رواية في قبضة الاقدار كاملة جميع الفصول بقلم نورهان العشري
رواية في قبضة الاقدار كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة نورهان العشري رواية في قبضة الاقدار كاملة جميع الفصول صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية في قبضة الاقدار كاملة جميع الفصول حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية في قبضة الاقدار كاملة جميع الفصول
رواية في قبضة الاقدار كاملة جميع الفصول
بمثل هذا الوقت من العام الماضي في إحدي ليالي كانون الباردة هُزِمت إحداهن أمام كلمات دافئه أغتالت برودة قلبها فأذابته و أضرمت النيران بأوردتها و التي سرعان ما أخمدتها لوعه الفراق لتترك خلفها بقايا حُطام إمرأة أقسمت على نُكران العشق طيله حياتها...
نورهان العشري.
كُلما كانت ذاكرة الإنسان قويه كُلما كانت حياته أصعب بكثير و في قانون العقل كل الأشياء قابله للنسيان ماعدا الشئ الوحيد الذي تود نسيانه.
أخرجت تنهيدة حارة من جوفها و هي تقف أمام شرفه مطبخها تُراقب نزول المطر الذي كان ينهمر بشدة في الخارج. كم كان ذلك المنظر من أهم مسببات السعادة بحياتها و الآن اصبح لا يجلب لها سوي تعاسه كبيرة ممزوجه بألم قاتل يستقر بمنتصف قلبها الذي و بعد مرور أربع سنوات على فاجعته الكبري لايزال ينتفض وجعًا حين يتحسس أي شئ و لو بسيط يُعيد إليه ذكرياته الرائعة المُشبعه بمرارة قاتله لازالت عالقه بحلقها للآن.
أخيرًا استطاعت أن تتخلص من سطوة ذلك العذاب الذي يتجلى بوضوح في عيناها و أغلقت الستار متوجهه إلى الثلاجه التي تتوسط ذلك المطبخ المستدير المترف إلى حد ما و قامت بإخراج ما تحتاجه لإعداد وجبة طعام ساخنه تُدفئ جوفها في هذا الليله شديدة البرودة كليالي كانون المعتادة و التي كانت ذات يوم تحمل الدفء إلى قلبها الذي كان غارقًا بالعشق حتى أذنيه و ها هي الآن تدفع ثمن حماقته...
زفرت بحدة و كأنها تنازع لتُخِرج وجعها بذرات ثاني أكسيد الكربون و شرعت في عملها الذي أتمته بعد عشرون دقيقه ثم توجهت إلى غرفه شقيقتها و طرقت عدة طرقات على الباب فلم يأتيها رد فقامت بفتح الباب بهدوء لتجدها نائمه كالعادة فتسللت مخالب الندم إلى قلبها لتقرضها من الداخل على ذلك الذنب الذي اقترفته بحق شقيقتها و عادت بذكرياتها للأسبوع الفائت
عودة إلى وقت سابق.
كانت جالسه على أحد المقاعد بشموخ في ذلك البهو الكبير تنتظر الميعاد الذي جاهدت أسبوعًا كاملًا حتى تحصل عليه و ها هو يأتي بمنتصف اليوم و هي في عملها لتهاتفها تلك الفتاة بلهجه صلفة تخبرها بأن موعدها مع السيد سيكون بعد خمسة و أربعين دقيقة و ألا تتأخر فاضطرت إلى ترك عملها ومهرولة إلى ذلك الصرح الكبير الذي كان يثير في نفسها التوتر الذي قُلما يظهر عليها و لكنه كان نابع من السبب المحرج في كونها تود مقابلة ذلك السيد الذي كان الوصول إليه شاقًا و كأنه أحد رموز الدوله أو أحد المشاهير.
فجأة طرأ على بالها صورته التي تخيلته عليها من حديث أخاه عنه. عجوز، بدين، أصلع، قصير القامه، سمج، لا يفقه شئ في هذه الحياة سوي جمع الأموال فقط.
كم يثير نفورها و إشمئزازها هؤلاء الأشخاص الذين هم على شاكلته! و تتمني من الله أن يمر موعدها معه على خير و أن تجد عنده من التعقل ما يجعله يستمع إلى حديثها أو بالأحري طلبها كي تعود حياتهم هادئه من جديد.
بلغ توترها ذروته حين أخبرتها الفتاة بأنه ينتظرها فسحبت نفسًا عميقًا إلى رئتيها قبل أن تنهض متوجهه إلى حيث أشارت عليها الفتاة و ما أن دخلت حتى لفت انتباهها المكتب الأنيق الذي يتمتع بذوق رجولي جذاب بتلك المقاعد الجلديه ذات اللون البني يتوسطهم منضده دائريه وضعت فوقها مزهرية بها بعض الزهور الجميله.
كان هذا أول ما رأته حين دلفت إلى الداخل لتجد على يمينها مكتب ضخم و لكنه أنيق و عصري أمامه مقعدين تتوسطهم منضدة صغيرة و خلفهم كان مقعد السيد المنشود و الذي كان يعطيها ظهره مما جعلها تتقدم خطوتين إلى الداخل و قد كانت خطواتها هادئه لا تعكس توترها الذي كان يزداد مع مرور الوقت خاصةً و أن ذلك المتعجرف لا يزال يعطيها ظهره مما جعلها تسخر داخلها قائله
هيا أرنا وسامتك أيها السيد المغرور!
بدأ شبح إبتسامه ساخرة في الظهور على جانب شفتيها و لكنها تجمدت فورًا ما أن دار الكرسي ليواجهها لتجد نفسها أمام أوسم رجل قد رأته بحياتها!
شعر أسود حريري لامع مصفف بأناقه ملامح رجوليه جذابه، عينان ثاقبه، أنف مستقيم، شفاه غليظه، ذقن منحوت ببراعه لحيه كثيفه نوعًا. كانت ملامحه تضج بالرجوله مُحاطه بهاله من الهيبه و الثقه اكتسبها من سنوات عمره الاربعين و جعلت ثباتها يتلاشي شيئًا فشيئًا إلى أن أتتها نبره صوته العميقه لتُكمِل صورتة الرائعه حين قال و هو ينظر إلى أسمها المدون أمامه
أنسه فرح عمران.
لا تعلم لما شعرت بشئ من السخريه في حديثه و إنعكس على نظراته التي بدت و كأنها تُقيمها و قد حمدت ربها كثيراً بأنها كانت ترتدي ثياب العمل الرسميه المكونه من تنوره سوداء تصل إلى أسفل ركبتيها و فوقها قميص من الستان الأزرق و جاكت من نفس لون التنورة و قد كانت تعكص شعرها فوق رأسها على هيئه كعكه منمقه فلا تترك الحريه لخصله واحده منه في الهرب. كان هذا المظهر يعطيها وقارًا تحتاجه كثيرًا و خاصةً الآن لمواجهه تلك الهيبه التي أمامها.
واصلت التقدم إلى أن وقفت أمامه مباشرةً ثم قالت بهدوء
أهلًا بحضرتك يا سالم بيه
هز رأسه ثم قال بإختصار
أتفضلي
أشار إليها لتجلس على المقعد أمامها فأطاعته بصمت و قد كانت عيناه مسلطه عليها بطريقه أربكتها قليلًا و لكنها تجاهلت ذلك و حاولت التركيز على ما أتت لأجله فرفعت عيناها إليه فوجدته يومئ برأسه بمعني أن تبدأ في الحديث فتحمحمت بخفوت و إحتارت كيف تبدأ فوجدت نفسها تقول بخفوت.
بصراحه في موضوع مهم كنت حابه أتكلم فيه مع حضرتك
لم تتغير ملامحه إنما تخللت السخريه نبرته حين قال
أنا كمان عايز أعرف يا تري إيه الموضوع الخاص إللي بيربطنا!
حل محل التوتر شعور بالغضب الممزوج بالخجل فهي حين سألتها مديرة مكتبه عن سبب طلبها لرؤيته أجابتها بإختصار موضوع خاص و كررت تلك الإجابه على مسامعها طوال الأسبوع المنصرم.
تحمحمت بخفوت قبل أن تقول بنبرة ثابته
في الحقيقه هو فعلًا موضوع خاص.
قاطعها دلوف مديرة مكتبه لتسمعه يخبرها بأن تحضر لها عصير ليمون و تحضر قهوته المعتادة. ثوان و التفت اليها قائلًا
معاكي. قولتيلي موضوع خاص!
إغتاظت من تكراره تلك الكلمه و كأنه يسخر منها لذا شدت ظهرها و أستقامت أكثر في جلستها و قالت بنبرة قويه
المقصود هنا بموضوع خاص أنه يخص ناس تهمنا. و إلى هما حازم أخوك و جنة أختي!
قالت جملتها الأخيرة على مهل و هي تُراقِب تبدل ملامحه من السخريه إلى الترقب و لكن لهجته بدت هادئه و هو يقول بإختصار
كملي.
أخذت نفسًا قويًا قبل أن تقول بلهجه قويه
بصراحه أنا عيزاك تبعد حازم أخوك عن جنة أختي!
سالم بلهجه خشنه
أنسه فرح ياريت توضحي أكتر؟
أومأت برأسها قبل أن تقول بنبرة قويه.
تمام. بإختصار حازم و جنه مرتبطين ببعض بقالهم فترة. في البدايه أنا كنت مفكراها مجرد علاقه زماله لكن أكتشفت بعد كدا أنهم بيحبوا بعض. و بصراحه أنا غير راضيه عن العلاقه دي. و كمان أختي لسه صغيرة
سالم بتهكم
و الصغيرة دي عندها كام سنه؟
أهتزت عيناها قليلًا قبل أن تقول بهدوء
21 سنه
رفع سالم إحدي حاجبيه قبل أن يقول بسخريه مبطنه
واضح أنها صغيره فعلًا! أقدر اعرف إيه سبب رفضك لعلاقتهم؟
ناظرته و هي تشعر بالغضب من ملامحه الجامدة و التي لا يبدو عليها أي شيء و لهجته الباردة و كأنها تخبره عن أحوال الطقس و لكنها تجاهلت ذلك كله و قالت بلهجه جافه
عشان أخوك مش مناسب لأختي
سالم بتهكم
حازم الوزان مش مناسب لأختك!
شعرت فرح بالمعني المبطن لكلماته فقالت مؤكده على كل حرف تفوهت به
بالظبط كدا.
لاحت إبتسامه ساخرة على شفتيه قبل أن يقول بتسليه
طب ما تقولي الكلام دا ليها! جايه تقوليهولي ليه.
شعرت فرح بالتسليه في حديثه لذا قالت بجفاء
ماهو لو الموضوع بالبساطة دي أكيد مكنتش هتعب نفسي و آجي أقابلك و أطلب منك تبعده عنها. و خصوصا إني طلبت منه دا و هو ملتزمش بوعده معايا
سالم بإستهجان
أنتي بتشوفيه؟
ذلك الرجل كان يثير بداخلها شعور عارم من الحنق لا تعلم سببه و لكنها أرادت أن تعكر صفو ملامحه الجامدة لذا قالت بهدوء و تشفي
شفته مره واحده لما كان جاي يطلب إيدها مني!
بالفعل و كما توقعت تغيرت كل ملامحه و إنمحت نظراته الساخرة و رأت بعضًا من الدهشه الممزوجه بالغضب الذي جعله يقول بهسيس خشن
يطلبها منك!
فرح بتأكيد
آه. جه طلبها مني من حوالي شهر و أنا رفضت و طلبت منه يبعد عنها و هو وعدني بدا و بعد كدا أكتشفت أنه ملتزمش بوعده معايا.
في البدايه كان مصدومًا من حديثها و لكن سرعان ما إنمحت الصدمه و حل محلها غضب كبير نجح في إخفاؤه و قد وصل إلى نتيجتين إما أن أخاه قد جُن ليفعل فعلته النكراء تلك ام أن تلك الفتاة تكذب و سوف يكتشف هذا الآن لذا قال بنبرة قويه
اقدر اعرف إيه سبب رفضك لواحد زي حازم؟ يعني عريس ميترفضش وسيم غني إبن ناس
فرح بإتزان.
مش عايزة أكون قليله الذوق بس المميزات إلى حضرتك قولتها دي أسبابي لرفضه و تحديدًا أنه إبن ناس. لإني عارفه أن الناس دي أكيد عايزين عروسه لابنهم تكون من نفس مستواهم الاجتماعي. و إحنا أقصد والدي الله يرحمه كان موظف يعني ظروفنا مهما كانت كويسه بس بردو على قدنا!
سالم ساخرًا
ما يمكن دي وجهة نظرك إنتي بس!
فرح بعدم فهم
مفهمتش تقصد إيه؟
سالم بلهجه فظه.
ممكن إنتي شايفه أن حياتكوا كويسه بس أختك لا. و مش عاحبها حياتها فحبت تغيرها للأحسن بإرتباطها بحازم.
تملكها غضب جارف حين إستشعرت الإهانه بين كلماته و أنه يظن بأن اختها صائدة ثروات لذا قالت بلهجه قويه
سالم بيه أنا مسمحلكش. أختي مش من النوع دا. جنه قنوعه جدًا و إن كانت متعلقه بحازم فعشان راسملها دور العاشق الولهان و هي بحكم أنها لسه صغيرة و مراهقه متعلقه بيه و مش شايفه غيره.
توقعت منه كل شئ إلا هذا السؤال المُباغت حين قال بلهجه صلفه
أنسه فرح إنتي مخطوبه؟
إرتبكت لثوان و لم تفهم ما المغزي من سؤاله المباغت و لم تسنح لها الفرصه للتفكير فأجابت بعفويه
لا.
إرتسمت إبتسامه ساخرة على شفتيه قبل أن يهز رأسه قائلًا بتهكم
كدا أنا فهمت!
كانت نظاراتها الطبيه تخفي عنه ذلك الصراع الذي يدور بداخلها فقد أربكتها كلماته و لم تعرف إلى ماذا يرمي فظلت نظراتها مثبته عليه لثوان قبل أن تضيئ عقلها فكرة جعلت الغضب يسري بأوردتها من ذلك المتعجرف البارد المغرور مما جعلها تقول بلهجه حادة بعض الشئ
ممكن اعرف إيه إلى أنت فهمته بالظبط؟ و إيه دخل إني مخطوبه أو لا في موضوعنا؟
كانت عيناه مثبته عليها تتلقفان كل حركه تصدر منها و كأنه يريد الغوص إلى داخلها حتى يعلم ماذا تخبئ خلف تلك القضبان الزجاجيه لنظارتها التي تحتمي بها و لكنه بالأخير أخذ نفسًا طويلًا قبل أن يقول بسلاسه
يعني لما أختك الصغيرة يتقدملها واحد زي حازم و يكون بيحبها أوي كدا أكيد من جواكي هتقولي طب إشمعنا أنا.
للحظه لم تستوعب حديثه و ظلت تناظره بصدمه لم يتأثر لها إنما تابع قائلًا بهدوء.
علي فكرة أنا مقصدش إنك حد وحش بس أعتقد إن الغيرة شعور طبيعي عند كل الستات!
شعرت و كأن دلو من الماء قد سقط فوق رأسها حين القي بعباراته الجافه على مسامعها فهبت من مقعدها و قد اخترقت كلماته المُهينه كبريائها و قالت من بين أنفاسها المتلاحقه.
عندك يا سالم بيه. لحد هنا و كفايه اوي. أنا لما لجأتلك كان عشان تساعدني أوقف وضع بالنسبالي مش مظبوط. حازم شخص مستهتر و دا بحكم سنه وأكيد انت عارف كدا و جنة إلى بتقول إني بغير منها دي تبقي بنتي الصغيرة قبل ما تكون أختي أنا إلى مربياها من و هي عندها عشر سنين بعد وفاة والدتي. و جه بعدها والدي توفي و هي عندها يدوب سبعتاشر سنه و أنا المسؤوله عنها و واجبي إني أحميها لما ألاقي في خطر حواليها. و عشان كدا أتجبرت إني أعمل كل دا و أقابلك و كنت اتمني إني الاقي منك دعم لإن الوضع كله مرفوض. بس يظهر إني غلطت لما جيتلك.
ألقت بكلماتها ثم استدارت بكبرياء للخلف تنوي المغادرة و لكن أتتها كلماته الآمره و لهجته الصارمه فجمدتها في مكانها
أستني عندك!
جفلت من لهجته و حبست أنفاسها حتى أنها لم تشعر به حين توقف خلفها و هو يقول بخشونه
لما تكوني بتكلمي سالم الوزان أوعي أبدًا تديله ضهرك. فاهمه!
لا تعلم متي إستدارت تناظره بزهول ذلك المتعجرف من يظن نفسه حتى يصرخ عليها بتلك الطريقه؟ هل يظنها إحدي رعاياه أو خادمه تعمل عنده؟ إشتعلت نيران غضبها مرة ثانيه ما أن همت أن تُلقنه درسًا لن ينساه حتى باغتها سؤاله حين قال بلهجه هادئه تُنافي لهجته منذ قليل
هي أختك جنه شبهك؟
للحظه نست وقاحته و أجابت بعفويه
آه شويه. بس ليه؟
ظهرت إبتسامه جانبيه على شفتيه حين تمام بخفوت
حازم طلع بيفهم. أهي حاجه تشفعله.
تحولت نيران غضبها بلحظه إلى خجل كبير غمر ملامحها و تجلي في إحمرار وجنتيها و لم تستطيع إجابته و لكنه فاجأها حين توجه مرة ثانيه خلف مكتبه و هو يقول بعمليه
أتفضلي مكانك يا آنسه فرح. موضوعنا لسه مخلصش.
أعادتها كلماته إلى موقفها السابق فرفعت رأسها بعنفوان و هي تقول بلهجه جافه
أعتقد إن معدش في حاجه تانيه ممكن تتقال أنا شرحتلك الموضوع كله و دا إلى كنت جايه عشانه
سالم بغموض
و مش عايزة تعرفي رأيي؟
نجح في جذب انتباهها و جعلها تشعر بالفضول لذا أجابت بلهجه حاولت جعلها ثابته
ياريت
أجابها بهدوء جليدي
رأيي إنك مديه الموضوع أكبر من حجمه!
فرح بإستهجان
بمعني؟
سالم على نفس هدوئه
حازم شاب و علاقاته كتير و معتقدش إن أختك حد مميز بالنسباله. و هي زي ما قولتلك ممكن كانت عايزة تحسن من حياتها عشان كدا فكرت ترتبط بحازم.
ثانيه. إثنان. ثلاثه مروا و لم تتغير ملامحها و ظلت تناظره بغضب و شعرت في تلك اللحظه بأنها إرتكبت حماقه كبيرة بمجيئها إلى هنا و لكن فات أوان الندم فها هو ينظر إليها ببنيتاه الكبيرتين بمنتهي الهدوء ينتظر ردها و هي لن تبخل عليه به فقد أرادت أن تُنهي هذا اللقاء اللعين بأي شكل لذا قالت بلهجه جافه.
بما إن دا رأيك يبقي مالوش لازمه أضيع وقتك و وقتي أكتر من كدا. مع العلم إني ضيعت من وقتي أسبوع بحاول أوصلك فيه. عن إذنك
تجاهل كلماتها و قال بلامبالاه و هو ينظر إلى الأوراق التي أمامه
أوعدك إني هدخل لو لاقيت الموضوع يستدعي زي ما بتقولي. شرفتيني
عودة للوقت الحالي.
زفرت فرح بحنق من ذلك المتعجرف المغرور الذي كانت تتمني لو أنها لم تقابله أبدًا في حياتها. و لكنها كانت تود أن تحمي شقيقتها من براثن أخاه و قد جاءت زياراتها له بنتائجها المرجوة فبعد ذلك اللقاء لم تسمع جنه تتحدث مع ذلك الشاب أبدًا و قد بدت ملامحها ذابله حزينه فأرجعت ذلك لأن ذلك المغرور أجبر أخاه على الإبتعاد عنها و قد كان كان الندم يقرضها من الداخل و الألم يعصف بها لرؤيه شقيقتها بذلك الحال و شعرت بأنها كالسيدة القبيحة التي تحاول منع سندريلا من الذهاب إلى الحفل!
لكنه كان أفضل لها من تلك المغامرة الخاسرة مع شاب مستهتر مثل حازم.
دخلت غرفتها و قد قررت بأنها ستُنهي ذلك اليوم الممل بالنوم عل الغد يأتي حاملًا الفرح بين طياته.
الثانيه عشر بعد منتصف الليل و أغلب الوسائد تفوح منها رائحه الدموع فمنهم من يبكي على فراق اُجبر قسرًا عليه و منهم من يبكي على غائِب سرقته الحياة عنوة و أصعبهم من يبكي ندمًا على فقده ما لا يمكن تعويضه حتى لو بكي مائه عام.
نورهان العشري.
كانت جنه تحتضن وسادتها التي كانت غارقه في سيل من الدموع التي لا تهدأ أبدًا و كأن أنهار العالم أجمع سُكِبت في عيناها. فقد كان هذا حالها منذ أسبوع مضي و هي تجلس وحيدة بغرفتها لا تشعر بشئ حولها و كأنها تود لو تختفي بتلك الغرفه للأبد. ترفض محاولة شقيقتها في التحدث إليها و تشعر بالإمتنان لها كونها لم تضغط عليهاو لكن هل ستصمت طويلًا؟
رجفه قويه ضربت أنحاء جسدها و هي تتخيل أن تُصارح شقيقتها بجُرمها الذي لا تعلم كيف إرتكبته في حق نفسها أولًا؟
إزدادات عبارتها بالهطول و خرجت شهقه قويه من جوفها تحكي مقدار الوجع الذي ينخر عظامها و لم تجد له أي دواء حتى الآن. و فجأة خطر على بالها شئ قد يُريحها قليلًا فهبت من مكانها و توجهت إلى المرحاض بأرجل مهتزة و أخذت تتوضأ بتروٍ و كأنها تزيل عن روحها ما علق بها من قذارة ذلك العشق الذي كان كالإعصار أطاح بحياتها و دمرها كلياً.
بعد مرور دقائق كانت تصلي بكل خشوع و دموعها منسابه على خديها لا تملك القدرة على إيقافها و لا تعرف ماذا تقول فقط كل ما كانت تقوله حين لامست جبهتها الأرض الصلبه
« يارب. سامحني. يارب »
ظلت تردد تلك العبارة كثيرًا و كأنها لا تعرف غيرها. فهي كل ما تحتاجه في تلك الحياة كي تستطيع مواجهه ما هو قادم.
بعد دقائق كانت أنهت صلاتها و ما أن همت بخلع ثوب الصلاة حتى سمعت إهتزاز هاتفها فتوجهت بخطً ثقيله لرؤيه المتصل و حينها سقط قلبها من شدة الذعر و تجمدت بمكانها حتى هدأ إهتزاز الهاتف حينها إستطاعت أن تطلق زفرة قويه من أعماقها و جلست بتعب على السرير خلفها ليعيد الهاتف إهتزازه مرة آخري و لكن تلك المرة كان رساله نصيه فقامت بفتحها بأيد مُرتجِفه لتخرج منها شهقه فزعه حين قرأت محتواها.
« انا قدام الباب لو منزلتيش تقابليني دلوقتي هعملك فضيحه قدام الناس كلها »
إرتعش جسدها بالكامل من هذا التهديد الصريح لهذا الوقح الذي كانت عاشقه له حد النخاع والآن تتمني لو أنها لم تلتقي به أبدًا.
عاد إهتزاز الهاتف مرة آخري فهبت من مكانها و قامت بالضغط على ذر الإجابه و قبل أن تتفوه بكلمه واحده جاءها صوته الغاضب.
أنا مستنيكي قدام الباب تحت دقيقه و الاقيكي قدامي و إلا هنفذ إلى قولته في الرساله.
أجابته بإرتجاف و دموعها تسري على خديها
حازم أنت مجنون أنت عارف الساعه كام دلوقتي؟
حازم بصياح
تكون زي ما تكون قولتلك إنزلي دلوقتي حالًا
إرتعبت من لهجته الغريبه كليًا عليه و قالت بلهفه
طب أرجوك وطي صوتك. وأنا هنزلك حالًا.
أغلقت الهاتف و قامت بالتوجه إلى باب الغرفه بحذر شديد و نظرت إلى غرفه شقيقتها و الندم يكاد يفتك بقلبها ثم أعادت انظارها إلى الباب أمامها و بخطً ثقيله توجهت لملاقاة ذلك المجنون ففتحت الباب برفق فقد كان الجو بارداً جداً و المطر على وشك الهطول فإحتمت بوشاحها أكثر و هي تنظر حولها إلى أن وقعت عيناها على ذلك الذي كان ينتظرها بجانب الطريق فتوجهت إليه و ما أن همت بالحديث حتى إقتادتها يداه و أجلستها في المقعد المجاور للسائق دون أي حديث و ما أن جلس بجانبها حتى أنطلق بالسيارة بأقصى سرعه فجن جنونها و قالت بصراخ.
أنت مجنون؟ أنت واخدني و رايح على فين؟
كان موجهًا نظراته إلى الطريق أمامه و هو يقول بنبرة قويه
هنهرب من هنا!
كانت تغط في نوماً عميق حين أخذ الهاتف يرن دون إنقطاع فتململت في نومتها و ألتفتت إلى النافذه فوجدت الخيوط الأولي لشروق الشمس تلون السماء فإلتفتت تجاه الهاتف لرؤيه من المتصل لتجده يرن من جديد فأجابت بنعاس
آلو.
المتصل
أنسه فرح عمران؟
أيوا أنا مين؟
إحنا بنكلمك من مستشفي (. ) أخت حضرتك عملت حادثه و حالتها خطر.
لا تعلم كم من الوقت مر عليها و هي جالسه أمام تلك الغرفه تنتظر خروج الطبيب ليُطمئِنها على شقيقتها فهي منذ أن علمت بهذا الخبر المشؤوم الذي لم تُصدقه من البدايه وجدت نفسها تلقائيًا تتجه إلى غرفتها في محاوله منها لتكذيب ما سمعته أذناها و لكنها وجدتها خاويه فسقط قلبها رعبًا من أن يُصيبها مكروه و لا تعلم كيف إرتدت ملابسها و هرولت إلى هنا لمعرفه ماذا حدث.
قاطع شرودها خروج الطبيب الذي هرولت إليه قائله بلهفه من بين دموعها
طمني يا دكتور أختي عامله إيه؟
الطبيب بعمليه
متقلقيش. المدام بخير. شويه جروح و كسور لكن هتبقي كويسه بإذن الله
سقطت كلمته فوق رأسها كمطرقه قويه في حين أخذ عقلها يردد جملته بغير تصديق
المدام!
↚
كل الأشياء التي تمنيتها لم أحصُل عليها، و بالمقابل رفضت كل الأشياء التي أرادتني، و هكذا إستمرت معاناتي مع الحياة و لا أدري إلى أين يأخُذني طريقي؟ و لكني أتلهف لنهايه سعيدة لم تكن يومًا في الحسبان...
نورهان العشري.
لم تنتهي مُعاناتي مع الحياة بل أظنها بدأت. فبالرغم من كل ما مررت به إلا أن ذلك الألم الذي أشعر به الآن كان ثقيلًا للحد الذي جعلني أود الهرب من كل شئ حتى من نفسي...
نورهان العشري.
مهما بلغت قوتك و صلابتك يومًا ما ستجد نفسك بحاجه للهرب من كل شئ. هكذا كانت تشعر و هي تسير بذلك الرواق الذي بدا طويًلا لا ينتهي كمعاناتها تمامًا فلطالما إختبرت الحياة صبرها بأقسي الطرق بداية من خسارتها لوالدتها في عمر التاسعه عشر و توليها أمر العنايه بطفلة صغيرة لم تتجاوز العاشرة من عمرها و مرض والدها الذي لم يكن يتحمل فراق زوجته و ظل يُنازِع في الحياة حتى لحق بها بعد سبعة أعوام قضاها بين أروقة المشافي و هي خلفه تُسانده بكل لحظات مرضه و تعتني بشقيقتها الصغيرة دون كلل لتتوالي الصعاب حين أجبرتها الحياة عن التخلي عن حلمها بعد أن اجتازت السنه الأولي من كليه الطب بتفوق لتجد أن أحوالهم الماديه و العائليه لا تسمح لها بالإستمرار بها و إضطرت إلى تحويل أوراقها لكليه التجارة و التي لا تتطلب حضورًا مستمرًا و لا أموال كثيرة و هذا أحزن والدها كثيرًا و لكنها كانت تتظاهر أمامه بأنها لا تهتم و أن هذا الأفضل لها و أستمر الحال حتى أسترد الخالق أمانته و تركها والدها تواجه مصاعب الحياة وحدها و قد كانت شقيقتها مازالت بعمر المراهقه مما جعلها تُثابِر و تُجاهِد حتى حصلت على عمل في إحدي الشركات الكبيرة و بإجتهادها و برغم كل العراقيل و الصعوبات التي واجهتها إلا أنها استطاعت أن تُثبِت أقدامها و تثبت نفسها في العمل و إستمرت الحياة تارة هادئه و تارة صاخبه حتى ظنت بأنها ابتسمت لها اخيرًا حين تعرفت على «حسام الصاوي» كان زميلها في العمل و قد تعرفت عليه بعد أن كان قادمًا من فرع الشركه بمدينه الإسكندريه للعمل في الفرع بالقاهرة و قد سرق فؤادها فور أن وقعت عيناها عليه و قد وقع في حبها هو الآخر و ظنت بأنها أخيراً وجدت طريق السعادة حين طلب منها أن يتقدم لخُطبتها و بالفعل تمت الخطبه و قد كانت في قمة سعادتها معه فقد كان كالحلم وسيم، لبق، ذو بنيه قويه، متوسط الطول، بشوش الوجه و ذو حس فكاهي كان يهون عليها الكثير و يدعمها بكل الطرق و استمرت الحياة الورديه بينهم لبضعة أشهر و لكن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن و فجأة تغير كل شئ حين جاءتة ترقيه و التي تتطلب السفر للعمل في فرع الشركه بالخارج و قد طلب منها حسام الزواج و السفر معه و لكنها كانت مُكبله بواجبها تجاه شقيقتها التي ليس لها أحد في تلك الحياة سواها و هكذا وجدت نفسها في مواجهه صعبه وضعها بها حسام الذي اتهمها بأنها لا تحبه و لا تفكر في مستقبلهما و لم تنفع محاولاتها في التأثير عليه و إقناعه بحبها له لذا اضطرت أن تأخذ جانب شقيقتها في النهاية فهي أبدًا لن تتخلي عنها حتى لو كان الثمن سعادتها معه. و أخبرها قلبها بأنه إن كان حقًا يُحبها سوف يتفهم دوافعها و لكن أتتها الصدمه حين علمت بزواجه من زميله لها و السفر معها إلى الخارج. حينها شعرت بأن كل عالمها أنهار حولها. الأمر كان مروعًا لدرجه إصابتها بالحمي التي جعلتها طريحه الفراش لشهر كامل تهذي بإسمه تنتفض كل ليله كعصفور صغير ضربته صاعقه البرق فمزقته إلى أشلاء لتهرول إليها شقيقتها تحتضنها محاولة تهدئتها كل ليلة و قد أستمر الحال طويلًا إلى أن استيقظت ذات يوم و هي تشعر بالنفور من ما وصلت إليه حالتها و قد نفضت عنها ثوب الضعف و إرتدت قناع القوة و اللامبالاة و قد أقسمت حينها بألا تدع شئ في الحياة يهزمها.
و لكن الضربه هذه المرة لم تكن قويه و لا مؤلمه بل كانت مميته للحد الذي جعلها عاجزة عن التنفس تشعر و كأن كل شئ إنهار فجأة.
لأول مرة بحياتها تتمني الموت بل و تشتهيه عله يريحها من هذا الألم الذي تشعر به فقد كانت الخسارة فادحه فمن كانت تقاوم لأجلها و تتحدي كل الصعاب في سبيل الحفاظ عليها هي السبب في هلاكهما معًا.
كانت تجر قدماها لتصل إلى غرفة شقيقتها و لا تعرف ما الذي عليها فعله و لا كيف ستواجهها و لكنها مُجبرة على تلك المواجهه.
تقدمت إلى الدخل بخطً ثقيله فوجدت جنه التي كانت تتسطح على ظهرها و وجهها في الناحيه الآخري و قد كانت ترفرف برموشها كمن يحارب واقعًا أصبح مفروضًا عليه و لكنها ما أن سمعت صوت الباب يغلق خلفها حتى تجمدت الدماء بعروقها و شعرت بضربات قلبها و كأنها إبر تنغز بكامل جسدها فتؤلمه بطريقه لا تُحتمل و لا تتناسب مع سنوات عمرها الواحد و عشرون.
توقفت فرح أمامها تناظرها بملامح جامدة و عينان جاحظه و كأنها تمثال جميل نقش على ملامحه الوجع و لونت الخيبه تقاسيمه فلم تستطع جنة إيقاف سيل الدموع الجارف الذي أجتاح مُقلتيها و أخذت شفتيها ترتعش حين سمِعت تلك الكلمه البسيطه المكونه من ثلاث أحرف كانت حادة كنصل سكين إنغرز بقلبها
ليه!
كانت تلك الكلمه التي استطاعت فرح التفوه بها و التي كانت يتردد صداها بعقلها الذي كان كالمسعور يريد معرفه الإجابه علها تهدئ من نيران غضبه و لو قليلًا و لكن لم يصل إلى مسامعها سوي صوت بكاء جنة التي كانت شهقاتها تشق جوفها من شدة الألم و لم يستطع لسانها سوي التفوه بعبارات إعتذار واهيه لا تسمن و لا تغني من جوع
أنا أسفه يا فرح سامحيني.
لا تعرف كيف خرج صوتها بتلك القوة حين صرخت و هي تقول بقلب ممزق.
ردي عليا. عملتي في نفسك كدا ليه؟
إرتجفت جنة رعبًا من مظهر شقيقتها التي بدت و كأن الصدمه أصابتها بالجنون و قد أنشق قلبها لنصفين كونها السبب في حالتها تلك لذا حاولت التحرك من مكانها لتصل إليها فلم تستطع من شدة الألم فحاولت مد يدها لتمسك بيد شقيقتها التي كانت على بعد خطوتين منها و لكن حدث ما لم تتوقعه إن أبتلعت فرح بفزع عن ملامسه يدها و كأنها شئ مقرف تتقزز منه مما جعل تنفسها يزداد بشدة و كأن قلبها قد فاض به الوجع فقرر الخروج من مكانه و إزداد إرتعاش فمها الذي خرجت الكلمات منه بصدمة ممزوجه بعتاب و ندم.
فرح. أرجوكي تسمعيني
ناظرتها فرح بعينان إرتسم بها الخيبه و الغضب و القهر في آن واحد و قالت بمراره
سمعاكي. سمعاكي يا مدام جنة!
كانت تلك الكلمه مُرة كالعلقم في فمها حين تفوهت بها و لكن كان بداخلها شعاع أمل بسيط بأن تنفي شقيقتها ذلك العار الملصق بها و لكنها قابلتها بدموع الإقرار بذنبها العظيم مما جعلها تسقط جالسه فوق أقرب مقعد قابلها و هي تقول بضعف ممزوج بخيبه أمل.
هتقولي إيه يا جنه. عندك إيه تقوليه؟ في إيه ممكن يمحي الجريمه إلى عملتيها في حق نفسك و حقي؟ ليه يا جنة؟ ليه رخصتي نفسك كدا؟ ليه دانا ضيعت عمري كله عشانك! ليه يا جنه ليه؟
كانت كلمات شقيقتها حادة كنصل سكين أخذ يمزق قلبها إربًا و هي لا تستطيع سوي البكاء فقط فقد تبخر كل شئ من عقلها في تلك اللحظه حين رأت شقيقتها منهارة بتلك الطريقه فقد إعتادت عليها قويه شامخه و قد كانت تراها الجدار الذي تتكئ عليه دائمًا و لكن الآن إنهار جدارها الحامي و كانت هي الفأس التي حطمته!
للحظه لم تدرك ما حدث و لكنها إرتعبت حين رأت «فرح» تهب من مكانها تقف أمامها و قد إرتسم الجنون بنظراتها و قست ملامحها و إمتدت يدها تمسك بكتفيها تهزها بعنف و هي تقول بلهجه قاسيه و نبرة قويه
عملتي كدا ليه؟ ردي عليا
و كأن لسانها فقد قدرته على الحديث فلم تستطع سوي أن تبكي بعنف و هي تهز رأسها يمينًا و يسارًا و قلبها يرتجف رعبًا و ألمًا كُلما هزتها شقيقتها التي قالت بصراخ
ردي عليا.
أتبعت جملتها بصفعه قويه سقطت من يدها على خد جنة التي برقت عيناها مما حدث و توقف جسدها عن الأهتزاز و تجمدت الدموع بمقلتيها من فرط الصدمه التي كانت أضعافها من نصيب فرح التي تراجعت خطوتان للخلف و هي تنظر إلى كفها تارة و خد جنة تارة آخري غير مصدقه ما فعلته و لكن تلك البقعة الحمراء على وجنة شقيقتها جعلتها تُدرِك ما حدث لتجد نفسها تهرول للخارج دون أن يكون لها القدرة على إيقاف قدميها و لم تشعر سوي و هي خارج بناء المشفي فتوقفت تحديدًا أمام الباب الرئيسي لتستعيد أنفاسها الهاربه و أخذ صدرها يعلو و يهبط فسقط جزعها العلوي إلى الأمام و أسندت يدها فوق ركبتيها و هي تلهث بقوة و عبراتها ترتطم بالأرض أمامها دون توقف.
مرت لحظات و هي على هذه الحالة إلى أن إستطاعت أن تستقيم في وقفتها و أخذتها قدماها إلى الحديقه و ما أن خطت خطوتان حتى تسمرت في مكانها حين وجدت ذلك الجسد الضخم يقف أمامها بشموخ يعطيها ظهره و دخان سجائره يشكل سحابه هائله فوقه فقادها الفضول لتتقدم خطوتان إلى حيث يقف و وجدت نفسها تقول بصوت مبحوح
أنت بتعمل إيه هنا؟
لا يعلم كيف و لكنه علم بهوية ذلك الصوت الذي كان منذ بضعة أيام مليئ بالتحدي و العنفوان و الآن أصابه الضعف و الخيبه حتى خرج مبحوحًا جريحًا بهذا الشكل
نفس السبب اللي مخليكِ هنا
هكذا أجابها بإختصار دون أن يستدير لينظر إليها فقد توقع ملامحها من المؤكد أنها تحمل ألم نبرتها.
تقدمت خطوتان حتى وقفت بجانبه و قد بدأت تعي ما يحدث حولها فأخذت تنظر أمامها بضياع قبل أن تسمعه يقول بنبرة جامدة
كان عندك حق!
صمتت لبرهه قبل أن تقول بنبرة خافته
هو عامل إيه دلوقتي؟
أخذ نفسًا طويلًا فشعرت بأنه يجاهد حتى يخرج الكلام من بين شفتيه حين قال بجمود
أدعيله
لم تنظر إليه فقد كانت تشعر بأنها عاريه تقف على رمال متحركه و لا تملك سوي الدعاء الذي لا يقدر على ذلك القدر المظلم سواه لذا رددت بصوت خفيض و لكنه مسموع
اللهم إني لا أسألك رد القضاء و لكني أسألك اللطف فيه.
وجد نفسه لا إراديًا يردد ذلك الدعاء و لكن بداخله فقد كان لأول مرة بحياته يقف عاجزًا مُكبل بقيود القدر الذي وضع شقيقه الأصغر قاب قوسين أو أدني من مفارقة الحياة.
فوضعه خطر للغايه هكذا أخبرهم الطبيب و هو لم يستطع الإنتظار بالداخل فقط شعر بالإختناق و بالضعف الذي لا يليق به خاصةً و أنه الداعم الرئيسي لعائلته لذا ترك شقيقته و والدته و بجانبهم سليم أخاه الأصغر في الدخل و خرج إلى الهواء الطلق عله يستطيع التنفس و إخراج شحنات ألمه بلفائف سجائره التي تناثرت أسفل قدميه بإهمال فشكلت صورة من يري عددها يُجزِم بأن هذا الشخص حتمًا يُريد الإنتحار.
معرفتش إلى حصل دا حصل إزاي؟
لا تعلم لما خرج هذا السؤال السخيف من فمها فما حدث لا يكن بالشئ الهام أمام عواقبه و لكنها أرادت قطع الصمت القائم حتى تهرب من الأحدايث التي تدور بعقلها و تقوده إلى الجنون.
لا. بس هعرف
كانت إجابة قاطعه كلهجته و لكن ما بعدها كان يحمل الوعيد في طياته أو هكذا شعرت حتى جاءها صوته صلبًا تشوبه بعض الخشونه حين قال
أختك عامله إيه؟
كانت تود لو تصرخ بالإجابه التي كانت تمزق قلبها إلى أشلاء و لكنها كتمت بكائها الذي كان يهدد بالإنفجار و أبتلعت غصه مريرة قبل أن تقول بنبرة ثابته
الحمد لله
الحمد لله هي الكلمه المُعبِرة دائمًا عن الحال مهما بلغ سوءه و لكن دائمًا هناك يقينً راسِخًا بقلب المؤمن يُخبره بأن ذلك القدر الذي أختاره الله له ليس إلا خيرًا مهما حوا من الصعاب و الأزمات لذا أغمضت عيناها رددت بقلبها.
الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه
ما أن أنهت جملتها حتى أخترق مسماعها صوت صراخ و عويل قادم من الداخل إنتفض على إثره هو الآخر و ردد بقلب مرتعب
حلا!
بلمح البصر وجدته يهرول للداخل و دونًا عنها أخذتها قدماها خلفه حتى تفاجئت من هذا المشهد المرعب حين وجدت فتاه بعمر أختها أو ربما أصغر قليلًا و هي تنوح و تنتحب و بجانبها رجل آخر يحتضنها و قد كان هو الآخر في حالة من الإنهيار الصامت الذي تجلي في عيناه التي تناظرها بصدمه و ضياع. حينها توقفت غير قادرة على التقدم خطوة واحده فقد وقعت الصدمه عليها هي الآخري فجمدتها بمكانها خاصةً عندما وجدته يسقط على الكرسي خلفه بضعف غريب يتنافي تمامًا مع حدة ملامحه و شموخه السابق الذي كان يحيط به و تبددت تلك الهالة من الهيبه التي تحيط به و تحولت إلى ضعف كبير فهي عندما شاهدته أول مرة كان تعلم أن عمره أربعون عامًا و قد بدا أصغر بكثير أما مظهره الآن يوحي بأنه قد تجاوز السبعين من عمره...
فألم الفقد قادر على سحق الإنسان بين طياته و إنهاك الروح للحد الذي يجعلها كثوب مُهلهل تبعثرت خيوطه
حتي أن كل فلسفه العالم لا تستطع إصلاحه و لا مواسات إنسان عما فقد.
فلا بكاء ينفع و لا صراخ يشفع و الصمت مُميت و البوح ليس بكلمات تُقال بل يشبه تفتت الجبال.
(أعاذانا الله و إياكم من فقد عزيز)
نورهان العشري.
شعرت بنغزة كبيرة في صدرها و الذي أخذها جرًا إلى غرفة شقيقتها بقلبً لهيف ففتحت الباب بقوة مندفعه إلى السرير الذي تستلقي عليه جنة التي ما أن شاهدتها حتى اإتمعت عيناها الباكيه و همت بالحديث لتتفاجئ بفرح تحتضنها بقوة لم تتوقعها و يدها تشدد من عناقها بكل ما أوتيت من حب و ضعف و خوف فهيوصغيرتها التي ربتها و أعتنت بها طوال حياتها و إن كان خطأها جسيمًا بل مروعًا فهي لا تستطيع سوي أن تحمد ربها على نجاتها.
أخذت جنة هي الآخري تشدد من عناق فرح و هي تبكي بقوة و داخلها ينتفض تزامنًا مع شهقاتها التي تردد صداها في أنحاء الغرفه التي شهدت على شتي انواع المشاعر في تلك اللحظه فقد كان الندم و الإعتذار من جانب جنه و الخوف و الغضب من جانب فرح و قد كان الألم شعور مشترك بينهما لذا طال العناق لدقائق حتى أفرغت الفتاتان ما بجوفهما من مشاعر و كانت أول المنسحبين فرح التي كانت تحني رأسها بتعب فامتدت يد جنة تحت ذقنها ترفع رأسها إليها و هي تقول بنبرة بها الكثير من الاعتذار و الندم.
والنبي ما توطي راسك كدا أبدًا. انا معملتش حاجه في الحرام. حازم جوزي
لوهله لمع بريق الأمل بعيناها ما أن سمعت حديث شقيقتها فخرجت الكلمات مرتجفه من بين شفتيها و هي تقول بترقب
جوزك؟
أهتزت نظرات جنه للحظه قبل أن تقول بتوتر.
↚
آه جوزي. إحنا أتجوزنا عرفي. بس الورقتين معايا في البيت و هو بيحبني اوي وعمره ما هيتخلي عني. انا واثقه من دا والله هو طلب مني نعمل كدا عشان نضغط عليكي و على أهله عشان توافقوا على جوازنا. و لو مش مصدقاني هخليه يقولك كدا بنفسه.
قالت جملتها الأخيرة بلهفه بعدما لمحت تلك النظرة المنكسرة بعين شقيقتها و إختفاء تلك اللمعه التي ظهرت عندما ذكرت زواجها منه.
كانت كالغريق الذي وجد زورق النجاة بعد إنقلاب سفينته في بحر هائج و الذي إتضح بعد ذلك بأنه زورق مثقوب قابل للغرق في أي لحظه هذا كان حالها عندما سمعت جملتها عن ذلك الزواج العرفي الذي لن يعترف به أحد خاصةً بعد وفاة حازم فانطفئ شعاع الامل من عيناها و شعرت بالشفقه على حالها ما أن تعلم بما حدث و نظرًا لعذاب شقيقتها الظاهر جليًا على محياها و إصابتها العضويه و النفسيه آثرت تأجيل الحديث لحين أن تستعيد صحتها و كذلك لتستطيع التفكير هي بهدوء في تلك الكارثه التي بدت و كأنها حلقة مغلقه لا مخرج منها ابدًا.
نامي دلوقتي و لما تصحي نبقي نتكلم.
هكذا خرج صوتها جافًا به بحه بكاء مكتوم لم يعد وقته الآن فحاولت جنة الحديث لتوقفها كلماتها الصارمه حين قالت
قولتلك نامي دلوقتي و بعدين نبقي نتكلم.
أبتلعت حروفها و هي تنظر إلى شقيقتها التي كان ثوب القسوة جديد كليًا عليها و قد آلمها ذلك كثيرًا و لكنها داخليًا تعترف بأنها تستحق أسوء من ذلك و بأن الموت هو الجزاء الذي تستحقه على جُرم أقحمها به غبائها و إنسياقها خلف قلبها.
كانت ليله طويله على الجميع لم ينم بها أحد سوي جنة التي أعطاها الطبيب مهدئًا حتى يحميها من ذلك الألم الكبير في ذراعها المكسور و تلك الكدمات التي إنتشرت في أماكن متفرقة في جسدها و لكنه لم يستطع حمايه روحها المعذبه و لا قلبها المكدوم و قد تمكنت منها الكوابيس التي أيقظتها مرات كثيرة و هي تنتفض صارخه لتتلقفها يد فرح التي كان عذابها كبيرًا للحد الذي منعها من النوم و من البكاء و من أي شئ قد يريحها فقط أنفاس قويه تقذفها من جوف وجعها و كأنها جمرات حارقه حتى عندما كانت تهرول لإحتضان شقيقتها التي كانت ترتجف لم تستطع التفوه بكلمه واحده فقط تعانقها و تمسد بيدها فوق خصلات شعرها إلى أن تهدأ و تعود للنوم.
أخيرًا بزغ نور الصباح ليُعلِن عن بِدأ يوم جديد مُحملًا بأوجاع الأمس التي سيكون الشفاء منها أمرًا مستحيلًا و قد تترك ندوب ستستمر معهم طوال حياتهم.
وضعت فرح يدها على عيناها التي لم تستطع التأقلم بعد على نور الصباح الذي دخل من النافذة فنهضت بتعب من مقعدها و دلفت إلى المرحاض تغسل وجهها و خرجت لتجد الممرضه و الطبيب الذي كان يعاين شقيقتها و أمر الممرضه بإعطاءها أدويتها فبادرته فرح بالحديث بصوت مبحوح.
حالتها عامله إيه يا دكتور؟
الطبيب بعمليه
زي ما قولتلك حالتها مش خطر و مع الانتظام على الأدويه أن شاء الله هتبقي أحسن بس طبعًا مش هينفع تروح قبل ما نطمن عليها.
فرح بهدوء
يعني قدامنا قد إيه كدا؟
لاح بعض التوتر على ملامح وجهه و لكنه سرعان ما أختفي و قال بعمليه
ممكن أسبوع مش اكتر أن شاء الله
ثم تابع بإشفاق لامسته من بين كلماته
أنتي إلى واضح عليكي الإرهاق أوي ودا غلط.
لاحت إبتسامه ساخرة على شفتيها قبل أن تقول بصوت لا حياة به
مش هتفرق كتير يا دكتور. المهم هي تقوم بالسلامه.
الطبيب بإشفاق
هكتبلك على شويه مقويات عشان مينفعش أنتي كمان تقعي. أنا عرفت منها أنك عيلتها الوحيدة. و لازم تكوني جمبها خصوصًا في الوقت دا.
لم تجادله فرح التي كانت في تلك اللحظه نفذت كل قواها فأخذت منه الورقه بصمت و ما أن أوشك على المغادرة حتى قالت بلهفه.
دكتور معلش ممكن تخلي حد من الممرضات يفضل جمبها ساعه بس أروح البيت أجيب هدوم ليا وليها و شويه حاجات كدا. زي ما حضرتك شفت انا جيت جري و معناش أي حاجه هنا.
الطبيب بتفهم
مفيش مشكله. أنا هعين ممرضه مخصوص تفضل جمبها لحد ما تروحي و ترجعي
كان إهتمامًا مبالغ فيه و لكنها في وضع لا يسمح لها بالسؤال و لا حتى بالتفكير لذا هزت رأسها و تمتمت بعض عبارات الشكر قبل أن تشرع في تجهيز نفسها للمغادرة.
تلك اللحظه حين تضع قبله أخيرة فوق جبين ميت كان يعني لك الحياة و أكثر، حين تشعر برجفه قويه تضرب أنحاء جسدك ما أن تُلامس برودة و سكون ذلك الكف الذي لاطالما كان يعج بالدفء و الحياة. نظرتك الأخيرة حين تشاهد جزءًا كبيرًا من روحك ينشق عنك ليتواري معه تحت الثري. تلك اللحظات لا تُنسي ابدًا بل تظل عالقه في ذاكرة القلب و كأنها نُحتت من رحم النار التي تبقي مشتعله إلى أن يحين اللقاء بهم في العالم الآخر...
(اللهم إنا نعوذ بك من فواجع الأقدار و فقد الأهل و الاحبه)
نورهان العشري.
كان في طريقه للمشفي لإستلام جثمان أخيه حتى يتم دفنه ليذهب إلى مثواه الأخير و كم كان ذلك الأمر شاقً على قلبه الذي للآن لم يستوعب تلك المصيبه التي حلت بهم. لم يدرك ماذا يحدث حوله أصوات النحيب و البكاء تحيط به في كل مكان، النساء متشحات بالسواد الرجال ملامحهم جامده مكفهرة، أعينهم تمتلئ بالقطرات التي تأبى الهطول. حزن عميق يسيطر على الهواء حولهم لأول مرة لا يسمع زقزقة العصافير عند الصباح حتى أن الشمس مختبئه خلف السحاب تأبي الظهور. السماء تُرعِد و المطر ينهمر بغزارة و كأن الطبيعه تشاطرهم حزنهم الغائر و مصابهم الكبير.
ما أن أوقف سيارته أمام باب المشفي حتى وجد سيارة سليم التي كان جانبها الأيمن مهشم و كأن جدارًا سقط فوقها أو أن أحدهم كان يحاول إنهاء ألمه و شحنات غضبه في قطعه جماد لا ذنب لها.
ترجل سليم الوزان من السيارة الخاصه به و قد كانت بعض قطرات الدماء تنساب فوق جبهته و يبدو أن هناك جرحًا غائر لا يأبه له صاحبه الذي كان يحمل بقلبه جرحًا أكبر مما يستطيع تحمله.
أقترب منه سالم و عيناه تحمل من القلق ما تعجز الشفاه عن التعبير عنه و قد إمتدت يداه لملامسه الدماء المنسابه من جبهه أخاه و هو يقول بخشونه
حصل ايه؟
تراجع سليم خطوة للخلف و هو يقول بلهجه جافه
متقلقش حادثه بسيطه.
ضيق سالم عيناه و أشتد به الغضب حتى أرتجف جفنه الأيمن و قال بلهجه قاسيه
سلييم.
سليم بلهجه حادة
مش إلى في بالك يا سالم. دي كانت حادثه زي ما قولتلك.
أطلق سالم زفرة حادة قبل أن يقول بنبرة قاطعه.
هخلي الدكتور يشوفك قبل ما ناخد حازم و نمشي.
عند ذكره لاسم أخاه الراحل إرتجفت شفتيه و أختنق الحديث بجوفه و كان سليم لا يقل تأثرًا عنه و لكنه دون أن يشعر أفرجت عيناه عن دمعه حبيسه تحكي مقدار الوجع بصدره فأخذ عدة أنفاس حادة قبل أن يقول بصوت متحشرج
عايز أشوفه يا سالم. عايز أطلب منه يسامحني.
لم يتحدث فلم تسعفه الكلمات جل ما أستطاع فعله هو أن تمتد يداه تمسك بكتف أخيه و أبتلع غصه مريرة قبل أن يقول بلهجه جافه
متحملش نفسك ذنوب معملتهاش. إلى حصل دا قدر و مكتوب.
لم يستطع سليم الحديث و أشتبكت عيناه مع عين شقيقه في حديث صامت دام للحظات و كان سالم أول من قطعه حين أستعاد هدوءه الظاهري و قال بصرامه
يالا بينا عشان الدكتور يشوف جرحك. مينفعش ماما تشوفك كدا. كفايه اللي هي فيه.
و بالفعل إنصاع سليم لأوامره دون جدال و توجها معًا لإستلام الجثمان و لكن أستوقفهم الطبيب الذي ما أن رآهم حتى تحدث قائًلا بعمليه
سالم بيه. كان في موضوع مهم عايز أتكلم مع حضرتك فيه
سالم بجمود
موضوع إيه؟
الطبيب بتوتر
ممكن تتفضل معايا على مكتبي عشان نقدر نتكلم براحتنا
دون التفوه بأي حرف توجه الأخوان إلى مكتب الطبيب لمعرفة ماذا يريد.
علي الجانب الآخر كانت جنة ترقد على مخدعها بهدوء يتنافي تمامًا مع ضجيج قلبها الذي كان ينتحب ألمًا و شعور الخوف الذي أخذ يتسلل إلى صدرها الذي لا تعلم لما انقبض فجأة فشعرت بأن التنفس بات ثقيلًا عليها فأخذت تحاول تنظيم أنفاسها بصعوبه و لسوء الحظ فالممرضه التي عينها الطبيب لترافقها حالما تأتي شقيقتها قد أستأذنت لبعض الوقت و لا تعلم لما تأخرت فأخذت تحاول التحرك فآلمها ذلك أكثر و قامت بإسناد رأسها للخلف مُغمِضه عيناها و أخذ صدرها يعلو و يهبط بسرعه كبيرة إلى أن سمعت باب الغرفه الذي فتح بعنف مما جعلها تشهق بصدمه تحولت لذعر كبير و هي تري ذلك الرجل الضخم الذي كان يناظرها بعينان تشبهان الجمر في إحمرارهما و ملامح قاسيه مع فم مشدود بقوة و كأن أحدهم يجاهد حتى لا يطلق وحوشه لتفترسها فأخذت ترتجف رغمًا عنها من فرط الخوف خاصةً حين أخذ يتقدم بخطً سُلحفيه و عيناه لا تحيد عنها و كأنها مذنبه و هو جلادها فأخذت تتراجع في جلستها إلى أن التصقت بظهر السرير خلفها و هي تقول بهمس خافت.
أنت مين؟
أظلمت عيناه و قست ملامحه أكثر و هو يقترب منها حتى أصبح أمامها مباشرة و قام بالإنحناء لتصبح عيناه المستعره بجحيم الغضب أمام عيناها التي ترتجف من فرط الخوف و قال بوحشيه و لهجه تحمل الكثير من الوعيد بين طياتها
أنا عزرائيل إلى هياخد روحك بعد ما يخليكي تشوفي جهنم على الأرض.
إزدادت رجفتها و أخذت أنفسها تتخبط بصدرها الخافق بعنف و هي تقول بشفاه مرتعشه
أنت عايز مني إيه؟
إزدادت وحشيه ملامحه و هو يقول بقسوة
عايز أدمرك و أخليكي تلعني اليوم إلى خرجتي فيه من الحادثه دي و أنتي لسه فيكي الروح
إزداد رعبها و هطلت العبرات كالفيضان من بين عيونها وقد كانت كل عضله في جسدها ترتجف بعنف من ذلك المجنون الذي يقف أمامها يلقي على مسامعها تلك التهديدات البشعه التي لم تستطع تحملها فقالت من بين دموعها
حرام عليك أنا عملتلك إيه؟
إمتدت يداه تقبض على خصلات شعرها تكاد تقتلعه من جذوره فخرجت منها صرخه قويه لم تؤثر به بل تابع حديثه و هو يزمجر بقوة و كأن كلمتها كان جرمًا كبيًرا قد أقترفته.
أخرسي. ليكي عين تتكلمي. بسببك هدفن أخويا الصغير تحت التراب. أخويا مات و هو زعلان مني و أنتي السبب. هو مات و واحده رخصيه زيك لسه عايشه. بس وحياة غلاوته عندي لهخليكي تدفعي التمن غالي أوي. و تعرفي أن ولاد الوزان لحمهم مسموم إلى يفكر يقرب منهم مصيره الموت.
قال جملته الأخيرة صارخًا بوعيد و لكن للحظه توقف جسدها عن الإهتزاز بين يديه و جحظت عيناها و بهتت ملامحها و شحب لونها فمن يراها يظن أنها على مشارف الموت بينما عقلها أضاء بحقيقه مرة كالعلقم و هو أن المقصود بذلك الحديث ليس سوى حازم!
و كأن شفتيها ترجمت ما يدور بعقلها حين قالت بخفوت
حازم مات؟
لم تكن تعلم هل كان جوابًا أن سؤالًا و لكنها بكل الأحوال حقيقه ترفضها بشدة و أخذت رأسها تتحرك يمينًا و يسارًا و شفتاها تطلقان عبارات الرفض و قد كان كل ذلك يحدث أمام عيناه الصقريه التي كانت تتابع إنهيارها بزهول سرعان ما تحول لغضب عندما ظن بأنها تحاول خداعه فقام بالصراخ في وجهها الذي كان قريب منه بدرجه كبيره
بطلي الحركات دي. لو مفكره أنك ممكن تضحكي عليا بيها تبقي غلطانه.
لم يتوقع أبدًا انهيارها بهذا الشكل بل صُدِم بشدة حين وجدها تضرب صدره بقوة بقبضتيها و أخذت تصرخ بحرقه قائله من بين صرخاتها
أخرس. حازم ممتش. حازم مسابنيش. حااااااازم.
و كأنها كانت تقول مايريد قوله، كان هذا الانهيار الذي يشتهيه تمامًا، كانت تلك الكلمات تتردد بصدره هو الآخر، هذه الدموع يتمني لو يستطع إخراجها. كانت حالتها تلك هي ما يتمني أن يعيشه و لو للحظات حتى يفرغ غضبه و ألمه الذي يكاد يقضي عليه. فجأة شعر بشئ يبلل صدره فاخفض بصره فوجدها تلقي برأسها فوق موضع قلبه مباشرة و يدها تقبض بشدة على قميصه و صوت بكائها يخترق سمعه و لدهشته وجد يداه تحيط بها في غفلةً منه و حينها لم يستطع السيطرة على دموعه التي سقطت لتغرق خصلات شعرها. و كأنه يشكو لها ألمه و ذنبه و ضعفه.
كانت لحظه عجزت حواسه بها عن الاستجابة لإشارات عقله. ففجأة توقف الزمن من حولهم و كأنهم تشاركا الألم سويًا. لحظه قطعها هرولة فرح التي سمعت صراخ شقيقتها فانتابها الفزع و سقط كل ما بيدها و هرولت إلى غرفتها لتتفاجئ بذلك المشهد جنة تبكي و تنوح و رأسها ملقي على رأس ذلك الرجل الغريب عنها و الذي ما أن سمع ارتضام باب الغرفه بالحائط حتى استفاق من تلك الغيبوبه التي غرق بها للحظات و قام بدفعها و الإرتداد للخلف ليصعق من مظهرها المبعثر و دموعها المناسبه من عيناها لتختلط بدماء سالت من أنفها و أخذت تتساقط على وجهها فمن يراها الآن يجزم بأن تلك الفتاة على وشك الموت حزنًا و ألمًا.
قاطع نظراتهم صراخ فرح التي اندفعت تجاه شقيقتها و هي تقول بعنف و قسوة
أبعد عن أختي؟ أنت عملت فيها إيه؟
خرجت الكلمات من فمه كأسهم نيران حارقه
كان في كلمتين بيني و بينها و خلاص قولتهم.
وجه أنظاره لجنة و هو يقذف الكلمات من فمه بينما عيناه ترسلان إشارات التهديد الصريحه
خليكي فاكرة اسم سليم الوزان دا كويس عشان نهايتك هتكون على إيده.
إندفعت فرح نحو شقيقتها و قد تملكها الغضب الشديد و تولدت بداخلها غريزة الحمايه لشقيقتها و طفلتها فقالت بقوة توازي قوته
أنت أتجننت يا جدع انت. جاي تهددنا بكل بجاحه
إزداد غضبه أكثر و قال بشراسه
البجاحه دي أختك واخدة دكتوراه فيها. بس أنا بقي هعرف أربيها و أربيكي كويس أوي
ما أن أنهي جملته حتى أتاه صوت سمره بمكانه و الذي لم يكن سوي لشقيقه الأكبر الذي قال بلهجه قاسيه
سليم!
↚
تجاوز الحزن موهبه لم أتمتع بها يومًا.
رأيت الكثير ممن إستطاعوا تجاوز أحزانهم ببراعه. منهم من كان يسكُب حزنه فوق أوراقه على هيئه حروف أمتزج حبرها بالدموع، و منهم من كان يراوغ حزنه بين طيات الكُتب دافنًا إياه بين صفحاتها، و آخرون ألقوا بآلامهم بعمق الليل بين السجود و الركوع. بينما أنا كنت أعيش حزني كاملاً للحد الذي جعل شفائي منه أقرب إلى المستحيل...
نورهان العشري.
الشر حولنا دائماً و لكنه لن يستطيع أذيتنا أو المساس بنا إلا أذا أعطيناه الفرصه لذلك. إحتماليه هذا الإعتقاد كبيرة و لكن في كثير من الأحيان يكمُن الخير في جوف الشر أو ما كنا نعتقده شرًا و لكنه لم يكن سوي إبتلاء لا يتطلب منا سوي الصبر عليا و الرضا بالقضاء و القدر.
نورهان العشري.
تململت جنة في نومتها و كأنها شعرت بشعاع حاد مُسلط عليها ينفّذ إلى داخل أعماقها مصدره عينان تجوبان ملامحها بسخط و حقد كبير تتمني لو أن لها الخيار لكانت الآن مدهوسه تحت أقدام شاحنه ضخمه تمزقها لأشلاء حتى تتأكد من عدم نجاتها. هكذا كانت تنظر إلى جنه التي التفتت لرؤيه ذلك الشخص الماثل على الجهه الآخري لمخدعها و لكنها تفاجئت حتى جحظت عيناها حين رأت ساندي أكثر الناس كرهًا لها و ذلك لعلاقتها السابقه بحازم و التي أنتهت ما أن وقع بحب جنة هكذا أخبرها ذات يوم و هنا تفهمت جنة السبب وراء نظرات السخط و الكره الشديد التي كانت تناظرها بها تلك الفتاة.
في البدايه كانت تغضب و لكن بعد ذلك أصبحت تتجاهلها و لا تهتم بها و لكن السؤال لماذا هي هنا الآن؟
و كأن سؤالها إرتسم على ملامحها لذا ظهرت إبتسامه ساخرة على شفاه ساندي و لكن لم تصل أبدًا لعينيها التي كان الحقد يغلفها و قد تجلي ذلك في نبرتها المسمومة حين قالت
أخيرًا السندريلا صحيت!
كان التهكم يغلف حديثها و لكن نبرتها كانت مرعبه خاصةً لجنة التي كانت في وضع لا تُحسد عليه و لكنها حاولت التماسك قليلًا و هي تقول مستفهمه
أنتي هنا بتعملي إيه؟
زادت إبتسامه ساندي أكثر و إزدادات قتامه عيناها الخضراء و هي تقول ساخرة
جايه أطمن عليكي و أتأكد أنك لسه عايشه. عشان بصراحه كنت هزعل أوي لو موتك مكنش على أيدي.
جفلت جنة من حديث تلك المجنونه التي لا تدري لما ألقت بها الأقدار في طريقها و لكنها حاولت الصمود و أن لا تظهر خوفها الكبير منها لذا قالت بقوة واهيه
أنتي مجنونه إيه إلى أنتي بتقوليه دا. أنتي فاكرة أنك كدا بتخوفنيني؟
ساندي بلهجه ساخرة
لا بخوفك إيه لا سمح الله. أنا بس بعرفك إن نهايتك دي هتكون على أيدي.
قالت جملتها الأخيرة بقسوة شديدة و هي تشير بيدها مغلقه قبضتها بقوة بدون أن تشعر إرتدت جنة للخلف بذعر لم تستطع إخفاءه فابتسمت ساندي بسخريه قبل أن تقول بنبرة خافته مهددة
متخافيش أوي كدا مش هموتك دلوقتي. لسه بينا حساب طويل لازم يتصفي.
كانت ترتجف رغمًا عنها فما مرت به في الساعات الماضيه لم يكن سهلًا حتى تأتي تلك المجنونه لتزيد من معاناتها أكثر و قد تجلي ضعفها في نبرتها المستنكرة حين قالت.
حساب إيه انا مفيش بيني و بينك حاجه. و بعدين أنا إرتبطت بحازم بعد ما سبتوا بعض. يعني لو فاكرة إني خدته منك تبقي غلطانه
لا تعلم لما كانت تقول هذا الكلام تحديدًا في ذلك الوقت و لكنها كانت تريد الإفلات من بين براثن تلك المقيته التي طالعت خوفها بتسليه قبل أن تقول و هي تشدد على كل حرف تتفوه به
أنا و حازم عمرنا ما سبنا بعض.
قطبت جنة جبينها و قد بدا الرفض على ملامحها لتناظرها ساندي بتشفي قبل أن تقول بنبرة كشفرات حادة مزقت قلبها
أقولك دليل صغير. بأمارة شقه المعادي و إلى حصل! ياتري فاكرة و لا نسيتي. عموما لو نسيتي أنا هفكرك و هعرف كل الناس حقيقتك الزباله.
إزداد إرتجاف جسدها حتى أصبح انتفاضًا تزامنًا مع هطول العبرات من مقلتيها و ظهر الرعب جليًا على ملامحها التي شحبت فجأة و قد أرضي مظهرها هذا غريمتها كثيرًا فنصبت عودها و رسمت ابتسامه سعيدة شامته تتنافي تمامًا مع الحزن الدامي الذي يسكن قلبها و لكنها كانت تتجاهله بقوة إرتسمت بصوتها حين قالت
فضيحتك هتبقي على كل لسان. هخلي الناس كلها تعرف قذارتك. هتتمني الموت و مش هتطوليه غير لما أقرر أنا.
عند إنتهاء جملتها سمعت قفل الباب يدور و أطلت فرح عليهما لتصدمها حالة جنة التي كان الموت مرتسم فوق ملامحها فهرولت فرح إليها و قد تفرقت نظراتها بين شقيقتها و تلك الغريبه التي تتشح بالسواد في لباسها و على ملامحها فلم ترتح أبدًا لها لذا قالت بصوت قوي و هي تحتضن جنه بين ذراعيها
مالك يا جنة في إيه؟ و مين دي؟
ألقت إستفهامها الأخير و عينان يرتسم بهم التحدي و هي تنظر إلى تلك الغريبه و التي قالت ساخرة.
أنا صاحبة جنه الأنتيم.
أجابتها فرح بفظاظه
بس أنا أعرف أصحاب جنة كلهم و أنتي مش منهم
ساندي بتهكم
واضح! واضح أنك تعرفي أصحابها كلهم. عموما أنا هسيب جنة تقولك أنا مين. أبقي عرفيها يا جنة و أوعي تخبي عنها حاجه أبدًا. دي بردو أختك الكبيرة!
أطلقت جملتها الأخيرة في تحدي واضح لعينان جنة التي كانت ترتجف داخل أحضان شقيقتها تتابع إنسحاب ساندي التي تلونت ملامحها بالغضب الشديد الممزوج بحزن دامي و هي تتوجه إلى باب الغرفه مغلقه إياه بقوة إنتفض لها جسد جنة التي أدارتها فرح لتواجهها و هي تقول بترقب
مين البنت دي يا جنه؟
شعرت فرح بأن تلك الفتاة تبتز شقيقتها بطريقه ما و قد صح ظنها حين سمعت صوت جنة الخالي تمامًا من الحياة و هي تقول.
دي أكتر واحدة بتكرهني في الدنيا.
كانت تجلس خلف مقود سيارتها و هي تنظر أمامها بضياع و عيناها يتساقط منها الدمع كالمطر و قلبها الملتاع يتمني لو يتوقف عن الخفقان حتى يريحها من ذلك الألم الدامي فقد شهدت اليوم على فراق حبيبها الذي أختار قتلها بسكين الغدر و هو على قيد الحياة بتفضيله آخري عليها و لكنها كانت تمني نفسها كذبًا بأنه حتمًا سيعود إليها بعد أن يمل من تلك الفتاة التي لم تكره أحد مثلها أبدًا. و لكن ما حدث لم يكن في الحسبان فمنذ أن علمت خبر موته و قد شعرت بأنها على وشك الجنون فأخذت تصرخ بهستيريا حتى إرتعب من حولها و حاولوا تهدئتها بشتي الطرق و لكن هيهات لم يستطع أي شئ ايقاف جنونها سوي معرفتها بأن تلك الفتاة كانت معه. فهو فضلها عليها بحياته و حتى عندما أختار الموت اختار أن يموت بجانبها.
حينها أنتابها هدوء قاتل دام لساعات قبل أن تتوجه إلى مشفي والدها و الذي كان يرقد به معذب فؤادها الراحل و غريمتها التي تنوي جعلها تدفع ثمن كل هذا العذاب الذي عاشته و سيظل يحيط بها طوال حياتها.
تذكرت حديث الطبيب المسؤول عن حالة حازم الذي وصل إلى المشفي بحالة خطرة للغايه و قد أخبرها الطبيب بأن حازم كان مخمورًا و متعاطيًا لنسبه كبيرة من المخدرات و فورًا إستغلت هذا لصالحها
عودة لوقت سابق.
خرجت من المرحاض بعد أن قذفت كل ما في جوفها و قد كان هذا تعبير جسدها عن الحزن الذي أغتاله دون رحمه فتفاجئت بسالم و سليم أشقاء حازم يخرجون من غرفة الطبيب المسؤول عن حالة حازم و قد كانت إمارات الدهشه و الصدمه تغلف وجوههم فأخذ الأخوان ينظران إلى بعضهم البعض بعدم تصديق و طال صمتهم إلى أن قطعه سليم الذي قال بإستنكار
بقي معقول إلى سمعناه دا. حازم أخويا كان مدمن!
ظل سالم على صمته لثوان قبل أن يعيد سليم الحديث قائلًا بنبرة أعلي و أكثر خشونه
إزاي؟ أنا مش قادر أصدق. أكيد الكلام دا في حاجه غلط!
قطع سالم صمته و قال بلهجه جافه مريرة
لا صح. و الدليل أننا رايحين ندفنه دلوقتي
أهتزت نبرته حين أختتم حديثه لتخرج صرخه غاضبه من فم سليم الذي قال بغضب
ليه يا حازم كدا؟ ليه تعمل في نفسك و فينا كدا؟
سالم بلهجه متألمه
دي آخرة الصحبه السيئه.
التمعت الوحشيه بعينان سليم الذي زمجر بغضب.
لازم أعرف مين إبن الحرام إلى وصل أخويا للحاله دي.
حينها تدخلت هي قائله بلهجه ثابته لا يشوبها أي تأنيب ضمير فهي فرصتها الذهبيه للنيل من غريمتها و الأخذ بثأرها
أنا عارفه مين وصله لكدا.
إلتفتت الرؤوس تناظرها بنظرات متفحصه سرعان ما تحولت لمستفهمه. فتقدمت إليهم بأقدام تكاد تلتف حول بعضها من شدة الضغط و لكنها وصلت بسلام و هي تناظرهم بعينان ثابته يغزوها خطوط حمراء تحكي عن مدي الأنهار التي ذرفتها و لكن سالم تجاهل هيئتها المبعثرة و ملامحها الشاحبه قائلًا بخشونه
أنتي مين؟
أجاب سليم بدلًا عنها
دي زميله حازم في الجامعه. أنا مش فاكر اسمك بش شفتك معاه قبل كدا.
هزت ساندي رأسها بموافقه قبل أن تقول بصوت متحشرج
أسمي ساندي كنت صاحبه حازم و زميلته في الجامعه
عند ذكرها لاسمه فرت دمعه هاربه من طرف عيناها تخبرهما بأن القصه لم تكن مجرد صداقه أو زماله
تحدث سالم قائلًا بفظاظه
هاتي إلى عندك!
جفلت من لهجته الفظه و لكنها حاولت الثبات قدر الإمكان و هي تجيبه قائله بقوة
جنة. جنة هي السبب في إدمان حازم.
لم تهتز ملامح سالم بل ظل يناظرها بغموض بينما خرج إستفهام غاضب من جانب سليم الذي قال
جنه دي إلى كانت معاه في الحادثه؟
ساندي بتأكيد
أيوا هي
سليم بحنق
قولي إلى عندك كله مرة واحده.
كان غضبه مخيف و قتامه عيناه تبعث الرهبه بداخلها و لكنها أبدًا لن تتراجع لذا قالت بثبات.
حازم اتعرف على جنة دي من حوالي أربع شهور وقتها رسمت عليه دور البنت البريئه الخجوله لحد ما قدرت تجذب أنتباهه و وقعته في حبها و بعدها حازم أتغير من ناحيتنا و مبقناش نشوفه زي الأول. كان بيقضي وقته كله معاها و خلته يقطع علاقته بينا و بالصدفه أكتشفنا أنها تعرف وليد الجلاد و دا أكتر واحد بيكره حازم. و لما قولتله مصدقنيش و فكر إني بكرهها و من مدة قريبه بدأ يبان أنه مش على طبيعته لحد ما أكتشفت أنها جرته لسكه الأدمان.
أنهت قصتها الوهميه و التي بها أحداث يشوبها بعض الصدق و هي تناظرهم بثبات أهتز قليلًا أمام نظرات سالم الغامضه و لكن أتت زمجرة سليم لتجعل الاطمئنان يغزو قلبها بأن خطتها سارت بشكل صحيح
أنتفضت كل خليه به غاضبه تلعن تلك الشيطانه التي تسببت في هلاك أخاه و هدر بقسوة
الحقيرة. نهايتها هتكون على إيدي
أنهي جملته و إندفع كالثور لا يري أمامه بينما ناظرها سالم مطولًا قبل أن يقول بنبرة جافه بها تهديد مبطن.
↚
متأكدة من كلامك دا!
أبتلعت ريقها بصعوبه قبل أن تقول بنبرة حاولت جعلها ثابته قدر الإمكان
و أنا هكذب في حاجه زي كدا ليه؟
إحتدت عيناه قبل أن يقول بلهجه فظه متوعدة
انتي أدري.
اهتزت نظراتها و كذلك نبرتها حين قالت بإرتباك
تقصد إيه؟
سالم بلهجة قاسيه تشبه قساوة عيناه حين قال
أدعي ربنا يكون كلامك صح عشان لو طلعتي بتكذبي.!
لم يكمل جملته بل ترك المهمه لعيناه التي أجادت بث الذعر بقلبها الذي إنتفض الآن عائدًا بها إلى الوقت الحالي و هي ترتعب من بطش ذلك الرجل الذي أعطت كل الحق لحازم في أن يخاف منه فهو يبعث الرهبه في النفوس و لكن لا يهمها فهي ستنفذ خطتها و ستأخذ بثأرها مهما كلفها الأمر...
