهاء وقالت :
” وهتبقى مناسبة امتى ؟؟؟...لما تتجوزى حسام ...ايتن اللى بيحصل ده غلط فى حق حسام وحق نفسك قبله ..حسام بيحبك وميستاهلش منك الخيانة ابدا ” 
تراجعت ايتن من هول الكلمة واحمرت عيناها غضبا وهتفت فى حنق واستنكار :
 ” خيانة ؟؟....صوفيا حاسبى على كلامك ..انا مخونتش حد ...هما اجبرونى وانا عمرى ما هكمل فى التمثيليه السخيفة دى ومش هتجوز واحد وانا قلبى مع غيره ”  وانسحبت من امام صوفيا فى غضب وقبل ان تغادر التفتت لها لتضيف :
 ” ودى اخر مرة صوفيا تتدخلى فى حاجة متخصكيش ..انتى فى البيت ده مجرد ضيفة يا ريت متنسيش ده ” 
احتقن وجه صوفيا فى حرج وندمت على انها تدخلت فى الأمر من الاساس ، ايتن فى النهاية ليست طفلة ، هى فى التاسعة عشر من العمر وتعرف جيدا كيف تتصرف ولكنها فى النهاية شقيقة زين ، رفض عقلها ان تراها فى دائرة الخظر دون ان تتدخل... ولكن ماذا بيدها لتفعل اكثر مما فعلت ، فجأة رن جرس هاتفها فطالعته بابتسامة وهى تنظر تجاه بوابه الحديقة لتراه يضع هاتفه على اذنه وهو يتحدث مع حارس المنزل الذى يبدو انه يعارض دخوله ..اقتربت قليلا وهى تقول للحارس :
 ” سيبه يا عم عطية ده جاى عشانا ” 
تركه الحارس يدلف الى المكان فهتف فى سعادة وهو يقترب منها :
” صوفيا ” 
ابتسمت وهى تنظر الى ذلك الشاب طويل القامة عريض المنكبين قائلة : 
” حمدلله ع السلامة ريان ” 
اقترب منها وضمها فأحاطت جذعه بذراعيها ليربت على ظهرها فى حنان ، وفى اللحظة التى رفعت فيها رأسها تفاجأت بزين يقف خلفهما ونظرة ذهول.. استياء... غضب بل بركان ثائر يصعب اخماده يشتعل ويشتعل وهو يكور قبضتيه كأنه يحاول الايفرغ لكماته فى فكيهما معا ، تنفس فى عمق ليحاول ان يهدأ ... شعرت بكل انفعالاته فأرادت استغلال الفرصة أكثر حين اقترب وهو يحاول أن يرسم ابتسامة على ثغره قائلا
 ” مش تعرفينا ” 
قالت صوفيا وهي تمسك بذراعه :
 ” اه معلش ده ريان ” 
وأشارت اليه قائلة : 
” وده زين ”
 انتظر للحظات علها تضيف أي شىء عن العلاقة التى تعطه الحق ليضمها على هذا النحو فلم تفعل ولم يلحظ يد ريان الممدودة له الا حين تنحنح الثاني فى حرج فلامس زين كفه بسرعة وهو ينسحب مانعا نفسه من ارتكاب جريمة ودفنهما أحياء فى ثرى الحديقة . 
راقبته بابتسامة واسعة وهو يرحل بخطوته المتوترة الساخطة ، وأخيرا قد رأت الغيرة فى عينيه ..
 انتبهت على صوت ريان يسألها في اهتمام :
 ” ها صوفيا ....فين ايلينا ؟؟؟“ 
تنهدت طويلا قبل أن تخبره في حذر :
” هتشوفها ريان بس بلاش مشاكل من فضلك ..أنت وعدتني هتتكلم معاها وبس ” 
 وفى شرفته وقف يتابع ما يحدث وغضبه قد وصل الى درجة يصعب السيطرة عليها ، أخذ يدق على سياج الشرفة بقبضته وتمنى لو جذبها من شعرها الأشقر هذا وصفعها بقوة ..
كيف تجرؤ على ان تلقى بنفسها بين ذراعي رجل بهذه البساطة ، كيف لاتقيم له أي وزن او اعتبار ، مرر يده فى شعره وهو يجذب خصلاته بعنف ويفكر كم رجل سمحت له ان يقترب منها بهذه الطريقة...
تمادى عقله الى ماهو أبعد وأبعد وهو يتخيلها تتناقل من حضن رجل الى غيره ...
أفرغ غضبه فى كتبه المتراصة بنظام على مكتبه ..
تصبب عرقا وهو يتخيل ريان هذا الآن يلمسها... يقبلها أو حتى ينظر لها ...
 هذه الحورية حقه وحده ...جنتها حكرا عليه فقط ولو فكرت في أن تدخل غيره اليها فسيحيلها الى جحيم يحرق العالم بمن فيه . . 
...........
كانت تحاول مقاومة  ألمها في يأس حين دلفت صوفيا الى غرفتها واخبرتها بوجود ضيف يرغب فى مقابلتها ، نهضت فى تعب وارتدت حجابها لتخرج وتصعق بريان أمامها ، بدلت النظر بينه وبين صوفيا وهتفت فى غضب ” انت اللى ادتيلو العنوان صح ؟؟“  
تنحنحت صوفيا وهى تعبث فى خصيلات شعرها كعادتها ان توترت  لتتهرب من الاجابة  فرد ريان نيابة عنها 
” البقية فى حياتك ايلينا ” 
زمرت ايلينا شفتيها قائلة في ضيق واضح : 
” ريان اتفضل من هنا دلوقتى ...انا مش عارفة اذا كانت صوفيا قالتلك ولا لا انى حاليا متجوزة ” 
اقترب منها  هامسا فى حزن :
” ايوة ايلينا ..ليه استعجلتى  ومدتنيش فرصة انتى عارفة كويس قد ايه ب..“ 
قاطعته ايلينا فى شراسة : 
” بلاش الكلام ده ..احنا انتهينا خلاص ومن زمان وميصحش وجودك هنا دلوقتى ..يا ريت تتفضل ” 
تردد للحظات ولكن في النهاية طرح سؤاله :
 ” بتحبيه يا ايلينا ؟؟“ 
ردت وهى تمسك بجنبها الذى اصبح المه لايحتمل
 ” حاجة متخصكش ولا ليك الحق انك تسأل عنها ..ااااااه ” 
تأوهت هذه المرة فى ألم وهى تغمض عينيها تكاد تعتصرها 
وتضغط على شفتيها بقوة تكاد تدميها 
 ومالت للأمام  تكاد  تسقط ارضا
اقتربت صوفيا بسرعة وركعت أرضا أمامها وهى تهتف  فى هلع :
” ايلينا مالك ؟؟“ 
ردت  وهى تحيط بطنها بكفيها في ألم واضح :
” مش قادرة صوفيا ...بطني ااااااه ” 
هتفت صوفيا بريان الذى ركع أرضا بدوره : 
” هو انت مش دكتور ..متعمل حاجة يا ريان ” 
اقترب ليفحصها فابعدت يده عنها فى عنف ليهتف مسرعا :
 ” لازم تروح المستشفى.. اكيد موضوع الحصوة رجعت تتكون تانى لازم نعملها سونار...عارفة اقرب مستشفى هنا ؟؟“ 
هزت صوفيا رأسها قائلة : 
” هخلى زين يودينا ” 
لم تستطع ايلينا من الألم ان تقاومه وهو يحملها بين ذراعيه فجأة و يهتف : 
” بسرعة يا صوفيا اندهيه ” 
خرجت صوفيا بسرعة وتبعها ريان الى الحديقة وقبل أن تخرج هاتفها لتتحدث الى زين تفاجئت بيوسف أمامهم ، يوسف البدرى يرى ايلينا ورجل غيره يحملها بين ذراعيه ، مارأته صوفيا فى عيني زين لم يكن شيئا مطلقا أمام الحمم البركانية والأعاصير وكل الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية فى عيني يوسف ،تراجعت وهى تشعر أن الأمر انقلب تماما ولن يقتصر على غيرة تعمدت تحريكها فى نفسه ، لن يعطها يوسف وجه الحب الذي أرادت بل أحيانا يكون القتل من وجوه الحب...فمن الحب ماقتل .
أخذ يقطع ممر المشفى جيئة وذهابا وهو يضرب كفه في قبضته بتوتر بالغ ..
تابعته صوفيا وهو على هذه الحال ولم يعد لديها أدنى شك أنه يعشق ايلينا وأن صديقتها بعنادها فى طريقها لخسارة حب عمرها ولاحقا ستندم فى وقت لن يكن للندم فيه أدنى فائدة ...
ابتسمت لنجاح خطتها التي استغلت فيها ريان حين استدعته وأخبرته بمكان ايلينا التي طالما ألح عليها لتخبره به ، استخدمته كوخزة بسيطة ولم تكن تعرف أنها كافية للغاية لجعل يوسف يصرخ غيرة  ..
 غيرة  كادت أن تحرق القصر بمن فيه وهو يراها بين ذراعي ريان يحملها ولولا أنها أخبرته بالأمر بسرعة ولولا مرض ايلينا وتأوهها لارتكب جريمة ...
تذكرت كيف اختطفها من ذراعي ريان في عنف وتقريبا طرده من المكان مع نظرة نارية محذرة من مجرد الاقتراب من جديد ...
 تذكرت كيف تلاشى كل هذا الغضب فى لحظة وهو ينظر الى ايلينا التى تتلوى فى ألم ليحتل القلق كل ذرة من كيانه وهو يحملها ويصرخ بكل من فى المشفى باحثا عن طبيب ...
تذكرت كيف وضعها على سرير الفحص وهى غائبة بألمها عن الوعى تقريبا وكيف قبل أناملها فى رقة بالغة وهو يمسح على رأسها ليطبع على جبينها قبلة أكثر رقة ويهمس فى قلق :
” هتبقى كويسة يا حبيبتي ان شاء الله ” 
نعم سمعته يناديها حبيبتي ، خرجت منه دون وعي أو ترتيب ، خرجت من رجل يرى حبيبته تتألم فلم يعد لحسابات العقل والمنطق أي وجود حينها.
تأملت الجميع الذين أتو مهرولين خلفهم باحثة عن لقاء يجمعها بنظرات زين مجددا بعد لقاء قصير غاضب زهد بعده عن النظر اليها تماما ..
 هي تعرف جيدا ما يفكر به وستشرح له كل شىء فى وقته ...
فقدت الأمل في التفاته لها  فانتقلت بنظراتها الى ايتن التي كانت  تعبث فى هاتفها كالعادة وكأنها تراسل شخصا ما  بينما يتابعها حسام من بعيد ...كعادته لا يرى فى الوجود غيرها فى أي مكان تكون فيه أيا كانت الظروف ...مسكين هذا الشاب أي قدر تعس ألقى بحبه الى مصير مظلم كمصيره مع أيتن ..
نظرت مجددا الى يوسف لتبتسم وهي تنهض  لتضع لمساتها الأخيرة الى خطتها ...
وقفت أمامه وتظاهرت بالاحباط قائلة :
”أنا قلقانة اوى يا يوسف ...كدة مش هنقدر نسافر ” 
نظر لها في اهتمام وسألها في ترقب :
 " تسافرو ..مين اللى هيسافر ؟؟“ 
ردت وهى تمنع ابتسامتها من بلوغ شفتيها على  مظهره المتوتر :
 ” انا وايليناوعلي ..هيا كانت هتقولك بس للأسف تعبت ” 
أشاح بوجهه للحظات عاد بعدها يسألها مجددا في حذر 
 ” زيارة سريعة وراجعين يعنى ” 
هزت رأسها نافية في قوة أرادت بها التلاعب بأعصابه :
  ” لا مسافرين على طول ..راجعين باريس تانى ” 
رفع حاجبيه في دهشة واختطف نظرة سريعة  الى حجرة الكشف حيث ترقد ايلينا قبل أن يتحرك حاجبيه  لينعقدا في غضب :
” ازاي بقا ان شاء الله ..الهانم ناسية أنها متجوزة ” 
تنحنحت صوفيا متظاهرة بالارتباك :
 ” قالتلي انكو هتنفصلو ” 
مال اليها في دهشة وتمتم متسائلا  في تلعثم :
 ” ننفصل ؟؟“ 
ازدرد لعابه بصعوبة وصدى الكلمة يتردد في داخله...لم يكن يعلم أنها ستكون  مفزعة الى هذا الحد ...انفصال!! ...فراق بلاعودة!!! ...كل المرادفات مرهقة بألم يتذوقه لأول مرة ...تمالك نفسه وأحكم على نبرته المتلعثمة بأقوى تماسك امتلكه ليخبرها في حزم :
 ”مفيش انفصال ولا سفر ولا كلام فارغ من ده كله ” 
ابتسمت  وهي تعقد ذراعيها  وقد قررت أن تسلك معه الطريق المستقيم دون أي مرواغة فقد حصلت على ماتريد وأكثر ..قلقه وارتباكه اجابة أكثر من نموذجية ..لم تعد بعدها بحاجة الى أي تعبير ينفي أو يثبت 
” انت مش عايز تطلقها يا يوسف ..مش عايزها تسافر" وأضافت وهي تميل اليه :
” بتحبها يا يوسف ” 
اتسعت عيناه في دهشة من جرأتها ..أذهله أكثر قدرة فتاة في مثل عمرها الصغير على مواجهته ليقف أمامها كطفل نسي أداء واجبه الدراسي ويبحث عن حجة يسقها لمعلمه ..لم يجد سبيلا للفرار سوى أن أعطاها ظهره حتى لا تلحظ انفعاله الواضح ...
وقفت أمامه مجددا  حتى لا تعطه فرصة للهروب وقالت
 ” ليه عمرك ما حسستها بده ...ليه مورتهاش أن وجودها فارق معاك ..ايلينا قررت تسافر وتبعد عشان مستحملتش أنها تكمل معاك فى جوازة حاسة أنها بتفرضها عليك عشان شفقة أو شهامة منك ” 
أطرق أرضا لتستطرد بعد أن تنهدت في عمق
” ايلينا بتحبك يا يوسف ” 
رفع رأسه اليها واتسعت عيناه حتى كادت أهدابه تلامس مقدمة شعره ...
تفتحت كل حواسه وكأنه يطلب منها أن تؤكد له مرارا وتكرارا ما قالته وتعيده على مسامعه ما استطاعت  فواصلت في جدية تبدو غريبة على انطباع الجميع عنها
 ” اللى بيحب حد مش بيقبل منه مشاعر أقل من مشاعره ...هيا مش قادرة تستحمل احساسها انك مبتحبهاش ...من الأول يا يوسف وانت بتحاربها ...من الاول وأنت محسسها أنها مفروضة عليك ..استحملت فى الأول ..بس بعد ما حبتك مبقاش ينفع ” 
لاذ بالصمت وتستر بالسكون عله يعيد ترتيب أفكاره مجددا بعد أن أصبح لديه الدليل أنها أيضا تحبه  
تراجعت صوفيا خطوتين  قائلة :
” انا كدة عملت اللى عليا ” 
وأشارت الى باب الغرفة برأسها لتردف :
 ” ايلينا جوة يا يوسف لو عايزها اتمسك بيها ولو مجرد شفقة أو شهامة منك يبقى تسيبها تمشي ...ايلينا أقوى بكتير من أنها تكون محتاجة لحد ” 
وتركته ينظر الى الباب حيث أشارت وهو يبتلع غصة مؤلمة فى حلقه ..تحبه !!! ...
ترحل !!! ...
الى أين !!!، هل أصبحت حياته تحتمل من دونها ؟؟
لم يعد هناك مجال للشك أبدا ...هي أصبحت جزء من حياته بل من روحه وكيانه ، استقرت مشاعره أخيرا وتوقف عن المقاومة وظهرت كل الحقائق المبهمة أمامه... هو يحبها بل تجاوز الحب بمراحل الى مشاعر عاجز ان يجد لها مسما يليق بها ..
 مشاعر كادت أن تجعله يفتك برجل دون حتى أن يسمع منه لمجرد رؤيته يحملها ...بل يكاد أن يفتك بأخيه حين يشعر براحتها بالحديث معه وهو يعلم علم اليقين ان لاشىء من الممكن أن يجمعهما ، هو يشعر أنها له فقط ليس من حق أي كائن حى ان ينظر حتى الى ملامح وجهها ..هو يحبها ويريدها ولا يريد أن تفرق بينهما من الان لحظة واحدة ، يريد ان يأخذها الى صدره من الان فصاعدا بل أن يحبسها بداخله تحت ضلوعه فلا تملك حق الفرار منه ابدا ..
*************************************
فتحت عينيها فى تعب فقد نامت بعد أن تم حقنها بالعديد من المهدئات عبر هذا المحلول الذى يتسرب الى وريدها ، معاناتها مع المغص الكلوي لم تنتهى بعد فقد اخبرها الطبيب اثناء فحصه لها بالسونار ان هناك حصوة جديدة فى طريقها للتكون بعد أن انتهت مؤخرا من تفتيت حصوة قديمة ، تحسست جانبها فى تعب وهمت لتنهض فتفاجئت بأنامل تلامس يدها وتساعدها على الجلوس ، كتمت شهقتها وهي تشعر بيده تلامس ظهرها لتساعدها على الاعتدال ،أبعدت يدها عن يده فى توتر وهو يقترب منها قائلا فى حنان :