لم يُخلق الكمال أبدًا على الأرض فهي دار فناء خُلقنا بها لنشقي و نمر بإختبارات عديدة حتى نستحق الفوز بالجنه و بالرغم من أن قلوبنا لم تشتهي العذاب أبدًا إلا أنه كُتب على أولئك الذين ا.
إتخذوا من العشق مذهبًا فظنوا بأنه طريقهم إلى الجنة و قد تناسوا بأن العذاب و العشق وجهان لعمله واحده فما العشق الا عذاب لذيذ يستقر في أعماق القلب الذي يضخه إلى سائر أنحاء الجسد فتشعُر بالنشوة التي تمنحك شعور عارمًا بالسعادة كالأدمان تمامًا تعلم أنه هلاكك و لكنك ترفض التعافي منه.
نورهان العشري.
صباحًا كان الوضع هادئا خصوصًا من جانب جنة التي أتخذت الصمت منهجًا منذ البارحه و أن حاولت فرح الحديث معها تصطنع النوم حتى تهرب لا تعرف إلى أين قد يوصلها ذلك الهروب و لكن لم تكن تملك خيار آخر فما تواجهه أكبر بكثير من قدرتها على التحمل.
أمتثلت بهدوء إلى أوامر الطبيب بضرورة تناولها الطعام و الأدوية بإنتظام حتى يشفي جسدها فودت لو تسأله فهل يوجد دواء للروح المعذبه حتى تشفي أم ستظل جريحه متألمه لبقيه حياتها!
كانت فرح تشعر بالإختناق من هذا الصمت المحيط بهما و الذي يتنافي مع كل ذلك الضجيج برأسها فبلحظه إنقلبت حياتهما رأسًا على عقب و لا تعلم ماذا عليها أن تفعل و شقيقتها بقدر ما تشفق عليها فهي غاضبه منها و بشدة و لكن لا تستطع الحديث فحالتها لا تحتمل شيئًا آخر.
كان الهدوء من أهم الصفات التي تميزها و الآن هي تمقته تريد الشجار الصياح تريد أن تجلس وسط ضوضاء كبيرة حتى تلتهي و لو قليلًا عن الضوضاء التي تكاد تنخر عقلها
زفرت بقوة قبل أن تلتفت إلى شقيقتها قائله بنبرة هادئه نسبيًا
أنا هروح أجيب حاجه سخنه أشربها من الكافيتريا. أجبلك معايا؟
هزت جنة رأسها بالرفض و هي تقول بنبرة مبحوحه
لا شكرًا مش عايزة أنا هحاول أنام شويه.
أومأت برأسها و توجهت إلى الخارج و هي تحاول أن تتنفس بشكل منتظم و تهدء من توترها قليلًا حتى تستطيع التفكير برويه.
كان سليم يطالع الجياد بنظرات ضائعه و ملامح باهته كبهوت كل شئ حوله. فرائحه الموت تحيط به في كل مكان و الحزن ينخر أنحاء جسده و لا طاقه له برؤيه أحد و لا الحديث مع أحد و لكنه مجبر على الوقوف بين الجموع ليأخذ واجب العزاء الذي كان ثقيلًا عليه كثقل شاحنه ضخمه تمر فوق قلبه فللآن عقله لا يستوعب ما حدث و فقدانه أخاه. و لكن مشهد الناس من حوله يذكره بفجيعته الكبري التي يحاول تناسيها بشتي الطرق حتى يستطيع التنفس بسهوله و لو لثوانً.
شعر بيد قويه تسقط فوق كتفه فعرف صاحبها على الفور فقد كانوا ثلاث اضلع لمثلث العائله التي تعتمد عليهم كليًا و الآن فقد المثلث أحد اضلعه فإختل توازن الضالعين الآخرين و لم يتبقي لهم سوي الإستناد على بعضهم البعض حتى لا يسقطا و يسقط معهم الجميع.
تحدث سالم بهدوء لا يشعر أبدًا به
الهروب عمره ما كان حل يا سليم
فطن سليم إلى ماذا يرمي أخاه فأخذ نفسًا طويلًا قبل أن يقول بنبرة متحشرجه.
مش هروب يا سالم أنا بس بحاول افهم. أنا واقف وسط الناس مستنيه يطلع من أي مكان ييجي يقف جمبنا زي ما أتعودنا نكون جمب بعض إحنا التلاته
أطبق سالم جفنيه يحارب دموعًا تقاتله بضراوه حتى تظهر للعلن فقلبه لم يعد يتحمل ذلك الألم الرهيب الذي يعصف به و لكنه مجبرًا على التماسك في حين إنهيار الجميع من حوله لذا أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بتأثر
دا قضاء ربنا و قدره و إحنا مؤمنين بالله
سليم بقله حيله.
لا إله إلا الله. أنا مش معترض والله بس مش قادر أصدق. عقلي مش مستوعب.
سالم بفظاظه
عشان كدا بتغلط يا سليم!
ازداد عبوس ملامحه و هو يقول بإستفهام
تقصد إيه؟
سالم بتقريع خفي
إلى حصل في المستشفي غلط و مينفعش يتكرر تاني!
زفر سليم بحدة قبل أن يقول بعنف مكتوم
غلط! و إلى حصل لحازم على أيدها كان صح!
سالم بخشونه و قد إسودت عيناه من الغضب
مفيش حاجه من إلى حصلت كانت صح! بس مينفعش نعالج غلط بغلط اكبر.
سليم بحنق.
يعني أخويا يموت بسببها و أسيب الهانم تعيش حياتها عادي
سالم بنفاذ صبر
إيه عرفك أنها السبب في إلى حصله؟
سليم باندفاع
البنت إلى قالت.
قاطعه سالم بعنف
تعرف منين أنها مبتكذبش. معاها دليل؟ شفت بعينك إلى يخليك تصدقها!
زفر سليم بحدة و لم يجيب ليواصل سالم حديثه الصارم
إحنا مش ظلمه يا سليم. لازم نتأكد قبل ما نخطي أي خطوة. أرواح البني آدمين مش لعبه في إيدنا.
إزداد غضبه من حديث أخاه فصورتها المدمرة لازالت عالقه بذهنه منذ البارحه و الظنون تتقاذفه بكل الجهات فتارة يشعر بشفقه خائنه تتسلل إلى قلبه تجاهها و تارة يشعر بأنه يود لو يذهب يحطم رأس تلك الحقيرة التي تسببت في فجيعتهم لذا قال بهياج
و هنتأكد امتا و إزاي؟ و على ما نتأكد هنعمل معاها إيه؟
سالم بغموض
كل شئ بأوانه. و خليك متأكد إني مش هسيب تار حازم و لو بعد مليون سنه.
أوشك سليم على الحديث فأوقفه سالم بنظرة محذرة و هو يضيف بصرامه
هتبعد عن طريق البنت دي و مش هتتعرضلها أبدًا. و دا قرار غير قابل للنقاش.
أبتلع سليم غصه صدئه بداخل حلقه و أجبر نفسه على الإيماءة بالموافقه فلن يدخل في صراع مع شقيقه لأجلها و سينتظر ليتأكد من تورطها و حتى يقمع ذلك الرجاء الأحمق بداخله الذي يطالبه بعدم أذيتها.
في المشفي تحديدًا أمام الباب الرئيسي شاهدت فرح العديد من الصحافيين يقفون أمامه و كأنهم ينتظرون وصول أحدهم فارتعبت من أن يكون الأمر يخص شقيقتها و قد إسترجعت حديث ذلك المتعجرف عن إهتمام الصحافه بشؤونهم فأخذت تدعي الله بداخلها بأن يكون حدثها خاطئًا و ألا يكون أولئك الأوغاد يريدون مقابلة شقيقتها حقًا.
وصلت إلى غرفة شقيقتها بالأعلي فوجدت فتاة محجبه ترتدي ملابس فضفاضة تتنافي مع وجهها المزين بشكل متقن و كانت تترجي الحرس حتى يسمحوا لها بالدخول و هم يرفضون بشدة فاقتربت منهم قائله بإستفهام
في أي؟
فتحدث أحد الحراس قائلًا بإحترام
الأنسه مُصرة تقابل جنة هانم.
إرتفع إحدي حاجباها حين سمعت لقب هانم الذي أضافه بعد إسم شقيقتها و قد لمست إهتمام أثار إندهاشها من ذلك المغرور و لكنها تجاهلت شعورها و نظرت إلى الفتاة قائله بشك
أنتي مين؟ و عايزة تقابلي جنة ليه؟
إرتبكت الفتاة لثوان قبل أن تقول بتأثر
انا روان صاحبة جنة و عرفت بالحادثه إلى حصلتلها و جيت جري عشان أطمن عليها و هما مش راضيين يدخلوني
ناظرتها فرح بتقييم قبل أن تقول بجفاء
بس جنة محكتليش عنك قبل كدا
الفتاة بثبات.
يمكن عشان لسه متعرفين على بعض من قريب
هزت فرح رأسها قبل أن تقول بإستفهام
وأنتي عرفتي إلى حصل لجنه إزاي؟
أجابتها بهدوء
أتصلت على موبايلها فردت عليا الممرضه و قالتلي إلى حصل
بدا عذر معقول و لكنها لا تعلم لما لم ترتح لتلك الفتاة فقالت لها بتهذيب
شكرًا على سؤالك وأنك كلفني نفسك و جيتي لحد هنا بس جنة للأسف نايمه و مش هتقدر تقابلك دلوقتي
الفتاة بحزن.
يا خسارة. كان نفسي أشوفها و أطمن عليها أوي. طب ممكن أبص عليها حتى و هي نايمه و أخرج على طول
إحتارت فرح في أمرها كثيرًا و لكنها وافقت على مضض لتتخلص منها فقالت بملل
تمام. أتفضلي
فتحت باب الغرفه و دلفت للداخل تتبعها الفتاة التي ما أن رأت جنه حتى إرتسم حزنًا زائفًا على ملامحها و هي تقول بتأثر مصطنع
يا حبيبتي يا جنه. دي شكلها متبهدل أوي.
شاهدت دموع الفتاة التي تساقطت على خديها و لم تجيبها بل ظلت تناظرها و كأنها تخترقها من خلف ستار نظاراتها. طال تأملها و طال صمت الفتاة و التي تنحنت قبل أن تقول بخفوت
ممكن لو سمحتي أدخل الحمام أغسل وشي؟
إبتسمت فرح ابتسامه بسيطه و قالت بود
طبعا. طبعا أتفضلي.
توجهت الفتاة إلى الحمام و الذي كان يقابل سرير جنة فما أن دخلت حتى أخرجت آله تصوير صغيرة نوعًا مخبئه بين ملابسها الفضفاضه و قامت بمواربه باب المرحاض بمساحه كافيه لعدسه آلتها حتى تلتقط صورة جنة النائمه بعمق مبعثرة الهيئه.
ما أن التقطت صورتان حتى فُتِح الباب فجأة على مصرعيه و ظهرت فرح التي علمت بأن هذه الفتاة تخبئ شيئًا ما و قد ظنت بأنها يمكن أن تكون صحافيه متخفيه و قد صدق ظنها فقامت بجذب آلة التصوير بعنف من بين يدها و هي تقول بغضب مكتوم
كنت شاكه إنك وراكي حاجه.
جفلت الفتاة من ما حدث و أخذت توزع نظراتها بين فرح و يدها الممسكه بآلة التصوير الخاصة بها و لكن قطع نظراتها يد فرح التي إمتدت تجذبها من يدها بعنف تجرها إلى الخارج و الفتاة تتوسل إليها حتى تتركها و تعطيها الكاميرا الخاصه بها و ما أن وصلوا إلى الخارج حتى دفعتها فرح بقوة و هي تصرخ بغضب
أنتي بني آدمه معندكيش إحساس و لا دم وصلت بيكي القذارة أنك تلعبي على مشاعر الناس عشان تكشفي سترهم.
حاولت الفتاة التقرب من فرح و هي تقول من بين بكاءها
أنا والله مقصدتش أرجوكي إديني الكاميرا بتاعتي
هنا تدخل أحد رجال الحراسه قائلًا لفرح بإحترام
عن إذنك يا فرح هانم اتفضلي أنتي و إحنا هنتعامل معاها.
تفرقت نظرات فرح بين عينان الفتاة المتوسله و الدمع يتقاذف منها و بين الرجل الذي حتمًا سيخبر سيده و قد يؤذي هذه الحمقاء و هذا ما لا تريده لذا قالت فرح بصرامه
انا هحل الموضوع.
وجهت أنظارها إلى الفتاة متابعه بتقريع
أنا هعدي إلى حصل دا عشان عواقبه هتكون وخيمه عليكي و في المقابل هاخد الكارت بتاع الكاميرا. و أياكي أشوف وشك هنا تاني
أوشكت الفتاة على الحديث فأوقفتها فرح قائله بحدة
و لا كلمه و إلا هديهم الكاميرا و مش هتشوفيها تاني.
أطرقت الفتاة برأسها في حين أن فرح قامت بإخراج الكارت من آله التصوير و أعطتها إياها مرفقه بها نظرات محتقرة تقبلتها الفتاة بحنق مكتوم و توجهت إلى الاسفل.
فرح هانم!
التفتت فرح على نداء أحد الحراس و قد ضايقها هذا اللقب الذي كان يرفقه مع اسمها فقالت بصرامه
أسمي آنسه فرح بلاش هانم دي لو سمحت.
اومأ الرجل برأسه و أعطاها الهاتف و هو يقول بإحترام
الباشا عايزك.
↚
لا تعرف لما شعرت بالتوتر حين أخبرها بأنه يريدها و إزدادت دقات قلبها ربما لأنها كانت متأكدة من أنها ستخوض شجارًا معه كعادتهم أو لسبب آخر ربنا لا تعرفه. لذا حاولت سحب أكبر قدر من الأكسجين بداخلها حتى تستعيد بعضًا من هدوئها الذي تجلي في نبرتها حين أجابت
ألوو.
من البدايه و هو متحير في أمر تلك المرأة لديها كبرياء قوي لم يره مسبقًا في إمرأة تحمل همومًا أقوي بكثير من طاقتها. يكاد يُجزِم بأنها تشتهي الإنهيار و حينما تكون على حافته تتراجع و تعيد هيكلة بنائها لتقف شامخه من جديد. و تلك القناعه التي لم يصدقها في البدايه و لكنه الآن في طريقه للإيمان بعصاميتها التي تدعيها.
أتاه صوتها الهادئ من الهاتف لينفض تلك الأفكار من رأسه و هو يقول بفظاظه.
متتصرفيش تاني من دماغك. أنا مش سايب الرجاله إلى عندك دول صورة!
جفلت من لهجته الفظه و لكنها حاولت إستفزازه إذ قالت بتعالي
مبتصرفش غير بدماغي. و بالنسبه لرجالتك قولتلك مش محتاجينهم و أظن دلوقتي أنت أتأكدت
تضمنت لهجته سخريه مبطنه و لكنها شعرت بها من مغزي كلماته حين قال
أتأكدت فعلًا! لولا الرجاله إلى مش عاجبينك دول مكنتش البنت إلى صعبت عليكي دي هتمشي غير و هي واخده الفيلم حتى لو على جثتك!
تعلم بأنه قد يكون محقًا فهي على الرغم من عفوها عن تلك الفتاة و لكنها لمست الحنق و البغض في نظراتها و لكنها أبت التراجع إذ قالت بعنفوان
قولتلك قبل كدا و هقولها تاني أنا أقدر أدافع عن نفسي و عن أختي كويس
سالم بتهكم تجلي في نبرته حين قال
و ماله هشوفك هتعملي إيه مع جيش الصحافيين إلى واقف تحت!
اقشعر بدنها للحظه و هي تتخيل نفسها تقف في مواجهه كل هؤلاء الملاعين أمثال تلك الفتاة معدومه الضمير فحتمًا سيسحقوها تحت أقدامهم في سبيل الوصول إلى مبتغاهم
تحدث سالم بتقريع خفي و تهكم جلي
بالظبط زي ما أتخيلتي. عشان كدا أسمعي الكلام من سكات لحد ما نشوف هنتصرف ازاي!
إغتاظت من حديثه و غروره و تعجرفه و لكن لفت إنتباهها كلمته الأخيرة في ماذا سيتصرفون ما المشترك بينهم حتى يقول تلك الكلمه و هي تدرك بأن كلماته البسيطه و التي يمكن أن تعد على أصابع اليد لا يمكن أن تخرج جُزافًا لذا همت بسؤاله عن ما يعنيه و لكنها تفاجأت بذلك المتحذلق يغلق الهاتف في وجهها فأغمضت عيناها و قد تمكن الغضب منها للحد الذي جعلها تود لو تطحن عظام الهاتف بين يديها و لكن صوت ضوضاء قادمه من الاسفل أخرجها من بؤرة الغضب تلك لتتفاجئ بعد ثوان بجيش الصحافيين الذين كانوا ينتظرون بالأسفل و الآن يهرولون تجاهها فلم تشعر بنفسها سوي و هي تدخل إلى غرفة شقيقتها بلمح البصر و تقف مستندة بظهرها على الباب الذي توقعت أن يتحطم فوق رأسها بأي وقت فاغمضت عيناها بشدة إلى أن هدأت تلك الضوضاء في الخارج و قد أيقنت بأن الحراس قد صرفوهم و هنا دونًا عنها حمدت ربها كثيرًا لوجودهم في الخارج.
شعرت بالحرج للحظات و هي تتخيل وجه ذلك المغرور يناظرها بتشفي قائلًا
« أين شجاعتك الواهيه؟ »
زفرت بحدة و أخذت تلعنه بداخلها هو و عائلته أجمع و لكنها توقفت ما أن رأت سرير شقيقتها فارغًا فتوجهت على الفور إلى المرحاض لتستمع إلى صوت المياة الآتي من الداخل فإرتاحت قليلًا و لكنها ظلت تقف أمام الباب لا تعلم السبب و لكن كان قلبها يُنذِرها بأن شيئًا سيئًا على وشك الحدوث.
مرت دقائق قليله و مازال صوت المياة بالداخل فحاولت النداء على شقيقتها و لكنها لم تتلقي إجابه لذا لم تستطع منع نفسها من فتح باب المرحاض لتجحظ عيناها بصدمه و هي تراها مُلقاه فوق أرضية المرحاض غارقه بدمائها.
بعد مرور ساعه كانت فرح تقف أمام غرفة العمليات تحتضن كتفيها بذراعيها مستنده على الحائط وحدها و عبراتها تتقاذف من مقلتيها بصمت عاجزة عن الحراك فمنذ أن رأت مظهر شقيقتها غارقه بدمائها حتى ظلت تصرخ بقوة إلى أن آتي الحراس و الأطباء الذي قاموا بنقل « جنه »علي الفور إلى غرفه العمليات لمحاولة إنقاذها.
بينما هي ظلت تقف أمام الغرفه تنتظر خروجها سالمه و عقلها يرفض أي روايه آخري قد تخلو منها.
كانت ترتجف لا تعلم بردًا أم خوفًا و لكن هذه اللحظه هي الأكثر ضعفًا في حياتها. لطالما كانت قويه لا تهاب شئ فمنذ وفاة والدها أصبحت هي عمود عائلتهم الصغيرة و المتصرفه بكل أمورهم و لكنها الآن تشعر بنفسها عاجزة ضعيفه هشه. ترتجف بصمت و قلبها يتضرع إلى الله أن ينقذ شقيقتها فبدونها لن تستطيع العيش لحظه واحده...
كان يأكل الأرض بخطواته و هو يتوجه إلى غرفه العمليات للإطمئنان على تلك الغبيه التي لا تزيد الأمور إلا سوءًا فما أن أخبره رجاله بما حدث حتى هرول إلى المشفي للإطمئنان عليها و للحق كان هناك شعورًا بالقلق يتسلل بداخل قلبه على تلك التي تدعي قوة لا تملكها و لكنه كان يتجاهل هذا الشعور نافيًا عن نفسه أي شبهه إهتمام بها. ليتفاجئ ما أن رأي ذلك الجسد الصغير الذي بدا لطفله في العاشرة من عمرها تقف وحيدة خائفه تحتضن جسدها بيدين مرتعشتين و أقدام للحظه شعرت بأنهم غير قادرة على حملها فأسندت رأسها على الحائط خلفها و إنزلقت ببطئ حتى إفترشت الأرض من تحتها و رأسها ملقي للخلف فكان مظهرها المنهار هذا جديدًا كليًا عليه فقد عهدها دائمًا قويه صلبه و برغم معرفته بأن صلابتها ما هي سوي جدار تخفي به وهنها إلا أن مظهرها ذلك و لسبب غير معلوم قد آلمه. و بعث في نفسه شعور بعدم الراحه فتوقف بمنتصف الرواق و قد إنتابه التردد الذي قلما يزوره و لكنه حقًا لم يكن يعلم هل يتقدم لمواساتها و هو دور لا يتقنه أبدًا أم يتراحع و يتركها و لكنه شعر بالرفض لتلك الفكرة بقوة لذا تقدم بخطوات سُلحفيه إلى حيث تجلس و كلما كان يقترب أكثر كلما يتوضح مظهرها المزري و الذي لم يعهده أبدًا.
توقف أمامها و قام بإخراج أحدي المحارم الورقيه يمدها إليها و هو يقول بنبرة هادئه رزينه
أنسه فرح!
جفلت عندما شاهدت المنديل الورقي الممدود إليها و على الفور عرفت لهجته التي و لأول مرة كانت خاليه من أي تهكم و سخريه بل لمحت بها شئ من التعاطف و الذي لقي صداه بعينيها التي حين إرتفعت إليه إرتسم بها الضعف للحظه قبل أن تلقي به جانبًا و تهب من مكانها متجاهله يده الممدودة أمامها و قامت برفع رأسها تناظره بشموخ قائله بلهجه متحشرجه
إيه إلى جابك؟
عادت القطه لتهاجم مرة ثانيه و قد راق له ذلك فقد أغضبه و ربما آلمه مظهرها المنهار لذا رؤيتها تحاول التوازن هكذا أراحه قليلًا فعادت لهجته لجفاءها السابق حين قال بإختصار
مش شغلك.
أرتفع إحدي حاجبيها الجميلين و أتسعت غابتها الخضراء من وقاحه ذلك الرجل فخرج الكلام منها غاضبًا تغلفه السخريه
يمكن عشان إلى جوا في أوضه العمليات دي أختي!
تجاهل سخريتها و غضبها المتقد في نظراتها و قال بفظاظه.
إيه إلى حصل عشان تعمل في نفسها كدا؟
للحظه ظهر الألم الممزوج بالحيرة على ملامحها و لكنها أتقنت إخفاءه حين أجابت ببساطه
معرفش! أنا كنت بره و دخلت ملقتهاش و سمعت صوتها في الحمام و لما أتأخرت دخلت أشوفها لقيتها.
توقفت الكلمات على أعتاب شفتيها و أبتلعت ألمها الذي يشق قلبها لنصفين بمهارة ليفهم ما ترمي إليه فقال بإستفهام
حصل بينك و بينها حاجه؟
خرج الطبيب في تلك الأثناء و طمأنها على حالة جنه التي تم إنقاذها بأعجوبه و أخبرها بأنه سيتم نقلها إلى غرفتها بعد نصف ساعه فخرجت منها زفرة إرتياح قويه و حمدت ربها كثيرًا لتأتيها نبرته الصارمه حين قال
مجاوبتنيش. حصل حاجه بينك و بينها تخليها تفكر تتتحر؟
رفعت رأسها تناظره بغموض قبل أن تقول مستفهمه
حاجه زي إيه؟
سالم بترقب و عيناه لا تحيد عنها
شديتوا في الكلام مثلا!
فرح بإختصار
لا!
سالم محاولًا الضغط عليها أكثر.
أومال هي هتحاول تموت نفسها كدا من الباب للطاق؟
أغضبتها لهجته و طريقته معها و كأنه يستجوبها لذا قالت بعنف مكتوم
بصراحه معرفش.
أستمر بإستفزازها قائلًا بهدوء
مش مفروض انتي اختها الكبيرة و تعرفي كل حاجه عنها!
أرادت إيلامه كما آلمها لذا قالت بتهكم
زي مانتا أخو حازم الكبير بردو و المفروض أنك كنت عارف عنه كل حاجه!
إسودت عيناه و أزداد عبوس ملامحه الخشنه تزامنًا مع أنفاسه الحادة التي كانت تتخلل الصمت الدائم الذي قطعه حديثها المتألم حين قالت.
أنا كنت عارفه كل حاجه عن أختي فعلًا. كانت بالنسبالي زي الكتاب المفتوح لحد ما أخوك دخل حياتنا و قلبها و خلاها لأول مرة تكذب و تخبي. (تابعت حديثها بلهحه مريرة و نبرة أشبه بالإنهيار) كل المصايب إلى حصلتلنا كانت بسببكوا. لو كنت أتنازلت عن غرورك و سمعت مني مكناش زمانا وصلنا للي وصلناله دلوقتي!
لو كانت النظرات تقتل لكانت خرت صريعه في الحال و لكن و بالرغم من مظهره المظلم كانت لهجته خافته و لكن مخيفه حين قال
و إيه إلى وصلتيله؟ أختك برغم كل حاجه إلا انها معاكي و في حضنك مدفنتيهاش بإيدك تحت التراب مثلًا
أغمضت عيناها بألم جلي لم تقدر على إخفاؤه و ودت لو تخبره بأن يكون الإنسان على قيد الحياة فهذا لا يعني أنه بخير و لكنها أبتلعت غصه مريرة قبل أن تقول بجفاء.
ربنا يرحمه و أيًا كان مين غلط فخلاص إلى حصل حصل و الموضوع أنتهي. و أتمني أن معرفتنا ببعض تنتهي هنا زي ما كل حاجه أنتهت.
أرتفع إحدي حاجبيه من كلماتها التي كانت ستارًا لشئ تخفيه فأخذت نظراته ترتكز على ملامحها يحاول ثبر أغوارها و لم يفت عليه إهتزاز حدقتيها و التي لم تفلح نظارتها الطبيه في إخفاء تعابيرها بالكامل. و لكنه بنهايه المطاف أومأ برأسه دون حديث لتتراجع دون وداع ملتفته للجهه الآخري مطلقه ساقيها للريح لتحملها بعيدًا عنه و لكنها توقفت بمنتصف طريقها على صوته الحاد و لهجته الخشنه حين قال.
دايمًا للقدر آراء بتخالف أمنياتنا و توقعاتنا!
توقفت للحظه تستوعب جملته فشعرت بخطواته القادمه تجاهها و ما أن أصبح بقربها حتى سمعت صوت أنفاسه الحادة فإلتفتت لتجد أنه أصبح على مقربه كبيرة منها حتى شعرت بحراره كبيرة منبعثه من جسده إلى جسدها الذي تجمد فجأة عندما سمع لهجته الفظه حين قال
خليكي فاكرة كلامي دا كويس
قوست حاجبيها في حركه مستفهمه بادلها هو بإبتسامه ساخرة تجلت في نبرته حين قال.
كملي هروب. خلينا نشوف هتوصلي لحد فين!
كان يسارع الريح للخروج من هذا المكان فكانت خطواته غاضبه لا تري أمامها تتمني فقط لو بإمكانها أنتشاله من تلك البقعة التي تضم أنفاسها. تلك اللعينه التي البارحه فقط أقسم على أن يذيقها الويلات و يجعل من حياتها جحيمًا و لكنه الآن كان سببًا في نجاتها و كأن ذنبه السابق لا يكفيه لتأتي مهمه إنقاذها و هي من تلوثت يداها بدم أخيه. أي قدر هذا الذي جعله حاملًا لنفس فصيله دمها الملوثه!
لم يستطع تجاوز صدمته حين هاتفه آخاه الأكبر ليأمره بلهجه لا تقبل الجدال بأن يتوجه إلى المشفي للتبرع بالدماء! و حين سأله أجابه بمنتهي الهدوء بأنها قامت بمحاولة إنتحار و جاري الآن إنقاذها. اي إنقاذ هذا الذي يتحدث عنه فلتحترق في الجحيم تلك التي تسببت بفجيعتهم الكبري.
أغضبه كونه لم يستطيع معارضة أخاه الذي كان موقفه محيرًا بالنسبة له و لكنه كالعادة غامضًا و لم يقل سوي جمله واحده زادت من حيرته أكثر.
هتعرف كل حاجه في وقتها!
اللعنه على هذا الوقت الذي سيظل يتعذب حتى يحين قدومه.
هكذا أخذ يلعن و هو يدير محرك سيارته التي إندفعت بسرعه جنونيه كجنون صاحبها.
بعد مرور ثلاث اشهر.
ترجلت الفتاتان من السيارة لتقف فرح تتطلع إلى المبنى الشاهق أمامها و هي تقول بعدم فهم
إحنا رايحين فين يا جنة؟
ناظرتها جنة بعينان جامدة لا حياة بها و ملامح مرهقه لا روح فيها ثم التفت تنظر أمامها و هي تقول بخفوت
هتعرفي جوا.
لم تجادل « فرح » كثيرًا بل توجهت خلف شقيقتها التي فاجأتها حين دخلت إلى إحدي عيادات طب النساء و التي لصدمتها كانت خاليه تمامًا إلا من ممرضه بدا و كأنها تنتظرهم فما أن وصلوا حتى أدخلتهم إلى الطبيبه التي كانت تناظرهم بإرتباك خفي تجلي في رجفه يدها حين رفعتها لتسلم على فرح التي جلست بهدوء تنقل نظرها ما بين الطبيبه و شقيقتها التي أخيرًا تحدثت قائله بثبات ظاهري
أنا حامل يا فرح!
برقت عيناها و قد أوشكت على الخروج من محجريها حين سمعت جملة «جنة» و التي تابعت الحديث من بين دموع صامته تجري على وجنتيها
و جايه النهاردة عشان أنزله!
مر بعض الوقت قبل أن تستطيع « فرح » الحديث و الذي بدأ ثقيلًا على شفتيها فقد كانت تطالع شقيقتها بعدم تصديق فهل تلك الفتاة الجالسه أمامها هي الطفله البريئه التي ربتها طوال عمرها؟ هل ما يحدث معهم حقيقه بالفعل أم كابوس مرعب ستستيقظ منه في أي لحظه؟
نظرت إلى الطبيبه التي فهمت ما تريد فتعللت بإجراءها مكالمه مهمه و خرجت ليأتي صوت « جنة » التي قالت برجاء خفي في صوتها المبحوح.
متسكتيش أرجوكي يا فرح.
خرج الكلام منها باردًا مصاب بخيبه أمل كبيرة إرتسمت على ملامحها الحزينه
عيزاني أقول إيه؟ أنا مش مصدقه أنك قاعدة قدامي بتقولي الكلام دا؟
« جنة » بإنفعال
و لا أنا يا فرح قادرة اصدق. بس دا أمر واقع و لازم نتصرف قبل فوات الأوان!
إتقدت مقلتيها غضبًا فهبت من مكانها تقول بقسوة.
نتصرف! تعرفي إنك حامل و تخبي عني و تجبيني لحد هنا على ملا وشي و تحطيني قدام أمر واقع و تقوليلي نتصرف!
إرتجفت من مظهر شقيقتها الغاضب فقالت بضياع
أنا عملت كدا عشان عارفه أنك عمرك ما هتوافقي. قولت أحطك قدام الأمر الواقع و أشيل أنا الذنب
فرح بصراخ
أي ذنب بالظبط يا جنه؟ أنتي بقيتي غرقانه في الذنوب من ساسك لراسك.
جنه من بين انهيارها
طب إيه الحل. أنا تعبت أوي يا ريتني مت و إرتاحت.
فرح متجاهله تلك النغزة بصدرها قائله بلهجه حادة
أي حل في الدنيا هيبقي أحسن من أنك تقتلي روح ربنا كتبلها الحياة جواكي.
جنة بألم
يموت دلوقتي أحسن ما يموت ألف مرة لما ييجي الدنيا دي و يلاقي نفسه من غير أب. عارفه الناس هتبصله إزاي؟
كان حديثها مؤلمًا على تلك التي كانت ترتجف داخليًا و لكنها أبت أن تظهر ذلك فقالت بصوت قاتم.
أنا هسأل محامي و هعرف إيه الإجراءات إلى مفروض تتاخد و أكيد الورقه إلى معاكي دي هتثبت أن الولد إبن حازم
أرتجف جسدها حين تذكرت توعد ذلك الرجل «سليم الوزان »بأن تلاقي الجحيم على يديه و حينها هبت من مقعدها تقول بلهفه
أنتي نسيتي أخواته يا فرح دول ممكن يفكرونا طمعانين فيهم و يبهدلونا دا غير الفضايح. أنا مش قادرة أنسي شكل سليم دا و هو بيهددني.
أنا مبنمش من وقتها. مش عايزة أي حاجه تربطني بالناس دي. أرجوكي يا فرح سييني أتخلص من الحمل. دا الحل الوحيد
عند إنهاءها جملتها وجدت الطبيبة تدخل من باب الغرفه و سألتها أن كانت مستعدة فلم تستطع «فرح» الإجابه وكأن حواسها كلها توقفت عن العمل لتجيب جنة بنبرة مهزومة
آه مستعدة
أمرتها الطبيبه بلطف أن تذهب للغرفه الآخري حتى تتجهز فاقتربت من شقيقتها تمسك بيدها قائله بتوسل.
أرجوكي سامحيني يا فرح. مقداميش حل غير دا.
لم تجيب فرح بل تقاذف الدمع من مقلتيها مصطدمًا بنظارتها الطبيه يحجب عنها الرؤيه فشددت «جنه» من قبضتها فوق كفوفها و قالت برجاء
هستناكي جوا. عيزاكي تكوني جمبي.
خرجت جنه تاركه فرح في موجه من الإنهيار و التي قطعها فجأة هاتف قال بإصرار في أذنها أن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعًا. و أن ما يحدث جريمه نكراء. عند هذا الحد توقفت فجأة تمسح عيناها و هي تقول بتصميم
لازم أمنع الجريمه دي فورًا.
و تقدمت نحو الباب بلهفه تفتحه لتتجمد الدماء بعروقها حين وجدت ذلك الجسد الضخم يسد عنها الطريق و تلك العينان التي كانت سوداء قاتمه توحي بأن صاحبها على وشك إرتكاب جريمه قتل فخرجت الحروف من فمها مهتزة
سالم!
كانت نظراته محتقرة و لهجته ساخرة تعج بالقسوة و العنف
مش قولتلك أن القدر دايمًا له رأي تاني عكس ما بنتمني.
↚
الصدمه التي لا تقتلك ستجعلك أقوى بكل تأكيد! مقوله أشبعتني ضحكًا حد البُكاء! فبساطة كلماتها تتنافى تمامًا مع ذلك الدمار الهائل الذي يتلو صدمتك فيقودك إلى حافه الموت لتتجرع سكراته كامله و حين توشك على إغماض عينيك طالبًا الراحه يعود بك إلى واقع مرير فتجد نفسك مُجبرًا على مُجابهته بقوة نابعه من جرح عميق حفرته تلك الصدمه التي بالنهايه لم تقتُلك!
نورهان العشري.
كانت تناظره بعينان متسعه و قلب ينتفض بين ضلوعها لتسري رجفه قويه في سائر جسدها بينما تاهت الكلمات من على شفتيها أمام نظراته المسلطه فوقها و التي كانت مختلفه عن نظراته السابقه لها فقد بدت و كأنها قاسيه غاضبه محتقرة!
لم تستطع التفوه بحرف واحد و خاصةً حين وجدته يتقدم إلى الغرفه بينما تراجعت هي للوراء و قد دب الذعر بقلبها حين سمعت لهجته الساخرة التي تُخفي بجوفها غضبًا مريرًا كان جليًا في عيناه.
مش عادتك تسكتي! القطه كلت لسانك و لا إيه؟
حاولت تجاوز صدمتها و أخذت نفسًا قويًا كان معبًأ برائحته الرجوليه التي تغلغلت إلى أنفها و جعلت جميع حواسها تتنبه و لأول مرة تظهر إنفعالاتها بمثل هذا الوضوح أمامه و لكن غضبه كان يطمس كل شعور لديه في تلك اللحظه و قد كان صمتها يزيد من غضبه و لكنها أخيرًا إستطاعت السيطرة على نفسها و قطع ذلك التواصل البصري بينهم و الذي كان يعج بعتاب مشحون غاضب و خرجت كلماتها بلهجه جافه كجفاف حلقها
أنت جيت هنا إزاي؟
خرجت من بين شفتيه ضحكه خافته قاسيه خاليه من المرح أتبعها بحديثه الذي تتساقط الإتهامات من بين سطوره
هو دا إلى فارقلك! جيت هنا إزاي!
كانت نظراته تقتنص ارتباكها الذي ظهر لأول مرة جليًا على ملامحها فقد كانت في موقف لا تُحسد عليه عالقه في شباك نظراته التي تجعلها تتفوه بالحماقات و تقف سدًا منيعًا بينها و بين التفكير بتعقل بينما هو تابع قائلًا بعنف بكتوم
مع إن مفروض أنا إلى أسألك بتعملي إيه هنا؟
أبتلعت غصة مؤلمه و حاولت أن تشحذ بعضًا من قوتها التي تبعثرت بحضوره و قالت بجمود
مدام عرفت مكاني يبقي عرفت أنا هنا بعمل إيه؟
تشكلت غصه في حلقه حين سمع كلماتها التي لم يكن بها أي ذرة تأنيب ضمير أو هكذا ظن لتخرج الكلمات من فمه مُحمله بأكبر قدر من الإحتقار
جايه تشاركي في قتل روح بريئه ملهاش ذنب في أي حاجه!
إستقر إتهامه بمنتصف قلبها ليشطره إلى نصفين و قد ظهر ذلك الألم بعيناها التي كانت تخفيها تحت إطار من الزجاج حجب عنه رؤيه عذابها و لكنه تجلي في نبرتها حين قالت بعتاب خفي
صدقت أو مصدقتش أنا معرفتش أنا هنا ليه غير من خمس دقايق بس. و عمري ما كنت هشارك في ذنب زي دا
قاطعها بقوة و نبرة حادة
و سبتيها تدخل أوضه العمليات ليه؟
تهدجت نبرتها و خرج صوتها متحشرجًا حين قالت و هي تُحارب عبراتها.
مكنتش قادرة أستوعب إيه إلى بيحصل. الوقت بين لما عرفت أنها حامل و لما عرفت أنها جايه تنزله ميتعادش عشر ثواني.
لأول مرة تكن لهجتها ضعيفه بذلك الشكل! كان هناك صوت بأعماق قلبه يصدقها و لكن غضبه كان يخرس كل شئ حوله و لا يستوعب سوي حقيقه واحده أنه لو لم يتدخل في الوقت المناسب كان سيخسر الشئ الوحيد المتبقي من أخاه المتوفي لذا تجاهل هذا الألم الجلي على ملامحها و قال بخشونه.
أحمدي ربنا إني أدخلت في الوقت المناسب و إلا.
إستيقظت روحها الثائرة بداخلها ما أن سمعت كلماته المهددة فإنتزعت الباقي من إرادتها و قالت بقوة
متهددنيش!
سالم بلهجة هادئه و لكن قويه توازيها نظرات محذرة
مبهددش! أنا بعرفك عشان تفكري ألف مرة قبل ما تعملي حركه غبيه زي دي تاني!
فرح بتحدي
لو فاكر إنك كدا بتخوفني تبقي غلطان!
سالم بهدوء ظاهري و نبرة عميقه بينما عيناه تبحر فوق ملامحها بغموض.
لا مخوفك! وبلاش تخليني أخوفك أكتر و أستخدم معاكي أسلوب أنا مابحبوش!
« اللعنه عليك! » كان هذا أول ما تفوهت به بداخلها فذلك الرجل بغيض لدرجه جعلتها لا تستطيع التواجد معه في مكان واحد فالتفت تنوي مغادرة الغرفه و ما أن همت بتجاوزه حتى إمتدت يده تقبض على معصمها بقوة آلمتها فتوقفت على الفور و قد شعرت بطبول تدق بين ضلوعها إثر ملامسته لذراعها و على مهل أدارت رأسها تواجهه لتشتعل حربًا صامته بين أعينهم دامت لثوان قبل أن تقطعه لهجته المحذرة حين قال من بين أسنانه.
لآخر مرة هحذرك! لما أكون بكلمك أوعي تمشي و تسبيني!
حاولت رد الصاع صاعين و لكن بطريقتها فقالت بإستفزاز
إيه دا هو انت مكنتش خلصت!
تحركت تفاحه آدم التي تتوسط عنقه بينما أشتدت قبضته على ذراعها مما يدل على محاولته إبتلاع غضبه التي زاد من إشتعاله أستفزازها و قال بصرامه
كلامنا لسه مخلصش. هروحك أنتي و الغبيه إلى جوا دي و بعدها نتكلم عشان نحط النقط عالحروف.
كانت هذه أكبر جمله تفوه بها منذ أن عرفته لذا كانت تعلم أن خلف حديثه هذا أشياء لن تعجبها و لكنها آثرت تأجيل كل شئ حتى تطمئن على شقيقتها فقامت بتوجيه نظراتها إلى قبضته الممسكه بذراعها فخففها تدريجيًا إلى أن تركها فقالت بإختصار
هروح أطمن على جنة.
كانت جنة مستلقيه على سرير الكشف و الطبيبه تقوم بتمرير جهاز الموجات فوق معدتها و فجأة صدح صوت قوي لنبضات صغيرة جعلت كل خليه في جسدها ترتجف فنظرت إلى الطبيبه التي قالت بوقار
سامعه صوت قلبه!
دون حديث إنهمرت الدموع فوق وجنتيها و شعرت بأن قلبها على وشك الخروج من مكانه من فرط التأثر.
كانت تشعر و كأن نبضاته تعاتبها على جريمتها التي كانت على وشك إرتكابها في حقه فلم تستطع الإجابه على سؤال طبيبتها التي قالت بتأثر.
لما جتيلي و قولتيلي إنك عايزة تنزلي البيبي أول حاجه جت في بالي إني أطردك فورًا بعد ما أديكي الدُش المتين. بس لما عيني جت على إيدك إلى كنتي بتحضني فيها بطنك و كأنك بتحمي إلى جواها من نفسك و خدت بالي من شفايفك إلى بترتعش قولت دي مش منظر واحده عايزة تضحي بضناها أبدًا. قولتلك أتفضلي عشان أكشف عليكي بس وقتها مكنش لسه في نبض عشان كدا أديتك ميعاد النهاردة بحيث تيجي في الوقت إلى يبقي قلب الطفل بدأ ينبض و كنت واثقه أنك بعد ما تسمعي صوت قلبه عمرك ما هتقدري تضحي بيه. أنا معرفش ظروفك إيه بس صدقيني ربنا مأردش أنك تحملي فيه إلا إذا كان له حكمه في دا و زي ما زرعه جواكي أكيد هيلطف بيكي و بيه. أحمدي ربنا على النعمه دي في آلاف الستات بتجيلي هنا عندها استعداد تدفع عمرها كله قصاد انها تبقي أم. بتتمني بس ضافر طفل. استغفري ربنا على الجريمه إلى كنتي عايزة تعمليها دي. و أحمدي ربنا الف مرة أنه أنقذك في الوقت المناسب.
أنهت الطبيبه حديثها تزامنًا مع دخول «فرح » التي نظرت إلى ملامح شقيقتها المنهارة فهرولت تحتضنها فعلى صوت بكائها و هي تقول يإنهيار
أنا كنت هموت أبني يا فرح. كنت هقتله بإيدي.
حاولت فرح تهدئتها فأخذت تمرر يدها فوق رأسها المُلقي بين أحضانها وهي تقول بتأثر
أحمدي ربنا أنك اتلحقتي في الوقت المناسب يا جنة.
جنة بإنهيار.
أنا سمعت صوت قلبه يا فرح دا زي ما يكون بيعاتبني و بيقولي إزاي جالك قلب تفكري تعملي فيا كدا.
هطلت العبرت من مقلتيها تأثرًا بحديث شقيقتها فشددت من إحتضانها و قالت بخفوت
أهدي يا جنة عشان خاطره هو. أنفعالك دا غلط عليه.
هدأت حدة بكائها قليلًا و لكن أستمر خيط الدموع بالنزول في صمت و أخذ لسانها يردد عبارات الحمد بينما « فرح» رفعت رأسها للطبيبه و ناظرتها بإمتنان قابلته هي بابتسامه هادئه و ناولتها ورقه بها بعض الادويه و العقاقير بعد أن أعطتها التعليمات اللازمه للحفاظ على الجنين.
كانت تحتضن شقيقتها متوجهه إلى الخارج تنوي العودة إلى المنزل لتجده ييقف بسيارته أمام البنايه فخرجت منها زفرة تعبه فهناك مواجهه وشيكه ستحدث بينهم و لكنها كانت تفضل أن تحدث في غياب «جنة» التي إرتجفت حين رأته فمالت عليها « فرح» قائله بطمأنه
متخافيش أنا جمبك.
لم تُمانع حين رأته يقوم بفتح الباب الخلفي لشقيقتها التي أطاعته بصمت هي الآخري بينما أرسلت لها «فرح » إبتسامه مطمئنه قبل أن تقوم بالتوجه إلى الكرسي الأمامي بجانبه و أنطلق بالسيارة متوجهًا إلى منزلهما الذي و لدهشتها وجدت أنه يعرفه فقد وصل إليه في وقت قياسي فإلتفتت تلقي عليه نظرة غاضبه قبل أن تترجل من السيارة لتقوم بمساعدة شقيقتها في الدخول إلى المنزل و لكنها توقفت تلتفت إليه قائله بلهجه باردة.
أتفضل نتكلم جوا
أومأ برأسه و تبعها فقامت بفتح باب الشقه و الدلوف إلى الداخل و بجانبها «جنة» المتشبسه بيدها و كأنها طوق نجاتها و قد كانت كذلك بالفعل فقد أقسمت بداخلها بأن تحميها هي و طفلها مهما كان الثمن.
أظن مش محتاج أنبه عليكي تخلي بالك من نفسك و من إلى في بطنك.
توقفت الفتاتان في منتصف الطريق المؤدي لغرفه «جنه» و التي كانت أمام صاله الاستقبال المتوسطه المساحه حين سمعوا جملته التي كانت تخفي تهديدًا واضحًا تجلي في لهجته الصارمه فإلتفتت إليه فرح تلقي عليه نظرة حانقه و قبل أن تجيب خرج صوت شقيقتها خافت مرتعش
عمري ما هفكر أأذيه أبدًا.
كانت نبرتها مرتعشه و لكنها صادقه و قد لمس هذا الصدق بها لذا لم يتابع بل جلس على إحدي المقاعد خلفه بأريحية جعلت الغضب يتمكن منها من ذلك المتعجرف الذي إعتاد إلقاء الأوامر ثم يجلس بهدوء و كأنه في بيته «تبًا له ».
كان يناظر غضبها بنظرات متسليه فتحديها له يروقه و إنتصاره الدائم عليها له مذاق لذيذ لا يعرف كنهه فتلك المرأة تثير فضوله بشكل غير مسبوق. خوفها الذي تخفيه خلف قناع من القوة الواهيه يجعله يريد الفتك به بلحظه و باللحظه الآخري يشعر بالألم حين يري ضعفها. بيد يريد تحطيم رأسها اليابس و الذي يهوي القتال أمامه و باليد الآخري يريد أن يطيب جراحها و يبثها أمان يعلم أنها تحتاجه.
لم يكن يهتم بالنساء كثيرًا و قد كان هذا يثير فضول من حوله. لم تجذبه إمرأه منذ سنوات طويله و لكن تلك المرأة منذ أول لقاء لهم شعر بشئ مميز بها. فبالرغم من جرأتها و مناطحتها له إلا أنها من كلمات بسيطه تتحول إلى فتاه خجوله مراهقه.
مزيج غريب أثار فضوله يعلم أن خلف قناع المعلمه الجادة الذي ترتديه توجد أنثي مختلفه كثيرًا. و بداخله رغبه كبيرة في التعرف إليها.
أخيرًا أطلت عليه بعد أن أطمأنت أن شقيقتها آمنه في غرفتها و قد أخذت كل أدويتها التي توقف بمنتصف طريقهما ليحضرها رافضًا أن تقوم هي بجلبها و كأنه يريد أن يخبرها بأنه سيتابع كل شئ بنفسه بعد الآن.
أخذت نفسًا عميقا قبل أن تتوجه إلى حيث ينتظرها فقد جاءت لحظة المواجهه التي لا تعلم لما كانت خائفه منها بهذا الشكل.
↚
قبل أن تخرج حانت منها إلتفاته بسيطه لمظهرها فقد بدت ملامحها هادئه عاديه وجه طبيعي باللون الخمري الذي يتسم بحمرة طبيعيه على الوجنتين و شفاه ممتلئة امتلاءًا طبيعيًا ذا لون وردي هادئ و نظارات طبيه تخفي غابتها الزيتونيه و التي هما أكثر شئ مميز بها و كالعادة كانت تعقص شعرها على هيئه كعكه تهدئ من جنونه و تطيح بجماله المتمرد و لكن كان هذا الشكل هو ما تحتاج أن تظهر عليه. فهو يعطيها وقارًا تستمد منه قوتها التي تحتاجها في مواجهه الحياة.
توقفت أمامه تناظره بهدوء تجلي في نبرتها حين قالت
تشرب إيه؟
سالم بهدوء يماثل هدوئها
و لا حاجه. خلينا ندخل في الموضوع على طول
أبتلعت ريقها بتوتر حاولت إخفاؤه و تقدمت لتجلس أمامه على الأريكه ذات الألوان البيضاء المريحه للعين و من ثم رفعت انظارها إليه و هي تقول بهدوء
موافقه. بس الأول في كام سؤال محتاجه أعرف إجابتهم منك
رفع إحدي حاجبيه مستفهمًا فتابعت قائله بوضوح.
عرفت موضوع حمل جنة إزاي؟ و عرفت مكاننا إزاي؟ ياريت كل شئ يبقي واضح بينا معدش فيه مجال نكذب و لا نخبي كل حاجه إنكشفت خلاص
ناظرها طويلًا قبل أن يقول بنبرة ذات مغزي و عيناه تقتنص وقع الحديث على ملامحها
عرفت بالحمل تاني يوم الحادثه!
تفاجئت من حديثه و قالت بصدمه
نعم! هو كان في حمل اصلًا وقتها؟
لاحت إبتسامه ساخرة على جانب شفتيه قبل أن يقول بتقريع خفي
أومال الحمل حصل بعدها!
جفلت من حديثه الساخر و تابعت بغضب مكتوم
أقصد أن مكنش في أي أعراض. الدكتورة قالتلنا النهاردة أنها في نص الشهر التالت. يعني لو حسبنا من تاني يوم الحادثه زي ما بتقول يبقي كان لسه في أوله و لا يمكن يكون ظهر في الكشف
سالم بإختصار
بس بيظهر في الدم!
فرح بإستفهام
و مين طلب تحليل دم؟ جنة مكنتش محتاجه نقل دم يوم الحادثه مجرد كسر في ايديها و كدمات في جسمها
سالم بهدوء
أنا طلبت!
فرح بقوة
و ليه طلبت؟
أجابها بلهجه صارمه.
من غير ليه؟
كان تحادثه الند بالند و على الرغم من هدوء النبرات كانت هناك حربًا مشتعله بين نظراتهم و لم تستطع نظاراتها إخفاء تحديها الصريح له و كأنها تريد أن تصل إلى نقطه ما و هذا ما جعلها تقول بقوة
طلبت تحليل دم ليه؟ كنت عايز تتأكد من إيه؟ متقوليش أنك كنت شاكك أنها حامل؟
رفع إحدي حاجبيه و هو يناظرها بينما عيناه تجوبان ملامحها التي بدت واثقه من شئ ما و هذا ما جعله يقول يإختصار
هاتي إلى عندك.
شعرت بأنها في مركز قوة و على وشك تحقيق انتصارًا عظيمًا عليه لذا قالت بتروي و كأنها تدخل كلماتها بعقله
يمكن لما الدكتور قالك أن حازم الله يرحمه كان شارب مخدرات كنت عايز تشوف هي كمان كانت شاربه زيه و لا لا؟
صدمه معرفتها بالأمر و لكنه كالعادة لم يظهر شئ بل ظلت ملامحه على حالها حتى أن نبرته خرجت عاديه كما لو أنه لم يتأثر بكل يقال حوله
حلو طلعتي متابعه و عارفه كل حاجه.
لو يعلم أنها علمت صدفه عند سماعها حديث الممرضات عن أضرار المخدرات و أنها السبب في ضياع شاب في ريعان شبابه و لكنها إغتاظت من رده كثيرًا و قد ظهر ذلك على ملامحها و مع ذلك قالت بهدوء
أكيد لازم أتابع و أعرف كل حاجه و خصوصًا بعد ما أخوك جه و هدد جنه بسبب إلى عملته في أخوه و الحقيقه أن كل إلى حصله و حصلها كان بسببه إدمانه و تهوره
سالم بلهجة جافه خشنه
عايزة توصلي لأيه؟
فرح بقوة.
إننا لينا حق عندكوا و أظن أنت فاكر وعدك كويس أوي
كانت تظن بأنها حاصرته و لكنها لم تحسب حساب أبدًا لحديثه الذي جعل الدماء تتجمد بعروقها و خاصةً لهجته القاسيه
فاكر. بس المفروض قبلها نتأكد إذا كان ليكي حق فعلًا!
لا تعلم لما شعرت بالخوف من تلك النظرات ناهيك عن لهجته التي كانت توحي بأن هناك الكثير لم يخبرها به و لذلك تأهبت جميع حواسها حين قالت بترقب
تقصد إيه؟
كانت الكلمات تخرج من بين شفتيه و كأنها سهام يقصد أن يجعلها تخترق مسامعها
قبل ما تتكلمي عن إدمان حازم دوري على إلى وصله لكدا؟
فرح بتوجس
معناه إيه كلامك دا؟
سالم بإختصار و عيناه على باب غرفة شقيقتها
أسأليها.
حاولت الحفاظ على هدوئها و قالت بإستنكار
و جنة إيه علاقتها بالموضوع دا؟
سالم بإختصار و بعينان لا تحيد عنها
هعرف! و لحد ما أعرف إيه مدي علاقتها بالموضوع هنأجل موضوع حقي و حقك دا. خلينا دلوقتي في المهم.
شعرت بأن هناك شئ آخر خلف رغبته في الحديث معها لذا قالت بإستفهام
و هو في أهم من الموضوع دا؟
سالم بإختصار
طبعًا في.
إلى هو إيه؟
إبن أخويا إلى كنتوا هتقتلوه النهاردة!
كانت كلماته قويه توازي قوة عيناه التي توحي بأن هذا الأمر لن يمُر مرور الكرام و بالرغم من غضبها من كلماته إلا أنها أعطته الحق في غضبه لذا قالت بنبرة هادئه نسبيًا.
مكنتش هسمح بدا يحصل أبدًا. و انت شفت بعنيك إني كنت بفتح الباب و رايحه أمنع جنة تعمل كدا لولا إني لقيتك قدامي
سالم بإختصار
أفرض حاولت تعمل دا من ورايا أنا و أنتي؟
فرح بنفي قاطع
لا طبعًا عمرها ما تعمل كدا أنت شوفت حالتها كانت عامله أزاي و أزاي كانت حاسه بالندم أنها فكرت في كدا
أطلق تنهيدة خشنه غاضبه قبل أن يقول بلهجة جافه
لو هحكم بإلي شفته فأختك غير مسؤوله بالمرة
فرح بإندفاع
أنت إنسان غير مُنصف
سالم بقسوة.
أنا إنسان عملي بحكم عالناس من خلال تصرفاتهم. و تصرفاتها لحد دلوقتي كلها غير مسؤوله
لا تعلم ماذا دهاها في تلك اللحظه فجل ما تريده هو الدفاع عن شقيقتها فخرج الكلام منها عبثًا حين قالت
على فكرة جنة و حازم كانوا متجوزين عرفي!
ما أن اختتمت جملتها و رأت تلك الإبتسامه البغيضه على ملامحه حتى لعنت غبائها و خاصةً عندما قال بتهكم
و دا في رأيك تصرف مسؤول.
كان مهيمنًا على الوضع بطريقه أغاظتها و أخرستها كلماته. تعلم بأن شقيقتها أخطأت كثيرًا و لكنها لا تستطيع أن تقف مكتوفه الأيدي أمام إتهاماته لها فخرج الكلام من بين شفتيها في محاوله أخيرة لنفي تلك التهم البغيضه التي تتجلى بوضوح في عيناه
الغلط مكنش غلطها لوحدها. و أعتقد أني جيت و نبهتك قبل كدا
كانت ملامحها تضج بالألم و الغضب معًا و قد شعر بوخزة ألم على حالتها تلك لذا قال بلهجه باردة تمامًا كما أراد.
أنا مش هنا عشان أشوف مين فيهم غلط أكتر من التاني. أنا هنا عشان أمنع غلط أكبر
فرح بعدم فهم
تقصد إيه؟
جنة هتيجي تعيش معانا لحد ما تولد!
ألقي بقنبلته بينما أخذت عيناه وضع المراقبه لكل همسه تصدر منها و لكنها بقت جامدة للحظه قبل أن تخرج منها ضحكه قصيرة خاليه من المرح و كأنه القي نكته سخيفه كسخافه ذلك الوضع الذي هي فيه
أنت أكيد بتهزر صح!
أجابها بجفاء
إنتي شايفه إيه؟
فرح و قد علت نبرتها دونًا عنها.
أنا هعمل نفسي لا شايفه و لا سامعه.
سالم بفظاظه
تبقي بتدفني راسك في الرمل زي النعام!
هبت من مكانها و قالت بانفعال
أنت مستوعب كلامك؟
سالم بهدوء مستفز
طبعًا! الدور عليكي أنتي تستوعبيه عشان مش هيحصل غيره
فرح بتهكم
و ياتري عايزها تروح تعيش معاك على أي أساس؟
سالم مصححًا
قولت هتعيش معانا مش معايا. و هنا أقصد عيلتنا والدتي و أخواتي
فرح ساخرة
بصفتها إيه؟
كانت السخريه تغلف ملامحها و نبرتها و قد أغضبه هذا و لكنه كان يفهم ذلك الصراع بداخلها لذا قال مشددًا على كلماته
بصفتها أرملة حازم الله يرحمه و أم إبنه أو بنته إلى جاي
لم تنكر إرتياحها لتلك الصفات التي نسبها لشقيقتها و نبرته التي أكدت على حديثه و لكنها لن تتنازل أبدًا عن حقها في الدفاع عنها فقالت بهدوء.
طب تمام حلو أوي دا. تقدر تعتبرها أرمله أخوك و أم إبنه أو بنته وهي في بيتها عشان جنه مش هتخرج من البيت دا و لو على جثتي
نهض سالم بتكاسل من مقعده و قام بإغلاق أذرار بذلته و هو يقول بخفوت صارم و عيناه تؤكد على حديثه
لا هتيجي معايا و برضاكي كمان.
شعرت بالسخافه من نبرته الواثقه و كلماته الهادئه فقالت بتعجب.
ممكن اعرف إيه مصدر ثقتك دي. يعني حقيقي الموضوع مثير للإهتمام. بقولك مش هتخرج غير على جثتي بتقولي لا هتخرج و برضاكي. إزاي بقي معلش!
واصل حديثه خانقًا ضحكه بسيطه كانت تهدد بالخروج على مظهرها الذي يبدو أقرب للجنون و أيضًا غضبها الذي تحاول كتمه بصعوبه فقد كانت هناك لذه خفيه في كل إنتصار يحققه عليها لا يعلم مصدر تلك اللذة و لا متي بدأ يعتبر نجاحه في إربكاها يعد إنتصار؟ كل ما يعرفه أن هناك شئ ما بأعماقه يجبره على تحديها و الإستمتاع بكل إنفعالاتها. خرج صوته هادئًا خشنًا يناقض كل أفكاره
إيه رأيك تسأليها رأيها في كلامي؟ و بعدين نشوف!
خرجت منها ضحكه ساخرة خاليه من المرح و جاء صوتها مدهوشًا من حديثه
دا بجد! أنت عايزني أخد رأي جنة في الهبل دا؟ طبعًا من رابع المستحيلات أنها توافق على حاجه زي كدا!
بس أنا موافقه يا فرح!
جفلت فرح من ذلك الصوت القادم من الخلف و شعرت بطلق ناري يستقر في منتصف ظهرها حين أستمعت لصوت شقيقها القادمه من وراءها فتسمرت في مكانها تنازع في محاولة لأسترداد أنفاسها الهاربه قبل أن تلتفت ببطئ لتلتقي عيناها مع شقيقتها التي كان الحزن و الألم مرتسمان على ملامحها وهي تري وقع قنبلتها على وجه «فرح» الذي كان يُحاكي شحوب الاموات في تلك اللحظه و صوتها المبحوح الذي ردد اسمها بعدم تصديق
جنة.
↚
أقتربت منها «جنة » و على وجهها جميع عبارات الأسي و عيناها ترسل ألف إعتذار و إعتذار لتلك التي كانت على وشك الإغماء فأمتدت يد جنة تمسك بكفوف شقيقتها المرتعشه و هي تقول بنبرة قويه يشوبها بعض البكاء
كفايه عليكي أوي كدا يا فرح!
خرجت الكلمات من فمها مرتعشه تمامًا كحال قلبها
كفايه إيه يا جنه؟
جنه بإنفعال وهي تشدد على كل حرف تتفوه به.
كفايه بهدله فيكي لحد كدا. طول عمرك شايله حملنا على كتافك. من أول تعب ماما وموتها و أنتي شايلانا كلنا حتى بابا إلى كان مفروض يعوضنا غياب ماما كان بيتسند عليكي. كنتي انتي إلى شيلاه مش العكس. بسببنا أتخليتي عن حلمك أنك تبقي دكتورة و سبتي كليه الطب عشان تقدري تتحملي مسئوليتنا و البيت دا يفضل مفتوح. و حتى بعد بابا ما مات محسستينيش يوم واحد إني يتيمه. فضلتي جمبي و في ضهري و عمرك ما حرمتيني من حاجه. كفايه أنك أتخليتي عن حب حياتك عشان تفضلي جمبي و متسبنيش. عشان كدا بقولك كفايه. لازم أتحمل نتيجه أخطائي. جه الوقت إلى تعيشي في حياتك و كفايه تتحملي كل حاجه لوحدك إرتاحي مرة واحده بقي.
كانت كلمات جنة تتردد على مسامعها و ذكريات حياتها كله يعاد أمام عيناها كالشريط فأفصحت مقلتيها عن دمعه خائنه إثر جملتها الأخيرة فعن أي راحه تتحدث! هل فعلا قُدرت لها الراحه؟ تجاهلت كل هذا الألم الهائل الذي عصف بها و قالت بلهجه حاولت أن تكون ثابته
بس أنا مشتكتلكيش؟
جنة بلهفه.
و لا هتشتكي يا فرح! عارفه ليه؟ عشان أنتي أحسن حد في الدنيا. هتفضلي تتحملي لحد ما تقعي و لا أنك تحسسيني بأي حاجه بس أنا مش هتحمل تقعي يا فرح. أنتي بالذات خسارتك غير أي خسارة في الدنيا. خسارة مش هقدر عليها أبدًا.
لم تستطع الحديث إذ تفاجأت بجنه التي إلتفتت إلى سالم الذي كان جامدًا كتمثال صلب يستمع إلى ذلك الحديث الشائك عن معاناتها و كم تحملت لأجل عائلتها و هنا تغيرت كل نظرته إليها و تبدلت معالم شعوره نحوها و قد صدق ظنه بشأنها فهي كما وصفها منذ أول لقاء لهم أنثي إستثنائيه. و لكن عقله توقف أمام جمله (أتخليتي عن حب حياتك) خربش الفضول جدران قلبه بصورة قاتله لمعرفة ماذا تقصد و أي شكل أتخذ هذا الحب؟
أخرجه من شروده و تساؤلاته كلمات جنة الذي يسكنها حزناً عميقًا
أنا موافقه يا سالم بيه آجي معاك
لم تتحرك من مكانها و لم يرتفع رأسها و قد كان مظهرها يغضبه أو ربما يؤلمه لذا أعاد انظاره إلى «جنة» قائلًا بخشونة
أتفقنا. العقد بتاع الجواز العرفي معاكي؟
أومأت برأسها بصمت فقد كان الخزي يتوج ملامحها في تلك للحظه فجاء طلبه لينقذها إذ قال بفظاظه
عايز اشوفه.
للمرة الثانيه أومأت برأسها و توجهت للداخل كي تحضره بينما كانت «فرح» ما تزال بمكانها لا تستطيع أن تواجهه فقد خسرت كل شئ أمامه تجردت من كل شئ تحت أنظاره
فتولد عندها شعور مفاجئ بحاجتها للإختفاء!
تود في تلك اللحظه أن تكون شئ غير مرئي مجرد سراب فلم تعد لديها طاقه للجدال أو النقاش أو أي شئ.
فالحياة تستمر بمعانداتها و إعطاؤها صفعه تلو الآخري حتى فقدت قدرتها على التحمل لذا حاولت الإنسحاب خلف «جنة» هربًا من نظرات شامته لابد و أن ترتسم بعيناه في تلك اللحظه و لكنها لم تقدر على تحملها. و ما أن تحركت تنوي الهروب حتى وجدت يد فولاذية تمسك برسغها تمنعها من الحركه تلاها صوتًا هادئًا يناديها
فرح!
حاولت أن تشحذ بعض قواها الخائرة و ألا تجعله يراها مهزومه بتلك الطريقه فلتواجه للنهايه و لتكن دائمًا مرفوعه الرأس.
أخيرًا رفعت رأسها تناظره فصدمها ذلك الدفء الغريب منبعثًا من عيناه التي بدت و كأنها تؤازرها في مصابها حتى أن ملامحه كانت هادئه خاليه تمامًا من أي سخريه أو شماته كما توقعت و لكنها تجاهلت كل شي و قالت بنبرة جافه
نعم!
خرجت نبرة صوته لينه بعض الشيء ففاجأته بقدر ما فاجأتها.
جنة عندها حق. أوعي تزعلي منها
لاحت إبتسامه ساخرة على ملامحها تتنافى مع لهجتها المريرة حين قالت
بتدافع عن جنة قدامي! دا يوم المعجزات بقي!
أستعاد سالم ملامحه الجامدة و قست لهجته قليلًا حين قال
مبدافعش عنها بشخصها. لكن كلامها صح. الموضوع المرادي أكبر منك.
فرح بمرارة
بجد! عمومًا مش زعلانه عشان عارفه أنها هترجعلي في النهاية بعد ما تاخدوا إلى أنتوا عايزينه منها
قطب جبينه و إزداد عبوس ملامحه قائلًا بعدم فهم.
يعني إيه ناخد إلى إحنا عايزينه منها!
فرح بقسوة
إبن أخوك! مش دا إلى جابك ورانا لحد الدكتوره و طبعًا أكيد كنت مراقبنا قبلها عشان كدا عارف مكان بيتنا كويس! طبعًا أخوك الله يرحمه طلعله طفل من تحت الأرض و أنا عذراك دا حقك إنك تتمسك بيه. لكن مصير جنة إيه بعد كدا؟ أقولك أنا هترجع تاني مكان ما جت و تقضي بقيت حياتها تتعذب على ضناها إلى أنتوا هتاخدوه منها.
ضاقت عيناه و إسودت ملامحه من حديثها الذي صدمه كثيرًا فقال بإستنكار غاضب
أنتي إزاي متخيلانا بالبشاعه دي؟
فرح بغضب
لا دانا متخيلاكوا أكتر من كدا
سالم بحدة
ليه؟ إيه السبب؟
صرخت بقهر.
عشان مشفتش منكوا غير كدا. أخوك من أول ما دخل حياتنا بوظها و دمر أختي و حول حياتنا لجحيم و أخوك التاني فجأة لقيناه داخل علينا عمال يهدد و يقل أدبه و بمنتهي البجاحه بيقول هعلمكوا الادب. مشوفتش منكوا حاجه واحده بس كويسه تخليني أآمن على أختي معاكوا
طب ما تجربي أنك تقربي أكتر يمكن تغيري رأيك!
لا يعلم كيف غافلته الكلمات لأول مرة بحياته و خرجت مندفعه من بين شفتيه فصدمته بقدر ما صدمتها!
في البدايه ظنت أنها تتوهم و لكن لا. فقد أخترقت كلماته سمعها حتى أن قلبها إرتجف رغمًا عنها. تري ماذا يقصد بتلك الجمله؟ هل يشير إلى نفسه فهي ذكرت شقيقيه بينما لم تأتي على ذكره!
مفهمتش! تقصد إيه؟
هكذا تحدثت بخفوت
أقصد إن كلامي مكنش على جنة بس؟
هكذا أجاب بعدما أستعاد ملامحه الصارمه و لهجته الخشنه و تجاوز عن ذلته محاولًا إنقاذ هفوته التي لا يعلم كيف حدثت؟
لم تفهم ما يقصد و كان عقلها توقف عن العمل فسألته بخفوت
تقصد إيه؟
وصل إلى نقطه معينه من الحديث كان يريدها في أعماقه و الآن قد حان وقتها لذا قال بتمهل
قصدي إنك تيجي معاها
برقت عيناها من حديثه و لوهله شعرت بالصدمه تجتاح كيانها فعجزت عن الرد لثوان في حين أن عيناه كانت تبحر فوق معالمها المصدومه و شفاهها المرتعشه فأستغل فرصة تبعثرها بهذا الشكل و قال بعتاب ماكر.
أكيد مش هتسيبي أختك و هي في الظروف دي وسط ناس متعرفهاش!
نجحت كلمات في زرع الأشواك بصدرها و قد تجلي ذلك على ملامحها فتابع ليصُب النار على البنزين
مهما كانوا الناس كويسين و هيعاملوها حلو أكيد هتكون محتجالك. بالرغم أنها عمرها ما هتقدر تطلب منك دا!
كان محقًا و مقنعًا للحد الذي جعلها لا تستطيع أخذ أنفاسها و هي تتخيل شقيقتها تُعاني وسط هؤلاء البشر و لا تجد أحد يدافع عنها أو تبكي على صدره!
إنقبضت ملامحها حين مر ببالها هذا الخاطر و آلمها قلبها كثيراً و قد شعر هو بذلك و لام نفسه بشدة على إضفاء المزيد من الوقود إلى خزان أحزانها و لكنه عزم على شئ و لن يتراجع عنه أبدًا.
أنت طلعتلي منين؟
كأن سؤالها غريبًا وقحًا و غير متوقع و المثير للدهشة أنه أثار بداخله رغبه قويه في الضحك و لكنه حافظ على رزانته و تعقله قائلًا ببساطه
قدرك!
الأسود! قصدك قدري الأسود.
زادت رغبته في الضحك حين سمع إجابتها و لهجتها التي تعج بغضب مكتوم و لكنه مارس قوه كبيرة كي لا ينفجر أمامها ضاحكًا و أكتفي بأن يقول مؤنبًا
أستغفري ربنا. عيب واحدة مؤمنه زيك تقول كدا!
خرجت الكلمات من بين أسنانها مع زفير قوي حملته كل ما بداخلها من غضب من هذا البغيض! أجل هذا هو الوصف الملائم له
أستغفر الله العظيم.
خرجت جنة تحمل الورقه بين يدها و سلمتها إليه بينما فرح توجهت كالأعصار إلى الداخل و ما كادت تدلف إلى غرفتها حتى تجمدت في مكانها حين سمعت صوته الخشن و هو يقول بنبرة عاليه قاصدًا أن تصل إليها
بعد بكرة العربيه هتيجي تاخدكوا و تطلع بيكوا عالمزرعه بتاعتنا في إسماعيليه. جهزوا نفسكوا
قطبت جنة حاجبيها قبل أن تقول بإستفهام
نجهز نفسنا! هو حضرتك تقصد مين؟
أجابها و عينيه مثبته على تلك التي عادت أدراجها للخارج تحذره من فعلته النكراء التي ينوي عليها فوجدت نظراته المتحديه و نبرته الصارمه حين قال
أنتي و فرح! ماهي مش هتقدر تسيبك لوحدك في الظروف دي
تبدلت ملامحها على الفور لفرحه لا تستطيع وصفها و قالت بزهول
أنت بتتكلم بجد؟
لم يقطع تواصلهما البصري بل قال بتسليه و عيناه تتحداها أن تستطيع الرفض
أهي عندك أسأليها!
ألتفت جنة للوراء فوجدت فرح تقف خلفها و عيناها يتقاذف منها الجمر و لكن من فرحتها لم تلاحظ شئ فاندفعت تجاهها تحتضنها وهي تقول بتوسل خفي
صحيح الكلام دا يا فرح؟ أنتي موافقه تيجي معايا؟
أرسلت عيناه إليها جمله صريحه لم تخطئ أبدًا في فهمها
هل يمكنكِ الرفض؟
أشتدت يدها حول شقيقتها بينما أبتلعت غصة غاضبه شكلت ألمًا هائلًا في منتصف حلقها قبل أن تقول من بين أنفاسها
موافقه!
↚
كان شفائي منك الأنتصار الأعظم في حياتي!
و لكنه كان إنتصار حزين للغايه. فللآن مازالت مرارته عالقه بجوفي! و لكني ممتنه و كثيرًا للقدر الذي أنقذني في الوقت المناسب. فها أنا عُدت للحياة مرة آخري و لكن بقلب مُصاب بداء الحذر في التعامل مع البشر و الذي يجعلني في مأمن من خذلان آخر لا املك القدرة على إحتماله!
و هذه هي الثمرة الوحيدة التي جنيتها من بساتين الوجع الذي خلفها غدرك بقلبي...
نورهان العشري.
أن تمارس الظروف سطوتها علينا و تُجبرنا على فعل أشياء لم تكن في قائمه إختياراتنا لهو أمرًا مقبول نسبيًا برغم صعوبته. لكن عندما يجبرك أحدهم على فعل ماهو دونًا عن إرادتك مستخدمًا طرقً ملتويه لدفعك في مسار مختلف عن دربك الذي برغم صعوبته و لكنه كان اختيارك. لأمر عظيم يصعب على عقلك تحمله!
هكذا كان تفكيرها منصبًا على كيفيه إجباره لها على قطع وعد لم تكن لديها النيه أبدًا في تنفيذه أو النطق به!
فجعلها في وضع صعب خاصةً مع شقيقتها التي لم تنفك منذ البارحه في إحتضانها و إخبارها بمدي إمتنانها كونها ستجاذف بكل شئ و ستأتي معها و ما زاد من عنائها أكتر تلك الجمله المؤلمه التي ألقتها على مسامعها و هي مستلقيه بين أحضانها.
عارفه يا فرح. أنا مكنش هيعدي عليا يوم هناك. كنت يا هموت من الخوف يا من الوحده يا من الضغط النفسي. أنا لما سالم بيه قال هتيجي تعيش معانا أتخيلت نفسي للحظه وسط الناس دول و في وضعي دا بحس إني جسمي كله بيرتعش و قلبي هيقف دا حتى حازم الله يرحمه كان بيهرب منهم بأي شكل و أهو أبنهم أومال أنا هعمل معاهم إيه؟
أنا لو قعدت أشكرك عمري كله انك وافقتي تيجي معايا و متسبنيش في الظروف دي عمري مش هيكفيني.
اللعنه عليك أيها المغرور هكذا تفوهت بداخلها و هي تقطع ذلك الشارع الطويل المؤدي للحديقه التي تقع بالاتجاه الآخر أمام البنايه التي تقطن بها فهي لم تنم منذ البارحه تفكر و تفكر و دائمًا ما كان تفكيرها يأخذها في أن تنهي حياة ذلك البغيض أو تسقط على رأسه بعصا قويه علها تزيل ذلك الغضب المُتقد بداخلها من هذا الوضع الذي أجبرها على القبول به و لا تعلم كيف السبيل لها في تغييره لذا فكرت في أن تخرج لإستنشاق بعض الهواء النقي عله يهدئ من نيرانها قليلًا و يساعدها في إتخاذ القرار الصحيح فهمت بإرتداء معطف ثقيل يقيها من برد أيام كانون التي تشبه الصقيع في برودتها و لم تهتم لجمع شعرها أو لإرتداء نظارتها و ألتقطت مفتاح الشقه و خرجت بهدوء حتى لا تستيقظ شقيقتها مندفعه إلى الخارج لتصطدم بالبرد القارس الذي لفح صفحه وجهها فوضعت يدها في جيوب معطفها و سارت تفكر في معضلتها التي سلبت النوم من عيناها!
علي الجهه الآخري كان سالم الذي وصل للتو لشركته لينهي بعضًا من الأعمال المتراكمة حتى يسثني له الذهاب إلى مسقط رأسه مدينه الاسماعيليه ليتحدث مع والدته و من بعدها عائلته في الوضع الجديد الذي فرض نفسه على حياتهم و لكن لا حيله لهم في إختيارات القدر.
عندما كان منهمكًا في عمله أتاه اتصال من ذلك الرجل الذي كلفه بمراقبه الفتاتين فأجابه على الفور ليقول الراجل بإحترام.
سالم بيه في حاجه غريبه حصلت و قولت أعرفها لحضرتك
سالم بترقب
حصل إيه؟
الرجل بعدم فهم
في بنت خرجت من الشقه إلى حضرتك مكلفنا نراقبتها يعني مختلفه عن البنتين إلى عايشين فيها.
قطب سالم جبينه و قال بإستفهام
يعني إيه مختلفه؟
الرجل بحرج
يعني حلوة! شعرها فانح و طويل. و لبسها مختلف. مش البنت الصغيرة و لا البنت الكبيرة معرفش دي مين أو جت أمتا إحنا والله مراقبينهم كويس أوي و محدش جالهم خالص عشان كدا محتار!
صمت لبرهه قبل أن يقول بفظاظه
دي فزورة و المفروض أحلها يعني! مانتوا لو واخدين بالكوا من شغلكوا كنتوا عرفتوا دي مين و راحتلهم امتا؟
تحرك الرجل حتى وصل إلى مكان قريب نسبيًا منها فشعر بأنه يعرفها و لكن لا يزال حائرًا لذا قال محاولا إمتصاص غضب سيده
والله لله يا سالم بيه عنينا ما غفلت لحظه. بس.
قاطعه سالم بفظاظه
تعرف تصورهالي؟
أجابه بلهفه
آه طبعا أعرف.
سالم آمرًا
من غير ما تاخد بالها.
أغلق سالم الهاتف و ظل ينتظر الصورة و هو يفكر في هوية تلك الفتاة الغريبه التي يصفها الحارس و ماهي إلا دقيقه وصلته رساله على هاتفه فسارع بفتحها و للحظه تسمرت ملامحه على تلك التي كانت مغمضه عيناها و شعرها يتطاير خلفها بجنون بفعل الرياح فبدت كشمس حارقه متوهجه تتناقض مع برودة الطقس التي تحيط بشخصيتها الآخري! نعم كانت هي تلك التي تتخذ من الجليد ستارًا تُخفي بها ملامحها صاعقه الجمال و شعرها الغجري الذي كانت تقمعه خلف تلك التسريحه البشعه دافنه جماله و روعته. هل تلك المرأة مجنونه أم ماذا؟ فجميع النساء لديهم غريزة إظهار جمالهن و الحفاظ عليه بينما هي تقمعه بقسوة خلف تلك النظارات الطبيه البشعه و ذلك المظهر الذي يجعلها كعجوز شمطاء و لا يليق بسنوات عمرها التي لم تتجاوز الثمان و العشرون عامًا!
تسارعت نبضات قلبه من تلك المفاجأة و ذلك المظهر الجديد الذي رآها به و الذي مضت قرابة العشرون دقيقه و هو يتأمله دون أن يشعر بمرور الوقت و كأن هناك سحر خفي سيطر عليه و أختطف انظاره.
أخرجه من تأملاته صوت رساله آخري ففتحها و لكن تلك المرة كانت صدمته أكبر حين كانت الصورة قريبه إلى حد ما و قد كانت تفتح عيناها الزيتونيه الرائعه التي أكملت صورة المرأة الفاتنه الذي يكاد يقسم بأنها أضاعت عقلها بإحدي الطرقات حين أخفت جمالها الخارق هذا خلف مظهر تلك المعلمة العجوز!
كانت عيناها برغم جمالها إلا أنها ضائعه و كأنها طفله صغيرة ضلت طريق بيتها و لا تعلم كيف تعود!
تُري هل كان غير منصف معها في وضعها تحت هذا الضغط و إجبارها بتلك الصورة على القبول و العيش مع شقيقتها تحت سقف عائلته؟
لا يعلم لما شعر بالإنتشاء لتلك الفكرة؟ هناك برعم صغير نبت بداخل قلبه يشعره بالشفقه على تلك التي تدعي القوة بينما في تلك الصورة يكاد يقسم بأنها جل ما تتمناه أن تريح رأسها على صدر أحدهم!
هل يمكن أن يكون هو ذلك الصدر الذي يستوعب أحزانها؟
عند تلك الفكرة نهر نفسه وبشدة فهي ليست نوعه المفضل من النساء كما أنه لا يُحب المرأة التي تُناطِح الرجال و يفضل إن فكر بدخول إحداهن إلى حياته أن تكون هادئه مطيعه تكن مصدر راحه له من عناء رحلته الشاقه لا أن تكن عقبه أمامه و يخوض معها الحروب التي لا تنتهي!
و هنا خطر على بالها سؤال لا يعلم مصدره و لكنه توقف أمامه لثوان يفكر بالإجابة
هل سيثير خضوع إحداهن شغفه مثلما يفعل عنادها؟
لا يعلم الإجابه أو يفضل تجاهلها فقط تذكر كلمتها التي قالتها بمنتهي الغضب
أنت طلعتلي منين؟
توهج ملامحها في تلك اللحظه جعله يقسم بأنها النقيض تمامًا من تلك الصورة الهادئه الجامدة لهيئتها التي تحاول الظهور بها دائمًا و قد أتي مظهرها اليوم ليجعله يتأكد من صدق حدثه!
فجأة رن هاتفه و لدهشته وجدها هي من تتصل فإرتسمت إبتسامه على شفتيه لا يعلم سببها و لم يفكر كثيرًا في ذلك بل أجاب بلهجه متناقضه تمامًا مع ما يعتريه في تلك اللحظه
الو
جاءه صوتها مشتعلًا يتناسب تمامًا مع هيئتها في هذه الصور
إحنا لازم نتكلم!
يبدو أن الحظ في صفه اليوم فقد كان يتوق لرؤيتها بهيئتها الجديدة تلك و يحادثها و هو أمام عيناها مباشرةً بعيدًا عن تلك القضبان الزجاجيه التي تُهدِر نصف جمالها.
جاء صوته جافًا كما العادة حين قال آمرًا
مستنيكي في الشركه بعد ربع ساعه بالظبط
جاء صوتها مستنكرًا
ربع ساعه! دا إلى هو إزاي أنا على ما أجهز و آجي فيها نص ساعه على الاقل
لاحت شبح إبتسامه تسليه على شفتيه تناقضت مع نبرته حين قال بفظاظه
لو حسبنا الوقت من عندك للشركه هتلاقيه في حدود عشر دقايق بالعربيه! و خمس دقايق تجهزي فيهم أعتقد كدا كفايه أوي و لا أنتي من البنات إلى بتاخد وقت قدام المرايا!
قال الأخيرة ساخرًا و نبرته كان بها بعض التحدي فزفرت بحنق و هي تتوجه إلى سيارتها قائله بغضب لم يخطئ في تمييزه بين كلماتها
كفايه أوي! عشر دقايق و هكون عندك
هكذا حسمت قرارها و قد أيقنت بأن الوقت الذي يمنحها إياه لن يكون كافيًا إذا ذهبت إلى البيت لتستعد لذا قررت بأن تذهب كما هي فلم يكن مظهرها يشغلها كثيرًا في تلك للحظه فإستيائها من وضعها هذا كان هو المهيمن على تفكيرها.
كان يقف أمام النافذه العريضه في غرفه مكتبه و يداه معقوده خلف ظهره و على شفتيه إبتسامه لا يعرف مصدرها و لكنه كان يتأهب داخليًا لمعركه داميه و قتالًا عنيفًا بنكهه لذيذة مع صاحبه الشعر الغجري التي أنطبعت صورته في مخيلته و العينان الزيتونيه التي لأول مرة ستكون أمامه بلا حصون.
أعلنت مديرة مكتبه عن وصول ضيفته المنتظرة فأمرها بإدخالها قبل أن يأخذ مكانه على مقعده خلف المكتب الخشبي الكبير ينتظر قدومها بترقب و حماس جديد كليًا عليه لتطل عليه أخيرًا بمظهرها الجديد و الذي خطف أنفاسه للحظه و قد كانت عيناه ترصد تفاصيلها بنظرات غامضه تحوي إعجابًا كبيرًا بين طياتها نجح في إخفاؤه و قال بلهجة خشنه مستفسرة متعمدًا إحراجها
آنسه فرح عمران!
علي الفور تذكرت سؤاله المتعجب في المرة الأولي حين أتت إلى مكتبه فارتبكت قليلًا و خاصةً حين تواجهت مع نظراته و قد شعرت بأنها مجردة أمامه من دفاعاتها و أسلحتها و شعرت بالحاجه لوقارها الذي يمدها بقوة تحتاجها كثيرًا في مواجهته فعادت إلى سبه داخلها بكل الألفاظ التي تعرفها فهو لم يمهلها الوقت حتى تستعد لتلك المواجهه وقد بدا حنقها على ملامحها و لكنها حاولت أن تخرج لهجتها هادئه حين قالت.
دا سؤال و لا إجابه؟
سالم بتسليه
اللتنين!
بمعني؟
سالم بهدوء
سؤال إجابته جواه
فرح بسخريه
يبقي إيه لازمته؟
تعمقت نظراته أكثر و أشتد تحديقه بها وكأنه يخبرها بدون حديث بأن مظهرها الجديد هو السبب و قد جعلها ذلك غير مرتاحه و ودت لو أنها لم تأت لمقابلته و قد كان هذا الإحساس الدائم بداخلها بكل مرة تجتمع معه فتود لو أنها لم تقابله أبدًا.
فاجأها حديثه حين قال بجديه
خير؟
رفعت إحدي حاجبيها بدهشه لتأتيها إجابته بلهجه ساخرة
إيه السبب القوي إلى مخليكي عايزة تقابليني مع العلم أننا لسه كنا مع بعض من حوالي كام ساعه!
إغتاظت من وقاحته و جعلتها تستعيد قوتها التي تجلت في نبرتها حين قالت
أولًا أنا أتحفظ على كلمه كنا مع بعض من حوالي كام ساعه دي!
سالم بإختصار
ليه؟
فرح بإيجاز
معجبتنيش!
ثم تابعت بنبرة محشوه بالغضب
ثانياً بقي ممكن أعرف إزاي تحطني في الموقف دا؟
سالم ببراءه أغاظتها
موقف إيه؟
↚
أخذت نفسا طويلًا لتهدئ من روعها قليلًا قبل أن تقول بهدوء ظاهري
أنت عارف كويس بتكلم عن إيه! و مع ذلك حاضر هقولك. إيه خلاك تقول لجنه إني وافقت آجي معاها عندكوا؟
سالم متصنعًا الدهشه
أنا مقولتش كدا. أنتي إلى قولتي؟
جن جنونها في تلك اللحظه و لكنها بأعجوبه حاولت البقاء هادئه فأجابته
أنا إضطريت إني أقولها موافقه بناءًا على كلامك. أظن أنت فاكر قولت إيه كويس!
حاول التحكم في ضحكه كادت أن تظهر على شفتيه فمظهرها و هي تحاول التحكم بغضبها كان مثيرًا للغايه. و لكنه تابع بجديه
فاكر كلامي كويس. و فاكر كمان إني لما طلبت منك دا مرفضتيش! ففكرتك معندكيش مانع و مع ذلك طلبت من جنه تسألك و أنتي قولتي موافقه فين المشكله؟
ستفقد عقلها مم إستفزاز ذلك الرجل فها هو يتحدث ببراءه كأنه لم يقحمها فعليًا في هذا الأمر مستخدمًا طرقه الملتويه التي جعلت الغضب يتقد في عيناها و لكنها قالت ساخرة
آه صح فين المشكله. الموضوع بسيط جدًا. أنت محطتنيش في موقف صعب قدامها بعد ما عشمتها إني وافقت. تفتكر أنا كان ممكن أقول إيه و هي عامله زي الغريق إلى كأنه ما صدق لقي قشايه أتعلق بيها!
كان غضبها لذيذًا بحق و خاصةً و قد تجلت إنفعالاتها بوضوح في عيناها التي أضفي عليها الغضب نوعًا آخر من الجاذبيه المتوهجة و قد أصابته لعنه الأشتهاء للمزيد من ذلك التوهج المثير لذا تابع بلهجه جادة
طب فين المشكله بردو! أنتي وافقتي لما لقيتي لهفتها و إنك القشايه إلى هتنقذها من الغرق أنا ذنبي إيه؟!
كانت تود الصراخ في وجهه قائله أنت من دفعتها لهذا الاعتقاد الذي ولد بداخلها كل هذا العشم و التعلق و لكنها أكتفت قائله من بين أسنانها
ذنبك أن حضرتك طلعت بالفكرة المجنونه دي و زرعت جواها الأمل أنها هتتحقق!
زفر سالم بملل مصطنع يتنافي تمامًا مع لذه قويه تعتريه من حربهم الخفيه تلك و قام بإضفاء المزيد من الوقود على غضبها حين نظر إلى ساعته قبل أن يقول بفظاظه.
سبق و قولتلك أنتي إلى قولتي موافقه و أكدتي على فكرتي دي يبقي المشكله عندك! و دلوقتي أنا شايف إنك يدوب تلحقي تجهزي أنتي و هي عشان هنسافر بكرة بدري
برقت عيناها من جملته الأخيرة و قالت بإستنكار
سفر إيه إلى بكرة! أنا حتى لو وافقت فعلًا و سافرت محتاجه ييجي أسبوع على الاقل عشان أجهز نفسي و أخد أجازة من شغلي مانا أكيد مش هخسره عشان أفكار حضرتك المجنونه!
كان يعلم بأن عاصفه هوجاء ستهب ما أن يلقي بكلماته على مسامعها و لدهشته كان يتوق لهبوبها.
إلتفت إلى الدرج بجانبه و هو يمسك بورقه بين يديه ناولها إياها تزامنًا مع حديثه الهادئ حين قال
أجازتك أتمضت خلاص تقدري تبدأيها من النهاردة!
لا تعلم كيف تناولت الورقه من بين يديه و لكنها شعرت بأن العالم يدور من حولها حين تأكدت من صدق حديثه فرفعت رأسها تطالعه بزهول تجلي في نبرتها حين قالت
أنت عملت كدا إزاي؟
سالم ببراءه مزيفه
عملت إيه؟ قصدك عالاجازة يعني! عادي صاحب الشركه في بينا بزنس كتير و مامنعش لما طلبت منه دا!
كان عقلها في مكان آخر حيث قالت على نفس لهجتها
إحنا متكلمين في الموضوع دا إمبارح بالليل و النهاردة الجمعه و الشركه أجازة الورقه دي أتمضت إزاي و أتوافق عليها أمتا؟
وصل إلى مركز إنفجار البركان فأرجع ظهره إلى الخلف مستندًا على مقعده الجلدي و هو يقول بهدوء جليدي
أتمضت إمبارح الصبح!
برقت عيناها و هبت من مقعدها تناظره بصدمه تحولت لغضب كبير تجلي في نبرتها حين قالت
يعني قبل حتى ما تفاتحني في الموضوع! دا أنت مقرر موافقتي من قبل ما أعرف! إزاي تجيلك الجرأة تعمل كدا؟
علت نبرتها قليلًا فتصاعدت الأدخنة إلى رأسه فقال بلهجه جافه محذرة
زي ما أختك جتلها الجرأة تفكر تتخلص من إبن أخويا من غير حتى ما تعرفنا أنه موجود و أنتي طاوعتيها و روحتي معاها!
فرح بسخط
قولتلك مكنتش أعرف!
سالم بفظاظه.
مش موضوعي! كل إلى يهمني إني أحمي الحاجه الوحيدة إلى باقيه من حازم الله يرحمه
دارت حول نفسها وقد بدأت الرؤيه تتوضح لها شيئًا فشيئًا و هنا توقفت لتقول بزهول و إستنكار
آه قول كدا بقي! أنت كنت عارف كل حاجه و خططت كويس عشان توقعنا في الغلط بالرغم من إنك عارف بالحمل من أوله لكن سبتنا عشان أكيد كنت متوقع تصرف جنة
سالم بهدوء لم يفارقه
حاجه زي كدا!
رمقته بنظرات الخسه قبل أن تقول بإحتقار ممزوج بالغضب.
بس دي طرق ملتويه و أساليب حقيرة!
قست ملامحه قليلًا و قال بفظاظه و جفاء
هعمل حساب لصدمتك و مش هحاسبك على كلامك دا!
شعرت بغصه مؤلمه داخل حلقها جعلتها تقول بمرارة
بعد موقف سليم لما قولتلي لو ليكي حق هتاخديه مني شخصيًا حسيت إني واقفه قدام راجل واضح و صريح لكن دلوقتي.
لا يعلم لما شعر بالغضب الممزوج بالألم في تلك اللحظه فقاطعها قائلا بهدوء
كل شئ مُباح في الحب! و الحرب!
أخترقت جملته مسامعها مرورًا بقلبها الذي إنتفض بشدة جاعلًا من أنفاسها تضطرب داخل صدرها و لم تستطع إجابته فما قاله كان خارج نطاق توقعها لتجده يتابع بعينان مركزة على وجهها و كأنها شعاع ليزر
زي مانتي بتحاربي طول الوقت عشان أختك أنا من حقي أحارب عشان أخويا أو إلى باقي منه!
لا تعلم لما لامست الخيبه جوانب قلبها فتابعت بقهر
بس دي أنانيه!
غمغم بهدوء.
سميها زي ما تسميها! و بعدين أنتي مش خسرانه حاجه بالعكس أنا كدا بحللك كل مشاكلك!
كانت تتضور غضبًا من حديثه لذا قالت بجفاء
أولًا مطلبتش منك تحللي حاجه! ثانيًا فين الحل لما آخد أختي و نسيب بيتنا وحياتنا و نروح آخر الدنيا عشان حضرتك خايف على إبن اخوك مننا بالرغم من إنك مراقبنا و عارف كل حاجه بتحصل!
تجاهل سالم حديثها و قد أقترب من نقطه شائكه جعلته فريسه للأرق البارحه لذا قال بترقب.
إلى أعرفه أنك أنتي و أختك ملكوش غير بعض. و مدام هتبقي معاها يبقي مفيش مشكله. إلا إذا كان في حد معين مش عايزة تمشي و تسبيه؟
غزت الحيرة ملامحها و لم تستوعب كلماته فقالت بعدم فهم
تقصد إيه؟
كانت نظراته تقتنصها و تقيم جميع إنفعالاتها و خرجت الكلمات بتمهل من بين شفتيه
أقصد يمكن في حد في حياتك مش عايزة تبعدي و تسبيه مثلًا!
هنا برقت عيناها من سؤاله الوقح الذي يغلفه بطريقه منمقه تصعب عليها إجابته بألا يتدخل فيما لا يعنيه فقد كان كمن يتشاور معها في الوصول لحل و لكنها كانت تعلم بأنها إحدي طرقه الملتويه كالعادة لذا حاولت إستعادة هدوئها و محاربته بنفس سلاحه إذ قالت بغموض و قد بدت لمحه من الحزن على ملامحها
ايًا كان مينفعش أتخلي عن جنه. حتى لو في أي؟
إجتاحته موجه من الغضب بسبب إجابتها المراوغه والتي لم تروي عطش فضوله فقد جمع ما يكفي من المعلومات عنها إلا أنه لم يصل إلى تلك النقطه أبدًا و كانت غامضه بالنسبه إليه خاصةً حين علم بأن لديها الكثير من الصداقات مع الجنس الآخر في عملها و قد بدأ عقله في العمل بجميع الاتجاهات يفكر هل من الممكن أن تكون إحدي هذه الصداقات لها طابع خاص و لذلك حاول معرفه الأمر بطريقه لا توحي بإهتمامًا خاصًا بها و لكن اجابتها بذلك الشكل لم تزيده إلا حيرة و غضبًا لذا خرجت الكلمات من فمه مُحمله بالإستياء حين قال.
معلش بقي. هتضطري تتنازلي عن خططك بس دا واجبك تجاه أختك و لا إيه؟
هدأت ملامحها إلى حد ما و قد بدا الغموض في نبرتها حين أجابته
مين قال إني هتنازل عن حاجه! انا بس هأجل مشاريع كتير كانت في دماغي لحد ما اطمن على جنة.
بالنهاية نجحت في إغضابه بطريقه لم يتوقعها أبدًا و قد إحتدم صراع بداخله عن كونها لا تعني له شيئًا فلماذا يريد معرفه علاقاتها الخاصه ومن ناحيه آخري كان غضبه متقدًا من إحتمالية وجود علاقه خاصه تجمعها مع أحدهم و هو يقف بالمنتصف لا يملك القدرة على حسم ذلك الصراع و لكنه نجح بجدارة في إخفاءه عن عيناها الفاتنه التي هدأت عاصفتها فبدا خضارها جذابا صافيًا كصفاء الربيع و كأن لكل شئ بها له فتنه مختلفه عن الآخري.
وجدها تهب من مكانها تناظره بهدوء جاء في صوتها حين قالت
أعتقد إن كلامنا كدا أنتهي. عن أذنك
أجابها بجفاء
السواق هيعدي عليكوا بكرة الساعه 9 الصبح. ياريت تكونوا جاهزين
هزت رأسها و أجابت بإختصار
. عن إذنك
أومأ برأسه الذي كان يغلي من الغضب و قد كان مجرد التفكير في سبب هذا الغضب يزيده أكثر لذا أنكب على الأوراق أمامه يبثها مشاعر غريبه لا يعلم كنهها و لا يرحب بوجودها!
في اليوم التالي و تحديدًا في الصباح كانتا قد تجهزن في إنتظار السيارة أن تأتي لتبدأ رحلتهم نحو المجهول! و أخذت فرح تتطلع إلى شقتهم التي عاشوا بها أجمل ايام حياتهم التي كانت دافئه يملؤها البهجه التي انطفأت فور وفاة والدتها و التي و كأنها ذهبت و أخذت بسمتهم معها.
أخبرها أباها ذات يوم بأنها من اختارت لها اسمها و التي ضاعت معالمه مع مرور الزمن فلم يعد متبقي منه سوي حروف خاويه كخواء قلبها الذي و بالرغم من جمودها الظاهري كان له رأيا آخر فهو يخشي السفر يخشي المجهول و يخشي شيئًا آخر تأبي الإعتراف به.
جاء السائق في موعده فساعدت جنة في حمل حقيبتها ليأخذها منها السائق الذي كان في عمر والدهما و أعطاهم بسمه مطمأنه فور أن وقعت عيناه على جنة التي كانت كالأرنب المذعور تمسك بيد شقيقتها و كأنها طوق نجاتها و مصدر أمانها في هذه الحياة فشددت «فرح» على يدها و إستقلوا السيارة منطلقه بهم إلى المجهول.
في مكان آخر تحديدًا في جامعه قناة السويس كان اليوم الأول لها في هذا المكان الغريب كليًا عليها كما أصبح كل شئ غريب عليها بعد وفاة شقيقها الأصغر!
تغير كل شئ و إنمحت البسمه من على شفتيها و نُزِعت الفرحه من بيتهم الذي لم تستطع والدتها العودة إليه بعد موت صغيرها و أحب أبناءها و أكثر من يُشبهها فحين إنتهوا من مراسم الدفن و التي كانت في مسقط رأسهم بإحدي القري بجانب مدينه الاسماعيليه تم أخذ العزاء و سقطت والدتها مغشيًا عليها فقلبها لم يتحمل فجيعتها العظيمه و أخبرهم الطبيب بأن حالة قلبها تسوء فأقترح أخاها الأكبر أن يستقروا في مزرعتهم حتى تتحسن حالة والدتهم و كي يبعدها عن ذكرياتها مع فلذة كبدها الذي أنتزعه القدر من بين أحضانها.
و تم نقل أوراقها من جامعتها بالقاهرة إلى جامعه قناة السويس و على الرغم من إنعدام رغبتها في أي شئ سوي أن تظل تبكي بين جدران غرفتها حتى تلحق بصديقها و أخاها و تؤم روحها إلا أن ما حدث هذا الصباح جعلها تود لو تهرب لأبعد مكان في العالم حتى لا تشهد على تلك المهزلة التي سوف تحدث.
قبل عدة ساعات...
أجتمعت العائله بأكملها لأول مرة على طاوله الإفطار و كان هذه مثير للدهشه و الألم معًا فقد كانت الوشوش قاتمه مُغبرة بأوجاع لا يمكن الإفصاح عنها و كان هذا الجمع يتكون من شقيقيها و عمتها و أبنتها «سما» و تفاجئوا جميعًا حين شاهدوا والدتها التي تستند على يد خادمتها الأمينه «نعمه» فتقدم منها شقيقيها كلًا ممسكًا بيدها حتى أجلسوها بمكانها المعتاد و قد حاول الجميع رسم الإبتسامه على وجوههم حتى و لو لم تصل لأعينهم و لكن كانت محاوله في جعلها تتناسي حزنها قليلًا.
أخيرًا بدأ سالم بالحديث حيث قال بلهجه خشنه توازي هيبته التي تلازمه دائمًا و تجعل الجميع يخشونه
في موضوع مهم عايز أكلمكوا فيه. و مش عايز حد يقاطعني
أنتبه الجميع لحديثه و الذي شرع فيه على الفور
حازم الله يرحمه كان متجوز واحده زميلته في الجامعه. و بعد ما أتوفي أكتشفنا أنها حامل منه! و بكرة أن شاء الله هتيجي تعيش معانا هي و أختها!
↚
و كأن صاعقه قويه ضربتهم من حيث لا يدرون! جحظت الأعين و تسارعت الأنفاس جراء قنبلته التي ظل دويها يتردد على أذانهم و ألجم ألسنتهم لوهلة و كان أول من أستفاق من صدمته هي عمته «همت» التي أنتفضت من مكانها و قالت بصياح
أنت بتقول إيه يا سالم؟ حازم مين إلى كان متجوز؟ و بنتي؟ و سما؟ كان بيضحك عليها؟
كان يتوقع ثورتها بل وأكثر من ذلك فقد كان هناك أتفاق أحمق بينها و بين ووالدته على زواج «حازم و سما » منذ أن كانوا أطفال! و قد نشأت «سما» على حُب «حازم» الذي لم يبادلها الحب و لو لثانيه و لكن تلك الترهات التي ذرعتها والدته و والدتها و خصوصًا عمته كانت تسيطر على عقل الفتاة و وافقتها والدته خاصةً بعد ما حدث في الماضي!
أهدي يا عمتي! محدش ضحك على سما؟ سما و حازم مكنش بينهم حاجه مجرد كلام بينك و بين ماما لكن مكنش في حاجه رسمي!
همت بانفعال
رسمي! رسمي إيه يا أبن أخويا دي الناس كلها كانت عارفه أن حازم لسما و سما لحازم. تيجي دلوقتي تقولي دا كان كلام بينا! لا و جايب واحده منعرفش أصلها من فصلها و تقول مرات حازم! و قال إيه حامل في أبنه دي مسرحيه دي و لا إيه
قالت جملتها الأخيرة بسخرية فتجاهلها و تابع بنفس هدوءه.
لا مش مسرحيه. دا أمر واقع و ياريت تتقبليه في أسرع وقت عشان هي زمانها على وصول!
صاحت همت بغضب
مين دي إلى على وصول؟ أنت أتجننت يا سالم؟
بدأ غضبه يتصاعد و لكنه حاول كبحه قدر المستطاع فهو يتفهم حالتها و ذلك الوضع الصعب الذي أقحمهم فيه شقيقه المتوفي لذا قال بصوت خشن
خلي بالك من كلامك يا عمتي! انا مراعي حالتك لحد دلوقتي.
تسارعت أنفاسها و أبتلعت شوك الحقيقه التي تجلت في عيناه فالأمر كان واقعًا بنكهه مريره كالكابوس المريع لذا قالت بتهكم
و ياتري الكلام دا من أمتا؟ أقصد جواز البيه
سالم بجفاء و قد غلت الدماء بعروقه
قبل ما يموت بأسبوع!
و الهانم مراته حامل في الكام؟
سالم و قد علم مرمي حديثها و قرر إيقافها عند حدها لذا ألقي إجابته و هو يناظرها بترقب
تقريبًا في نص التالت.
صدحت ضحكه قاسيه خاليه من المرح من فمها قبل أن تقول بإستهزاء
يعني لو حسبنا هنلاقي أن الهانم حامل من قبل الحادثه بكام يوم. بقي دا كلام يتصدق! البنت دي أكيد كذابه و جايه ترمي بلاها علينا و على حازم الله يرحمه. أنا واثقه أنه عمره ما حب حد غير سما
خلي بالك من كلامك يا عمتي!
خرج صوته أخيرًا متحشرجًا يحشوه الغضب الممزوج بغصه قويه لا يعلم سببها فهو منذ أن علم بتلك الحقيقه المرة و قد شعر بأن الأرض تدور به! هل يمكن أن تلك الفتاة بالفعل حامل من أخاه الراحل؟ كيف يستطيع فعل ذلك بأبنه عمته التي لا تري بهذه الحياة سواه؟ كيف يستطيع الغدر بها بتلك الطريقه؟ كانت إجابة تساؤلاته تكمن في ثلاث أحرف «جنة» تلك للفتاة التي كانت كالحرباء لابد و أنها تلونت لأخاه حتى يقع في حبال عشقها و الذي تسبب بتدمير حياته و عائلته!
كانت ذنوبها و أخطائها تزداد يوماً بعد يوم و لكنه كان مُكبل بأصفاد إمتنان لرحمها الذي يحمل إبن شقيقه الراحل و الذي من أجله فقط سيتغاضي عن كل شئ حتى يأتي و ينير حياتهم من جديد.
و قد أتخذ قرارًا بأن يتجنبها لحين قدومه و لكن ما أن سمع عمته تقذفها بذلك الإتهام الشنيع لم يستطع منع نفسه من إيقافها فبرغم كل شئ هي عرض أخاه المتوفي و لن يسمح بأن يتطاول عليه أحد و لابد لتلك الفتاة أن تعلم بأن أي خطأ لن يكون مسموح به.
نظر إليه الجميع بصدمه لم تدم كثيرًا إذ تولي سالم الحديث حيث مدد ساقيه قليلًا و هو يناظر عمته بجمود متحدثًا بصوت خافت لكنه مخيف.
زي ما سليم قالك خلي بالك من كلامك! جنة مرات حازم و إلى في بطنها أبنه. و أي غلط فيها مش مسموح بيه!
أوشكت على الحديث فخرج صوت أمينه قويًا حين قالت بصرامه
مفيش كلام بعد كلام سالم يا همت! مرات حازم هتيجي هنا و هنتشال عالراس هي و إلى معاها. و أي حد هيتعرضلهم أنا بنفسي هقفله.
صُدِمت همت من موقف أمينة التي كانت تؤكد على حديث أبناؤها وهي التي كانت تُمنيها سابقًا بزواج أبنتها من حازم فخرج الكلام منها بزهول.
أنتِ إلى بتقولي كدا يا أمينه؟
أمينه بحزم وهي تجاهد حتى تمنع العبرات من الهطول من مقلتيها
أيوا أنا إلى بقول كدا. مستنيه مني إيه أرمي إبن أبني و أمه في الشارع! بدل ما أخدهم في حضني و أحمد ربنا أنه عوضني بحته منه بعد ما قلبي أتحرق عليه
همت بعتب ممزوج بوجع
تقومي تحرقي قلبي على بنتي!
ألقت أمينه نظرة معتذرة على سما التي كانت ترتجف بين أحضان حلا و قالت بصوت قوي.
سما لسه صغيرة و العمر قدامها و بكرة ربنا يبعتلها إبن الحلال إلى ينسيها حازم. بس أنا قلبي هيفضل محروق العمر كله يا همت!
حين أنهت حديثها تفاجئوا بسما التي هرولت إلى الأعلي و صوت بكائها يفتك بالقلوب و لكن ما باليد حيلة فقد وضعهم القدر في مأزق لا يمكن الفرار منه حتى و إن كان بداخلهم ممتنين لإرادة الله التي بعثت نورً من جوف العتمه التي خيمت على حياتهم منذ فراق حازم بذلك الطفل الذي أحيا الامل بقلب والدته و جعلها تستطيع الوقوف على قدميها من جديد.
هرولت «همت » هي الآخري خلف أبنتها و دموع القهر تتساقط من بين عيناها و عندها هبت حلا قائله بصوت غاضب حد الألم
أنا مش قادرة أصدق إلى بسمعه معقول يا أبيه الكلام دا؟ أنا مش مصدقه البنت دي. و حازم عمره ما حب حد غير سما.
نظر سالم في ساعته و قال بصرامه متجاهلًا ثورتها
يالا عشان تروحي جامعتك. السواق بره هيوصلك!
أشتعل غضبها أكثر و أكثر فما أن همت بالكلام حتى حدجتها والدتها بنظرة صارمه جعلتها تبتلع حروفها و قامت بالإمتثال مرغمه لأوامرهم.
عودة للوقت الحالي.
زفرت حلا بحدة و قطراتها تتساقط على وجنتيها غافله عن تلك العينان التي كانت تراقب أنفعالها و حزنها الفاتن بإعجاب خفي فقد كانت أول مرة يراها بالجامعه و لا يعرف هويتها و لكن ما لفت أنتباهه إليها هي تلك التعابير المتغيرة على ملامحها و التي كان يتسيدها الحزن العميق فخطر سؤال على ذهنه
من يطاوعه قلبه على إحزان تلك العينان الفاتنه!
أقترب منها شيئًا فشيئًا ليُطالعها عن قرب أكثر لم يكن ينوي التحدث معها و لكن شعر فجأة بأن عليه الإقتراب منها و ما أن أصبح بجوارها حتى وجد عيناها تُغلق و قدماها تتراخي و كادت أن تسقط على الأرض و لكن يداه كانت أقرب إليها فحملها بلهفه واضعا يدًا تحت ركبتها و الآخري خلف ظهرها و توجه بها إلى مكتبه وسط همهمات من الشباب و الفتيات حوله و قام بإدخالها غرفته و وضعها على المقعد المقابل لمكتبه و خلفه إحدي العاملات التي جلبت حقيبتها و وضعتها على المكتب أمامه فأمرها بإحضار كوب مياه لإفاقتها و نظر إلى العامله الآخري و قال مستفهمًا.
أنتي تعرفي البنت دي؟
أجابته نافيه
لا معرفهاش؟
فنظر للآخري و التي أجابت نفس إجابتها فنظر حوله لتقع عيناه على حقيبتها و قال لإحداهن
أفتحي شنطتها و طلعي بطاقتها نكلم أهلها ييجوا يشوفوا بنتهم.
ظهرت إمارات الخوف على العامله و تراجعت للخلف فقال بإندهاش
إيه في إيه مالك؟
العامله برجاء
بالله عليك يا ياسين بيه بلاش أنا أحسن تضيع منها حاجه كدا و لا كدا تتهمها فيا. أنا ماليش دعوة
ناظرها بزهول قائلًا.
إيه الجنان دا أنا إلى بقولك أفتحي شنطتها و طلعي بطاقتها
العامله برجاء
سايقه عليك النبي بلاش.
زفر بحنق و نظر إلى العامله الآخري التي تحاول إفاقتها فتراجعت للخلف بذعر فتقدم مستسلمًا يفتح الحقيبه و لم يُلاحظ تلك التي إستعادت وعيها ببطئ فكان أول ما وقعت عيناها عليه هو ذلك الرجل الضخم يُفتش في حقيبتها فصرخت بذعر قائله
حراميييييي!
أثناء الطريق توقف السائق أمام إحدي محطات الوقود و ترجل منها بعد أن استأذنهم و غاب لبعض الوقت ثم عاد حاملًا أكياس كثيرة بها شتي أنواع الحلوي و العصائر و المياة و ناولها لهم في الخلف فشعرت فرح بالخجل و أوشكت على إخراج النقود من حقيبتها فأتاه صوته معاتبًا
بتعملي إيه يا بنتي! أنتوا زي ولادي. و بعدين حازم الله يرحمه أنا إلى كنت مربيه.
شعرت الفتاتان بالخجل من كرم ذلك العجوز اللطيف و شكرته فرح بلطف فنظر إلى جنة قائلًا بحنو
لو حابه تقريله الفاتحه المقابر على أول البلد هنا
شعرت بخفقه قويه داخل قلبها و تدفق الدمع بمقلتيها فهزت رأسها بموافقه و يدها تحتضن بطنها المسطحه فهي للآن لا تصدق بأنه قد توفي.
توقفت السيارة أمام مقابر العائله و ترجلت منها جنة و بجانبها فرح التي توقفت عندما قالت شقيقتها برجاء
خليكي يا فرح. محتاجه أكون لوحدي، معاه!
قالت كلمتها الأخيرة بضعف فتفهمت شقيقتها وضعها و تركتها بعد أن ارشدها السائق إلى مكان القبر فإرتعش سائر جسدها حين شاهدت إسمه المدون فوق تلك اللوحة الرخاميه التي إمتدت أصابعها تلامسها برفق و كأنها تلامسه و تساقط الدمع أنهارًا يحفر وديان من الحزن فوق وجنتيها الشاحبه و لدقيقه لم تستطع الحديث بل أخذت تبكي و تبكي و كأنها تحاول ذرف وجعها بدلًا من دموع بائسه لم تستطع التخفيف من حزنها أبدًا.
يااااه يا حازم. مكنتش أتخيل تبقي النهايه كدا أبدًا!
خرج الكلام متحشرجًا من بين شفتيها المرتعشه و التي أضافت بإستنكار و عدم تصديق
معقول أنت هنا! خلاص دا مكانك بعد كدا! يعني مش هشوفك تاني؟ سامحني يا حازم. سامحني أرجوك.
أختتمت جملتها و أجهشت في بكاء مرير نابع من قلب مُحطم دهسته الحياة تحت أقدامها بلا رحمه و لا شفقه و لم تكتفي بذلك فقط بل وضعتها أمام بركان ثائر يُغذي الإنتقام نيرانه التي كانت قادرة على سحقها في ثوان لولا وجود ذلك الجنين بين أحشائها و الذي منع يد الظلم من أن تطالها و لكنها كانت تتوعد بإذاقتها الجحيم ما أن تضع مولودها.
هكذا كان يطالعها سليم الذي هرب من لقاءه بهم وتوجه إلى حيث يرقد أخاه الذي ترك الحياة بأكملها و ذهب إلى موطنه الدائم فقد كان يخاف زيارته طوال الثلاث اشهر المنصرمه و لكنه الآن وجد قدماه تأخذه إليه دون إرادته و أخذ يتلو عليه ما تيسر من أيات الذكر الحكيم و يردد الدعوات بأن تتغمده رحمه الله الواسعه و لكنه توقف إثر سماع أصوات قادمه من الجهه الآخري و حبس أنفاسه عند سماعه صوتها الباكي و قد شعر للحظه بمدي معاناتها و ألمها لفقده و لكن جاءت كلماتها الأخيرة لتجعل عقله يتيقظ و غضبه يستعر رغمًا عنه و خاصةً حين وجدها تقول من بين دموعها بأسف بالغ.
مكنتش أتمني النهايه تبقي كدا أبدًا. سامحني يا حازم حقك عليا. أرجوك سامحني
أنهت كلماتها و تابعت وصلة نحيبها التي يغذيها آلام الذنب و الفقد و الظلم!
أنتشلها من بئر العذاب الخاص بها صوت اقدام بثت الرعب بأوصالها فرفعت رأسها لتصطدم ببركه من الدماء المحتقنه تحدق بها بغضب من يراها يقسم بأنها قد إرتكبت أعظم جرائم السماء و بأنها هالكه لا محاله.
تسارعت أنفاسها و هي تناظره بعينان حاولت رسم القوة بهم و إخفاء ذلك الذُعر الذي أجتاح أوصالها لدي رؤيتها له فقد كانت تحمل هم رؤيته كالثقل في قلبها الذي يؤلمه كل تلك الإتهامات التي توجهت إليه قهرًا
بأي عين جايه تزوريه!
أقتحمت لهجته الباردة صراعها الداخلي فاهتزت حدقتيها لبرهه قبل أن تحاول رسم قناع القوة و الجمود على ملامحها و قالت بصوت مبحوح
و إيه يمنعني آجي أزوره؟
لاحظ محاولتها لرسم قوة واهيه لا تتمتع بها و أيضًا بحه صوتها التي تظهر كم عانت حتى تخرجه و جسدها الذي كان يرتجف و كأنها ورقه شجر عصفت بها رياح خريفيه فزعزعتها من مكانها. و لكن غضبه كان يطمس كل الحقائق أمام عيناه و لم ينتبه سوي لكلماتها التي جعلته يرفع إحدي حاجبيه و يقول بإزدراء واضح
تصدقي نسيت أن إلى زيك يعمل أي حاجه عادي.
كان الإحتقار الذي يتساقط من بين كلماته يقتلها فلم تكن تكفيها معاناتها و حملها الثقيل حتى يأتي هو ليزيده أضعافًا مضاعفه! لا تعلم ما مشكلة هذا الرجل معها و لكنها ستحاول مقاومه طوفان غضبه و لن تجعله يهينها أبدًا
و هنا إستعادت بعضًا من صوتها الهارب و قالت بجمود
و مالهم إلى زيي!
أقترب منها بخطً سُلحفيه و هو يتابع محاولًا تتضمين لهجته أكبر قدر من الإحتقار.
ميعرفوش يعني إيه أدب و لا أخلاق و لا ضمير! يقتلوا القتيل و ييجوا يعيطوا عليه عادي!
كان يقذف الكلمات بوجهها دون أن يهتز له جفن من الرحمه و لا الإشفاق على ضعفها أبدًا و قد بدا أمامها كمسخ مجرد من الإنسانيه وظيفته إلقاء الإتهامات فقط و لكنها لن تسمح له و هنا خرج صوتها قويًا إذ قالت بعنفوان.
لو كان دا رأيك فيا فتقدر تحتفظ بيه لنفسك أو ترميه في أقرب مقلب زباله! أما بالنسبه للي زيك بقي فأنا ماحبش أتعامل معاهم أبدًا. و لا يجمعني بيهم طريق. لأنهم ناس معندهمش دين ولا ضمير بيرموا الناس بالباطل من غير أي ذرة ندم واحدة!
لم يكن يصدق أذنيه التي التقطت حديثها الوقح و قد صدق حدثه فتلك الفتاة ليست بالملاك الحزين الذي كانت عليه يوم رآها في المشفي فهي أفعي متنكرة في زي أنثي فاتنه!
هنا نهر نفسه بشده على ذلك الوصف الذي لا يليق بها فهي كما ظن في البدايه أفعي ألتفت حول رقبه أخيه حتى سلبت منه حياته لذا أقترب حتى وصل أمامها مباشرةً و قال بسخريه لاذعه
مش مستغرب أوي من كلامك! من البدايه كنت عارف أن وش الملايكه دا بيخفي وراه شيطانه بس للأسف حازم مكانش شايفك على حقيقتك
خرج الكلامات مرتجفه من بين شفتيها بينما قلبها يحترق من قسوة اتهاماته.
أنا عملت إيه لكل دا؟ إيه الذنب العظيم إلى إرتكبته؟
أعطاها نظرة قاتله قبل أن يقول بإذدراء
ذنبك أنتي أكتر واحده عرفاه كويس! و متفكريش عشان جيتي تعيشي وسطنا أنك خلاص فلتي من العقاب! إلى مانعني أخد روحك دلوقتي هو إبن أخويا إلى جواكي!
إزدادت عيناه إحمرارًا فبدت و كأنهما جمرتان مشتعلتان بنيران الجحيم و جاءت نبرته حادة كنصل سكين حاد كان يتعمد غرزه بمنتصف قلبها حين أضاف بقسوة.
أول و آخر مرة هحذرك لو فكرتي تعرضيه للخطر هتشوفي مني إلى عمرك ما شوفتيه في حياتك و خليكي فاكره أنك بسببه لسه عايشه و بتتنفسي! و صدقيني هييجي يوم و هتتعاقبي العقاب إلى تستحقيه على جريمتك!
هاجمها الدوار و شعرت بالأرض تهتز تحت قدميها من فرط صدمتها التي تحولت إلى رعب من هذه المرارة التي تتساقط من بين حروف كلماته المؤلمه و الجارحه. و سقطت دمعتان من جانبي عيناها من فرط القهر الذي شعرت به في تلك اللحظه و خرجت الكلمات من فمها ممزوجه بوجع قاتل لامس زاويه ما في قلبه
خليك فاكر كل كلمه قولتها دلوقتي عشان هييجي يوم و تندم عليها.
لم تستطع إكمال جملتها فقد تراقصت الأرض بها في تلك اللحظه و تراخت قدماها و لم تشعر سوي وهي تسقط و يداه تتلقفها بصدمه من مظهرها المزري فقد شحب لونها فجأة ليجدها تترنح فلم يستطع إلا أن يمسك بها و حين لامست كفوفه الخشنه خصرها الرقيق المنحوت بدقه شعر بنبضاته تتعثر بداخل قلبه الذي دق بعنف و هو يناظر صفحه وجهها الابيض المستدير الذي يتناقض في بياضه مع سواد اهدابها التي تظلل بحرها الأسود اللامع و كانت خصلاتها تتطاير خلفها بتمرد عنفوان و كأنها ترفض اتهاماته البشعه لها.
↚
رجل مغرور مثلك و إمرأة عنيدة مثلي هل يجمعهما الحب يومًا؟ و حتى إن تحكم سلطانه بالقلوب و أجبرها على الخضوع لطُغيانه فهل سيستطيع الصمود أمام طوفان الكبرياء المُدمِر لكلينا!
نورهان العشري.
يد الله تعمل في الخفاء فلا تستعجلوها.
إن اعطينا مطلق الثقه لتلك الجمله فلن يُخيفنا شئ في هذه الحياة ابدًا. فكل الإبتلاءات و الصعوبات التي تقف في طريق سعادتنا ليست جميعها تأتي لعرقله الحياة فبعضها يأتي لتنظيف الطريق و جميعها ترتيبات من القدر لتمهيد سبيل الإنسان في الوصول إلى مبتغاه.
نورهان العشري.
تسمرت جنة في مكانها لدي رؤيتها لكلًا من مؤمن و عدى أصدقاء حازم الذين شهدوا على ذلك العقد اللعين التي تمنت لو أنها لم توقع عليه أبدًا و لكن قدرها المظلم أجبرها على هذه الجريمه النكراء و التي تدفع ثمنها الآن.
لم تُحِبُهم أبدًا و خاصةً عدى و لا تعلم لما شعرت بالرُعب لرؤيتهم هنا تحديداً في ذلك المكان الذي لم تختر أبدًا المجئ إليه بإرادتها و إنما كان جزء من عقابها الذي فرضته على نفسها و للأسف طال شقيقتها التي لاحظت امتقاع وجهها و ذلك الخوف الممزوج بصدمه قويه و تجلي بوضوح في عيناها و لم تقتصر الصدمه عليها فقط فما أن رآها الشابان حتى تسمرا في مكانهما و أخذا يتبادلان النظرات دون حديث و على الرغم من أن الأمر إستغرق ثوان وجيزة إلا أن تلك العيون الصقريه كانت تتابع كل شيء يحدث بصمت تام و ترقب!
قطع ذلك الصمت المخيم على الأجواء صوت أمينه الذي تحول للحنان و ربما الضعف يتنافي مع جمود و برود نبرتها في إستقبال الفتاتين حيث قالت بود
مؤمن. عدى إيه المفاجأة الحلوة دي؟
استيقظ الإثنان من غفوتهم و كُلًا يعتريه مشاعر مختلفه منها الندم و تأنيب الضمير و الكره أيضًا! و توجها إليها لتمتد يدها تعانق كلًا مِنهما بود بادلوها إياه بصدق و إن كان مؤمن الذي زاد من عناقها طويلًا حبًا و ألمًا و إعتذار صامت لا يقدر على التفوه به!
حاولت جنة إبتلاع الغصه بداخل قلبها حين سمعت صوت أمينه و هي تدعو الجميع للدخول فأمسكت يد شقيقتها التي ضغطت عليها بلطف في محاوله منها لبثها أمان كانت في أمس الحاجه إليه!
بعد مرور أكثر من عشرين دقيقه كان الجميع في غرفه الجلوس يحتسون القهوة بصمت تام قطعه سالم حين قال موجهًا حديثه إلى فرح التي كانت تتجاهله كليًا
يالا عشان ترتاحوا. أكيد تعبتوا من السفر!
برقت الأعين و ملأها إستفسار صريح لم يفشل في فهمه و لم يستطع عدى تجاوزه فقال بصدمه
يرتاحوا! هما هيقعدوا هنا و لا إيه؟
إرتعشت كفوف جنة التي كانت تحارب الإغماء من فرط توترها و رغمًا عنها رفعت رأسها تّطالعه بنظرات بدت محتقرة و أوشكت أن تجيبه لولا تدخل سالم الذي قال ساخرًا
أنت شايف إيه؟
من فرط صدمته لم يلحظ تلك الحقائب التي أنزلها السائق من السيارة و لكن بعد أن أستعاد بعضًا من هدوءه مرت الأحداث على عقله لينتبه لما يحدث حولهم فسقط قلبه رعبًا بين ضلوعه و لكنه حاول تجاهل خوفه و قال بنبرة بها تهديد مُبطن و هو ينظر إلى «جنه» التي كانت تمثل القوة و هي تُناظره
غريبه! معقول دا يا جنة!
لم يعطها الوقت للرد إنما جاء صوته باردًا و نظراته غامضه حين قال
و إيه الغريب في كدا؟
كان تركيزه مُنصب كليًا على جنة التي لم تستطع أن تبقي عيناها المحتقره أمامه أكثر من ذلك فتجاهلته و نظرت أمامها ففسر تصرفها هذا على أنه خوف اشعره بالراحه قليلًا ليجيب سالم و هو يضغط على كل كلمه يتفوه بها
يعني بصفتها إيه هتقعد هنا؟
لاحت ابتسامه ساخرة على جانب شفتيه و قد وصل إلى مبتغاه فقال بقوة و بنبرة خشنه
جنة مرات حازم الله يرحمه و أم إبنه و طبيعي يكون مكانها هنا بعد موته.
التفت الأعناق تناظره بصدمه و تسارعت الأنفاس تحت نظراته الثاقبه المسلطه عليهم بقوة و خاصةً حين أضاف بتهكم
معقول يا عدى تكون نسيت! دانتا الشاهد الأول على جوازهم!
و كأن أحدهم سقط بمطرقه قويه فوق رأسه في تلك اللحظه و تنبه أنه الآن يقف أمام خصم صعب لا يُستهان به و لا يمكن الوقوف أمامه و بأن هلاكه قد يكون على يديه و لم تسعفه الكلمات في الرد عليه فأضاف سالم بترقب موجهًا حديثه لمؤمن الذي كان يجلس صامتّا لا يمتلك القدرة على الحديث
و لا إيه يا مؤمن!
لحُسن الحظ جاء دخول أمينه إلى الغرفه الذي انقذهم من مأزق! فقد أستأذنت منهم للذهاب إلى المطبخ لتأمُر العاملين به بعمل وليمه إحتفالًا بمجئ أصدقاء الحبيب الراحل. و ما أن أطلت عليهم حتى قالت بحبور
نورتونا يا ولاد.
تحدث مؤمن بلطف
دا نورك يا ماما أمينة. طمنيني عليكي عامله إيه دلوقتي؟
أمينه بلهجه حزينه
الحمد لله. الحمد لله على كل حاجه
فأضاف مؤمن بصدق
وحشتينا قولنا نيجي نشوفك
أمينه بود.
دي أحسن حاجه عملتوها متتخيلوش زيارتكوا دي ردت روحي إزاي؟
كان الحديث يدور أمام «فرح» التي كان داخلها يغلي من الغضب من أولئك البشر الذين لا يملكون أدني إحساس بالذوق فقد كانوا يتجاهلون وجودهم تمامًا و كان كل الترحيب مُنصب فوق هذان الشابان و التي لم ترتح لهم و شعرت بخوف شقيقتها منهم و قد أيقنت بأن العيش هنا لن يكون سهلًا أبدًا و أن الأيام القادمة ستكون شاقه على كلتاهما و لكنها كانت تقمع تلك الأفكار بعقلها خلف ستار من اللامبالاة بينما كان هو يقتنص تعبيراتها بين الفينه و الآخري و هو يشعر بما يعتريها و لكنه لم يتفوه بحرف إلى أن قاطع حديثهم الممل دلوف سليم إلى باب الغرفه فتنبهت جميع حواسها و شعرت بأنها تختنق فقد كان تنفس الهواء ذاته مع ذلك الشخص البغيض يُغضبها و قد أتتها رغبه قويه في الهرب حتى لا تراه أبدًا.
إمتدت يدها للكوب الموضوع على الطاوله أمامها لترتشف منه بعض قطرات من المياه حتى تُبلل حلقها الذي جف تزامنًا مع ظهور إبتسامه ساخره على جانب شفتيه إثر ملاحظته لفعلتها و قد تأكد من أنه يُخيفها تمامًا كما أراد.
سليم كنت عايز أتكلم معاك شويه!
كانت هذه الجمله التي ألقاها عدى فهبطت فوق قلبها كسوط من نار جلد ما تبقي لها من ثبات فاهتز الكوب بين أصابعها و سقط ليتحول إلى أشلاء جرحت قدمها و لكنها لم تشعر بشئ فقد إعتصرت قلبها قبضة قويه فهي تعلم عدى جيدًا و كم هو وضيع و أيضًا ذلك الرجل الذي يستمتع بإتهامها شتي الإتهامات دون أن يؤرقه ضميره لثانيه واحده. تري أي حديث سيجمع بينهما!
هبت فرح لمساعدة شقيقتها و صرخت أمينه في إحدي الخادمات حتى تأتي للملمه الزجاج المنثور و هي تقول بجمود
مش تخلي بالك؟
حدجتها فرح بنظرة ناريه ثم قامت بإنتزاع إحدي المناديل الورقيه من العلبه أمامها و مسحت قطرات الدماء التي أنبثقت من جرحها الذي لم يكن غائرًا فاقترب منها سالم ليطمئن عليها قائلًا بإختصار
أنتِ كويسه؟
هزت جنه رأسها فيما التفتت فرح تناظره بغضب كبير لم تكبح نظارتها في إخفاؤه و تجلي في نبرتها حين قالت بجفاء
جنة محتاجه ترتاح شويه. السفر كان مُرهق عليها!
هز رأسه دون حديث فيما تحدثت أمينه قائله بجفاء
الغدا الساعه تلاته أعملوا حسابكوا!
لم تجبها أيًا من الفتاتين بل إن فرح لم تنظر إليها و كأن الحديث غير موجه إليهم فيما قال سالم بفظاظه
يالا عشان أوريكوا المكان إلى هتقعدوا فيه.
كان الغضب يُغلف لهجته و لكنها لم تلحظ ذلك فقد كان غضبها يمنعها من رؤيه تلك النظرة الحادة التي حدج بها والدته و خرج دون أن يتفوه بحرف بينما تبعته «فرح» و من جانبها «جنه» التي دون إرادتها حانت منها نظرة إلى ذلك الذي يُراقب ما يحدث بإستمتاع و كأنه كان يتوقع أنها ستنظر إليه فعندما التقت نظراتهم حاول جاهدًا أن يحمل نظراته أكبر قدر من الإحتقار مما أدى إلى إتقاد الغضب بداخلها و شعرت بمدي خطأها حين إتخذت ذلك القرار الغبي في المجئ إلى هنا.
وصلوا إلى باب الفيلا و ألتفت إليها سالم قائلًا بخشونه
جهزنالكوا الملحق عشان تعيشوا فيه. لحد ما تاخدوا عالناس إلى في البيت و.
قاطعته فرح بجفاء
معتقدش أننا هناخد على حد من إلى في البيت. لأنهم من الأول مش مُتقبلين وجودنا و من الواضح انك أجبرتهم يتعاملوا معانا زي ما أجبرتنا أننا نيجي هنا.
سالم بفظاظه
مين إلى قالك الكلام دا؟
فرح بغضب
مش محتاجه حد يقولي باين أوي عليهم أنهم متضايقين من وجودنا.
سالم و هو يقوم بفتح باب المُلحق قبل أن يقول بلهجة صلفه
مدام محدش قال حاجه يبقي وفري علينا إستنتاجاتك!
غضبت من وقاحته و خشونه نبرته و لكن هذا لم يكن جديد عليه و ما أوشكت على الحديث حيث قاطعتها كلماته الجامدة
مش محتاج أقولك حافظي على نفسك.
كانت نظراته موجهه إلى جنة ثم تحولت إليها قائلا بفظاظه
و ياريت متشغليش نفسك بإستنتاجات وهميه ملهاش أي تلاتين لازمه!
إزدادت شعلة غضبها و تجلي ذلك بنظراتها الحارقه و ملامحها المُستعِرة و قد لون الإحمرار وجنتها فذلك المتعجرف قد تخطي كل حدوده معها و لن تتهاون أبدًا معه و ستُريه مع أي شخص قد عبث!
إستدار إلى الخارج و هو يقول بنبرة آمرة
بعد ما ترتاحي من مشوارك تعالي عشان نتكلم!
جاءته نبرتها قويه توازي نبراته
هدخل جنة ترتاح و آجي. عشان نتكلم!
قالت جملتها الأخيرة من بين أنفاس ساخنه مُلتهبه جراء غضبها القاتم و قد كان ذلك الصراع يدور أمام «جنة» التي لم تكن في أحسن حالاتها لذا فضلت إلتزام الصمت حين رافقتها شقيقتها إلى أقرب غرفه قابلتهم حتى أنها لم تنتبه إلى معالم الغرفه حولها بل إرتمت فوق السرير و هي تُطلِق تنهيدة قويه خرجت من جوفها سمعتها فرح بوضوح فدثرتها بالغطاء جيدًا قبل أن تضع قبله حانيه فوق جبهتها بثتها فيها جرعه من الحنان كانت في أمس الحاجه إليها.
بينما إلتفتت متوجهه إلى باب الغرفه و هي تُهيئ نفسها لحرب داميه لن تخرج منها مهزومه أبدًا ككل حروبها معه.
بالخارج وجدته يجلس بكل هدوء على أحد المقاعد ينفث دخان سجائره الذي شكل خيوطً رفيعه من الدخان حوله بينما نظراته كانت تُطالِع اللاشئ أمامه كان كمن يبدو غارقًا في تفكيره حين أطلت عليه فأخذت تناظره لثوان كان وسيمًا بدرجه كبيرة توازي تسلطه و غروره الذان و كأنهما خُلقا معه أي في تكوينه.
إستفاقت من شرودها على نبرته الساخره حين قال
خلصتي!
جفلت من سخريته فقد ظنت أنه غير منتبه إلى تحديقها فيه و لكن أتضح لها بأنها التي لم تكن منتبهه. لذلك تنحنت بخفوت قبل أن تقول بثبات
خلصت إيه؟
أرتفع إحدي حاجبيه قبل أن يقول يتهكم
يعني لما لقيتك مركزة أوي قولت أكيد بتشبهي عليا! ماهو مش معقول تكوني معجبه بيا مثلًا!
برقت عيناها من كلماته المستفزة والتي أستنكرتها بشدة إلا من خفقه مجنونه تعثرت بقلبها و لكنها حاولت أن تظل على ثباتها و أتباع نفس أسلوبه إذ قالت بسخريه
مغرور أوي!
أبتسم بهدوء قبل أن يقول بتريث
عمومًا الغرور أفضل من التصنُع!
حاولت مراوغته فغمفمت بخفوت
مفهمتش تقصد إيه؟
جاءت لهجته قويه و كانت نظراته مسلطه عليها بصورة أربكتها.
إني أكون مغرور أفضل من إني أكون شخص مُتصنع بعيش دور مش دوري و بتقمص شخصيه غير شخصيتي!
شعرت بأنه لا مفر من مواجهته حتى لا يظن أنها خجله أو تخشاه لذا قالت بقوة
لو بتتكلم على يوم ما جيتلك الشركه فعلي فكرة بقي في اليوم دا أنت فاجأتني و مدتنييش وقت كافي إني أجهز و كان لازم نتكلم في أسرع وقت قبل ما تسافر فاضطريت إني آجي على أي وضع!
لم تُفسر نظراته و لكن ملامحه كانت أكثر لينًا حين قال بابتسامه شائكه.
طب كويس فكريني أفاجئِك على طول بعد كدا!
دائمًا ما ينجح بإستفزازها. كلماته البسيطه و معانيها الغامضه التي تُثير بداخلها شعور من الإضطراب فضاقت عيناها المستعرة و قالت بجفاء
ياريت بلاش كلام بالألغاز و نتكلم بصراحه!
كان يستشعر غضبها و تمني لو أنه يُغضبها أكثر فقد كان يروقه ذلك و لكنه حافظ على ملامحه الجامدة إذ قال بلامبالاه
الألغاز انتي إلى محاوطه نفسك بيها أما أنا شخص واضح و صريح!
هزت رأسها و قد لاحت ابتسامه ساخرة على ملامحها قبل أن تسترجع ملامحها الجامدة و هي تقول بجفاء
تمام. يبقي خليني أتكلم انا كمان بوضوح. لما جيت و طلبت مني أن جنة تيجي تعيش معاكوا سألتك بصفتها إيه قولتلي مرات حازم و أم إبنه
توقفت عن الحديث منتظره منه أن يعقب عليه و لكنه ظل صامتًا لذا تابعت بغضب مكتوم
الظاهر إن أنت بس إلى شايف كدا و باقي الناس إلى في البيت ليهم رأي تاني؟
أجابها بإقتضاب و بملامح صارمه.
سبق و قولتلك وفري إستنتاجاتك لنفسك!
فرح بغضب
دي مش إستنتاجات دي حقيقه إحنا عشناها النهاردة من ترحيبهم بينا إلى كان شبه مش موجود أصلًا
لم تتأثر ملامحه إنما قال بفظاظه
بيتهيألي أنك بالذكاء إلى يخليكي متتوقعيش أفضل من كدا!
حدجته بلوم قبل أن تقول بجفاء
بالعكس لو أعرف كدا مكُنتش جيت!
سالم بتقريع خفي
عشان تحكمي على الأمور صح حطي نفسك دايمًا مكان إلى قدامك!
فرح بإختصار
بمعني؟
سالم بفظاظه.
أفتكري رد فعلك كان إيه لما عرفتي إلى حصل و قيسي عليه ردود أفعال إلى حواليكي!
للحظه أعترفت بأنه يملك الحق فيما يقوله فما حدث لا يسهل أبدًا استيعابه و قد أغضبها ذلك و لكنها أبدًا لن تتحمل طريقتهم في التعامل حتى يتقبلوا تلك الحقيقه المُرة لذا قالت بإستفهام مستنكر
و المفروض أننا نتحمل الأسلوب دا لحد ما يتأقلموا!
كان يعلم بأنها تُعطيه الحق في حديثه و لكنها لن تُفصِح أبدًا عن ذلك فملامحها الغاضبه خير دليل. فقام بخنق ضحكه كانت على وشك الظهور و حافظ على صرامه ملامحه و هو يقول
أدي كل واحد فرصته أنه يستوعب إلى بيحصل حواليه و خصوصًا إن محدش هيتعرضلكوا بأي أذي!
فرح بإستنكار
ماهو واضح!
خرجت زفرة خشنه من جوفه قبل أن يقول بنفاذ صبر.
↚
التحفظ مش قله ذوق و لا إهانه. أنتوا لسه متعرفوش ببعض عشان كدا قررت أنكوا تقعدوا هنا في الأول لحد لما تتاقلموا
قاطعته إذ قالت ساخرة
حلو! في رأيي دا أكتر قرار صح أخدته من يوم ما أتقابلنا!
إرتفع إحدي حاجبيه قبل أن يقول بسخريه
دا لو حطينا رأيك بعين الإعتبار اصلًا!
هل أهانها للتو؟ برقت عيناها و هي تُناظره و قد تجمدت ملامحها بغضب كبير جعل محصول الطماطم الطازج ينبت فوق خديها مما جعله يقول بتخابث.
في رأيي أن الزي التنكري دا مش لايق على شخصيتك! ياريت ترجعي لطبيعتك أفضل!
قال جملته و توجه إلى الباب بهدوء و غرور يلتصق به دائمًا فأوقفه صوتها الغاضب حين قالت
دا لو حطينا رأيك بعين الإعتبار اصلًا!
كان يعطيها ظهره لذا أطلق العنان لإبتسامه قويه شقت ثغره من تكرارها جملته التي نجحت في إشعال غضبها الذي يخلق لذه خاصه بداخله و لكنه سرعان ما محاها قبل أن يقول بتخابث
قريب أوي هيبقي رأيي الأول و الأخير يا فرح!
لم تستمع من كلماته سوي إسمها فما أن همت بسؤاله حتى خرج مُغلقًا الباب خلفه تاركها تتلوي بنيران الغضب من ذلك المغرور القاسي الوسيم!
كانت تُناظره بغضب كبير تجلي في عيناها الجميلة التي ما أن فتحتهم حتى وجدت ذلك الضخم يعبث بأشياءها فلم تستطع الصمت بل صرخت بأعلي صوتها قائله
حراميييييي!
أخترقت الكلمه مسامعه مما جعله يتجمد بمكانه لثوان قبل أن يلتفت إليها فوجد نمرة غاضبه على وشك الفتك به و قد تناقض مظهرها الان بمظهر القطه الضائعه التي كانت تبدو عليه قبل أن تفقد الوعي!
ألتفت يُناظرها بجمود قبل أن يقول بصوت قوي خشن.
دا مين الحرامي معلش!
أجابته بقوة تجلت في عينيها التي توسعت بشدة بسبب الغضب
الحرامي إلى واقف يفتش في شنط الناس بكل بجاحه
ما هذه الوقاحه؟ جمالها الخارجي يتنافي تمامًا مع لسانها السليط الذي سيكون أكثر من سعيد حين يقطعه لها تلك الوقحه تنعته بالسارق بعد أن حملها كل تلك المسافه و لم يدعها تسقط بين الناس!
أحترمي نفسك و أعرفي أنتي بتتكلمي مع مين!
حلا بإنفعال
أنا محترمه غصب عنك!
إحتدم الصراع بينهم و كانت الأعين تُرسل شرارات نارية قادرة على إشعال النيران في المكان من حولهم لذا تدخلت إحدي العاملات في محاوله لتهدئه تلك النظرة الغاضبه
يا بنتي إيه إلى بتقوليه دا. مين بس إلى حرامي دا ياسين بيه راجل مُحترم!
حلا دون تفكير
ماهو واضح أنه محترم! بدليل أنه كان بيفتش في شنطتي.
حاول إبتلاع غضبه الذي إن أطلقه سيحرقها دون أدني شعور بالذنب لذا أطلق تنهيدة خشنه غاضبه قبل أن يقول و هو متوجهًا نحو باب الغرفه
أنا هخرج قبل ما أرتكب جنايه!
همت بأن تجيبه و لكنه كان قد أختفي فتدخلت العامله قائله بتوبيخ
إيه إلى أنتي هببتيه دا. بقي دا جزات الجدع أنه لحقك قبل ما تقعي وسط الخلق!
تنبهت حلا لحديثها فالتفتت تقول بإستفهام
إيه؟ لحقني إزاي يعني؟
قصت عليها السيدة ما حدث فشعرت بمدي غبائها و تهورها الذي دائمًا ما يوقعها في المشكلات و سقطت على الكرسي خلفها بتعب و وجدت عيناها تقع على حروف ذلك الإسم المدون على اللوحه أمامها
ياسين وفيق عمران!
أخذت تردد الاسم بين شفتيها بخفوت و هي تنظُر أمامها بشرود قطعه صوت نفس السيدة و هي تقول بنُصح
أسمعي مني روحي أعتذريله أنتي قليتي أدبك عليه جامد و الراجل معملكيش حاجه
خرج الكلام منها حادًا و هي تقول بنفي قاطع.
دا مين دا إلى أعتذرله نجوم السما أقربله. قال أعتذر قال!
كان يقف أمام إحدي ماكينات صنع القهوة ينتظر أن تنضج قهوته و هو يتنفس بحدة من تلك الجميله سليطه اللسان التي تتحول بلحظه من قطه ناعمه إلى نمرة مفترسه!
أنا أسفه!
أخرجه من شروده صوت أنطبع في مخيلته منذ أن وقع على مسامعه أول مرة و على الرغم أن رقته حاليًا تتنافي مع قوته سابقًا و لكنه تعرف إليه و على الفور إرتسمت إبتسامه خافته على شفتيه حاول قمعها قبل أن يلتفت يُناظرها بجمود و كأنه لم يسمع حديثها مُمسكًا بكوب القهوة الخاص به يُناظرها بتفحص من رأسها حتى أخمص قدميها دون حديث و قد أغضبها تفحصه هذا فلعنت نفسها أنها أقدمت على ذلك الإعتذار السخيف و قررت تصليح خطأها لذا التفتت تنوي المغادرة لتتوقف بمكانها حين أستمعت لنبرته الصارمة.
أستني عندك!
توقفت بمكانها و أخذت نفسًا قويًا قبل أن تلتفت تناظره بغضب مكبوت بينما كان هو مستمتعًا بمظهرها و لكنه كان يحافظ على جمود ملامحه حين اقترب منها بخطً سُلحفيه بينما عيناه لم تحيد عنها و ما أن وقف أمامها مباشرة حتى قال بخشونه
أسمك إيه؟
رفعت رأسها بشموخ قبل أن تقول بنبرة قويه ممزوج بغرور لاق بها كثيرًا
حلا. حلا منصور الوزان.
لم يبدو و كأنه تأثر حين سمع حديثها بل تابع بنفس لهجته
فرقه كام؟
أجابت بملل
تالته!
ياسين بهدوء مستفز
تخصصك إيه؟
حلا بنفاذ صبر
فلسفه! آداب قسم فلسفه. ها في أسأله تانيه؟
ياسين بلا مبالاه
لا. تقدري تمشي!
كان يُطالعها بينما يرتشف من قهوته بهدوء أغضبها فكل ما صدر من ذلك المتعجرف يُغضبها حديثه و إستجوابه و ايضًا تجاهله لأعتذارها الذي جاهدت كثيرًا حتى تُخرِجه لذا تمنت في لحظه أن تحرق القهوة لسانه اللاذع عله يخرج عن طور البرود المستفز هذا.
أخرجها من شرودها تجاوزه لها و خروجه دون أن يتفوه بحرف فوبخت نفسها بشدة كيف أنها كانت تقف بجمود تطالعه كالبلهاء و هكذا كان حالها حين دخلت إلى إحدي القاعات حتى تحضر أولي محاضراتها و تذهب إلى البيت علها تُنهي ذلك اليوم الذي لم تكن بدايته تُبشر بالخير أبدا!
جلست على إحدي المقاعد بعيدًا عن الجميع و لم تكد تستقر في مقعدها حتى تفاجأت بذلك الضخم المتعجرف يدخل من باب القاعه و يقف خلف الطاوله الكبيرة و هو يناظرهم و تحديدًا هي قائلاً بنبرة بها الكثير من التحدي المُغلف بخبث يطل من عيناه
أهلا بالطلبه الجداد إلى انضموا لجامعتنا. أحب أعرفكوا بنفسي أنا الدكتور ياسين وفيق عمران!
برقت عيناها من هول ما يحدث معها و ودت لو أن الأرض تنشق و تبتلعها في تلك اللحظه فهذا المتعجرف هو دكتور إحدي المواد المقررة عليها لهذا كان يستجوبها و هي كالبلهاء أجابته بمنتهي الصراحه!
أخيرًا انتهت الزيارة و استقل كُلًا من عدى و مؤمن السيارة و إنطلقوا عائدين إلى القاهرة و ما أن غادرت السيارة أبواب المزرعه حتى أنفجر عدى قائلًا بغضب
شفت بنت لعبتها صح إزاي؟ و قدرت تضحك عليهم زي ما ضحكت على حازم الله يرحمه!
ناظره مؤمن بغضب حارق قائلًا بتقريع
بطل إستعباط و كلام أهبل كلنا عارفين مين ضحك على مين
عدى بإنفعال
تقصد إيه يا مؤمن وضح كلامك!
مؤمن باحتقار.
قصدي أنت عارفه كويس يا عُدى! كفايه إلى حصل لحازم فوق بقي من غفلتك دي إحنا ممكن نكون مكانه في أي وقت!
عُدى بنفاذ صبر
بطل حكم و مواعظ و فكر معايا. إزاي قدرت تضحك عليهم بالشكل دا؟
ناظره مؤمن بحنق قبل أن يقول مستنكرا
تضحك على مين أنت عبيط! دا سالم الوزان! محدش يقدر يضحك عليه و أكيد لو عنده شك و لو واحد في الميه أنها كذابه مكنش جابها تعيش وسطهم
ثم أعطاه نظره حانقه محتقره و هو يقول بتقريع.
معلقتش على موضوع الحمل يعني! أنت إلى شجعت حازم أنه يعمل عملته دي صح!
تراجع عدى للخلف و نظر أمامه قبل أن يقول بلامبالاه
مشجعتش حد كل حاجه كانت بمزاجها. و بعدين زيها زي أي واحده حازم مشي معاها و سابها. بس دي طلعت حويطه أوي و عرفت تلعبها صح!
كانت جملته الأخيرة تحمل حقدًا من نوع خاص فهمه مؤمن على الفور فقال بتوبيخ
بطل أفتري و ظلم أنت اكتر واحد عارف أنها مش زي البنات دي و أنت السبب في كل العك إلى حصل دا!
عودة إلى ما قبل سته اشهر
توجه الثلاثي مؤمن و عدى و حازم إلى إحدي القاعات لحضور محاضرة لذلك الدكتور اللزج الذي جعلهم يرسبون في مادته للمرة الثانيه فأصبح لزامًا عليهم أن يحضروا جميع محاضراته حتى يتثني لهم النجاح بها فهذه سنتهم الأخيرة و يريدون للخلاص حتى يشق كلًا منهما طريقه نحو الحياة.
أتخذ كل واحد منهم مقعد ينتظرون مجئ الدكتور الوغد كما أسموه و ما هي إلا ثوان و دلف إلى القاعه و ما أن وقعت عيناه عليهم حتى رماهم بنظرة مُتهكمه و أتخذ مكانه حتى يستعد لبدأ المحاضرة التي مر منها قرابه العشر دقائق و الثلاثي قد بلغ الملل بهم لذروته و لكن ما أن سمعوا طرقًا على الباب الذي أنفتح بعد سماح الدكتور للطارق بالدلوف و الذي لم يكن سوي فتاه جميله بشعر أسود حريري و عينان تُضاهيه سوادًا تناقض كثيرًا مع بياض بشرتها التي يتوسطهم التفاح الشهي المنثور فوق خديها الحمروان كلون شفتيها تمامًا فقد كانت جميله فاتنه بجسد صغير و لكنه به أنوثه قاتله تظهر على إستحياء في ملابسها التي لم تكن جريئه فتُفصل قوامها الممشوق و لا فضفاضه فتُخفيه و لكنها كانت على قياسها و أظهرت مدي جمالها الخارق و عندها حبس الثلاثه أنفاسهم لدي رؤيتها و قد كانت تعتذر من الدكتور بخجل على تأخرها و قد سمح لها بالدخول و ما هي إلا دقائق حتى إنخرطت معه في المحاضرة وصارت تناقشه بجرأة و لباقه و لم تكن تعلم بأن هناك ثلاث أزواج من العيون تقتنص جميع حركاتها إلى أن أنتهت المحاضرة فخرجت «جنة» مع أصدقائها تضحك هنا و تبتسم هناك و تشاكس هذا و تمازح ذاك غافله تمامًا عن كل ما يُحاك حولها من مؤامرات تسببت في هدم حياتها!
↚
كان أول المتحدثين هو عُدى الذي قال بإعجاب صريح وقح
واد أنت و هو شايفين الصاروخ إلى أنا شايفه دا!
أجابه مؤمن بإعجاب لم تخفيه عيناه
شايف! إلا شايف دا إلى ميشوفش الجمال دا يبقي أعمي!
تحدث عُدى متأثرا بمظهرها
أنا لازم أروح أتعرف عليها!
هنا تحدث حازم الصامت منذ بدأ الحديث و قال بنبرة قاطعة
البت دي تلزمني!
وجه عدى أنظاره الغاضبه إليه و قال بحنق
و ليه بقي إن شاء الله. مانا كمان معجب بيها.
ناظره حازم بغرور و قال بتكبر
عُدى يا حبيبي متحطش نفسك في مقارنه معايا عشان أكيد هتطلع خسران
أنفعل عُدى و قال بحدة
على أساس أنك إلى مفيش منه أتنين يعني و لا حاجه!
حازم بفظاظه
بالظبط كدا. و أظن أنت جربت تدخل في منافسه معايا قبل كدا و شوفت النتيجه
شعر عدى بنصل حاد يخترق أعماق قلبه و كبرياؤه و لكنه أبي الإنهزام أمامه إذ قال بعنفوان
بيتهيألك ساندي أنا إلى سبتهالك بمزاجي. عشان مكنتش تفرق معايا.