“ حمد لله ع السلامة ” 
اومأت برأسها  تتمتم في ارتباك جلي :
” الله يسلمك ” 
جلس  على كرسى قريب منها يسألها في اهتمام :
 ” بقيتي أحسن دلوقتى ؟؟“ 
ردت دون أن تنظر الى عينيه 
” الحمد لله ” 
تأملها للحظات قبل أن يميل اليها يسألها في عتاب
 ” ايه الكلام اللى صوفيا بتقوله ده ..انتى فعلا عاوزة تسافرى ؟؟“
تنهدت فى حزن تجيبه بما يؤلمها البوح به :
 ” ايوة ..مبقاش فيه حاجة أفضل عشانها ..بابا وخلاص راح ” 
ربت على كفها قائلا في رفق : 
” وأنا يا ايلينا ” 
سحبت كفها من تحت يده تتجنب تأثيره المرهق على مشاعرها :
” احنا اتفقنا على الانفصال يا يوسف وانت بنفسك اللى طلبت ده ..بلاش نضحك على بعض ..لولا تعب بابا مكنش زمانك رجعت فى قراراك ” 
عاد  يحتوى كفها بين كفيه ويضغطهما بقوة لينفي ما قالته بسؤال حمل من ذعره لفقدانها الكثير :
” انتى بجد عاوزة تسافرى وتسيبيني ؟؟؟“ 
لم تحاول أن تحرر كفها من يده هذه المرة ...قوة غريبة منعتها...قوة ناعمة دافئة تشعر بها تحت أنامله قوةسمحت لضعفها  أن يظهر أمامه وهي تترك لدمعة فرصة في أن تسيل على وجنتها قائلة : 
” يوسف لو سمحت ” 
رفع  ذقنها بسبابته ومسح دمعتها بابهامه  بينما ظل محتفظا بكفها في يده الأخرى قائلا :
 ” انا آسف يا ايلينا آسف على كل حاجة قولتها وكل حاجة كان المفروض أقولها ومقولتهاش ..آسف على كل مرة جرحتك فيها وحاولت أبعدك ..أنا محتاجلك يا ايلينا أرجوكى متبعديش عنى ” 
رفعت نظرها اليه بعينين دامعتين كأنها تتبين صدقه فواصل في رقة :
 ” بابا حكالي على كل حاجة ..حكالي اد ايه انتى استحملتينى وليه عملتى ده كله عشاني” 
نهض من مكانه وأفلت كفها لينظر الى الأعلى قائلا وكأنه يعلن اعتراف : 
” ايلينا أنا فعلا اتغيرت ..انتي غيرتيني ..بلاش تسيبي ايدي في نص الطريق ..كمليه معايا للآخر أرجوكي ..مش عاوز أتوه تاني من غيرك ” 
تنهد مطولا وهو يتأملها مجددا ليقول في حنان :
” خدي وقتك وفكري المرة دي مفيش حد هيبقا مرغم على حاجة ..أنا بختارك ..بختار وجودك وقربك وعاوزك انتي كمان تختارينى بعقلك وقناعتك مش عاوزك تضغطي على نفسك ابدا ..خدي وقتك أنا هستناكي ” واقترب ليقبل أناملها فى حب واضح قبل أن يذهب ليجلس على أريكة جلدية فى احدى زوايا الغرفة وهو يخلع سترته قائلا :
 ” الدكتور قال محتاجة تبقي تحت الملاحظة لبكرة الصبح ..فاستحملي وجودي معلش ..تصبحي على كل حاجة جميلة ” 
وقبل ان ترد كان قد أغمض عينيه كأنه يفرض واقع وجوده عليها غير عابىء برفضها اياه من عدمه ...
 شبح ابتسامة لاح على ثغرها وهي تفكر في كل ما أخبرها بها ولكن بعضا من الغيظ شاب سعادتها بشوائبه المقيته ليعكر صفوها فأهم شىء لم يخبرها به، لم يخبرها ان كان يحبها أم مجرد احتياج فقط ، لقد قرأت حبه فى عينيه ولكنها كأي انثى تريد أن تسمع وتسمع ما يكفيها من كلمات العشق بكل لغات ومفردات العالم ، تريد ان تشعر بلمعان عينيه وارتجاف شفتيه وهو ينطقها ..تتمنى أن تعرف كيف سيستقبل قلبها اعترافه ..هل سيستقبله بدقات مماثلة لتلك الدقات التي تشعر بها دوما حين تراه ..أم أنه سينبض بطريقة أخرى تعبر عن سعادته وهيامه ، لاتريد ان تسلمه حياتها من قبل ان تسمعها صريحة وهي بالطبع لن تتسولها منه ولن تكون هى البادئة الا بعد أن ينطق هو أولا فلن تحتمل ذرة شك واحدة في مشاعره نحوها وقد أدرك هذا بالفعل بمجرد أن اغمض عينيه متظاهرا بالنوم ..شعر بالحنق على ذاته وأخذ يردد فى نفسه
 ” غبي ” 
لماذا لم يخبرها بأهم مافي الأمر ، لماذا ضن عليها بتلك الكلمة ؟؟ .. هؤلاء النساء لايعترفن الا بسواها ، عقلهن يلغي أي جملة لاتحتويها تلك الكلمة ، لماذا بخل عليها بها... أليست هذه الحقيقة؟؟...
ألم يحبها وكانت هي أول انثى يدق قلبه لها بعنف... ألم يكد ان يقتل هذا الشاب الذى كان يحملها و...، فتح عينيه من جديد ونظر لها وبيد انها انتفضت من حركته المفاجئة فوضعت يدها على صدرها وهو يسألها مباشرة :
 ” ايلينا ..ليه مكلمتنيش عن ريان ؟؟؟“ 
*****************************************************
وفي الخارج نظر محمود الى سميرة التى جلست الى جواره قائلا 
” صوفيا اتأخرت اوى تحت يا سميرة ” 
 نظرت الى ولدها زين الذى بدا عليه التوتر بدوره وقالت وهى تلوي فمها فى انزعاج :
 ” محدش قالها تنزل تجيب أكل لوحدها ...قال ايه عايزة تتمشى انسانة غريبة ” 
نهض محمود قائلا في ضيق :
 ” البنت ضيفة عندنا يا سميرة لو جرالها حاجة نقول لايلينا ايه بس ..أنا ابتديت اقلق البنت غريبة عن البلد ممكن أي حد يضحك عليها ” 
شعرت بالحنق أكثر وهي تتابع ولدها ينظر الى مدخل المشفى شاردا وهو يقضم أظافره كعادته منذ الصغر ان توتر ،  قلقه عليها  كان واضحا وشعرت معه  بخطورة تلك الصوفيا التى يزداد تعلقه بها يوما عن الأخر ...ودت لو امتلكت من الجرأة ما يكفى لتتحدث الى ايلينا بأمرها 
 تنهد  محمود ونادى ابنه الذى انتبه من شروده قائلا في أدب :
” نعم يا بابا ” 
اقترب محمود مربتا على كتفه وهو يخبره :
” صوفيا نزلت وقالت أنها هتجيب حاجات من السوبر ماركت ومش معقول ده كله تكون مخلصتش ...أنا خايف يكون جرالها حاجة انزل شوفها يابنى ” 
حنق زين وغضبه عليها ومنها ومن تصرفاتها الحمقاء لم يستطع أن يخفيه وهو يهمس من بين أسنانه :
 ” يعنى حد كان قالها تنزل ” 
قطب محمود جبينه في ضجر
” زين انا مفياش حيل اناهد انزل شوفها ” 
ولم يكن زين بحاجة الى أمر أبيه ليفعل كان سيتحرك دون أن يطلب منه ذلك فهو رغم غيظه وحنقه منها الا أن قلقه عليها يزداد وهو يتخيل تعرضها لأي خطر فهي فى النهاية وقبل أي شىء حبيبته ... لم يعد له حيلة فى الخروج من دوامة مشاعره نحوها فقد فقد السيطرة تماما وخرج الأمر برمته عن قوة أي ارادة لديه ، يكره شعور القلق الذى ينتابه وهو يتخيلها لاتعبأ به تماما يتمنى لو تمكن من رقبتها فخنقها بيده كما خنقته وأوقفت انفاسه وهى بين ذراعي هذا الشاب صباحا ، ذهب الى المتجر القريب وتفاجىء بما لم يكن فى الحسبان...
 هذه الفتاة ستفقده عقله وتوازنه لاريب في ذلك ، رآها تهبط من سيارة ليهبط قائدها ويصافحها فى ود قبل أن يذهب وهي تلوح له، هنا بلغ غضبه وغيرته درجة لاجيمكن احتمالها أو حبسها أبدا، هل كاد يموت قلقا بينما هي تقضي وقتا مع آخر لاتعرفه حتى ؟؟، هل كانت بتلك الوقاحة وهو لا يعرف ، انطلق تجاهها كصاروخ يعرف هدفه جيدا لينفجر بها وما ان لمحته حتى ابتسمت قائلة : 
” زين انا ” 
لم يمهلها فرصة لتنطق اذ أطبق على ذراعها فى قسوة وهو يهتف غاضبا :
 ” انت ايه بالظبط ؟؟؟...انتى ايه ؟؟؟...انتى ازاى مقرفة كدة ؟؟؟...“
 فغرت فاها وشهقت فى صدمة وهى لاتعرف عما يتحدث وبما يعنى بوصفها بهذا اللفظ فواصل وهو يضغط على ذراعها اكثر :
” الصبح ألاقيكي في حضن واحد ودلوقتي نازلة من عربية واحد تاني ...كنتي بتعملي ايه معاه ؟؟...ميفرقش معاكي المهم أي واحد وخلاص ...طبعا ماهو أصلا محدش عرف يربيكي ولا يعلمك الأدب ” 
سالت دموعها فجأة ودون مقدمات ..سالت بغزارة وهي تحملق به و تسمع كلماته اللاذعة التى آلمتها لانها خرجت منه هو بالذات...
لمح بعينيها نظرة قهر وانكسار وهى تحاول ان تفلت ذراعها من قبضته القوية فأرخى يده لتقول فى الم وبصوت متقطع :
” ريان يبقى عمي على فكرة ...ولما كنت فى السوبر ماركت في ست اغمي عليها وأنا طلبت الاسعاف وروحت معاها المستشفى عشان ست كبيرة ومعهاش حد ولما ابنها جه أصر أنه يوصلني عشان أنا مكنتش أعرف أرجع لوحدي ”
 واضافت وهى تنظر له فى خيبة أمل ولوم 
” فى أي اتهامات أو تجريح تانى ” 
تنهد فى عمق وهو يترك ذراعها ويطرق برأسه أرضا .. ماالذي فعله ؟؟؟، مالذي تفوه به ؟؟
 لماذا لم يسألها فحسب... لماذا فقد تعقله ووضعها في قفص اتهامات نسج خياله وحده قضبانها من شكوك ليس لها أساس ، لحظة غيرة أفقدته كل عقله ، أفاق على حركتها وهي تنسحب من امامه فحاول ان يوقفها قائلا 
” صوفيا أرجوكي استني” 
نظرت له في انكسار وكأنها تخبره أن أملها خاب فيه ، لم يكن أمامه سوى أن يتركها ريثما يرتب افكاره هو الآخر ويعرف كيف سيصلح ماأفسده...
ليعرف كيف سينتقي حبه من كلمات ما يمكنه أن يمحو ما انتقاه غضبه وغيرته من أكثرها قسوة ..
استرجع ما تفوه به من جديد ومعه عادت نظرتها الكسيرة تحاصره فهتف في أعماقه في حزن 
"غبي يا زين ...غبي "
***************************************************
وضعت ايلينا علبة الدواء الخاصة بها في نظام على المنضدة بعد أن تناولت جرعتها المعتادة الذي وصفها لها الطبيب بعد خروجها من المشفى ،كانت تفكر في أمر يوسف وما يجب عليها أن تفعل فقد تعافت تقريبا وتستطيع السفر من الان ..
 ولكن هي لمست التغيير الذي طرأ عليه وفي الوقت ذاته تخشى أن يكون مجرد تغيير مؤقت من أجلها ، نعم هي تحبه ولكن هل يكفي الحب وحده ؟؟، وقفت أمام المرآة ترتب شعرها الغجرى المموج حين سمعت دقات على الباب ، نظرت الى هاتف صوفيا على المنضدة وابتسمت فى تهكم ، لابد انها عادت بعد دقيقة من خروجها لأنها نسيته ، متى تتوقف تلك الفتاة عن نسيان أشيائها فى كل مكان ، حملت الهاتف وهي تحتفظ بابتسامتها وتعد كلمات السخرية على ثغرها كالمعتاد ، فتحت الباب وهى تتأهب للحديث فبقى ثغرها مفتوحا بل اتسع اكثر واكثر فى ذهول وهى ترى يوسف يقف أمامها وهو بدوره تسمر فى مكانه محاولا ان يخفى انفعاله وانبهاره بجمالها الأخاذ فلأول مرة يراها بدون حجابها وبملابس عادية ، شعرها كان غجري مثير يمتد الى نهاية ظهرها وقد ارتدت بنطالا ضيقا من الجينز عليه كنزة قصيرة زرقاء تصل بالكاد الى خصرها لتبرز منحنيات جسدها فى دقة ، تخلص هو من ذهوله بشكل أسرع وهو يقول بعد ان تنحنح ليتصنع الجدية :
 ” لو سمحتي يا انسة أنا عاوز ايلينا ..حضرتك صاحبتها ؟؟“ 
رفعت حاجبيها وقد خلصتها مزحة يوسف من توترها هي زوجته على أي حال ولن يحدث شىء ان رآها هكذا ، ردت فى جديه :
 ” نعم يا يوسف فى ايه ..علي فى مدرسته وصوفيا مش هنا ” 
ابتسم  في نفسه فالفرصة أمامه متاحة تماما فتمادى فى مزاحه اكثر قائلا :
 ” يا انسة لو سمحتي انديهالي مراتي ” 
نظرت الى هيئتها قبل أن تقول في غيظ وهى تهم بغلق الباب : 
” طيب روح دور على مراتك في مكان تاني ” 
تلقى الباب بيده ليمنعها من غلقه قبل أن يدخل هو لمواجهتها ويغلقه خلفه قائلا وهو يكور وجهه :
 ” ياباى عليكى الواحد ميعرفش يهزر معاكى ابدا ” 
عقدت حاجبيها في تذمر وهي تراه يجول بعينيه على جسدها كأنه يتعمد ارباكها ، نظر الى جسدها المنحوت والذى تخفيه بحجابها ولها الحق فى ذلك وان لم تفعل لطلبه منها فلن يسمح لغيره بأن يرى كل هذه الانوثة ليمتع ناظريه بهما ..
احتضنت نفسها قائلة فى توتر :
 ” يوسف عاوز ايه ؟؟“ 
ابتسم وهو يقترب منها قائلا :
 ” ايه الجمال ده كله ؟؟؟“
ازدردت ريقها واحمرت وجنتيها وانتفضت وهو يمد انامله يلامس شعرها الغجرى هامسا في نبرة مؤذية لارادتها الهشة :
 ” تعرفى اني طول عمرى بعشق الشعر الغجرى ده ..اوعى تعملي فيه أي حاجة أنا عايزه على طول كدة ” 
كاد ان يمد يده الاخرى لتتجول فى خصيلات شعرها اكثر لولا ان مدت يدها لتنزل كفه فى عنف هاتفة 
 ” يوسف انت بتعمل ايه ؟؟انت اتجننت ؟؟؟“ 
تراجع خطوتين قائلا وهو يضع يديه فى جيبه : 
” اتجننت ؟؟؟...واضح انك نسيتى ان احنا متجوزين ” 
ردت فى عناد طفولى وهى تضع يدها فى خصرها 
” صورى بس واحنا اتفقنا على الانفصال ” 
عض على شفتيه ونظر الى اليمين والى اليسار قبل ان يخلع سترته ويلقى بها بعيدا ويشمر قميصه عن ساعديه ويخلع ساعته وهي تراقبه فى قلق وتقول فى تلعثم :
 ” انت هتعمل ايه ” 
اقترب منها فى بطء مميت وعيناه تخترق جسدها بوقاحة أكثر : 
” هبطلك تقولى كلمة صورى دى تانى ” 
ابتعدت في هلع وهي تشير بسبابتها تحذره
” يوسف اعقل بلاش جنان ” 
اقترب اكثر وهو يخبرها في عبث :
 ” الجنان هوا الحاجة الوحيدة اللى تنفع معاكى ” 
وقبل أن تنطق جملة أخرى كان يدفعها على أريكة قريبة ليسقط فوقها بدوره...
اقترب بوجهه منها حتى تلاحمت أنفاسهما سويا وتشابكت أنامله مع اناملها وهو يقيدها عن الحركة تماما و يهمس أمام شفتيها :
 ” ايه رأيك بقا لو فعلتلك الجواز ده دلوقتي حالا ”
تعالت نبضات قلبها حتى اصطدمت بصدره القريب منها وهي تلهث في توتر بالغ وتهمس فى ضيق لا تعرف هل تشعر به حقا أم انه سراب من محض عنادها لمشاعرها تجاهه :

 ” يوسف قوم مينفعش كدة ” 

اقترب بوجهه أكثر ، حاصر ما تبقى من ارادتها بنظراته المشتاقة ...

بأنفاسه العاشقة لعناق كل جزء من ملامحها  ..

هدمت جاذبيته ما تبقى من عنادها بسهولة لم تتخيلها ...عليه اللعنه الى أين يأخذها ، لابد أن تفر منه قبل أن تتورط به أكثر ..

حانقة عليه وخجلى ولكن ...

تتمنى أن يظل قريبا هكذا ..بل أقرب وأقرب الى حيث لايمكن أن تفصل بينهما ذرة هواء واحدة ..

 صراع بداخلها يحتدم مابين القلب والعقل وهي لاتعرف الى أي  جهة تنحاز ..ارتعدت أناملها فأحكم أنامله حول كفها يدعمها ويعطيها الأمان بلمسة حين أدركت تأثيرها أفلتت دمعة عجز من عينها دون قصد وهمست بصوت متهدج :

 ” يوسف ..أرجوك أنا مش قادرة أتوازن نهائي وجودك بيربكني ومش بيخليني عارفة أفكر ..أنا عاوزة أبعد ...لا أنا عاوزة ....“ 

قاطعها وهتف بكل حنان الدنيا :

” بحبك ” 

انطلقت من قلبه الى شفتيه فلم يعد للعقل وجود ..أصبح للمشاعر كامل السلطة والقرار ...

شهقت من اعترافه الواضح والصريح ... فمال أكثر ليلامس جبينه بجبينها قائلا :

 ” مش بس بحبك أنا بعشقك يا ايلينا ...اديني قولتهالك ...من النهاردة مش هتبعدي ولاهتروحي في أي مكان ..من النهاردة أمانك وسكنك وحمايتك هوا أنا ..مش بعد ما  خليتى قلبى يدق ترجعى تخلي بيه ”  

انهمرت دموعها أكثر ...اهتزت شفتيها تحاول النطق فذابت الكلمات في حرارة أنفاسه القريبة  ..امتدت أنامله يمسح دموعها ، تدحرجت نظراته الى شفتيها المرتعدتين ...تريدان أمانه ربما ..تريدان تصديقه على وعده وسيفعل ..اقترب فى بطء اليهما وقبل أن ينالهما بأولى قبلاته وضعت أناملها على شفتيه و تنهدت في عمق وهي تخفض رأسها...

أغمض عينيه للحظات قبل أن ينهض من فوقها لتنهض بدورها معطية اياه ظهرها للحظات أخذت تعبث فيها في شعرها الغجرى قبل أن تتنهد مجددا وتلتفت اليه قائلة :

” وانا كمان بحبك يا يوسف ”

 وقبل أن يقترب منها أوقفته بكفها قائلة :

” بس تفتكر الحب وحده كفاية ..كفاية لحياة زوجية ناجحة ” 

قطب جبينه فى حيرة : 

” مش فاهمك ”

تحركت قليلا في المكان وهي تواصل : 

” يوسف أنا وأنت غير بعض في كل حاجة ...أنت ماشى فى طريق وأنا ماشية فى طريق عكسه ازاي هنقدر نتقابل ” 

اقترب ليحتوى كفها بين كفيه :

” ايلينا احنا فعلا اتقابلنا فى نقطة ودلوقتي ماشيين في نفس الطريق ..انتي ليه مش قادرة تصدقي اني فعلا اتغيرت ” 

نظرت له في محاولة لاقناع نفسها بما يقوله :

 ” مش بالكلام يا يوسف ..عاوزة أحس فعلا انك اتغيرت بجد ومش عشاني عشان أنت غلط ولازم تتغير للصح ” 

أشاح بوجهه فلم يعد يعرف ماذا بامكانه فعله ليرضيها بالضبط ...

احتوت هي كفيه  هذه المرة وهي تخبره مقصدها في حنان :

 ” أنا مش عاوزاك تتغير كام يوم وبعد كدة ترجع للي كنت فيه ”

 انتزع كفه من بين يديها في حنق باحت به نبرته وهو يقول :

  ” وأنا اثبتلك ده ازاى ؟؟...خلاص شرب وبطلت وكل البنات اللى كان ليا علاقة بيهم قطعتها ..أعمل ايه تاني ؟؟“ 

ابتسمت للحظات عادت بعدها تردف في ترقب : 
” عاوزة أحس ان ده مش طبعك وأن زى عم محمود ما قال مريت بتجربة صعبة غيرت من حكمك على الأمور احكيلي يا يوسف وافتحلي قلبك ” ...

 تراجع وتعرق جبينه بل شعر وكأنه يغتسل بعرقه فأعطاها ظهره لتلحظ توتره وألمه فوقفت أمامه قائلة : 

” يوسف انت محتاج تتكلم وأنا محتاجة أسمعك ” 

تنهد في حرقة وهو يطرد تلك الذكرى اللعينة عن رأسه ..فرك جبينه بكفه قبل أن يطلب منها في رجاء :

 ” مش هقدر اتكلم يا ايلينا ..مش عشان مش عاوز ...بس الموضوع ميخصنيش لوحدي ” 

قطبت حاجبيها في حيرة :

 ” مش فاهماك ؟؟؟..ممكن تحكي من غير ...“

 قاطعها هذه المرة وهو يضمها اليه بقوة وكأنه يستغيث بأحضانها من هواجسه وأشباح ماضيه...

 وكأنه يخدر روحه بضمتها هذه عن ألمه الذي لا يحتمل  لايريد أن تكون هي من تضغط على جرحه  فالألم بيديها يصبح مضاعف ..

تحشرج صوته كثيرا وهو يهمس في توسل :

 ” ارجوكى يا ايلينا ..اوعدك اني هحكي فى الوقت المناسب ..بس بلاش تبعدى عني أبدا ...انتى عملتى فيا اللى محدش قدر يعمله ...بلاش تقتليني ببعدك يا ايلينا ..بلاش يا حبيبتى ” 

قاومت ارتجافها وهو يضمها اليه للمرة الأولى ، نسيت خجلها ولم تشعر سوى بهذا الألم الذى استشعرته من نبرات صوته وارتجاف جسده ، كان يتشبث بها كطفل تائه وجد أمه بعد سنوات من التخبط والضياع وبعد مالاقاه من قسوة البشر ..يتمنى الاختفاء فى حنانها حتى يتلاشى تماما ... كانت تشعر بدموعه التى اختلطت بحبات عرقه على شعرها الذى دفن رأسه فيه فمدت يدها لتربت على كتفه قائلة : 

” يوسف خلاص اهدى ” 

شدد من ضمته لها وقال فى ألم شابه رجاء:

 ” توعديني اني عمرك ما هتبعدى عني ”

 همست في  نعومة :

” لو وعدتنى ان عمرك ما هتجرحني” 

رفع  رأسه من على كتفها لينظر الى عينيها بينما كفيه لازالا يحيطا بخصرها ونطقا الاثنان فى نفس اللحظة :

” اوعدك ” 

ابتسم واقترب ليضمها من جديد فابتعدت وهى تبعد كفيه عن خصرها قائلة :

 ” أنت ما هتصدق ولا ايه ؟؟؟“ 

ابتعد وهو يعود الى مرحه ودعابته قائلا :

” طيب اذا كان كدة تبقى تدخلى تلبسى حجابك عشان هنتغدى سوا برة ”

 واضاف وهو يغمز بعينه :

 "والفرح كبيرنا اسبوع ولا اتنين وهيتعمل والا قسما بالله كلمة زيادة لارجع اعمل اللى كنت بعمله والمرة دى بجد ” 

ابتسمت وهزت كتفيها فى خجل فاقترب بسرعة وطبع قبلة سريعة على وجنتها فلكزته فى كتفه  برفق ليهمس فى أذنها :

 " هستناكى برة ” 

راقبته  وهو يخرج وتحسست يدها موضع شفتيه على وجنتها وابتسمت فى سعادة وهى تدور حول نفسها ، لقد انتزعت اعترافه اخيرا بعد كل هذه المعاناة .. فغريب هذا الحب الذى يجعلنا نعيش كل المشاعر وتناقضاتها فى آن واحد . 

*****************************************************

جلست صوفيا على حافة حوض الزهور الذى يرعاه ...تأملت تلك الزهرة البيضاء بمنتصفه في حزن .. تبدو مثلها تماما ...وحيدة منبوذة من كل الزهرات ، لقد جرحها وكان جرحه اكثر ايلاما من أي وجع عاشته من قبل ، لقد حكم مثل الأخرين تماما ، لقد نبذها مثلما نبذت من قبل عائلتها ، لقد اتهمها دون ان يسمعها ، هل اخطأت حين ظنت انه ربما يحمل لها مشاعر ، هل عاشت هذا الوهم وحدها ، هل فرضت نفسها عليه فأراد ان يبعدها بأي طريقة ، هل كانت ايلينا على حق حين اخبرتها انهما مختلفان فى كل شىء ورغم ذلك القت بكل هواجسها جانبا واندفعت تحبه بكل طاقة تملكها مشاعرها ، كان من الأجدر ان تفر من البداية قبل ان يصل الامر بها الى تلك النهاية ...منهارة... وحيدة... منبوذه كالعادة تعيش حزنها وتحاول مداواة المها بألم جديد تعرف انه ...