أوشك حازم على الرد و لكن تدخل مؤمن الذي كان يشاهد صراعاتهم المستمرة فقال بتسليه
لا بقولكوا إيه متصدعوناش بنقاركوا دا. دلوقتي البت عجباكوا أنتوا الأتنين. يبقي نشوف مين فيكوا إلى هيقدر يوقعها.
راقت الفكرة للثنائي الأهوج الذي نُزِعت من قلوبهم كل معالم الرحمه لذا خرجت الموافقه من بين شفتيهم أتبعها عدى قائلًا بتخابث
و مش بس كدا. دانا لو علقتها هاخد منك العربيه الجديده بتاعتك. زي مانتا خدت عربيتي قبل كدا!
أبتسم حازم بسخريه قبل أن يقول بحماس
موافق! أما أنا بقي لو كسبت الرهان و دا متوقع طبعا. هخليك، و لا بلاش لما أكسب الرهان و أبقي أقولك وقتها!
أتفقنا. أستنوني هنا و شوفوا هعمل إيه؟
كان المُتحدِث عُدى الذي إندفع تجاه «جنة» التي كانت تتحدث مع إحدي صديقتها و ما أن اقترب منها حيث قال ليجذب انتباهها
لو سمحتي ممكن كلمه؟
ألتفتت جنة إليه قائله بتحفظ
في حاجه؟
عُدى بإحترام مزيف.
أنا شفتك و أنتي بتتناقشي مع الدكتور و بصراحه أسلوبك كان سلس و منمق فلو مكنش يضايقك كنت عايزك تشرحيلي كذا حاجه واقفه قدامي!
كان مظهره العابث يتنافي مع حديثه المُنمق و أيضًا تلك الوقاحه المُنبعثه من عيناه جعلتها تعرف الهدف الأساسي من حديثه المخادع هذا لذا طالعته بتهكم قبل أن تقول بلهجه قاطعه
أنا هنا طالبه زيي زيك غير مؤهله إني أشرح لحد فلو عايز تستفيد فعلًا أنت ممكن تروح للدكتور و تتكلم معاه. عن إذنك.
أنهت حديثها و التفتت تُكمِل حديثها مع صديقتها فانتابه غضب حارق تجاهها و لكنه حاول إبتلاعه قبل أن يُرقِق لهجته قليلًا و هو يقول
طب و لو قولتلك إني حابب أتعرف عليكي ووو.
قاطعته جنة بنبرة صارمه
مبتعرفش! و لو سمحت تمشي من هنا عشان مناديش على حرس الجامعه و أعملك مشكله.
إحتدت لهجتها كثيرًا في جملتها الأخيرة و قد وصل حديثها إلى مسامع كُلًا من مؤمن و حازم الذي ناظره بشماته و هو يعود أدراجه خائبًا بينما خرج الكلام ساخرًا من بين شفتي مؤمن حين قال
يااه عالحلقه! دي غسلتك و شطفتك و نشرتك
حدجه عُدى بنظرة حادة بينما كانت عيناه تناظر حازم الذي قال بتشفي
قلبي عندك يا ديدو بس أنت كدا كدا خسران يا صاحبي من البدايه. لكن أوعدك حقك عندي. شوف و أتعلم.
أنهي كلماته و توجه إليها بعنجهيه و غرور دائمًا ما يُلازمه و ما أن توقف بقربها حتى سمع صديقتها تناديها بإسمه « جنة » أحتار للحظات أهو إسم أم وصف و لكنه وصل إلى نتيجه واحده أنه ينطبق عليها كثيرًا.
أقترب منها قبل أن يقول بخشونه و هو يناديها
جنة!
تسمرت بمكانها من فرط صدمتها فمن أعطي ذلك المغرور الحق في مناداتها بتلك الطريقه التي توحي بأنهم اصدقاء قُدامي!
ألتفتت تُناظره بغضب حاولت إخفاءه حين قالت بجفاء
أنت تعرفني؟
جاءها رده حين قال بتأكيد
مانا جاي هنا عشان أعرفك!
إغتاظت من وقاحته و غروره فوقعت عيناها على صديقه الذي وبخته للتو فأشارت إليه و قالت مرتفع قليلا
أنت!
ناظرها عُدى بصدمه تحولت إلى سعادة غامرة حين سمعها تقول
أبقي قول لصاحبك الكلمتين إلى لسه قيلاهملك عشان واضح أنه مبيسمعش!
ألقت كلماته مرفقه بنظرات ساخطه مُحتقرة لذلك الذي جحظت ملامحه من فرط الصدمه فهي أول فتاة تقف أمام وسامته و غروره الذان يجذبان أنظار الفتيات إليه دون أي عناء منه و قد كانت أول من كسر تلك القاعده حيث تركته و ذهبت و هي تتهادي بمشيتها بينما هو كان يحترق من الغضب لتأتيه كلمات عُدى المتشفيه.
والله و لاقيت إلى تديك على دماغك يا وزان! لا و تقولي حقك عندي يا صاحبي. و شوف و أتعلم. دانتا إلى أتعلم عليك و بالأوي كمان. بالشفا يا كبير!
أيقظت كلماته وحوش الغضب و الكبرياء بداخله و الذان تحولا إلى رغبه هوجاء في تلقينها درسًا لن تنساه لذا خرجت الكلمات من فمه متوعدة حين قال.
الرهان لسه مخلصش! هدفعها تمن كلامها دا غالي أوي. (أخذ نفسا حارقا قبل أن يقول بنبرة قاتمه تشبه قلبه) البت دي هتكون في سريري قبل نهايه الترم دا. و بكرة تشوف!
حتي أن أصابعهم العشرة لن تكفيهم ليأكلوها ندمًا على ما فعلوه بنا!
نورهان العشري.
إستيقظت من غفوتها الطويله فوجدت أن الظلام قد حل فأخذت تتلفت حولها في محاوله لتتعرف على هذا المكان الجديد كليًا عليها و بعد لحظات كانت إستعادت ذاكرتها فأخذت نفسًا طويلًا قبل أن تنهض بتكاسل تنوي الخروج من تلك الغرفه لرؤيه شقيقتها و التي كانت تأخذ حمامًا ساخنًا. فشعرت بالإختناق و أرادت إستنشاق بعضًا من الهواء النقي فتوجهت إلى الحديقه الخلفيه لذلك الملحق و أخذت تتمشي قليلًا إلى أن جذب إنتباهها صوت صهيل الخيل الذي كانت تعشقه كثيرًا فأخذتها قدماها إلى ذلك المبني البعيد نسبيًا عن مكانها و لكنه كان داخل حدود المزرعه و هذا طمأنها قليلًا و بعد دقيقتان من المشي وجدت نفسها أمام ذلك السور الذي به ساحه كبيرة لترويض الخيول و على الناحيه الآخري كانت هناك الكثير من الحظائر التي يقبع بها الخيول فتوجهت إليها لتقع عيناها على أجمل شئ رأته بحياتها و هي تلك الفرسه الجميله التي كانت تشبه الثلج في بياضه و كان شعرها كثيفًا رائعًا يعطيها جاذبيه كبيرة إلى جانب عيناها الفاتنه فوقعت جنة بعشقها من أول نظرة و إمتدت يدها تتحسس جبينها برفق و هي تقول بحنو.
أذيك عامله إيه يا جميله؟ أنا جنة! أنتي أسمك إيه؟
أخذت الفرس تُحرِك رقبتها تفاعلًا مع لمسات جنة الناعمه و التي ظلت تُمسِد خُصلاتها بحنان قبل أن تقول برقه
أنتي جميله أوي. تعرفي إنك أجمل حاجه حصلتلي النهاردة. أصلك متعرفيش أنا يومي كان سئ أوي. و كنت بتمني يعدي بأي شكل.
أمسكت قطعه من الجزر و وضعتها في فم الخيل و يدها الآخري تدغدغ رقبتها بحنو و هي تقول بحزن دفين.
حياتي كلها أصلا بقت سيئه لدرجه بتمني أن الست شهور إلى فاتوا من عمري يكونوا كابوس. كابوس و هصحي منه ألاقي حياتي لسه جميله و هاديه زي ما هي!
خرج صهيل الفرسه أمامها ليشق السكون المحيط بها فابتسمت جنة برقه قبل أن تقول بخفوت
أنتي حاسه بيا صح! أحيانًا غلطه واحده ممكن تدمر حياة بني آدم أو تخليه يتمني الموت كل لحظه! بس الأسوء من كدا أن الظروف تعانده و حتى الموت تصعبه عليه!
زفرت ثاني أكسيد الحزن العالق بقلبها قبل أن تقول من بين قطراتها المتساقطه.
وحشتني ماما أوي. مع إني مش فاكرة ملامحها بس صوتها لسه في وداني. بالرغم من أن فرح عمرها ما خلتني أفتقد حد و لا أحس إني يتيمه بس حاسه إن لو كان ماما و بابا موجودين كانت حياتنا هتبقي غير كدا! على الأقل كانوا هيقفوا جمب فرح. و مكنتش هتبقي مضطرة تشيل الحمل كله لوحدها كدا! تعرفي إني نفسي أعتذرلها بس مش قادرة. أي إعتذار في الدنيا يكفر عن ذنبي و غلطي!
صمتت لثوان تحاول كفكفه دموعها التي تنساب بغزارة من بحرها الأسود. الحزين قبل أن تقول بعفويه
نسيت أقولك مش أنا هجيب بيبي. تعرفي إني طول عمري بحبهم أوي و نفسي يكون عندي واحد. يمكن الطريقه إلى جه بيها كانت وحشه أوووووي بس أنا واثقه أنه هيعوضني عن.
أختنقت لهجتها بالحديث و أسندت رأسها على السياج أمامها تحاول قمع ذكريات كفيله بجعلها تنهار في تلك اللحظه و ظلت على حالها لدقائق قبل أن تسمع صوت صهيل الخيل بقوة و كأنها تُرحِب بأحدهم فالتفتت لتُصدم عندما وقعت عيناها على آخر شخص في العالم ترغب برؤيته و الذي كان يطالعها بجمود و عينان يقطر منها الغضب الذي تجلي في نبرته حين قال
بتعملي إيه هنا؟
حاولت سحب أكبر كميه من الأكسجين بداخلها قبل أن تقول بهدوء.
زي مانتا شايف. بتفرج عالخيل!
أستأذنتي قبل ما تيجي هنا؟
كانت نبرته حادة كنصل سكين أخترق قلبها و لكنها جاهدت حتى تظهر بمظهر الثبات الذي حاولت أن تتحلي به و هي تُجيب بإختصار
لا!
تحركت شفتيه بسخرية قبل أن يقول بإحتقار
كنت هستغرب لو قولتي غير كدا!
كان الإحتقار في نبرته يُغضبها و يُضفي المزيد من الحُزن على قلبها لذا تجاهلت حديثه و تحركت تنوي المغادرة فما أن مرت بجانبه حتى إستوقفتها قبضته القويه التي أمسكت برسغها توقفها عن الحركه فالتفتت تناظره و التقت الأعين في صراع غريب من نوعه على كليهما وصل دويه إلى صدوهم فقد كانت ترتجف و قلبها إثر نظراته الناريه و عيناه التي لا تهدأ أبدًا و قد كان هو الآخر يشاطرها التخبط و هناك نبضه قويه تعثرت بداخل قلبه و هو يُناظر بحرها الأسود اللامع الذي يتخلله حزن ممزوج بخوف كبير حاولت إخفاؤه و لم تنجح!
دام الصمت لثوان بينما العيون كانت تتحدث بلغه يصعب على كليهما تفسيرها و لكنه كان أول من قطع هذا الحديث الشائك إذ قال بلهحه صارمه
المكان دا خاص بأصحاب البيت إلى أنتي مش منهم و لا عمرك هتكوني منهم أبدًا! و قبل ما تفكري تدخليه لازم تستأذني!
حاولت الحديث و لكنه أوقفها حين قال بغضب.
و إياكِ تخرجي في وقت متأخر زي دا لوحدك. عشان عيب! و لو أنتي متعرفيش العيب هعلمهولك. في رجاله بتشتغل هنا في الأسطبل و في كل مكان حواليكي و ميصحش يشوفوا أرمله حازم الوزان بره في الوقت دا. التسيب و الإنحلال إلى أتعودتي عليهم دول تنسيهم أنتي في بيت ناس محترمين؟
رغمًا عنها إنهار قناع القوة التي كانت تحتمي خلفه جراء نبرته المحتقره و لهجته المُهينه و تساقط الدمع من مقلتيها بغزارة و قد صدمه مظهرها كثيرًا للحد الذي أشعره بشعور غريب من الألم و الندم معًا و خاصةً عندما سمع صوتها الذي جاهدت حتى تُخرجه من بين شفتيها المُرتعشتين
خلصت!
لم يُجيبها انما اماء برأسه و عيناه لا تحيد عنها فقامت بجذب ذراعها من بين قبضته و هرولت إلى حيث يقع المُلحق الذي تقطن به هي و شقيقتها و قد كانت شهقاتها تشق سكون الليل المحيط بهم و قد كان يراقب إنهيارها و رحيلها بقلب مُتألم فهو بحياته لم يكن شخصًا ظالمًا برغم غضبه إلا أنه كان مسالمًا حنونًا ذو قيم و مبادئ و لكن الإنتقام شوه الرؤيه لديه و جعله كالأعمي لا يري أمامه إلا من شعور بعدم الراحه وصل إلى حد الألم احيانًا الذي يؤرقه ليلًا حين يتذكر حديثه معها و طريقته الفظه و المُحتقرة!
زفر بحدة و قرر الذهاب إلى الجراج الخاص بهم ليُمارِس هوايته المفضله و الوحيدة التي تنجح في جعله يفرغ شحنات غضبه و أثناء مروره بالمُلحق الذي تقطن به توقف لثوان و ألقي نظره على أحد النوافذ قبل أن ينطلق في وجهته و ما أن خطي خطوتان حتى سمع صراخ قادم من هناك جعل كل خلاياه تضطرب و دب الذعر في جميع أوصاله فهرول إلى هناك و قام بالطرق بقوة على الباب الذي أنفتح و أطلت فرح المرتعبه و فجأة تجمدت الدماء بعروقه حين وقعت عيناه على تلك المُلقاه أرضًا و أسفلها بقعه من الدماء.
↚
أن تعشق إمرأة مثلي إنه أمرٌ شاق للغايه.
لم أكن أنثى إستثنائيه يومًا بل أنا الاسوء من بين جميع النساء، و عليك أن تُدرك هذا أولًا لأن الطريق إلى قلبي لن يكون سهلًا أبدًا.
فعليك تتقبل جميع صفاتي السيئة و تراها ميزات! أن تتقبل جميع تصرفاتي المُتقلبة دون أن تسأل عن الأسباب! أن تتعامل مع ردودي الغير متوقعه على أنها أمور طبيعيه! أن تراني جميله بجميع حالاتي و تري مزاجيتي أجمل أنواع الدلال! أن تراني دائمًا مميزة ببساطتي بعفويتي بحماقتي! ألا أكون مُجبرة دائمًا على إدهاشك! أريد عشقًا خالصًا يُرمم شقوق قلبي و يُصلح ندبات روحي أُريد أمانًا ينتزع الخوف العالق بثنايا فؤادي و إعلم حينها أنك ستحظي بعشق سرمدي يفوق حدود الأبديه.
نورهان العشري.
كان الأمر في المشفي على صفيح ساخن بينما الصمت يُسيطر على الجميع للحد الذي يجعل هسيس أنفاسهم مسموع بوضوح. بينما القلوب تحترق بهدوء قاتل و الألسنه عاجزة عن الحديث فأي كلام يمكن أن يُقال يخفف من وطأة هذه الصدمه الكبيرة حين أخبرهم الطبيب أنهم على وشك خسارة الطفل!
خنجر مسموم بنيران الذنب إنغرز بمنتصف قلبه حين رآها غارقه في دمائها بينما تجمد في مكانه لا يعي ماذا يحدث! فقط ألم هائل أجتاح كيانه حينما سقطت كلمات «فرح» كجمرات فوق قلبه و هي تقول بصراخ
لازم نوديها المستشفي حالًا دي حالة إجهاض.
لا يعلم كيف حملها بكل هذا الرفق الذي لم يكن يظن بإنه يمتلكه و أي قوة خفيه سكبت كل هذا الحنان بين كفوفه المُمسِكة بها بينما ملامحه كانت قاسيه و عابسه و كأنه يرفض تلك الكلمات المقيتة التي أُلقيت على مسامعه للتو.
كان مُسيطرًا على مقود سيارتة الضخمة بينما لم يستطيع السيطرة على نبضاته الهادرة التي تتخبط بعنف بين ضلوعه و كأنها تعلن ثورتها عليه و إنقلابها ضده و ضد هذا العنف المعنوي الذي إرتكبه بحق تلك الجنة التي كانت تصارع آلام تفوق طاقتها و حدود قدرتها.
قبضه قويه إعتصرت قلبه و هو يضعها فوق الحامل أمام المشفى بينما كل خليه به تصرخ غاضبه على تركها و مُتألمه على حالها و شحوب ملامحها التي كانت تضج بالحياة حين كانت تتحدث مع الفرس فقد كان يستمع إلى حديثها بقلب مُمزق و عقل مُشتت فكل الإتهامات تُشير إلى أنها مُذنبه حتى حديثها و نبرة الندم التي تُغلفه تؤكد على ذنبها الكبير الذي لم تستطيع غفرانه لذاتها بينما عيناها الشئ الوحيد الذي ينطق ببرائتها. و يكاد قلبه يصدقها بينما عقله ينهره بشده و يحذره من مغبةٍ الوقوع بسحرها الآثر فيتضاعف الذنب بقلبه و هذا ما لن يستطيع إحتماله أبدًا!
معظم الخسارات في حياة الإنسان قابله للتعويض إما التجاوز! و لكن ثمه خسارات مُروعه تحمل الموت في طياتها كأن تخسر شقًا من روحك أو تفقد إحدي بُطينان قلبك و هذا ما شعرت به.
« فرح » حين رأت شقيقتها تتوسط الأرضيه الصلبه غارقه بدمائها مُهددة بفقدان جنينها فلم تتمالك نفسها إذ خرجت صرخه مُتألِمه من جوفها بينما جسدها أخذ يهتز بقوة و هي تحتضنها بالسيارة في طريقهم إلى المشفي و دموعها المتساقطة لا تتوقف أبدًا، بل أخذت تزداد كلما مرت دقيقه تلو الأخرى دون أن يُطمئنهم أحد.
تود لو تكسر تلك الأبواب الزجاجيه و تخترق تلك الغرفه لتحتضنها و تخبرها بأنه لا طاقه لها بالفراق أبدًا.
تود أن تصل نبرتها المتألمه إلى أعماق قلبها حتى يتمسك بالحياة و ألا يفقد الأمل مُطلقًا. تُريد قطع وعدًا صارمًا لها بأنها لن تدع أحدًا يؤذيها، لكنها ستستبسل في الدفاع عنها حتى الموت. فقط لو تخرج سالمه من هذه الغرفه! لو تري ضحكتها البريئه تُزين وجهها الفاتن مرة ثانيه!
يارب أحفظها يارب. و متضرنيش فيها أبدًا.
هكذا خرجت الكلمات من أعماق قلبها تُناجي ربها بأن يحفظ شقيقتها الغالية و ألا يُريها فيها بأسًا يُبكيها و لم تلحظ ذلك الذي كان يُراقب جميع إنفعالاتها بهدوء تام و ملامح صارمة تتنافي مع ذلك الحنان الذي تسرب إلى قلبه دفعة واحده و هو يُناظِر رأسها المُنكث و أكتافها المُتهدِله و ملامحها المُنهزِمه حتى خصلات شعرها التي كانت تسترسل بهدوء خلف ظهرها يتساقط منها قطرات الماء لتُغرِق ملابسها كما أغرقت قطراتها مقدمه صدرها ليلتصق قميصها القطني بجسدها بطريقة أشعلت نيران غضب ممزوج بمشاعر آخري لا يعلم من أين غافلته و أنبثقت بين طيات قلبه فقام بخلع جاكيت بذلته و تقدم منها محاوطًا كتفيها به بينما توقف لثوانٍ حين هاجمته رائحتها العذبه التي أثارت شهيته بطريقة لم يعهدها مسبقًا بل لم يتوقعها!
شعرت بالحرارة المُنبعِثة من جسده حين توقف خلفها على بعد خطوتان و حاوطتها رائحة عطره الممزوج مع رائحه التبغ المميز الذي يتناوله فخلقت شعور من الدفء بداخلها و الذي كانت تفتقده كثيرًا و لكنها لم تكن تشعر بذلك فقد كانت خارجه من المرحاض لتوها بعد أن أخذت حمامًا مُنعِشًا لتتفاجئ بتلك الكارثة التي حدثت و لم تهتم بشأن ملابسها فحمدت ربها أنها قد إرتدت ذلك البنطال القطني القصير نوعًا ما و فوقه هذا القميص من نفس قماشه و الذي اإلتصق على جسدها بفعل المياة المُتساقطة من خصلاتها التي لاحظت للتو أنها تركتها منسدله خلف ظهرها.
لم تستطع أن تُدير رأسها إليه فقد كانت عيناها تحمل ضعفًا كبيرًا لم تعتاده، خاصةً أمامه لذا تمتمت بكلمات شُكر مقتضبة لم تُرضيه فقد كان يود إقتناص فرصته في رؤيه عيناها الزيتونية دون حواجز فهو يعرف تمام المعرفه بأنها تحتاج أن تشعر بالأمان في تلك اللحظه التي عاشها هو بمفرده و يعلم مدي قساوتها و مرارة شعورها و لم يطاوعه قلبه أن تعيشها منفردة فخرجت الكلمات من فمه خشنه كما هي عادته
هتبقي كويسه أن شاء الله.
بقدر خشونه لهجته و لكنها كانت تحمل دفئًا تحتاجه كثيرًا أو هكذا كانت تتخيل و قد تمني قلبها لو تناظره في تلك اللحظه حتى تتأكد من صدق تخيلاتها و لكن أبى كبرياءها الظهور بمظهر أنثي بائسه قليلة الحيلة لذا رفعت رأسها تنظر أمامها قائله بصوت متحشرج
إن شاء الله.
كان رجلٌ لا يعرف المستحيل و لا يقبل الرفض تعود على إنتزاع ما يُريده بمنتهي السهوله و اليُسر الذي يتنافي مع ما يقابله معها ف ها هي ترفض توسله الخافت الذي لم و لن يفصح عنه أبدًا. تُعانده بشدة لتمنحه ذلك التعطش الغريب لنظره إحتياج واحده من عيناها!
و كأن إحتياج كل هؤلاء الناس ممن هم حوله الذين يعتمدون عليه كليًا لا يكفيه ليشعر بهذه الرغبه القاتله في رؤيه إفتقارها إليه ليس من أجل إرضاء متعته في تحقيق إنتصاراته المتتالية معها و لكن حتى يكون و لأول مرة هو مصدر قوتها!
قطع حديثه الدائر بين ثنايا قلبه خروج الطبيب من غرفه «جنة» فكان أول من هرول إليه هو سليم الذي قال بقلب لهيف
طمني يا دكتور؟
هرولت هي الآخري و كان هو بجانبها ليتحدث الطبيب قائلًا
الحمد لله قدرنا ننقذها هي و الجنين بإعجوبه. و بالرغم من كدا الخطر لسه قائم
تجمدت الحروف على شفتيها بينما قال سالم بفظاظه
يعني إيه الخطر لسه قائم؟
يعني حالتها الصحيه غير مُطمئنة لأنها نزفت كتير و الهيموجلوبين عندها أقل من الطبيعي. أنا مستغرب إزاي الطفل دا لسه ييقاوم و منزلش. و تفسيري الوحيد إن دي إرادة ربنا إلى كاتبله أنه يعيش!
خرجت الكلمات متلهفه من بين شفتيه
طب إيه العمل يا دكتور علشان نحافظ عليها هي و الطفل؟
لم يدقق قبل أن يتفوه بتلك الكلمات في حين ضاقت عيني «سالم» بينما إلتفتت «فرح» تُناظره بغموض أصاب كبرياؤه في الصميم و لكنه تجاهل كل ذلك و ألتفت إلى الطبيب الذي قال بتحذير.
طبعا إحنا حاولنا نظبط الهيموجلوبين و إن شاء الله منحتجش نقل دم بس في المُجمل هي محتاجه الراحه التامه عشان وضع الحنين يستقر كمان ياريت نمنع عنها أي ضغط نفسي و لازم نهتم بالأكل الصحي و أنا هكتبلها على الفيتامينات اللازمه و بإذن الله الحاله تستقر
تقدر تمشي أمتا؟
هكذا تحدث سالم ليُجيبه الطبيب
مش قبل بكرة، عشان نطمن أكتر على حالتها و لو حصل لا قدر الله أي حاجه نقدر ندخل في الوقت المناسب
ممكن أشوفها؟
أخيرًا خرج صوتها متحشرجًا جافًا ليُجيبها الطبيب قائلًا
ممكن طبعًا هي هتتنقل لاوضه عاديه و تقدروا تشوفوها بس زي ما قلت مش عايز أي ضغط عصبي و لا مجهود بدني.
هزت رأسها بتفهم بينما شعر هو و كأن حديث الطبيب موجهًا إليه فكل ما حدث لها كان بسبب غباءه في التعامل معها و تلك الكلمات المُهينة و الإتهامات القاتله التي أمطرها بها كوابل من الرصاص لم يحتمله جسدها الرقيق و سقط معلنًا إستسلامه أمام طوفان الظلم!
لم يتفوه بحرف بل إستدار على عقبيه يخرج من المشفي و هو يلعن كل شئ حوله فقد أوشك الليله على إرتكاب جريمه شنعاء و هي القتل! و كان ضحيته الشئ الوحيد المتبقي من أخاه الذي لا زال للآن يحمل ذنبه هو الآخر و الذي كان يظن بأن بإنتقامه منها سيُكفر عنه و لكنه وجد نفسه يغرق بوحل بالذنوب أكثر. فزفر بحنق و أخذ يملئ رئتيه بالأكسجين الذي يحتاجه حتى يهدئ من حرقه صدره و لكنه نسي أن الأكسجين غاز يساعد على الاشتعال أكثر خاصةً و هو يحمل رائحتها العالقه بملابسه و دمائها التي طبعت بقعه فوق قميصه نفذت إلى أعماقه دون أن يشعُر!
إلي أولئِك الذين مازالوا مُحتجزين خلف أسوار الماضي عالِقون بتِلك العلاَقات المشوهه التي لم تكتمل و لم تستطع قلوبهم تحمل نهايتها فك الله أسركم.
نورهان العشري.
كانت نائمة على غيمه ورديه تحملها كالريشه و تطير بها هنا و هناك أو هكذا كان حال قلبها الذي غزته ذكريات جميله حد البكاء رائعه حد اللعنه التي أصابتها ذلك اليوم حين أقرت بتسليمها إلى راية العشق.
كانت تترجل من إحدي سيارات الأجرة تنوي الدلوف إلى جامعتها و لكن أستوقفتها نبرة صوت أصبح قلبها يعرفها جيدًا حتى لو أنها كانت تُخفي ذلك خلف قناع من الغرور و اللامبالاة و لكن داخلها كان يميل إلى ذلك الشاب الوسيم العابث الذي يُلاحقها بكل مكان دون أي حديث فقط نظرات أذابت بروعتها حصون قلبها التي كانت متماسكه إلى حد ما قبل أن تسقط كليًا عندما ضايقها أحد الشباب ذات يوم و كان له هو بالمرصاد، و حينها قرر قطع حرب النظرات الدائرة بينهم و أقترب منها بلهفه لامست أوتار قلبها حين قال.
عملك حاجه؟
هزت رأسها دون أن تتفوه بحرف بينما تولت عيناه زمام الأمور بينهم لبعض الوقت قطعته كلمات حانيه مدروسه أخترقت جدران قلبها حين قال بخفوت
متخافيش أبدًا طول مانا موجود محدش يقدر يأذيكي أو حتى يقرب منك!
خفقت دقات قلبها بعنف كلما مرت ببالها تلك الكلمات الرائعه و التي بثتها شعور كانت تفتقده في أعماق قلبها كثيرًا و كأنها جاءت مثلما تمنت تمامًا فلاحت إبتسامه خجوله على شفتيها و هي تتوجه إلى بوابه الجامعه لتوقفها كلمات عابثه تراقصت على أوتار ثباتها
طب مش كفايه كدا بقي!
لم تجب بل لم تلتفت على الرغم من صراعها الداخلي و لكنها دون أن تلحظ توقفت بمكانها ليتقدم تجاهها إلى أن توقف أمامها و هو يُناظرها بقوة أثارت خجلها بشدة و جاءت كلماته لتُجهِز على ما تبقي من ثبات.
طب أنا مُستسلم! متستغربيش بس زي مانتي كنتي بتقاوميني كدا أنا كمان كنت بقاومك بس أنا فعلًا مبقتش قادر! أنا إلى كنت برن عليكي كل يوم قبل ما تنامي أسمع صوتك و بعدين أقفل عشان أعرف أنام. و كل يوم كنت ببعتلك الصبح صباحك جنة تشبه عيونك!
الحقيقه إني كنت بحاول أمنع نفسي عنك بصعوبه بس لما شفت في عنيكي النظرة دي مقدرتش أسكت.
كانت كلماته حانية بشكل لم تعهده من قبل. تُغريها كطفل حُرم من الحلوي طوال حياته فإذا بالسماء تُمطر أشهى أنواعها أمام عينيه الجائعتين. هذا هو حالها في تلك اللحظه و لكنها تمسكت بآخر خيط من إرادتها حين قالت بتوتر
نظرة إيه؟ إيه إلى أنت بتقوله دا؟
توترها الملحوظ و إهتزاز حدقتيها كانتا خير دليل على مقاومتها الواهيه فاستغل هو ذلك قائلًا بلهفه.
عنيكي بتكذب كل كلامك دا! أرجوكِ مش عايز منك حاجه غير أنك تديني فرصه! فرصه واحده بس عايزك تعرفيني فيها. عايز أحكيلك على حازم الوزان. عايزك تشوفي إلى كل الناس مش شيفاه.
رغمًا عنها أومأت برأسها مُلبية نداء قلبها و بالفعل تقابلا في أحد الاماكن العامه و جلست هي تناظره بخجل كبير تجلي في خدها الوردي و إرتباك شفتيها التي لم تستطع الحديث ليقطع هو صمتهم قائلًا بمزاح.
قبل أي حاجه عايزك تعرفي إني أكبر منك بسنتين لكن كنت بسقط و مش مكسوف و أنا بقولك كدا. بس فعلًا أنا مكنش عندي هدف يخليني أنجح. لكن دلوقتي.
صمت متمهلًا يُناظرها بجرأة بينما لاح التساؤل في حدقتيها اللامعة حين قال بحماس.
دلوقتي عندي هدف قوي إني أنجح و أخلص كليتي عشانك. أيوا عشانك يا جنة. أنا بقالي شهر براقبك شهر مفيش في تفكيري غيرك بنام و بقوم على صورتك إلى أنطبعت جوايا. عايزك تعرفي إني عمري ما حسيت كدا ناحية أي بنت. و عمري ما هضحي بالإحساس إلى جوايا دا أبدًا حتى لو فضلتي تقاوميني هفضل أقولك إني بحبك!
برقت عيناها فيما أخترقت كلمته أعماق فؤادها الذي إنصاع لتلك المشاعر الجامحه التي إجتاحتها لتستسلم لسحرها الأخاذ حين أخذ يسرد لها كل شئ عن عائلته و حياته و كأنه يعرفها منذ زمن و قد بدأت هي في التجاوب معه لتبدأ بينهم قصه حب كبيرة أنتهت بعرض مسرحي للزواج أمام المارة بأحد الشوارع بينما قلبها يدق بعنف من فرط فرحتة لروعه ذلك الحدث الذي تتمناه أي فتاة في العالم و نظرًا لبرائتها و قله خبرتها لم تلحظ المكر الذي غلفته عيناه بالحب الوهمي و أفصحت شفتيها عن قبولها لعرضه و الذي كان المفتاح لأبواب الحجيم الذي أجتاح حياتها بعد ذلك!
خرجت صرخه قويه من قعر وجعها حين إنقلبت بها تلك الغيمة الورديه لتسقط بقوة شاعرة بألم حاد في أسفل معدتها فتحت على إثره عيناها بقوة لتهب «فرح» من مكانها تقترب منها بلهفه تجلت في نبرتها حين قالت
جنة حبيبتي. حمد لله على سلامتك. حاسه بأيه طمنيني!
في البدايه لم تُدرك ما يحدث حولها و لكن ما أن طافت عيناها بالمكان حتى تحركت يدها تلقائيًا إلى مكان الوجع أسفل بطنها و قالت برعب.
أبني! أبني جراله حاجه؟ ردي عليا يا فرح؟
سرعان ما أحتضنت ثورتها كفوف «فرح» التي أحتوت وجنتيها بحنان قائله
لا يا حبيبتي متخافيش. الحمد لله كويس ربنا نجاكوا!
تنفست الصعداء و زفرت خوفها الذي كاد أن يقبض روحها بتلك اللحظه و أسندت رأسها للخلف و هي تنظر إلى شقيقتها بتعب تجلي في ملامحها و خرج الكلام بين شفتيها بضعف
الحمد لله.
فرح بحنان
الحمد لله يا حبيبتي. طمنيني حاسه بأيه؟
جنه بضعف.
في ألم بسيط في بطني.
فرح بإشراقه
هتبقي أحسن لما تشوفي حبيب خالتو إلى مغلبنا معاه دا.
رفعت رأسها تطالعها بعدم فهم فنهضت فرح من مكانها و قامت بالضغط على إحدي الأزرار بجانب مخدعها و هي تقول بتفسير
الدكتور قال أول لما تفوقي هيكشف عليكي سونار عشان يطمنك على البيبي. و قال كمان أنك مبتتغذيش كويس و دا غلط عليه. و شكله زعل منك عشان كدا حصل إلى حصل.
أهتز قلبها لحديث شقيقتها فهي تحاول إضفاء المرح على قلبها و آثرت ألا تسألها عن السبب خلف ما حدث لها و قد كانت أكثر من ممتنه لهذا الأمر لذا قالت بإبتسامه واهنه
من النهاردة مش هزعل تاني مهما حصل. و ههتم بصحتي عشانه.
كانت تتحدث بتأكيد نابع من صميم قلبها و هي تُقسِم داخليًا على ألا تسمح لشئ أن يؤذي صغيرها تلك النعمه التي خرجت من بين كل هذا السوء الذي حدث لها و هي تنوي أن تحميه بروحها فإن تمسك هو بها مرتين فهي لن تتركه أبدًا.
بعد مرور بعض الوقت أنصرف الطبيب بعد أن قام بفحصها و طمأنها بأن الأوضاع تحت السيطرة و أمطرها بوابل من التنبيهات مُشددًا على كل كلمه يتفوه بها و قد أقسمت داخلها على أن تقوم بتنفيذ كل ما قاله دون الإغفال عن أي شئ.
و ما أن خرج الطبيب حتى سمعوا طرقًا على الباب طال دويه قلبها و قد علمت من الطارق فهو لم يكن سوى «سالم» الذي كان ينتظر خروج الطبيب من الغرفه حتى يطمئن هل عادت الأمور تحت السيطرة و زال الخطر أم لا و قد كان الغضب يأكل داخله بنهم فهذه هي المرة الثانية التي يتعرض بها الطفل إلى خطر مُحدِق و لكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها فهو يكاد يُجزم بأن أخاه له يد بما حدث فذلك الرعب الذي كان يحاول إخفاءه لم يكن من فراغ، و لهفته القويه في الإطمئنان عليها لابد و أنها نابعه من ذنب كان يتجلي بوضوح في عيناه و لكنه أجل الحديث بهذا الأمر إلى حين يطمئن على الطفل و قد أنتوي على وضع الأمور في نصابها الصحيح وسيتأكد من أن الجميع يسير على النهج المطلوب.
دلف إلى الغرفه بعد ما سمع صوتها يسمح له بالدخول و ما أن وقعت عيناه عليها حتى تشعب الغضب داخله و تجلي ذلك بعيونه السوداء حين رآها تقف أمامه بثيابها تلك و قد خلعت جاكيت بدلته واضعه إياه على الأريكه خلفها و هذا يعني بأن الطبيب رآها بحالتها تلك!
رغمًا عنه أغضبه هذا كثيرًا لكنه حاول إبتلاع غضبه حين قال بخشونه موجهًا حديثه لجنة
عامله إيه دلوقت؟
أجابته بخفوت فقد كانت تخشاه كثيرًا
الحمد لله أحسن.
هز رأسه وهو يتنفس بصعوبه حين تشابكت نظراته مع تلك التي كانت تتحاشي النظر إليه و قد أضاف ذلك الوقود لغضبه المشتعل بصدره و لكنه كالعادة بدا هادئًا باردًا جافًا!
جاء صوته جامدًا متسلطًا حين قال
سمعتي الدكتور قال إيه؟
أجابته «جنة» بهزة من رأسها دون حديث ليأتيها صوته قويًا حين قال مُهددًا
دي آخر مرة هسمحلك تعرضي حياة إبن أخويا للخطر.
لم تتحمل حديثه مع شقيقتها بتلك الطريقه و ألتفتت تُناظره بقوة و غضب تجلي في نبرتها حين قالت
على أساس إن حياتها هي كمان مكنتش مُعرضه للخطر!
قابل غضبها و حديثها بسخريه إرتسمت على ملامحه للحظه قبل أن تعود إلى جمودها و أدار رأسه إلى «جنة» و هو يقول آمرًا
هتفضلي هنا تحت الملاحظه كام يوم لحد ما الدكتور يقول إن الخطر زال. أي حاجه تحتاجيها بلغيني.
أجابته «جنة» بإختصار
تمام.
أغضبها تجاهله لها و لكنها حاولت إخفاء غضبها بإبتسامه عابثه رسمتها ملامحها التي كانت في أوج إزدهارها بفعل الغضب الذي كسي خديها بحمرة جميله و عيناها الصافيه مع وجهًا أشرق حين أطمأنت على شقيقتها. مظهرها الفاتن هذا أعاد إليه شهوة إستفزازها فقال بسخريه و هو يلقي عليها نظرة عابرة
هبعتلك هدوم مع السواق
شعرت بالسخريه في لهجته و قد أغاظها ذلك فأرادت رد الصاع صاعين حيث قالت بلامبالاه.
لا متشغلش بالك. أنا مرتاحه كدا.
دون حديث أبتلع غضبه الحارق و توجه إلى الباب و ما أن هم بفتحه حتى نادته بلهفه توقف على إثرها بقلب يدق بعنف
آه. سالم بيه.
قالت كمن نسي شيئًا ثم ألتفتت تتناول جاكت بذلته و توجهت بهدوء تناوله إياه راسمه إبتسامه عفوية على شفتيها و هي تقول بتمهل
ميرسي أوي. تقدر تاخده مبقتش محتجاه.
إمتدت يداه لتلتقطه و قبل أن تتركه شعرت بقبضته القويه تعتصر يدها المُمسكه بالجاكت وهو يُطالعها بغضب قبل أن يقول بجفاء
مش أنتي إلى تقولي إذا كنتي محتجاه و لا لا!
كانت قبضته مؤلمة و لكنها لم تدعه يعلم بأنها تتألم لذا رفعت أحد حاجبيها قبل أن تقول بتهكم
نعم!
تحمحم بخفوت قبل أن يُسيطر على ضربات قلبه الصاخبة أمام عيناها الصافيه التي تحاول إستفزازه و لكنه لن يقع بفخها أبدًا لذا قال بفظاظة.
↚
أنتوا هنا تحت إسم الوزان و الإسم دا له هيبته و إحترامه. و شكلك دلوقتي يعني!
طافت عيناه على جسدها الأنثوي الرقيق بمنحنياته القاتله التي تخطف العقول و إرتفعت نظراته تُبحِر فوق ملامحها الجميله و التي جعلت نبضاته تتعثر داخل صدره تأثرًا بهيئتها العشوائية الساحرة و لكنه نجح في إخفاء كل هذا ببراعة و لوى فمه بإمتعاض تاركًا لعيناه و ملامحه أن توصل لها مقصده و قد أغضبها هذا لدرجه جعلت أنفاسها تتسارع و بصعوبه بالغه حافظت على بعضًا من هدوئها حين قالت ساخرة.
غريبه! مع إنك كنت عايزني أرجع لشخصيتي الأصليه إيه إلى حصل دلوقتي؟
سالم بحدة
كنت غلطان!
رفعت إحدي حاجبيها الجميلين و ناظرته بسخريه قبل أن تقول بهدوء مستفز
عشان كدا زي ما قولتلك مخدتش رأيك بعين الإعتبار!
كانت مشاكستها لذيذة بحق و ملامحها التي تتحداه بخطورة لا تعي توابعها و قد كان هو الآخر يشعر بأنه يمشي بحقل ألغام قد تنفجر بقلبه في أي لحظه و هو غير عابئ لتوابعها التي قد تكون مُدمرة يُريد أن تدوم حربهم تلك للأبد دون أن يمل!
لو كنت أعرف إن شخصيتك الأصلية شبه أطفال الشوارع كدا مكنتش هطلب منك ترجعيلها!
برقت عيناها من شدة الذهول الذي تحول لغضب عارمٍ فقد أهان أنوثتها بشدة جعلتها تود لو تُمزقه إربًا حتى تمحي تلك الأبتسامه الكريهة على وجهه و التي كانت تُخفي آخري صاخبة نجح في خنقها حتى لا تفضح إستمتاعه بملامحها وغضبها المروع هذا و تابع بتهكم
في رأيي شخصيه أبلة نظيرة لايقه عليكي أكتر!
كان طوال الوقت مُمسكً بمعصمها القابع خلف الجاكت الخاص به و الذي كانت ممسكه به بقوة دون أن تدري فلم يستطيع أن يفوت فرصه آخري في إغضابها إذ قال بتسليه
الجاكيت! مش تقريبًا قولتي إنك مش محتجاه!
لا تعلم ما دهاها في تلك اللحظه و لكنها إنتزعت الجاكيت من بين يديه و قالت بحدة توازي حدة نظراتها إليه
غيرت رأيي. هاته.
أخذته و حاوطت كتفها به في حركه منها لإغاظته فابتسم تلقائيًا على فعلتها و لكنه سارع بمحو بسمته و هو ينظر إلى الجاكيت الذي يُعانق جسدها بغموض و لوهله طرأ على باله هاجس.
ما هو شعوره حين تُصبِح تحت سطوة عناقه!؟
كانت «جنة» تقف أمام تلك الفرسه الرائعه التي أعجبت بها سابقًا تُناظرها بسعادة غامرة أنبثقت من بين كلماتها حين قالت بحبور
أذيك يا جميله. وحشتيني أوي.
مدت يدها تُدغدِغ أسفل عنقها و الفرس تتجاوب معها مما جعلها تقول برقه
أنا كمان وحشتك. حقك عليا اتأخرت عليكي كل دا بس أنتي متعرفيش حصلي إيه؟
إرتسم الحزن على ملامحها الجميله و هي تقول بنبرة خافته.
أنا كنت هخسر البيبي. و قعدت يومين في المستشفي و بعدين الدكتور منعني من الحركه لمدة أسبوعين! تخيلي أسبوعين كاملين و أنا نايمه في السرير مبتحركش! أكل في السرير و شرب في السرير لحد ما طهقت.
تابعت بعد أن اشرق وجهها و إرتسمت أبتسامه سعيدة على ملامحها و هي تقول بحبور.
بس النهاردة خدت إفراج. و أول ما رجعت من عند الدكتور جيتلك على طول. بالرغم من أن هتلر دا منعني إني آجي اشوفك و على الرغم من أنه السبب في كل إلى حصلي! لكن و لا يهمني هجيلك أشوفك على طول. أقصد يعني طول ماهو مش موجود! مانا نسيت أقولك أصله من يوم إلى حصل مشوفتوش. بس أحسن أنا أصلًا مش عايزة أشوفه!
كانت جملتها الأخيرة نابعه من أعماق قلبها الذي كان يتمني حقًا لو لم يراه أبدًا فبكل مرة تقع عيناه عليها يُذيقها أقسى أنواع الإهانات حتى أنها بآخر مرة كانت معه لم يتحمل جسدها هذا الألم الهائل الذي تشعب إلى أوردتها و لم يرحمها منه سوي تلك الهوة العميقه التي أنقذتها من ذلك العذاب المرير!
أبتلعت غصه تشكلت داخل حلقها ما أن زارتها تلك الذكريات المريرة فحاولت التغلب عليها حين إرتسمت ابتسامه جميله على شفتيها و هي تلتقط إحدي حبات الجذر و تضعها في فم الخيل و هي تقول بأعجاب بالغ
مفكر أنه هيقدر عليا و يمنعني عنك. هه يبقي يوريني سي هتلر دا! المهم أنا مضطرة أمشي بقي عشان زمان فرح رجعت من مشوارها و المفروض هنروح نتغدي مع العيله النهاردة و أتعرف على باقيتهم.
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بنبرة يتخللها القلق.
بصراحه أنا خايفه أوي من المقابله دي! الناس دول أصلًا شكلهم مُرعب من أول سالم الديكتاتور! اه مانا نسيت اقولك إني سميته الديكتاتور! على طول عاوز أوامره بس هي إلى تتنفذ و الناس تقول سمعًا و طاعه. و التاني إلى عامل زي هتلر دا معدوم القلب و الإحساس! و لا الحاجه! يا عيني عالحاجه شبه إليزابيث إلى في فيلم stay alive الست إلى كانت بتخطف البنات الحلوين و تتغذي على دمهم دي! حستها أول ما شافتني كانت عايزة تجبني من رقبتي كدا و تقوم جايه عضاني!
زفرت بحنق قبل أن تتابع حديثها الناقم
بصراحه أشكالهم كلهم متطمنش. و لسه بيقولك في عمته و أخته و بنت عمته. هقول إيه الله يسامحك يا حازم! و يعيني على ما بلاني!
حانت منها التفاته حولها قبل أن تستقر نظراتها على معدتها فارتفعت يدها تُمسدها بحنان وهي تقول برقه
بس مش مشكله. كله يهون عشان حبيبي.
رفعت رأسها تبتسم للفرس في سعادة و هي تقول بأستسلام.
مضطرة أمشي دلوقتي عشان ميعاد الغدا المقدس جه! و مينفعش أتأخر عليه أحسن يقيموا عليا الحد!
أرسلت قبله في الهواء و هي تلتفت تتابع طريقها دون أن تلحظ تلك العينان التي شيعتها بنظرات الغضب.
آنسه فرح عمران!
لم تكد تجلس في مكانها حين وقعت تلك النبرة الخشنة على مسامعها كقنبلة مدويه إخترقت قلبها أولًا و من ثم عقلها الذي لم يكن يصدق ما يسمعه و تعلقت نظراتها الجاحظة بذلك المقعد الذي حين إلتف توسعت حدقتيها أكثر و صدق ظنها بأنه هو!
جاءها صوته الرجولي الخشن الذي يحوي بين طياته السخريه و الغضب حين قال
أيه أتصدمتي؟
لم تجيبه فلم تستطع السيطرة على صدمتها بعد فأخذت تبلل حلقها تحاول البحث عن صوتها الذي أختفي بفعل تلك المفاجأة الغير متوقعه أبدًا فهي منذ أن بدأت حالة شقيقتها بالإستقرار و هي تحاول البحث عن عمل في شبكه الإنترنت و لحسن حظها وجدت إحدي الشركات الكبيرة تُعلِن عن حاجتها لإحدي الوظائف التي لائمت مؤهلاتها كثيرًا فلم تتردد و قامت بإرسال الملف الخاص بها و جاءها الرد قبل يومان بموعد المقابله اليوم و كانت طوال الطريق تدعو الله أن يكون هذا العمل من نصيبها فهي لم تعتاد على الجلوس هكذا دون فعل شئ و ايضًا لن تنتظر حتى إنتهاء مُدخراتها من النقود و لن تسمح لأحد بأن يُنفق عليها أبدًا.
اخيرًا إستطاعت السيطرة على صدمتها و قالت بصوت مهزوز
أنت بتعمل إيه هنا؟
نالت سخريته من ثباتها الواهي حين قال بتهكم
تقريبًا أنا إلى مفروض أسألك السؤال دا؟
أعادت نبرته الساخرة صوتها الضائع و أيقظت شيئًا من روح القتال بداخلها لذا أجابته بكل هدوء
بما إنك هنا و قاعد على الكرسي دا تحديدًا يبقي عارف أنا جايه أعمل إيه هنا!
خرج صوته جافًا مع نظرات حادة رمقها بها قبل أن يقول بإستفهام.
و مقولتليش ليه إنك عايزة تشتغلي؟
فرح بهدوء مستفز
و أقولك ليه؟
كانت أُنثي متمردة تثير غضبه النفيس. تتنافس معه في أعظم صفاته و هو الهدوء. تغتال ثباته بضراوة و تقف أمامه كند لا يُستهان به تجعل عقله يعمل بكل دقيقه في كيفيه إختراقها؟ تُحاربه خلف تلك الحواجز الزجاجية لنظارتها الطبيه التي يكاد يقسم بأنها لا تحتاجها فتحجب عنه لذة التوغل إلى غاباتها الزيتونيه و كشف ما تُجيد إخفاؤه عنه و كان هذا أكثر ما يُثير غضبه و لكنه كعادته تحدث بهدوء و نبرة كانت قويه مُحمله بتقريع خفي لم تخطئ في فهمه.
عشان مفروض تحترمي الراجل إلى أنتي مسئوله منه
إهتزت حدقتيها لثوان فقد أخترقت الكلمه أعماقها مُحدثه عاصفه هوجاء بداخلها لم تستطيع للحظات السيطرة عليها و تسارعت أنفاسها و لكنها بصعوبه إستطاعت التحكم بملامحها لتظل على ثباتها قبل أن تقول مُشدده على كلماتها
بس أنا مش مسئوله من حد!
أجابها مُصححًا و كأنه ينفي تلك التهمه عن ذاته
أقصد الراجل إلى أنتي عايشه في بيته!
لا تعلم لما أغضبها تصحيحه لتلك الهفوة التي ظنت أنها خرجت من بين شفتيه دون حساب و لكنها تابعت بإستماته في الوقوف أمامه و مجابهته و الدفاع عن إستقلاليتها
إني أكون عايشه تحت بيتك دا مش معناه إنك تصرف عليا!
أخذ يُناظرها بغموض دام لثوان و سرعان ما خرج صوته هادئًا و هو يقول
عندك حق.
أنتقلت نظراته إلى الأوراق أمامه قبل أن ترتفع عيناه التي تحولت بطريقه جذريه و ملامحه التي أصبحت صارمه حين قال بفظاظه.
خلينا نشوف إذا كنتي مؤهله للشغل هنا و لا لا؟
لوهله لم تفهم حديثه الذي كان يقصد به بدايه المُقابله حيث فاجأها بعدها بأن شرع يختبرها و قد تحولت هيئته و أصبح رجل مختلف تمامًا عما عهدته و تفاجأت من أسلوبه و مدي مهنيته حين كان يلقي بأسئلته التي أجابت على معظمها بإمتياز و دام الوضع بينهم لمدة تتراوح بين ربع إلى نصف ساعه حتى أنتهت تلك المقابله الأصعب في حياتها لاهثه و هي تحاول مضاهاته و إجابته بطريقه نموذجيه لتتفاجئ به يغلق ملفها و يناولها إياه و على وجهه ترتسم تعبيرات أسف زائفة حين قال.
للأسف يا آنسه فرح مؤهلاتك أضعف بكتير من إنك تشتغلي في شركه أنترناشيونال زي دي.
برقت عيناها من شدة الصدمه فإجابته تلك لم تكن في حدود توقعاتها أبدًا فهي أجابته على جميع الاسئله تقريبًا و إن كان يحاول تعجيزها بين الفينة و الآخري و لكنها متأكدة من انها مؤهله و بقوة للعمل بتلك الشركه فهي تضاهي الشركه التي تعمل بها بالقاهرة من حيث قوة أستثماراتها الداخليه و الخارجية و لكنها وصلت إلى حقيقه ثابته أنه لا يريدها هنا و هذا ليس له علاقه بأي مؤهلات كما أخبرها لذا بمنتهي الهدوء الذي يتنافي مع غضبها و ألمها الداخلي مدت يدها تأخذ منه ملفها و هي تقول ساخرة.
تمام. بس بلاش كلمه أنترناشيونال دي عشان مش لايقه مع سوء الإدارة إللي هنا.
رفع إحدي حاجبيه و هو يناظرها بغموض قبل أن يقول بخشونه
سوء الإدارة! دي كلمه كبيرة أوي يا آنسه!
تجلي غضبها و ألمها في عيناها و لم تفلح في إخفائهم بل تضمنوا لهجتها حين قالت بجفاء
لما الإدارة تبقي ممشياها بالمزاج مش بالمؤهلات تبقي إدارة سيئه. عن إذنك!
قالت جملتها الأخيرة و توجهت بشموخ نحو باب مكتبه فاستوقفتها كلمته التي تحمل وسام الإنتصار والسخرية معًا
شرفتينا!
وصلت «جنة» إلى الملحق الخاص بهم فوجدت
« فرح » التي كانت تبحث عنها بوجه مُتجهم و عينان تعكسان غضبًا مروعًا قلما يظهر عليها فاقتربت منها «جنه» بخوف و ترقب تجلي في نبرتها و هي تقول
إيه يا فرح حصل حاجه و لا إيه؟
حاولت « فرح » إبتلاع جمرات غضبها من ذلك المتكبر المغرور المتغطرس و جاهدت في رسم إبتسامه هادئه على ملامحها قبل أن تقول بهدوء.
مفيش يا حبيبتي! طمنيني أنتي كويسه؟
هزت رأسها و تابعت برجاء خفي في عيناها و هي تقول بإستفهام
متخبيش عليا يا فرح. حصل إيه؟ و أنتي كنتي فين أصلًا؟
فرح بمزاح
يا بت بطلي أفورة هخبي عليكي إيه. و بعدين تعالي هنا أنتي بتستجوبيني يا ست جنة؟
أبتسمت «جنة» قبل أن تقول بلهجه غلب عليها الحزن
لا طبعًا. بس غصب عني بقيت خايفه من كل حاجه!
إمتدت يد فرح تُعانقها بحب تجلي في نبرتها حين قالت.
متخافيش من حاجه أبدا و أنا معاكي.
إرتفعت رأس جنه تطالعها بلهفه و هي تقول بتوسل يُغلف نظراتها و نبرة صوتها
يعني خلاص سامحتيني يا فرح! و مبقتيش زعلانه مني
حاولت فرح إنتقاء كلماتها حتى لا تؤذي شقيقتها فقالت بلطف
إحنا مش قولنا مش هنتكلم في حاجه خالص دلوقتي و هنستني لحد ما تقومي بالسلامه!
همت « جنة » بالحديث و لكن أوقفها صوت زامور سيارة «سالم» التي توقفت أمام الباب الداخلي للقصر دون أن يُلقي عليهم نظرة واحدة مما أدي إلى زيادة غضبها و للمرة التي لا تعرف عددها تمنت لو أنها لم تقابل ذلك الرجل أبدًا!
توجهت الفتاتان إلى الباب الداخلي للقصر لحضور أول غذاء لهم مع تلك العائله فبعد ما حدث لجنة أمر «سالم» بأن تلتزم السرير عملًا بتنبيهات الطبيب و أن تجلب لهم الطعام إحدي الخادمات في مواعيده.
ما أن أوشك الإثنان إلى الدلوف إلى داخل المنزل حتى ظهرت إحدي الخادمات التي قالت بإحترام
فرح هانم. سالم بيه مستني حضرتك في أوضه المكتب!
تفاجئت من حديث الخادمه و لكنها أوشكت على الرفض فهي لن تترك «جنة» تواجه هؤلاء الناس عديمي الذوق وحدها و لكن جاء صوت «جنة» التي قالت لتُطمأِنها
روحي يا فرح شوفيه عايزك في إيه و أنا هدخل
فرح بصرامه
لا طبعًا مش هينفع أسيبك تدخليلهم لوحدك. أبقي أشوفه عايز إيه بعدين!
حاولت جنة طمأنتها إذ قالت بهدوء.
أكيد مش هياكلوني يا فرح! و بعدين يا ستي و لا تزعلي نفسك أنا هستناكي هنا في الجنينه لحد ما تخلصي كدا كدا لسه معانا وقت قبل معاد الغذا
حاولت فرح الإعتراض فبادرتها «جنة» القول
خلاص بقي روحي أنا هشم شويه هوا على ما تخلصي معاه.
أذعنت فرح لاقتراحها و ذهبت إلى حيث أشارت الخادمة تاركه «جنة» التي أرادت التجول في تلك الحديقه الجميله المليئه بالإزهار التي تُلائم كثيرًا تلك الأزهار الجميله المنقوشه على فستانها الزهري الذي يلتف حول جسدها بنعمومه و خاصةً أن وزنها قد زاد بسبب الحمل مما جعلها تبدو أكثر جمالا و أنوثه.
أخذت تتمشي بين الأزهار تشتمها و تتلمسها غافله عن مكان وجودها و كان تفكيرها منصبًا على تلك الجنه المحيطة بها و التي تشبهها كثيرًا إلى أن أخرجها من عالمها الجميل صوت لهجة باردة مُحمله بالحقد
أنتي بقي جنة!
إلتفتت «جنة» تنظر إلى تلك الفتاة التي كانت ترتدي الأسود الذي يوازي نظراتها الحادة و هي تتقدم تجاهها بخطوات ثقيله عكرت الهواء الصافي حولها و لكنها حاولت التغاضي عن كل شئ و قالت بهدوء.
أيوا أنا جنة. أنتي مين؟
ناظرتها سما بغضب ممزوج بإحتقار و هي تجوب بعيناها «جنة» من رأسها إلى أخمص قدميها قبل أن تقول بنبرة مسمومه
أنا سما. بنت عم حازم و خطيبته!
برقت عيناها للحظه من كلمتها الأخيرة التي جعلتها ترتد خطوة إلى الخلف و هي تقول بعدم فهم
نعم! خطيبته!
أجابتها سما بلهجه تقطر حقدًا.
أيوا خطيبته إلى دمرتي حياتها. و خطفتي منها حبيبها و كنتي السبب في موته! لا و مكفكيش كل دا دانتي بكل بجاحه جايه ترمي بلاكي علينا و تلبسينا عيل مش ابننا و كل دا عشان إيه! عشان تورثيه!
أخرسي!
جاءت صرخه غاضبه جمدت الفتاة بمكانها و كأن دلوًا من الماء المثلج سقط فوق رأسها و لكن كانت مفاجأة «جنة» أكبر حين رفعت رأسها و رأت...
↚
أكرهك!
أكره ذلك الشعور باللذة الذي يتملكني حين نتبارز بالحديثِ و إلقاء الكلِمات! أكره تلك الرجفة التي تنتابني حين تتغزل بي سهوًا فتدُق طبول الحرب بداخلي رغمًا عن هدوئي المُعتاد! أكره ذلك الإشتهاء الذي يتملكني حين أكون أمام عيناك فأتمني لو أكون أجمل النساء! أكره تلك الأبتسامه الساخرة التي ترتسم على ملامحك ما أن اُُغضِبك فتولد بداخلي عاصفه هوجاء!
أكرهك وأكره نفسي التي تشتهي كل ما سبق و تخطو بي في طريق أعلم بأن نهايته سوداء!
نورهان العشري.
بخطً واثقه و رأس مرفوع توجهت «فرح» إلى ذلك المكتب حيث أشارت الخادمه و الفضول ينشُب مخالبه بعقلها في السبب عن كونه يريد رؤيتها و خاصةً بعد ما حدث منذ ساعات وجيزة فهي للحق لم تكن تود رؤيته اليوم بأكمله على الأقل حتى تهدأ قليلًا فقد كان غضبها لا يزال مشتعل بسبب تلك المقابله السخيفه التي لو تعلم مُسبقًا بأنها ستصُب في بوتقته فلن تذهب إليها أبدًا.
عدة طرقات على باب الغرفه كانت لها وقع مختلف على قلبه الذي لأول مرة منذ زمن طويل شعر بنبضاته تزداد في وجودها و إن كان يرجع هذا إلى أنها نوع مختلف من النساء يُثير فضوله و يستفز غريزته الرجوليه بعنادها الضاري و صلابتها التي لا تلين فلأول مرة يكن خصمه بتلك الصلابه و كل هذه الفتنه التي جعلته يهرول خلفها صباحاً عندما رآها تستقل سيارة أجرة عندما كان عائدًا من الخارج و وجد نفسه يذهب خلفها دون أن يعطي لعقله الفرصه في معارضته و قد كانت دهشته كبيرة عندما وجدها تترجل أمام إحدي شركات عائلة والدته و التي يمتلك بها أسهم عديدة و قد إزداد زهوله عندما علم أنها جاءت لإجراء مقابله عمل!
في بادئ الأمر سيطرت عليه دهشه قويه تحولت إلى غضب كبير من كونها تتجاهله بتلك الطريقه لذلك تولي هو أمر تلك المقابله حتى يُرسِخ في عقلها فكرة أنها لا يمكنها عصيانه أو تجاهله و أن سيطرته عليها مطلقه لا حدود لها!
سمح لها بالدخول فانفتح باب الغرفه و أطلت برأسها قبل أن تتوجه إليه بهدوء و وجه خال من أي تعبير لتتوقف أمامه قائله بنبرة جامدة
قالولي إنك عايزني!
كانت نظراته قويه ثاقبه تود إختراقها لمعرفه ما تشعر به حاليا و لكنها أتقنت الجمود على ملامحها مما جعله يقول بخشونه
أقعدي
أطاعته بهدوء أدهشه و لكن تعابيره لم تتغير و واصل الحديث قائلًا بفظاظه
لما تنوي تعملي حاجه زي إلى عملتيها النهاردة دي تعرفيني!
أستمهلت نفسها قبل أن تقول بلهجه مُتزنه
أنا إنسانه حرة و متعودتش إني أخد إذن من حد!
سالم بخشونه
واجب عليكي تحترمي الناس إلى عايشه وسطهم!
أراحت جسدها على المقعد أكثر و قالت بهدوء مستفز
و فين قلة الإحترام في إلى عملته!
سالم بجفاء
لما تخرجي من بيتي و تروحي تدوري على شغل في شركه أنا بملك أكتر من نصها يبقي إيه في رأيك!
أحب أعرف منك يبقي إيه؟
سالم بقسوة
يبقي إستهتار و قلة عقل. تقدري تقوليلي و أنتي بتملي الأبلكيشن كنتي هتكتبي محل إقامتك فين!
هزت كلماته ثباتها و قد تجلي ذلك في إهتزاز حدقتيها لثوان قبل أن تقول بإندفاع مدافعه عن نفسها.
مكنتش هكتب اسم مزرعتك طبعا لإني مش ناويه أقعد هنا!
أقدر أعرف كنتي ناويه على إيه؟
قالها سالم بغضب خفي لتجيبه هي بسلاسه
كنت هأجر شقه جمب مكان الشغل مانا مش معقول كنت هروح و آجي كل يوم المسافه دي كلها!
و أختك إلى مفروض جايه عشان تخلي بالك منها
كنت يا هخدها معايا يا هاجي على طول أشوفها و أطمن عليها
تصاعد الحنق بداخله من حديثها و لكنه أرتدي قناع السخريه المعهود لديه عندما قال.
قد كدا المكان هنا وحش مش قادرة تتحمل تعيشي فيه!
بهدوء أردفت
قد ما مؤهلاتي متلقش إني أشتغل في شركه أنترناشيونال زي شركتكوا. قد ما المكان هنا وحش و مش حابه أعيش فيه!
كلماتها أشعلت بجوفه نيران التحدي الشهي مما جعله يتراجع مستندًا بظهره على المقعد قبل أن يُجيبها بتسليه
تصدقي معادله مظبوطه ميه في الميه!
بمعني!
ضيق عيناه فيما أجابها بتخابث
يعني لو قيسنا مؤهلاتك بقد إيه المكان هنا وحش هنلاقيهم متساويين بالظبط!
أخترقت كلماته أعماقها بينما عقلها للحظه لم يستوعب المعني الخفي بها و تلبسها شبح الغباء لثوان و هي تفكر كيف أن مؤهلاتها ترادف قبح المكان حولهم فهو كالجنة إذن.
أخيرًا وصل إلى عقلها غزله الخفي أو لنقل إعترافه بمؤهلاتها مما جعل محصول التفاح الشهي ينبت فوق خديها و قد كان يراقب جميع إنفعالاتها بمتعه كبيرة كان يُخفيها جيدًا بين طيات قلبه الذي لم يمهلها الوقت للإجابه فقام بإخراج ورقه من أحد الإدراج و مد يده يناولها إياها فأخذتها و حل الفضول محل الخجل لتتفاجئ بتلك الورقه التي لم تكن سوي إستمارة عمل!
رفعت رأسها تطالعه بإستفهام فتحمحم قليلًا قبل أن يُجيب على سؤالها الصامت بفظاظه
محتاج حد يمسكلي حسابات المزرعه و بما إنك محتاجه شغل فخلاص أشتغلي!
إغتاظت من حديثه الخالي من اللباقه فقالت بجفاء
ومين قالك إني هوافق!
و ليه ترفضي؟
و ليه أقبل؟
كررت سؤالها و كأنها تتحداه فقابل تحديها بهدوء إستفزها كثيرًا
عشان مقدامكيش حل تاني!
أجابته بإستنكار
نعم!
بنفس ملامحه الهادئه و نبرته المتزنه أجابها.
عايزة تشتغلي و مؤهلاتك متسمحش أنك تشتغلي في شركه كبيرة و في نفس الوقت مش عايزة حد يصرف عليكي! هتعملي إيه مضطرة توافقي. يعني أنا بحاول أسهل الدنيا عليكي مش أكتر!
أشتعل غضبها بصورة كبيرة من حديثه فاحتدت نظراتها و أختنقت أنفاسها و لكنها لن تعطيه فرصه الإنتصار عليها لذا أستمهلت نفسها قبل أن تقول بنبرة هادئه بعض الشئ
لا متقلقش أنا عارفه هعمل إيه كويس! و كمان أنا ماحبش يكون حد له جميله عليا!
أرتفع إحدي حاجبيه بإستفهام قبل أن يقول
جميله!
فرح بسخريه
بالظبط. يعني مش مضطر تخلقلي وظيفه عندك تلائم مؤهلاتي أنا مقدره طبعا أنك عايز تساعدني
أعتبر دا غرور!
قطبت جبينها حين فاجأها حديثه لذا قالت بإستفهام
تقصد إيه؟
سالم بفظاظه
أنتي شايفه أنك بالاهميه إلى تخليني أخلقلك وظيفه عندي و أنا مش محتاجها فعلًا!
شعرت و كأن دلوًا من الماء قد سقط فوق رأسها جراء حديثه الخالي من اللباقه و طريقته الفظه و لعنت غباءها الذي أوصلها لتلك النقطه أمامه و للحظه لم تعرف كيف تجيبه ليفاجئها حديثه الجاف حين قال
أنا بزنس مان يا فرح. و كل حاجه عندي بحساب. مبديش غير لما أكون متأكد إني هاخد قد إلى أديته و يمكن أكتر كمان! و دلوقتي عايز قرار هتشتغلي هنا ولا تصرفي نظر عن الشغل خالص!
كانت نظراته ثاقبه و هو يشدد على كل حرف يتفوه به و لا تعلم لما شعرت بأن كلماته يتقصد بها معانً آخري لذا قررت الوقوف أمامه و عدم الإنصياع لأوامر ذلك المتغطرس فقالت بقوة
هو معني إني مشتغلش معاك إني مشتغلش في أي مكان تاني؟
أجابها بمنتهي الثقه
فرصتك تقريبًا معدومه. و إحنا قولنا قبل كدا الأسباب!
فرح بحنق
خلينا نتكلم بصراحه و نقول أنك مش هتخلي حد يشغلني صح و لا أنا غلطانه!
سالم بسلاسة
أعتبريه كدا؟
توقع ثورة عنيفه من جهتها أو حتى أن تطالبه بمعرفه الأسباب و لكنه تفاجئ بها تأخذ أحد الأقلام و تقوم بملئ الورقه بما هو مطلوب و قامت بوضعها أمامه قبل أن تقول بهدوء
و أنا قبلت الشغل!
أوشك على الحديث و لكنه تفاجئ عندما أخذت القلم
وضعته في جيب بنطالها قبل أن ترفع رأسها إلى عيناه المستفهمه و هي تقول بسلاسه.
خليه معايا ذكري! عشان لما تعدي السنين و أنسي إني شفتك أو إني جيت المكان دا يبقي في حاجه تفكرني! عن إذنك
قالت جملتها الأخيرة بنبرة أشبه بالتهديد و كأنها تخبره أنها ذات يوم ستتخلص من سطوته و سيطرته و سيصبح ذكري منسيه تحتاج لشئ لتتذكرها و لدهشته شعر بشئ بداخله يستنكر حديثها و بشدة.
توقفت حلا أمام القاعه فهي لا تريد حضور تلك المحاضرة الثقيله على قلبها لذلك المعيد المغرور الذي لا تتقبله أبدًا و تتمني لو أنها لا تراه مُطلقًا فقد كان في نظرها مُتعجرف مُستفز يفتقر الأدب و الذوق فهي لم تنسي ذلك اليوم حين ذهبت لتعتذر منه ليتجاهل إعتذارها بغطرسه أغاظتها و لهذا كانت تتجنب محاضراته و لكنها تفاجئت من إحدي زميلاتها تراسلها على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي و تُخبِرها بأنه هناك إختبار غدًا فازداد غضبها منه أكثر فهذه الايام هي في أسوء حالاتها ولم تبدأ بقراءة حتى مقدمه الكتاب لتجده يقوم بعمل إختبار!
كانت تقف أمام الباب الرئيسي للقاعه غارقه في أفكارها والتي كانت جميعها منصبه فوقه لتجد الكلمات تخرج من فمها بصوت عال
واحد غبي أصلًا!
لم تكد تنهي جملتها حتى تفاجئت من ذلك الصوت خلفها والذي قال بنفاذ صبر
ياريت تقفي تكلمي نفسك على جمب يا آنسه عشان ورانا محاضرة!
صُدِمت حين سمعت صوته خلفها و كأنه شبح قد ظهر من العدم و لكن ما أن تجاوزت صدمتها حتى ظهر الإحراج جليًا على ملامحها ما أن أستمعت لجملته و حل محل الإحراج الغضب حين رأته يُناظرها بحدة لتتنحي من أمام الباب حتى تفسح له المجال للدخول و هي خلفه تتمتم بحنق
والله إنك غبي و حمار كمان. أبو تقل دمك!
ما أن وصلت إلى مقعدها حتى سمعت صوته الجهوري في مكبر الصوت يقول بنبرة قاطعه.
آخر مرة حد يدخل ورايا القاعه. ياريت الكل يعرف مواعيده و يلتزم بيها. مش هكرر كلامي تاني!
إلتفتت الأعناق تُطالِعها خِلسه بينما إزدادت الهمهمات حولها فتمنت لو أن الأرض تنشق و تبتلعها في تلك اللحظه و هي تري كل هذه العيون تُحدِق بها فغمغمت بخفوت من بين أسنانها
إلهي تنشك في لسانك يا بعيد.
فجأة رفع رأسه يطالعها فبرقت عيناها من أن يكون قد سمعها و لكنها وبخت نفسها لغبائها فكيف له أن يسمعها و كل هذه المسافه تفصل بينهم.
زفرت بحنق و قامت بإخراج إحدي أوراقها و مرت نصف ساعه و هي تحاول حل هذا الإختبار الغبي الذي يُشبه صاحبه كثيرًا و الذي خرج ليُجري مكالمه هاتفيه فانطلقت الهمهمات من حولها و بدأ الجميع بتراشق الأوراق التي تحوي على إجابات بعض الأسئله و كانت هي تنظر اليهم بتحسر فهي لم تتعرف على أحد سوي بعض الفتيات و علاقتها بهم سطحيه لهذا شعرت بالحرج من أن تطلب منهم أي شئ لذا وضعت رأسها في الورقه أمامها في محاوله منها للتركيز حتى تتمكن من إنهاؤه و لكنها تفاجئت بأحدهم يُلقي عليها أحد الأوراق ففتحتها لتنظر إلى ما بها و ما أن قرأت كلمتان حتى تفاجئت بذلك الخيال الضخم يقف خلفها قائلًا بصوته الجهوري و نبرته القويه.
يا غشاشه!
كانت كلِماتهم كهجوم إرهابي كاسح على قرية جميع سُكانها أعزل فلكم أن تتخيلوا بشاعه ما فعلوه!
أنا سما. بنت عم حازم و خطيبته!
برقت عيناها للحظه من كلِمتها الأخيرة التي جعلتها ترتد خطوة إلى الخلف و هي تقول بعدم فهم
نعم! خطيبته!
اجابتها سما بلهجه تقطر حقدًا
أيوا خطيبته إلى دمرتي حياتها. و خطفتي منها حبيبها و كنتي السبب في موته! لا و مكفكيش كل دا دانتي بكل بجاحه جايه ترمي بلاكي علينا و تلبسينا عيل مش أبننا و كل دا عشان إيه! عشان تورثيه!
أخرسي!
جاءت صرخه غاضبه جمدت الفتاة بمكانها و كأن دلوًا من الماء المثلج سقط فوق رأسها و لكن كانت مفاجأة «جنة» أكبر حين رفعت رأسها و رأت السيده «أمينه» والدة حازم التي سمعت تلك الكلمات المسمومه التي ألقتها «سما» على مسامعها فامتقع وجهها و لأول مرة تجد نفسها غير قادرة على النطق و لا حتى الدفاع عن طفلها فقط تساقطت عبراتها دون أن تشعر لتتقدم منهم «أمينه » التي ناظرت سما بغضب قبل أن تقول بتوبيخ.
جرا إيه يا بنت همت. أتجننتي خلاص! إزاي تقولي إلى قولتيه دا! فكرتي أن البيت دا معادلوش كبير يحاسبك!
صُدٌمت سما من حديث أمينه الذي لم تتوقعه فخرجت الكلمات مبحوحه من بين شفتيها المُرتجفتين
بنت همت! دلوقتي بقيت بنت همت يا ماما أمينه مش كنتي بتقوليلي يا مرات أبني!
أهتزت حدقتيها و شعرت بأسهم ناريه تنغرز بقلبها لدي سماعها حديث سما ولكنها تجاهلت ذلك كله و قالت بقسوة.
↚
أبني إلى بتتخانقي عليه دا راح للي خلقه. و إلى بتغلطي فيها دي مراته و أم إبنه. و إياكِ أسمعك بتقولي حاجه غير كدا فاهمه!
شيعتها سما بنظرات الخسه قبل أن تقول بحنق من بين قطراتها
فاهمه. فاهمه يا مرات عمي!
هرولت سما إلى الداخل مُنتحبه بينما إلتفتت «أمينه» إلى جنة تُناظرها بتعالي و غضب قبل أن تقول بتوبيخ.
شوفتي بقي دخولك في حياتنا عمل فيها إيه؟ دمرتي حياة أبني و ضيعتي مني بنتي التانيه و دمرتيلها حياتها هي كمان!
كثرة الضغط يولد الإنفجار و هذا هو حالها لدي سماعها كلمات «أمينه» و للحظه شعرت بغضب هائل داخلها فتجمدت العبرات بمقلتيها و قست ملامحها قبل أن تقول بحدة.
أنا مضربتش إبنك على أيده يا حاجه. إبنك أتجوزني بإرادته و بكامل قواه العقليه على فكرة. و ياريت تفتكري الكلام إلى أنتي لسه قيلاهولها دلوقتي. إني مراته و أم إبنه الحاجه الوحيده إلى بقيالك منه!
كانت نبرتها تحمل تهديدًا صريحًا لم تُخطئ «أمينه» في فهمه بل توسعت عيناها بدهشه فتلك الفتاة ليست بالسهله على الأطلاق و لكنها ستُلقِنها ما تستحقه. ما أن أوشكت على الحديث حتى تفاجئت بصوت قوي ذو نبرة قاسيه أتي من خلفها
صوتك ميعلاش و أنتي بتتكلمي مع الحاجه أمينه الوزان!
جفلت جنة حين رأته قادم تجاهها و قد قست ملامحه و نبرته عن ذي قبل فاهتز جسدها لثوان فهي لم تكن تقصد ما تفوهت به بل كانت تُريد نفي تلك الإتهامات الباطلة التي توجهت لها و إذا به يظهر من العدم و كأنه اختار هذا الوقت تحديدًا ليأتي و يسمع ما تفوهت به ليضيف إلى كرهه لها سبباً آخر.
أخذت نفسًا طويلًا قبل أن تلتفت إلى أمينه التي كانت تطالعها بغضب فتجاهلته و قالت بنبرة مهزوزة بعض الشئ.