“ سمتها صوفيا ” 

انتفضت على صوته فالتفتت اليه ليواصل :

 ” جمالها مينفعش يشيل اسم تانى غير كدة ” 

رفعت نظرها اليه بعينين دامعتين ليلعن نفسه اكثر وقبل ان يقترب خطوة نهضت في عنف قائلة :

 ” بعد اذنك ” 

وقف امامها ليمنعها من الذهاب قائلا في رجاء:

 ” صوفيا استنى ” 

واخفض رأسه ليضيف في خجل :

  ” انا اسف ..بجد اسف ” 

ردت بنبرة مختنقة:

 ” اكتر كلمة بكرهها فى الوجود ..بنأذى اللى قدامنا ونجرحه ونهينه وبعدين نقول اسف ...المفروض الكلمة دى تريح ضميرك ..طيب هتقدر تمحى اللى انت قولته ..مفتكرش ” 

حاولت ان تتخطاه فأغلق  الطريق عليها قائلا:

 ” صوفيا من فضلك اسمعينى ” 

 نجحت فى تخطيه بالفعل وهي تخبره في حسم :

” سمعت منك كتير ..بعد اذنك ” 

وركضت فى اتجاه المنزل الصغير الذى تقيم فيه مع ايلينا ولكنه كان أسرع منها... حين حاولت ان تغلق الباب دفعه بيده ودخل خلفها ليغلقه هو فتراجعت صوفيا قائلة :

” من فضلك ايلينا خرجت مع يوسف وعلى فى مدرسته ” 

عقد  ساعديه في اصرار واضح :

” وانا مش هخرج من هنا غير لما تسامحينى ” 

ابتسمت فى سخرية قائلة:

 ” اسامحك على ايه ماكل الكلام اللى قولته صح ” وجلست على كرسى قريب فى ضعف وهى تواصل :

” بس المشكلة انه مكانش بايدى ..كان نفسى الاقى حد يربينى ويخاف عليا ..انت اتولدت لقيت ليك اب ام واخوات لقيت حد يعرفك الصح من الغلط ” 

واشارت الى صدرها مواصلة :

“ لكن انا ....انا عشت طول عمرى منبوذة من ناس المفروض انهم اهلى ..انا اتولدت لاب مصرى وام فرنساوية ..بابا كان صاحب عمو سمير ..ولما شاف مونيك اخت جانيت مامة ايلينا حبها او المفروض انه حبها واتجوزها ..بس الحب وحده مكانش كفاية او مكنش موجود من اصله ...اكتشفو بعد كام سنة بعد ما خلفونى انهم بيكرهو بعض ومش قادرين يكملو ..وصل كرهم لابعد حد ...كان كل واحد بيعاقب التانى فيا ...كل واحد كان بيرمينى للتانى ويقوله شيل مسئوليتك مش بنتى لوحدى ...امى كانت بتبص لاسمى تفتكر ابويا وتكرهنى زيادة ..وابويا لما كان بيشوف ملامحى اللى تشبهها كان بيلعن الساعة اللى اتجوز فيها خواجاية بعدته عن اهله ...كل واحد فيهم اتجوز حد شبهه وفضلت انا الحاجة اللى بتفكر كل حد فيهم بغلطه ..رمونى فى مدرسة داخلى عشان يرتاحو منى وهناك مكنتش عارفة انا مين ..نص مصرية ونص فرنساوية ..نص مسلمة ونص مسيحية ..انا ايه بالظبط محدش فكر فيا خالص ..كل اللى كان بينا شوية فلوس ..عمرهم ما قصرو فيها الصراحة ..خالتو جانيت اخدتنى فترة حاولت تعلمنى حاجات كتير عن دينى ولغتى ولما امى لاحظت ده كانت بتحاول تمحيه بكل طريقه ....وفضلت تايهة مش عارفة اعمل ايه ...تعرف يا زين انى عمى ريان عرفته بالصدفة ...كان اخو بابا الصغير وجاى فى بعثة واستقر هناك ..كنت تعبانة فى المستشفى وهوا اللى عالجنى ولما قال لبابا مكلفش خاطره يجى يطمن عليا ...عارف انى قبل ماجى هنا امى طلبت منى اسيب الشقة وارجع اعيش لوحدى تانى عشن ناوية تتجوز واحد غير جوزها اللى سابته ..انا وقتها انهرت وهربت وجيت لايلينا ..عشان انا مليش غيرها يا زين مليش غيرها ” 

ودفنت وجهها بين كفيها تبكى فى حرارة لفحت قلبه وسمرته فى مكانه للحظات وهو يتساءل هل هناك من القسوة التى من الممكن أن تصل بقلوب البشر الى هذا الحد ؟؟...هل يختفى خلف هذا الوجه البرىء والملامح الملائكية كل هذه المعاناة ، هل اختفت خلف تلك الابتسامة المبهجة  ألآم لم يعشها  عجوز تخطى المائة ، الى هذا الحد لم ينتبه الى هذا الشجن الرابض بعينيها وانشغل فقط بسحرهما وبريقهما ، من هو ليحكم عليها ؟؟؟، هل عاش ولو ذرة مما عاشته ؟؟، لقد ولد لأب وأم مسلمين ووجد ألف من يعلمه ويوجهه  لهويته ودينه وتقاليد مجتمعه ...أما هي فلا ...علام يحاسبها ؟؟؟ ..على يتم ابويها وهما على قيد الحياة ....أم على نبذها من أقرب الناس اليها دون ذنب ..

 أي حب هذا الذى يظن انه يحمله لها ...

 كانت تنتفض أمامه من البكاء بعد أن فتح جراحها بجرح جديد .. اقترب منها وجثا على ركبتيه وهو يزيح يدها من على وجهها فى رفق قائلا وهو يمسح دموعها :

” انا غبي ومتخلف ومتسرع ..قولى كل اللى انتى عاوزاه ....انا مش هقدر اسامح نفسى اصلا فمش هطلب منك تسامحينى تانى ...خدى حقك منى بالطريقة اللى تريحك ” 

رفعت رأسها تخبره بين نشيجها :

” زين انا مش متضايقة من اللى اتقال ...انا سمعته بدل المرة الف انا متضايقة انه خرج منك انت ...انت بالذت افتكرت انك مش هتشوفنى زيهم ”
نهض فنهضت بدورها امامه ليسألها في خبث : 

 ” انا بالذات ؟؟؟...يعنى انا مختلف بالنسبالك صوفيا عن اى حد ” 

رمشت بأهدابها عدة مرات لتخفي عينيها الساحرتين عنه قبل ان تخفض رأسها فى خجل لتبتعد عن مواجهته قائلة :

” انا طول عمرى تايهة ومش لاقية مكان ولا بر ارسى واستقر عليه بس لما شوفتك حسيت انى انى ..“ وقطعت الحديث بشهقاتها الباكية  ، فابتسم زين وامسك بكتفيها قائلا :

” مفيش داعى تقولى اى حاجة ..انا اللى هتكلم يا صوفيا ..لو انتى كنتى تايهة فانا كنت عارف كويس اوى انا عايز ايه ومحدد وراسم حياتى بالتفصيل وبالورقة والقلم زى مابيقولو ..لما قابلتك برجلتيلى كل حاجة ..بقيت حاسس فجأة انى مسئول عنك ..عاوز اهتم بيكى ...اقربلك ..صورتك كانت على طول قدامى فى كل لحظة بتجننى ..قاومت احساسى بيكى بكل الطرق ..بكل الطرق يا صوفيا ...حاولت اقنع نفسى بكل المتناقضات اللى بينا ..بس عقلى عمره ما سعفنى وكأنى فجاة بقيت بفكر بقلبى وبس ...او ان قلبى بقا هوا عقلى مش عارف ..بس الاتنين رافضين انى ابعد عنك وشايفين انى بعدك ممكن يموتنى يا صوفيا ” 

اتسعت حدقتاها وكل حواسها تحاول استيعاب ما يوجهه لها من كلمات تمس مشاعرها برقة وبسحر لم تعرفه ابدا ...كادت بالفعل ان تفقد الوعى وهو يسألها في حب :

” تتجوزينى يا صوفيا ؟؟“ 

شهقت وهى تضع كلتا يديها على ثغرها وهتفت فى تلعثم :

” زين ..ده معناه ايه ؟؟“ 

احتوى  وجهها بين كفيه وأردف في رقة : 

” معناه انى عايزك تفضلى جنبى طول الوقت ..معناه انى مش هخليكى تخافى تانى ..معناه انى هعلمك كل اللى المفروض تتعلميه عن دينك وبلدك وكل حاجة ” 

عادت ابتسامتها الطفولية للظهور قائلة  فى خبث :

 ” يعنى بس كدة مش عشان بتحبنى ؟؟“ 

قد يعجبك ايضا
منذ بضع اعوام
رواية منورة يا حماتي (حماتي ملاك) الفصل االخامس 5 بقلم...
منذ بضع اعوام
رواية منورة يا حماتي (حماتي ملاك) الفصل الرابع 4 بقلم...
منذ بضع اعوام
رواية منورة يا حماتي (حماتي ملاك) الفصل الثالث 3 بقلم...
ترك وجهها وقال وهو يتظاهر بالجدية :

” مش لازم الواحد يكون بيحب واحدة عشان يتجوزها يعنى ” 

قطبت  حاجبيها في غيظ واعطته ظهرها فامسك بذراعها لتلفت له يعطيها أمانها الذي تبغيه :

 ” ممكن يكون بيموت فيها مثلا ” 

ابتسمت  وهمت لتتعلق بعنقه فأمسك بكتفيها ليمنعها قائلا : 

” اول درس هعلمه لحبيبتى انه مينفعش تقرب لحد بالشكل ده غير جوزها وبس ” 

هزت كتفيها قائلة فى بساطة :

” ما انت هتبقى جوزى ” 

رد وكأنه يجاري طفلته :

 ” خلاص متستعجليش ” 

وتنهد وهو ينظر للمكان حوله ويضيف:

” اما بقا تانى درس فده ليا وليكى ..مينفعش نكون انا وانتى موجودين فى مكان مقفول كدة لوحدنا ..ده مش هيتكرر تانى ..مفهوم ” 

ابتسمت وهي تشير بيدها كتحية عسكرية هاتفة في مرح :

 ” مفهوم ” 

نظر لعينيها للحظات يأخذ جرعته المعتادة من سحرهما الذى ادمنه قبل أن يتراجع بخطواته الى الخلف حيث الباب الذى حين هم بفتحه نادته :

“زين ”

 التفت في اهتمام فقالتها بعينيها وبكل حواسها قبل ان تنطقها شفتيها :

” بحبك ”

رد وهو يتظاهر بالغرور :

” عارف ” 

تمتمت من بين اسنانها :

 ” غلس ” 

ضحك في عبث : 

 ” عارف برضه ”

 واغلق الباب تاركا اياها فى سعادة تعيشها للمرة الأولى منذ ان ولدت ، عرفت من الان فصاعدا الى اى شىء ستنتمى... ستنتمى الى زين ..الى حبه... الى كل شىء يتعلق به...

 الى عائلته.. وطنه.. حياته ..من هذا الوقت اصبح زين هو الحياة نفسها ولكن ...تبا لتلك الكلمة... لا صوفيا لا تفكرى فيها من الان واستمتعى فقط بحب زين الذى اغرقك فيه منذ لحظات ، زين اى حب هذا الذى سقطت به معك ، يا الهى كم اعشقك .

**************************

اخذ ينظر اليها حين  أطالت الوقوف على قبر ابيها لوقت ظنه اكثر من اللازم ، اصرت ان تذهب اليه قبل ان يذهبا لأى مكان ، نظر الى ساعته ليعرف كم مر من الوقت ، لقد مكثت ما يقرب من الساعة دون ان تشعر...
 طلبت منه ان يبتعد قليلا ليتركها تناجى اباها ..يظن أنه أعطاها مايلزمها من وقت ... تنهد وهو يتجه اليها ، ربت على كتفها فى حنان قائلا :

 ” ايلينا ” 

 سمع شهقتها المكتومة ففهم انها تبكى وتحاول العودة الى طبيعتها من اجله ، امسك بكتفيها ليديرها له بينما كانت يديها تمسح دموعها بارتعاد، ترك كتفيها ليحتضن وجهها بكفيه قائلا :

” معقول يا ايلينا ..الموضوع خلاص عدى عليه شهور ” 

امسكت بكفيه على وجهها قائلة : 

” انا مش بعيط يا يوسف ..انا بس كنت بتكلم معاه واطمنه على نفسى ومن غير ما حس عينى دمعت ” 

التمعت عيناه وسألها في هيام :

” اتكلمتو على ايه ؟؟“ 

نظرت له فى حب مماثل وأجابته :

” كلمته عنك قولتله ان ربنا عوضنى بهدية جميلة ..قولتله انى سعيدة اوى يا يوسف قولتله انى بطلت اخاف خلاص ..قولتله ان فيك كل الصفات اللى اتمنتها فى جوزى واكتر ..قولتله ..قولتله انى بحبك اوى يا يوسف ” 

زفر في غيظ هذه المرة وهو يقول : 

” انتى جاية تقوليلى الكلام ده هنا ..ربنا يسامحك ” وانزل كفيه من على وجهها مواصلا :

 ” اسمحيلى انا بقا اشتكيلو منك ” 

واقترب من قبر محمود قائلا :

” بنتك بقا يا عمى مش عايزة تحن عليا وتحدد معاد الفرح ” 

شاكسته بنفس طريقته وهتفت كأن أباها يحتاج لصوتها المرتفع ليمكنه سماعها من العالم الاخر :

” وانا قولتله يا بابا مادام مستعجل مش لازم فرح ” 

هز رأسه نافيا بشدة :

 ” اه طبعا انا مستعجل ..بس هفضل مصر على الفرح دى هتبقى اسعد ليلة فى حياتى كلها ولازم تكون لها ذكرى خاصة ..لو فضلتى تأجلى للسنة الجاية هستحمل يا ستى ..ايه رأيك بقا ” 

واضاف وهو ينظر الى قبر ابيها :

” حنن قلبها عليا شوية يا عمي ...انا مش هستحمل سنة بجد ” 

ضحكت بشدة لينظر لها وكأنه يتوسلها فقالت وهى تمط شفتيها فى تفكير :

 ” شهر كويس ” 

اطلق يوسف تنهيدة حارة من صدره وهو يقول:

 ” كتير برضه يا ايلينا ..بس أرحم من سنة ” 

أخذت ابتسامتها تتلاشى تدريجيا وهي تلمس قبر ابيها فى شرود تقاوم هذا الخوف والوساوس التى تثير قلقها ، تعلم انه يحبها بل يعشقها ولكن الحب وحده لا يكفى ...

فكل يحب بطريقته حتى وان كانت تلك الطريقة لاتلائم معشوقه ابدا ، تتمنى الا تجرفها مشاعرها فتعميها عما قد يفعله يوسف من ..

 استفاقت على لمسته وهو يحتوى وجهها بين كفيه مجددا كأنه يواجه كل أفكارها بفيض مشاعره

” انتى اغلى حاجة عندى يا ايلينا ..اوعى تخافى ابدا وانا جنبك ...ححميكى حتى من نفسى اوعدك بده قدام ربنا وقدام ابوكى ..وانتى كمان اوعدينى انى عمرك ما هتبعدى عنى او حتى تفكرى ...اوعدينى ايلينا ” 

ابتسمت وهي تهمس :

 ” طول  ما بتحافظ على عهدك ليا اوعدك يا يوسف ”

...................... 

أما زين فقد اتخذ قراره بالفعل بالزواج من صوفيا ولم يتبق سوى ان يخبر والديه ، دلف الى المنزل وهو يطلق صفيرا مبهجا ويضع يده فى جيبه حتى وصل الى غرفة المكتب الخاصة بأبيه فدق الباب ودخل بعد ان سمح له محمود بالدخول ..

رأى اباه جالسا فى تحفز وكأنه ينتظره ، جلس أمامه فى توتر فتمعن به محمود قائلا :

” خير يا زين ” 

ابتسم وهو يمسح بكفه على جبينه فى تردد تخلص منه بصعوبة :

” أنا قررت اتجوز“ 

رفع محمود حاجبيه ونهض ليجلس مقابلا لولده  قائلا فى سخرية : 

” ده يوم الهنا وياترى مين العروسة بقا ...اللى كنت خارج من عندها من شوية ولا واحدة تانية ” 

نهض زين متجاوزا ذهوله لينفي ظن أبيه بسرعة :
” بابا لو سمحت ..بلاش تفهم غلط ” 

نهض محمود بدوره ليواجهه في حدة:

” وانا اللى بقول عليك اعقل اخواتك ده كله يطلع منك ..منك انت يا زين ” 

رد زين فى دفاع مستميت :

 ” بابا ارجوك انت فاهم غلط ..انا فعلا بحب صوفيا وعاوز اتجوزها ” 

هتف والده من بين اسنانه فى غضب :

” بتايه ؟؟؟...ومين دى اللى تتجوزها ان شاء الله ..واحدة خواجاية منعرفلهاش اصل من فصل ولا عارفين اتربت ازاى ولا على ايه ..تتجوزها ازاى وتأمنها على بيتك وعيالك ” 

حاول زين تمالك غضبه ووالده يلحق الظلم بصوفيا من جديد  فقال بعد ان زفر فى بطء :

“ بابا لو سمحت انا اعرف كل حاجة عن صوفيا ...هيا محتاجة لوجودى جنبها وانا مش هتخلى عنها ابدا ” 

تراجع محمود متهكما : 

 ” البت عاجباك مش كدة ..بتحاول تلاقى مبرر  لرغبتك فيها ..بس الجواز عمره ما كان مبنى على رغبة راجل فى ست يا باشمهندس ” 

اتسع ثغر زين وحدق بأبيه فى صدمة وهو يهتف :

 ” انت تعرف عنى كدة ؟؟؟...تعرف ان ابنك ممكن اى واحدة تغويه لمجرد انها جميلة ...انا مش صغير وعارف احساسى ده يتسمى ايه ..عارف انه اطهر وانقى بكتير من انه يتصنف رغبة ” 

قال محمود وهو يدور حوله كأنه يحاول ان يفقده تركيزه :

 ” ولما هوا كدة كنت بتعمل ايه معاها لوحدكو ؟؟ودى اول مرة ولا عملتوها قبل كدة كتير من ورانا ....حصل ايه بينكو خلاك عاوز تعجل بال...“ 

قاطعه زين  وهو يصرخ به

 ” كفاية بقا متكملش ...صوفيا دى اشرف بنت قابلتها فى حياتى ...وانا مش حيوان مش حيوان ” 

تنفس فى عمق وهو يمسح حبيبات العرق التى تجمعت على جبينه فلم يظن ان معركته مع ابيه ستكون بتلك الشراسة :

” انا مش بطلب حاجة عيب ولا حرام ..انا بحب صوفيا وهتجوزها ولازم تعرف ان مهما حصل مش هتخلى عنها ابدا ” 

دخلت سميرة فى تلك اللحظة وهى تقول فى قلق:

 ” صوتكو عالى ليه ..ايه يا زين مالك فى ايه ” 

نظر زين الى والده دون ان يعلق وبعدها نظر الى امه قائلا :

” بعد اذنكو ” 

راقبه محمود فى حنق حتى خرج واغلق الباب خلفه لينظر الى سميرة هامسا فى غضب :

 ” شوفتى اللى عملنا حسابه حصل ” 

واشار الى الباب حيث خرج زين وقال :

” البيه ابنك العاقل اللى فيهم عاوز يتجوزلى صوفيا ” 

شهقت سميرة وهى تضع يدها على صدرها :

”يا نهار اسود ..الواد اتجنن على كبر ولا ايه ” 

ووضعت يدها على رأسها  وهى تتمتم :

 ” هنعمل ايه يا محمود ..نطردها وخلاص ونرتاح ” 

حك محمود ذقنه بسبابته قائلا :

” دى ضيفة مرات ابنك انتى ناسية ؟؟....وبعدين مين قالك ان ده لوحصل ابنك مش هيتمسك بيها زيادة ” 

قالت سميرة وهى تتهالك على المقعد :

” والعمل ايه ؟؟؟“ ” 

تنههد محمود في عمق :

 ” يمكن لو هوا عرفها على حقيقتها وعرف اد ايه هوا موهوم وخلاص يرجع هوا من نفسه ” 