أنا ماخترتش آجي هنا بإرادتي و زي ما الوضع مفروض عليكوا مفروض عليا. و صدقيني لو خيروني هختفي خالص من حياتكوا إلى دمرتها دي.
أوشكت العبرات أن تخونها و تسقط في تلك اللحظه و لكنها تماسكت بصعوبه خاصةً عندما وجدته تقدم ليقف أمامها بجانب والدته التي قالت بإستياء
المطلوب منك تحافظي عالي في بطنك و متتعرضيش لسما بأي شكل من الأشكال. و خليكي فاكرة أن لكل شئ نهايه!
رغبه عنيفه في البكاء تملكتها بتلك اللحظه فهي لم تتطاول على أحد بل تلك الفتاه من أهانتها حتى أنها لم ترد عليها و لو بحرف و الآن هي المذنبه!
لم تغفل أيضا عن ذلك التهديد الخفي من جملتها الأخيرة فارتفعت يدها تضعها فوق بطنها تلقائيًا و كأنها تحمي صغيرها و من بين ضعفها الذي كاد أن يسقطها في تلك اللحظه ظهرت نظرات تحدي في عيناها و كأنها تحذرها من مغبة المساس بصغيرها لتقابلها «أمينه» بنظرات غامضه قبل أن تطوف بعيناها فوق ملابسها الغير مناسبه للظروف الراهنة و قالت بإحتقار.
ناقصك كتير عشان تبقي من العيله دي! لكن طول مانتي عايشه هنا تلتزمي بقوانينا و أولها بلاش اللبس المسخرة دا أنتي المفروض أرمله و جوزك لسه مبقلهوش أربع شهور ميت. على الأقل إظهري شويه إحترام لذكراه.
زادت حدة تنفسها و شعرت بألم حاد يطحن عظامها و قد تجلي كل هذا بعيناها التي غطتها طبقه كرستاليه من الدموع لتتفاجئ به يتدخل فقد تقلصت معدته ألمًا لمظهرها و خوفا من تكرار الكارثه مرة آخري فقال بصوت خشن.
خلاص يا ماما. مالوش لازمه الكلام دا!
ألتفتت أمينه إليه بسخط قبل أن تغادر و هي تتمتم بكلمات غاضبه و ما أن غادرت حتى فرت دمعه هاربه من طرف عيناها سرعان ما مسحتها و هي تتأهب للمغادرة و ما أن مرت بجانبه حتى وجدت يده توقفها ممسكه بمعصمها قائلًا بلهجه آمره
أستني!
عند هذا الحد لم تستطع التحكم بأعصابها التي أنفلتت فانتزعت يدها من قبضته بقوة و ألتفتت تقول صارخه و الدمع يقطر من مقلتيها كالأنهار.
نعم. في إهانات تانيه لسه عايز تقولها.
تصاعد غضبه حتى إسودت عيناه و لكنه تحكم بنفسه بصعوبه قبل أن يغمغم بخشونه
وطي صوتك و بطلي عياط.
إمتدت يداها تمسح دموعها بعشوائيه و بقوة تركت آثارها على وجنتيها و هي تقول بغضب
مبعيطش. و حتى لو بعيط ميخصكش!
زمجر بقسوة
أنا مانع نفسي عنك بالعافيه. متخلنيش أفقد أعصابي.
هتعمل إيه معملتوش. معتقدش أن في حاجه ممكن تأذيني أكتر من كلامك إلى زي السم إلى بتسمعهولي كل مرة تشوفني فيها! ااااه. تقريبا في إهانه جديدة عايز تضيفها! مانا قليله الادب و معرفش في الزوق و لا أعرف يعني إيه عيب و مليقش بعيلتكوا و مصلُحش أكون منكوا و حد مش محترم ومستهترة. تفتكر في حاجه في قاموس الإهانات لسه موجهتهاش ليا!
خرجت جملتها الأخيرة بضعف غير مقصود نابع من إنكسارها و عمق وجعها بينما شعر هو بمشاعر شفقه خائنه تسللت إلى قلبه على تلك التي ترتجف كورقه في مهب الريح بينما تتعرض لكل تلك الإهانات منهم دون رحمه! هذه كان حديث قلبه الذي أثار غضب عقله فنهره بشده قائلًا أي رحمه تستحقها تلك الأنثي الأفعى التي تسببت في هلاك أخيه الأصغر و هلاكهم من بعده.
بينما هو عالق بذلك الصراع الداخلي كانت ملامحه تشتد قسوة و قتامه أرهبتها فهمت بالمغادرة حين أتاها صوته الغاضب قائلًا
أنتي كنتِ عارفه أن حازم خاطب قبل ما ترتبطي بيه؟
إلتفت بلهفه صادقه تجلت في نبرتها حين أجابته
والله ما كنت أعرف. أول مرة أعرف كانت دلوقتي.
أطلق زفرة حادة من جوفه قبل أن يقول بجفاء.
من النهاردة محدش هيتعرضلك بأي كلمه وحشه و لا حتى أنا! و في المقابل تحافظي على إلى في بطنك و تعرفي أنه روح مسئوله منك. و أنه طوق النجاه إلى نجاكِ من حبل المشنقه!
جنة بقوة
دا أبني هحميه بروحي. و مش مستنيه منك تطلب مني دا!
كانت عيناه تطالعها بغموض أربكها و لكن حزنها الداخلي طغي على كل شئ حين قالت بوجع دفين
و بالنسبه لحبل المشنقه فهو أتلف حوالين رقبتي من زمان!
ألتفتت تغادر و دمعها يسبقها بينما تركته في صراعات مريرة ما بين كرهه لها و خوفًا عميقًا لا يعرف سببه من أن يكون إنسانًا ظالمًا و تكون هي ضحيه بطشه.
في الداخل كانت «سما» تبكي بإنهيار بين أحضان «حلا» التي كانت تحاول تهدئتها بشتي الطرق فقد كانت تشعر بألمها فهي شقيقتها منذ أن أبصرت تلك الحياة و لا تتحمل أن تراها بهذا الإنهيار
فيها ايه زيادة عني يا حلا؟ حلوة شويه؟ طب مانا مش وحشه! حبي له كان كفيل يعوضه عن أي حاجه ناقصاني. دانا كنت بعشق التراب إلى بيمشي عليه. دانا كبرت على حبه. ازاي يعمل فيا كدا؟
شددت حلا من إحتضانها و هي تشاطرها البكاء حزنًا عليها و تأثرًا بحالتها و غضبًا من كل ما يحدث حولها و لكنها حاولت التخفيف عنها بكل ما تستطيع إذ قالت بحنان
وحياتي عندك يا سما متعمليش في نفسك كدا. حازم كان بيحبك أنتي و عمره ما كان هيلاقي أحسن و لا أجمل منك. هي التعبانه دي إلى تلاقيها لفت عليه و وقعته في حبالها. أنتي مينقصكيش حاجه أبدًا.
رفعت سما رأسها كغريق تعلق بطرف خيط ظن بأنه نجاته من بحر العذاب الذي يكاد يبتلعه فقالت بلهفه
أيوا صح. كان بيحبني أنا. هي إلى ضحكت عليه. هي إلى سرقته مني. هي السبب في حرقة قلبي دي يا حلا. هي السبب
رددت حلا خلفها بغضب و حقد
أيوا هي السبب و أنتي أوعي تسمحيلها تفكر أنها انتصرت عليكي. لازم تعرفيها مقامها كويس.
سما بحزن بالغ.
إزاي يا حلا. دانتي لو شوفتي مرات عمي كسرتني قدامها إزاي و بهدلتني. دانا عمري ما هقدر أرفع عيني في عينها أبدًا!
حلا بإنفعال
لا هتقدري. هي مين الجربوعه دي أصلا! أنا هعرفها مقامها بس أصبري عليا.
أقتحمت همت الغرفه بعينان تقطران غضبًا و قالت بصوت قوي
سيينا لوحدنا يا حلا!
في الأسفل كان الجميع بغرفه الجلوس و قد كان الجو مشحون بشتي أنواع المشاعر التي تسيدها الغضب من جانب كل الأطراف. و لكن الجميع كان مُجبر على إلتزام الهدوء وفقًا لقواعد و قوانين صارمه لعينه من وجهه نظر «فرح» التي لم تكن مرتاحه أبدًا لتحديق الجميع بهم بتلك الطريقه و «جنة» التي كانت تتمني لو أنها تستفيق من هذا الكابوس الذي أجتاح حياتها كإعصار حتى حطامها لم ينجو منه.
دلفت همت إلى الداخل بوجه متجهم و عينان قاتمه عرفت طريقها على الفور إلى هاتان الفتاتان التان تجلسان على الأريكه بمنتصف الغرفه على يمينهم «أمينه» على مقعدها المخصص لها و بجانبها «سالم» الذي كانت معالمه كالعادة لاتُفسر و أمامه «سليم» الذي كان الغضب يتجلي في عيناه التي لا تهدأ أبدًا و قد ألقت تحيه مقتضبه بينما تتوجه لتجلس بجانبه فتولت «أمينه» مهمه تعريفهم إذ قالت بفظاظه.
مش تسلمي يا همت على مرات حازم و أختها!
لم تتغير ملامحها القاتمة و لكن تخللت نبرتها السخريه إذ قالت
مرات حازم هنا بقالها أسبوعين و لسه فاكرة تيجي عشان نسلم عليها!
كانت تعبانه و الدكتور مانعها من الحركه. و كان من باب أولي تروحي أنتي تسلمي عليها.
أجتاحها غضب كبير جعلها تقول و هي تنظر إلى «جنة»
من أولها تعبانه كدا. مش لسه بدري يا عروسه عالتعب و لا إيه؟
لم تتيح « فرح »الفرصه ل «جنة» بالرد إذ قالت بنبرة قويه
و هو التعب له وقت!
و أنتي مين بقي يا حلوة؟
فرح بهدوء مستفز
أسمي فرح و أبقي أخت جنة الكبيرة!
تمتمت همت بحنق
بدل الحيه طلعوا أتنين؟
بينما هزت رأسها و رسمت إبتسامه صفراء على وجهها قبل أن تقول بنبرة خاليه من الود
أهلًا.
لم تُجيبها «فرح »بل أكتفت بإماءه من رأسها أرفقتها بإبتسامه صفراء قطعها دخول «سما» التي تفاجئ الجميع من مظهرها فقد كانت ترتدي فستان أصفر به ورود بيضاء و تضع مساحيق التجميل فوق وجهها و أطلقت العنان لخصلات شعرها بلإسترسال خلف ظهرها.
في البدايه تفاجئ الجميع من مظهرها بينما تجاوزه معظمهم إلا «أمينه» التي قالت بغضب
أيه يا سما إلى أنتي لبساه دا؟
تدخلت همت قائله بإستفزاز.
ماله لبس سما يا أمينه. ماهي زي القمر أهيه
نهرتها أمينه قائله بغضب
أنا بكلمها هي يا همت. يبقي هي إلى ترد
تدخلت سما قائله بثبات
ماله لبسي يا مرات عمي.
أمينه بعتاب غاضب
قلعتي الأسود يا سما؟
تدخلت همت بتحدي
في دي تكلميني أنا يا أمينه. أنا إلى قولتلها تقلعه. فات على وفاة حازم أكتر من تلت شهور و خلاص وقت الحداد خلص. و بعدين إذا كان مراته نفسها قالعه الأسود من بدري إشمعنا سما إلى هتلبسه.
أبتلعت أمينه جمرات الغضب بداخل جوفها ما أن إمتدت يد سالم تمنعها من الحديث إذ قال بفظاظه
سيبي كل واحد على راحته يا حاجه. إلى عايز يلبس حاجه يلبسها.
أُغلِق النقاش حين دخلت الخادمه لتُخبِرهُم بأن الطعام بإنتظارهم فتوجه الجميع إلى غرفه الطعام و جلس كلًا في مقعده و جاء حظها السئ كالعادة لتجلس أمام تلك الجمرات التي تُناظرها بغضب جعل عظامها ترتعد فسرت رجفه في سائر جسدها شعرت به شقيقتها فمدت يدها تمسكها من تحت الطاوله قبل أن تقترب «فرح » من شقيقتها تقول بصوت خافت و لكنه قوي
أوعي تخلي حد يكسر عينك و خليكي فاكرة إني جمبك على طول.
شعرت «جنة» بالإمتنان لوجود شقيقتها بجانبها و رفعت رأسها تطالعها بعرفان إرتسم بعيناها فتابعت «فرح »بنبرة خفيضه
تجاهليه تمامًا و كأنه مش موجود دا أحسن عقاب ليه.
راقت لها افكرة كثيرًا فقررت العمل بها. بينما شرعت الخادمه في سكب الطعام فجاءهم صوت «أمينه» الغاضب
فين حلا؟ إزاي تتأخر على ميعاد الغدا كدا؟
أتاها الرد من خلفها فقالت حلا بإعتذار
أنا أهوة يا ماما.
أمينه بتوبيخ.
أتأخرتي ليه على ما نزلتي مش تيجي عشان تتعرفي على مرات أخوكي؟
أجابتها حلا بسخريه
والله أنا لا حضرت فرحه عليها و لا سمعته حتى بيجيب سيرتها عشان أعتبرها مراته و أهتم إني أنزل أسلم عليها!
أنهت جملتها تزامنًا مع سحبها الكرسي الخاص بها و هي تشعر بزهو الإنتصار على تلك التي أمتقع وجهها لتتفاجئ بصوت سالم الحاد حين قال موجهًا حديثه الخادمه
دادا نعمه خدي طبق حلا دخليه المطبخ و قولي لها تطلع أوضتها.
جفلت حلا حين سمعت حديث شقيقها فقالت برهبه و نبرة مرتجفه
دا ليه يا أبيه؟
سالم بهدوء
دا عقاب العيال الصغيرة إلى بتكسر كلام الكبار يا حبيبتي. لما تتعلمي تسمعي كلام الأكبر منك تبقي تقعدي معاهم عالسفرة.
ثم و دون أي حديث آخر شرع في الاكل ليحذو الجميع حذوه دون التفوه بكلمه واحده.
في إحدي الملاهي الليليه كان ثلاثتهم يجلسون بصمت كلًا منهم يحتسي شرابه غارق حتى أذنيه في أفكاره و قد خيم الصمت والوجوم مجلسهم لأول مرة و لما لا فقد فقدوا صديقهم أو لنقل صديق البعض و حبيب الآخر وكانت تلك المرة الأولي التي يتجمعوا بها بعد وفاته و قد كان ذلك بناءًا على رغبتها فالحزن كاد أن ينهيها و لكنها قررت الإنتصار عليه لذا قررت الإجتماع بهم
قطع الصمت المخيم عليهم حديثها المختنق حين قالت.
هروح أزور حازم بكرة حد هييجي معايا؟
زفر عدى بغضب تجلي في نبرته حين قال
لا ماليش في المشاوير دي.
بينما تحدث مؤمن بحزن
هتروحي تقوليله إيه إحنا كنا سهرانين إمبارح من غيرك!
خرج منها الكلام غاضبًا
يعني إيه قررتوا تنسوه! هنعيش حياتنا عادي و لا كأنه كان موجود وسطنا!
↚
الحنين هو زائر غير مرغوب به عادةً ما يأتي في الليل ليطرُق أبواب قلوب ظنت أنها إستطاعت لملمة أشلائها ليُبعثِرها من جديد.
نورهان العشري.
و كعادتي كلما أشتد بي الشوق أبحث بين رسائلنا القديمه علِ أجد مخدرًا لأوجاعي و لكن تلك المرة تعثرت برساله تشرينيه تُخبرني بها بأن يومك لا يكتمل سوي بوجودي فابتسمت بسخريه و أردت سؤالك كيف حالك بعد مرور عامًا كاملًا بدوني.
نورهان العشري.
أحيانًا يكون النوم هو الحل الوحيد لإنهاء يوم سئ أستنفذ طاقاتنا و أهلك الروح التي قاومت كثيرًا حتى بلغ منها التعب ذروته و لكن الأمر لم يقتصر على يوم واحد فقد طال حتى تخطي الاربعه أشهر منذ أن إستيقظت على خبر تلك الحادثه المشؤمه و هي بتلك الدوامه التي لم تنتهي. بل أخذت تبتلعها أكثر حتى وجدت نفسها تعيش حياة تختلف كثيرًا عن ما تمنته. بمكان لا تُطيقه مع أُناس لا يتحملون وجودهم و الأدهي من ذلك أنها مُجبرة على تحمُل كُل ما يحدث حتى تلد شقيقتها صغيرها و بعد ذلك ستبدأ معركه من نوع آخر فما شاهدته للآن من تلك العائله يوحي بأنهم لن يتنازلوا بسهوله.
كانت تنظر إلى الكلام المُدون أمامها بشرود بينما عيناها لم تمس حرف واحد من الكتاب المفتوح بين يديها. فقد كانت تود الهرب من التفكير بالقراءة و لكن لم تفلح محاولاتها فنهضت من مكانها تنوي الهروب إلى النوم فأغلقت الكتاب لتضعه مع باقي الكتب فإنفلت من بين يديها ليسقط على الأرض و تسقط منه ورقه صغيرة بحجمها كبيرة بما تحمله من مشاعر جعلت قلبها يرتجف حين رأتها و بأنامل مرتعشه إلتقطتها و قامت بفتحها و شرعت تقرأ الحروف المدونه بخط مُنمق كَصاحِبه.
وحشتيني! يومي كان طويل و ممل أوي النهاردة عشان مشوفتكيش لدرجه حسيت أنه مش هينتهي! متغبيش عن قلبي تاني. بحبك!
عِدة حروف بسيطه كانت قادرة على سحق قلبها بين طيات معانيها فمنذ أربعه سنوات كانت قادرة على أن تُحييها من قلب الحُمي التي أرهقت جسدها و أجبرتها على التغيب عن العمل لمدة أسبوع كامل و لم يُعيدها إلى صحتها سوي رسائله المُرفقة مع أزهار يعلم كم تحبها كما كان يعلم كيف يخترق جميع حصونها و يحتل قلبها و كأن عشقه كان سفينه نجاتها التي إنتشلتها من بحور الوحدة و العذاب و ظنت بأنها أخيرًا وجدت بر الأمان الذي إتضح بعد ذلك أنه سراب كان بدايه لرحلة عذاب لا يُحتمل و أن سفينه نجاتها ماهي إلا زورق مثقوب رست بكل ثقلها فوقه فأغرقها في بحور الألم الذي لا نهايه له.
دون أن تدري جعدت الورقه بين قبضتها تعتصرها بقوة كما إعتصرت الذكريات قلبها الذي للآن مازال ينبُض بالألم الذي لم تستطع السنين إخماده و كم كانت تكره ذلك الضعف الذي ينتابها حين تتذكره و هذا الحزن الذي يتسرب إلى قلبها فيُدميه و يجعل تنفسها ثقيلًا فلم تشعر بنفسها سوي و هي تجذب وشاح و تضعه فوق كتفها متوجهه إلى الخارج لتأخذها قدماها إلى ركن مُنعزل في الحديقه الكبيرة التي تحيط بها الأشجار في كل مكان فأخذت تسير بلا هوادة تنظر إلى الزهور الجميله و قد كان ضوء القمر يضئ كل شئ حولها فيعطيه مظهر ساحر إستطاع أن يُعطيها شعور بالهدوء قليلًا و قد خطف أنظارها ركن الزهور الجميله ذات الرائحه الرائعه فاقتربت تتأملها بإعجاب و مدت يدها تتلمسها بحنو و هي تتذكر كم كانت تتمني أن تُعامل مثلهن. تتمني لو تجد من يعتني بها مثل الوردة يسقيها حبًا و حنانًا تحتاجه كثيرًا. أن تشعر بأنها شيئُا ثمينًا لدي أحدهم فيضعها في إناء يحميها من بطش الزمن الذي وضعها في تلك المواقف التي تفوق قدرتها بكثير و على الرغم من مقاومتها و لكنها تتوق إلى الإنهيار على كتف أحدهم. أن تُسقِط ذلك الحِمل عن أكتافها لتستطيع للتنفس براحه و لو قليلًا.
حاسبي الشوك يعورك!
كانت تُغمِض عيناها و هي تتلمس الورود غارقه في تفكيرها دون أن تدري كم كان مظهرها ساحرًا بشعرها الذي يطير بكل مكان حولها و ملامحها التي سرقت فتنتها من ضوء القمر الذي كان يضئ تقاسيم وجهها الجميله ليأتيها صوته الحاد الذي أخترق هدوئها و سلامها المؤقت فجفلت و تحركت يدها بسرعه لتنغرز إحدي الأشواك بجلدها الرقيق فصرخت بخفوت جاذبه يدها بلهفه لتجد بعض قطرات الدماء تنساب منها و قبل أن تقوم بمسحها وجدت يد ضخمه ذو كف خشن كصاحبه إمتد ليقبض عليها بحنو أربكها فتعلقت أنظرها بإهتمامه المُنصب على يدها التي وجدتها ترتفع لتُعانق شفتيه الدافئه حين قام بوضعها فوق جرحها ليسحب الشوكه العالقه بجلدها بأسنانه فشعرت و كأنه إنتزعها من قلبها لا إصبعها! فصارت دقاتها تتقاذف بعنف داخل قفصها الصدري فيما إنحبست أنفاسها به و هي تري رأسه المُنحني على كفها و قد أزهلها ما رأت فذلك الرجل الضخم الفظ المتعجرف ينحني على كفها ليسحب شوكه أخترقته!
كان الأمر مُثير بدرجه يصعب وصفها و الأكثر حين أرتفع رأسه يُطالِعها بعيناه التي أظلمت للحظات حين قال بخشونه
مش تخلي بالك!
هزت رأسها في محاوله منها لجعله يعود إلى العمل قبل أن تقول بصوت مبحوح
عا. عادي. دا جرح بسيط.
ضاقت عيناه و هي تطوف فوق ملامحها قبل أن يقول بخفوت
و جرح بسيط يخليكي تعيطي كدا!
جفلت من كلمته و إرتفعت يدها لتجد بعض قطرات من عبراتها لازالت عالقه بجفونها فأزالتها بلهفه و هي تبتسم بتصنع قبل أن تقول بحرج
تقريبًا حاجه طرفت عيني و أنا بتمشي. بسيطه يعني متاخدش في بالك!
ظلت نظراته مثبته عليها قبل أن تلوح بهما بسمه ساخره وكأنه يخبرها بأنها تكذب و لكنه أجابها مُغيرًا الموضوع
إيه إلى مخرجك دلوقتي في البرد دا؟
بهدوء أردفت
كُنت زهقانه قولت أشم شويه هوا!
أختارتي المكان الصح! مزرعتنا هواها يرد الروح!
ناظرته بإندهاش دام لوهله فقد بدا مُسالمًا هادئًا على غير عادته و لكنها سيطرت على دهشتها إذ قالت بتأييد
فعلًا المزرعه حلوة أوي شبه الجنة بالظبط. و هواها جميل و نقي.
أرتفع إحدي حاجبيه تزامُنًا مع كلماتها التي خرجت منها دون وعي مُتأثِرة بالمظهر الخلاب المُحيط بهم لتجد صوته الساخر قد عاد إلى طبيعته حين قال
غريبه! مع إن دا مكنش رأيك الصبح!
إغتاظت منه و لكنها قررت المواجهه فقالت بتقريع
أنت عارف رأيي دا كان بناءًا على إيه!
على إيه؟
هكذا أجابها بتحدي فتجاهلت غضبها المتصاعد و قالت بهدوء ظاهري
أنت أذكي من إنك تسأل السؤال دا!
لم تُمهله الوقت للإجابه فسارعت بالقول
مقولتليش أنت إيه مخرجك في البرد دا؟
هل يُخبرها بأنه رآها تهرول في الحديقه كتائه ضل طريقه بمنتصف صحراء قاحله و أراد أن يكون هو وجهته!
هل يُخبرها بأن مظهرها و هي تعدو كالفرس الجريحه هنا و هناك كان أكبر من قوته على التحمُل و أجبره للخروج لرؤيتها أمامه مجردة من جميع أسلحتها و حصونها؟
هل يُخبرها بأن حديثها صباحًا عن إحتمالية نسيانها له ولدوا شعورًا قويًا داخله بغرس ذكري له بداخلها أكبر من مجرد قلم ليُذكِرها به!
كنت زهقان فقولت أخرج أتمشي شويه! و بصراحه شكل القمر النهاردة لا يقاوم.
كان يتحدث و عيناه مُسلطه على ملامحها بقوة و كأن الحديث موجه إليها لتشعر بموجة برد قويه تجتاح جسدها من تلك المشاعر التي ضربتها كعاصفه جراء نظراته فامتدت يدها تلقائيًا تحاوط كتفها و التي تجمدت حين شاهدته يقوم بخلع معطفه مقتربًا منها خطوتان و قام بوضعه حولها فغزت رائحتها الشهيه أنفه لتُثير بداخله رغبه عاتيه في الإقتراب أكثر و إستنشاق عبيرها أكثر. كانت رغبه مجنونه و لكنها مُثيرة بدرجه لم يختبرها مسبقًا و الأكثر إثاره عندما رآي إنعكاس رغبته بغابات عيناها الجميله التي لأول مرة يلمح بها هذا الإستسلام و كأن المقاومه أهلكتها و صدمه فرار قطرة هاربه من طرف عيناها جمدته بمكانه حين رآها تسير فوق خدها لتستقر على يده الممسكه بالمعطف حولها و كأنها سقطت فوق قلبه فخرجت الكلمات من بين شفتيه دون وعي.
فرح! أنتي بتعيطي؟
أخرجتها كلماته من بحر شرودها فإندفعت خطوتان إلى الخلف و إمتدت يدها بلهفه إلى عيناها تمحو بصمات ضعفها أمامه و هي تقول بإندفاع
ما قولتلك عيني مطروفه.
قامت بخلع معطفه و ناولته إياه قبل أن تتمتم بخفوت و تلعثم
ميرسي مش محتجاه. أنا هدخل بقي الوقت أتأخر. عن إذنك
أوشكت على الإلتفات فوجدت قبضتة القويه التي أوقفتها بمكانها و هو يُزمجِر بخشونه
أنتي في حد في حياتك؟
توقفت لثوان تحدق به بصدمه تحولت لغضب و هي تقول بجفاء
بتسأل ليه؟
متجاوبيش على سؤالي بسؤال!
هكذا أجابها مُغتاظًا فاستمهلت نفسها قبل أن تنزع يدها من بين قبضته و تُجيبه ببرود مستفز
تمام. الإجابة دا شئ يخصني.
برقت عيناه من الغضب الذي أخفاه خلف ستار من السُخريه التي تجلت في نبرته حين قال
مكنتش متوقع منك غير كدا!
تقصد إيه؟
أنتي فهمتي إيه؟
متردش على سؤالي بسؤال!
بدا مُستِمتعًا بشجارهم إذ وضع يديه بجيوب بنطاله و هو يقول بتسليه
براحتي! زي مانتي بتلفي و تدوري و تهربي براحتك.
مبهربش على فكرة. من حق أي حد أنه يحافظ على خصوصياته
هكذا أجابته ليشتعل الحنق بداخله محل التسليه فضيق عيناه قبل أن يقول بلامبالاه مصطنعه
آه طبعًا عندك حق. عمومًا دا كان مجرد سؤال عابر. مش ذات أهميه!
أغضبها الآن كثيرًا لذا أرادت أن ترد الصاع صاعين فقالت ببرود.
أعذرني في إسلوبي بس أنا من النوع إللي مبيعرفش يفتح قلبه لأي حد. و دايمًا أسراري بحب أحتفظ بيها لنفسي
أخذ نفسًا حادًا قبل أن يقول بفظاظه
حقك طبعًا! بس نصيحه مش كل حاجه هايفه الإنسان يعتبرها سر يستاهل يقفل قلبه عليه.
إغتاظت من حديثه و ما أن أوشكت على الرد حتى فاجأها عندما التفت إلى الجهه الآخري قائلًا بفظاظه
يالا عشان وراكي شغل بكرة بدري. مش عايز تأخير من أول يوم!
ذلك الوغد لا تعرف عدد المرات التي أشتهت ضربه بحجر فوق رأسه حتى تُشفي نيران غضبها منه.
في الصباح كانت تغلي من الغضب و إنعدمت قدرتها على التحمل و الإنتظار أكثر لذا إتخذت قرارها و توجهت إلى مكتبه و قامت بدق الباب مرتان قبل أن تقوم بفتحه دون الإنتظار أن يسمح لها بالدخول و ما أن أطلت برأسها من الباب حتى توقفت أمامه قائله بنبرة طفوليه مُتذمِرة
أظن أنا من حقي أدافع عن نفسي!
كان ينظُر إليها بصدمه سارع بإخفائها خلف جدار من الصمت الذي لا يُفسر و لكن من الداخل تحولت صدمته إلى رغبه قويه في الضحك فقد كانت كطفله تتذمر من عقاب والدتها الذي تظنه غير منصف!
و إلى له حق بيطلبه بالشكل الهمجي دا؟
هكذا أجابها بلهجته الجليديه كعادته لتقترب إليه مكتبه ناظره إليه بغضب كبير و هي تقول بإنفعال
ماهو حضرتك مدتنيش فرصه إمبارح أدافع عن نفسي و سحبت مني الورقه قدامهم كلهم و قولت عليا غشاشه!
↚
قالت جملتها الأخيرة بنبرة أوشكت على البكاء الذي كتمته بصعوبه بينما نطقت جميع ملامحها به فشعر بالشفقه عليها و لكنه تابع بجمود
مش مفروض كبرتي على موضوع العياط دا!
حلا بحنق
معيطش على فكرة!
بس شكلك بيقول إنك دقيقه كمان و هتنفجري في العياط زي العيال الصغيرة. و أنا بصراحه معنديش خُلق للجو دا!
إندفع الغضب إلى رأسها و هي تسمع حديثه فإندفعت تقول بحنق مكتوم.
أولًا أنا مش عيله صغيرة. ثانيًا معيطش و لا ناويه أعيط. أنا جايه أتكلم مع حضرتك و أوضح سوء التفاهم إلى حصل!
ياسين بتسليه
إذا كان كدا. يبقي أتفضلي أقعدي.
أقتربت منه و جلست على المقعد أمامه و قامت بوضع هاتفها على المكتب بينما أخذت نفسًا طويلًا قبل أن تلتفت إليه لتُحاول شرح ما حدث و لكنه فاجأها حين قال بإستفزاز
ها قوليلي كنتي بتغشي ليه و مذاكرتيش!
تصاعد غضبها للحد الذي جعلها تقول بإنفعال.
مكنتش بغش هقولها للمرة الكام عشان حضرتك تصدقني!
أصدقك و أكذب عنيا مثلًا!
أجابها ببرود لتقول برجاء
أحيانًا مش كل إلى بتشوفه العين بيبقي صح. في مُلابسات للموضوع لو عرفناها هتوضح الرؤيه و هنغير رأينا.
ياسين بتسليه
جميل! و مقولتيش الكلام دا لنفسك ليه و إنتي بتزعقي في مكتبي و بتقولي عليا حرامي!
إغتاظت من حديثه فقالت بحدة
الوضع كان مختلف أنا فوقت لقيتك بتفتش في شنطتي!
على أساس إني مقفشتكيش ببرشام في إيدك في نص إجابات الإمتحان إلى كان قُدامك!
صمتت للحظات قبل أن تقول بنبرة تتنافي تمامًا مع حدتها مُنذ قليل
وربنا ما بتاعتي. أنا كنت قاعدة في أمان الله لقيت الورقه دي طارت جت في إيدي. حتى معرفش مين إلى حدفها!
ياسين بسخريه
يمكن تكون السما بتنقط برشام! أو تكون حست إنك محلتيش أي حاجه خالص فحدفتها عليكي مثلًا!
إغتاظت من حديثه و لكنها لم تستطع سوي أن تقول بجمود.
يعني أفهم من كدا أن حضرتك مش مصدقني؟
ياسين ببراءه مفتعله
الحقيقه يا آنسه حلا كلامك غير مُقنع بالمرة!
هبت من مكانها و قالت بغضب
على فكرة بقي حضرتك من ساعة الموقف إلى حصل دا و أنت مستقصدني و أنا عارفه. بالرغم من إني عرفت غلطي و جيت أعتذرت بس حضرتك بردو مُصمم تحُطني في دماغك. بس أقولك مش مهم ربنا مبيرضاش بالظلم و أقولك كمان حسبي الله ونعم الوكيل هيه.
ألقت كلماتها دفعه واحده و قامت بإنتزاع الهاتف و توجهت إلى الخارج بإندفاع و غضب كان من المفترض أن يُغضبه و لكنه على العكس تمامًا قد شعر بالتسليه فهو منذ أن رآها أول مرة قد أعجبته بملامحها الجميله الحزينه حتى أنه كان يتقصد الإحتكاك بها بصورة تبدو على أنها صُدف و كان يوجه لها النظرات خِلسه فقد كان مُنجذبًا بطريقه ما إليها ولكن اليوم كان لملامحها المُشتعِله الغاضبه و قع خاص على قلبه الذي شعر به لأول مرة يدق بإنفعال هكذا.
أخرجه من شروده تلك النغمه الغريبه على أذنيه فنظر إلى الهاتف أمامه فوجد رقمًا غريبًا فأخذ يقلبه بين يديه بإندهاش و ما أن إنقطع الرنين حتى قام بفتح الهاتف ليتفاجئ بصورتها الجميله التي تزين شاشته و لكن كان بجانبها شخص آخر يلتصق بها بقوة جعلت الغضب يندفع إلى أوردته فبرزت عروقه من فرط الصدمه.
كانت جنة عائدة من الإسطبلات صباحًا بعدما سرقت بعض الدقائق مع مُهرتها المُفضلة و التي أحبتها كثيراً و قد قررت أنها ستزورها في الصباح حين يكون الجميع نيام و قد نفذت مُخططها من اليوم و ذهبت صباحًا لرؤيتها و تمضيه بعض الدقائق معها وها هي عائدة تحاول الإستمتاع بنسيم الصباح العليل لتتفاجئ بهذا الصوت البغيض الذي لوث الهواء حولها
شيفاكي عماله تروحي و تيجي في المزرعه و لا أكنك بقيتي من أصحابها!
توقفت «جنة» على مضض و هي تسمع صوت تلك الفتاة التي تكرهها بقدر كُرهها لبقائها معهم و لكنها لن تسمح لها بإهانتها و إهانه طفلها لذا ألتفتت تُطالِعها بقوة بينما كانت نظرات «سما» تقطُر كُرهًا تجلي في نبرتها حين قالت
أستأذنتي قبل ما تقضيها جري هنا و هنا؟ و لا أنتي مش واخده عالأدب واخده انك تفرضي نفسك عالناس و بس.
سحبت نفسًا قويًا بداخلها قبل أن تقول بغضب مكتوم.
أنا مبفرضش نفسي على حد. لو أنا جيت أعيش هنا فدا بعد مُحايله كتير. و أظن حتى إني لو مفروض أستأذن قبل ما آجي الإسطبل فأكيد أنتي آخر واحده هستأذن منها!
إغتاظت «سما» بشدة فاقتربت منها خطوتان و هي تقول بإحتقار.
هستني إيه من واحده بجحه زيك! أنا يا حبيبتي بنت من بنات البيت دا طول عمري مُعززة مُكرمه فيه و الكل بيعملي ألف حساب. مش واحده جايه من الشارع مش معروف أصلها من فصلها. و لا معروف لها أهل و لا عيله!
بلغ الغضب ذروته فلم تعد تستطيع إحتمال حديثها المسموم لذا أشتد صوتها و زادت حدته حين قالت بقسوة.
إلى جايه من الشارع دي أحسن منك ألف مرة! و أنا ممكن أخليكي تترمي بره القصر دا زي الكلبه! لو نسيتي الحاجه عملت فيكي إيه لما فكرتي تضايقيني أنا ممكن أفكرك. و ممكن كمان أعمل إلى أكتر من كدا. ممكن أصوت و ألم الناس عليكي و أقولهم إنك حاولتي تسقطيني. و طبعًا مش محتاجه أقولك أن الكل هيصدق إنك تعملي فيا كدا. عارفه ليه؟ عشان بتكرهيني و يتغيري مني عشان حازم حبني و محبكيش!
تجمدت «سما» بمكانها جراء حديث جنة الذي أصاب صميم قلبها و لكن ما الذي يُمكِن أن ننتظره حين ندهس بكل قوتنا على جراح الآخرين فالقلب الذي ينزف وجعًا إما أن يترك الوجع يقتله أو يحيا بقتل من أوجعه و هي أختارت أن تحيا حتى لو كلفها ذلك أن تقتلها بنصل كلماتها الحادة و لكن أحدهم كان له رأيًا آخر
عشان كان غبي!
حين سمع حديثها القاسي إلى إبنه عمته التي أمتقع لونها و كادت أن تفقد وعيها فلم يستطع الصمت أكثر فقذف كلماته المُحمله بإحتقار واضح نفذ إلى صدرها كالرصاص فتجمدت في مكانها و هي تشعر بخطواته الباردة تتقدم نحوهم و هو يقول لسما بأمر
أسبقيني عالبيت!
لم يُكرر كلماته فقد كانت كمن ينتظرها حتى تجر أذيال خيباتها و هي تغادر مُنكثه الرأس و قد كان مظهرها يوحي بما تُعانيه من ألم فشعرت «جنة» بالندم لثوان و لكنها نهرت نفسها بشدة فهي أيضا آلمتها و أهانتها و هي لن تسمح بذلك أبدًا لذا ألتفتت تناظره بقوة واهيه و لم تستطع منع الكلمات من أن تخرج من فمها حين قالت بإندفاع.
طبعا كالعادة هتسمعني الكلمتين بتوع كل مرة و قد إيه أنا وحشه و مش كويسه و إني ضيعت حياة أخوك و بنت عمتك و ضيعت العيله كلها! لو جاي تقول الكلام دا وفروا على نفسك عشان حفظته خلاص!
كانت نظراته غامضه و ملامحه قاسيه كنبرته حين قال
لا مش هقولك كدا! أنتي حتى الكلمات دي عجزت أنها توصف حقارتك! وصلت بيكي الوقاحه إنك توجعيها بالشكل دا! أومال إنتي لو متجوزة زي باقي البنات المحترمين ولاد الناس كنتي عملتي إيه؟
أمتقع لونها بشدة و أنسحبت الدماء من أوردتها و تبدل توهجها إلى شحوب يوازي شحوب الأموات و شعرت بالدوار يهاجمها فقد نحر قلبها بكلماته الحادة كنصل السكين و لكنها جاهدت للبقاء ثابته على عكس نبرتها التي كانت توحي بمقدار ألمها حين قالت.
أنا محترمه و بنت ناس و يمكن دا إلى وصلني للوضع إلى بقيت فيه دلوقتي! و حقارتي دي هتشوفها فعلاً لو مبعدتش عني عشان وقتها هروح أقول للحاجه أنك أنت السبب إني كنت هسقط قبل كدا و أنك عايزني أسقط و أبقي شوف هتقولها إيه؟
أوشكت على المغادرة فما أن مرت به حتى خرجت الكلمات مصدومه مُحمله بالإحتقار
وصلت بيكي البجاحه إنك تهدديني! إنتي أزاي قادرة تكوني مؤذيه للدرجه دي! ضميرك مبيأنبكيش خالص؟
ألتفتت قائله بقوة.
زي مانتا قادر تكون ظالم و مفتري بالشكل دا!
ألتفت يُناظرها بإستنكار قائلًا
ظالم و مفتري! بعد إلى قولتيه دا كله و أنا إلى ظالم و مفتري؟
جنة بغضب
أيوا ظالم و مفتري. من أول يوم شوفتني مبطلتش تهددني و تسمعني أوحش كلام من غير حتى ما تعرفني تُهمتي إيه؟ حتى دلوقتي لما سمعت كلامي معاها مسألتش نفسك للحظه أنا قولتلها الكلام دا ليه؟ كأني من الباب للطاق وقفتها و قولتلها كدا!
كان غضبها يُخفي الكثير من الألم و العذاب الذي لم تفلح في إخفاؤه نبرتها و معالم وجهها و عيناها المُتألِمه و قد شعر بشئ يأن في أعماقه و كأنما سهام حزنها أخترقت جانبًا ما بداخله و لكنه تجاهل كل هذا و قال بإستنكار
عايزة تقولي أن هي إلى ضايقتك الأول!
جنة باندفاع
دا بالظبط إلى حصل! بس أنت كالعادة مبتسمعش غير الكلام إلى يديني أنا.
كانت تشير بإصبعها أمام وجهه فأغضبه هذا كثيرًا فأمتدت يدا تعتصر إصبعها بين أنامله القويه و قال صارخًا
بطلي كذب بقي إلى يشوف منظر سما و أنتي واقفه بتكلميها عمره ما يصدق كلامك دا. ماتحاوليش تقنعيني إنك ملاك برئ عشان عمري ما هصدقك!
فجأة أنطفأ وهج عيناها و تهدلت أكتافها و ناظرته بيأس تجلي في نبرتها حين قالت.
بس أنا مش عايزة أقنعك بحاجه! أقولك. أنا وحشه! أنا وحشه أوي. أوحش بني آدمه ممكن تقابلها في حياتك. فأبعد عني أحسنلك و أدعي ربنا يقصر أيامي معاكوا و أمشي من هنا و مشوفكش تاني أبدًا.
أختتمت كلماتها بعبرات خائنه لم تفلح محاولاتها بالسيطرة عليها و قامت بإنتزاع إصبعها من بين يديه و ألتفتت مُغادرة المكان بخطً مثقله بآلام و خيبات لم يعد قلبها قادر على حملها و قد كان رأسها مُنحني لأول مرة بحياتها و هي تواصل طريقها إلى المُلحق الخاص بهم لتتفاجئ بصوت الشر الذي تحدث قائلًا
لو تعرفي أتمنيت قد إيه أشوفك موطيه راسك كدا!
↚
أحياناً نتسائل لما لا يكتفي القلب بوظيفته بضخ الدماء إلى جميع أنحاء الجسد فقط! لما يحن و يشتاق و يتألم! و يضعنا دائمًا بأمور مُعقدة تُرهق العقل و تُهلك الروح!
نورهان العشري.
أخرجت زفرة حادة من جوفها علها تُهدأ ذلك الضجيج المُزعِج الذي يملئ داخلها منذ البارحه و لم يفلح أي شئ في إيقافه. فبعد ما حدث معه و صورته لم تفارق تفكيرها أبدًا. فعلته المباغته حين لامس جرحها بشفتيه بتلك الرقه لاقت صدي كبير بداخلها لا تعلم سببه. هل يمكن لأنها جاءت في أشد أوقاتها ضعفًا و إحتياجًا! أو لتأثُرها بتلك الرسالة التي أيقظت الماضي بجراحه داخلها و لا تعلم من أين خرجت فقد كان يكفيها كل ما تمر به من صعوبات لا تعرف كيف ستواجهها و لم يكن ينقصها غزو الماضي الذي تتمني لو أنه ينمحي من ذاكرتها للأبد.
و لدهشتها أن هذا ما حدث وكأنه إنمحي! كانت في الماضي تتحاشي أي شئ يُذكِرها بما حدث حتى الشتاء صارت تبغضه لإرتباطه بذكريات مؤلمه بقدر روعتها و لكن البارحه كان حضوره طاغيًا للحد الذي جعلها تنسي أمر تلك الرساله و لم تتذكرها سوي الآن حتى أنه أحتل أحلام المنام أيضًا و هي من كانت تهرب من سطوته في اليقظه ليتربع على عرش أحلامها بلا منازع. تبًا لغروره الذي يفرض نفسه على كل شئ حولها.
زفرت بحنق للمرة التي لا تعلم عددها و أخذت تنظُر في المرآة على شكلها و قد أختارت أن تظهر بمظهرها المعتاد بهيئتها الباهته و نظارتها الكبيرة و شعرها الذي أحكمت قهره في تلك التسريحه البغيضه و إرتدت بذله سوداء مكونه من جاكت أسود و بنطال من نفس لونه و تحتهم قميص من اللون الأزرق القاتم و لم تضع أيًا من مساحيق التجميل على وجهها و قد كان مظهرها هذا يُرضيها لأنها تعلم بأنه سيُغضبه!
إيه يا فرح أنتي هتخيبي و لا إيه! يتضايق و لا يتفلق. أنتي لابسه كدا عشان نفسك دي شخصيتك إللي إخترتيها. و مش هتغيريها عشان أي حد. و هو زيه زي أي حد!
هكذا حدثت نفسها أمام المرآه بغضب و قد كان الحديث في المقام الأول موجهًا لقلبها حين شعرت بضعفه أمام ما حدث البارحه فأرادت تذكيره بألا يعطي الأمر أكثر مما يستحق.
صفعه خذلان واحدة في الحياة تكفي لجعل الإنسان يحيا المتبقي من حياته مُصابًا بداء الحذر يتجنب كل الطرق و الأشخاص و حتى الروائح التي تحمل رذاذ قد يكون مُحملًا برائحة العشق.
لو تعرفي أتمنيت قد إيه اشوفك موطيه راسك كدا!
أخترقت الكلمات قلبها لتُصيبه بالذُعر حين رفعت رأسها أمام تلك النظرات المُحمله بالكره و البغض و تلك الملامح المُحتقرة التي تحمل جرحًا كبيرًا كانت هي السبب الرئيسي به و قد شعرت في تلك اللحظه بأنها قاربت على الإنهيار بسبب كل تلك الضغوطات التي مرت عليها منذ الصباح بداية من مواجهتها مع تلك الفتاة «سما» و حديثها المسموم مع ذلك المتغطرس لتأتي هي بكل حقدها و سمومها التي تقطر من عيناها قبل شفتيها و تُكمِل مثلث الرعب حولها، و لكنها لن تجعلها تنال مُرادها و لن تعطيها إنتصارًا اليوم أبدًا.
لذا رفعت رأسها بشموخ يتنافي مع إنهيارها الداخلي و توجهت إلى حيث تقف لتقترب منها خطوتان قبل أن تقول بسخريه
بعينك! بعينك تشوفيني موطيه راسي و لا مكسورة أبدًا!
إبتسمت ساندي إبتسامه خاليه من المرح قبل أن تقول بتحدي
تراهنيني!
رُغمًا عنها تسلل الذُعر إلى قلبها و تجلي على ملامحها مما جعل «ساندي» تبتسم بشر قبل أن تقول بتهكم
إيه يا قطه بلعتي لسانك و لا إيه!
ظلت على صمتها لثوان تُحاوِل تنظيم دقاتها الهادرة و أنفاسها المُتلاحِقه خوفًا من حقد تلك الفتاة و ما تحمله في جُعبتها و لكنها قررت قطع الصمت قائله بنبرة مُهتزة
مش هتقدري تعملي حاجه. و لو فكرتي تأذيني عيلة الوزان مش هيسمحولك بدا!
ساندي بسخرية
عيلة الوزان إلى ما هتصدق تخلص منك بقرفك و بلاويكي! دول أول ما ياخدوا أبنهم منك هيرموكي زي الكلبه. و هترجعي تحت رحمتي و وقتها هصفي حسابي معاكي صح!
لم تقبل شخصيتها الحرة كل تلك الإهانات و آلمها قلبها بشدة حين ذكرت إمكانيه إنتزاع طفلها من بين يدها لذا ألقت كل شئ جانبًا و قالت بعنفوان و لهجه قويه
أخرسي! محدش يقدر ياخد أبني مني و إلى يفكر بس هاخد روحه. و الحساب إلى أنتي عايزة تصفيه دا مش معايا دا مع إلى سابك زي الكلبه و جه يجري ورايا. لما تموتي في ستين داهيه أبقي روحي صفيه معاه هناك!
تصاعد الغضب بداخلها حتى أعماها فلم تتمالك نفسها إذ قالت بصراخ.
الكلبه دي إلى هتوريكي النجوم في عز الضهر و هتخليكي تندمي ندم عمرك أنك ظهرتي في حياتها!
أقتربت منها خطوتان قبل أن تقول بلهجه خافته متوعدة
و قبل ما أموت في ستين داهيه هتكوني أنتي سبقاني! خليكي متأكدة من دا
لم تستطع إجابتها فقد أخرسها تهديدها و سهام نظراتها الحارقه التي جعلت الرعب يجتاح سائر جسدها الذي كاد أن يتلاشي و يخونها و لكن أرسل الله لها الغيث على هيئه صوت شقيقتها التي قالت بفظاظه.
أنتي إيه إلى جابك هنا!
تجمدت «ساندي» بمكانها و أخذت تُراقِب «فرح» التي تقدمت تقف بجانب شقيقتها و تُناظِرها بقسوة جعلتها تتراجع قليلًا و تقول بتوتر
أنا متعودة آجي هنا على طول و أزور أهل البيت!
فرح بفظاظة
بما إنك متعودة تيجي على طول يعني عارفه أنهم مش ساكنين هنا و أن القصر وراكي.
ساندي بغضب
أنتي مش هتعرفيني أروح فين و.
قاطعتها فرح بقوة.
لا هعرفك. لما يكون وجودك حوالين أختي بيأذيها يبقي لازم أعرفك.
لم تجد ما تقوله أمام تلك الفتاة التي تُناظرها بعنفوان و شموخ أخرسها فتابعت «فرح» بقسوة
القصر وراكي أتفضلي روحي زوري إلى متعودة تزوريهم. وإياكي تقربي من مكان جنة موجودة فيه. و خليكي فاكرة إني مبقولش كلامي مرتين!
من دون أن تتفوره بحرف واحد أنسحبت بكل ما تحمله من غضب و كره و حزن إلى حيث كانت تُشير «فرح» التي إلتفتت على إثر ملامسه «جنة» لذراعها فتفاجئت بنظرات شقيقتها التي كانت ترتجف و يُغلِفها الدمع و جاءت نبرتها ضعيفه حين قالت برجاء
أحضُنيني يا فرح!
لم تتفوه بحرف إنما إمتدت يدها تحتضنها بقوة فإنهارت «جنة» باكيه بين ذراعيها و كانت ترتجف كطفل صغير تتعالي شهقاته بين أحضان والدته فأخذت تربت فوقها بلطف إلى أن هدأت حينها تحدثت فرح بلهفه
مالك يا جنة حصل إيه؟
رفعت رأسها تُناظِر شقيقتها بإمتنان و ما أن شرعت تتحدث حتى إلتقمت عيناها ذلك الذي أتي من خلفهم و كانت نظراته مثبته فوقها بقوة أثارت حنقها فمسحت قطرتها و هي تبتسم لشقيقتها قبل أن تقول بصوت مبحوح
مفيش يا حبيبتي. عادي هرمونات الحمل بس.
لم تُرِد أن يري ضعفها فقد أخذت قرارًا بأن تبقي قويه مهما كلفها الأمر من أجل صغيرها و من أجل أن تستطيع تخطي تلك الأزمه فضعفها هو من ألقي بها إلى قاع الجحيم الذي تعيشه الآن.
فهمت «فرح» شقيقتها حين رأت «سليم» يتجاوزهم فقالت بحنو
تمام. روحي إرتاحي شويه و أنا هقولهم يبعتولك الفطار هنا.
هزت «جنة» رأسها و عيناها تُرسِل نظرات إمتنان لشقيقتها على تفهُمها و قد شعرت «فرح» بها لذا إبتسمت بلطف قبل أن تتوجه إلى ذلك القصر الكبير حتى تباشر أول يوم لها في هذا العمل الذي أقحمت نفسها فيه بغبائها.
خطت أقدامها إلى البهو الرئيسي فوجدت إحدي الخادمات فأوقفتها قائله بلطف
لو سمحتي ممكن تبعتي حد بالفطار لجنة!
كادت الخادمة أن تُجيبها و لكن صدح صوت خلفهم يقول بتهكم.
إيه هي السنيورة مش عايزة تشوفنا ولا إيه؟
رفعت «فرح» رأسها تُطالِع «همت» التي كانت تتدلي من الدرج و هي تُناظِرها بغضب فلم تُجبها « فرح »و واصلت الحديث مع الخادمة قائله بلطف
و لو سمحتي أعمليلي فنجان قهوة و هاتيهولي على أوضه المكتب.
أغضب تجاهلها تلك التي كانت تود إفتعال شجار معها عله يهدأ من نيران غضبها و لو قليلًا لذا توجهت قائله بصوت حاد.
أنتي. أنا مش بكلمك. مبتروديش ليه مفيش أي إحترام؟
كان كل هذا يحدث أمام الفتيات الثلاثه «سما، حلا، ساندي » و قد كانت نظرات الشماته تحاوطها من كل جانب فغضبت كثيرًا من أسلوبها في التحقير منها لذا قررت إيقافها عند حدها أمامهم فرفعت رأسها بعنفوان و قالت بقوة.
لما تدي الإحترام وقتها تبقي تطلبيه! دا أولًا. ثانيًا ليا إسم و أسمي. فرح. أنسه فرح عمران. ثالثًا بقي و دا الأهم. سؤالك أسخف من إني أرد عليه! عشان كدا مش هرد. عن إذنك
أوشكت على المغادرة فأوقفها حديث همت الساخر حين قالت
طبعًا هستني إيه منك غير قله أدب و قلة ذوق. الله يسامحه إللى حدفكوا علينا
تخطت وقاحتها حدود المسموح لذا إلتفتت «فرح» تُناظِرها بغضب تجلي في نبرتها حين قالت.
لو مش عايزة تشوفي فعلًا قلة الإدب أتجنبيني! و خليكي فاكرة أننا مغصوبين عليكوا أكتر ما أنتوا مغصوبين علينا. و كلها كام شهر و جنة تولد و أخد أختي و أبنها و أمشي من هنا و نرتاح و نريحكوا!
إحتدت نبرتها كثيرًا حين قالت جملتها الأخيرة حتى جفلت «همت» التي لم تتوقع أن ترد الصاع صاعين و ظنت بأنها قد تُخيفها و لكن على العكس هي من أخافتها. دام صراع النظرات لثوان قبل أن يقطعه صوت صارم جاء من الخلف.
إيه يا همت أتعودنا نعامل ضيوفنا بالشكل دا؟
إرتفعت أنظار «فرح» إلى تلك السيدة التي كانت تدق بعصاها أرضًا و هي تنزل من على السلم و عيناها مُعلقه بهم و لكنها لم تتأثر مثقال ذرة على عكس «همت» التي تراجعت للخلف و قد بان على ملامحها لمحات الخوف و تجلي في نبرتها حين قالت
أنا مقولتش حاجه؟ هي إللي ما صدقت تمسك فيا و كل دا عشان بسأل ليه جنة مجتش تفطر معانا!
إرتفع إحدي حاجبيها الجميلين بسخرية و هي تُطالِع تخاذُل «همت» أمام «أمينه» التي قالت بوقار
طولي بالك يا همت هما لسه متعودوش علينا و لا عرفوا طبعنا. بكرة أن شاء الله يعرفوه و يتعودوا عليه!
كانت تشعر بشئ مبطن بين كلماتها و أيضًا لم تكن مُرتاحه لنظراتها و لكنها تجاهلت كل شئ و قالت بنبرة قويه
و طبعكوا بيقول أنكوا تغلطوا في ضيوفكوا يا حاجه؟
لا طبعًا مين غلط فيكي؟
هكذا تحدث «أمينه» بهدوء مُثير للشك بادلتها إياه «فرح» حين قالت
الغلط عارف مكانه يا حاجه و أنتي كمان عارفاه! فمالوش لازمه الكلام. و عمومًا زي ما قولت للحاجه همت كلها كام شهر جنة تولد و نمشي من هنا و نرتاح و نريح!
قالت كلمتها الأخيرة و هي تنظر إلى «همت» و الفتيات خلفها نظرات ذات مغزى فبادلوها النظرات بآخري حانقه فأجابتها «أمينه» قائله بغموض.
متحكُميش على بكرة يا بنتي. دا لا في إيدي و لا في إيدك. دا في إيد المولي عز و جل. قادر يغير كل شئ في غمضة عين.
لم ترتاح لحديثها و لا لنظراتها و لكنها هزت رأسها قائله بهدوء
ونعم بالله يا حاجه. عن إذنك سالم بيه مستنيني في المكتب!
ما أن تقدمت خطوتان إلى غرفة المكتب حتى توقفت قائله بإستفزاز
آه. متنسوش تبعتوا الفطار لجنة. و ياريت ميتأخرش!
↚
توجهت بخطً واثقه إلى المكتب و رأس مرفوع بعنفوان أصاب الجميع بالدوار من شدة الغيظ فكان أول المتحدثين «همت» التي قالت بإنفعال
شايفه يا أمينه بتتعامل معانا إزاي؟
كانت نظراتها غامضه و ملامحها لا تُفسر حين إلتفتت إلى «همت» قائله بوعيد
الصبر حلو يا همت. بيقولوا عليه مفتاح الفرج!
دلفت إلى المكتب بعد أن سمح لها بالدخول فحاولت إرتداء قناعها المعتاد حين توجهت بخطً واثقه إلى حيث يجلس و لكنه لم يكن ينظر إليها بل كان مُنكبًا على الأوراق التي أمامه و ما أن وصلت إليه حتى نالت ساعته الثمينة إلتفاته منه تشير إلى تأخيرها فأغضبها ذلك كثيرًا و خاصةً حين قال
أول يوم تأخير 12 دقيقه بالظبط عن المعاد المتفق عليه! واضح أنك بروفيشنال فعلًا!
خرجت الكلمات حانقه من بين شفتيها حين قالت.
والله أنا جايه هنا في معادي بس.
قاطعها حديثه الصارم حين قال بفظاظة
مش عايز مُبررات و كفايانا عطله. ورانا شغل كتير!
أبتلعت جمرات غضبها حين تفوه بتلك الكلمات و توجهت إلى حيث أشار لها و أخذ يشرح لها طبيعه العمل و قد وجدته شيقًا و في مجال عملها لذا شرعت على الفور للبدأ به تحت نظراته التي كانت تتوجه إليها خلسه بين الفينه و الآخري رغمًا عنه. فقد أغضبه مظهرها كثيرًا حين رآها بذلك الزي التنكري كما أسماه و تلك النظارات التي أصبحت تُثير حنقه مؤخرًا فهو لم ينسي ليله البارحه و مظهرها الساحر تحت ضوء القمر التي كانت تُنافسه في فتنته و نظراتها التي لأول مرة يلمس بهم الضعف و الألم فقد شعر حين أقترب منها بأنها تُريد ذلك القرب و بشدة.
للمرة الألف التي يُعنِف نفسه على أفكاره تلك و يُذكرها بأن تلك الفتاة ليست ذو أهميه كبيرة بالنسبة إليه و بأنها ليست نوعه المفضل و لكن دائمًا ما يجد نفسه يعود لتلك اللحظه حين توقف أمام عيناها التي خاطبته بلغه أخترقت أعماقه و لامست وترًا حساسًا بداخله و قد تيقن بأن كل هذه القوة و الثبات الذي تبدو عليه ما هو إلا غُلاف تُحيط به ذاتها لأسباب مجهوله لا يعلمها أو ربما يتجاهلها!
فقد عنف نفسه بشدة حين إنفلت ذلك السؤال الغبي من بين شفتيه و قد كانت إجابتها سهمًا أصاب كبرياؤه في الصميم لذا أخذ قررًا بأن يتجنبها قدر المستطاع و أن يُخرجها من عقله و لكن هيهات فما أن رآي مظهرها حتى أشتعل الغضب بداخله و أخذت الذكري طريقها لعقله مرة آخري!
أتفضل شوف كدا لو في أي تعديل؟
دون أن يظهر على ملامحه أي شئ مما يجول بخاطره أخذ ينظر إلى الأوراق أمامه قبل أن يقول بفظاظة
إيدك لسه وجعاكي؟
فرح بهدوء.
لا بقت أحسن دي مجرد شوكه يعني!
سالم بتهكم
إلى يشوفك إمبارح ميقولش كدا!
فرح بتقطيبه
تقصد إيه؟
يعني شكلك دلوقتي ميقولش أن مجرد شوكه تخليكي تعيطي!
إغتاظت من سخريته و لكنها حاولت تجاهل إستفزازه حين قالت بهدوء
غريبه. شكلك ميقولش إن ذاكرتك ضعيفه!
رفع إحدي حاجبيه بأستفهام فقالت بفظاظه
أفتكر إني قولتلك أن عيني كانت مطروفه. و عشان كدا كانت مدمعه
سالم بسخريه.
و عشان كدا بتبلبسي النضارة بالرغم انك مش محتجاها. عشان عينك متطرفش!
قال جملته الأخيرة مرفقه مع نظرات ثاقبه إخترقتها بعنف و كانت تحمل معان مُبطنه و لكنها حاولت تجاهل ما يقصده و قالت بجفاء
أنا إلى أحدد إذا كنت محتجاها أو لا!
تجاهل جفاءها الذي هو دليل على خسارة وشيكه أمامه و تابع بلامبالاه
طبعًا. و خصوصًا إن الزي التنكري دا مينفعش من غيرها!
إغتاظت من سخريته المُغلفه بلامبالاه و لكن سُرعان ما تحولت غيظها إلى سعادة لحظية حين شعرت بأنها قد أغضبته بمظهرها و أرادت إستفزازه أكثر حين قالت
أهو أحسن من زي أولاد الشوارع. و كمان لايق بعيلة الوزان.
شعر بسخريتها التي أغضبته فقال بجفاء
يعني يا إما تخرجي بيجامة نوم قدام الناس كلها يا إما تلبسي زى أبله نظيرة دا!
نعم هي فين بيجامة النوم دي. أنا كنت لابسه شيميز و برمودا.
خرجت الكلمات من فمها غاضبه فبادلها هو الحديث بهدوء مستفز
إختلفت المُسميات لكن في الآخر متتلبسش غير في أوضه النوم!
زاد حنقها من حديثه المُستفِز و المُخجِل أيضًا فقد غزا الإحمرار خديها فقالت بإنفعال
معتقدش أننا هنا عشان نتناقش في طريقه لبسي إللي هي حرية شخصيه و حاجه تخصني
لم يظهر على ملامحه أي تأثُر إنما أكمل بلامُبالاه و عيناه تتابع الأوراق أمامه
عادي دا مجرد توضيح أننا مبنلزمكيش هنا بحاجه معينه.
بمعني!
يعني مش مُجبرة تتقمصي شخصيه غير شخصيتك. خليكي على طبيعتك أفضل!
أستفزها حديثه للحد الذي جعل الكلام يخرج من بين شفتيها بإندفاع
أنت ليه مقتنع أني بتقمص شخصيه غير شخصيتي و إن دا مش لبسي و لا دا شكلي مش فاهماك بصراحه؟
لم تحسب حساب له حين ترك ما بيده و تقدم يقف أمامها مباشرة و هو ينظر إلى داخل عيناها بقوة بينما يداه ترتاح بتكاسل في جيوب بنطاله مما يوحي بسيطرته على الوضع حولها و هو خاصةً حين قال بصوت مليئ بالتحدي
أنتي مقتنعه أن فرح دي هي فرح بتاعت إمبارح!
أربكتها نظراته كثيرًا و تحديه المُبطن فتسارعت أنفاسها و لكنها حاولت التماسك أمامه إذ قالت بقوة
دي فرح إللي أنا بفضلها!
قصدك فرح الجبانة!
كان تحديه يثُير شعورًا داخلها يُرهبها و كانت عيناه تكشف ما تُريد إخفاؤه لذا قالت بنفاذ صبر
حضرتك عايز إيه من كلامك دا؟
أجابها بلامبالاة
و لا حاجه. أنا بس بحب أكون صريح مع إلى قدامي.
هذا الرجل يُشكل خطراً ما عليها و هي لن تسمح بذلك لذا قررت أن تضع حدًا فاصلًا لما يحدث فاستجمعت ثباتها المتلاشي و قالت بنبرة متزنه قويه.
و أنا كمان بحب أكون صريحه مع إللي قُدامي. و عشان كدا ياريت تكون علاقتنا و كلامنا في حدود الشغل و بس. مظهري مش مجال للنقاش بينا. و لو كان مضايقك أوي كدا يبقي.
قاطعها إذ قال بفظاظه
بلاش تدي المواضيع أكبر من حجمها أكيد الموضوع مش ذات أهمية لدرجة أنه يضايقني.
أصابتها كلماته في الصميم حتى أنها شعرت بألم لا تعلم من أين أتى و لكنها حاولت تجاهله و قالت بثبات
تمام. ياريت نكمل شغلنا.
بالفعل تابعا العمل سويًا دون أي حديث خارج نطاق العمل و لكن كان هناك غصه كبيرة عالقه بحنجرتها لا تعلم سببها.
كانت ترتمي على الأريكه التي تقبع أمام النافذة و عيناها شاردة و فكرها مشوش و يدها تُعانِق رحِمها بحنان و كأنها تستمد منه القوة التي تدفعها لتُكمِل طريقها المظلم المليئ بالصعوبات و العراقيل. و الذي لا تدري إلى أين سيأخُذها؟ فهؤلاء الناس لا يُمكِن التخمين بما يفكرون و هي لن تُرهِق نفسها بالتفكير أكثر بل ستُحاول إتخاذ إحتياطاتها حتى لا تسمح لهم بحرمانها من صغيرها أبدًا.
قاطع شرودها الطرق على الباب فظنت بأنها الخادمه أتت لتجلب الطعام فلم تهتم بوضع الوشاح حول كتفيها العاريتين فقد كانت ترتدي فستان أبيض ذو حملاتان رفيعتان و به نقوش زرقاء جميله يُبرِز جسدها الرشيق الذي إزداد وزنه قليلًا بسبب الحمل فتوجهت إلى الباب لتفتحه و سرعان ما تجمدت بمكانها حين شاهدته يقف بشموخ يُناظِرها بعيناه الغاضبه دومًا و التي تحولت إلى حمراء قاتمه لا تعلم السبب الغضب أم شئ آخر و لم يُسعِفها التفكير فقد كانت الصدمه تجتاحها فظلت تُناظِره مشدوهه و هو يُبادِلها نظراتها بآخري قاتمه فقد كانت جميلة للحد الذي جعله غير قادر على التفوه بحرف و قد كانت نظراتها الصافيه النابعه من بحرِها الأسود اللامع تأسرانه بشدة أهتز لها شئ ما داخل أعماقه و لكن سرعان ما تجاهله و إشتعلت جمراته مرة آخري حين وعي إلى مظهرها فقست ملامحه أكثر و قال بغضب.
أنتي إزاي تفتحي الباب بمنظرك دا؟
أعادتها كلماته إلى وعيها فخرجت منها شهقه فزع و على الفور و دون أن تدري أغلقت الباب بقوة في وجهه و قد شعرت بالخجل يغمُرها حتى كادت أن تذوب كقطعه من السكر بكوب من الشاي الساخِن. و أخذت دقاتها تهدِر بعُنف داخل صدرها من فِرط الصدمه و الخجل.
أما عنه فلم يتوقع فعلتها للحد الذي جعله يظل واقفًا مكانه غير قادر على إستيعاب ما حدث فهل حقًا أغلقت الباب بوجهه!
تلك التي لا يعرف ماذا يُسميها تخرج بهذا الرداء الفاضح لتفتح الباب و تطيح بثباته أمام سحرها الفتاك ثم تأتي من بعدها لتُغلِق الباب بوجهه بتلك الطريقه؟
قام بصفع جبهته بعنف و ألتف عائدًا خطوتان للخلف و هو يعنف نفسه قائلًا
غبي! مكنش لازم تخبط بنفسك عليها. كان مفروض تبعتلها الخدامه تقولها أنك عايزها. أديك أديت الفرصه لوحده متخلفه زي دي تقفل الباب في وشك.
زفر بحنق و قد كان داخليًا يود أن يوبخ نفسه أكثر لتأثُره بمظهرها الفاتن الذي باغته حين وقعت عيناه عليها و لكنه قرر تجاهل كل شئ و كأنه لم يحدث و هم بالمغادرة ليتفاجئ بصوت الباب يُفتح فالتفت تلقائيًا ليجدها و قد لفت الوشاح حول كتفها و ناظرته بإستفهام تجلي بعيناها و لم تفصح عنه شفتاها و قد كان هناك إحمرارًا على خديها يوحي بمدي إحراجها من رؤيته لها هكذا لذا قرر تجاهل كل شئ و قال بلهجه حادة.
ساندي بتهددك بأيه؟!
تجمدت في مكانها لثوان حين باغتها بسؤاله الغير متوقع و ناظرته بصدمه بينما عيناه تُناظرانها بتفحص لكل همسه تصدُر منها.
طال صمتها للحد الذي جعله يقترب منها و هو يقول بلهجه فظه
لآخر مرة هسألك ساندي بتهددك بأيه؟
أخيرًا إستطاعت إخراج الحديث من بين شفتيها فقالت بإرتباك
مين قالك إنها بتهددني؟
سليم بفظاظه
مش مسموحلك تسألي مسموحلك تجاوبي و بس!
عادت جميع حواسها إلى العمل و أزداد غضبها من حديثه فقالت بتهكم
و مين إللي حط القوانين دي؟
سليم بإختصار
أنا!
جنة بجفاء
يبقي تطبقها على نفسك مش عليا!
أوشك على الحديث فسمره صرخه قويه جاءت من أمام القصر فجفل الإثنان و هرولا إلى مكان الصراخ فوجدوا «ساندي» التي وقفت مُتسمِرة و عيناها تكاد تخرج من محجريهما تُناظِر البوابه أمامها فالتفتت «جنة» حيث كانت تنظُر فإذا بالدماء تتجمد في عروقها من فرط الصدمه و ضرب عقلها سؤال مباغت و هو
هل يُعقل للأموات أن يُبعثوا من جديد!
↚
إن أردت الفوز بالجنة فعليك طرق باب الصبر. و ياله من باب بدايته طريق شاق مؤلم. فكل شئ يناله الإنسان في هذه الحياة لابد و أن له ضريبه و الإبتلاءات ماهي إلا ضرائب مُقدمه يدفعها الإنسان كلًا على حسب قدره، و أقسي تلك الإبتلاءات هي التي تُصيب القلب فتُدميه و تُهلكه و لكن أقوى القلوب من يتخذ الصبر مذهبا فيقاوم و يقاوم حتى يصل إلى النهايه و بمجرد أن يصل تنمحي جميع الآثار و الندوب التي تركتها بصمات رحلته الشاقه إلى جنة أعِدت للصابرين...
نورهان العشري.
حازم!
قالتها ساندي ب شفاه مُرتعِشه و قلب ينتفض بعُنف عندما رأت ذلك الشاب الذي لم ترٍ إلا ظهره واقفًا بجانب سيارته عندما أوشكت على المُغادرة فقد بدَا كثير الشبه بالحبيب الراحل مما أدى إلى صرخة قوية تخرج من بين شفتيها على إثرها هرول كلًا من «سليم» و «جنة» التي تسارعت أنفاسها و هدرت الدماء بعروقها بينما عيناها تطوف فوق ملامح ذلك الغريب الذي كان من ظهره يُشبهه كثيرًا للحد الذي جعلها تتساءل بصدمه.
(هل يُعقل للأموات أن يُبعثوا من جديد؟ ) و لكن ما أن إستدار حتى فوجئوا أنه لم يكن حازم و دون أن تدري شعرت بنفس قوي يخرُج من بين أعماقها بينما سمعت صوت قوي خلفها
مروان. حمد لله عالسلامه
تجاوزها و تقدم «سليم» للترحيب بهذا الغريب الذي أقترب منه يعانقه بحرارة و هو يقول بشوق
الله يسلمك يا سليم. وحشتني جدًا
أبتعد عنه «سليم» و هو يُبادله الشوق قائلًا.
أنت كمان ليك وحشه. دا مروان إبن عم حازم!
قالها «سليم» حين إلتف موجهّا نظراته لكِلا الفتاتين و إستقرت عند «جنة» التي طالعته بغضب حين شعرت بسخريته التي تجلت على ملامح وجه و كأنه يُخبرها بأن من يُحِب لا يخطئ فيمن أحب أبدًا.
لم يكد ينهي جملته حتى تفاجئ من هذا الصوت الطفولي الرقيق لتلك الفتاة الصغيرة الجميلة التي إنسلت من الباب الآخر للسيارة و إستدارت تقف بجانب «مروان» و كأنها تحتمي به فنظر إليها «سليم» بصدمه تحولت إلى عطف و إمتدت يده تُداعب خُصلاتها البُنيه المُجعدة و هو يقول بحنان
أهلًا يا ريتا. حمد لله عالسلامه.
لم تُجبه بل أكتفت بهز رأسها لترُد تحيته و إزداد إلتصاقها أكثر «بمروان» الذي إمتدت يداه تحتضنها و نظر إلى «سليم» نظرات ذات مغزى فهمها على الفور فتنحي يُفسِح الطريق و هو يقول
أدخل لماما و البنات جوه دول هيفرحوا أوي لما يشوفوك.
أختتم جملته و توجهت أنظاره إلى تلك التي كانت مُلتزِمه الصمت و لكن عيناها عكست صراع داخلي و مشاعر كثيرة أولهما الخيبه و آخرهما القهر و من دون أي حديث توجه «مروان» الذي حمل الطفله مُضيقًا عيناه و هو يُفرقها بين «ساندي» و «جنه» التي إغتاظت بشدة من نظراته الثاقبة لها و لكنها حاولت ألا تُظهِر شيئًا و توجهت بأنظارها إلى تلك التي بدَا عليها الألم الذي تجلي في تهدُل أكتافها وخطواتها الثقيلة التي كانت تجر ذيول خيبتها الكبيرة و رأسها المُنكس كشخص هزمته الحياة في أهم معاركه فلم يعد يدري ماذا عليه أن يفعل؟
للحظه أشفقت «جنة» على حالها و لكن سخر منها قلبها الذي لا زالت مرارة الغدر عالقه بثناياه.
أخرجها من شرودها صوته الخشن حين قال
ه تجاوبي على سؤالي و لا أسأله لحد تاني؟
جفلت من نبرته و مغزي كلماته خاصةً حين توجهت أنظاره إلى «ساندي» التي كانت تجلس خلف مقود سيارتها تُراقِبهما فإزدادت دقات قلبها و إرتعشت شفتيها قبل أن تقول
عايز تعرف إيه؟
«سليم» بخشونه.
أنتي عارفه كويس عايز أعرف إيه؟
زفرت بتعب قبل أن تقول بشفاه مُرتجِفه
مابتهددنيش بحاجه.
كذابه.
أنا مش كذابه!
قالتها بإنفعال فاقترب منها خطوة قبل أن يقول بتأكيد
لا كذابه. و لو فكرتي تخبي عني تبقي غبيه! عشان لو حصلت أي حاجه تأذي عيلتي تاني بسببك صدقيني مش هرحمك. أستغلي الفرصه إني جيت سألتك و جاوبيني.
زاد الثقل في قلبها و إزداد معه ألمها الكبير و لم تعُد تدري ماذا يجب عليها أن تفعل و رغمًا عنها إرتفع رأسها يُطالِع «ساندي» التي ما زالت تُراقِبهُم مما جعل قشعريرة مؤلمه تجتاح جسدها بعُنف فشفتيها لن تقدر على إخباره بما تُهدِدها تلك الأفعي و هو لا يُساعِدها بل يُزيد من عذابها أكثر بطريقته الفظة و أسلوبه العدائي الذي عهدته منه لذا لم تجد أمامها مفر من أن ترتفع يدها و تضعها على بطنها و قد كان الألم مُرتسِم على ملامحها و أقتنصته عيناه لذا قال بلهفه حاول قمعها قدر الإمكان.
تعبانه؟
إرتفعت عيناها تُطالعه بتعب تجلي على ملامحها و خرج صوتها ضعيفًا حين قالت
شويه!
زعزعت لهجتها الضعيفه ثباته للحظه و لكنه حاول التحكم في إرادته و قال بلهجه يشوبها اللين
هتقدري تمشي لحد المُلحق؟
زاد إعيائها و لم تستطع أن تُجيبه و شعرت بفوران مُفاجئ في معدتها جعلها تهرول إلى جانب إحدي أواني الزرع و تقوم بإفراغ ما في جوفها و قد كانت آناتها تُرسِل إشارات حسيه إلى قلبه الذي أجبره على التقدم نحوها حين وجدها تُحاوِل الإستناد على أي شئ بجانبها خشية أن تسقط و رغمًا عنه مد يده لتُعانِق يدها قبل أن تسقط فإلتفتت تُناظره بصدمه و قد إختلطت مياه عيناها و مياه أنفها ليُصبِح مظهرها مُذري و لدهشته لم يجفل أو ينفُر بل شعر بالشفقه على ألمها و قام بإخراج إحدي المناديل الورقيه و أعطاها إياه دون أن تحيد عيناه عن وجهها الذي تخضب خجلًا من فعلته و أيضًا من مظهرها الذي لابد أن يكون كارثي فإلتقطت المنديل منه و قامت بمسح وجهها و عيناها بينما يدها الآخري أسيرة يده و دونًا عنها أخذت تضغط عليها بشدة حين فاجأتها نوبه القيئ مرة آخري فأمتدت يده الحرة تُمسِك برسغها في محاوله صامته لدعمها إلى أن انتهت فسألها بلهجه هادئة.