رمقته سميرة فى حيرة بينما شرد هو فى عالم اخر لايفكر فى شىء سوى ان يبعد تلك الشقراء عن حياة ابنه بأى ثمن..
وضعت يدها فى يده وهي تتمشى بالقرب من النيل حين توقفت فجأة عن السير لتقف أمامه تهتف في صدمة :
” أنت بتقول ايه يا سامح ؟؟...مستحيل أعمل اللي بتقول عليه ده ؟؟“ 
رد عليها فى حنق :
” يبقى مش بتحبيني يا ايتن ” 
هزت رأسها فى عنف نافية زعمه كأنه اتهمها بالخيانة العظمى :
 ” أنت متأكد اني بحبك ..بس اللي بتقوله ده صعب ” 
ابتسم في تهكم :
 ” بتحبيني بأمارة ايه بقا ؟؟..كل حاجة اطلبها منك ترفضيها ...معندكيش ذرة ثقة فيا ولا فى حبي ليكي ..روحتي اتخطبتي لواحد تاني وتقولي غصب عني ..طب غصب عنك لحد امتى ؟؟“ 
امسكت رأسها وهي تهتف  في انفعال :
 ” انت مش فاهم حاجة ..انا أكيد هلاقي حل غير ده ” 
زفر فى ضيق وهو يشيح بوجهه قائلا :
” حل ؟؟...حل ايه ؟؟..كام شهر عدى والوضع على ماهوا عليه ...عاوزاني استنى لحد الفرح يعني ولا ايه"
 واضاف وهو ينظر اليها فى حنق :
” ايتن انا هبقا هتجنن لما بتخيله قاعد معاكي أو بيكلمك أو حتى بتبصيله ..ببقا هموت وهوا من حقه كل حاجة وأنا مش من حقي أي حاجة ” 
عقدت ساعديها لترد في ضيق فاق غضبه وتخطاه  :
 ” أنا قولتلك كام مرة تروح تكلم بابا بس أنت رفضت ” 
رفع حاجبيه وهو يضع يديه في جيب بنطاله قائلا بطريقة سفه به كثيرا من تفكيرها :
” أكلم باباكي عشان يرفضني ويطردني من قدامه ...لا خلصت دراستي ولا أهلي معاهم فلوس زيكم هيوافق عليا ازاي... ده مش بعيد يخلي ابن عمك يكتب عليكي عشان يبعدنا للأبد ” 
وصمت للحظات قبل أن يتمعن بها يراقب تعابير وجهها وتأثره بكلماته :
” أنا انسان عملي بفكر بعقلي لحل مشكلتنا دي..لكن انتي اللي واضح أنك محبتنيش كفاية ..أو محبتنيش من أصله ” 
دمعت عيناها وتحشرج صوتها وهي تضم كفيها الى بعضهما في رجاء :
 ” أنت عارف اني بحبك فبلاش الكلام ده أرجوك“ 
أفلت ضحكة ساخرة وهو يمسح وجهه بكفيه :
 ” مش بالكلام يا ايتن ..أنا خلاص تعبت .مش هفضل مستني لحد ما يزفوكي لابن عمك قدامي ..اتفضلي روحيلو ..عيشي مع واحد بتكرهيه بس عشان خايفة تواجهي ..وأوعدك انك مش هتشوفي وشي تاني ” 
أمسكت بكفه تتوسله في خوف :
 ” أرجوك يا سامح استنى ...اديني فرصة اللى بتطلبه صعب صعب ” 
انتزع يده فى عنف وهو يهتف في صرامة :
 ” لو بتحبيني بجد مكنش هيبقا صعب ..لكن انتي بتحبي تضيعي وقتك وانا أسف مش هكمل مع واحدة أنا مش واثق من مشاعرها ناحيتي” 
وضعت يديها على ثغرها تقاوم شهقاتها وهي تراقبه يرحل من أمامها ويبتعد ...
تشعر بروحها تنتزع من جسدها وتصاحبه .. تعلقت به واعتادت اهتمامه ..لايمكنها تخيل لحظاتها القادمة دونه فمنذ ان اقتحم حياتها دون سابق انذار وهى لاترى سواه ..
فقط شهور قليلة هو كل مااحتاجه ليسخر كل ذرة من تفكيرها له ...
ماذا ستفعل فى هذا الخواء الذي سيتركه بداخلها ؟؟، هل كان عليها أن تستجيب له وتثق به للنهاية ...دقات قلبها تتزايد فى هلع وهي تراه يختفى تماما من أمامها ...
تود لو لحقت به لتوقفه وتخبره أنها ستفعل اى شىء حتى لايبتعد أبدا ولتذهب أي اعتبارات وقتها للجحيم .
والمصادفة من جديد تدخل صوفيا عنوة إلى قصة ايتن.. حقا لاتعرف أهي مصادفة أم أن القدر يرتب هذا ويخبرها بحتمية تدخلها ...فمن بعيد بينما كانت تلتقط صورا للنيل بالكاميرا الخاصة بها حين لمحت ايتن تتحدث في انفعال إلى هذا الشاب الذي تركها لدموعها وذهب  وحين مر من أمامها تبعته في فضول لتتبين ملامحه جيدا دون أن تعرف بالضبط ماذا ستفعل ..
 توقف فجأة مع رنين هاتفه فأعطته ظهرها وهي تتظاهر بالتقاط الصور لتسمع المكالمة التى أرادت ان تتعرف منها على هويته لا أكثر.. 
 أرادت ان تعرف من هذا الشخص الذي تحدت ايتن كل أعراف مجتمعها من أجله ..وبالفعل سمعت ما كاد أن يفقدها الوعي ...حاولت بقدر المستطاع تمالك نفسها وعدم الالتفات له حتى لاينتبه...
 ” أيوة ...بحاول معاها كالعادة بس رافضة ..دماغها أنشف من الحجر بس على مين ...البت حلوة وأهلها متريشين ولو طاوعتني هاخد كل اللي أنا عاوزه منها وفوقيه فلوسهم كلها هتبقى تحت رجلي ..بس الصبر حلو ” 
ارتعدت اناملها وكادت الكاميرا أن تسقط من يدها ، أي مصيبة ستوقع ايتن نفسها فيها ، هذا المخادع يريد ان يورطها ويورط عائلتها معها ...
 عائلتها ...
شهقت فى خوف ... زين ...
ماذا عليها ان تفعل ؟ ، لقد اقترب عرس ايلينا ولم يعد هناك متسع من الوقت ولو تحدثت الى ايتن بما سمعته ستكذبها بكل سهولة فعلاقتهما متوترة منذ فترة ، هذه الحمقاء ستتجاوز كل الحدود و...
 رن جرس هاتفها لينتشلها من افكارها فالتقطته من جيبها لترى اسم وصورة زين يضيئا الشاشة لتتذكر موعدها معه بعد دقائق . 
*************************************
راقبها وهى تضع يد على خدها  بينما تعبث الأخرى بشوكتها في طبق المعكرونة أمامها دون ان تأكل ،  كانت تبعثر الطعام فى شرود واضح  جعله يتوقف عن طعامه ويتأملها دون أن تنتبه ..
 تغيرت صوفيا كثيرا ، أرهقته بعنادها وهو يعلمها كل شىء وهي لا تتفذ الا بعد مجهود شاق من الاقناع بالأدلة والبراهين ..  يعشقها هكذا ..بكل تناقضاتها التى لم يتمنى يوما ان تكون بحبيبته...  عنادها.. طفولتها... سذاجتها... يعشقها بكل ما فيها .. يعشقها للدرجة التى جعلته يقف بوجه أبيه لأول مرة ويخبره أنه لن يتزوج غيرها ولو بقي العمر كله دون زواج ، تلك الحورية التي أوقعت به من أول نظرة رمته به عيناها اللاتي تفقداه تركيزه ..
لماذا تنظر الى الأرض ؟؟لماذا تخفيها خلف أهدابها الطويلة ، هيا عزيزتى أزيحى تلك الستائر البغيضة عن عينيك فقد اشتقتهما ....
 اقترب ليضرب بشوكته في رفق على شوكتها فرفعت عينيها اليه بابتسامة حائرة فهمس وهو يميل نحوها :
” بتفكري فى ايه يا حبيبتي ” 
هزت رأسها وهي تنظر الى طبقها من جديد :
” أبدا ولا حاجة ” 
ناداها  في خفوت : 
” صوفيا بصيلي ”
 نظرت اليه فتابع وهو يشبك أصابعه أمام وجهه :
” أنا عارف انتي بتفكري فى ايه ” 
زمرت شفتيها في تعجب فتنهد مواصلا :
” أكيد ..كان نفسك يكون فرحنا مع ايلينا ويوسف فى نفس اليوم ”
 شردت بعينيها للحظات وهي تتخيل عرسها مع زين والى جوارهما ايلينا ويوسف ، كم سيكون هذا مذهلا بالفعل وكل  منهما تزف الى حبيبها وتبدأ حياتها معه ولكنها عادت الى واقعها لترى كل المسافات التى تتزايد بينهما كل يوم فأخفضت رأسها فى حزن وهي تقول :
” مش كل حاجة بنتمناها بتحصل يا زين ..قولتلك من الأول ان اقناع أهلك هيكون صعب ” 
رد في حسم:
 ” وأنا قولتلك من الأول برضه أنا مستعد اتجوزك ومش هستنى موافقة حد وانتى اللي رفضتي ” 
 ” عاوزني اوافقك تخسر أهلك وشغلك وكل حاجة ” 
واصل بنفس نبرته الحاسمة :
” في ستين داهية الشغل أنا اقدر ابدأ حياتي من جديد ..أما أهلى فعمري ما هخسرهم ...هما هيزعلو شوية في الأول ومع الوقت هينسو ” 
لايعلم ماذا تفعل بها هذه الكلمات ، لم تعتد ان تصل الى تلك المكانة او أن تكن مميزة فى حياة شخص لهذه الدرجة ، مجرد شعوره هذا يكفيها حتى لو لم يتغير من الأمر شىء ، تريده فقط فى حياتها ودون أي مسمى ، ابتسمت وهي تضع يدها على وجنتها :
” زين حبيبي ...أنا كفاية عليا أوي احساسي بالأمان معاك ...كفاية استعدادك أنك تعمل أي حاجة علشاني ...أنا مش زعلانة من أهلك بالعكس احساس الرفض والنبذ ده أنا اتعودت عليه من كل الناس ..بس من بعد ما ظهرت في حياتي مبقاش فارق معايا حد فى الدنيا غيرك  ..انت بس حبيبي كفاية عليا ” 
وأطرقت ارضا وهي تضيف فى حزن :
 ” انا بحبك اوي يا زين ومش عايزاك تخسر أي حاجة بسببي ..انت عندك اهل يحبوك ...بيحبوك بطريقة مختلفة بس بيحبوك ..خد وقتك وحاول تقنعهم وأنا هستناك ” 
مرر يده فى خصلات شعره البني يسألها في حيرة : ”والوقت ده مينفعش يعدي واحنا متجوزين ..لو اتحطو قدام الأمر الواقع هيتعاملو معاه غصب عنهم ” 
ردت صوفيا في صرامة :
 ” لا يا زين أنت كدة بتخسرهم بجد ” 
ضرب المنضدة بكفه هاتفا في ضيق : 
” مش هخسرهم صوفيا ..أنا مش عايز أضيع سنين من عمرنا فى العند ” 
مدت أناملها تربت على كفه في رقة :
 ” زين سيب الوقت يعالج الموضوع ...مستعجل على ايه ؟؟“ 
رفع حاجبه مستنكرا سؤالها :
 ” بجد مش عارفة مستعجل على ايه ...صوفيا انا عايزك معايا على طول عايزك جنبي طول الوقت ومتغيبيش عن عيني لحظة ..مش مجرد ساعة بنخطفها كل أسبوع ” 
لاتعرف حقا بما ترد عليه وهى تتمنى ذلك أكثر منه... تخشى أن يجرب ماهي تعرف جيدا مرارته... النبذ والرفض والحرمان من الأهل ، لا احد مثلها يعرف كم قاس هذا الشعور... لاتريد لأعز مخلوق على قلبها أن يتذوقه أبدا ، لن تحتمل ان ينظر الى عينيها يوما وترى اتهامه لها بانها السبب فى ابتعاده عنهم ، أخرجت هاتفها لتغير مجرى الحديث برمته وهي تقول في طفولتها المعتادة:
 ” ماتصورناش المرة دي قبل ما ناكل ” 
لم يتمالك نفسه فابتسم ..تلك الطفلة المشاغبة لن تتوقف عن عادتها... تخرجه من أدق الامور الى أكثرها تفاهة في لحظة وهو كدأبه لا يملك سوى مجاراتها ، رفعت هاتفها وأخذت تديره في كل اتجاه حتى زفرت في ضيق وهي تعطيه له قائلة  في ملل :
” خدها انت من عندك مش راضية تظبط من هنا خالص ” 
عض على شفتيه فى غيظ وتناوله منها ليرفعه ويحاول التقاط الصورة بينما اعادت خصلة من شعرها خلف اذنها وفتحت أول زر من قميصها وهى تتأفف من حرارة الجو  قبل ان  تأخذ وضعها فى التصوير ...قطب حاجبيه فجأة وأنزل الهاتف ناظرا لها فى غضب وهو يشير بسبابته :
 ” صوفيا اقفلي الزرار بتاع الشيميس ده ” 
نظرت الى قميصها وقد فتحت زره الاعلى فأظهر عنقها بالكامل وجزء بسيط من صدرها ولكنه ليس مبتذلا على أي حال فهمست فى تأفف :
” يوه بقا يا زين الدنيا حر ..أنا هتخنق ” 
كرر جملته من بين اسنانه :
 ” اقفليه يا صوفيا قلت ” 
زفرت  فى حنق فهتف  فى نفاذ صبر وهو يميل اليها يغلقه قائلا :
” اللي اقوله يتسمع ” 
واضاف بعد ان انتهى ليعود الى مكانه :
” وكفاية لحد دلوقتى سايبك من غير حجاب ” 
شهقت في ذهول :
 ” حجاب كمان!!! ” 
أضاف في جدية :
” ونقاب كمان يا ست هانم ..أنا مش كل ما أخرج معاكي فى حته هرتكب جريمة عشان اللى بيبصولك دول ”
 نظرت حولها في بطء فوجدت الكثير من العيون تتمعن بها بالفعل حتى عيون النساء تراقبها فى حنق من البعض وغيرة من بعضهن الاخر ، مررت يدها فى شعرها تسأله في عجب :
” يعني اعمل ايه ..أنا غيرت استايل لبسي خالص أهو ..بيبصولي ليه بقا ” 
مسح  وجهه بكفه يجيبها في قلة حيلة :
” عشان حضرتك جميلة زيادة عن اللازم ” 
اتسعت ابتسامتها من اطراءه حتى وان كان رغما عنه ... طالما قابلت كلمات الغزل من غيره بكل برود وحنق  ولكن مع حبيبها الأمر يختلف تماما ..همست في دلال وهي تعبث بسلسال فضى في عنقها :
” بجد يا زين أنا جميلة زيادة عن اللازم ” 
واصل وهو يدقق النظر فى عينيها معشوقتيه ويقول في صدق وهيام واضح للأعمى : 
” انتي أجمل بنت فى الدنيا كلها ...اجمل بنت شوفتها فى حياتي ” 
احمرت وجنتاها وأطرقت ارضا وهي تخفى ثغرها المبتسم بكفها فتلاشت ابتسامته وهو يقول في تحذير واضح : 
” ولو فستانك يا صوفيا اللي هيتلبس فى الفرح فيه حاجة كدة ولا كدة أنصحك تغيريه ومتنسيش احنا اتفقنا على ايه ” 
تمتمت بالفرنسية وهي تهز رأسها :
” متسلط ولكنني أحبه ” 
ابتسم وهو يخبرها بالفرنسية بدوره :
 ” عنيدة ولكنني اعشقها ” 
 . 
************************************
الزفاف كان فى أفخم فندق من فنادق المعمورة ، اهتم يوسف باعداد كل شىء فى دقة بالغة وأشرفت ايلينا بلمساتها الرقيقة ليكن الحفل بعيدا عن أي صخب أو ابتذال لا داعي له ، أطلت  بثوب زفافها الملكي الرائع والذي اختار يوسف أشهر المصميين للاشراف عليه وبالفعل جعلها تبدو كأميرة اسطورية ، قليلا من الزينة كانت كافية جدا ليحتفظ وجهها بملامحه الملائكية . 
تأبطت ذراع محمود ليسلمها الى يوسف الذي فغر فاه بمجرد أن رآها وقد بدا جذابا بدوره في حلته الأنيقة ، تعالت دقات قلبه مع كل خطوة يخطوها والده والى جواره ايلينا حتى وصلت اليه فتقدم فى بطء ليزيح الطرحة عن وجهها ويقبل جبينها فى حب ... 
للحظات تناسى العالم من حوله وقبل خديها وكاد أن يتجاوز الأمر الى شفتيها غير عابىء بمن حوله ولكن نظرة تحذير من أبيه أوقفته مع حمرة خجل منها أذابته تماما فاكتفى بأن يعانقها في حرارة وهو يحملها ليدور بها عدة مرات غير مباليا بفستانها ووزنه ولا بأى كائن حى بينهما ، أنزلها اخيرا لتتأبط ذراعه الى المكان المخصص للعروسين وهو لايترك يدها أبدا من كفه كأنه يخشى فرارها او أن تكون حلما جميلا لايريد الاستيقاظ منه . 
أما صوفيا فقد وقفت أمام المرآة فى أحد الحمامات الملحقة بالفندق وهي تعض على شفتيها فى غيظ ، لقد احترق ثوبها الذي كانت ستحضر به الحفل حينما كانت تقوم بكيه ولم يكن لديها متسع من الوقت لشراء غيره فاضطرت لارتداء هذا الثوب ، هو مغلق من الصدر تماما ولكن ظهره وذراعييه عاريين بشكل سيراه زين فاضحا ، تنهدت وهي تحكم الشال على كتفيها أكثر وتتمنى لو مر هذا اليوم بسلام فهي لاتريد أن تغضبه مطلقا ...تعرف أنه سينزعج وربما ...