بقيتي أحسن؟
هزت رأسها ببطئ دون حديث و قامت بإرجاع شعرها للخلف في حركه بدت جذابه فخطفت أنظاره إلى سواده الحالك و نعومه خصلاته الثائرة بفعل نسائم الهواء الباردة فشعر برغبه مُلحه في تهدئه ثورته و إخماد تمرده خاصةً و هي بمثل هذا الضعف تحاول جاهدة تنظيم أنفاسها المُتسارِعه بينما تسارعت دقات قلبه فقد كان مُجبرًا في البدايه على مساعدتها و لكن الآن شعر بأن لهذا الإجبار مذاق رائع أنتشي له قلبه و تنبهت له حواسه.
أخرجه من تلك الحاله الغريبه صوت الخادمه خلفهم و هي تقول بإحراج
سليم بيه. الحاجه بتقول لحضرتك لو جنة هانم تعبانه هاتها و أدخلوا جوا ترتاح.
شعرت بجسدها يثُلِج جراء حديث الخادمة فقد أيقنت بأن «أمينه» حتمًا رأتهم حتى تُرسِل إليهم الخادمه بتلك الرساله لذا سحبت يدها بسرعه من يده و هي تقول بلهفه و كأنها تنفي عن نفسها شبح أي تهمه قد تُلصق بها
لا لا أنا كويسه.
شعر هو بإرتجافها و رهبتها التي تجلت بعيونها و أيضًا علِم إلى ماذا ترمي والدته و لكنه تجاهل حديث الخادمه و نظر إليها قائلًا بإستفهام
متأكدة أنك كويسه؟
هزت رأسها و قالت بلهفه
آه متأكدة.
كانت كلماتها تتنافي مع ملامح وجهها الشاحبه و لكنه تجاهل ذلك و قال بخشونه
بم إنك كويسه يبقي تعالي عشان نفطر كلنا سوا. و بالمرة تتعرفي على مروان إلى كنتي مفكراه حازم!
قال الأخيرة بسخرية أغاظتها و قد عاد إلى عدائيته مرة آخري.
لم تجد مفر في الهروب منهم فقد حانت منها إلتفاته إلى نافذة غرفه الصالون فوجدت عينان ثاقبه تُحدِق بها في تحدً خفي شعرت به فأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تهز برأسها و هي تتوجه خلفه إلى الداخل بخطي مُرتعِشه فهي لأول مرة ستواجه بمفردها دون أن تكون بجانبها شقيقتها لذلك كان قلبها ينتفض خوفًا و كأنها كالحمل الذي أوقعه القدر بين قطيع من الذئاب المُفترِسه.
قبل أن تصل إلى غرفه الجلوس تفاجئت حين إلتفت إليها و قال بنبرة خفيضة و لكن مُحذِرة
متفكريش إن كلامنا خلص! ال عايز أعرفه هعرفه. و خليكي فاكرة إني سألتك و أنتِ هربتي!
ألقى كلماته و تركها ليدخل إلى غرفه الجلوس بينما هي توقفت لثوان تحاول تهدئه قلبها من شدة خفقاته المُرتعِبه و صارت تُردد قائله.
اللهم إنها نجعلك في نحورهم و نعوذ بك من شرورهم. اللهم اكفنيهم بما شئت و كيف شئت إنك على كل شئ قدير. و جعلنا من بين أيديهم سدًا و من خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون
أنهت دعاؤها و توجهت إلى حيث ينتظرها الجميع و.
أعلن صوت حذائها العالي الكعب عن وصول صاحبته فشعر بطنين في أذنيه و بأن دقات قلبه تتناغم مع صوت طقطقه الحذاء الذي ما أن ظهرت صاحبته حتى توجهت جميع الأنظار إليها و جميعها كانت ساخطه ماعدا ذلك الغريب الذي كان ينظر إليها بغموض سرعان ما حل محله الدهشه حين سمع حديث «أمينه» التي قالت بوقار
دي جنة مرات حازم الله يرحمه يا مروان. تعالي يا جنة سلمي على مروان إبن عم حازم.
↚
تفاجئت «جنة» من فعلتها ومن إهتمامها بتعريفها إلى هذا المدعو «مروان» الذي كان يُناظرها بصدمه أخجلتها و بجانبه «حلا» التي كانت تُناظرها بسخط فتجاهلتها و أقتربت منه و مدت يدها تُصافحه بتحفظ قائله
أهلًا بيك.
صافحها «مروان» بحرج بعدما حاول التخلص من صدمته قائلا بإرتباك.
اه. البقاء لله. معلش جت متأخرة. بس الجماعه هنا عارفين الظروف. والدتي مريضه كانسر و كان متحددلها عمليه كبيرة و مقدرتش أسبها و أنزل أحضر العزا.
إنقلبت ملامحها بلحظه فور تذكُرها ما حدث و لكنها لم تُعلِق و أكتفت بكلمات بسيطه
و لا يهمك ألف سلامه على والدتك.
تعالي يا جنة أقعدي هنا.
كان هذا صوت «أمينه» التي أنقذتها فهي كانت بمأزق لا تعلم أين تجلس و لا تريد أن تظهر بمظهر الغبيه أمام هذا الغريب و ما أن أتاها صوت «أمينه» حتى أطاعتها على الفور و توجهت إلى حيث أشارت لترمي بها الأقدار مرة آخري أمام عيناه الثاقبه مباشرةً فمقعدها كان يقابله مما جعلها تشيح بنظرها مُجبرة لتقع عيناها على ذلك الثنائي المُلتصِق الذي كان يتجاذب أطراف الحديث بصوت مُنخفِض و لكنها كانت تعلم أن هذا الحديث كان على شرفها.
إلتفت «مروان» إلى «حلا» التي كانت تجلس بجواره فقد افتقدته بشدة خاصةً في ظروف وفاة «حازم» فقد كانا هذان الإثنان مُقربان إليها كثيرًا و لم تُصدِق عيناها حين شاهدت مروان يدخل من باب القصر فسرعان ما إندفعت تُعانِقه بشوق و تجددت أحزانها بأحزانه و عادت إليها ذكرياتها السيئه مرة آخري و لكن أتت صدمه «مروان» الذي لم يكن يعلم بأمر زواج «حازم» مما جعله ينظر إلى «حلا» قائلًا بصوت خفيض.
هو إلى أنا سمعته دا بجد؟ حازم أخوكي أتجوز؟
«حلا» بتهكم
أنا زيي زيك سمعت لكن مشوفتش!
«مروان» بعدم فهم
فزورة دي و لا إيه؟
أوشكت «حلا» أن تُجيبه و لكن تدخلت «أمينه» التي قالت بلهجه يشوبها بعض التقريع الخفي.
لما تحب تعرف حاجه أبقي أسألني أنا يا مروان. جنة و حازم كانوا بيحبوا بعض و مرتبطين و حازم فاتحني في الموضوع قبل ما يتوفي بفترة و أنا لما لقيته متعلق بيها وافقت و روحنا خطبناهم و كتبنا الكتاب و كانوا هييجوا يقضوا شعر العسل في إنجلترا عندكوا بس قولنا لما مامتك تقوم بالسلامه. ها في أسأله تاني عايز تعرف إجابتها؟
شعر «مروان» بالحرج من حديث «أمينه» و لكنه حاول أن يبدو طبيعيًا حين قال
لا أبدًا يا مرات عمي أنتي كدا وضحتي كل حاجه.
كان حديث «أمينه» كالبنزين الذي أخذ يتراقص أمام النيران فزاد من جنونها و قد تجلي ذلك في نبرة «همت» التي قالت بتهكم
لا لسه في حاجه مرات عمك نسيت تقولهالك يا مروان. أبقي بارك لجنة عشان حامل!
عم الصمت أرجاء المكان و قد كان الجميع على صفيح ساخن فكلمات «همت» و طريقتها في الحديث توحي بأن هناك ما لم يُقال و حين جاءت على ذكر حملها كانت تتحدث بإبتسامه مُتهكِمه أصابت شئ ما داخله مما جعل الغضب يتصاعد إلى رأسه فحدجها بنظرة قاتمه غاضبه و لكن آتي حديث «أمينه» ليمحو تلك البسمه الكريهه من على وجهها.
لا منستش يا همت و لا حاجه بس قولت أكيد أنتي أكتر واحده هتبقي مبسوطه و هي بتقوله أن إبن حازم جاي في الطريق!
كانت كلماتها مُوجِعه و قد أرادت ذلك فقد أمتقع وجه «هِمت» التي كانت الكلمات ثقيله على شفتيها فقد كانت تحلم بأن يكون هذا الحفيد من أبنتها هي و ليست من تلك الغريبه التي تكرهها بشدة.
قطع تلك الأجواء المتوترة دخول الخادمة التي أتت تُخبرهم بأنه حان وقت الطعام فنظرت «أمينه» إلى «جنة» و قالت بخشونه
تعالي يا جنة أسنديني.
جفلت «جنة» عندما سمعت طلب «أمينه» الغريب و الذي كان يتنافي مع نظراتها الحادة تجاهها و التي زادت من فزعها فهبت من مقعدها و توجهت إليها و هي تناظرها بعدم فهم
لتمسك بيدها التي كانت قاسيه توازي نبرتها حين قالت بجانب أذنها.
بعد الفطار تعالي على أوضتي عايزة أتكلم معاكي.
أن يصل الإنسان بسهوله إلى كل ما يشتهيه في الحياة فهذا ليس بالأمر الجيد في بعض الأحيان. فعناء الرحله مطلوب حتى يستشعر الإنسان حلاوة الوصول
نورهان العشري.
علي صعيد آخر كانت الأجواء مشحونه بمشاعر آخري غير مفهومه بين الطرفين و قد أتقن كلًا مِنهما إخفاءها خلف قناع من الجمود بينما تابعا العمل سويًا إلى أن شعرت بالتعب قليلًا و لكنها لم تستطيع الإفصاح بل تجلي ذلك في يدها التي أخذت تفركها ببعضها علها تلين من تيبس عظامها التي كانت تأن عليها مما جعلها تخرج صوتًا جذب إنتباهه فنظر إليها بتقييم قبل أن يقول بلامبالاه
لو تعبتي تقدري تاخدي بريك.
تفاجئت من حديثه و تحمحمت قبل أن تقول بنفي
لا متعبتش و لا حاجه مين قال كدا؟
سالم بخشونه دون أن يرفع عيناه عن الورق أمامه
صوابعك إلى عماله تطقطقيها.
شعرت بالحرج من كلماته فبللت حلقها قبل أن تقول بتلعثم
لا أبدًا أنا بس متعودة أعمل الحركه دي
سالم بإختصار
يبقي تتعودي متعمليهاش تاني.
فرح بإستفهام
و السبب؟
مابحبهاش!
إغتاظت من كلمته و تسلطه فأرادت إستفزازه قائله.
يبقي تحبها عشان أنا بعملها على طول. تقريبًا زي مُتلازمه كدا!
تجاهل أستفزازها و رفع رأسه يُطالعها بنظرات غامضه قبل أن يقول بتسليه
أحبها! مفروض أحبها عشان أنتي بتعمليها!
شعرت بالخجل من تلميحه و من هفوتها فأرادت التصحيح حين قالت
لا طبعًا مش كدا أنا أقصد عشان إحنا بنشتغل سوي و وارد أعملها كتير و أنت موجود. و المقصود أنك تأقلم نفسك عليها يعني!
رفع إحدي حاجبيه في حركه أستعراضيه أغضبتها و لكنه تجاهل ذلك و أستمر قاصدًا إستفزازها
تقريبًا محتاج أفكرك إني أنا إلى مديرك مش العكس.
أعتقد إن دي حاجه مش محتاجه تفكرني بيها!
قالتها بغضب خفي فأجابها بتسليه
حاسس إن الموضوع مضايقك مع إنك مفروض تفرحي!
و إيه إلى مفروض يفرحني من وجهه نظرك؟
يعني كنتي راحه آخر الدنيا عشان تشتغلي و أهو جالك الشغل لحد عندك دانتي كمان مفروض تشكريني!
جمرات الغاضب النابعه من إستفزازه لها أشعلت النيران بداخلها فقالت بإستنكار
أشكرك! تقريبا أنت آخر واحد في الدنيا هفكر أشكره!
قهقه بخفه قبل أن يقول بتسليه
دانتي قلبك أسود و طلعتي بتشيلي جواكي!
فرح بقوة
قلبي مش أسود و لا حاجه بس مبنساش بسهوله.
سالم بتهكم
طب خدتي القلم عشان يفكرك بيا ليه؟
إغتاظت من حديثه فأجابت بقوة.
مقولتش عشان يفكرني بيك قولت عشان يفكرني إني جيت هنا في يوم و كمان أنا مبفتكرش غير الحاجات المهمه إلى بتعلم جوايا! غير كدا لا
جاء حديثه مُباغتًا حين قال بإستفهام
عايزة تقنعي نفسك بأيه يا فرح؟
صدمها سؤاله و عرت نظراته الثاقبه شخصها المتوتر و أعادت السؤال في رأسها و قد رفض عقلها أن يُفصح عن إجابته. بينما تجلت الإجابه في عيناها التي ظلت أسيرة عيناه التي كانت تخترق أعماقها بقوة و قد طال صمتها لثوان قبل أن تقوم بنفض ما يعتريها من تخبط وقالت بثبات
سؤالك غريب؟ أقدر أعرف تقصد بيه إيه؟
أبتسم بخفوت قبل أن يُعيد أنظاره إلى الأوراق أمامه و هو يقول بلامبالاه
مالوش لزوم الإجابة وصلت خلاص!
إغتاظت من حديثه المُبهم و ما أن همت بسؤاله عما يقصد حتى أوقفها النقر على باب الغرفه فإلتفتت لتتفاجئ بذلك الشاب الذي ما أن رآه «سالم» حتى نهض من مكانه و توجه إليه بينما هرول مروان يُعانقه بقوة و هو يقول
وحشتني أوي يا سالم
أجابه سالم بصدق
و أنت كمان يا مروان ليك وحشه كبيرة. حمد لله عالسلامه
تبادلوا السلامات فشعرت بالحرج و نهضت من مقعدها و قالت بعمليه
سالم بيه أنا هروح أطمن على جنة و آجي.
اومأ برأسه و قد كانت نظراته غامضه و لكنها لم تبالي و توجهت إلى الخارج...
--.
↚
كانت تنظر إلى الطابق الأعلي و داخلها يمتلئ بالتساؤلات التي تجعل أنفاسها تهرب منها. فهي لم ترتح لتلك السيدة و تهاب نظراتها كثيرًا و لم تكن هي وحدها فجميع من في هذا البيت كان من الواضح أنهم يهابونها. تُري ماذا تريد منها و لماذا أرادت أن تصعد إلى الأعلي للتحدث معها لما لم تُحادِثها بالأسفل؟ هل تريد إلقائها من النافذه! أقشعر بدنها حين أتتها تلك الفكرة و لكن سرعان ما نهرها عقلها و وبخت نفسها قائله.
أهدي يا جنة و بطلي هبل هي مش قتاله قتله يعني. هتلاقيها عايزة تطمن على الحمل و خلاص
هكذا أقنعت نفسها و هي تصعد الدرجات بعدما أرشدتها الخادمه على غرفة «أمينه» التي كانت تنتظرها و هي تنظر إلى النافذه و حين سمعت صوت نقراتها المتوترة على الباب أمرتها بالدخول فانفتح الباب و أطلت منه «جنة» برأسها و عيناها الزائغه لتقتنص هي توترها فتوجهت إلى المقعد المخصص لها و قالت بوقار.
تعالي يا جنة و اقفلي الباب وراكي.
أطاعتها «جنة» بصمت بينما دقات قلبها تدُق كالطبول جراء خوفها الذي تجلي في كفوفها المُرتعِشه و إهتزاز حدقتيها و هي تجلس في إنتظار «أمينه» أن تبدأ في الحديث و قد لاحظت هي ذلك فابتسمت قبل أن تقول بنبرة هادئه
عامله إيه يا جنة؟
الحمد لله كويسه
و الجنين وضعه عامل إيه دلوقتي؟
إمتدت «جنة» تُحيط رحمها بيديها و قد رقت نبرتها و هي تقول.
الحمد لله بخير
فاجأتها أمينه حين قالت بنبرة ذات مغزى
باين عليكي بتحبيه. أومال ليه فكرتي تتخلصي منه!
إنقبض قلبها جزعّا حتى آلمها حين سمعت كلمات «أمينه» التي تابعت بهدوء
متستغربيش. أنا مفيش حاجه معرفهاش.
حاولت إبتلاع غصتها و قالت بصوت مبحوح
كانت لحظه شيطان و الحمد لله عدت على خير
رددت «أمينه» خلفها.
الحمد لله. بصي يا جنة أنا أم و ربنا أختبرني في أعز حاجه عندي و أنا راضيه الحمد لله. أنتي متعرفيش حازم كان عندي إيه. دا كان أغلي واحد عندي. و كُنا قريبين من بعض فوق ما تتخيلي
فهمت جنة ما ترمي إليه بحديثها فقالت بتوتر
عايزة تقولي إيه يا حاجه؟
أمينه بنبرة يشوبها المكر
لا أنا عايزة أسمع منك أنتي. أحكيلي كدا عرفتي حازم إزاي و أتفقتوا عالجواز إزاي؟
شعرت بسريان النيران بين أوردتها و لَون الخزي ملامحها و صارت تبتلع جمرات حارقه ذكرتها بخطأها الوحيد الذي لم ترتكب سواه في حياتها و كان هو أكثر من كاف لتدميرها
عادي هو كان زميلي في الجامعة شافني و شفته و عجبنا ببعض و بعد كدا الإعجاب دا أتحول لحب. و بعدين.
خرج صوتها مُتحشرِجًا حين شرعت في الحديث و لكنها توقفت حين لم تجد ما يُسعفها من كلمات لشرح حقيقه ما حدث فصمتت لتُكمِل «أمينه» بدلًا عنها.
و بعدين سندريلا كانت عايزة تهرب من حياة الفقر إلى هي عايشه فيها فقالت توقع إبن الأكابر و تتجوزه حتى لو عُرفي عشان تحقق أحلامها و طموحاتها. و لا مكنش في جواز أصلًا يا جنه؟
وقعت كلماتها كسوط أخذ يسقط فوق كرامتها حتى أدماها و مزق ما تبقي لها من كبرياء فصار الدمع يتقاذف من مُقلتيها جراء ذلك العار الذي تلطخت به و لكن جاء سؤالها الأخير حتى يُجهِز عليها فلم تستطع الصمود أكثر بل هبت من مكانها تقول بإنهيار.
لحد هنا و كفايه يا حاجه. أنا كنت متجوزة إبنك عرفي و الورق مع سالم بيه.
لم تتأثر «أمينه» بمظهرها أو تعمدت ألا تتأثر فهي لم ترها سوي صائدة ثروات أوقعت أبنها في شباكها و تُريد أن تأخذ ما تبقي منه و ترحل لتجعلهم يعانون من مرارة الفقد مرة آخري لذا قالت بتقريع.
هو شئ لا يدعو للفخر طبعًا يعني الجواز العُرفي دا زي قِلته. بس الحمد لله أنه حصل و إن ربنا عوضني بحاجه من ريحه ابني الله يرحمه و إلى عمري ما هتنازل عنها أبدًا حتى لو إضطريت إني أضحي بكل شئ بملكه في حياتي.
كالعادة أصابت كلماتها صميم الوجع و لكنها تجاهلت عذابها و قالت بإستفهام
تقصدي إيه؟
أعتدلت أمينه في جلستها قبل أن تُناظرها بقوة تجلت في نبرتها حين قالت.
إبن أبني مش هسيبه و سواء كنتي متجوزة حازم أو لا دي مشكلتك. هكون ست أصيله معاكي عشان أنتي أمه و هعرض عليكِ عرض أنتي الكسبانه فيه
لم تُسعِفها الكلمات للرد إنما إرتسم عدم الفهم على ملامحها فتابعت «أمينه» قائله بقسوة
هتعيشي بينا مُعززة مُكرمه لحد ما تولدي و بعدها هديكي عشرة مليون جنيه و تسيبي الولد و تختفي من حياتنا خالص و تنسي أنك في يوم من الأيام عرفتينا. بمعني تمحى إسم الوزان من ذاكرتك.
شهقه قويه خرجت من جوفها مُعبأه بألم فاق حدود الخيال و صار الدمع يتقاذف كالجمر من عيناها و هي تنظر إلى أمينه التي كانت تُطالِع إنفعالاتها بغموض بينما أخذ جسدها يرتجِف قبل أن تقول بشفاه مُرتعِشه من بين إنهيارها
أنتوا أكيد مش بني آدمين. إزاي بتدوسوا عالناس كدا. عايزة تشتري إبني مني. انتي إيه معندكيش قلب!
«أمينه» بهدوء مُستفِز.
لا عندي و عشان كدا عايزة أحافظ على حقي في حفيدي إلى كنتي عايزة تقتليه.
«جنة» بصراخ
حفيدك دا يبقي إبني و حتة مني و أوعي تفكري إني ممكن أفرط فيه. و أوعي تفكري تساوميني عليه تاني عشان أنا أهون عليا دلوقتي أموته و أموت نفسي معاه و لا إن حد ياخده مني.
ألقت كلماتها و هرولت تُغادِر الغرفه صافقه الباب خلفها بقوة بينما عيناها تغشاها طبقه من الدموع التي كانت تحفر الوديان فوق خديها و لم تنتبه إلى ذلك الذي كان يصعد الدرج ليتفاجئ بتلك التي كانت و كأنها هاربه من الجحيم فاصطدمت به بشدة و كادت أن تقع لولا يداه التي تلقفتها ليتفاجئ بمظهرها المزري فقال بلهفه
حصل إيه؟
لم يتوقع ثورتها تلك حين قامت بدفع يده بقوة و بصقت الكلمات من فمها بشراسه صدمته.
أبعد إيدك دي عني. و أوعي تلمسني تاني.
لم تعطيه الفرصه لسؤالها بل تابعت الركض حتى خرجت من باب القصر فإلتفت ليجد والدته التي قالت بقوة
تعالي يا سليم عيزاك
توجه «سليم» إلى حيث والدته التي دخلت غرفتها مرة ثانيه فدخل هو خلفها و قال بصوت خشن
حصل إيه بينك و بينها؟
«أمينه» بلامبالاه
موضوع ميخصكش.
«سليم» مُحذِرًا
ماما. متنرفزنيش و جاوبي على سؤالي.
إلتفتت تُناظِره بغموض قبل أن تقول بتخابث
لما تجاوبني أنت يا سليم
أجاوبك على إيه؟
«أمينه» مُشدِدة على كل حرف تفوهت به
البنت دي كانت متجوزة أخوك فعلًا و لا إلى في بطنها دا يبقي إبن حرام.
تسمر في مكانه جراء حديثها المُعبأ بقسوة و مكر لم يلحظه و لكنه التهي بما شعر به من شعور موجع لا يعرف كنهه و ما أن أوشك. على إجابتها حتى سمع شهقه آتيه من الخارج جمدته في مكانه ووو.
↚
لم أنل شيئًا مما تمنيت و لكن نال كل شئ مني. و إزدادت الغصات بقلبي حتى أصبحت أكثر من نبضاته. حاولت أن أُصارِع خوفي و لكنه كان يُهاجِمني من أكثر نقاطي ضعفًا و حين قررت أن أبوح لليلي بآلامي و أحزاني أهلكني صمته الذي إمتد أمامي كطريق مُظلِم لا نهايه له. و حينها أدركت بأن الأيام تمضي و العمر يتضائل بينما ما زال القلب عَالِقًا عِند لحظه ما ولم يستطع تجاوزها أبدًا...
نورهان العشري.
خرج «سليم »مُهرولًا إثر سماعه شهقه قويه آتيه من الخارج و لكن عندما خرج لم يجد أحد فأخذ ينظر حوله لمعرفه من الذي أستمع إلى حديث والدته الكارثي و لكنه وجد الممر خالً من أي بشر فلعن بداخله ثم دخل إلى الغرفه و أغلق الباب خلفه بقوة أهتزت لها جُدران القصر و إلتفت إلى والدته بعينان تتقدان بنيران الغضب الذي تجلي في نبرته حين قال
عاجبك كدا. أقدر أعرف أستفدتي إيه من إلى عملتيه دا؟
ظهر التوتر الجلي على ملامح «أمينه» قبل أن تقول بلهجه حاولت أن تجعلها ثابته
أنا مش هستني لما يتحرق قلبي مرة تانيه. البنتين دول مش ناويين على خير و أختها قالت بعضمه لسانها أنها بعد ما جنة تولد هتاخدها و يمشوا من هنا. عايزني أستني إيه تاني يا سليم؟
أبتسم بمرارة قبل أن يقول ساخرا
و أنتِ كدا بتقنعيها عشان تفضل معاكي هي و الولد!
قاطعته بحدة.
مش محتاجه أقنعها. واحده زي دي كل إلى يفرق معاها الفلوس و دا إلى عرضته عليها!
تجمد للحظات حين سمع حديث والدته و تأهبت جميع حواسه بينما حُبِست أنفاسه حين تحدت بترقب
و قالتلك إيه؟
تراجعت لتجلس على مقعدها قبل أن تقول بإختصار
المتوقع منها!
إلى هو إيه؟
أمينه بتريث
رفضت و إنهارت و طلعت تجري زي ما شُفتها!
كانت تُراقِب وقع كلِماتها على ملامح وجهه الذي بد جامدًا و لكن صفاء عينيه عكس مدي إرتياحه لما حدث لذا أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بخشونة.
يوم ما وصلوا هنا متحملتش مُعاملتنا ليها. تعبت و ودناها المستشفي و هناك الدكتور قال إننا مُعرضين نفقِد الجنين في أي لحظه و إن حالتها غير مستقرة و حذرنا من أي ضغط نفسي أو عصبي. عشان كدا فضلت أسبوعين نايمه في الملحق و كان الأكل بيروحلها هناك. دي كانت أوامر الدكاترة مش زي ما سالم قالك أنه إجهاد من السفر.
تغيرت تعابير «أمينه» التي غزا الخوف ملامحها و شعرت بنغزات قويه في قلبها و خاصةً حين رأته يتوجه إلى باب الغرفه و من ثم إلتفت إليها مُتمتِمًا بجفاء
لو فعلًا مش عايزة قلبك يتوجع مرة تانيه يبقي متتعرضيش ليها بأي سوء.
كانت «سما»تدور في غُرفتها كمن مسه الجنون فهل ما سمعته لتوها كان صحيحًا! هل تلك الفتاة كانت عشيقته؟ أم هي فتاة كان يعبث معها و غافلته لتحمل بهذا الطفل حتى يكون الطريق الذي يجعلها تستمتع بأمواله!
دخلت «هِمت» الغرفه لتجد «سما»علي حالتها الغريبه فسألتها بإهتمام
مالك يا سما حصل حاجه و لا إيه؟
«سما» بتفكير
دا حصل و حصل و حصل.
«هِمت» بعدم فهم.
حصل إيه يا بنتي؟
«سما» بغل
الزباله إلى كانت بتعايرني من شويه و بتذلني بحُبه ليها طلعت مجرد واحده صا، كان بيقضي وقت معاها.
قطبت جبينها و لم تفهم شي من هذيانها لذا ألتفت تقف أمامها و هي تقول بنفاذ صبر
بت أنتي أقعدي كدا و فهميني في إيه بدل مانتي عماله تهرتلي كدا.
طاوعتها «سما» و جلست على الأريكه خلفها و قصت عليها تلك المحادثه التي حدثت بينها و بين «جنة» صباحًا و من ثم أخبرتها بما دار بين «أمينه» و «سليم» لتُنهي سردها قائله بقهر
عايرتني أنه محبنيش و أنه اختارها هي. بس ربنا أراد يكشفلي قد إيه هي واحده رخيصه و حقيرة.
أنهت جُملتها ثم وجهت أنظارها إلى «هِمت» قائله بفرح يتنافي مع عبراتها المتساقطه و ضجيج قلبها المُلتاع
طلع مكنش بيحبها يا ماما. حازم كان بيحبني أنا و أنا واثقه من دا.
ناظرتها «هِمت» بألم على فلذه كبِدها التي طال قلبها الوجع و لكنها أحكمت تعاطُفها و تأثُرها بحال صغيرتها و قالت بهدوء
و بعدين يا سما. هعتبر أن كلامك صح و أنه فعلًا مكنش بيحبها. إيه إلى أتغير؟
تقصدي إيه؟
«هِمت» بتعقل
كسبتي أنتي إيه من كُل دا؟
لم تستطع الإجابة على والدتها فاخفضت رأسها بألم و قد زال فرحها الواهي و عادت أمام عيناها حقيقه مُرة و هي أن «حازم» لم يعد مُوجودًا من الأساس و لكنها وجدت يد والدتها التي إمتدت ترفع رأسها المُنكث و هي تُناظِرها بحنان تجلي في نبرتها حين قالت.
حازم كان صفحه في حياتك و أتقفلت بموته يا سما. سواء كان بيحبها أو مابيحبهاش مش هتفرق كتير. عيزاكي تنسي الموضوع دا خالص و كإنه محصلش
هبت «سما» من مقعدها و هي تقول بعُنف.
هو إيه إلى أعتبره محصلش! أنا كنت بحبه أكتر من روحي و وقفت حياتي كلها عليه و هو ييجي يدوس عليا بالشكل دا! و يفضل واحده زي دي عليا و يخليها تقف تعايرني و تهيني. و جايه تقوليلي أعتبريه محصلش! دا داس على قلبي بجزمته يا ماما. سنين و أنا متسميه على إسمه. الناس كلها عارفه إني خطيبته. و في الآخر البيه يطلع متجوز و جايله إبن في الطريق. طب و أنا؟ تقدري تقوليلي أنا شكلي هيبقي إيه لما الناس تعرف بالي حصل؟ هعيش إزاي و هرفع عيني في عين الناس إزاي بعد كدا. حتى مرات خالي إلى طول عمري بقولها يا ماما فضلتها عليا و داست على قلبي و مشاعري و لا أكني حشرة مسواش. دي هانتني قدامها لمجرد أنها حامل في أبنه. أنا واثقه أنها مش طيقاها بس عشان حامل في إبن الغالي.
قالت جملتها الأخيرة بصراخ مرير نابع من قلب مُحترِق بنيران الغدر و الخذلان و قد تجلي ألمها الكبير في ملامحها التي جعلت قلب «هِمت» ينفطر ألمًا على ما أصاب ابنتها من وجع كانت بغبائها السبب الرئيسي به فهبت من مقعدها تُحاوِل إحتضانها و هي تقول بألم.
يا قلبي يا بنتي شايله كل دا جواكي و ساكته! حقك عليا يا سما أنا السبب في إلى أنتي فيه دا لو مكُنتش دخلت الموضوع دا في دماغك مكنش زمانك متعذبه كدا.
«سما» بمرارة
وقت الندم عدا يا ماما. أنا دلوقتي ليا تار مع الناس دي و بما أن حازم مات فهاخد تاري من أعز حاجه عنده. و زي ما كسروني هكسر قلبهم كلهم.
صُدِمت «هِمت» من ذلك الجبروت الذي إرتسم على ملامح ابنتها و ذلك الحديث الذي يقطُر كُرهًا و ضغينه فقالت برفق
سما يا بنتي إيه إلى أنتي بتقوليه دا؟ أنتي عُمرك ما كنتي كدا. طول عمرك هاديه و طيبه و بتحبي للخير للناس كلها. أوعي تغيري طبيعتك الطيبه عشان صدمه مريتي بيها في حياتك. دانتي لسه صغيرة و زي القمر و ألف مين يتمناكي ليه تعملي في نفسك كدا!
ناظرت والدتها بمرارة تجلت في نبرته حين قالت.
مش أنا إلى عملت في نفسي كدا يا ماما. هما إلى شوهوني و أذوني من غير ما أعمل فيهم حاجه. و أنا مش هسيب حقي أبدًا.
حق إيه إلى مش هتسبيه يا سما؟
صُدمت كلا من «سما» و «هِمت» لدي سماعهم لذلك الصوت الآت من خلفهم.
كانت «فرح» تحتسي فنجان قهوتها الذي أعدته حتى تُسيطر على ذلك الصداع الذي كان يُقيم إحتفالً في رأسها مما جعلها تقوم بفك مشابك شعرها لتتركه مُنسدِلًا فلم تكن تتحمل أي شئ و توجهت تقف أمام النافذة تنتظر قدوم شقيقتها التي أخبرتها الخادمه بأنها بغُرفة السيدة «أمينه» و حين سمعت ذلك رغمًا عنها شعرت بنغزة مُؤلِمه في قلبها من أن تمس تلك السيدة شقيقتها بسوء و ودت لو تذهب للأعلي حتى تتدخل أن حدث شئ و لكنها تراجعت بآخر لحظه و آثرت الإنتظار حتى لا تظهر بمظهر الأخت المُتسلطه التي تتدخل بشئون شقيقتها و لكن الإنتظار كان أكثر ما تكرهه في حياتها لذا قامت بوضع الفنجان من يدها و إلتفتت لتناول دبابيس شعرها حتى تُعيد إحكامه من جديد و لكنها تفاجئت «بجنة» التي فتحت باب المُلحق و أغلقته خلفها و كل خليه من جسدها ترتعِش يُصاحِبها دموع فياضه أغرقت مُقدمه صدرها و الذي كان ينتفض بين ضلوعها فمظهرها كان مُذري و كأنها آتيه من الجحيم فانتفضت «فرح» و هرولت إليها تحتضنها بقوة و هي تقول بلهفه.
حصل إيه يا جنة؟
كانت ترتجف بشده في أحضان شقيقتها و هي تقول بتلعثُم من بين شهقاتها
مشيني. من. هنا. يا فرح. أرجوكي مش. عايزة. أقعد. هنا. دقيقه. واحده. حاسه. إن. روحي. بتروح.
شددت «فرح» من إحتضانها بينما يدها أخذت تُمسِد خصلاتها بحنان تجلي في نبرتها حين قالت
أهدي يا حبيبتي. أهدي. متخافيش من حاجه طول مانا جمبك.
لم تُزِد في الحديث و لكنها تابعت تهدئتها بالأفعال فأجلستها على الأريكه و جلست بجانبها تحاول تهدئتها إلى أن شعرت بإنتظام أنفاسها و إستقرار ضربات قلبها و سكون جسدها فقالت بنبرة رقيقه
جنة
أجابتها «جنة» بقهر تجلي في خيط من الدموع إنساب من طرف عيناها و هي تقول
أول مرة أجرب الذُل و المهانه يا فرح! أول مرة أعرف حجم المصيبه إلى وقعت نفسي فيها بغبائي. أول مرة أتمني الأرض تنشق و تبلعني.
آلمتها كلمات «جنة» للحد الذي جعل غصه قويه تحتل يسارها فواصلت تمسيد شعرها و قالت بلهجه قويه
ما عاش و لا كان إلى يهينك و لا يزلك يا جنة ليه بتقولي كدا؟
زفرت الهواء المكبوت في صدرها دفعه واحده قبل أن تقوم بسرد ما حدث بينها و بين «أمينه» و أنهت كلماتها قائله بوجع
حسيت إني رخيصه أوي و هي بتعرض عليا فلوس عشان أبيع إبني و أمشي.
هبت «فرح» من مكانها و قد تعاظم شعور الغضب بقلبها و تجلي ذلك في نبرتها القويه حين قالت
الست دي أتجننت هي فاكرة إنك ملكيش حد ياخدلك حقك. طب أنا هوريها.
قامت بفتح باب المُلحق بقوة و توجهت إلى القصر بخطوات مُلتهِبه أشبه بالركض فقد بدا و كأنها تحفُر الأرض تحت قدميها من فرط غضبها و حين دلفت إلى داخل القصر توقفت في منتصف البهو قائله بصوت قوي أجفلهم جميعًا
حاجه أمينه. يا حاجه أمينه.
بعد لحظات تجمع الجميع حولها و ظهرت «أمينه» التي كانت تتدلي من فوق الدرج و هي تقول بغضب
إيه قلة الذوق دي حد يزعق في بيوت الناس كدا؟
ابتسمت هازئه قبل أن تقول بتقريع
و أنتي لما تهيني الناس في بيتك دا يبقي إسمه إيه؟
تدخلت «حلا» قائله بتوبيخ
أحترمي نفسك و أنتي بتتكلمي مع ماما. أنتي مش عارفه أنتي بتتكلمي مع مين؟
صُدِمت «حلا» من صوتها الغاضب حين قالت.
أيًا كان هي مين ميديهاش الحق أنها تهين جنة أو تقلل منها أبدًا
ناظرتها «حلا» بغضب قبل أن تقول بصراخ
والله أنا مشوفتش بجاحه كدا و الست جنة هانم مسموحلها تهين الناس عادي ما تسأليها هي كمان قالت إيه لسما؟
ناظرتها «فرح» بإستخفاف قبل أن تقول بتوبيخ
قبل ما تتكلمي يا شاطرة و تقلي أدبك ابقي أسألي بنت عمتك المُحترمه قالت إيه لجنة عشان ترد عليها كدا. بس واضح إنك متعرفيش حاجه عن الأدب.
في إيه بيحصل هنا؟
كان هذا صوته الغاضب حين سمع حديث « فرح » فقد خرج من مكتبه و خلفه «مروان» على تلك الأصوات الصاخبه ليجد الجميع يقف في البهو و النظرات المُشتعِله دائرة بينهم. و لكنه صُدِم حين رآي نظرات الخذلان تطل من عينيها قبل أن تقول بمرارة
أبدًا بدفع تمن إني وثقت فيك و جيت أنا و أختي نعيش وسطكوا!
لامست جُملتها حواف قلبه الذي شعر بشعور مقيت من نظراتها التي تحمل بداخلها أطنان من الخُذلان و الخيبه و لكنه تفاجئ من حديثها الذي وجهته إلى والدته حين قالت بقسوة
عايزة أقولك كلمتين يا حاجه. أنتي عندك بنت و كما تُدين تُدان و حسبي الله ونعم الوكيل
هنا خرجت شياطين غضبه من جحيمها و صرخ بصوت أفزعهم جميعًا
لما أسأل في إيه تجاوبوا.
أوشك «سليم» على الحديث و لكن نظرات والدته المُتوسِله منعته من الحديث ليخرج صوتها المبحوح حين قالت
تقدر تسأل والدتك يا سالم بيه. هي عارفه حصل إيه كويس أوي. بس لحد هنا و كفايه. أنا هاخد جنة و هنمشي و لما أبنكوا ييجي بالسلامه عمرنا ما هنمنعكوا عنه. و لا هنبيعه يا حاجه أمينه عشان إحنا مابنبيعش لحمنا. عن إذنكوا
أوشكت على المُغادرة و لكن صوته القوي أوقفها حين قال
أستني يا فرح!
كان لنبرته وقع خاص على قلبها الذي تعثرت نبضاته داخلها و أجبرتها على الوقوف بمكانها و لكنها لم تلتفت إليه و شعرت بمدي غضبه حين قال بخشونه
مُنتظر أعرف إلى حصل يا حاجه؟
تحدثت «أمينه» بلهجه مُهتزة بعض الشئ
أتكلمنا أنا و جنة و الظاهر إن كلامي معجبهاش و ضايقها و أعتبرته إهانه ليها. دا كل إلى حصل
ألتفتت «فرح» تُناظرها بغضب بينما قالت ساخرة.
لما تتهميها الإتهامات الفظيعه دي يا حاجه مش إهانه لما تساوميها على إبنها و تعرضي عليها فلوس عشان تشتريه منها مقابل أنها تتنازل عنه و تمشي دا مش إهانه لو بنتك هتقبلي عليها كدا؟
كان حديثها صاعق للجميع مما جعل الهمسات تدور حولهم و قد كانت «هِمت» تُشاهِد ما يحدث بقلب شامت دونًا عنها و بجانبها «سما» التي كانت تُناظرهم ببغض كبير و على يمينها «حلا» التي تدخلت قائله بإندفاع
بنتها متربيه أحسن تربيه و متعملش إلى أختك عملته!
هنا قال «سليم» غاضبًا مُندفِعًا
أخرسي يا حلا!
جفلت من لهجته و حدقتاه التي إشتعلت بنيران الجحيم و ما أوشك على توبيخها حتى جاءت كلمات «فرح» التي تراشقت سهام الإهانه في صدرها
متلوميش على حد يا شاطرة مين عاب ابتلي. و أنتي متعرفيش بكرة مخبيلك إيه.
أستني يا فرح!
قاطعها صوته الحاد و هو يقترب من «حلا» التي دب الرُعب في أوصالها من نظرات شقيقها و نبرته المرعبه
قوليلي يا حلا هو إيه إلى جنة عملته؟
أبتلعت ريقها بصعوبه بينما عيناه تُطالِعها بنظرات جحيميه توازي نبرته حين قال بهسيس مرعب
ردي. سكتي ليه؟ مش كنتي بتتكلمي من شويه و صوتك مسمع الناس كلها؟
حاولت التحلي بالشجاعه حين قالت بنبرة مهزوزة
أتجوزت حازم عُرفي!
إحتدت نظراته و أظلمت عيناه للحظه قبل أن يقول بإستفهام غاضب
و عرفتي منين؟
لم تستطع إخباره و ظلت على صمتها بينما كانت ترتجف رُعبًا ليُنقِذها تدخُل «أمينه» التي قالت بثبات
عرفت مني!
تحولت نظراته إلى والدته و بدت قاتمه غاضبه و لكنه تجاهل ردها حين صرخ مُناديًا على إحدي الخادمات و التي هرولت مُلبيه ندائه في الحال فقال بصوت مرتفع
روحي قولي لجنة سالم بيه عايزك و خليها تيجي على هنا
تدخلت «فرح» قائله
جنة تعبانه و مش.
قاطعها صوته الحاد حين قال
أنا قولت تيجي يعني تيجي!
أغضبتها لهجته كثييرًا و ما أن همت بالحديث حتى توقفت إثر جملته الغامضه حين قال
لازم نحُط النقط عالحروف.
مرت دقائق مُشتعِله بين الجميع إلى أن أتت «جنة» التي كان مظهرها مُذريًا و قد كانت تجُر أقدامها جرًا حتى تستطيع أن تصل إلى القصر و قد تعاظم الخوف بقلبها حين أتت الخادمه لتُخبرها بضرورة توجهها إلى القصر لأمر هام و حين دلفت من الباب وجدت الجميع يقف في البهو و توجهت جميع الأعين إليها و من بينها عيناه التي كانت مُستعِرة بنيران جحيميه جعلتها تمد يدها إلى شقيقتها تُمسِك بها كأنها طوق نجاتها و على الفور إمتدت يد «فرح» تُمسِك بيدها و نظراتها تُطمأِنها فقد كان مظهرها يُؤلِم القلب كانت كعصفور صغير تائه شريد و عيناها تغشاها طبقه كرستاليه من الدموع التي لو فسرنا سببها فلن تكفي الحروف لسرده و قد أشعره مظهرها ذا بألم حاد نخر عِظامه إثر رؤيتها مُدمرة بتلك الطريقه و كأن غريزته الرجوليه أبت عليه أن يري إمرأة ضعيفه مكسورة بهذا الشكل أو لنقُل بأن هناك شئ ما بقلبه قد إنفطر عند رؤيته ألمها مُنذ أن رآها تُهرول من غرفه والدته حتى إندلعت حرب داميه بداخله و ود لو أنه يُطمئنها و ينزع نظرات الخوف تلك التي ترتسم بمُقلتيها و لكن جاءت كلمات أخاه القويه لتُخرجه من دوامه أفكاره.
تعالي يا جنه هنا
عند سماعها صوته الآمر تمسكت أكثر بيد شقيقتها فرق قلب «سالم» على مظهرها و قال يُطمئِنها
تعالي يا جنة متخافيش.
نظرت إليها «فرح» و أومأت برأسها لتُطمئِنها فتحركت بخطً سلحفيه حيث وقفت أمام «سالم» الذي إمتدت يده تُمسِك بمرفقها بلطف تنافي مع لهجته القويه حين قال
الكلمتين إلى هقولهم دول يثبتوا في دماغ الكل و أعتقد ان الكل هنا عشان محدش ييجي يقول مسمعتش.
↚
طافت عيناه على وجوه الجميع و إستقرت عند والدته حين قال بنبرة قويه خشنه
جنة مرات حازم الوزان شرعًا و قانونًا و أنا معايا إلى يثبت دا و إلى في بطنها إبنه و من صُلبه.
إبن الوزان عارفين يعني إيه إبن الوزان!
و اللي هيقول غير كدا ميلومش غير نفسه. و أي حد هيتعرض لجنة أو فرح و لو بنظرة بردو ميلومش غير نفسه. جنة و أبنها ليهم هنا زي ما كلنا لينا بالظبط. كلامي واضح و لا أعيده تاني!
اختتم كلماته و عيناه تتفرق بين الجميع بنظرات صارمه متوعدة لمن يخالف أوامره أو يتفوه بما لا يروقه و لكن ألتزم الجميع الصمت ألا من أ«مينه» التي قالت بوقار
مفيش قول بعد قولك يا سالم. الموضوع أنتهي خلاص و جنة زيها زي حلا و سما مش كدا يا جنة.
لم تتفوه «جنة» بحرف على الرغم من صدمتها بحديث «سالم» الذي أعاد إليها كرامتها المفقوده و قد أراحها ذلك بشكل كبير و لكنها لم تستطيع التاكيد على حديث تلك المرأة فهي أبدًا لن تنسي معاملتها لها و لكن جاء حديث«سليم» الغير متوقع حين قال بتحفظ
الأيام هي إلى هتبين يا حاجه.
لم تفهم إجابته و ما خلفها هل يُدينها أن يدعمها؟ هكذا تسائلت بداخلها و لكن قطع حبل أفكارها حديث «سالم» الذي إلتفت إليها قائلًا بصوت خشن
أعتقد كدا أنتِ فهمتي وضعك إيه في البيت. و ياريت بلاش عياط و جو العيال الصغيرة دي يحصل تاني.
أنهي كلماته و ألتفت متوجهًا إلى مكتبه و ما أن أوشك على الدخول حتى أوقفه صوت «حلا» التي هرولت إليه قائله بلهفه
أبيه سالم.
توقف «سالم» الذي كان مايزال يشعر بالغضب من ما فعلته فلم يلتفت لها و لكنها أقتربت تقف أمامه و قالت بنبرة خافته
أنا.
قاطعها بقوة و لكن بلهجه خفيضه يشوبها العتب
أنتِ خيبتي أملي فيكِ يا حلا.
أصابتها جُملته في الصميم فاندفعت تقول من بين قطرات أوشكت على الهطول
أنا أسفه.
قاطعها قائلًا بحدة
الإعتذار دا تروحي تقوليه لابن اخوكي لما ييجي الدنيا و يعرف أن عمته الوحيده أهانته هو و أمه بالشكل دا.
كان يعلم معدنها و بواطنها و تأصُل الخير بداخلها لهذا أراد اللعب على تلك الاوتار و تركها تُصارِع مع ضميرها الذي حتمًا سيؤنبها و يُعيدها إلى الطريق المستقيم.
ما أن دلف إلى الغرفه و أغلق الباب خلفه حتى سمع طرقًا عليه و قد علم هويه الطارق و لكنه تجاهل إحساسه القوي و قال بلهجه خشنه
أدخل.
دلفت إلى الغرفه و هي تجر أقدامها إلى الداخل بينما عيناه الثاقبه تُناظِرها بنظرات غامضه لم تنجح في تفسيرها و لكنها لم تجعلها تتراجع إذ توقفت أمامه تُناظِره بإمتنان تجلي في عيناها الزيتونيه
شكرًا أنك دافعت عن جنة و ردتلها أعتبارها قدامهم.
صدمه إمتنانها للحظه و لكنه لم ينجح في إخماد غضبه المُشتعِل جراء ما حدث لذلك قال بلامُبالاة
مش مستني منك شُكر أنا عملت إلى كان مفروض يتعمل.
إغتاظت من صراحته الفجة و حديثه المُستفِز و ثارت جيوش غضبها و لكنها كمدت ما تشعر به وتشدقت ساخرة
أنا كمان بشكرك عشان أتعودت أن أي حد يعمل حاجه كويسه مفروض يتشكر عليها و مش فارقلي إذا كنت مستني دا أو لا.
نجحت في إثارة روح التحدي بداخله فرفع رأسه يُطالِعها بغموض بينما قال بإختصار
نعم!
أعادت كلمته بهدوء مستفز
نعم!
رُغمًا عنه أفلتت شفتيه عن بسمه مُتسليه لم ينجح في قمعها فقال بتسليه
أنتِ مبتيأسيش؟
يعني إيه؟
سالم بأعجاب خفي
عندك إستعداد تفضلي تحاربي طول الوقت مبتعديش حاجه أبدًا؟
صُدِمت من حديثه و لكنها قالت بتعجب
عشان جيت أشكرك إنك وقفت جمب جنة أنا كدا بحارب! لا أنت غلطان على فكرة أنا بس بحب أدي الحق دايمًا لصحابه حتى لو كان صاحب الحق ميستاهلش.
قالت كلمتها الأخيرة بخفوت فرفع إحدي حاجبيه قائلًا بوعيد
ميستاهلش!
غمغمت بخفوت.
مش قصدي أنه ميستاهلش بمعني حد وحش يعني! ممكن يكون شخص مُتكبِر مغرور و بيتكلم من طراطيف مناخيره
ردد عباراتها بذهول
مُتكبِر و مغرور و بيتكلم من طراطيف مناخيره. دا أنا المفروض؟
راوغته قائله
والله أنا مقولتش أن أنت كدا بس لو شايف الصفات دي تنطبق عليك فأنت حر أنا يعني هعرفك أكتر من نفسك.
تراجع بمقعده إلى الخلف و قهقه ضاحكًا قبل أن يقول من بين ضحكاته
أنتي مُشكله يا فرح!
أسرتها ضحكاته الخلابه للحظه قبل أن تتخضب وجنتاها بلهيب الخجل جراء كلمته البسيطه و لكن نظراته كانت عميقه حتى شعرت بها تتغلغل إلى داخلها فهربت بنظراتها إلى الجهه الآخري و قالت بنبرة هادئه
و لا مشكله و لا حاجه أنا بس بحب الناس تعاملني زي ما بعاملها و دايمًا ببدأ بالخير عشان ألاقيه
أقتنصت عيناه خجلها و إهتزاز حدقتيها فاقترب واضعًا مُرفقيه فوق المكتب أمامه و هو يقول بغموض.
أفهم من كدا أنك بتقدميلي الخير و منتظراه مني!
جفلت من حديثه و شعرت بضربات قلبها تتخبط بداخِلها بعُنف فإلتفتت إليه بلهفه و قالت بإندفاع
لا طبعًا مقصُدش كدا أنا بقولك بس إن دي طريقتي في التعامل مع الناس!
طب و عيزاني أعاملك إزاي؟
خرجت الكلمات من بين شفتيه ثابته مصحوبه بنظرات ثاقبه كانت تأسرها للحد الذي جعلها غير قادرة على الحديث تكاد تُجزِم بأن قلبها توقف عن الخفقان للحظه و فقدت السيطرة على حواسها و لكن تدخل عقلها ليُنبهها أن ناقوس الخطر قد أقترب منها كثيرًا فحاولت فرض سيطرتها على ما يعتريها من تخبُط و قالت بنبرة مُتزِنة
تعاملني زي ما أي مدير بيتعامل مع سكرتيرته.
دام الصمت للحظات قبل أن ترتسِم إبتسامه ساخِره على شفتيه بينما عيناه ظلت على حالها من الثبات الذي تجلي في نبرته حين قال
بس إلى قاعد قدامي دلوقتي مش فرح سكرتيرتي؟
للحظه لم تفهم مقصده و لكن عيناه التي طافت فوق ملامحها و خصلات شعرها المُسترسِله على ظهرها فوصل إليها مقصده فتحمحمت بخفوت قبل أن تقول بتوتر
دا مالوش علاقه بمظهري على فكرة. أنا فرح في كل حالاتي.
و دي أحلي حاله فيهم. حطي دا في عين الأعتبار!
جاءت كلماته مُباغِته فجعلت حدقتيها تتسع للحظه فلم تكن تستوعب ما قاله هل كان ذلك غزلًا صريحًا منه؟
لم يتثني لها فهم ما يحدث إذ جاء الطرق على الباب و الذي لم يكن سوي «لأمينه» التي دخلت إلى الغرفه و هي تُطالِعها بنظراتها الثاقبه فعادت إليها ذِكري ما حدث فاتقد الغضب مرة ثانيه بداخلها و إلتفتت إليه قائله بجمود
أنا بره وقت ما تعوز نبتدي الشغل نادي عليا.
اومأ برأسه كإجابه بينما تبدلت نظراته إلى آخري جامدة صدمتها و لكنها لم تفصح عن صدمتها بل تحركت في طريقها إلى الباب مرورًا «بأمينه» التي أوقفتها قائله بلهجة ذات مغزي
فاجأتيني النهاردة يا فرح!
توقفت «فرح» بمُنتصف طريقها و ألتفت تُناظِرها بإستفهام قائله
يعني إيه؟
«أمينه» بنبرة ساخرة
وقفتك قُدامنا كُلنا عشان تدافعي عن أختك عجبتني و فاجئتني
«فرح» بنبرة جامدة.
عجبتك و فاهماها إنما فاجئتك ليه؟
«أمينه» بتخابُث
مش لايقه مع مظهرك الجديد يعني لو كنتي فرح إلى كانت هنا من ساعتين كانت هتبقي لايقه أكتر.
شعرت «فرح» كأن دلوًا من الماء المُثلج قد سُكِب فوق رأسها و فكنت إلى ما ترمي إليه تلك العجوز و قد أشعرها ذلك بغضب عارم و لكنها صُدِمت حين تابعت قائله بفجاجه.
هنصحك نصيحه و متزعليش من صراحتي بس أنتِ زي بنتي بردو و على وش جواز. يعني لما ربنا يبعتلك إبن الحلال هتبقي تعرفي قصدي كويس. الراجل مابيحبش الست إلى شخصيتها قويه و تقف تناطحه راس براس بيحب الست إلى تحسسه برجولته. و تبقي ضعيفه قدامه و لا إيه يا سالم؟
سالم بهدوء
في المُطلق الراجل بيحب الست تبقي قدامه ست و من وراه راجل.
شعرت بحريق يسري في معدتها جراء فجاجه تلك العجوز و لكنها أبتلعت جمرات غضبها و أرادت إحراقها و لكن ما أوشكت على الحديث حتى جاءت كلماته لتجهز على ما تبقي من ثباتها لذا قالت بنبرة قويه ثابته.
الراجل ضعيف الشخصيه قليل الحيله بس إلى بيخاف من الست القويه يا حاجه. و متقلقيش أنا هحط نصيحتك في دماغي من باب العلم بالشئ. بس لما آجي أختار شريك حياتي هختار راجل بجد. قوتي دي متهزوش بالعكس يبقي فاهمها صح. الراجل لما بيقع مراته بتبقي هي جيشه الوحيد و لو مراته دي ضعيفه وقليله الحيله هتبقي مُجرد عبأ عليه أما الست القويه بتبقي سند مش أي راجل يستاهله. عن إذنكوا.
قالت جملتها الأخيرة بينما أرسلت نظرات قويه لكليهُما و ألتفتت مغادرة و هي تقوم بقلب شعرها في حركة أستعراضيه أشعلت غضب «أمينه» على نقيضه فقد أثارت حركتها جميع حواسه و إنتفض شئ قوي بداخل قلبه بينما إلتفتت «أمينه» تُناظره بغضب و هي تقول
بنت قليلة الأدب.
كان «مروان» في الخارج يحاول تهدئه «حلا» التي كانت تنتحب و قلبها يؤلمها على ما حدث و مازالت تتذكر نظراته شقيقها التي كانت الخيبه ترتسم بها فهي تعشق أشقائها و لا تتحمل أن يغضب منها أحدهم.
خلاص بقي يا حلا أنتي قرفتيني من ساعة ما جيت و أنتي مش مبطله عياط.
«حلا» بإنهيار.
مش قادرة يا مروان أنت مشفتوش كان بيبصلي إزاي؟ نظراته كلها عتاب و خيبه أمل. كل ما افتكرها قلبي يوجعني أوي
نظر إليها «مروان» بغضب خفي و قال بنفاذ صبر
يا بنتي إيه إلى نظراته بتوجعك هو أنتي شيرين عبد الوهاب و لا حاجه. أومال لو كان لسعك قلمين على وشك كنتي عملتي إيه قطعتي شرايين إيدك. إيه الأوفر دا.
إرتفعت عيناها تُناظره بقرف و قالت حانقه
هستني إيه من واحد عديم الاحساس زيك.
عديم الإحساس إيه دانتي فلقتي أمي. ساعه حازم وحشك و بتعيطي و ساعه أخوكي مزعلك و بتعيطي يا شيخه دانا هقوم أصلي ركعتين شُكر إن ربنا مرزقنيش بأخت كان زماني وأدتها من تانيه إعدادي.
إحتدت نبرتها و هي تقول
كان زمانها ماتت منتحرة بسببك. و بعدين بقولك إيه أنت إبن عمي و أخويا و صاحبي يعني تتحمل كل مشاكلي و عياطي و قرفي و أنت ساكت فاهم و لا لا؟
أوشك على الرد عليها و لكنه لمح «جنة» التي كانت تتجول في الحديقه خلفهم فلفت أنظاره مظهرها الحزين فنظر إلى «حلا» قائلًا بتعاطف
دا باينه مرار طافح. شايفه أهي البت مرات حازم دي شكلها حكايتها حكايه و طالع عين أهلها هي كمان. فكرتني بشاديه في فيلم المرأة المجهوله يا عيني و لا أختها دي بت جبارة سنترت أمك و عرفت تخطف دماغ سالم و تخليه ينفخكوا كلكوا. و أولهم أنتي.
قال جملته الأخيرة و هو يُقهقه قوة فلكزته في كتفه و هي تتذكر ما حدث لتعود إلى البُكاء مُجددًا و هي تقول بغضب
بس يا حيوان بتفكرني تاني ليه؟ و بعدين البت دي مبطقهاش و هي سبب البلاوي و المصايب كلها.
«مروان» بسخريه
إيه دا و أنتوا روحتوا فين؟
يا إبني احترم نفسك هو كان حد جه جمبها و لا كلمها أصلًا
«مروان» بتهكم.
لا يا شيخه كنتوا اضربوها بفاس أحسن. دانتي و أمك كنتوا عاملين زي ريا و سكينه من شويه
ناظرته «حلا» بغضب و قالت
طبعًا لازم تيجي في صفها ماهي مرات حازم
شعر بما تريد قوله فثار غضبه و قال بحدة
قصدك إيه يا بت أنتي؟
قصدي أنت عارفه كويس. و بعدين على فكرة بقي أنا و سما في صف بعض و هي مش طيقاها و خليك عارف كدا عشان لو مش معانا تبقي ضدنا.
عند ذكر إسمها شعر بشئ ما داخله يتحرك بعُنف و لكنه حاول إرتداء ثوب اللامبالاة قائلًا
لا معاكوا و لا ضدكوا و شغل الحريم دا ماليش فيه. أولعوا ببعض.
اأنهي كلماته تزامُنًا مع صدور أصوات قويه حولهم مما جعل «حلا» تقترب منه خائفه و بعدها سمعوا صوت صرخات متتاليه فخرج الجميع على إثرها و فاجأهم صُراخ الخفير الذي هرول تجاههم قائلًا بهلع
إلحقوا ست جنة. إلحقوا ست جنة.
↚
ثم رفعت عيناها تستجدي ذلك اللين البعيد في عيناه و المُستوطِن أيسر صدره
بأي ذنب تقتُلني عيناك هكذا؟
ف ناظرها بجمود يُخفي خلفه صراعات عظيمة أنكرتها لهجته القاسية حين قال
خطاياكِ كثيرة و ذنوبك عظيمة أولها حيرتي و آخرها إنتِهاب قلبي!
نورهان العشري.
هرول الجميع إلى حيث أشار الحارس و كأن هو أولهم فما أن سمع إسمها و إستشعر قلبه أنها في خطر حتى صار يُصارِع الريح ليصل إليها و لكنه تفاجئ بالحارس يوقفه قائلًا
أستني يا سليم بيه أحسن تتأذي!
لم يتوقف و لكنه فهم ما يرمي إليه حين تفاجئ بوجود مجموعه كبيرة من الغِربان التي تُحلِق في السماء و تُصدِر صوتًا مُرعِبًا فانتفض قلبه خوفًا و ظل يبحث عنها بعيناه في كل مكان و لكنه لم يجدها فخرج إسمها من بين شفتيه بنبرة قويه مُتطلِبه تابعه من قلب مُرتعِب من أن يكون قد حدث لها مكروه و لكنه لم يجد إجابه خاصةً و قد علاَ نعيق الغِربان بصورة كبيرة زادت من حِدة غضبه و خوفه عليها فقام بإخراج سلاحه و إطلق عِدة أعيرة ناريه في الهواء حتى يتمكن من إسكات تلك الغِربان المشؤومه و التي إزداد نعيقها فقام بإطلاق لعناته قبل أن يهرول دون هُدي باحثًا في الجوار عنها و قد كانت كل خليه منه ترتجِف رُعبًا لا يدري من أي جهه تسلل إلى قلبه الذي لم يعرف الخوف طوال حياته و لم يُبالي بتِلك الكائِنات التي أخذت تحوم حوله و كأنها على وشك الهجوم و لكن أستشعر قلبه همسات ضعيفه و شهقات خافِته فإلتفت بلهفه ليتفاجئ بتلك التي تختبئ خلف أدوات الحديقه الضخمه التي يُغطيها غِطاء قديم فتوجه على الفور إليها فوجدها ترتجِف كأرنب مذعور هاجمته ذئاب شرسه مُتعطِشه للدِماء فأمتدت يداه إليها تجذبها اليه بلهفه بينما إرتفعت إحدي كفوفه تحت ذقنها و هو يقول بنبرة مُرتعِبه.
أنتي كويسه؟
لم تستطِع الحديث و كأنها فقدت صوتها و شُل لِسانها فقد كانت تتمشي في الحديقه بغير هُدي فتفاجئت بذلك العُش المُلقي على الأرض و بجانبه طائِر صغير بدا و كأنه تعرض لهجوم شرس أطاح برأسه و معظم أعضاؤه و قد آلمها ما حدث فحاولت النِداء على حارس الحديقه و لكنه لم يُجيبها فاقتربت و قامت بحمل الطائِر لتضعُه في عُشه و هي تُشفِق على والدته التي سينفطر قلبها ألمًا على صغيرها و لكن ما أن إمتدت يداها لتُلامِسه حتى تفاجئت بصوت مُرعِب من خلفها فألتفتت لتتفاجئ بغُراب كبير يقترب منها ففزعت و قامت بإلقاء الطائر من يدها ليندفع الغُراب تجاهها ينوي مهاجمتها ظنًا منه بأنها من قتلت صغيره فهرولت مفزوعه لتجد «مجاهد» الجنايني الذي ما أن رآي ما حدث حتى حاول تشتيت الطائر عن مُهاجمتها فقام بإلقاء حجر إليه فزاد نعيق الغُراب و بعدها تفاجئ بأفواج من الغِربان تتوافد عليهم فصار يصرخ مهرولًا إليهم طالبًا المُساعدة بينما هي وجدت ذلك الغطاء الذي كان أسفله أدوات الإهتمام يالحديقه فإختبئت تحته و صار قلبها يدُق كالطبول و جسدها يرتجِف كأوراق الخريف و ظلت تُردِد بشفاه مرتجفه.
لا إله إلا أنت سبحانك إني كُنت من الظالمين
جف حلقها من فِرط الرُعب و قد توقعت بأنها هالِكه لا محالة حتى عندما سمِعت صوته الآتي من بعيد فظنت بأنها تتوهم و لكن ما أن رأته أمامها لم تُصدِق عيناها و لكن رجفة قوية ضربت أعماقها حين شعرت بلمسته الحانية أسفل ذِقنها و يده الآُخري تُمسِك بمرفقها بلُطف حتى أطلقت زفرة قويه شعر بها تخترق قلبه أرفقتها بكلِمه واحدة جعلت نبضاته تتخبط بعُنف داخله حين قالت بتلعثم.
أنا. انا خايفه
تعطل الزمان حولهم و رُغمُا عنه تنحي عقله جانبًا و حجب قلبه كُل شئ ليجد يده تمتد دافنه رأسها في صدره و هو يقول بنبرة جديدة كُليًا عليه
متخافيش أنا جمبك.
كانت كلمته لها مفعول السحر الذي خدرها لثوان فلم تعُد تشعر بأنفاسها الهادِرة و لا ضربات قلبها المُتلاحِقه فقط أحضانُه الدافِئه و رائِحته التي أضفت شعور من الأمان إلى قلبها لم تختبِرُه مُسبقًا.
دام وضعهم لثوان و ربما دقائِق من يعلم؟ ليوقظهم من غفوه آمنه أبتلعتهم صوت قوي آتي من خلفهم ل «مجاهد» الذي هرول إلى غُرفته و هو يُنادي على «مروان» قائلًا بلهفه
مروان بيه تعالي معايا بسرعة
هرول «مروان» خلفه فتفاجئ به يُخرِج عصاة كبيرة و لف حولها شال أسود اللون و ناولها إياه و جلب واحدة آُخري لنفسه و قام بفعل نفس الشئ و هو يقول بصُراخ
يالا بينا نخوفهم عشان يمشوا.
لم يفهم ما يحدُث و لكنه فعل ما يقول «مجاهد» الذي توجه إلى حيث يتجمع ذلك السِرب و قام بالتلويح لهم و هو يصرُخ قائلًا
أعمل زيي
فعل «مروان» بالمِثل و هو يقول بإستفهام
هو إيه دا أنا مش فاهم حاجه؟
«مجاهد» بصراخ
بنعملهم فزاعة عشان يمشُوا. الغربان دول واعرين جوي و مهيسبوش طارهم واصل؟
صرخ «مروان» حين رآي الغِربان تتجه نحوهم
الله يخربيتك دول جايين علينا إحنا.
أچمد يا مروان بيه متبقاش خِرع أومال؟
«مروان» بإستنكار بينما يواصل ما يفعله
خِرع إيه يا راجل أنت. ما تحسن ملافظك. كان يوم أسود يوم ما رجعتلكوا
أخذ «مجاهد» يُلوِح بقوة و هو يتوجه إلى حيث تقبع «جنة» التي بدأ هدوئها يعود إليها شيئًا فشيئًا و حين سمِعت الأصوات حولها رفعت رأسها تُطالِعه بصدمة تجاهلها هو بينما عيناه تطوف على سائِر جسدها و هو يقول بإهتمام
أذوكي؟
لم تطاوِعها شفتيها على الحديث فهزت رأسها بقوة ليزفر براحة قبل أن يُعيد أنظاره إلى الطيور التي مازالت تحوم في السماء و كان كُلًا من «مجاهد» و «مروان» يُحاولان إخافتهم فإلتفت إليها ليجد مظهرها مُذري فزادت إرتجافة قلبه و أجبر نفسه على القول قائلًا بنبرة جامدة بعض الشئ
هتقدري تمشي؟
لم تُجييه إنما هزت رأسها بينما ملامحها المُتعبة تنفي ذلك تمامًا فقام بلف يده حول خصرها و يده الآُخري تُمسِك بيدها لمُحاولة العودة بها إلى القصر و لكن ما أن تحركت خطوتان حتى إلتفت ساقيها حول بعضهُما البعض و كادت أن تقع لولا يداه التي تلقفتها و بلحظه وجدت نفسها تطير في الهواء لتستقِر بين أحضانه محموله كالعروس ليلتقي بحرها الأسود مع جمرتاه المُشتعلتين دائمًا و لكنهما الآن يتوهجا بشكل مُختلِف كانت لحظه خاطفه قلبت كيانها رأسًا على عقِب كما فعلت به!
مُنذ أن رآها و هو يُبعِد نفسه عنها ليجدها تستقر دائمًا بين أحضانه تُغافِل عقله الذي يرفُضها و تُغوي قلبه الذي لا يعلم متي بدأ يشتهيها. كُلما إزدادت خطاياها أمامه كُلما وجد عقله لا يُفكِر ألا بها فبات يُقنِعه بأنها أفعي ترتدي ثوب الضعف لتُسقِطه في شراكِها و لكن لقلبه دائمًا رأيًا آخر مُتعلِلًا بأنه رجُلٌ صالِح و لا يقبل بأن يكون ظالِمًا و لكنه لم يكُن يُدرِك بأن قُربها منه بتلك الطريقه هو أكبر ظُلم قد يتعرض له في حياته.
بالكاد وصل بها إلى المنزل و هو يتجاهل كُل ما يشعُر به فوجد الجميع يُهروِل إليه و من بينهم «فرح» التي كانت تبحث عنها كالمجنونه لتفزع حين رأتها محمُوله بين يدي جلادها بهذا الشكل و قد صدمهم جميعًا مشهد الغِربان المُغادِرة بينما كان صوتها مُرعِبًا و كأنها تتوعد بالمجيء مرة آُخري.
بمُنتهي الرِفق وضعها فوق الأريكه بينما الجميع يقفون خلفه ينتظرون معرِفه ما حدث و قد كان أول المُتحدثين «فرح» التي أمسكت كوب المياه لتجعلها ترتشف منه بعض القطرات وهي تسأل بلهفه
هو إيه إللي حصل بالظبط؟
لم تستطيع الحديث فمازالت تحت تأثير ما حدث و مشاعرها التي فاجئتها اليوم كثيرًا بينما عيناها ظلت مُنخفِضه لا تقدِر على مواجهته ليتدخل «مجاهد» قائلًا بتوضيح.
أنا هجولك يا ست هانم. أصل كان في غُراب باني عشه على شچرة في الچنينه إلى ورا و النهاردة لجيت العِش دا واچع عالارض يظهر كدا والله وأعلم حاچه كلت وِلده و وجعت عشه و لما چيت عشان أرميه الست هانم بعتتلي و روحت أشوفها و بعدها طلعت على صوت الغُراب و چيت چري أشوف في إيه لجيت الست چنة ماسكه وِلده الميت فتلاقيه فكرها هي إلى جتلته فجعد يعمل الصوت دا بينادي على عشيرته ياچوا يچبوله حجه هو و وِلده.
كان الجميع في زهول تام من حديث «مجاهد»و سُرعان ما قالت «حلا» بصدمه
معقول الكلام دا هي الغِربان بتفهم عشان تعمل كدا
أجابها «مجاهد» قائلًا
أومال إيه يا ست هانم! الغِربان دي بتعمل محاكم زيينا أكده و عمرهم ما يسيبوا طارهم واصل
زفرت «أمينه» براحه و هي تقول
الحمد لله أنهم مشيوا من غير ما يأذوها
تدخل «مجاهد» قائلًا بخيبه.
ميتهيألك يا ست هانم دول لازمن ياخدوا طارهم منيها و هيرچعوا تاني عشان يأذوها
تدخل «سليم» غاضبًا
لو حصل و جم تاني و ديني لهصطادهم واحد واحد
«مجاهد» بذعر
لا يا بيه تبچي كدا بتفتح علينا أبواب چهنم دول كتير جوي جوي أُمم و عشائر و هياجوا ياخدوا طارهم لو لآخر نفس فيهم
تدخل «مروان» قائلًا بنفاذ صبر
طب و إيه الحل يعني نخليها تروحلهم شايله كفنها مثلًا!
خرجت ضحكه قويه من فم «حلا» رُغمًا عنها على حديث «مروان» و لكنها كتمتها إثر نظرات والدتها الصارمه و التي قالت بتوبيخ
دا مش وقت هزار. و أنت يا مجاهد قفل عالقصص الخربانه دي
أنهت جُملتها و إلتفتت إلى جنة و قالت بإهتمام خفي
عامله إيه دلوقتي؟
أومأت برأسها بخفه و قالت بصوت مُتحشرِج
الحمد لله
هُنا خرج صوت «فرح» الخائِف.
إحنا لازم نوديها للدكتور و نطمن عليها أحسن يكونوا أذوها و لا حاجه؟
إمتدت يد «جنة» تربت على يدها قائله بلهفه
لا ماخافيش ملحقوش. سليم لحقني قبل ما يوصلولي.
قالت جُملتها الأخيرة و هي تنظُر نحوه في خِلسه بينما زينت وجنتاها حُمرة الخجل و تزايدت ضربات قلبها إثر نظراته التي كان بها شئ مُختلِف و هو يُناظِرها و لكنه سرعان ما غلف نظراته بأُخري لا مُباليه تتنافي مع إرتجافه قلبه لدي رؤيه ذلك الشُعاع الذي يطل من بحرها الأسود الواسع الذي أصبح عليه المُقاومة حتى لا يغرق به أكثر.
تفاجئ ب«فرح» التي إندفعت إليه تقول بإمتنان.
مش عارفه أشكرك إزاي يا سليم بيه.
قاطعها حين قال بخشونه
أنا معملتش حاجه. أي حد مكاني كان هيعمل كدا
لم تتفاجئ من إجابته فهي تعلم مِقدار عجرفة تِلك العائِله و للحظه إشتبكت عيناها بخاصته و التي وجدت بها نظرة غريبه أربكتها و لكنها سُرعان ما تحولت لساخرة تتنافي مع لهجته حين قال أخيرًا موجهًا حديثه ل«جنة» المُستلقيه على الأريكه
مُتأكدة أنك كويسة؟
أومأت برأسها و هي تقول بخفوت
مُتأكِدة.
كانت تهاب« سالم» كثيرًا و تجلي ذلك بوضوح في عيناها و قد تذكر ذلك اللقب الذي أطلقته عليه و هو «الديكتاتور» فهو قد سمعها و هي تُخبِر الفرس بذلك و لذلك إرتسمت بسمة خافتة على ثغره سُرعان ما محاها فقد كانت دقيقة في وصفها لشقيقه فهو بالفعل ديكتاتور و لكنه تذكر بأنها أطلقت عليه لقب «هِتلر» و جُزء منه قد وافقها الرأي فهي لم تري منه سوي الجانب المُتوحش فقط.
كانت هناك عينان تُراقبه بإهتمام و تُحلِل جميع تعبيراته التي أشعرتها بأن هناك خطر مُحدِق يُحاوِطهم و قد قررت التصدي له...
تفرق الجميع و توجهت «حلا » إلى غُرفتها تبحث عن هاتفها الذي فرغ شحنه و قد وضعته على الشاحن و من ثم نسيته تمامًا في ظل ما حدث فتوجهت إليه و قامت بفتحه لتتفاجئ من مظهره الغريب خارجيًا و حين فُتِح الجهاز تجمدت الدماء بعروقها حين شاهدت تلك الصورة التي كانت لذلك المُعيد الذي دائمًا ما يوقعها حظها العاثر معه.
لم تكد تتجاوز صدمتها حين رن الهاتف فجأة و لدهشتها فقد كان رقم هاتِفها فأجابت على الفور ليأتيها صوته الغاضب حين قال صارخًا
أخيرًا حضرتك تكرمتي و فتحتي التليفون؟
جفلت من صُراخه و قالت بتلعثُم
إيه هو حصل إيه؟ و تليفون مين دا؟
جاءها صوته الغاضب حين قال مُتهكِمًا
بذكائِك كدا هيكون تليفون مين دا؟
تلبسها ثوب الغباء فقالت مُرددة حديثه
آه صحيح تليفون مين دا؟
نفذ صبره و قال بصُراخ.
تليفوووني. إلى حضرتك أتلخبطتي و خدتيه و سبتيلي تليفونك.
أيقظها صُراخه من حاله الصدمة التي سيطرت عليها و قالت بحدة
مسمحلكش تكلمني كدا على فكرة و بعدين ماهو أنت لو مكنتش ظلمتني و قولت عليا غشاشه مكنش زمان كل دا حصل
أبتلع غضبه بصعوبه بالغه قبل أن يقول مُحذرًا
متبدأيش بالعبط بتاعك دا عشان أنا على آخري و مش فاضيلك و بسببك اضطريت أأجل سفري و كل حاجه أتعطلت
خرج صوتها فرِحًا حين قالت
إيه دا بجد هو أنت مسافر؟
إندهش من نبرة الفرح التي تخللت صوتها و قال بإستنكار
ومالك فرحانه أوي كدا إني مسافر؟
خرج الكلام بإندفاع من بين شفتيها
والله دا يوم المُني لما تسافر. على الاقل أضمن إني مسقطش!