انتبهت على صوت أحدهم  يفتح باب الحمام ولكنه تراجع بعد أن رن جرس هاتفه ، تنهدت وهي تتعرف على تلك الرنة الغريبة التى لاتضعها سوى ايتن ، وبمجرد أن ردت عرفت أنها تحادث هذا المحتال ، ابتعد الصوت تدريجيا ، فلم يكن لدى صوفيا حيلة أخرى سوى أن تتبعها ، فتحت الباب في حذر لتراها تتجه للخارج ، تبعتها فى ترقب وحذر شديدين ، رأت هذا المحتال من جديد ...ماذا يريد منها وأي شرك ستوقع به نفسها تلك المجنونة ، لو تحدثت اليها فلن تصدقها أبدا ، تأملت ابتسامتها.. يبدو أن هذا المخادع يحاول تصفية الاجواء معها وهي بنظراتها الساذجة يبدو أنها صدقته وسترضخ له  ، الأمر يتطور بالفعل ولكن ماذا عليها أن تفعل ...
.................................
التفت يوسف الى ايلينا بعد ان قبل كفها قائلا :
 ” أخيرا بقا أنا مش مصدق نفسي” 
ابتسمت فى حب فيوسف الذي طالما أخفى مشاعره أصبح ينثرها ببذخ ودون أدنى اعتبارات رجولية سخيفة : ” أخيرا ...وربنا ما يبعدنا عن بعض أبدا يا حبيبي ” 
مال اليها وعينيه تتأملها في وله :
 ” بس ايه الجمال ده كله ” 
ردت  في تذمر مازح :
” يعنى هوا أنا قبل كدة مكنتش جميلة ” 
مال اليها اكثر قائلا :
” لا حبيبتي ..انتي على طول جميلة ...بس كل يوم جمالك بشكل مختلف ..انتي ..“
 ورفع كفه ليضيف :
 ” استني أنا هقولهالك بشكل تاني ”
 وتركها ليذهب الى المختص بالدى جى ....
لحظات وأمسك مكبر الصوت ليغني لها:
 ” اجمل نساء الدنيا ” 
وقف أمامها يغنيها وهي تجلس على أريكتها كأميرة متوجة حتى اقترب منها لتنهض أمامه وهو يضمها اليه بين الحين والاخر حتى انتهت الاغنية وهو يحملها ليدور بها فى سعادة وسط تصفيق وتصفير من أصدقائه ...
أنزلها في رفق فدفنت رأسها في كتفه للحظات تستعيد توازنها قبل أن ترفع عينيها اللامعتين بكل حب العالم اليه وتقول:
 "أنا كمان عاملالك مفاجأة "
رفع حاجبه بابتسامة شغوفة فازدرت ريقها خجلا وهي تشير بعينيها الى نقطة خلفه ..تخلى ناظريه عن وجهها بصعوبة ليتجها الى حيث أشارت ...اتسعت ابتسامته وهو يرى علي يجلس على كرسي متقدما الفرقة الموسيقية وبيده عوده الذي بدأ يضبط وضعه على قدميه ...نظر يوسف الى المدعويين وهو يصفق بشدة ليطلب منهم تشجيعه فارتجت القاعة بالتصفيق حتى أشار علي بكفه يشكرهم ويطلب منهم التوقف ليبدأ في العزف ...مال يوسف الى ايلينا مازحا :
"محدش هنا يعرف فرنساوي غير أنا وانتي وصوفيا وزين تقريبا ...الناس هنا مش هتفهم حاجة "
هزت ايلينا كتفها فجاؤه الرد قويا حين صدح صوت علي بأقوى قصائد احمد شوقي ..
مضناك جفاه مرقده 
وبكاه ورحم عوده 
حيران القلب معذبه 
مقروح الجفن مسهده ..
اتسعت عينا يوسف في ذهول فابتسمت ايلينا وهي تنظر الى أخيها في سعادة وفخر ...ترمق نظرات المدعويين الذين نهض بعضهم من شدة انسجامهم بصوته العذب ...خلت القاعة تماما من أي صوت سوى صوت علي وموسيقاه ..وحين شدا بالمقطع 
الحسن حلفت بيوسفه 
والصورة أنك مفرده 
وتمنت كل مقطعة 
يدها لو تبعث مشهده ..
التفتت ايلينا الى يوسف تحرك شفتيها لتردد الكلمات له فضغط على كفها في سعادة قبل أن يواصلا الاستماع الى علي حتى انتهى لتهتز القاعة بأكملها من التصفيق ويتجها معا الى علي الذي نهض لتميل ايلينا اليه تحتضنه بقوة وهي تقول :
"متشكرة اوي يا علي ...ربنا ما يحرمني منك أبدا "
ضمها علي بقوة وهو يهمس :
"ربنا يسعدك حبيبتي "
انتزعها يوسف برفق وهو يداعبهما قائلا :
"ايه يا علي أنا كدة هغير منك "
ابتسم علي فمال يوسف يحتضنه ويكمل دعابته :
"مش كفاية خطفت الأضواء مننا "
عقدت ايلينا ساعديها وهي تبتسم في فخر :
"بس يستاهل "
تخلص علي من ذراعي يوسف في رفق وهو يقول :
"ارجعو انتو مكانكو بقى ...الليلة دي خاصة بيكو انتو بس "
مسح يوسف على رأسه وهو يغمز لايلينا :
"علي ده حبيبي ...حبيييييبي "
وأمسك بكفها ليعودا الى مكانهما ..ابتسمت وهي تشابك أناملها بانامله فسألها في فضول :
"بتضحكي على ايه "
تنهدت في عمق وهي تسترجع ذكرى قديمة :
"اصل الأغنية دي ليها ذكرى خاصة عندي ...أول مرة اعترفت فيها بحبي ليك بيني وبين نفسي كان وعلي بيغنيها عشان كدة طلبت منه يغنيها تاني النهاردة "
رفع يوسف حاجبيه وخفضهما متظاهرا بالغرور:
"طبعا ...أنا جاذبيتي لا تقاوم وعارف انك وقعتي في حبي من أول لحظة شوفتيني فيها "
وقبل أن ترد دعابته بأخرى تغيظه كانت المفاجأة الغير المتوقعة لكليهما..... 
خرج يوسف من المرحاض بعد ان انتهى من تبديل ملابسه وأخذ حماما دافئا أزاح عنه كثيرا من ارهاقه .. وجدها لازالت على حالها تفرك يدها وهى تجلس على طرف الفراش دون أن تبدل ثيابها ، وقف أمامها قائلا وهو يجفف شعره بمنشفة :
 " انتي لسة مغيرتيش ؟؟؟" 
ردت وهي تنظر الى اللاشىء :
 " ليه يا يوسف ؟؟؟" 
تراجع  خطوتين وهو يتوقف عما يفعله  ليسألها في حيرة :
 " هو ايه اللى ليه ؟؟" 
نهضت  وهي تمسك بفستانها هاتفة :
 " ليه عزمتها ؟؟؟...بتعزم واحدة من صحباتك القدام على فرحنا يا يوسف ..وكمان الهانم بتسألني لو صداقتكو تنفع تستمر ولا لا " 
بسط كفه فى دفاع :
" انا معزمتهاش يا ايلينا متجيبش الكلام من دماغك " 
ابتسمت في سخرية :
" والله.. وهيا بقا من باريس عرفت المكان والزمان وكل حاجة وجاية تباركلنا صدفة ..قالت قدامي انك قولتلها انك اتجوزت انا سمعتها " 
رد  وهو يلوح بكفيه :
" ايوة قلتلها انى هتجوز من فترة عشان أقطع أي صلة بينا ..لكن لاعزمتها ولا كلمتها  " 
وضعت يدها في خصرها تصر على اتهامها له :
 " أومال هيا عرفت منين ؟؟" 
مسح  وجهه وهو يحاول ان يهدأ ...لا يريد أن يضع شكها به من أول ليلة لهما سويا في باله:
 " هوا خبر جوازنا سر؟؟؟... المفروض أنه منشور في كل الجرايد وكل الناس عارفة المكان والزمان " 
أطرقت ارضا وهي تلوم نفسها على تسرعها واندفاعها وعدم قدرتها على ترويض غيرتها فاقترب منها قائلا في عتاب :
 " أنا وعدتك اني عمري ما هجرحك ابدا ...بص واضح أن عمر ما هيبقا عندك ثقة فيا " 
رفعت رأسها فى بطء وهمست في خجل :
 " يوسف أنا .." 
عضت على شفتها في غيظ حين عجز لسانها عن تكوين جملة تعتذر بها له عن اتهامها هذا وفى أول ليلة لهما سويا 
ابتعد عنها وهو يخبرها في خيبة أمل :
" خدي راحتك وانا هنام برة "
 وقبل أن تجد ردا كان يفتح باب الغرفة لينام فى ملحق خاص بالجناح الذي حجزه فى الفندق ، ضربت الأرض بقدمها في غيظ ..لامت نفسها بشدة على تسرعها وافسادها لليلة تمنتها هي أكثر منه ، عليها ان تثق به اكثر ..لقد وعدها وسيبر بوعده... لن يجرحها ولن يخنها هي واثقة تمام الثقة من عشقه لها ، أخذت تجىء وتذهب فى الغرفة وهي تفكر كيف تصلح ما افسدته ؟؟، ابتسمت في خجل عزمت على التخلص منه لتستطيع ان تنتزع  مقاومته للصفح عنها ، ستستخدم اسلحتها الانثوية لأول مرة معه ..هي لاتعرف كيف ولكن ستدع لحبه كل التصرف فى ان يوجهها كما شاء ، خلعت فستانها وارتدت منامة قطنية قصيرة ومثيرة من اللون الوردي ...اطلقت العنان لشعرها الذى قامت بفرده وتمليسه بعد الحاح من صوفيا ليصل طوله الى نهاية ظهرها...نثرت قليلا من عطرها الباريسى المميز والمثير و كست شفتيها بطلاء من اللون الأحمر القاني..ألقت نظرة خجولة على نفسها بالمراة ولكنها تخلت عنها سريعا بأخرى واثقة ومتحدية..  ولنرى اذن الى اى حد سيقاوم ابن البدري ..
خطت فى هدوء خارج الغرفة الى الملحق لتجده قد استلقى على الأريكة ويده تتجول بشعره في شرود ، تنفست فى عمق وهي تقترب لتجلس على ركبتيها أمامه وتمسك بكفه قائلة:
 " أنا اسفة حبيبى ...حقك عليا " 
تمعن بها  للحظات قبل أن يشيح بوجهه ليخفى نظرة الاعجاب التى لمعت بشدة فى عينيه ... 
ادرات وجهه من جديد بكلتا يديها هامسة في أنوثة :
 " متزعلش بقا ..بحبك وبغير عليك أعمل ايه ...كان نفسى أجبها من شعرها وأفضل أضرب فيها وأقولها ده حبيبي أنا وبس " 
منع  الابتسامة بصعوبة من الظهور على ثغره فقد بدأ يستمتع بمحاولاتها  ودلالها هذا  وفضوله يحثه على معرفة  ما بقي فى جعبتها ، اقتربت لتقبل وجنته في بطء هامسة :
 " كدة برضه لسة زعلان " 
أشاح  بوجهه وكأنه يوجه لها وجنته الأخرى فابتسمت وهي تقبلها في رضا :
 " طب كدة برضه "
 وهذه المرة التقطت ابتسامته الخبيثة فأرادت ان تشاكسه بدورها لتنهض قائلة :
 " خلاص يا يوسف خد وقتك ..أنا داخلة أنام " 
نهض بسرعة وجذبها من شعرها وهو يعتدل ليجلسها على ركبتيه قائلا :
 " هوا أنا كام مرة قولتلك شعرك ده متجيش ناحيته أنا بحبه مموج " 
كورت وجهها تتظاهر بالألم :
" سيبني يا يوسف مش انت زعلان مني ؟؟...خلاص خليك هنا وأنا هدخل انام جوة " 
أسند جبينه على جبينها وهو يتنهد :
" ما تقومي هوا أنا منعتك ...لو عايزة اتفضلي " 
لفت ذراعها حول عنقه وهي تقول في اغواء :
 " دخلني انت ..مش قادرة أقوم شلني....اووووف"
مطت شفتيها في كلمتها الأخيرة  فكانت تلك هي القشة التي قضمت ظهر مقاومته الى أشلاء ..ثمرتين من الفراولة الناضجة أمامه لن يمنعه أحد الان من تذوقهما واحتوائهما بين شفتيه ليذوبا تماما في لحظات لم يعرف كم طالت ..قبلتهما الأولى التي تاق كل منهما لها ومنعه ألف سبب ..لم يدفعها حيائها لتبعده بل دفعها عشقه لأن تبادله جنونه بهيام ...لفت ذراعيها حول عنقه تطلب منه أن يوثق حبه بقبلة ثانية وثالثة ورابعة ..لم يهتم أحدهما حتى بأن يتنفس ..وما الحاجة للهواء والحياة بأسرها بين ذراعي كل منهما  ...بعد لحظات لم يعد لطلاء شفتيها وجود ولا لبقايا ارادته مكان ..ولا لمشاكستها موضع
 ابتسم وهو يبتعد قليلا عن شفتيها يسمح لها أن تشاركه الهواء ذاته  ..أشار برأسه الى غرفتهما يهمس وقد فقد جل تماسكه:
 " لو دخلت جوة مش هخرج " 
اشتعلت وجنتيها خجلا وهي تدفن رأسها في صدره تخبره بصوت متحشرج :
 " وأنا مش عاوزاك تخرج ابدا " 
تنهد وهو ينهض ليحملها بين ذراعيه فجأة هاتفا في انفعال:
 " ولا أنا هسمحلك تبعدي اصلا "
 واتجه بها الى غرفتهما ليعيشا ليلتهما الخاصة والتي حملت كثيرا من الحب والجنون ...حبا تعلمه كل منهما لأول مرة على يدي الاخر ...حبا يحمل مبادئهما وقواعدهما ويأخذ من صفاتهما الكثير ..
تحول شغفه بها الى ادمان ...
تحول عشقها له الى رابط تشبث به كيانها بقوة ..
لم تخمد نار شوقه بوصالها كما ظن بل اشتعلت أكثر وأخذت في طريقها ما تبقى من اعتقاده عن عجز أي أنثى عن التأثير به ...
مايشعر به ليس تأثير ..ليس رغبة ..ليس عشق ..بل كيان ينصهر تماما في كيان تلك المخلوقة ..
وهي ..
تذوب معه ..
تشعر أنها في محراب مقدس تحيطهما ملائكة الحب بأجنحتها الناعمة وتبارك عشقهما...
تلاشى خجلها لتشعر أن كل جزء فيها قد خلق لهذا الرجل ...تركت جسدها له يدمغه بعشقه ويوثق حقه به
لم تؤنبها كرامتها مطلقا وهي تهبه حق ملكيتها ...
هي ملك يده فقط ..له فقط ..تتجرع الحب بين ذراعيه بأسمى الطرق...لا خوف ..لا ألم ..لا فراق ..فقد منحها يوسف البدري صك الأمان وهو يهمس بعشقه في أذنها الاف المرات ..
واحتلت رأسها صدره بعد لقاء طويل بالروح قبل الجسد بحثت عن موضع قلبه لتريح وجنتها عليها تتلقى قبلاته على هيئة نبضات متسارعة تخبرها أن هذا موطنها وملاذها من اليوم فصاعدا..
**********************************
أسكت جرس هاتفه للمرة السادسة وهو يلقي به بعيدا حتى سمع صوت استلام رسالة ففتحها ليجدها منها كما توقع :
" والله لو مانزلت حالا لاطلعلك أنا وأنت عارف انى مجنونة واعملها " 
لولا أنه يدرك جنونها بالفعل لما أطاعها وكان أمامها عند حوض الزهور الخاص به في الحديقة بعد أقل من دقيقة ، نهضت بسرعة حين رأته أمامها واقتربت تقول : 
" زين ..والله أنت فاهم غلط ...أنا عارفة اني غلطانة بس عايزاك تسمعني " 
تخطاها ليجلس على طرف الحوض فهو بالفعل يريد ان يسمع منها مايبرد نار غضبه وحنقه عليها :
" اتفضلي أنا سامعك وبسرعة عشان أنا مش عاوز مشاكل ..كفاية اللي حصل النهاردة " 
ردت وهى تجلس فى المقابل:
 " الفستان اللي كنت هحضر بيه الفرح اتحرق وأنا بكويه ومكنش فيه وقت اشتري غيره ولبست اللي كان عليا أعمل ايه ؟؟" 
نهض في حنق من حجتها المستفزة ورد في صرامة :
" مكنش لازم تلبسي سواريه أصلا كنتي البسي أي حاجة وخلاص " 
هزت رأسها في اعتراض :
 " ده فرح ايلينا يازين يعني فرح أختي ..البس أي حاجة ازاي ؟؟...وبعدين أنا كنت مغطية نفسي بشال بس نسيته في الحمام ..ما انت عارفني دايما بأنسى حاجتي في كل حتة " 
زفر في ضيق يسألها مجددا :
" واللي انتي كنتى واقفة تهزري معاه ؟؟" 
اخفضت رأسها في خجل وهي تهمس تسترضيه :
 " مش هتكرر تاني " 
هز رأسه وهو ينظر للأعلى ويتنهد فى غيظ فاقتربت  لتمسك كفه قائلة:
 " خلاص بقا يازين قولتلك اسفة ومش هتتكرر تاني " 
انتزع  كفه من يدها قائلا في احباط:
 " بابا لما شافك النهاردة مقدرتش أدافع عنك قدامه ..مكنتش قادر أنطق " 
عقدت ساعديها تخبره  في ملل :
" زين أنا اعتذرت عن اللي حصل هعمل ايه تاني ؟؟" 
نظر لها  وقد بلغ غضبه من استهتارها أقصاه فزمر شفتيه في يأس :
" ولا حاجة يا صوفيا ..تصبحي على خير " 
وقبل أن يبتعد بخطواته الواسعة  التفت لها فجاة ليضيف في سخرية :
" واه بالمناسبة شغل الجنان بتاع لو منزلتش هطلعلك أنا لو حصل تاني ..النتيجة هتكون أكبر من مجرد زعل بينا يا صوفيا " 