دا أنا إلى هضمنلك أنك متنجحيش طول حياتك لو تليفوني مجاليش دلوقتي أهوه سامعه؟
كان صوته غاضبًا يتخلله تهديد صريح جعلها تُدرِك ما تفوهت به و حجم الموقف الذي وضعت نفسها به بسبب إندفاعها فقالت تُحاوِل تهدئته.
طب و إيه العمل دلوقتي؟ هجبلك تليفونك إزاي أنا؟
أجابها بإختصار
أنتي ساكنه فين؟
«حلا» بغباء
أشمعنا؟
«ياسين» بتهكُم
أبدًا جاي أطلب إيدك!
للحظه شعرت بخفقه قويه في قلبها إثر كلمته التي أتبعها صوته الغاضب حين قال
أكيد عشان آجي آخد تليفوني يا ذكيه!
خرج صوتها مُتلعثِما حين أجابته بلهفه
لا طبعًا تيجي فين؟ مش هينفع خالص.
كان الغضب يأكله من الداخل من هذا المأذِق الذي وضعته به الظروف و لكن كان هناك سببًا آخر كان يستبعده و هو تلك الصورة لها مع ذلك الشاب التي كانت خلفيه لهاتفها و لا يعلم لما شعر بالغضب حين وجدها نعم كانت تجذبه كفتاة جميلة و لكنه لم يكن يشعر بأكثر من ذلك لذا حاول تناسي الموضوع برمته و لكنه لم يستطيع فظل طوال الليل ينظر إلى تلك الصورة بمشاعر مُختلطة منها غاضب و منها مُتهكِم و خاصةً و أنه يتذكر جيدًا أنه لم يجد خاتم خُطبة في إصبعها مما جعل هاجس يُهاجمه بقوة وهو أنها فتاة لعوب و لكنه تخلص منه على الفور و نهر نفسه ألا يكون شخصًا ظالمًا و حاول بكُل ضراوة أن يقمع فضوله الذي كان يُغريه بالعبث بهاتفها حتى يتأكد من ظنونه و ظل على حاله طيله الليل إلى أن غفي و الهاتف بيده و أستيقظ مُتأخرًا و حاول مِرارًا و تكرارًا الإتصال بها على هاتفه و لكنه كان دائمًا مُغلق مما أثار جنونه.
أنتِ عايزة تجننيني هو إيه إلى مش هينفع بقولك ورايا سفر و عايز تليفوني!
صمتت لثوان قبل أن تقول بغضب
على فكرة بقي مش لوحدك إلى عايز تليفونك أنا كمان عايزة تليفوني. بص هقولك أنت عرفني مكانك فين و أنا هحاول أجبهولك
زفر بحنق قبل أن يُخبرها بأنه سينتظرها بأحد النوادي فإستنكرت قائله.
أقابلك في نادي بتاع أيه أن شاء الله هو أنا كنت صاحبتك! بص أنت تستناني عند الجامعه و أنا هاجي أديهولك و آخد تليفوني و أمشي على طول.
أستغفر بداخله قبل أن يقول بإختصار
موافق
اتفقا على أن تكون المُقابله بعد نصف ساعه من الآن و بعدها قام بإغلاق الهاتف في وجهها مما جعلها تسُبه بداخلها جميع أنواع السُباب الذي تعرفه ذلك المُتحذلِق المغرور من يظن نفسه حتى يُعاملها هكذا.
كان «مروان» يتوجه إلى سيارته ينوي الذهاب إلى المدينه حتى يُحضِر بعض الاشياء ل«ريتال» أبنو أخاه التي تُعاني من مرض العُزلة و تخاف كثيرًا من الغُرباء فتفاجئ ب«حلا» التي كانت تُناديه و هي تلهث فقد قطعت المسافه من الأعلي إلى الأسفل ركضًا حين شاهدته من نافذتها يتوجه إلى سيارته فما أن سمع صوتها اللاهث حتى توقف و قال بإستفهام.
إيه يا بت بتجري كدا ليه؟ ليكون في حِدايه بتجري وراكي أنتي كمان
«حلا» بتهكُم
الحدايه دي تبقي خالتك يا خفيف
«مروان» بمُزاح
لا تبقي عمتك ياختي. واقفه في البلكونه بتبصلنا إزاي و لا أكننا سارقين عشاها
«حلا» من بين ضحكاتها
طب حاسب لتسمعك و تنزل تكسر دماغك. المهم قولي رايح فين كدا
«مروان» و هو يستقل سيارته
نازل إسماعيليه أجيب شويه حاجات عايزة إيه!
تفاجئ بها تستقل السيارة بجانبه و هي تقول
جايه معاك!
«مروان» بسخريه
ناقص قرف أنا! دانا طفشان منك تقومي تيجي معايا أنزلي يا بت مش طالبة وش
لم تكد تُجيبه حتى لمحت في المرآه «سما» التي كانت تُناظِرهم من بعيد فألقت عليه نظرة خبيثه قبل أن تقول بمكر
لو مطلعتش في خلال ثواني هتلاقي سما كمان جايه معانا. أنت حُر
ما أن سمع حديثها حتى أنطلق بسيارته و هو يقول بحنق.
لا و على إيه مش ناقص إلا الأرمله السوداء دي كمان تيجي معانا. مش طالبه كآبه
قهقهت «حلا» على حديثه و لم تعلق بشئ و حين وصلوا إلى المدينه إستغلت إنشغاله بمُكالمة هاتفية و قالت
بقولك إيه يا مروان نزلني عند الجامعه هقابل حد أديله طلب و آجي على طول.
↚
أومأ برأسه بينما ظل مُنشغِلًا بمُكالمتة الهاتفية و بينما هي تترجل من السيارة شاهدت ذلك الذي كان يقف بجانب سيارته أمام الجامعة ينظُر إلى ساعته و ه يزفر الهواء بحنق فتوجهت إليه بكُل غرور و خطوات مُتمهِلة و كأنها تُريد إشعال غضبه أكثر بينما رسمت قِناع البراءة فوق ملامحها و هي تقف أمامه تمد إليه هاتفه قائله بعنجهيه
تليفونك!
تابع ملامح وجهها و قد إغتاظ بشدة حين وقعت عيناه على ذلك الشاب في السيارة التي أقلتها فلم يستطع منع نفسه من توبيخها قائلًا
أكتر إنسانه غير مسؤوله و معندهاش تقدير للوقت شُفتها في حياتي!
تصاعد غضبها من توبيخه و قالت بإستنكار
غير مسؤوله و معنديش تقدير للوقت ليه إن شاء الله؟
ناظرها بسخط تجلي في نبرته حين قال
أولًا عشان موقف التليفون دا. في حد ينسي تليفونه و ياخد تليفون غيره كدا! لا و كمان قفلاه من إمبارح!
«حلا» بإندفاع
على فكرة دا كان فاصل شحن و أنا نسيته في الشاحن و نمت؟
«ياسين» بتقريع
مش بقولك غير مسؤوله أفرضِ خطيبك رن عليكي يلاقي تليفونك. مقفول كدا عادي
ناظرته بإندهاش و قالت بعدم فهم
خطيبي! خطيبي مين؟
رفع الهاتف في وجهها و خرجت الكلمات من فمه غاضبه حين قال
البيه إلى معاكِ في الصورة دا أيًا كان خطيبك و لا حبيبك و لا حتى صاحبك.
تحولت نظراتها حين وقعت على صورتها مع «حازم» في يوم ميلادها و ترقرقت العبرات في مُقلتيها و هي تقول بحُزن
دا لا خطيبي و لا حبيبي و لا صاحبي. دا أخويا.
سحبت نفسًا عميقًا قبل أن تُتابِع
الله يرحمه!
صدمة قوية نالت منه حين شاهد العبرات تترقرق في مُقلتيها و صوتها المُرتجِف و ملامحها الحزينة حين أخبرته عن شقيقها المُتوفي فتحمحم بحرج قبل أن يقول بنبرة هادئه
البقاء لله. أنا بعتذر مكُنتش أعرف.
هزت رأسها قبل أن تقول بصوت متحشرج
لا عادي محصلش حاجه. أتفضل تليفونك.
أخذ الهاتف من يدها و ناولها هاتفها فرفعت رأسها تُناظره بعينان حزينتان للغايه و هي تقول بنبرة خافته
أنا بعتذرلك عن إلى حصل؟ عن إذنك
نسي موعد سفره و نسي كل شئ و وجد نفسه يقول بإندفاع
لا أبدًا محصلش حاجه. لو حابه نقعُد نشرب حاجه شكلك متضايق
أجابته بحزن كبير
لا مش هينفع عشان متأخرش. و كمان عشان معطلكش عن سفرك.
رق قلبه لنظراتها الحزينه و ملامحها المُتألِمه و قال بلهفة
مفيش عطله و لا حاجه. أنا بس مش عايزك تمشي و أنتي متضايقه كدا. هو مُتوفي بقاله قد إيه؟
«حلا» بنبرة خافته مُتألِمه
أربع شهور
شعر بالشفقه على مصابها و تألم لأجلها كثيرًا و ظهر ذلك في نبرته حين قال مواسيًا
ربنا يرحمه. كُلنا هنموت دا قضاء ربنا و محدش له في نفسه حاجه.
هزت رأسها تُحارِب إنسياب الدمع مع عيناها و هي تقول بنبرة مبحوحة.
عندك حق. بس أنا مكنتش عامله حسابي أنه هيمشي بسرعة أوي كدا. حتى من غير ما يودعني!
ود لو يقترب منها و يُزيل بأنامله ذلك الدمع العالِق بين جفونها و يُزيح جُزءًا من حُزنها الذي لون ملامحها الجميلة و قد فهم لما كانت حزينة ذلك اليوم و ما أن هم بالحديث حتى تفاجئ من «مروان» الذي أقترب من «حلا» مُحاوطًا كتفها بذراعه و هو يقول مُستفسِرًا بلهجة خشنه من بين نظرات قاتمه
في حاجه يا حلا؟
أرتفع رأس «حلا» التي كانت نظراتها ضائعة حزينة و قالت بنفي
لا. لا أبدًا مفيش حاجه. أنا كنت بدي دكتور ياسين طلب و ماشيه على طول
رفع «مروان» حاجبيه إثر نظرات «ياسين» الغاضبة و الذي قال بغرورو هو يمُد يده ليصافحه
ياسين عمران. مُعيد في كليه الاداب
مد «مروان» يده يُصافحه و هو يقول بتحفظ
مروان الوزان إبن عم حلا.
إرتاح قليلًا عِندما علِم بهويته و لكن مظهره و هو يحتضنها هكذا أغضبه لسبب مجهول لذا آثر إنهاء اللقاء قائلًا برسمية تنافي رقته معها قبل قليل
متقلقيش يا حلا من الإختبار دا كان مجرد تقييم للمستويات. عن أذنكوا
لم تكد تُجيبه لتجده أنطلق بسيارته بطريقه لم تُعجِب «مروان» الذي ناظرها بغضب قائلًا
بت أنتي حالًا تقوليلي مين دا و جايه تديله إيه؟
ناظرته «حلا» بإندهاش من عدائيته و قالت بعدم فهم
في إيه يا مروان ما قولتلك دا المُعيد بتاعي و كُنت جايه أديله طلب
أيوا يعني إلى هو إيه الطلب دا؟
«حلا» بتنهيدة
لا دا موضوع طويل تعالي أحكيهولك في العربيه
و بالفعل إستقلا السيارة و قصت «حلا» عليه ما حدث في ذلك الإختبار و ما تلاه لتختتم حديثها قائلة بحُزن عميق
كان مفكر حازم خطيبي.
أشفق «مروان» عليها حين رأى يدها التي كانت تُمررها فوق ملامح وجهه في الصورة فحاول إخراجها من حُزنها قائلًا بتفكير
إزاي غابت عن بالي الفكرة دي!
نجح في جذب إنتباهها فقالت بعدم فهم
فكرة إيه؟
«مروان» ببراءة
عم مجاهد كان بيلف عمامة سودا عالعُصيان عشان يعمل فزاعة و يطرُد بيها الغِربان
«حلا» بعدم فهم
طب و إيه المُشكِلة؟
«مروان» بمزاح.
و يعمل فزاعة ليه و إنتي موجودة. دانتي لو طلعتيلهم بمنظرك دا كفيل يخليهم يقطعوا الخلف مش يهربوا بس.
إنهالت فوق رأسه بضربات مُتتالية و هي تقول بحنق
بقي أنا فزاعة يا حيوان طب و ربنا لهوريك.
كانت «جنة» مُستلقية على الأريكه بينما «فرح » قامت بوضع وسادة أسفل رأسها لترتاح أكثر في نومتها و إمتدت يدها تُمررها بحنان على وجنتيها قائلة
مرتاحه كدا؟
أجابتها «جنة» بإمتنان
مرتاحه يا فرح تسلم إيدك
«فرح» بحنان
مش عايزة أي حاجه اعملهالك قبل ما تروح القصر؟
لو ممكن تجبيلي كتاب اتسلي فيه من بتوعك.
ابتسمت «فرح» بحنان و توجهت إلى مكتبتها الصغيرة و قامت بجلب كتاب شيق تعلمه جيدًا و ناولتها إياه و ما أن إمتدت يدها لتُناولها إياه حتى إرتجفت يد «جنة» و سقط الكتاب أرضًا فوقعت منه ورقة صغيرة إهتز لها قلبها و قد علمت فحواها ما أن رأتها فقامت على الفور بإلتقاطها و وضعها في جيبها الخلفي بينما إرتسم الحرج و التوتر على ملامحها فقالت «جنه» بإستفهام
إيه الورقه دي يا فرح؟
«فرح» بنبرة مُهتزة
لا أبدًا دي ورقة كاتبه فيها شويه حاجات عجبتني في الكتاب. متشغليش بالك. أنا هروح دلوقتي و الخدامة هتيجي تقعد معاكِ عشان لو إحتاجتي حاجه. و أنا مش هتأخر هستأذن من سالم بيه و أجيلك على طول.
أنهت حديثها و توجهت للخارج و هي تتنفس بصعوبة فهي تخجل من معرفة شقيقتها بأنها مازالت تحتفظ برسائله للآن لم تعُد تُفكر به و جفت بحور الإشتياق بقلبها حتى أنها قامت بالتخلُص من كل ما يحمِل رائحته و لكنها أبقت على هذه الرساله حتى تُذكِرها بألا تثق في رجُل مجددًا و قد أتت في وقتها الصحيح فجميع الرجال خونه و كاذبون و هي لن تنخدع بهم مرة أُخرى فيكفيها ما نالها و شقيقتها منهم حتى الآن.
هكذا كانت تُقنِع نفسها و هي تتوجه إلى المكتب حيث وجدته كان يُجري اتصالاته و الغضب بادً على محياه و تجلي في نبرته حين قال
يعني إيه يا سلمي جايه تقول دلوقتي أنها مش هتقدر تسافر معايا. هو تهريج؟
زفر بحنق حين جاءه الرد على الطرف الآخر فقال بتهكم
توقيت مناسب للولادة! طيب أقفلي أنا هتصرف
ناظرته بإستفهام تجاهله حين قال بخشونه
جنة عامله إيه دلوقتي؟
أجابته بإختصار
كويسه الحمد لله.
كانت ملامحها مُتجهِمة و نبرتها قاتمه مما جعله يرفع إحدي حاجبيه قائلًا بإستفهام
مُتأكِدة؟
أومأت برأسها قائله
مُتأكِدة هكذب عليك ليه؟
لهجتها الباردة و ردها العدائي جعلوه شبه مُتأكِد من وجود خطب ما و قد شعر برغبة مُلِحه لمعرفته فقال مُراوِغّا
ميبقاش قلبك ضعيف كدا دي مُجرد غِربان و متحطيش كلام عم مجاهد في دماغك هو مزودها شويه
خرجت الكلمات منها بحدة أذهلته
و هي الغِربان دي مش كائنات حية و بتحس بردو زينا؟
أجابها بسخريه
أنتي معاهم و لا مع أختك؟
أنا مع الحق. و على فكرة عم مجاهد مش مزودها و لا حاجه الغِربان فعلًا بتعمل محاكم بينهم و بتطبق الحق إلى البشر مبيعرفوش يطبقوه!
قولي إلى عندك على طول مابحبش أسلوب رمي الكلام دا!
هكذا أجابها لتُدرِك أنها تمادت قليلًا فرسمت اللامبالاة على ملامحها و هزت أكتافها قائلة
لا مش ترميه كلام و لا حاجة دا مُجرد رد على كلامك مش أكتر.
شعر بكذِبها و لكنه لم يطيل الأمر كثيرًا إذ قال مُغيرًا
الموضوع
هتبقي نشوف الموضوع دا بعدين. المهم دلوقتي جهزي نفسك عشان هنسافر يومين شرم الشيخ
صدمها حديثه فقالت بإندهاش
نعم مين دول إلى هيسافروا شرم الشيخ؟
ناظرها بإستمتاع من مظهرها المصدوم و قال بهدوء ليُزيد من غضبها
أنا و انتي!
دا إلى هو إزاي؟
«سالم» بهدوء جليدي.
السكرتيرة بتاعتي معاد ولادتها كان أول الشهر و فجأة ولدت إمبارح و في مؤتمر مهم في شرم و مينفعش أعتذر عنه و أكيد مش هسافر من غير سكرتيرة فقررت أخدك معايا!
أبتسمت بتهكُم و تابعت بغضب
و حضرتك بتقرر بُناءًا على إني شنطه هتاخدها معاك؟
كان غضبها مُثيرًا بحق لذا تابع ليستفزها أكثر
لا بُناءًا على إني مُديرك و أنتي سكرتيرتي.
«فرح» بانفعال
بس أنا مش جاهزة للسفر دلوقتي
«سالم» بتقريع خفي.
السكرتيرة البروفيشنال مينفعش تقول للشغل لا. دا أولًا. ثانيًا و دا الأهم أنتي زعلانه ليه دي فرصة أختبر فيها قُدراتك و أشوف بعيني مؤهلاتك يمكن أعيد النظر و أقبل أشغلك في الشركه بتاعتي!
ذلك الرجل يمتلك نِصف إستفزاز العالم و أكثر من ثلث عجرفته و تود لو أنه يبتلع لسانه الذي يُلقي بها في فوهة بُركان ثائِر ويجعلها تعجز عن الرد على إستفزازه.
متنسيش إنك ماضيه عقد و أنا في شغلي مبهزرش.
كانت تلك الجُملة التي قالها ما أن رآي غضبها يتصاعد ليجعلها تبتلع جمراته بصعوبه قبل أن تقول من بين أسنانها
و السفر دا أمتا؟
النهاردة بالليل
أجابها بهدوء فأخذت نفسًا عميقًا بداخلها قبل أن تقول بإذعان
طب و جنة هعمل معاها إيه؟
متشغليش بالك بيها أنا هرتب كُل حاجة. ياريت تجهزي نفسك بسرعة. و مش مُحتاج أقولك تهتمي بمظهرك لإن دا مؤتمر عالمي و أنتي هتبقي واجهة لشركة كبيرة!
وصل غضبها لذروته و ودت لو تُمسِك بتلك المزهرية و تُحطِم بها رأسه لكي تشفي غليلها و تُطفئ نيرانها المُستعِرة و لكن أتتها فكرة جعلتها تهدأ قليلًا و قالت بهدوء أدهشه
طبعًا طبعًا دا شئ مفروغ منه. بس إلى أعرفه إن الإنسان بيتقيم من خلال شغله مش من خلال مظهره و دا المسموح لحضرتك تطلبه مني غير كدا لا. عن إذنك عشان اروح أجهز نفسي و أعرف جنة.
لم يُجيبها فقد علِم من ملامحها بأنها قد وصلت إلى ذروة الغضب فاكتفي برسم ابتسامة تسلية على ملامحه و هو يُناظِرها تُغادِر و لكن لفت انتباهه شئ صغير سقط منها فتوجه لرؤيته فوجد ورقة صغيرة مطويه تحمل عطرًا رجاليًا فجعد ما بين عينيه و قام بفتحها لتتجمد الدماء في عروقه و تتحول لبراكين غضب حين قرأ مُحتواها...
كان «سليم» في غرفتة يُمارِس الرياضه بعُنف و كأنه يُخرِج بها شُحنات و مشاعِر لا يستطيع التصريح بها تُطارِده كأشباح لا يستطيع مواجهتها جل ما يستطيع فعله هو الهرب منها و قد تجلي ذلك في حركاته العنيفه فوق الجهاز و قد تلاحقت أنفاسه و بدأت عظامه تئِن عليه وجعًا فترك ما بيده و أخذ يزفر أنفاسه بقوة و كأنه يطرُد رائِحتها العالِقة بصدره الذي توقفت نبضاتة حين سمع صوت والدته الآتي من خلفه.
بتهرب من إيه يا سليم؟
صُدِم «سليم» من كلماتها و ظهورها المُفاجئ و نظراتها الثاقبة التي كانت تُطالِع حالتة التي جعلتها تتأكد من ظنونها و شكوكها حوله و قد فهمت مُحاولته لمُراوغتها حين قطب جبينه مُدعيًا عدم الفهم
بهرب! سليم الوزان مبيهربش يا حاجه. دانا حتى تربيتك
أقتربت منه «أمينة» قائله بنبرة ذات مغزى
و دا عشمي فيك يا سليم
رفع إحدي حاجبيه قبل أن يقول بإستفهام.
وراكِ إيه يا حاجه كلامك دا مش من فراغ
ابتسمت «أمينة» و هي تُطالِعه بفخر قبل أن تقول.
يوم ما ولدت سالم فرحة الدنيا مكنتش سيعاني إني جبت لأبوك الولد و كنت أقعد أناكف فيه و اغنيله يوم ما قالولي ولد ضهري أتشد و أتسند كان يضايق و يقولي و أنتي حد يقدر يدوسلك على طرف يا أمينة كنت أضحك و أجري عليه أصالحه و لما ولدتك أنت جري هو عليا و باس راسي و قالي بقيتي أم الرجالة يا أمينة. عملتيلي العِزوة إلى كان نفسي فيها. أبوك كان حاسس بالوحدة بسبب أن عمك عاش طول عمره بره فكان عايز يعمل عيلة كبيرة و محسش أنه عملها غير لما جيت أنت. يومها قربت منك و حضنتك أوي عشان كنت سبب في فرحة كبيرة ليا و ليه. أنت إلى عملتنا عيلة. بعد ما جيت أبوك بطل يتحايل على عمك عشان يرجع و قالي خلاص عزوتي حواليا. و فعلًا كنت طول عمرك أنت و أخواك عزوته و سنده. و هو بيموت قالي أنا مطمن عليكي عشان سايبك وسط رجالتي يا أمينة.
رقت ملامحه لحديث والدتة التي ذكرته بوالده الراحل و ذكرياتهم الرائعة معه فاقترب منها و قام بإمساك يدها و قبل باطن كفها و هو يقول بحُب
إحنا نفديكي بعنينا يا ست الكُل
مدت يدها تُمررها فوق خُصلات شعره و هي تقول بحنان
تعيشلي يا حبيبي. ربنا ما يحرمني منك و يهديك ليا أنت و أخوك و أختك.
شعر بشئ ما بين طيات حديثها و لكنها تابعت بنبرة ذات مغزي.
ولاد منصور الوزان إلى بفتخر بيهم و أنهم نسخة من أبوهم إلى عمره ما صغرني و لا خلاني رجعت في كلمة قولتها أبدًا و أكيد انت هتبقي زيه
إيه رأيك يا حاجة تقولي إلى أنتي عيزاه مرة واحدة أحسن
شاكسها «سليم» فابتسمت قبل أن تُثقِل نظراتها و هي تقول بتمهُل
في يوم من الأيام طلبت سما عروسه لحازم و الناس كلها عرفت أنها عروستنا و بعد موت حازم مينفعش أرجع في كلمتي.
لم يستطيع فهم ما ترمي إليه فألقت بقُنبلتها قائله دفعة واحدة
عيزاك تتجوز سما يا سليم!
↚
كُل تِلك الدموع التي بللت وسائِدنا ليلًا و تِلك الجروح التي أغتالت براءتنا يومًا و تِلك الندبات التي شوهت قلوبنا أبدا ستُسألون عنها في يوم لا ريب فيه.
نورهان العشري.
عيزاك تتجوز سما يا سليم!
للحظة لم يستوعب جُملتها التي كان كُل شئ به يستنكِرها بداية من عقله الذي ظن للحظه بأنه يتخيل إلى جسده الذي تراجع خطوة للخلف بينما ملامح وجهه إنقبضت و تجعدت بصورة كانت كفيله بإيصال رفضه القاطع لهذا الهُراء الذي تفوهت به و لكنها لم تتقبل ردة فعله تلك فإزدادت نبرة صوتها قوة و هي تقول بغضب
سليييم!
تجاوز صدمته و خرج الكلام من فمه مُحملًا بأطنان من شُحنات الغضب الذي ملئ صدره حين سمع حديثها
ماما أنتي سامعه نفسك بتقولي إيه؟ سما مين دي إلى أتجوزها!
«أمينة» بحدة
سما بنت عمتك!
«سليم» بصرامة
قصدك سما أختي يا ماما! أختي إلى كُنت بشيلها على إيدي و هي صغيرة. إلى كُنت بقولها لو جوزك زعلك هكسرلك دماغه. إلى كانت مفروض هتبقي مرات أخويا! دا مُستحيل يحصل!
وصلت إلى مُبتغاها فاقتربت منه خُطوة بينما لوَن المكر ملامِحها و أختلط بنبرة صوتِها الهادِئه حين قالت
طبعًا أنا مقدرة أنت كنت بتحب حازم الله يرحمه قد إيه و إنك تتجوز مراته.! أو إلى كان مفروض تبقي مراته دا شئ مُستحيل بالنسبالك.
وصلت بحديثها إلى منطقة ألغام أوشكت على الإنفجار بقلبه حين وصل إلى عقله الأسباب الخفيه لحديث والدته و التي لابُد و أنها قد شعرت بشئ ما خاطئ يحدُث حولها و لهذا حاولت إرجاع الأمور إلى نصابِها الصحيح و هو أكثر من شاكر لفعلتها تِلك لذا أخذ نفسًا قويًا عله يُطفئ نيران ضارية إشتعلت بقلبه قبل أن يرتدي قناع القوة و الصرامه التي تجلت في صوته حين قال.
بالظبط. مستحيل! مستحيل أتجوز واحده كانت في يوم من الأيام ملك لحد غيري سواء بقلبها أو عقلها أو جسمها. فما بالك بقي لو الحد دا يبقي أخويا!
«امينة» بمراوغة
بس يا سليم.
قاطعها بحدة
مبسش يا ماما قفلي عالموضوع دا و متفتحيهوش تاني أنا كلمتي واحدة فيه.
لا أحد يُدرك حجم الألم عِندما تختار بإرادتك الإبتِعاد عن أشخاص لا تعلم كيف و متي أصبحوا الأقرب إلى قلبك.
مُتأكِدة يا «جنة» أنك هتقدري تقعدي اليومين دول لوحدك؟ صدقيني أنا مش مُجبرة أبدًا على السفرية دي و ممكن أعتذر عنها لو.
كان هذا حديث «فرح» التي كانت تشعر بالقلق من ترك شقيقتها بمُفردها وسط هؤلاء البشر الذين لا يعرفون أي شئ عن الإنسانية و اللُطف و لكن جاءت كلمات «جنة» المُطمئِنة حين قاطعتها قائلة.
دي تالت مرة يا فرح تقولي الكلام دا. صدقيني أنا هبقي كويسه. والله ما تخافي عليا أبدًا بعد إلى سالم بيه عمله النهاردة عمر ما حد هيقدر يبصلي بصه متعجبنيش. و بعدين أنا أساسًا مش هختلط بحد منهم يدوب وقت الأكل و هطلع الاوضه إلى جهزوهالي أقرأ شويه وأذاكر شويه لحد ما الكام يوم دول يعدوا و تيجي بالسلامة
أخرجت شُحنات قلقها في زفرة قويه قبل أن تمتد ذراعيها تُعانِق شقيقتها بقوة و حنان تجلوا في نبرتها حين قالت.
تاخدي أدويتك في معادها و تهتمي بأكلك و أوعي تسمحي لحد يضايقك و لو حصل فورًا تتصلي عليا هاجي أكسرلك دماغه. شرم مش بعيدة هحجز على أول طيارة و أجيلك على طول و يغور سالم الوزان هو و شغله إلى بلانا بين دا.
أبتسمت «جنة» على حديث شقيقتها التي لم تمل من تكرار نصائِحها و بين كُل كلمة والآخري تُشدِد من عِناقها لها فأخذت تحمِد ربها كثيرًا على شقيقة بنكهة الأم التي حُرِمت منها و لكنها كانت عوضًا لها عن كل شئ.
انتهت من جمع حقائِبها و التي كانت عبارة عن واحدة مُتوسطة بها ملابسها و مُتعلقاتها الشخصية و أخرى كانت صغيرة بها حاسوبها الشخصي و مُتعلقات خاصة بعملها و توجهت لتخرُج من باب المُلحق و ما أن أصبحت أمامه حتى إلتفتت تنظُر إلى «جنة» بعينان دافِئتان ثم فردت ذراعيها تُعانِقها بكُل ما تملك من حُب و حنان نابع من قلب يتمني أن يجد من يُعانقه و يربُت عليه بلُطف و يُخبره بأن كل شئ سيكون على ما يُرام. و لكن كعادتها أكتفت بالعطاء دون أن تجروء على الأخذ و كان هذا أحد أكبر أسباب مُعاناتها في هذه الحياة.
مسحت دمعة يتيمة فرت من طرف عيناها قبل أن تلحظها «جنة» التي لامست الحُزن بين طيات نظرات شقيقتها فقامت بإمساك كفها و وضعت بينهما قُبلة رقيقة إهتز لها قلب «فرح» التي زادت دقات قلبها بعُنف فلم تكن تتخيل فعلة شقيقتها تلك و خرج الكلام مُتقطِعًا من بين شفتيها
جنة. أنتي. بتعملي. إيه؟
«جنة» بحنو انبعث من عيناها قبل شفتيها.
أنتي أغلي إنسانه عندي في الدنيا يا فرح. أمي و أختي و صاحبتي و كل حاجه في حياتي. أنا محظوظة بيكي جدًا. أي حد أنتي موجودة في حياته يبقي محظوظ بيكي. أرجعيلي بألف سلامة عشان ماليش غيرك.
كان كل هذا يدور أمام عيناه الصقرية التي لا تغفل عن شئ أبدًا و بالرغم من كون الغضب يأكُله من الداخل بسبب تِلك الرسالة اللعينة التي جعلته لأول مرة يختبر ذلك الشعور القاسي حين شعر بضلوعه التي إنقبضت بقوة مُعتصرة قلبه بين شقيها لينتج عن ذلك ألم حاد سري كالنيران بين أوردته فأصبح كل إنش في جسده يأن ألمًا و غضبًا
أسبقيني عالعربية.
خرجت تلك الكلِمات المُقتضبة من بين شفتيه فلم يعُد يتحمل الإنتظار أكثر و أقترب موجهًا حديثه إليها بينما عيناه إستقرت على «جنة» التي طالعته برهبة حين قال
أوضتك فوق جهزت هتقعدي فيها لحد ما فرح ترجع. و الكلام إلى قولته جوا تحُطيه حلقة في ودنك.
ألقي بأوامره و ألتفت مُغادرًا بشموخ كما أتي تاركًا خلفه «جنة» التي كانت ترتعِد من فكرة البقاء معهم بمفردها و لكن ما باليد حيلة و عليها التحلي بالشجاعة في مواجهتهم حتى يأتي طفلها سالمًا و بعدها يحدُث ما يحدُث.
بعد مرور نصف ساعة دلفت «جنة» إلى داخل القصر و خلفها إحدي الخادمات التي كانت تحمل أشياءها و ما أن خطت أول خطوتان إلى الداخل حتى تفاجئت به يقف أمامها وجهًا لوجه فتجمد للإثنان للحظة و تبدلت النظرات المُشتعِلة التي لطالما كانت تُحيط بهما ما أن يجتمعا إلى أُخري مُمتنة خجِلة من جانبها و غامضة مُتحفظة من جانبه جعلتها تشعر بوجود خطب ما و لكنها تجاهلت حدثها حين رأته على وشك تجاوزها فقالت بنرة رقيقة.
سليم بيه.
تجمد للحظه حين سمع ندائها المُتلهِف له و نبرتها الرقيقة التي جعلت نبضاته تتعثر بداخله و لكنه أتقن رسم قِناع الجمود على ملامحه حين إلتفت إليها فتابعت بخجل و توتر
كنت عايزة أشكرك على إنقاذك ليا النهاردة.
كان لحديثها وقع خاص على قلبه الذي لأول مرة لا يعرِف كيف يُسيطر عليه فأكتفي بإيماءة بسيطة من رأسه أصابتها بخيبة أمل عندما لم يتكلف عناء الرد عليها فأومات هي الأُخرى و همت بالإلتفات تنوي الدلوف إلى داخِل القصر فأوقفها حديثه حين قال بخشونة
خلي بالك. المرة الجاية ممكن مكونش موجود عشان ألحقك.
صدمتها كلماته التي كانت تحمل معاني أُخرى لم تفهمها فجعدت ما بين عيناها بحركة طفولية لامست شئ ما داخله و قالت بإستفهام
يعني إيه؟
زفر الهواء المكبوت في صدره دفعة واحدة بينما إصطبغت حدقتاه باللون الأحمر قبل أن يقول بنبرة قاسية
يعني يبقي عندك شئ من المسئولية تجاه الطفل إلى شيلاه جواكي دا و تبطلي تعرضيه و تعرضي نفسك للخطر كل شوية.
غامت عيناها بتأثر قبل أن تقول بنبرة مُرتجِفة
أنا والله مكنتش اقصد. إلى حصل؟
قاطعها بحدة
مش عايز أعرف إيه إلى حصل بالنسبالي النتيجة واحدة أن إبن أخويا كان هيتأذي.
قال جملته الأخيرة بتمهُل و كأنه قاصدًا أن يُقحِمها إلى داخِل عقله الغبي الذي كان هو الآخر يُعانده و ينساق خلف أحاسيس لعينة لا يعلم من أين هاجمته. و بينما هو يتفنن في إظهار قسوتة شاهد طبقة كريستالية من الدموع تتشكل في حدقتاها و كان من الواضح أنها تُقاوم بشدة حتى لا تسمح لها بالفِرار و قد تجلي ذلك في نبرتها المُختنقة حين قالت
عندك حق. مرة تانيه شكرًا عشان تعبتك معايا.
بصعوبة كمم صُراخ قلبه الذي كان ينتفض غضبًا و ألمًا على مظهرها و قال بقسوة نابعة من قهر يأكُل داخله
أنتي فعلاً مُتعبة. الأصح أنك كارثة ماشية على الأرض. و مش بس خطر على نفسك لا دانتي خطر على كل إلى حواليكي.
إنقبض قلبها جزعًا حتى آلمها و شعرت بشئ حاد يخترق صدرها الذي شعرت بنزيفه جراء تلك الإتهامات الشنعاء التي ألقاها بها و ما زاد من ألمها أن شئ ما بداخلها أخبرها بأنه على حق فهي كارثة و حلت على حياتهم و قد مزقها ذلك الشعور إربًا و لكنها حاولت التمسُك بخيط رفيع من الثبات حين قالت بنبرة أشبة بالهسيس
عندك حق. أوعدك دي آخر مرة هتسببلك في أي متاعب. عن إذنك.
هرولت إلى الخارج تسبقها عبراتها التي فرشت الطريق أمامها و كلما ترددت كلماته المُؤلمة في عقلها يزداد تدفُق عبراتها أكثر حتى غامت الرؤية أمامها و سقطت جالسة على رُكبتيها تبكي كما لم تفعل من قبل كانت تبكي قهرها و ظُلمها و ألمها الذي كان كسِرب حمام يمتد من بغداد إلى الصين. و بينما هي في حالتها الكارثية تلك تفاجئت بذلك الظِل الذي أقترب واضعًا كفه على كتفيها فرفعت رأسها لتشتبك عيناها مع آخري زيتونية صُدِمت حين رأتها.
كذِب الرجال و لو صدفوا! هذا هو شِعار كُل أُنثي طال قلبها الوجع و بُتِرت أجنحتها بيد ذلك الذي خلقها بصدرها يومًا...
كان الجو مشحونًا بالتوتر منذ أن وطأت أقدامها السيارة و كان الصمت حليفهُما فحتي التحيه لم يتكبد عناء ردها بل أكتفي بإيماءة بسيطه من رأسه و كأن هذا الرجل مُصاب بداء إنفصام في الشخصيه. فتارة يكُن ظريفًا متجاوبًا و تارة يكن فظًا مُتغطرِسًا و الأدهى أنه دائمًا ما يُفاجئِها بردات فعله فعندما تنوي أن تتعامل معه برسميه كرب عمل تأتي شخصيته الظريفه لتجعلها تتجاوب معه دون إرادتها و حين تتعامل معه ببساطة يُفاجئِها بشخصيته المُتعجرِفه. لا تعلم أي شخصيه هو؟ و لا كيف تتعامل معه و مع شخصياته؟ فيكفيها ما تمُر به من إنفعالات و أحداث صاخبة تجعلها لا تحتمل أي شئ آخر قد يُزيد من مُعاناتها.
توقفت السيارة أمام ممر الطائرات و قام بالترجل منها دون التفوه بحرف بينما قام السائق بالإلتفات و وفتح بابها بإحترام فترجلت هي الآخري لتجده يتوجه إلى طائرة بدت و كأنها خاصة فتبعته بينما قام أحدهم بجلب حقيبتها و وضعها في أحد الأماكن بالطائرة التي كانت بالفعل خاصة فكان بها أريكتين مُتقابلتين بينهما طاوله و قد كان هو يجلس على إحداهما فإختارت هي الجلوس على الآخري المقابله له بهدوء كي لا تفسد ذلك الصمت المطبق المحيط بهما و لكن حين جاء وقت الإنطلاق تعاظم الخوف بداخلها فحاولت التحدث حتى تتناسي الأمر عل ذلك يهدئ من أدرينالينها الذي ارتفع عن معدله الطبيعي لذا قالت بنبرة متوترة قليلا.
هي الطيارة دي بتاعتك؟
لا سالفها!
كانت إجابته مقتضبه مختصرة ساخرة بطريقه أثارت حنقها فأخذت جرعه كبيرة من الهواء تحبسه بداخلها عله يُهدئ من نيران الغضب الممزوج بخوف ظهرت ملامحه في عيناها و على تقاسيمها و لكنها أبدًا لن تفصح عنه و لم تكن بحاجه لذلك فقد إلتقمته عيناه الخبيرة فتحدث بخشونه
أول مرة تركبي طيارة؟
اتبعت نفس منهجه في التعامل فأختارت أن تكون إجابتها مختصرة و بإقتضاب تمامًا كما فعل معها
أه.
كانت تنظُر إلى جهة النافذة بينما تعتصر كفوفها ببعضهم البعض لتتفاجئ بظل ثقيل يُخيم فوقها فإلتفت لتصطدم بعيناه الصقريه التي كانت قريبة جدًا منها تُناظرها بطريقة جعلت الدماء تتجمد بعروقها و أنفاسه التي كانت ساخنة ملتهبة أشعلت حرارة جسدها و تجلي ذلك في خديها المُحمران بشدة و ضربات قلبها التي كانت تدُق بعُنف تردد صداها بأذنيها التي إلتقطت صوت إغلاق و الذي لم يكن سوي لحزام الأمان الذي قام بغلقه لها ثم عاد إلى مقعده بكل هدوء و ثبات تجلي في نبرته حين قال.
لازم تربطي حزام الأمان قبل الإقلاع!
مازال الإرتباك و الخجل يلونا تقاسيمها مما جعل نبرتها مهتزة حين قالت
لو قولتلي كنت قفلته!
كانت عيناه تُتابع شي ما على حاسوبه بينما أجابها بلامباله
لقيتك سرحانه في الشباك قولت أسيبك لاحلام اليقظه بتاعتك!
فرح بصدمة ممزوجه بإستنكار
أحلام اليقظة!
سالم بفظاظة
هو مش بردو السرحان بالنهار بيسموه أحلام يقظة؟
انقشعت الصدمة و حل محلها غضب حارق تجلي في نبرتها حين قالت.
مكنتش سرحانه على فكرة و جو المراهقات و الأحلام دا مش بتاعي. و أفضل بعد كدا لو في حاجه مفروض اعملها حضرتك تنبهني و أنا أعملها. مش عايزة اتعبك
هز رأسه و لم يُجيبها مما جعل أسنانها تصطك من الغضب الذي حاولت ابتلاعه و لم تفلح فأخذت تُخرجه مع زفيرها علها تهدأ قليلًا بينما كان هو مُنشغِل بمُتابعة أعماله و لم يُعطيها أي إنتباه فقامت بإخراج حاسوبها و دفتر مُلاحظاتها و نظرت إليه قائله بعملية.
هنقعد هناك قد إيه؟
معرفش
أجابها بإختصار فقالت بحنق
يعني إيه. هو مش المفروض تكون عارف هتقعد هناك قد إيه؟
و إيه إلى فرضوا؟
يعني. كل أصحاب الشركات لما يروحوا مؤتمرات بيبقوا عارفين هيقعدوا قد إيه عشان وقتهم بيكون ضيق
أنا غير كل أصحاب الشركات إلى تعرفيهم!
ذلك الرجل يستطيع أن يُنافس على لقب بطل العالم في الأستفزاز و التعجرف. كم تتمني لو أنها تستطيع أن تُمسِك بحاسوبها و تهوي به فوق رأسه اليابس هذا و تُحطِمه. فهذا هو الشئ الوحيد الذي سيجعلها تتنفس براحة
هسهست بغضب
اللهم طولك يا روح
سالم بتهكم
شاطرة قولي الدعاء دا على طول. عشان أنتي محتاجه فعلًا!
حاولت ألا تندرج تحت طائله إستفزازه و قالت بنبرة هادئه بعض الشئ
في حاجه مُعينه هتبقي محتاجها مني؟
رقع رأسه ناظرًا إليها بعينان صقريه تُخفي داخلها أكثر مما تُفصِح فسارعت بتفسير معني حديثها قائله بنبرة متزنه
أقصد في الترتيبات و كدا.
تحولت عيناه إلى الحاسوب أمامه و قال بإختصار
لا.
أول ما نوصل هيكون في أي اجتماعات أو.
قاطعها قائلًا بخشونه
لما نوصل هتعرفي!
أبتلعت حنقها من رده المستفز و قالت بنفاذ صبر
تمام برنامجنا هيكون إيه عشان أقدر أنظم وقت حضرتك هناك.
كرر جملته السابقه بنفاذ صبر
لما نوصل هتعرفي!
جعلها رده تحترق كمدًا من ذلك المُتعجرِف المغرور و الذي لسوء حظها مُجبرة على التعامُل معه و التحلي بالصبر لكونه رب عملها بل أسوء رب عمل قد يُقابله المرء في حياته و قد قررت بداخلها أن تتركه يذهب إلى الجحيم فقامت بغلق حاسوبها و إدخال دفتر مُلاحظاتها إلى الحقيبه و هي تقول بنفاذ صبر
أوك. لو في شئ أقدر أساعدك بيه ياريت تبقي تعرفني!
في!
↚
أجابها بإختصار بينما عيناه تُناظِرها بحنق لا تعرف كنهه فقامت بإمساك قلمها و دفتر مُلاحظاتها و قالت بعمليه
اتفضل أقدر أساعدك بأيه؟
تسكُتي!
برقت عيناها من صدمة كلمته و التي أتبعها بصدمه أُخرى جعلت الدماء تفور في أوردتها غضبًا
ياريت تسكتي عشان أعرف أركز في إلى بعمله!
وغد. وقح. متغطرس. بارد. مغرور. كان لسان حالها يُردد تلك الكلمات التي تُحاول بأعجوبة أن لا تقذفها بوجه ذلك الوغد الذي يستحق صفعة قوية على وجهه حتى تشفي غليلها و لو قليلًا و لكن للأسف كانت تلك أمنيه صعبة المنال كثيرا لذا حاولت تهدئه نفسها و إبتلاع غضبها قبل أن تتمتم بخفوت من بين أسنانها
تمام. هسكت.
أطلقت جأشة مكبوته من أعماق صدرها و هي تنظر إلى النافذة تُحاوِل تناسي ذلك البغيض الذي يجلس أمامها كتمثال حجري لا يمُت إلى البشر بصله بل كان أسوأهم على الإطلاق و هي الغبية التي كانت تنجرف نحو مُخططاته بكل سهولة و في اللحظة التي تتخذ قرارها بالإبتعاد عنه حتى تجد نفسها تنغرز معه أكثر و قد كان هذا ثاني شئ يُغضِبها في هذا الحياة بعد وجوده فيها.
قاطع تفكيرها صوت أنثوي رقيق لفتاة جميلة ترتدي زي المُضيفات.
سالم بيه ازي حضرتك؟
أومأ برأسه قبل أن يقول بتحفُظ
أهلًا
الفتاة بلُطف
أنا مي صاحبة حلا. حضرتك مش فاكرني و لا إيه؟
لم يتذكرها على الفور و لكن عيناه ألتقمت تلك التي كانت تُتابِع الموقف بعينان يأكُلهما الفضول لذا إرتخت ملامحه قليلًا قبل أن يقول بإبتسامة جميلة
لا طبعًا فاكرك
تهللت أسارير الفتاة التي قالت بإمتنان.
أنا كنت حابة أشكُر حضرتك جدًا أنك أدتني فرصة للشغل هنا. أنا كنت محتجاها فعلًا. تقريبًا حلا قالتلك على مشكلتي وو
هُنا تذكر تلك الفتاة التي ظلت «حلا» تستعطفه و تتوسل إليه لأسبوع أن يجد لها وظيفة بعد أن أهاننها زوجها و سرق جميع متعلقاتها لذا تحدث مستدركاً
آه أنتي إلى كُنتي متجوزة واحد زميلك و تقريبًا أطلقتي؟
الفتاة بحزن طفيف.
فعلًا. هو مطلعش قد المسؤوليه و كان عايزني أنا إلى اصرف عليه و أستغل حبي ليه كتير و لما رفضت الوضع دا بهدلني و أخد حاجتي كلها و
قاطع إسترسالها في الحديث فلم يكُن يهتم لقصتها بل كان يُجاريها في الحديث لسبب خاص بداخله لذا قال بإعجاب
بس أنا شايفك دلوقتي أحسن
عادت الإشراقة إلى وجهها لدي سماعها كلِماته و قالت بلهفة
آه الحمد لله أنا كُنت فين و بقيت فين؟ بس صدقني يا فندم والله بصعوبة قدرت أتغلب عالي شفته!
سالم بتخابُث
الحقيقة يا مي أنتي من الشخصيات الجديرة بالإحترام يعني إلى مريتي بيه مكنش قُليل و أنك تقدري تتخطيه في وقت قياسي كدا. بحييكي بصراحه
انشرح صدرها لحديثه فقالت بعدم تصديق
دا بجد يا فندم؟
طبعًا
كانت تُراقِب ما يحدث بأعين جاحظه من فرط ذهولها فهل هذا الكائِن المُتحضِر هو الوقح الذي كان يُحادِثها مُنذ قليل؟ بل و يُطلِق كلِمات الغزل و الإطراء التي ظنت أنها لا وجود لها في قاموسه؟
كانت غاضبه بشدة لا تعلم السبب و لم تبحث وراءه كثيرًا أو فضلت عدم البحث تعلم بأن النتائج سوف تكون غير مُرضيه لها و لكن ما يعتريها كان رُغمًا عنها لا تمتلك القدرة لردعه أو قمعه!
قاطع شرودها لهفة الفتاة التي إرتسم الهيام على ملامحها قبل أن تقول بنبرة رقيقه خجِلة
والله دا شرف كبير ليا يا سالم بيه أن حضرتك تقول في حقي الكلام الجميل دا
تابع لُعبته التي من وجهة نظره أتت بنتائجها و قال بإطراء.
أنتي تستحقي كل خير و لازم تبقي فخورة بنفسك.
الفتاة بإندهاش
والله يا فندم كلام حضرتك دا شهادة أعتز بيها
كانت عيناه الماكرة ترصُد حركات فمها المُرتعِشة و يدها التي كانت تشتد على مقبض المقعد الخاص بها لذا قرر أن يضرب في أكثر الأماكن حساسية فتابع بتخابُث و هو يضغط على كل حرف يتفوه بها.
تستحقي كدا و أكتر يعني بعد كل إلى أتعرضتيله من واحد كان جوزك و قدرتي تتجاوزيه في فترة قليلة. و ترجعي للحياة من جديد. و كمان أثبتيلي نظرية أن الست بتحلو جدًا بعد الإنفصال
يا فندم مش عارفه أقول لحضرتك إيه دا حضرتك إلى عنيك جميلة والله.
تجاهل إطرائها و تابع بقسوة يعلم بأنها ستُلاقي صداها لدي تلك التي كانت الكلمات تخترق أعماقها من الداخل.
أنا أعرف ناس تانيه غيرك خرجوا من علاقات فاشله و يمكن متعرضوش لربع إلى أتعرضتيله و مع ذلك أثرت عليهم بشكل كبير داخليًا و خارجيًا بقوا تشوفيهم تقولي دول عندهم سبعين سنه!
تمتمت «فرح» بصدمه
سبعين سنة!
تظاهر بأنه لم يسمع كلمتها و تابع بتهكم
حتى بعد ما مرت سنين مقدروش يتخطوها و لسه بيحتفظوا بذكريات منها!
قال جُملته الأخيرة بنبرة يشوبها الحنق لتُجيبه مي بإندفاع
دول يبقوا أغبيه يا فندم!
قاطعها بتسليه
تصدقي هي أغبيه دي أدق وصف ليهم!
تابعت «مي» تؤكد على حديثه
فعلًا إلى يحبس نفسه في علاقة مُشوهة أخدت منه أكتر ما ادته. و يسمح ليها كمان أنها تأثر عليه بعد كدا يبقي شخص غبي
سالم بتسلية و عينان يُغلفهما المكر
حصل. غبي و ستين غبي مفهاش كلام
نفذت قُدرتها على التحمُل فانطلقت الكلمات من بين شفتيها غاضبة جريحة
عايزة أروح التويلت!
إلتفت اليها يُناظِرها ببراءة تجلت في نبرته حين قال.
إيه دا أنتي صاحيه؟ فكرتك نمتي لما مشتركتيش معانا في الحديث؟
ألقت عليه نظرات الخِسة قبل أن تقول بتقريع خفي
معلش أصلي اتعلمت إني متدخلش في إلى ميخُصنيش و خصوصًا لو كان عن حياة الناس و مشاعرهم
لم تتأثر ملامحه بل تابع بتسلية
شئ جميل. زي بردو ما اتعلمتي إلى يعمل حاجه كويسه تُشكريه عليها! الحقيقه قيم جميلة مُفتقدينها في حياتنا اليومين دول!
كانت السُخرية تقطُر من عيناه قبل شفتيه و لكنها أرادت أن ترُد الصاع صاعين لذا قالت ساخرة
فعلًا إحنا مُفتقدين حاجات كتير في حياتنا اليومين دول و أولها الذوق و إحترام مشاعر الناس و خصوصياتهم بالإضافة للوقاحة و قلة الذوق إلى بقوا موضة.
«سالم» بوعيد
وقاحة و قله ذوق!
«فرح» بتحدي
و ضيف عليهم كمان التكبُر والغرور و ياريت على حاجة تستاهل. دا كله على مفيش.
ثم زفرت بقلة حيلة قبل أن تُتابِع ببراءة مُصطنعة
ربنا يعافينا من الناس دي. و الله يكون في عون إلى معاشرينهم بصراحة.
بعد مرور بضع ساعات حطت الطائرة على أرض المطار لتنهي تلك الرحلة المشؤمة و التي كانت تلعن نفسها لقبولها بها و لكن لا فائدة من البُكاء على اللبن المسكوب لذا ارتدت قناعها المُعتاد و عدلت نظاراتها و هي تسير بجانبه في الرواق المؤدي إلى الفندي الذي سيمكثون به و قد كان هو الآخر يُساعدها حيث لم يلتفت إليها بل أخذ يتحدث مع أُناس لا تعرفهم و من الواضح أنهم أصدقاء قُدامي له لذا فضلت أن تجلس على أحد المقاعد تنتظر أوامر ذلك السيد المغرور المُتغطرِس و الذي بعد نصف ساعة التفت ناظرًا إليها بلامُبالاه قائلًا بغطرسة.
أطلعي إرتاحي شويه عشان معزومين على حفلة بالليل
اصطكت أسنانها غضبًا و لكنها أبتلعت جمراته و قالت بإختصار و هي تتناول منه الكارت الخاص بغُرفتها
تمام
لم تنظُر إليه بل توجهت إلى المِصعد و هي تشعُر بأنها خرقاء لا تعلم في أي طابق غرفتها و لكنها أرادت الإبتعاد عن ذلك البغيض باقصي سرعة.
توقف المِصعد بها عند أحد الطوابق فخرجت منه بينما أخذت تبحث بعيناها عن غرفتها و حين كانت مُنشغِله لم تلحظ ذلك الشاب الذي ما أن شاهدها حتى اقترب متوجهًا إليها كالمُنوم مغناطيسيًا لا يُصدِق بأنها هُنا أمامه تلك التي لم تُفارِق أحلامه مُنذ أن تركها بغباءة و سافر بل و الأدهى أنه أقحم نفسه بزواج أحمق كان فاشلًا بكُل المقاييس حتى يُثبِت لنفسه و لها بأن غيابها لن يوقفه عن مُتابعة حياته.
بينما هي مُنشغِلة بالبحث فجأة اصطدمت بأحدهم فكانت على وشك الوقوع و لكن يد قوية أمسكت بمرفقيها لتمنعها من الاصطدام بالأرض فاغمضت عيناها للحظة حين لفحها ذلك العطر الذي لن تُخطئ أبدًا في معرفة صاحبة ذلك الذي جعلها غيابه تتحول من فتاة جميلة مُفعمة بالحياة إلى عجوز شمطاء في الثامن والعشرون في عُمرِها.
رفعت رأسها تُطالعه بصدمه ارتسمت بعيناها و على ملامحها بينما انقشعت صدمته لتتحول لفرحة عارمة بينما رسمت ملامحه خريطة من المشاعر أولها الندم و آخرها الأسف و كان الحب هو الطاغي بينهم.
مرت قُرابة دقيقة و هي على مقربة منه حتى تمالكت نفسها و تجاوزت صدمتها حين سمعت صوته المشتاق يردد اسمها بعشق
فرح.
إرتدت بعُنف خطوتان إلى الخلف و حاولت السيطرة على دقاتها الهادرة و تصنعت اللامُبالاة حين قالت بنبرة ثابتة تُحسد عليها
أهلا يا حسام.
لامس تحفُظها و رأي مقدار التغيير الذي طرأ عليها مُنذ ذلك اليوم المشؤوم حين غادرها و قد شعر بألم حاد ينخِر عظامه لكونه السبب في بهوت ملامحها و إنطفاء وهج عيناها بهذا الشكل لذا حاول التحدُث برقه حين قال
عاملة إيه يا فرح؟
«فرح» بإقتضاب
الحمد لله
بتعملي إيه هنا؟
جاية في شغل
لاحظ ردودها المقتضبة و المختصرة فحاول تجاهل ذلك و قال بلطف
ياه عالصُدفة الجميلة إلى خلتنا نتقابل بعد كل السنين دي
رفعت إحدي حاجبيها بتهكم قبل أن تقول ساخرة
هي صدفة جميلة فعلًا!
حسام بغزل
متغيرتيش يا فرح لسه جميلة زي مانتي
إحتد صوتها قليلًا و هي تقول بمرارة
لا اتغيرت يا حسام و اتغيرت أوي و لو مشوفتش دا يبقي محتاج نضارة. عن إذنك.
تركته و تحركت في طريقها إلى المِصعد مرة أُخرى و لكنها توقفت للحظة حين سمعت تلك الفتاة التي نادته بحبيبي و قد تركت الكلمة بصماتها في زاوية ما بصدرها و واصلت هروبها و لكن تلك المرة حتى تهرب من ذلك الرجل الذي كان تسبب غدره بها في تشويهها داخليًا و حفر ندبة قوية في مُنتصف قلبها جعلته غير قادر على الحب طوال حياته.
أخيرًا إستطاعت أن تصل إلى غرفتها فأغلقت الباب خلفها و وقفت تستند عليه تتنفس بحدة علها تُخرِج كل تلك المشاعر المكبوته بداخلها و التي تُشعرها بنغزة قوية في مُنتصف قلبها و ما أن خطت خطوتان حتى وجدت ذلك الفستان الذي اختارته منذ بضعة ساعات
عودة لوقت لاحق
كانت تتذكر حديثه مع تلك الفتاة «مي» و داخلها يحترق كمدًا هل فعلًا يراها كعجوز تخطت السبعين من عُمرها!
ذلك الوغد ستُريه من هي العجوز.!
اخذت تبحث على مواقع التواصل حتى وجدت تلك السلسلة من المحلات و التي تُقدِم أفخم الثياب و بالفعل وقعت انظارها على ثوب بلون الكريمه الناعمة و قد كان مُحتشِم كما أرادت يرسم تفاصيل الجسد بصورة غير مُبتذله و كانت أكمامه قصيرة بعض الشئ و به خيوط ذهبية تظهر بصورة خاطفه لتُعطيه طله براقه لامعة.
كان هذا الثوب هو تحديداً ما تبحث عنه فقامت بحجزه و لحُسن حظها كانت تعرف إسم الفُندق الذي سيمكثون به و رقم غرفتها فاعطتهم التفاصيل و حالفها حظها و وصل الثوب في المعاد المُحدد
عودة إلى الوقت الحالي
كانت تنوي إرتدائه في المؤتمر و لكنها سترتديه الليلة في الحفل و ستجعل هؤلاء الأوغاد يرون من هي العجوز!
جاء الليل سريعًا و أقترب ميعاد الحفلة و كانت هي على أتم الإستعداد للمواجهة بهذا الزي الرائع الذي بدا و كأنه صُنِع خصيصًا لها مع تلك الزينة الجميلة التي أبرزت بياض بشرتها و هذا الكُحل الرائع الذي حاوط عيناها بإتقان فجعل منهما كغابات الزيتون البراقة و تلك الحُمرة القانية التي حددت شفاهها فجعلتها مُثيرة لحد كبير.
كانت أكثر من راضية على مظهرها فقد بدت فاتنة بصورة كبيرة أعطتها جُرعة من الثقة و هي تتوجه إلى الأسفل تُحاوِل مُهاتفة ذلك المُتغطرِس الذي لم يكن يُجيب على أتصالاتها و جاء حظها العاثر حين شاهدت «حسام» يقف مع زوجته في البهو و التي ما أن رأتها حتى تعلقت بعنقه بدلال تجلي في نبرتها حين قالت مُتصنِعة الإندهاش
إيه دا يا حسام مش دي فرح؟ يافرح يا فرح.
أوقفها نداء تلك الغبية فقد كانت تنوي المرور دون أن تلتفت إليهم و لكنها اضطرت إلى رسم إبتسامة مُجامله و هي تتوجه إلى مكانهم و داخلها يتمني لو يحترقا في الجحيم
أهلاً يا مها اذيك
أذيك يا فرح عامله إيه؟
فرح بتحفظ
الحمد لله
مها بتخابث
إيه مش هتسلمي على حسام؟
فرح بثبات يتخلله المكر و قد أدركت ما ترمي إليه تلك المرأة
لا مانا سلمت عليه الصبح هو مقالكيش أننا أتقابلنا و لا إيه.
تبدلت الأدوار و نجحت في زعزعة غرور و ثبات غريمتها التي التفتت تُناظر حسام بغضب و لكنه كان في مكان آخر فقد كانت كل أنظاره متوجهه إلى تلك التي لم ينساها و لو للحظه بل كانت تحتل جزء كبير من تفكيره طوال تلك السنوات و اليوم ظهرت أمامه بكل هذا الجمال و كأنها أقسمت الإنتقام من قلبه بأقسى الطُرق لذا لم يكن ينتبه لما يحدث حوله فقط عيناها و وجهها و عطرها و حضورها الطاغي.
كانت تعلم ما وراء نظراته و لامست خيبته و ندمه الواضح في عيناه وةملامح وجهه و قد كان هذا أكثر من مُرضي لها و لكن ما لم تكن تحسب حسابه أن يظهر هو من العدم لتتفاجئ بعطره الذي طغي على الجو حولهم. حضوره الذي أضفي هيبة قوية تجلت في نبرته حين ناداها
فرح.
↚
أخبرتها ذات يوم: أنا رجل سئ فلا تتورطِ بي!
فأجابتني بكل هدوء: ماذا لو تورطت أنت؟
أجبتها بغرور: مثلي لا يليق به الوقوع في الحب!
فابتسمت بثقة و أرسلت بعينيها الفاتنة سِهام التحدي قبل أن تقول بتمهل: و مثلي لا يُمكِن أن تكون عابرة. فتذكر هذا جيدًا.
و الحقيقة أنني لم أنس أبدًا فمُنذ ذلك اليوم و أنا عالِق عِند تِلك العينين التي إستقرت سِهامها في مُنتصف قلبي الذي أعلنها و بكُل طواعية أنه لا يليق به سوي الوقوع بعشقها...
نورهان العشري.
هرولت «فرح» إلى الشرفة لتستنشِق بعض الهواء النقي فقد كانت على وشك الإختناق من كل هذا الضغط الذي عايشته طوال اليوم الذي كان من أسوء أيام حياتها.
إلتقاء الماضي بالحاضر كان مِنهِكًا للغاية فصدفة رؤيتها ل«حسام» مرة ثانية كانت ثقيلة على قلبها الذي جتي و إن تغلب على عِشقه لم يستطِع تجاوز غدره فذلك الشخص أعطاها درسًا قاسيًا جعلها تؤمن بأن العشق كلِمه وهمية لم تُخلق على أرض الواقع و أيضًا خلق بداخِلها أزمة ثقة كبيرة في التعامُل مع الآخرين لا تعلم إن كانت ستستطيع التغلب عليها يومًا.
و لكن هذا لم يكُن سبب تعاستها الحقيقي فلم يكتفي حظها السئ بتلك الصدفة فقط بل جاء ذلك المجنون الذي كانت تحسبه بأنه تمثال خُلِق من حجر سِمته البرود و الهدوء الجليدي الذي تفاجئت به منذ قليل ينصهر غضبًا لأول مرة تراه بوضوح في عيناه و لدهشتها كان يُناظِرها و كأنها إرتكبت جريمة شنعاء و أيضًا تماديه معها و إجبارِها على مُراقصته! من أعطاه الحق في مُلامستها بهذا الشكل؟
تُري هل تهاونت معه للحد الذي جعله يظُن بأنها فتاة بلا أخلاق؟
عِند هذا الهاجس إنتفضت كُل خلاياها غضبًا و شعرت بغضاضة موغرة في روحها و قررت وضع قوانين صارمة في التعامُل معه فمن يظُن نفسه؟ يُغازِل الفتيات في الصباح و يُراقِصها في المساء!
فرح!
قطع شرودها آخر صوت تمنت أن تسمعه في حياتها فزفرت بحنق قبل أن تلتفت لتجد «حسام» الذي لم تُفلتها عيناه طوال الحفل و حين رآها ترقُص مع ذلك الرجُل الذي لم يروق له انتفخت أوردته غضبًا و ما أن شاهدها تخرُج تخلص من زوجته و جاء خلفها. لم يستطِع منع نفسه من رؤيتها و الحديث معها
نعم
قالتها «فرح» بضيق واضِح و لكنه تجاهله و أقترب يقف أمامها و هو يقول بندم.
لو قولتلك أسف هتسامحيني؟ لو قولتلك إني مفرحتش يوم و انتي بعيدة عني هتسامحيني؟ لو قولتلك انك مفارقتيش تفكيري من يوم ما سبتك هتسامحيني؟ لو.
قاطعته بحركة من يدها فلم تكُن تستطيع سماع كلِماته و ندمه الذي تأخر كثيرًا فقالت بقوة
مش محتاج تقولي كل دا يا حسام.
«حسام» بتأثُر
فرح أرجوكي.
حسام أرجوك أنت. أنا فعلاً مش عايزة أسمعك. إلى بينا خلاص خلص و أنتهي من سنين. و أنت مغلطش في حقي بالعكس أنا إلى غلطت في حقك و مفروض أعتذر.
توقفت عن الحديث تُراقب ملامحه التي كانت الصدمة و الإندهاش يُسيطرا عليها لتُتابع بتأثُر زائف
أنا عمري ما حبيتك أبدًا. أنا حبيت حُبك ليا بس.
لما جيت الفرع عندنا تقريبًا كُل البنات أُعجبت بيك و كلهم كانوا حالفين يوقعوك. دول كمان كانوا متراهنين على كدا.
بس أنت حبتني أنا. و أي بنت في مكاني طبيعي كانت هتفرح و هتطير كمان من الفرحه يعني إلى مجنن البنات كلها بيحبني أنا! و كنت فاكرة إني بحبك فعلًا بس لا. أتأكدت من حقيقة شعوري ناحيتك لما طلبت مني أسافر معاك و أسيب شُغلي هنا. وقتها وقفت قدام حقيقة واحدة مفيش غيرها إني مش مستعدة أغير حياتي عشانك.
جنة أبدا مكنتش عقبة بينا دي كانت حجة استخدمتها عشان أنهي علاقة محستش نفسي فيها.
أحمق يا عزيزي إن ظننت أن قلب المرأة أن أحب لا يكره. فعلي قدر حُبها يكون وجعها عظيم و إنتقامها أعظم. و سلامًا عليك إذا ظننت يومًا أنك تستطيع الإفلات منه.
نورهان العشري.
تساقطت كلماتها على مسامِعه كجمرات أحرقت روحه أولًا و دهست كبرياؤه ثانيًا و لكن قلبه الذي لا يزال يهذي باسمها أستنكر بشدة تِلك الكلمات و أقترب منها بخطً سُلحفية و ملامحه تعكس نيرانه المُتقدة داخله و التي تجلت في نبرته حين قال.
أنتي أكيد بتكذبي عليا و بتنتقمي مني عشان أتجوزت مها و سافرت. بس وحياتك عندي عمري ما حبتها مفيش واحدة سكنت قلبي غيرك و لو مش مصدقاني مُستعِد أطلقها دلوقتي حالًا و أصلح غلطتي ووو
كنت واثقه أنك لسه بتحبها. بس مكنتش متخيلة أنك واطي بالشكل دا
تجمد الإثنان حين وقع على مسامِعهم صوت «مها» الملئ بالكُره و الألم معًا و الذي تجلي بوضوح على معالِمها حين سمعت صوته القاسي يُعنِفها بقوة.
أخرسي و مسمعش صوتك. إيه إلى جابك هنا
أشعلت قسوته نيران الوجع و الخيبة بداخلها فشكلا شعور عارم بالغضب والرغبة في الإنتقام لكبريائها المدهوس تحت أقدام من أسمته يومًا حبيبها فصرخت قائله بقوة
لا مش هخرس و صوتي دا كل الناس هتسمعه عشان يعرفوا حقيقتك أنت و الست هانم خرابة البيوت.
علا صُراخها للحد الذي جعل حشد من أصدقائهم التي تفاجئت بوجودهم في هذا المكان يتجمهرون لمعرفة ماذا يحدث فسقط قلب «فرح« بين ضلوعها و هي تري ما يحدُث خاصةً حين أقترب «حسام» من تلك المجنونة ليهدئها فعلا صراخها أكثر فأغمضت عيناها و تعالت أنفاسها و ودت في تلك اللحظة لو تختفي من هذا العالم أو تحدُث مُعجزة تنقذها من تلك الفضيحة التي سيُلاحِقها عارِها مدي الحياة.
إيه يا حبيبتي أتأخرت عليكي و لا إيه؟
لم تستطِع تصديق أُذُنيها حين سمِعت صوته القوي يتحدث بجانبها و ذلك اللفظ التحبُبي الذي من المُستحيل أن يُناديها به لذا ظنت أنها تُهلوس بفعل الخوف و لكن أحرقتها لمسته لخصرها الذي أعتقله ذراعه الأيسر ففتحت عيناها بصدمة لتلتفت إليه فوجدت ملامحه لا تُفسر بينما كان الجميع يقف مشدوهًا و كانت «مها» هي أول من تغلبت على صدمتها حين قالت ساخرة.
حبيبتك! و دا من امتي أن شاء الله؟
لم تتأثر ملامحه ولكن قست عيناه قليلًا و تنافي ذلك مع لهجته الودودة حين قال موجهًا حديثه ل«فرح» التي كانت مُتجمِدة كالتمثال بمكانها
إيه يا حبيبتي أنتي لسة مقولتيلهمش؟
للمرة الثانية التي يُناديها هكذا! تُري هل جُن ام6 هي من جُنت أم أنها كانت بكابوس لا تعلم متي ينتهي؟
ظلت نظراتها مُتعلِقة به كالبلهاء لثوان و لكن آتي صوت «حسام» الحانِق و هو يقول.
تقولنا على إيه؟ أنت إيه علاقتك بيها؟
لأول مرة بحياته يشعُر برغبة مِلِحة لقتل أحدهُم يود لو يوجه لكمات قاسية لرأس ذلك الرجُل حتى يُخفي معالم وجهه و بعدها يقوم بنحر عُنقه بخِنجر باتر لكي يستمتع برؤيته يتعذب دون أن يشعُر بلحظه شفقه واحده عليه. هذا كان شعوره مِنذ أن رأي هذا الرجُل و لكنه يعلم كيف سيُنفذ أُمنيته تلك دون إراقه نُقطة دِماء واحده لذا شدد من إحتضان خصرها و باليد الأُخري قام بإمساك كفها و رفعه ليُلثِمه برِقه و هو يقول بنبرة قوية حادة تحمِل بين طياتها الكثير.
النهاردة خطوبتي أنا و فرح.
إما أن تقتُل وجعك أو تتركه ليقتُلك أما هروبك منه فهو مِحاولة آثمة بحق قلبك و إرجاء لموتك الذي حتمًا سيأتي إن لم تضع لهذا الوجع نهاية.
نورهان العشري.
كان «عُدي» يرقُد بأحد المشافي ينتظر أن تتعافي جروح جسده التي لم تكُن بشئ كبير أمام جروح قلبه التي جعلته يعود تِلك الليلة بعد أن قتلته كلِماتها للمرة التي لا يعرف عددها و لم يستطِع التحمُل أكثر من ذلك فذهب إلى شقته و أخذ جُرعة كبيرة من تِلك المواد اللعينة التي سرت كالسُم في أوردته و كادت أن تكتُب نهايته تلك الليلة لولا «مؤمن» الذي أنقذه في آخر لحظة فقد كان يعلم ما يمُر به صديقة و بعد أن أوصل «ساندي» إلى بيتها توجه على الفور إلى شِقته و قام بفتح الباب بمفتاحه الخاص ليجد كل شئ مُبعثر حوله و هو مُلقي في المنتصف فاقداً للوعي ليهرع به إلى إحدي المستشفيات و تم إنقاذه بأعجوبة و كأن الحياة لم تُشفِق على وجعه و أعطته الفرصه ليعيشه مرة آخري.
هذا كان حاله و هو ينظُر من النافذة بقلب بدا فاقدًا للشعور فقط خواء و كأن ما بين ضلوعه فارغًا. فقد أختبر الموت في الأيام المُنصرِمة و عاش وجع الفقد و النبذ مرات و مرات فوالداه لم يسألا عنه و لم يتكلف أيًا مِنهُما عناء القدوم و ترك أشغالهم بالخارِج حين أخبرهُما «مؤمن» بأنه تعرض لحادثة تسمُم و اكتفا الإثنان بالإطمِئنان عليه هاتفيًا مع إطلاق الكثير من الوعود بالقدوم في أسرع وقت و الحق يُقال فهو لم يتأذي كثيرًا من موقفهما فقد مل قلبه من الوجع حتى لم يعُد يتأثر به. فهو عاش أكثر من نِصف عُمره بدونهما و يستطيع إكمال الباقي بدونهما أيضا. فقد كان وجودهما في حياته أشد الإبتلاءات التي رماه بها القدر حتى أنه حين كان يتناول ذلك السُم كان يعلم بأنه هالِك لامحالة و لكنه كان يتمني فقط لو يري وجهيهما حين يعلمان خبر موته. هل ياتُرى سيحزنان عليه؟ أم سيِسارِعون بدفنه تحت الثري حتى يستطيعا الرجوع إلى سِباقهم خلف تِلك الأوراق اللعينة المُسماة بالنقود؟ أم لن يتكبدا عناء حضور جنازته من الأساس؟
أبتسم بمرارة و هو يتذكر كلِمات والدته الخاليه من أي عاطفة حين قالت بقسوة
يالا بطل دلع و قوم عشان الإمتحانات عالأبواب. عيزاك تخلص السنادي. شغلك محجوز هنا متبوظلناش كل إلى بنبنيه.
لو تعلم أنه يتمني هدم كل ما بنوه في تِلك السنوات فوق رؤوسهم فقد كان الوحيد الذي دفع الضرائب و لازال يدفعها و لكن كفي! فلن يدفع ثمن أنانيتهم بعد الآن و لن يترُك تِلك الهوة السحيقة تبتلِعه مرة ثانية و قرر أن يُتابِع المُتبقي من عُمره يعيش ما يُريده فقط و لكن قبل ذلك سيقوم بتصحيح أخطاءه السابقة.
إيه يا دعدوعه صح النوم. أخيرًا يا عم فوقت.
التفت «عُدي» على صوت «مؤمن» الذي كان يُمازحه فقد كان أكثر من يشعُر به و بما يُعانيه من عذاب و ألم و لكنه لم يُفصِح عن شئ و كان يُساعده بطريقته
للأسف فوقت!
قالها «عُدي» بنبرة بها الكثير من المعان فاقترب منه «مؤمن» و قال بإهتمام
لسه تعبان و لا إيه؟ أنا سألت الدكتور بره وطمني
متقلقش أنا بقيت كويس
«مؤمن» بإرتياح.
طب الحمد لله. كلها كام يوم و تخرُج من المُستشفي دي و نخربها زي زمان
قالها «مؤمن» بإرتياح فابتسم «عُدي» و قال بمرارة
كفاية خراب يا مؤمن لحد كدا. خلينا نعدل إلى خربناه بقي.
جعد ما بين عيناه وقال بإندهاش من حديث صديقه
جرالك إيه يا عُدي؟ و إيه كلامك الغريب دا؟
«عُدي» بتصميم.
هتعرف كل حاجه في وقتها. اطلبلي سليم الوزان دلوقتي في التليفون. و خليه ييجي عشان لازم اتكلم معاه ضروري.
دخلت «فرح» إلى غُرفتها و هي تشعُر بثُقل العالم في صدرها و الذي كان و كأن يد قويه أعتقلت أنفاسه فجعلت من تنفُسها أمرًا مُستحيلًا. بالإضافة لدقات قلبها التي تكاد تُجزِم بأنه كان يسمعها حيث يقف يُناظِرها ببرود و هي تدور حول نفسها بلا هوادة لتستطيع أخيرًا الحديث فقالت بنبرة حانقة
هو أنا ممكن أعرف إيه إلى حصل من شويه دا؟
كان يستند بجسده على الطاولة خلفه واضعًا يده بجيوب بنطاله بأريحية زادت من حنقها بينما عيناه تُتابِع ما يحدُث معها بلامُبالاة تجلت في نبرته حين قال
تقصدي إيه بالظبط؟
أستفزها بروده فعلت نبرتها قليلًا و هي تقول
الهبل إلى حصل من شويه دا. مين دول إلى خطوبتهم كانت النهاردة؟
«سالم» ببساطة
أنا و أنتي إيه مسمعتنيش و أنا بقولهم؟
وضعت «فرح» يدها فوق جبهتها تفركها بعصبية قبل أن تقول بحنق.
سالم بيه على فكرة مش وقته خالص تريقتك دي!
أشفق على غضبها و حيرتها فقال بجدية
أنا مبتريقش و لا حاجه. كنت عايز أنقذك من وضع غبي غرزتي نفسك فيه و مكنش في حل غير كدا
بدا عذرًا مقبولًا لعقلِها و لكن لم يقُنِع قلبها الذي لم تهدأ ضرباته للآن فأخذت نفسًا قويًا و قالت بشفاة مُرتجِفة
يعني عشان تنقذني من فضيحة تورطني في مُصيبة
أرتفع إحدي حاجبيه على إثر جُملتها الأخيرة و قال بإندهاش
مُصيبة!
«فرح» بإنفعال
طبعا مُصيبة مسمعتش الزفتة مها و هي بتقول لازم تعزمها عالفرح إلى معرفش إزاي حددته كمان ست شهور! لا و حضرتك بكُل بساطة تقولها أقامتكوا في إسماعيليه أسبوع الفرح في فندق الوزان
كانت تتحدث و هي تُقلِد لهجته في الحديث مما جعلها مُثيرة بشكل كبير و لكنها لم تلحظ نظرات الإعجاب التي كانت تُظلِل عيناه و تابعت بحنق
بتجيب الثبات الإنفعالي دا منين أنا عايزة افهم.