اغمضت عينيها وهي تتابعه يذهب من أمامها بخطوات غاضبة ، ماذا كان بامكانها ان تفعل ؟؟هل تخبره ؟؟، لو علم بما تنوي فعله سيعترض بالتأكيد ولكنها ستفعل كل ذلك من أجله هو ، وعدته فى سرها انها ستكون المرة الاخيرة..ستكذب لاخر مرة من اجله فقط .
***********************************************
مرت أيام سافر فيها يوسف وايلينا لقضاء شهر العسل فى اسبانيا نزولا على رغبة الثانية فالأول كان يرغب في الذهاب الى سنغافورة وأمام اصرارها قبل باسبانيا حيث أرادت ان تصنع ذكريات خاصة معه فى أكثر بلد تحبه وتطلق عليه دوما الجنة المفقودة ..  
أما الجنة الحقيقية بالنسبة اليه فوحدها من تمتلك مفتاحها وتعرف كيف تأخذه اليها.. 
لن تختلف اسبانيا عن سنغافورة أو حتى جناحهما المغلق في قصره بمصر فقد جاب العالم بأسره وتمنى لو عاد الزمن ليطوفه معها من جديد كي يزرع في كل وطن يذهبا اليه ذكرى مخلدة لعشقهما ..
 عشقه لها قد وصل حد الهوس وكأنه أطلق العنان لكل ما حبسه بداخله لينطلق دفعة واحدة بحرية ودون حدود ، كان يحتجزها أحيانا فى الفندق لأيام.. فقط لتبقى بين ذراعيه يشتم رائحة شعرها المموج  الذى اصبح ادمانه .
وفى الوقت ذاته سافر محمود مع سميرة الى الصعيد لعلة طارئة المت بأخيها لتصر على البقاء مع الأخير لعدة ايام فتركها الأول  وعاد الى القصر ، اما زين فقد تحمل على كاهله اغلب العمل بعد غياب شقيقه وفي يوم بينما كان مشغولا بمراجعة بعض الأوراق الهامة على مكتبه تلقى اتصالا من ابيه جعله ينتفض واقفا في غضب ولولا أنه أبيه لارتكب جريمة بمن يتفوه بهذا الكلام ...
صورة أرسلها له  كادت أن تطيح بما تبقى من عقله ،  ترك مكتبه على الفور وكل ما يفكر فيه أن يثبت له سوء ظنه ، انطلق بسيارته الى حيث العنوان الذى اخبره به ، وقف امام باب الشقة ينظر الى الرقم ليتأكد ، استند بجبينه على الباب للحظات وهو يلهث بشدة ..
 لا يمكن ان تكون صوفيا هكذا ابدا ، سيكون مدينا لها باعتذار عما سيفعله الان وللحظة فكر في التراجع ولكن اصراره أن يثبت لأبيه العكس لم يترك له فرصة التفكير من جديد ..أقسم ان لم يجدها فسيتزوجها رغما عن ابيه وعن كل عائلته ورغما عنها ان رفضت ...
مد يده في تردد الى جرس الباب وهو يغمض عينيه في قوة ...ضغط عليه دون ان يرفع اصبعه فهو يعرف انه ان رفعه لن يعد الى قرعه من جديد ، تعالت دقات قلبه وهو يشعر بالباب يفتح ، التقت عيناه بعينيه ، قطب حاجبيه ليتذكر هذا الوجه المألوف لعينه البغيض لقلبه ، وبالفعل تذكره... انه هو ..نفس الشاب الذي كانت تمازحه فى حفل الزفاف ..اقترب منه يسأله في دهشة :
 " فيه حاجة ..انت مين ؟؟ " 
لم يعد لزين أي ذرة عقل واحدة تحكمه وهو يزيحه من طريقه في عنف ليدخل الشقة ، تراجع خطوتين فى صدمة وهو يراها بالفعل .. صوفيا .. تجلس على الأريكة فى شقة أعزب وحدهما ..
انتفضت حين رأته وشهقت في خوف ...حاولت النطق فخرجت حروفها مبعثرة :
 " زيي...زين ..انا ..." 
قال الشاب من خلف زين وهو يضع يده فى خصره:
 " هوا فى ايه بالظبط ؟..مين ده يا صوفيا ؟؟" 
تعلقت عينا صوفيا بعينى زين اللائي اتسعتا في صدمة ودعت الله ان يحدث ما تنتظره بسرعة ، مرت لحظات قصيرة قبل أن تأتي ايتن لينتفض الشاب لحظتها ويهتف في فزع :
" ايتن " 
التفت زين فى بطء ليجد شقيقته خلفه فوضعت يديها على ثغرها وهي تشهق :
" لا " ..
نظرت صوفيا الى ايتن والى زين الذى تخلص من ذهوله اخيرا ليجد الشاب قد استغل حالة الصدمة التى المت بالجميع وترك المكان ، اقتربت صوفيا وهى تضم كفيها الى بعضهما في رجاء :
 " زين ...ارجوك تهدى عشان نعرف نتك.." 
ولم تكمل جملتها اذ دفعها بعنف على الأريكة هاتفا :
 " احنا مفيش بينا كلام ...روحي كملي قعدتك واستني البيه لما يرجع ..انتي انسانة مستهترة معندكيش لا اخلاق ولا دين ...وجهة نظرهم من الأول كانت صح مهما أحاول معاكي مش هتتغيري ...وجودك فى الفيلا من الأول أصلا غلط ...ازاي مفكرتش انك ممكن تأثرى على أختي وتجريها معاكي لقرفك ده " 
حناجر قاسية اجاد تسديدها في جسدها بدقة ونفذت منه الى كرامتها وقلبها العاشق بحبه وكيانها الذي أصبح ينتمي بأكمله اليه ..
نظرت الى ايتن الغارقة في صدمتها التي انتشلها منها زين وهو يجذب خصلاتها بقوة و يصرخ بها :
" ايه اللى جابك هنا ..انطقي "
 ونظر الى صوفيا باشمئزاز ليضيف :
 " الهانم اللي عرفتك عليه مش كدة ؟؟" 
وضعت صوفيا يدها على صدرها وهتفت في الم :
" كفاية بقا ..ايتن اتكلمي قوليله انا هنا ليه ...قوليله احنا هنا ليه " 
ردت ايتن وكأنها فى عالم آخر :
" يعني هوا كان بيضحك عليا ؟؟؟...كان بيخدعني يا صوفيا "
 ارتخت قبضته لتترك خصلاتها ...انقلبت الموازين في لحظة ولم يعد يفهم ماذا يحدث بالضبط ...أمسك كتفيها وهزها بعنف :
 " انتي بتقولي ايه .. مين اللي بيخدعك ؟؟؟" 
وقبل ان ترد سمع الاثنان صوت ارتطام جسد صوفيا بالأرض وهي تسقط مغشى عليها ، تسمر زين فى مكانه  ..بينما تحركت ايتن بسرعة وأخذت تضرب على وجنتها في رفق وتناديها دون أي استجابة فنظرت الى زين وهتفت في هلع: 
" زين بسرعة ..حاسة نبضها ضعيف ..لازم ننقلها المستشفى " 
********************************
استند الى الحائط وهو يثنى ركبته ليرتكز بقدمه عليه بينما يعقد ذراعيه وهو ينظر الى ايتن في حنق قائلا :
 " بطلي عياط وفهميني ايه اللى حصل بدل ما اعرف منك بطريقة تانية " 
انتحبت وهي تحاول التماسك قائلة :
" حبيته يا زين ..حبيته وهوا كان بيخدعني " 
يخدعها !!!، وصلت الكلمات الى أذنه فلم تحتمل سوى معنا واحد محته هي على الفور مسرعة :
" اطمن محصلش حاجة ...أنا بس اتجرحت " 
هتف  فى نفاذ صبر :
 " اتكلمي بوضوح وقولي من الأول " 
ردت وهي تمسح دموعها :
 " أنا وسامح كنا بنحب بعض او اتهيئلي انه كان بيحبني ..حبيته لدرجة انه لما طلب مني اسيب حسام واهرب معاه واتجوزه كنت هطاوعه ..لولا صوفيا هيا اللي عرفتني حقيقته " 
استلقت فى تهالك على مقعد قريب لينهار جالسا الى جوارها فى صدمة لا يصدق بالفعل ان اخته الصغيره التى يعدها طفلة يصدر منها كل هذا ، واصلت هي دون ان تنظر اليه: 
" قالتلي أنه بالصدفة سمعت وعرفت أنه كداب وعاوز يخليني اهرب معاه عشان يبتز عيلتى بيا مش اكتر ..طبعا مصدقتش واتخانقت معاها وهيا قالتلي انها هتثبتلي انه مش بيجبني وكداب.. سمعتني تسجيل مكالمة ليهم سوا بيطلب منها تروحله شقة مفروشة عشان يتعرفو على بعض اكتر ..كان فاكر انها مجرد واحدة خواجاية سهلة ..برضه حبه كان عاميني ومصدقتهاش فقالتلي انها هتجازف عشان تثبتلي انى غلطانة ..فعلا قررت تروحله وانا كنت وراها بعربيتي طلعت موبايلها وفتحته بحيث اسمع كل حاجة بينهم وكانت مأمنه نفسها بجهاز وياها بحيث لو حاول يتهجم عليها...وفعلا صوفيا استدرجته فى الكلام وسمعت كل حاجة بوداني " 
ظل ينظر لها لحظات وهو غارق في صدمته وانكاره لكل ما يحدث ...هو في كابوس لا شك ... اخته تفعل هذا !!!..
 اخته تفكر فى الهروب ولا تضع لهم أي وزن او قيمة ، وصوفيا المتهورة الغبية تجازف بنفسها الى هذا الحد ، لما لم تبلغه بالأمر لينهي كل شىء  بيديه حتى لو اضطر لقتل تلك الحمقاء ، حاول ان يهدىء من انفعاله بقدر المستطاع حتى لا يفتك بها امام الناس فى المشفى فقال بصوت متهدج :
" انتى يطلع منك ده كله ؟؟؟ ليه ؟؟؟؟...كنتي عاوزة تهربى وتفضحينا ؟؟؟...مش عاوزة حسام قولي اتمسكى برأيك ..ابوكى وعدك انه مش هيجوزك غصب عنك " 
مدت اناملها الى كتفه فأبعدها فى عنف ونهض هاتفا:
 " امشى من وشى دلوقتى بدل ماافقد اعصابى قدام الناس وحسابك معايا بعدين " 
اخفضت رأسها وهمست فى حزن :
" حاضر همشى ..بس بلاش تظلم صوفيا ..انا اللى مكنتش مصدقة وهى اضطرت تعمل كدة عشانى ..او عشان انا اختك ..ارجوك متزعلش منها " 
نظر اليها في غضب وكأنه لم يسمع حرف مما قالته وهتف بها وهو يكور قبضته ويلكم بها الحائط خلفها 
 " سمعتى انا قولت ايه ولا لا " 
انتفضت في فزع وقبل ان ترد خرج الطبيب من غرفة صوفيا فاتجه اليه زين فى قلق لم يستطع مقاومة وجوده فهى حبيبته رفض او قبل لايهم :
" اخبارها ايه دلوقتى ؟؟" 
نظر له الطبيب مطولا وقال:
 " اتعرضت لانفعال شديد وده مخليها رافضة تفوق ..على كل حال احنا ادناها مهدئات وشوية وهتبقى كويسة ان شاء الله " 
*************************************************
انتفضت ايلينا من نومها فجأة وهي تلهث بشدة وتضع يدها على صدرها تقاوم انقباضاته المؤلمة و تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، انتفض يوسف الى جوارها فى قلق ، احتضن وجهها بين كفيه ودفنه فى صدره وهو يمسح على شعرها فى حنان هامسا :
 " بسم الله الرحمن الرحيم ..اهدى حبيبتى ...اهدى ..ده كابوس ..انا معاكى اهو " 
حاول ان يتركها قائلا : 
" هجيبلك مية " 
تشبثت به اكثر وهى تهز رأسها فى قوة ،رفع وجهها واحتواه بين كفيه ...ازاح باصابعه خصلات شعرها التى التصقت بجبينها المتعرق وقبله قائلا :
" انا جنبك يا روحي متخافيش " 
حاولت معادلة انفاسها المتسارعة لتقول:
 " قلبى مقبوض اوى يا يوسف ..حاسة فيه حاجة غلط " 
رد وهو يمسح على شعرها مجددا :
" اهدى بس ده مجرد حلم ..احنا كلمناهم قبل ما ننام وكانو كويسين " 
واستلقى بها من جديد ليجعلها تتوسد صدره وهى تتشبث به تشبث غريق بطوق نجاة ، اخذ يمسح على رأسها حتى بدأت ترتخى فابتسم قائلا :
 " حاولى يا ايلينا تنامى " 
همست فى ضعف :
 " مش عارفة " 
-" غمضى عينيكى هتنامى " 
ابتسمت من معاملته لها كطفلة فأحبت الدور وقالت :
 " احكيلى حدوتة " 
ضحك في صخب :
 " حدوتة ؟؟؟...حدوته ايه بقا ؟؟" 
رفعت رأسها قليلا لتنظر الى عينيه :
 " حدوتى معاك ..قولى ازاى حبتنى وامتى " 
اعاد رأسها الى صدره من جديد كأنه يخشى ضياعها وقال في شرود :
 " مش عارف ازاى ولا امتى وصلت لحالتى دى وبقيتى انتى كل حاجة فى حياتى ..حتى وقت ماكنت ببعدك كنت بدعى ربنا متبعديش ابدا ..فجأة لقيتك ماليه اى وجود للست فى حياتى  بقيتى امى واختى وحبيبتى ومراتى ..فجأة بقيتى بالنسبالى ادمان ...مش قادر اتخيل حياتى لحظة واحدة من غيرك ..على قد ما كنت خايف انه تيجى ست تسيطر على مشاعرى بالشكل ده ..على قد ما انا عايز اغرق اكتر واكتر فى حبك  " 
شعر بانفاسها المنتظمة تخبره باستغراقها فى النوم فتنهد بعد ان ضمها اليه بقوة وقبل رأسها بحنان:
" انا بعشقك يا ايلينا " 
********************************
نهض لاستقبال والده الذى جاء رافعا رأسه فى شموخ غريب فزفر فى غيظ وهو يقول :
 " جاي تطمن على نجاح خطتك مش كدة ؟؟" 
قطب محمود حاجبيه هاتفا فى غضب :
" خطتى ؟؟؟...اتكلم بأدب يا ولد انت ...انا بس كشفتها قدامك مش اكتر ...كنت متأكد ان اكيد ليها علاقات فحطتها تحت المراقبة عشان اثبتلك انك غلطان ...ها يا سعادة البيه لسة عايز تتجوزها بعد كل اللى عرفته " 
ابتسم فى سخرية وهو يرفع حاجبه :
 " المرة دي انت اللى غلطان " 
رد محمود فى عنف وهو يضرب كفيه ببعضهما ..
 " يااااه للدرجادي ماليه دماغك ....اكيد وصلت بدرى ملحقتش تشوف بعينك كل حاجة " 
اوقفه زين بكفه يمنعه من التمادي أكثر :
 " كفاية ظلم بقا " 
اتسعت حدقتا محمود فى انكار ...ماذا عليه أن يفعل أكثر من هذا ليثبت لولده انحطاطها ..هل عشقه لها ألغى كرامته كرجل :
" ظلم ؟؟....انت جايبها من شقة مفروشة يا استاذ ..عاوز ايه اكتر من كدة ...واكيد طبعا مش اول مرة ليها ..تلاقيها رافقت قبلك بدل الواحد عشرة وانت يا دوب واحد من ضمن " 
كاد زين ان يصرخ لأبيه بالحقيقة كاملة ولكن هل هذا سيشفع لها؟؟...
سيتهمها انها استخدمت جسدها للايقاع برجل كأى ساقطة ، هذا تفكير ابيه الذى يحفظه ، تبا لها لما لم تخبره من البداية ؟؟..
 ولكن اباه يجب ان يعرف بما فعلته ابنته...كلا ... الوقت والمكان غير مناسبين لاستقباله صدمة كتلك ..سيطمئن عليها أولا وبعدها يخبر أبيه بما فعلته ابنته المصون .. مسح على وجهه وقال في تعب :
" بابا انا متأكد انى اول واحد فى حياة صوفيا " 
رد ابوه فى تهكم وهو يفرك كفيه باصرار غريب :
 " ولو اثبتلك المرة دى بجد انك غلطان " 
تأمله زين فى حيرة فمال محمود اليه مواصلا :
 " هيا دلوقتى نايمة على حسب ماسمعت ومافاقتش ...يعنى لو خلينا اى دكتورة تكشف عليها هتعرف بسهولة  اذا كنت حضرتك هتبقى اول واحد ولا لا " 
شهق زين فى ذهول واتسعت عيناه لا يصدق ان من يتحدث هذا هو نفسه ابوه  الذى رباه على الفضيلة والخلق ، كيف يفكر فى امتهان كرامة انسانة بهذه الطريقة .. هتف بانفعال متناسيا انه امام ابيه:
 " اللى بتقوله ده مش هيحصل غير على جثتى فاهم " 
رد محمود فى برود غريب :
 " لما انت واثق فيها اوى كدة خايف ومرعوب ليه مادام هتطلع سليمة ..المفروض انت اللى تطلب كدة عشان تثبتلى انى غلطان " 
رد وهو يضرب الحائط بقبضته :
" عشان لامن حقى ولا من حقك ننتهك جسم انسانة بالطريقة دى "
نظر له محمود نظرة طويلة...يعرف أنه يلعب على أضعف أوتار ولده كرجل ..كرامته ..
يعرف أن ولده ربما يراوده الشك أكثر منه بعد ما رأى منها بعينه ولكنه يكابر ...حسنا سيعطه عرضا ربما قبل المساومة عليه :
 " هيا  مش في وعيها دلوقتي ..يعني لا هتحس ولا هتعرف حاجة وأنا أوعدك بشرفي أنها لو طلعت بنت هجوزهالك فورا ..
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-