تجاهل حنقها و غضبها اللذيذ و قال بتقريع خفي
سُبحان الله. دا بدل ما تشكريني إني أنقذتك من بين أيديها. صحيح خيرًا تعمل شرًا تلقي!
«فرح» من بين أسنانها
مطلبتش منك تنقذني على فكرة!
«سالم» ببساطة
مش هستناكي تطلُبي. مبادئي تجبرني إني لما ألاقي واحدة ست في ورطة أنقذها
«فرح» بإنفعال.
منها لله مبادئك دي! طيب ياريت تعرفني بقي هننهي المهزلة دي إزاي و ياريت نتكلم جد شوية قبل ما الموضوع ينتشر و الناس كلها تعرفه
أومأ برأسه و تمتم موافقًا
نتكلم جد!
وصل الأمر إلى نُقطة اللا تراجُع بالنسبة إليه فنصب عوده و تقدم ليقف أمامها مُباشرةً و هو يُشدِد على كُل حرف يتفوه به
مفيش حاجه هتنتهي يا فرح. أنا مبرجعش في كلمة قولتها. و مدام قولت اتخطبنا و هنتجوز يبقي هيحصل.
وقعت كلِماته على مسامِعها كالبرق الذي جعل عيناها تجحظ من شدة صدمتها فقد بدا التصميم على وجهه بشكل كبير و لكنها نفضت عن عقلِها كِل هذا و قامت بإطلاق ضحكة قويه خالية من المرح قبل أن تقول
انت أكيد بتهزر صح!
تفهم صدمتها و لكنه عزم على تنفيذ ما أراد فقال بقوة
ما إحنا قولنا هنتكلم جد.
«فرح» بإنفعال.
جد إيه. أنت سامع نفسك بتقول إيه؟ جواز إيه؟ و ليه؟ يعني تضيع حياتك عشان كبريائك ميسمحلكش ترجع في كلمه قولتها؟ أنت واعي للي أنت بتقوله؟
«سالم» بصرامه
فرح. أنتي عارفه كويس أوي إنتي واقفه قدام مين؟ و عارفه أن مفيش كلمه بقولها مبتعديش على دا للأول
قال جُملته و أشار إلى عقله فسخرت قائله
لا والله. يعني الكلام دا عدا على عقلك! طب والنبي فهمني بقي أنت مُستفيد ايه من وضع زي دا؟
أخذ نفسًا قويّا قبل أن يقول ببساطة
زي ما أنا أنقذتك من البنت دي. أنتي كمان هتنقذيني من زن والدتي عليا إني أتجوز؟
يا راااجل!
خرجت الكلِمه من شفتيها متبوعة بضحكة قويه لامست جوانب قلبه فارتسمت إبتسامة بسيطة على شفتيه سُرعان ما أخفاها عِندما سمعها تقول بتهكُم
أنت سامع مُبررك. لا واضح فعلًا أنك بتفكر في كلامك كويس
تجاهل مُنحني الرد مما جعلها تتأكد من أنه يتحدث بجدية فخرجت الكلِمات من شفتيها بإندفاع.
و أنا المفروض عشان أنقذك ألبس نفسي في حيط!
تجمدت ملامحه لثوان قبل أن يقول بإستنكار
حيط!
فطنت لم تفوهت به فتراجعت للخلف بخطوات فوضاوية و هي تقول بنفاذ صبر
أوف بقي أنا تعبت. بص أنا ماليش في الجنان دا و مستحيل هنفذه
نظر إليها و عيناه ترتسم بهما إبتسامة تغلغلت إلى أعماقها و قال ساخرًا
وماله. الجنان حلو!
«فرح» بتوسل
سالم بيه بطل سخرية و اسمعني ارجوك
إنمحت ابتسامته و قال بجدية.
سامعك. بس ياريت تتكلمي في المفيد
يعني إيه؟
إيه وجه اعتراضك بالظبط على جوازنا؟
تحدث بعقلانيه أثارت جنونها فقالت بحدة
جوازنا! أنت فعلًا بتتكلم بجد؟
خرج صوته غاضبًا فقد نفذ صبره من إقحام الأمر بعقلها السميك
شيفاني مجنون عشان أهزر في حاجات مصيرية زي دي؟
«فرح» بتهكُم
لا لا سمح الله ودي تيجي. ياريتك تكون مجنون فعلًا و بتهزر
قالت جملتها الأخيرة بقهر فأجابها بصرامة.
فرح. مابحبش الهري الكتير قولي إلى عندك
إرتدت ثوب التعقُل بعد أن تأكدت من إصراره على تنفيذ هذا الهُراء
إلى عندي كتير أوي أولًا إحنا مش شبه بعض في أي حاجه. و لا حياتنا شبه بعض و لا حتى في بينا أي ميول و إهتمامات مشتركه.
قاطعها مُستفهِمًا
و أنتي تعرفي إيه عن ميولي و إهتماماتي عشان تقولي أننا مفيش بينا حاجه مشتركه؟
«فرح» بتعقُل.
↚
معرفش. أنا فعلًا معرفش عنك حاجه. و دي تاني عقبة قُدامنا أننا منعرفش عن بعض حاجه
«سالم» ببساطة
أنا بالنسبالي مُكتفي بالي أعرفه لو أنتي عايزة تعرفي حاجه أسألي و أنا هجاوبك
«فرح» بإندهاش
بالبساطة دي؟
بالظبط
لاح لعقلها فكرة قد تُقصيه عن جنونه فقالت بتريُث
طب و مامتك الحاجة أمينة إستحالة توافق على جوازك مني
«سالم» بصراحه صدمتها.
دي حقيقة هي فعلًا من الصعب جدًا أنها توافق على جوازي منك
«فرح» بإندفاع
شُفت أدي أنت قولت عمرها ما هتوافق!
«سالم» مُصحِحًا
لا أنا قولت صعب بس مش مستحيل!
«فرح» بحنق
طب أفرض موافقتش هتزعل ممتك؟
«سالم» بفظاظة
لا هقنعها و حتى لو مقتنعتش دي حياتي و أنا حُر فيها
«فرح» بإنفعال.
عُمرها ما هتقتنع أنت نسيت رأيها فيا لما كُنا في المكتب. و على فكرة بقي أنت كمان كُنت موافق على كلامها
رفع إحدي حاجبيه و قال بإستفهام
بالنسبة لكلام الحاجة فدا رأيها هي حُرة فيه بس عايز أعرف أنا أمتا وافقت على كلامها؟
«فرح» بحنق عندما تذكرت حديثهم بالمكتب
أيوا وافقت و متنكرش. و على فكرة بقي أنا عمري ما هتغير أبدًا
«سالم» بأختصار
محدش طلب منك تتغيري
«فرح» بكبرياء.
أنا بس بعرفك. فكرة الست الضعيفة دي بره عني عمري ما هعرف اعملها أبدًا
إرتسم بعيناه نظرات جعلتها تتوتر و خاصةً حين قال بلهجة عميقة
الستات يا فرح مبيتصنفوش ضعيفة و لا قوية. وحشة ولا حلوة الستات بيتصنفوا ست ذكية و ست لا
لامست نبرته شئ ما بداخلها و لكن معرفتة بأمور النساء لم تروق لها لذا قالت بسُخريه غاضبة
أنت خبير في الستات بقي؟
تابع مُتجاهِلّا جِملتها.
و الست الذكية بس هي إلى تعرف تتعامل مع الظروف إلى حواليها و هي كمان إلى تقدر تخلي ضعفها سلاح في أيدها.
تابعت تُعانده
الكلام دا مش صحيح
أصر على حديثه و قال مؤكدًا
بالعكس الكلام دا صحيح ميه في الميه أنتي بس إلى بتقاوحي!
تجاهلت تلميحه و قالت بعِتاب خفي
بس أنت قولت غير كدا قُدام ممتك
شعر بها تُعاتبه فقد تجلي ذلك في عيناها فقال بتخابُث
فكريني بالكلام إلى أنا قولته معلش
اندفعت الكلمات من بين شفتيها حانقه.
قولت الراجل بيحب الست تبقي قدامه ست و من وراه راجل
«سالم» بتسلية
حلو أنك لسه فاكرة طب ممكن بقي تعرفيني إيه إلى فهمتيه من كلامي!
«فرح» بإستنكار غاضب
فهمت أنك تقصد انك عايز مراتك تبقي قُدامك ست و معني أنها تبقي ست أنها تبقي ضعيفة
«سالم» ببساطة
لا خالص يا فرح دا مش معني كلامي
لاح شبح الأمل في سماءها فقالت بنبرة هادئة مُترقبة
آومال إيه معناه؟
لاح المكر في عيناه و تعمقت نبرته حين قال بوقاحة
أوعدك أول ما يتقفل علينا باب واحد هعرفك أقصد إيه
ا5نتفض كيانها كُله بكلماته التي جعلت زوبعه من المشاعر تجتاح قلبها و لامست أوتار مُلغمة داخل صدرها فقالت بإندفاع
سالم بيه مسمحلكش!
كانت ملامحها ككتاب مفتوح لا يمل من قراءته أبدًا لذلك تابع بلهجه تحمل وسام الغرور و الإنتصار معًا
مش مستنيكي تسمحي. و لا عايز منك تتغيري. كل إلى عايزة حاجه واحده بس.
«فرح» بنبرة مُرتعِشة
إلى هي؟
متقاوميش. و بطلي تستنزفي نفسك في حروب خسرانه. عشان أنتي بس إلى بتتأذي.
هبت رياح العِناد برأسها فقالت بقوة
أنا حرة في نفسي على فكرة
إستدار و تقدم بخطوات مُغترة حتى وصل إلى باب الغُرفة و من ثم إلتفت أليها قائلًا بتملُك إنبعث من عيناه أولًا
مبقتيش حرة بعد النهاردة.
ثارت جيوش التمرد بعروقها فقالت بحدة
نعم دا إلى هو إزاي؟
أرسلت عيناه نظرات كالسِهام التي تراشقت بقلبها فجعلته يرتجف بقوة بين ضلوعها لما لامسته بنظراته التي لم تخلُ من التملُك و الإعجاب و رُبما الإشتهاء الذي تجلي بوضوح في كلماته
من اللحظة إلى قولت فيها إنك خطيبتي بقيتي على إسمي. على إسم سالم الوزان. أحفظي الكلمتين دول كويس أوي.
كانت «أمينة» بغرفتها تنتظر قدوم «هِمت» التي أرسلت بطلبها للتحدُث معها و إنهاء الخلافات بينهُم و ما هي إلا دقائِق و سمعت طرقاتها على باب الغُرفة فسمحت لها بالدخول
تعالي يا همت و اقفلي الباب وراكي
أطاعتها «هِمت» بملامح مُتجهِمة و تقدمت منها بخطوات مُقتضبة و جلست على الأريكة المُقابلة لمقعدها فبادرت «أمينة» بالحديث قائله بود.
شكلك لسه زعلانة مني يا هِمت؟
«همت» بتهكُم
زعلانة منك! لا إزاي هو أنتي بتعملي حاجه بردو تزعل؟
تجاهلت «أمينة» السُخرية في حديثها و قالت بتفهُم
حقك يا هِمت تزعلي. بس حطي نفسك مكاني.
قاطعتها «همت» بحدة
أنا مش مكان حد يا أمينة. و أنتي عمرك ما حطيتي نفسك مكان الناس
«أمينة» بإنفعال
انا قلبي أتحرق على ابني يا همت
قاطعتها بحرقة.
كُلِنا قلبنا أتحرق عليه. مش أنتي لوحدك. و لو كُنتي مفكرة إني زعلانه عشان مراته إلى جت تعيش هنا تبقي غلطانه. أنا زعلي أكبر من كدا بكتير.
«أمينه» بترقُب
و إيه سبب زعلك
«هِمت» بقهر
زعلانة أنك رخصتي بنتي يا أمينة. طول عمرك عارفة إن إبنك مالوش كيف ليها و كنتي بتعشميها و تعشميني و أنا كُنت ماشية وراكي زي العامية و كنت السكينة إلى دبحت بنتي.
«أمينة» بصدمة.
إيه الكلام إلى بتقوليه دا يا هِمت. أنا عُمري هرخص بنتك. دي سما زيها زي حلا بالظبط. و لو كُنت شاكه و لو واحد في المية إن حازم مش عايزها مكنتش عمري هتكلم في الموضوع دا
«هِمت» بسُخرية
لا يا شيخة صدقتك أنا. أومال روحتي تعرضيها على سليم ليه. و أنتي عارفه بردو أنه مالوش رغبة فيها!
أقولك أنا ليه؟ كُل دا عشان تمنعيه عن ست الحُسن و الجمال!
ليكون مفكرة إني مخدتش بالي من لهفته عليها. لا يا أمينة دا أنا إلى مربيه ولادك و أعرفهم أكتر من نفسي
هبت «أمينة» من مقعدها و قالت بإنفعال
كلام إيه دا يا هِمت أنتي بتخرفي و لا إيه؟
«هِمت» بإحتقار.
مبخرفش. أنا سمعاكي بودني و أنتي بتتكلمي معاه. للدرجة دي بنتي رخيصة في نظرك؟ لا يا أمينة بنتي غالية و غاليه قوي و متتحصليش عليها أنتي و ولادك. أنتوا آخركوا واحدة زي إلى تحت دي لا ليها أصل و لا فصل. زي إلى في بطنها إلى يا عالم إبن مين!
أخرسي يا هِمت و إلا هقطعلك لسانك
«هِمت» بقسوة.
لا مش هخرس. و أنا عارفه كل إلى عملتيه دا ليه؟ أنتي عايزة تاخدي تارك من إلى حصل زمان. و تقهريني على بنتي زي ما أتقهرتي على إبنك حبيبك.
«أمينة» بصدمة
أنتي أكيد اتجننتي؟
«همت» بغضب حارق و نبرة صارخة
لا عقلت. و حق بنتي هاخده من عنيكي يا أمينه.
كانت ترتجِف كُليًا لا تعلم بردًا أم قهرًا أم كلاهُما. كانت تشعُر بشئ حاد ينفذ من أعماقها و تمتد مرارته إلى حلقِها تشعُر بأن هُناك شئ قابِل للإنفجار بجوفها و كأن حريق ينشب بداخل أحشائها و أنهار عبراتها لم تكُن قادرة على إخماده و لكن الله دائمًا يُرسِل غوثه في أكثر الإوقات صعوبة و قد تجلي ذلك في لمسة حانية من يد صغيرة لامست كتفها فارتفعت عيناها تلقائيًا لتشتبِك بعينان زيتونية لوجه ملائكي صغير و هُنا تذكرت تلك الصغيرة التي أتت مع المدعو «مروان» إلى القصر و قد دعاها ذلك البغيض «ريتا» و لكنها لم ترها مُنذ ذلك الوقت و قد صُدِمت بشِدة حين رأتها و تعاظمت صدمتها حين شعرت بإصبعها الصغير و هي تمسح برقة عبراتها التي كانت تتساقط فوق ملامحها الباهتة و قد جعلتها فعلت الفتاة تنخرط في بُكاء عنيف فحاوطتها بذراعها الصغيرة و ظلت تنتحب بحضنها لوقت لا تعلم مُدته إلى أن هدأت تدريجيًا و كأن ذراعيها كان بهُم مُخدر من نوع خاص جعل ألم قلبها يهدئ قليلًا فرفعت رأسها تُطالِعها بإمتنان تجلي في نبرتها حين قالت.
شُكرًا
أبتسمت الصغيرة بحنو و قالت ببراءة
لو لسه عندك دموع تانيه عيطي و أنا هفضل حضناكي أنا مش تعبانة
لامست كلِماتها البريئه أوتار قلبها فأمتدت يدها تحتضن وجهها الجميل و هي تقول بتأثُر
يا روحي أنتي.
«ريتال» بصدق
والله مش بكذب.
عارفه. بس أنا خلاص مبقاش عندي دموع تقريبًا خلصتهم.
قالت جُملتها الأخيرة بمرارة فتحدثت «ريتال» بفضول طفولي
هو أنتي بتعيطي ليه
إحتارت بماذا تُجيبها فقالت بألم.
موجوعة أوي
من إيه أنتي متعورة؟
قالتها «ريتال» بلهفه فأجابتها «جنة» بتهكُم مرير
اه متعورة. متعورة هنا
أشارت إلى قلبها فاقتربت منها الصغيرة و هي تُمرِر يدها على صدرها و تُدقِق النظر و من ثم رفعت رأسها تقول بإندهاش
بس مفيش أي جروح هنا خالص؟
ابتسمت ساخرة قبل أن تقول بوجع دفين
مش كل الجروح بتبقي ظاهرة. في جروح مبتتشفش بس بتموت!
جلست الفتاة بجانبها و قالت ببراءة
تعرفي أنتي عندك حق.
تفاجئت «جنة» من حديثها و قالت بسخرية
دا بجد. و أنتي عرفتي منين؟
«ريتال» ببراءة
يوم ما ماما سافرت لربنا و قالوا مش هترجع تاني. كنت حاسة بوجع هنا كبير أوي (أشارت إلى صدرها. أكملت) بس مكنتش شايفه أي جرح.
كأن كلِماتها سهام أخترقت صدرها فقد شعرت بمدي ألمها فهي تجرعته سابقًا حين أخبرتها شقيقتها بأن والدتهُما ذهبت إلى السماء و لن تعود مرة ثانية فقد كان هُناك ألم كبير بداخِلها و لكن دون وجود جرح ظاهري و كانت تتعجب كثيرًا كيف ذلك و لكنها الآن علِمت أن ذلك الألم ناتج عن جرح في مُنتصِف قلبها لا يُري و لكن يُميت.
إمتدت ذراعيها تُحاوِط الصغيرة التي كانت ترتجِف بجانبها و قالت بنبرة مُتألمة.
أنا كمان زيك كدا ماما سابتني و راحت عند ربنا. تقريبًا و أنا في نفس سنك
الطفلة بلهفة
بجد. طب هي مش وحشتك أصل أنا ماما وحشتني أوي
«ة» بألم
طبعا وحشتني.
«ريتال» ببراءة
هو أنتي بتعملي إيه لما هي بتوحشك؟
«جنة» بحنان
بقعد ادعيلها كتير كتير. و هي بتحس بيا و بتجيلي في الحلم
«ريتال» بلهفه.
أيوا صح أنا مرة قعدت أدعي أشوفها في الحلم و نمت حلمت بيها بتنيمني و تلعب في شعري و هي بتحكيلي حدوتة قبل النوم زي ما كانت بتعمل قبل ما تمشي
رق قلب «جنة» لحديثها و للخيبة في نبرتها حين تابعت
من يوم ما مشيت محدش بقي يقرالي حواديت.
كانت تُذكِرها بطفولتها و فقدانها لوالدتها و لكن للحق كانت «فرح» دائمًا ما تكون بجانبها حتى أنها ذات مرة أخذتها بين أحضانها و أخذت تروي لها حكايات كالأطفال حتى تستطيع النوم و عند هذه الفكرة أضاءت عيناها و نظرت للفتاة بحماس و قد تبخر حُزنها تمامًا و قالت
طب تدفعي كام بقي واحكيلك حتة حدوتة إنما إيه هتعجبك أوي؟
«ريتال» بفرحة عارمة
بجد أنتي بتعرفي تحكي حواديت يا. هو أنتي أسمك إيه؟
إسمي جنة و حافظة كمية حواديت لا تتخيليها.
«ريتال» بتوسل
طب ما تحكيلي حدوتة منهم
«جنة» بحنان
كل يوم هحكيلك حدوته منهم
«ريتال» بفرحة غامرة
هييييييه. طب تعالي معايا أوضتي و أحكيلي هناك لحد ما أنام
يالا بينا.
تشابكت الفتاتان و كأنهُما أصدقاء قُدامى و ما أن وصلوا إلى باب القصر حتى توقفت «ريتال» التي قالت بصوت خفيض.
بقولك إيه أمشي بالراحة خالص عشان عمو مروان ميسمعناش و إحنا داخلين
إرتابت «جنة» من حديثها فقالت بإستفهام
ليه كدا؟
الفتاة ببراءة
مبيبطلش رغي و أنا جالي صداع منه فقومت قولتله هنام و هربت و جريت على الجنينة و مش عيزاه يشوفني عشان ميفكرش إني كذبت عليه بس خلي بالك دا سر بينا
أبتسمت «جنة» على حديث الفتاة و قالت بمُزاح
أنتي شكلك حكاية يا ريتا. متقلقيش يا ستي مش هقوله حاجه.
طب يالا بينا بقي بشويش
أطاعتها «جنة» و توجهوا إلى الداخل و بأقدام خفيفة كالريشه صعدوا الدرج و ما أن مروا بغُرفة «أمينة» حتى سمعت «جنة» أصوات إستغاثة و شهقات مكتومة قادمة من الداخل فتجمدت الدِماء بعروقها و دب الذُعر بقلبها و توجهت بخُطً ثقيله إلى باب الغُرفة و قامت بفتحه بهدوء و سُرعان ما خرجت شهقة قويه من جوفها حين رأت...
↚
كُل الأسود حِداد إلا الأسود في عيناكِ. فهو فِتنةً من نوعٍ خاص. لم يستطِع قلبي الباسل مُقاومتها و أنا الذي ظننتهُ مُحصن ضد هجمات الهوي. فلم تُصيبني رياحه يومًا و لم أكترِث ل وداده أبدًا. إلى أن أخترقت عيناكِ قلاعي و لامس نسيم وجدِك قلبي. فأصبحت في العشق غريق لا يبغي النجاة أبدًا. فالنجاة منكِ تعني الهلاك لقلب لا يرغب سواكِ
نورهان العشري.
تسمرت «جنة» في مكانها للحظة و من ثم خرجت شهقة قوية من جوفها حين شاهدت «أمينة» التي كانت مُلقاة على الأرض تختنق و كأن روحها على وشك الصعود إلى بارئها فاندفعت «جنة» تجاهها و هي تقول بذُعر
حاجه أمينة. مالك في إيه؟
لم تستطِع «أمينة» الحديث و لكن بصعوبة استطاعت أن تُشير بيدها على شئ ما أسفل الأريكة في آخر الغُرفة و الذي لم يكن سوي بخاخ لعلاج حالات الإختناق المُشابِهة لذلك فهبت «جنة» من مكانها و قامت بجلب تلك البخاخه و تقريبها من وجهها و قامت بالضغط عليها عِدة مرات لتستشعر «أمينة» عودة الحياة إلى صدرها مرة أُخرى فقد كانت على شفير الهلاك فقد انقطع عنها الهواء و لم تعُد تستطِع حتى إخراج صوتها و إزدادت ضربات صدرها بشكل كبير إلى أن أرسل الله لها الغوث في تلك الفتاة و التي كانت آخر شخص تتوقع أن يُساعدها لتتخلص تدريجيًا من آثار أزمتها على أقوي منها عِندما شعرت بيد «جنة» الحانية و التي أخذت تُمسِد بها صدرها بحركات دائرية هادئة و بيدها الأُخرى كانت تُطوق كتفيها و قد آلمها أو لنقل أخجلها هذا الموقف كثيرًا خاصةً حين سمعت صوتها المِتلهِف تقول.
طمنيني بقيتي أحسن دلوقتي؟
هدأت أنفاسها تدريجيًا و لكن كان صوتها بعيد و لم تكن قادرة على استدعائه فهزت رأسها بضعف لتقول «جنة» بلُطف
طب قومي معايا افردي جسمك و ارتاحي على السرير
و كأن حنانها و لطفها كانوا كالسوط الذي أخذ يجلد قلبها دون رحمة. فبهذا المكان تحديدًا أذاقتها كل أنواع الاتهامات واشنعها والآن تقوم بأنقاذ حياتها و مُعاملتها بكل ذلك اللُطف و الحنان!
أي جُرم ارتكبته في حق تلك الفتاة التي لا تستطيع نسيان نظراتها المُلتاعة ولا التوسل الذي كانت تُخفيه خلف قوتها بألا تواصل جلدها و إحراق روحها بكلماتها المُهينة ولكنها دهست على كل ذلك بأقدام الظُلم و أجهزت على كبريائها دون أن يرف لها جفن من الرحمة و الآن ألقي بها القدر بين يديها و التي لم تتردد لحظة في إنقاذ حياتها بنفس المكان الذي قتلتها به!
انتهت «جنة» من وضع «أمينة» في فراشها و دثرتها بالغطاء جيدًا و أخذت تُناظِرها باهتمام تجلي في نبرتها حين قالت
حضرتك عامله إيه دلوقتى؟
لم تُجبها «أمينة» فلم تُطاوِعها شفتاها بالحديث إنما هزت رأسها و عيناها مازالت تعِج بفوضى الشعور بداخلها و الذي قاطعه دلوف عاصف للجميع إلى داخل غُرفتها و كان أول المهرولين هي «حلا» التي إندفعت إلى فراش والدتها و هي تقول بنبرة مُلتاعة
ماما حبيبتي مالك في إيه؟
حاجة أمينة. انتي كويسة؟
كان هذا صوت «نعمة» الخادمة الخاصة بها و جاء صوت «مروان» الذي كان يُمسِك بيد «ريتال» التي ما أن رأت «أمينة» مُلقاة أرضًا حتى هرولت إلى الأسفل لتُخبِر الجميع و قد كان آخر من دخل إلى الغرفة «سما» التي جاهدت قلقها على «أمينة» و رسمت قناع البرود على محياها و لم تتفوه بحرف و قد جذب انتباهها «جنة» التي انزوت بعيدًا عنهم بآخر الغرفة خوفًا من بطشهم.
أنا كويسة الحمد لله. اطمنوا
«حلا» بخوف
كويسة ازاي يا ماما وشك مخطوف و مش قادرة تاخدي نفسك
أومأت «أمينة» برأسها بتعب تجلي في نبرتها حين قالت
متقلقيش يا حلا قُلت كويسة
إلتقمت عيناها تلك التي كانت تقف بأحد الأركان و يبدو عليها الخوف فاندفعت تجاهها و أمسكت برسغها تهزها بعنف مصحوب بكلمات قاسية
أنتي إيه اللي جابك هنا؟ أكيد انتي ضايقتيها بكلامك و خلتيها تعبت كدا.
خرج صوت «أمينة» ضعيف حين قالت
سبيها يا حلا
ارتعشت «جنة» تحت يدها و هزت رأسها بنفي ليُقاطعهم صوت قوي قادم من خلفهم
في إيه بيحصل هنا؟
للقلب دائمًا سُلطان على العقل يسلك كل الطُرق المشروعة و الغير مشروعة حتى يُنفِذ إرادتة و هذا ما حدث معه فبالرغم من أنه قد عزم على محاربتها و كل شعور يخصها داخله إلا أن هِناك شئ قوي اجبره قسرًا على الذهاب خلفها مُختلِقًا حجج وهمية تُرضي كبرياءه و لكن حين سمع صوت بُكاءها شعر و أن عبراتها جمرات نار مُشتعلة تحرق احشاؤه من الداخل حتى كاد أن يذهب خلفها لا يعلم ماذا سيفعل و كيف سيُصحح أخطاءه التي دائمًا ما يرتكبها بحقها و لكنه توقف حين رأي «ريتال» تلهو بالحديقة فاقترب منها قائلًا بلطف و حرج.
ريتا. بتعملي إيه هنا؟
كنت زهقانه شويه و قولت أخرج اشم شويه هوا
و مروان سابك تخرجي لوحدك كدا؟
لا مانا هربت منه. و حضرتك أكيد مش هتقوله؟
فكر قليلًا قبل أن يقول
لا مش هقوله بس عايز منك خدمة
اتفضل يا عمو
جذبها من مرفقها و وقف بعيدًا خلف تلك التي كان بُكائها يُقطِع نياط قلبه و قال بألم
ينفع تروحي تخليها تبطل عياط؟
الطفله ببراءة
طب و أنا هعمل كده إزاي يا عمو؟
أجابها بما يعتمل داخله ويُريده بشدة.
احضنيها. احضنيها أوي.
اطاعته الطفلة مع وعد بأن يبقى ذلك سرًا بينهُما و توجهت إلى «جنة» و لم يستطِع منع نفسه من سماع حديثهما الذي كان كالوقود على نيران ذنبه و غضبه الذي كان يحرقه منها و عليها فظل يُتابع ما يحدُث حتى شاهدها تذهب معها للداخل و هنا اندلع شعور أهوج بغيرة حمقاء حين تذكر «مروان» الذي كان يجلس يُتابِع إحدى البرامج على شاشة التلفاز و قد تملكه شعور حارق و هو يتخيلها تجلس معه. ليتوجه على الفور إلى الداخل و لكن أوقفه رنين هاتفه و قد أخذت مكالمته عدة دقائق و سُرعان ما أنهاها حين سمع الهِتاف بالداخل فهرول إلى الأعلى ليتفاجأ من «حلا» تهزها بعُنف وكأنها إرتكبت جريمة كبيرة.
إلتفتت «حلا» إلى «سليم» قائله بغضب و مازالت يدها تُمسِك برسغ «جنة» التي زاد ذُعرها حين رأته
اتفضل شوف عمايل الست هانم. كانت هتموت ماما زي ما موتت حازم.
تفشي الخوف ب أوردتها حتى صارت ترتجف و عبراتها تنهمر بغزارة على وجنتيها ولم تستطيع سوى أن تهز برأسها بنفي أمام عيناه التي كانت تخشاها كثيرًا و لو تعلم كم آلمه هذا الشعور و الذي كان كسكين باتر ينحر قلبه ببطئ شديد فأغمض عيناه بقوة تجلت في نبرته حين توجه بأنظاره إلى «حلا» قائلًا
سبيها يا حلا!
شحذت «أمينة» بعضًا من طاقتها المفقودة و قالت بكل ما تملك من قوة.
اسمعي كلام اخوكي و سبيها. هي معملتش حاجه
تمسك بجملة والدته الأخيرة كسلاح قوي أمام شقيقته العنيدة و التي قالت بعنف
دا شئ لا يُحتمل إحنا مش مجبورين نتحمل كل عمايلها عشان حتة العيل إلى هتجيبهولنا.
قالت جملتها و قامت بدفع «جنة» التي تلقفتها يد «سليم» بلهفة و قلب انتفض ذُعرًا عليها و لكن ما أن لامست يداه جسدها المذعور و الذي تضِج أوردته بنبضات هادرة و قطراتها المُتساقِطه بعُنف حتى اشتعل رأسه بغضب جحيمي جعله يندفع تجاه «حلا» و يُمسِكها بقوة من رِسغها الذي كاد أن يتحطم و ألتفت ناظرًا إلى والدته وهو يُزمجِر بعُنف.
ماما. جنة هي إلى ضايقتك و خلتك تتعبي زي ما هي بتقول؟
«أمينة» بصوت واهن
أبدًا يا سليم أنا جالي ضيق تنفس فجأة و البخاخة وقعت من أيدي و هي دخلت لقتني تعبانه و جريت عليا جابتهالي بعد ما كنت خلاص هموت.
سقط الحديث على مسامع الجميع كصاعقة و ما جاء بعده كان أقوي حين إلتفت إليها «سليم» يُناظرها بإحتقار و يداه مازالت تعتصِر رسغها بعُنف تجلي في نبرته حين قال.
سمعتي! إلى أنتي واقفه تهينيها دي هي إلى أنقذت حياة أمك.
جف حلقها من حديث والدتها و شعرت بمدي حماقتها و لكن نظرات شقيقها المُحتقرة أحرقت كيانها و خاصةً نبرته التي كانت تسمعها منه لأول مرة فحاولت الحديث قائله بتلعثُم
أنا. أنا اتلخبطت لما. شفت. ما. ماما.
قاطعها نبرته الصارمة حين قال
مش عايز مُبررات.
إمتدت يده تُمسِك برسغ «جنة » التي مازالت ترتجف جراء ما يحدث و قام بإيقافها أمام «حلا » و كان هو بالمنتصف و مازالت نظراته موجهه ل«حلا» حين قال بقسوة
اعتذري!
صاعقة ضربت رأسها حين سمعت حديث أخاها و رُغمًا عنها هزت رأسها بالنفي و كأنها لا تستطيع أستيعاب كلِماته فخرج صوته هادرًا
قلت اعتذري.
لأول مرة بحياتها تشعُر بالقهر و قد كان ذلك بيد داعمها الأول و مصدر قوتها فقد كان الأمر موجع للغاية و لكنها ابتلعت مرارته و قالت بعنفوان و هي تُناظر «جنة» بغضب
تمام. أنا اسفة. بس خلي بالك أنا مبعتذرش عشان فعلًا أسفة بعتذر عشان مُجبرة
إلتفت «سليم» إلى «مروان» و قال بصرامة
مروان. خدهم و انزلوا كلكوا على تحت.
هز «مروان» رأسه و قال ناظرًا إلى «أمينة»
ألف سلامه يا مرات عمي
هزت «أمينة» رأسها و لكن عيناها كانت مُتعلِقة ب «هِمت» التي كانت تنظُر إلى الأرض و لم تستطيع رفع وجهها بل إلتفتت مُغادرة دون التفوه بحرف و كذلك «سما» التي رمقت «أمينة» بنظرات باردة مصحوبة بكلمات خاوية لم تنتظر حتى ردًا عليها
حمد لله على سلامتك.
لم تعنيها كلمات «حلا» بل كانت تود الفرار من ذلك المكان الخانق باقصى سرعة لذا ما أن سمعت كلماته حتى أرادت الهرب و لكن يده كانت تُحكِم الإمساك بها و قد ألتفت إليها حين شعر بمقاومتها ولكن تلك المرة كانت نظرته مُختلِفة عن سابقتها على عكس نبرته التي لازالت غاضبة حين قال
استنيني بره متمشيش.
هزت رأسها دون حديث فجل ما تُريده الهرب من بين براثنه و ما أن أفلتها حتى هرولت للخارج و تبعتها «ريتال» و كان آخر من غادر هي «نعمة» التي ما أن أغلقت الباب حتى هوت صفعة قوية على خد «حلا» أدارتها للجهة الأخرى و دوي رنينها في أرجاء الغرفة حتى أن «أمينة» هبت بذُعر من مجلسها قائلة بلوعة
سليم!
و لكنه لم يلتفت لوالدته بل ظلت نظراته الغاضبة مُسلطة على وجه «حلا» الشاحب و المصدوم
القلم دا عشان يرجع عقلك لراسك. و عشان تفكري ألف مرة قبل ما تهيني حد خصوصًا لو ضيف عندك. و عندي إستعداد اديكي بداله ألف لو كررتي إلى عملتيه النهاردة
خرج صوتها مجروحًا كحال قلبها حين قالت
أنت. بتضربني. عشانها. يا أبية
«سليم» بصرامة.
بضربك عشان قليتي أدبك و محترمتيش حد. معقول دا آخرة دلعنا فيكي! بقيتي تتجبري على الناس و تهنيهم من غير ما يكون معاكي أي دليل؟
«حلا» بإنهيار
أنا دخلت لقيت ماما تعبانه و هي إلى موجوده معاها مفروض أفهم إيه؟
مفروض تسمعي عشان تفهمي.
هكذا قال بصرامة بينما نفضتها يداه تجاه والدته التي كانت تُتابِع ما يحدُث بصمت و داخلها يحترق ألمًا على صغيرتها و ندمًا على تلك الفتاة التي أذاقوها الويلات دون أن يكون لها ذنب و جاء صوته الغاضب ليُزيد من حزنها و هو يقوم بدفع شقيقته تجاه مخدعها.
فهميها و علميها إزاي تتعامل مع الناس بعد كدا. و لو لزم الأمر ربيها من أول و جديد. عشان مش هسمح بأي غلط زي إلى حصل دا يحصل تاني. و كلام سالم هيتنفذ بالحرف الواحد
ألقي بكلماته و توجه إلى باب الغُرفة قبل أن يلتفت ناظرًا إلى شقيقته بحنق تجلي في نبرته وهو يقول
فكري بقي يا أم لسانين هتقوليله إيه لما ييجي. لأن إلى حصل دا كله هيوصله.
خرج من الغرفة غاضب للحد الذي جعله يأكُل خطاياه و هو يبحث عنها فقد كان في تلك اللحظة على وشك الإعتذار منها. فقد صب جام غضبه على شقيقته و أفرغ بها شحنات ندمه و يأسه و قد كانت كلماته لها تخترق قلبه و تُعنف عقله الذي جعله يُهينها و يؤذيها هو الآخر و هي ماذا فعلت بالمقابل أنقذت حياة والدته بعد دقائق من إهانته لها! أي وغد هو؟ كيف إستطاع إلحاق الأذى بها بذلك الشكل؟ لم يكن ظالمًا لأي شخص بحياته و الآن أصبح جلادها الذي لا يعرف الرحمة وكأنه يُعاقِبها على إختراقها لدوافعه و حصونه التي لا يعلم كيف انهارت أمامها؟
كان يُقاومها بشدة بينما هي تتسرب إلى داخله دون أن يدري حتى باتت تحتل جُزء كبير داخل قلبه العاصى الذي إنحاز لها بكل قوة حتى عدوه هو وليس هي!
هكذا وصلت به أفكاره و هو يقف في أسفل الدرج بينما عيناه تمشط المكان بحثًا عنها و قد توقف أمام حقيقة واحدة و هي أن لا ذنب لها بغباء قلبه و وقوعه لها و أن عليه أن يُحارِب نفسه و يُعنِفها لا أن يُحاربها و هو يعلم بأن قوتها لا تقارن بقوته و قد كان هذا هو الظلم بعينه فإن كنت ستُحارب فلتختر من يستطيع أن يكُن ندًا لك و ما غير ذلك فهو تجبر و قسوة لا تليق بشهامة رجل مثله.
طافت عيناه المكان و لم تجدها ولكن أرهفت أُذناه السمع لتلتقط صوت «ريتال» التي كانت تقول ببراءة
ممكن تاخدي مني شيكولاته هتعجبك اوي.
توقف أمام باب المطبخ فوجد «ريتال» تتحدث و تمد يدها بالشيكولاه أمام ثغر «جنة» الذي كان لازال يرتجِف حين قالت بصوت مبحوح
مش قادرة يا ريتا.
كان يُناظر ضعفها و ألمها بندم و حزن كبيران و لكنهما تبدلا فورًا بنيران عظيمة حين شاهد «مروان» يضع كوب من العصير أمام «جنة» و هو يقول بمُزاح
يا بنتي دا عرض ميتفوتش. دا البت ريتال دي جلدة مبتديش شيكولاته لحد أبدًا. دي بتطلع عيني عشان لحسه
ناظرته «ريتال» ببراءة و قالت بصدق.
لا والله يا عمو مش بُخل بس جدو دايمًا يقول الشيكولاتة دي حلوة ميكلهاش غير الحلوين و أنت مش حلو فمينفعش تاكل منها
برقت عيناه للحظه قبل أن يقول بصدمة
دانتي يومك مش فايت النهاردة هو مين دا يا بت إلى مش حلو.
رُغمًا عنها أفلتت منها ضحكه قصيرة على مظهر «مروان» و حديث «ريتال» التي قالت براءة
إيه دا يا عمو هو أنت ازاي متعرفش حاجه زي دي مع إنك كل يوم بتقف قدام المرايا بالساعات.
إزدادت ضحكاتها مما جعل «مروان» يقول بمزاح
شوف البت بتقول إيه. دانتي خاربة بيت أبويا و جايه دلوقتي تقوليلي كدا ماشي يا ريتال الكلب أما وريتك. أبقي شوفي مين هيجبلك شيكولاتة تاني.
خرجت كلماتها لطيفه كمظهرها حين قالت بلطف
لا يا عمو دي ريتال متقصدش دي بتحبك جدًا مش كدا يا ريتا؟
«ريتال» ببراءة.
أيوا فعلا أنا بحبه. بس ريتا مبتكذبش هو فعلا مش حلو. يعني معندوش شعر جميل زيك و لا عنيه حلوة زيك و لا عنده خدود بتحمر لما بيعيط زيك يبقي أكيد مش حلو. اديله شيكولاته ليه؟
التفت «مروان» ناظرًا إلى «جنة » التي لم يفشل الحزن في إخفاء فتنتها و قال بغزل
تصدقي يا بت يا ريتال اقنعتيني. بس لا نسيتي تقولي أن ضحكتها كمان جميلة.
ابتسمت «جنة» بخجل و قد غزي الإحمرار وجنتيها و لكن سرعان ما دب الذعر في أوصالها حين سمعت صوته القاسي الآتي من خلفها
مروان!
لم تستطِع الإلتفات إليه بل تعلقت نظراتها المُرتعِبه بلا شئ أمامها بينما ألتفت «مروان» قائلًا بمُزاح
إيه يا عم صرعتنا هو إحنا في ثاني بلد ما إحنا جنبك اهوة
تجاهل مِزاحه و كانت نظراته تحرِق ظهرها قبل أن يُعيدها إلى مروان مرة آخري و هو يقول بفظاظة.
مش شايف أن الوقت أتأخر لصوتكوا العالي دا و كمان مينفعش طفلة زي ريتال تسهر لدلوقتي!
شعرت و كأن توبيخه موجهًا إليها و لكنها استمرت في تجاهله و لم تجروء على رفع عيناها حتى عندما شعرت به يقف بجانب مقعدها مما جعلها تحبِس أنفاسها حتى لا يشعُر بمقدار هلعها منه
ريتال في إجازة يعني عادي تسهر لبعد دلوقتي كمان و بعدين معتقدش أن صوتنا كان عالي أوي لدرجة أنه يزعجك يا سليم!
«سليم» بفظاظة و تحدي مبطن.
لا ازعجني يا مروان.
شعر بوجود شئ خاطئ في عيناه و نبرته و تصرفه لذا أختار الإنسحاب حتى لا يتفاقم الأمر أكثر فتراجع خطوة للخلف بطريقه مسرحية بينما قال بتهكِم
لا و على إيه حقك علينا. يالا يا ريتال نكمل سهرتنا فوق مش عايزين نزعج الناس أكتر من كدا.
شعر بالتهكُم في نبرته و لكنه تجاهل ذلك و لم يُعلِق بل أخذ يُشاهده و هو يُمسِك بيد الصغيرة و يُغادر المطبخ لتشعُر بتجمد الدماء بأوردتها فها هي قد أصبحت بمفردها معه. مع أكثر شخص تهابه بحياتها شخص قادر على إنقاذها من الجحيم و رميها بجمراته التي تستقر بمنتصف روحها فتُهلِكها و لا تستطيع الوقوف أمامه لذا كان الهرب خُطتها الوحيدة فتركت الكوب من يدها وهبت من مقعدها تنوي المُغادرة فاوقفتها كلماته حين قال بصرامة.
استني عندك
تجمدت بأرضها و قد شعرت للحظة برغبتها في التلاشي فلم تعد تستطيع تحمل كلمة أُخري يكفيها ما عانته طوال هذا اليوم المُريع لا تحتمِل روحها أي إهانة آخري و لا مزيد من الجروح التي لا تعلم كيف ستُداويها.
كانت تُعطيه ظهرها مما جعله يتقدم ليقف خلفها حتى استشعرت دفئًا غريبًا لا يليق بجموده و جبروته و لكنها تجاهلته حين سمعت صوته الساخر حين قال
هتفضلي مدياني ضهرك كتير. و لا عشان أنا مبعرفش اضحك واهزر!
برقت عيناها من حديثه مما جعلها تلتفت تُناظره بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
نعم!
صدمه حديثه بقدر ما صدمها فظل للحظه ساكنًا يِناظرها يُحاوِل إستعادة رباطة جأشة بينما عيناه تطوف على تقاسيمها فالحزن مازال يُخيم على ملامحها و مازالت عبراتها تُلطِخ خداها المتوردان بشكل شهي للغاية بينما عيناها يشتعِل بهم شئ خاص مزيج من البراءه المُفعمة بالشغف الذي لم يفلح الحزن في إخماده. يعلم بأن ما يشعر به خاطئ و ما يفعله خاطئ و وجوده معها في هذا المكان يُناظِرها بتلك الطريقة هو خطأ كبير و لكنه عاجز عن إصلاحه. هذا ما يحدث دائمًا معها يُعاقِبها على أخطاءه هو التي ليس لها بها أي ذنب و ينسي توبيخ نفسه و قلبه العاق الذي لا يعلم كيف يستعيده من بين براثن عيناها تِلك.
سالم كلمني و قالي على معادك مع الدكتور بكرة. اعملي حسابك عشان هوديكي.
هكذا خرجت الكلمات فظة من بين شفتيه الغليظة بينما تجاوزها بصعوبة و كأن الخطوات البسيطة التي ستنتزعه من أمام عيناها ملغومة بنيران لا يعرف كيف يُخمدها!
لم تكن تساعده إطلاقًا فما أن تجاوزها و أوشك على إستعادة أنفاسه أوقفته كلماتها الباردة
بس أنا مش عايزاك توديني في أي مكان. شكرًا!
بدا و كأن قلبه يضخ نيران إلى أوردته و ليس دِماء حين تابعت قائله
أنا هستني لما فرح تيجي و أروح معاها. كفاية تعبك معايا لحد كدا
ابتلع جمرات أن أطلقها ستُحرِقها و فضل أن يحترق هو تلك المرة لذا قال بإختصار
أنا مخدتش رأيك. و دا مش عشانك دا عشان إبن اخويا. و اعملي حسابك الساعه اتنين بالدقيقه تكوني جاهزة عشان نتحرك.
ألقي كلماته دون أن ينظر إليها و تابع طريقه يريد الفرار من ذلك الهواء الذي يحمل رائحتها و يمتلئ بحضورها الطاغي يريد جمع أوراقه و إعاده ترتيبها للوصول إلى حل لمُعضلته.
↚
ذلك الصباح لم يكن كأي صباح مر عليه. بل كان الأكثر صفاءً برغم تلبُد أجواءه أمس و حيرته و ضجيح أفكاره التي لم تهدأ حتى خيوط الفجر الأولي و لكنه يشعر الأن بأنه يقف على أرض صلبه أمام نفسه فقد اختار أن يُعطيها و يُعطي نفسه فرصة و لم تأتي هذا الفرصة جُزافًا أو نتيجة شهامته في إنقاذها كما أدعى و لكنها كانت نابعة من اقتناع قوي بأن تلك المرأة لا يِمكِن أن تُعوض أبدًا.
فحين انتزعت نفسها من بين براثنه كنمرة غاضبة عزم على معرفة كُل شئ حدث بالماضي ليُرضي ذلك الشعور المقيت بالغيرة الذي تولد حين رآها تقف مع ذلك الرجل و ما أن خرج للحديقة يريد أستنشاق هواء نظيف عله يُهدئ من نيرانه قليلًا حتى تجمد حين سمع حديثها مع ذلك البغيض و الذي أطاح بكُل توقعاته عن ضعفها أمام عشقه مرة أِخري!
أحرقته تلك المرأة بكبرياءها و عنفوانها و شموخها. تولد بداخله شعور عميق بإنتمائها له. أيقن في تلك اللحظة بأنها لا تليق إلا به لم تُخلق الا له فهي كالجواهر النفيسه التي يُكافئ بها القادة العِظام و هو سيدهم! و أكثر من يُحب إقتناء الأشياء الثمينة و خاصة إن كان لبريقها وقع خاص على قلبه الذي يرفض مواجهته حتى يتأكد من أن ما يشعر به تجاهها له صداه بقلبها أيضًا.
فكبرياؤه يأبي إعلان هزيمته العذبة أمام عيناها إن لم تعلنها هي أولًا. و سيتأكد من حدوث ذلك في القريب العاجل. فهو لن يضمن أن تطول مقاومته أمامها كثيرًا لهذا قرر إستخدام كل أسلحته و سيُهاجِم حصونها بكِل ضراوة دون أن يُعطي لها الفُرصة للفرار أو حتى المُقاومة.
كانت عيناه تطوف أرجاء المطعم بعد أن أخبره عامل الإستقبال بأنها تحتسي قهوتها هُناك فتوجه بخطي تحمل اللهفه و الأشتياق معًا و قد تجلي ذلك في نظراته حين تسلطت عليها و قد راق له مظهرها فقد كانت تجمع شعرها للخلف كزيل حصان و لا ترتدي تلك النظارات البشعة التي تحجب جمالًا يروق لقلبه قبل عيناه و ترتدي!
برقت عيناه حين شاهد ذلك القميص الزيتوني الذي يُناقِض بياض كتفيها العاريتين فقد كان بلا أكمام و قد أغضبه هذا كثيرًا فتحولت نظراته من عاشقه إلى غاضبة و تجلي ذلك في خُطواته التي كانت تأكُل الأرض و هو يتوجه إليها خاصةً أن الأمر لم يكِن يقتصر على قميص لعين بلا أكمام فقد كانت هناك تنورة تصل إلى رُكبتيها كاشفه عن سيقان بيضاء طويلة لابد و أنها كانت مُتعة للناظرين و هي في طريقها إلى هُنا تعلو حذاء ذو كعبين لابد و أنهما عزفا سيمفونيه عظيمة مع كل خطوة تخطوها و الله وحده يعلم كم عدد رؤوس الرجال التي أدارتها بملابسها تِلك!
أخيرًا توقف أمامها يُناظِرها بحنق فاعطته إبتسامة فريدة لم يرها مُسبقًا و لكن كان هُناك شئ في عيناها يِناقِض إبتسامتها و لكنه تجاهل ذلك و قال بفظاظة
مستنتنيش ليه ننزل سوي؟
«فرح» بهدوء و هي تضع قدح القهوة على الطاولة أمامها
أنا متعودة إني بصحي لوحدي أشرب قهوتي في هدوء عشان أعرف ابدأ يومي صح.
و كأنها اختارت بعنايه كلِماتها لتُزيد من إشتعال غضبه فقام بجر المقعد أمامها بعُنف و ألقي بجسده عليه بينما عيناه لم تحيد عنها فقد كان يعلم المغزي من حديثها و لكن لم يكُن في مِزاج لمُشاكستها الآن فغيرته أظلمت كل شئ أمامه لذا قال بفظاظة
بس أنا شايفك بدأتي تغيري حاجات كتير كُنتي متعودة عليها اشمعنا دي؟
رفعت إحدي حاجبيها الجميلين و قالت مُدعية عدم الفهم
تقصد إيه؟
كانت تلعب على أوتار جموده و بروده اللا مُتناهي و لكنها لم تتوقع غضبة و لا قسوته حين قال بلهجه فجة
لبسك إلى مبين أكتر من الى مداريه. تقريبًا مش من عادتك و لا إيه؟
تصاعدت أدخنة الغضب إلى رأسها فخرج صوتها عال نسبيًا حين قالت
أنت إزاي تتجرأ.
بتر جُملتها حديثه الصارم و تهديده الواضح حين قال بخشونة
أنا اجروء أعمل كل إلى تتخيليه و إلى مش تتخيلي! و ممكن كمان أكسر دماغك لو فكرتي تعملي حركة زي دي تاني.
وقاحته في تهديدها جعلتها تعجز عن الحديث لذا آثرت الإنسحاب و هي تقول بغضب كاد أن يُبكيها
الحق مش عليك الحق على إلى سمحتلك تتمادى معاها بالشكل دا!
كادت أن تهُب من مكانها و لكن إمتدت قبضته الفولاذية تُمسِك بمِعصمها لتجعل من انسحابها أمرًا مُستحيل.
كانت تجاهد على منع دموع الغضب من الفِرار حتى لا تجعله يشعر بالإنتصار عليها فأدارت رأسها للجهة الأُخري و هي تقول من بين أنفاسها
سيب أيدي!
بصيلي.
قولتلك سيب أيدي عايزة أمشي
و أنا قولتلك بصيلي
قال جملته بلهجه رقيقه و لكن آمرة وعندما لم تمتثل لأوامره إمتدت يده الأُخري تقوم بفتح كفها المُعتقل بين يديه و أخذ يُمرِر إصبعه فوق عروق يدها بلُطف و بُطئ و هو يقول قاصدًا إستفزازها
على العموم أنا مرتاح كدا. براحتك خليكي باصة الناحيه التانيه.
ما أن تفوه بجُملته حتى إلتفتت تُناظره بغضب كبير بينما زوبعة من المشاعر اجتاحتها جراء لمساته لكفها و ما أن شاهدها تلتفت إليه حتى ترك يدها و قال بتسلية
حلو. بقيتي تسمعي الكلام أهو
كانت عيناه تحوي نظرات أربكتها نظرات خالية من التسلية و قد أتاها هاجس استنكرته بشدة و لكنه كان فُرصتها الوحيدة للنيل منه فقالت بهدوء يُناقِض غضبها المُشتعِل بمُقلتيها مما أثار إندهاشه
إيه إلى مضايقك أوي كدا في لبسي؟
تصنع الجمود و هو يقول بإختصار
مش مُناسِب
لمين؟
ليكي!
أنا أدري بالي يناسبني!
توقفت عن الحديث مُتعمدة و إرتسمت علامات الدهشه و غلف المكر عيناها و هي تقول بإستنكار
متقوليش إنك بتغير عليا!
لامس استفهامها حواف قلبه و اضطربت دقاته بشكل لم يعهده فلأول مرة يكن شفافًا أمامها بتلك الطريقه و لكنه حاول إستدراك الموقف و إبراز الحقيقة منقوصه فتمتم بالمبالاة
و ليه لا؟
و ليه آه
اسند ظهره للخلف و هو يبتسم قائلًا بتهكم.
رجعنا نلعب تاني
مش لعب بس فاجئتني. بتغير عليا. مش قادرة ابلعها بصراحه
استمرت سيمفونية بروده المُعتاد حين قال بخشونة
على حسب دوافع الغيرة دي من وجهة نظرك!
«فرح» بتخابُث
الغيرة ملهاش غير دافع واحد و أنا متأكدة انة مش موجود
إلى هو؟
أجابها بإختصار لتقول بتمهُل و كأنها ترسم الكلمه على شفتيها
الحُب!
كانت للكلِمة وقع خاص على قلبه مما جعل نبضاته تتعثر بداخله و لمع وميض خاطف بعيناه سُرعان ما محاه ليحِل محلُه التهكُم بينما تابع بفظاظة
غلطانه! أي راجل بيغير على البت إلى مفروض هتبقي مراته حتى لو مش بيحبها
خرجت الكلمات غاضبة من بين شفتيها
و لما هو مابيحبهاش هيتجوزها ليه؟
في مليون سبب يخلوا الواحد يتجوز غير الحُب
بس المليون سبب دول ملهمش لازمة مدام الحُب مش موجود.
قالتها بخيبة بدت جلية في عيناها و لكنه غير قابل للإنحناء أبدًا لذا قال بفظاظة
دا كلام مِراهقين ميقولوش حد ناضج زيك
تابعت بسُخرية مريرة
عندك حق. الحُب كلام مراهقين فعلا!
«سالم» بتقريع خفي
و إلى أنتي بتعمليه دا بردو حركات عيال صُغيرة
«فرح» بإنفعال
إيه إلى أنت بتقوله دا؟
«سالم» بصرامة
أنا خدت قراري و هنفذه! كل الحركات الهبلة دي مش هتخليني أغير رأيي بس هتزعلنا من بعض.
تحدثت مُعانِده
تمام أبقي نفذ قراراتك لوحدك
حدجها بنظرة مُحذرة قبل أن يقول
بطلي جنان عشان مش هتقدري تتحملي توابعه!
«فرح» بإندهاش
كمان بتهددني؟
«سالم» بإختصار
بحذرك و دي تفرق
تفرق بالنسبالك. بالنسبالي النتيجة واحدة
إلي هي؟
لم تقدر على الصمت أكثر فبصقت الكلمات من فمها بكُل ما تحمل من غضب مُستعِر جراء وقاحته.
أنك إنسان مُتكبر و مغرور و مُتسلِط و مبتشوفش غير نفسك و بس. عايز كل الناس تسمع كلامك و بس. تنفذ أوامرك و بس. من غير أي إعتبار لمشاعرهم و لا رغباتهم؟ أقولك أنت فعلًا ديكتاتور زي ما جنة مسمياك.
كانت يداه تعبث بالملعقه التي أصابها الدوار جراء تقليبه المُستمر بقدح الشاي الخاص به مما أثار حنقها كونه بدا غير مُباليًا بحديثها الوقح الذي لا تعلم كيف خرج من بين شفتيها و للحظه نهرت نفسها على حماقة ما تفوهت بها ليصدمها حديثه حين قال بلامبالاة
بغض النظر عن وقاحة أسلوبك بس أنتي عندك حق. و جنة كمان عندها حق.
تجمدت نظراتها بصدمة سرعان ما تبخرت ليحل محلها غضب عارم حين اقترب يستند بمرفقيه على الطاولة أمامها و عيناه تحدجها بنظرات قوية مُحذِرة ثم قال بعنجهية اغضبتها
أنا فعلاً ديكتاتور. و مبنفذش غير إلى أنا عايزه. و دا يعرفك أن كل الهبل إلى بتعمليه دا مش هيغير قراري. يبقي بلاش توجعي دماغك و دماغي.
لم يُمهِلها وقت للرد فقد إلتقمت عيناه تلك السُترة التي وجدها على المقعد بجانبها فارتاح قليلًا كونها لن تخرُج بهذا الشكل الذي يُثير جنونه لذا قال بفظاظة
البسي عشان هننزل نشتري شويه حاجات!
نعم
مِضطرين لدا. أنتي على الاقل. في فرح الليله حد من معارفي و بما إني هنا فلازم أحضر و أنتي هتكوني معايا.
انهي جِملته ثم حدجها بنظرة مُتسلِطه و هو يقول
على إنك خطيبتي طبعًا.
هُنا لمع المكر بعيناها و قررت أن تُنحي الحديث جانبًا و لتهزِمه بأفعال ستري إن كان سيتحملها أم لا لذا قالت بهدوء أثار الريبة بداخله
تمام يالا بينا.
كانت حلا تجلس في تلك الحديقة بمزاج سودوي فقد كانت الليلة الفائته من أصعب الليالي التي مرت عليها بحياتها فصفعة شقيقها انطبعت بقلبها و ليس خدها و مازال ألمها عالق للآن بمخيلتها و قد تجلي ذلك بمظهرها المشعث و عيناها التي تظللها هالات سوداء تماما كالتي تحيط بقلب تلك التي تجلس أمامها قائله بتأثر زائف
صعبان عليا شكلك أوي يا حلا! القلم لسه معلم على خدك.
رفعت حلا رأسها تطالعها بغضب اخفته خلف نبره مستفهمه و هي تقول
قلم ايه إلى لسه معلم على خدي انتي بتخرفي و لا ايه؟
سما بتخابث
القلم إلى سليم اداهولك امبارح يا حلا. كلنا سمعنا صوته. و بعدين انتي مشوفتيش وشك في المراية قبل ما تخرجي و لا إيه؟
حلا بحزن انهمر من عيناها على هيئة قطرات أغرقت وجنتيها فتابعت سما الضرب على اوتار كبرياءها المهزوم.
بصراحة متوقعتش كل دا يحصل. يعني مش كفايه طنط أمينة إلى دافعت عنها قدامنا كلنا كمان سليم يضربك عشانها و قبل كدا أبية سالم بردو زعقلك قدامنها بسببها. فاضل مين تاني مبهدلكيش بسببها
ازداد الغضب بداخلها حتى تشكلت غصة مريرة في حلقها جعلتها عاجزة عن التنفس فهبت من مكانها و انتزعت حقيبتها و هي تقول بعجالة
ورايا مشوار في الجامعه هخلصه و هاجي على طول. سلام.
هرولت حلا إلى سيارتها دون أن تستدعي السائق و قادتها منطلقه إلى الخارج فشعرت سما بالغضب مما فعلته و خفق قلبها ذعرا على حلا التي لا تعرف عن القيادة الكثير و لم تعد تدري ماذا تفعل لتتفاجئ بصوت محتقر آت من خلفها
مرتاحة دلوقتي؟
انتفضت بذعر لتتفاجئ بمروان الذي خرج من العدم و قد ارتسم الإحتقار في عيناه و هو يطالعها إلى أن وصل إلى مكانها و قال بأزدراء
قوليلي يا سما. انتي كدا مرتاحه؟
حاولت رسم القوة على ملامحها قبل أن تقول
و انت مالك و مالي مرتاحة و لا لا؟
مروان بغضب دفين
بصراحة عندي فضول اعرف احساس الإنسان إلى بيأذي غيره و بيعمل فتن بين الناس و بعضها. ياتري بيبقي مبسوط و لا بيبقي حاسس بأيه؟
سما بأندفاع
أنا مقولتش غير إلى حصل. و على فكرة بقي أنا سمعته و هو بيزعقلك في المطبخ عشان قاعد تتكلم مع الست هانم
مروان بتهكم قاصدا إذلالها
برافو يا سما. كمان بتقيتي تعرفي تتصنتِ عالناس حلو؟
اغتاظت من حديثه و إهانته المتعمدة لها و قالت بغضب
هو دا إلى انت شاطر فيه. تقعد تتريق عالناس و بس
مروان بسخرية
يعني تتريق عالناس احسن ما أوقع بينهم و أأذي اقرب ناس ليا. مش دي حلا صاحبتك إلى بتعادي مرات اخوها عشان خاطرك. إلى مش طايقه جنة في البيت عشان خاطرك. مفكرتيش احساسها ايه دلوقتي؟ موجوعة قد ايه بدل ما تهوني عليها يا صاحبتها!
رمقها بنظرات إحتقار حين طال صمتها و إلتف ينوي المغادرة فخرجت الكلمات كالشوك من بين لفائف احبالها الصوتيه لتعبر عن مدى ألمها و هي تقول
و أنا محدش هون عليا وجعي ليه؟ محدش حس بألمي وعذابي ليه؟ كل الناس بتحس و أنا لا. كل الناس بتتعذب و أنا لا؟ كل الناس عندها إلى يقف جنبها و انا لا!
لم يتخيل أن يؤلمه ضعفها و عذابها بهذا الشكل فتوقف بمكانه يشعر بأن جمراتها تسقط فوق قلبه و خاصة حين تابعت بعتاب من بين قطراتها
حتى أنت! مفكرتش مرة واحده تكلمني من يوم موت حازم. بالرغم من اني كنت محتجالك أكتر واحد تهون عليا. أنت كنت اقرب واحد ليه. الحاجه الوحيدة إلى بقيالي من ريحته و ملامحه!
لم تستطع أن تكمل حديثها الذي لا تعلم أنه اشعل بجوفه عاصفة غضب هوجاء أوشكت أن تقضي عليها حين اقترب منها بعينان إرتسم بهما الجنون و انفاس لاهبه جعلتها تتراجع بذعر من مظهره و لكنه كان اسرع حين اقترب منها و قام بإمساك رسغها و دفعها بعنف لتسقط على الأريكة خلفها بينما يداه لم تفلتها و لكنه اقترب منها قائلا بغضب جحيمي
أنا مش من ريحة حد. و أياكِ تنطقي الكلام إلى قولتيه دا تاني. فاهمه و لا لا؟
لم تستطع الحديث فقط هزة جنونيه منها لم تفلح في إخماد غضبه لتتفاجئ به يمسك بفكها و يديره للخلف و هو يقول بقسوة افزعتها
بصي وراكي كدا شايفه مين هناك؟ دي مرات حازم. الوحيدة إلى يحقلها تحزن عليه الوحيدة إلى حبها و اختارها و اتجوزها و معبركيش. بطلي بقي ترخصي نفسك كدا. بطلي توحشي في نفسك اكتر من كدا. ارحميها و ارحميني.
تركها بغتة بشكل عنيف تماما كهجومه الضاري الذي لم تكن تتوقعه فظلت ترتجف في إثره لا تعلم هل ما حدث للتو حقيقة أم كابوس!
كانت فرح تجلس بجانبه في السيارة بصمت فقد اكتفت من حديثها معه منذ دقائق و لا رغبة لها في المتابعه أكثر فقد كانت تريد بعض الهدوء حتى تستطيع إعادة تنظيم أوراقها و معرفة ماذا عليها أن تفعل حتى تتخلص من وضع اقحمت ظاهريا به بينما هناك شعور خائن بداخلها كان يروق له ما يحدث!
↚
أخبريني كيف يُمكِنني الإفصاح عن ذلك العِشق الذي تغلغل إلى داخلي و احتل كُل ذرة من كِياني دون أن أمس كرامتي أو اخدش كبريائي؟! كيف اُخبِرُك بأنى أشتاق لعالم لم يُخلق به سواكِ. أنتِ و عينيكِ و ابتسامتكِ التي أضاءت ظلام قلبي. فتمهلي و أرأفي بقلبً لم يُبصِر النور إلا على يداكِ. و إن كان المِنْطِيق يأبى الإفصَاح عن الهوى. فالقلب بات عاشقًا حتى الثرى.
نورهان العشري.
لا تُجَابَه القوَّة إلاّ بالقُوَّة و لا تُقهر المرأة إلا بالمرأة. قد تكون تلك المقولة قاسية قليلًا و لكن ليست أقسي من أن يقف كبرياء المرأة بينها و بين العشق خاصة إن كان عشق رجل مثله. لا يقبل بالهزيمة و لا يعرف أنصاف الحلول. أكثر ما يثير جنونه العصيان خاصة حين يكون أول من إستسلم فحينها يمتزج عشقه بكبرياء عاصف لا يقبل المقاومة فإما الاستكانة بين أحضانه أو الذوبان في بحور هواه وإن اختارت التمرد فليكن بين جنبات صدره و هذا أقصي ما هو مسموح به.
برقت عيناها حين سمعت ذلك الصوت الأنثوي يناديه برقه تليق كثيرًا بصاحبة العينان الزرقاء الصاخبة كجمالها الذي جعل دقاتها تتقاذف غضبًا ذو نكهة مؤلمه حين وجدته يلتفت إلى تلك المرأة و من ثم قال بنبرة مشتاقه قبل أن يغادر السيارة للترحيب بها
مروة!
ما أن خطت أقدامه خارج السيارة حتى اندفعت المرأة تعانقه بشوق كبير قابله تحفظ من جهته ولكن لشدة حنقها لم تلحظه فقد أعماها غضب مقيت جعلها تترجل من السيارة دون وعي و عيناها معلقه بذلك الثنائي الذي بدا و كأنهما يعرفان بعضهما تمام المعرفة
مروة بشوق
سالم. ايه الصدفة الجميلة دي؟
سالم بحبور
هي صدفة جميلة فعلًا. عامله ايه؟
مروة بجرءة
قبل ما أشوفك و لا بعد ما شوفتك؟
ارتسمت ضحكه عريضة على محياه حين سمع بابا السيارة يفتح من جهتها فأراد اللعب قليلا إذ قال يشاكسها
هو في الحالتين انتي زي القمر.
صدحت ضحكه عاليه من ثغرها الجميل قبل أن تقول بدلال
سالم الوزان بيعاكسني انا كده هتغر!
سالم بمزاح
لا اتغري براحتك!
لم تتحمل الوقوف دقيقة واحده و رؤيته مُستمتِع بالحديث مع تلك المرأة التي لا تعرف من تكون و لا تُريد معرفتها جل ما تُريده هو إنتزاع عيناها الفاتنة تلك من محجريهُما حتى تُبعِد سهامها اللعينة عن مرماه. انكوت بنيران لم تعهدها سابقا. شعور مقيت يجعل دقاتها تتقاذف بين ضلوعها في حرب طاحنة تُهلِك أنفاسها التي تخرج من أنفها على هيئة نيران مُلتهِبة تحرِق رئتيها دون رحمة و أسنانها التي كانت تصرُخ ألمًا من فِرط ضغطهم بهذا الشكل في محاولة لابتلاع غضبها خوفًا من أن تلتفت متوجهه الى تلك الأفعى شقراء الشعر زرقاء العينين و تقوم بنزع رأسها من فوق جسدها حتى تشعر بالراحة.
سحبت نفسًا طويلا ل تثبط نوبة البكاء التي كانت على وشك الإنفجار في أي لحظة و ظلت على حالها لدقائق كانت كساعات و هي تتظاهر بالنظر ل واجهات المحلات الزجاجية ولكنها في الحقيقة كانت مُغمضة عيناها وجهها يعكس مدى عذابها الذي تشعر به و الذي جعلها في واد آخر حتى أنها لم تلحظ توقفه بجانبها لثوان و تلك البسمة الصافية المُرتسِمه على ثغره و التي كانت أشد اتساعًا بقلبه الذي كان يُشفِق عليها من ألم الغيرة الذي لا يرحم و لكن لا بأس ف لتشعر بشئ بسيط مما يعتمل بصدره حين رآها بتلك الملابس.
قرر إنتزاعها من بين براثن العذاب و قال بصوت مميز يشوبه بعض المكر
الفستان عاجبك اوى كدا؟
اللعنة على صوته الذي يُرسِل ذبذبات حسية تسري في سائر جسدها الذي ينتفض بقوة الآن و لكنها كانت بارعة في إخفاء تأثيره عليها لذا فتحت عيناها الصافيه رغم كل شئ و التفتت تُناظره بهدوء يتنافى مع ضجيج قلبها و رسمت ملامح الشجن فوق قسماتها الجميلة و قالت بصوت مِتأثِر
مش أوي. بس فكرني بذكريات مكنتش حابة افتكرها.
بلمح البرق إنقلب عالمه رأسًا على عقِب فقد كان يظُن بأنها تتلظى بنيران الغيرة و ها هي تصدمه بأنها غارقة في ذكريات يعلم أنها كانت مع غيره. خفقة وجلة ضربت بعُنف فؤاده فأصبحت حتى دقاته تؤلمه و لأول مرة بحياته يرغب في صفع إمرأة ف أظلمت عيناه و ارتسم بها نظرة جوفاء قاسية اخافتها للحظة فأرادت الهرب من نيران كانت هي من أشعلتها لذا توجهت الى باب المحل و هي تقول
في كام حاجه عجبتني هدخل أشوفها.
لم يُجيبها إنما اكفهرت تعابيره بشكل مُريب و قد أيقن في تلك اللحظة بأن طريقهما لازال طويل و قد كان هذا درس قاس جعله يعلم بأن كل النساء لا يجب اللهو معهن.
سمعت صوت الباب يُفتح و علمت بوجوده خلفها فقد كان حضوره آسر و هيبته طاغية و رائحته التي أصبحت تروق لأنفها كثيرًا و ينتشي بها سائر جسدها الذي تخشب حين سمع صاحبة المحل و هي تتوجه إليه بترحاب كبير
أهلًا. أهلًا سالم بيه.
لم يُجيبها إنما هز رأسه و هو يضع يديه بجيوب بنطاله خشية أن يقوم بكسر عنقها فقد استنفذ كل ذرة مقاومة لديه حتى لا يقوم بهزها و إخراج تلك الذكريات اللعينة من رأسها و لكن لا بأس سيعرف كيف يُمحيها و لكن بطريقته.
كانت عيناه تطوف كل شئ حوله دون أن يظهر على ملامحه أي شئ و لكن ذلك لم يُعيق تلك المرأة التي كانت تتعمد الدلال و هي تقول
أنا حقيقي مش مصدقة نفسي اني واقفه قدام حضرتك. المحل حقيقي نور بوجودك.
امرأتان في نفس الساعة تحومان حوله كان هذا أكثر من قدرتها على التحمل لذا التفتت بعُنف غير مقصود و عينان تشتعلان غضبًا لتتفاجأ به يُعطيها ابتسامة ساحرة و هو يقول بتحفظ
شكرا لذوقك.
اقتربت فرح منهما و هي تقول بنبرة بها بعض الترفع
في كام حاجه عجبتني عايزة اجربها
اه. طب ثواني هشوف حد من البنات يقف معاكي!
هكذا حدثتها المرأة بلامبالاه بينما صبت كل إهتمامها عليه و التفتت إليه تقول بلطف زائد.
حضرتك تؤمرني بأيه يا فندم؟
انتفخت أوردتها غضبًا من تلك الحثالة التي عملتها
ب لامبالاة بينما تُناظره وكأنها سوف تلتهمه و ذلك الوغد الذي يرسم اجمل ابتساماته أمامها وكأنه يُريد اغاظتها! ستريه ذلك المعتوه الأبله المغرور الوسيم الذي يستهلك جميع أحاسيسها في آن واحد لدرجة تجعلها تشعر بالتعب دون أن تقوم بفعل اي شئ فقط يكفيها مشاهدته هو و معجباته الغبيات. أخرجها من شرودها حين سمعته يقول بطلف.
ياريت تشوفي الهانم عايزة إيه
ايه دا هي الهانم مع حضرتك؟
هز رأسه فتقدمت فرح تقف بجانبه و هي تقول بتهكم
تخيلي!
انا والله معرفش. طب اقدر اساعد حضرتك بأيه. شاوريلي على إلى عاجبك و أنا هجبهولك بنفسي
شعر بها تقف بجانبه و قد كان وجهها مُحمرًا بشده و يبدو بأنها غاضبة بشكل كبير و لهذا واصل العزف على أوتار حنقها إذ قال موجها نظراته لها
تمام يا أنسه فرح اختاري إلى تحبيه. المدام بنفسها هتبقي معاكي!
آنسة فرح! الآن يناديها بهذا اللقب و كأنها لا تعنيه! ارتسم تعبير مُندهِش ممزوج بغضب واستنكار جعلها ترفع إحدي حاجبيها و هي تناظره بينما هو رسم الإستمتاع على ملامحه و عيناه الماكرة التي كانت تُرسِل تحدي مُبطن لها و لكنها سُرعان ما أدركت لعبته و قررت مجاراته لذا التفتت إلى السيدة التي كانت مُندهشة من نظراتهم التي توحي بالكثير و التي قطعها فرح حين أشارت إلى أحد الأركان و هي تقول بترفع.
في هنا كام حاجه عجبتني عايزة اشوفهم
السيدة باحترام
عيوني. يا فندم اتفضلي.
رسمت فرح إبتسامه سمجه على ملامحها و أوشكت على السير خلفها فوجدت قبضته التي امتدت تمسك برسغها و صوته الآمر حين قال
مش محتاج أقولك أنه لو معجبتنيش مش هتلبسيه
بكل ما تملك من لطف التفتت تناظره وهي تقول بسخرية
مش محتاجه أقولك أني مش هاخد رأيك اصلا!
من المفترض منه أن يغضب ولكن على العكس كان يبتسم على ملامحها و حديثها فكل شئ تفعله يروق له وهو الذي لم يكن أحد يجرؤ على مُعارضته خوفًا من بطشه لتأتي هي تفرض سيطرتها على قلبه الذي يشتهي تحديها و عنادها و حتى غضبها و هنا صدحت حقيقة قويه أمام عيناه و هو أنه واقع لتلك المرأة و بشدة. استطاع الآن التخلص من كل القيود و الإعتراف بأنه يحبها. بل يعشقها. يشتهي كل شئ بها و كأنه جائع منذ زمن وهي ألذ ما رأي بحياته.
كانت تقود سيارتها باقصي سرعة و لم تكن تبالي بصراخ الناس من حولها و لا تلك الأصوات الصاخبة لأبواق السيارات حولها فقد تكالب عليها كل شئ ألمها و غضبها و كبرياءها المدهوس فأخذت تبكي كل شئ يؤلمها تبكي كما لو لو تفعل من قبل حتى أن صوت بكاءها تحول إلى صراخ وصل إلى مسامع ذلك الذي كان يلاحقها بكل ما أوتي من قوة و بداخله يرتعب من أن يحدث لها أي شئ و لكن فجأة أظلم كل شئ من حوله حين شاهد سيارتها التي انقلبت في الهواء و هبطت بقوة على الطريق أمامه فأوقف سيارته و هرول مسرعا إلى تلك السيارة التي تحطمت و انقلبت على رأسها و ما أن رأي تلك المكومه بداخلها حتى خرج صوت من أعماق قلبه الذي صرخ قائلا برعب.
حلااااااا
قبل ساعة من الآن.
ترجلت حلا من سيارتها و توقفت أمام باب الجامعة و هي تنظر إليها لا تعلم هل تدخل أم لا؟ لا تعرف شئ في هذه البلاد سوى تلك الجامعة التي لا تملك بها أي أصدقاء لا تعرف أين تذهب و لا مع من تتحدث؟ ف كبريائها مجروح بشدة و لأول مرة يُغضِبها الحديث مع سما صديقتها الوحيدة حتى أنها أرادت الهرب منها و من كل شئ و ها هي تقف الآن وحيدة منبوذة لا تملك إنسان واحد في تلك الحياة تُخبِرُه عن وجعها الذي تقطر من عيناها على هيئه فيضانات حفرت وديان الألم فوق خديها.
للمرة الثانية يتكرر مشهدها المهزوم أمامه فهاهي تقف تنظر إلى الفراغ بعينان تقطران ألما و ملامح يكسوها الحزن الذي تغلغل إلى داخله بشكل كبير. لا يُنكِر إعجابه بها منذ المرة الأولي التي رآها و لكنه الآن يشعر بالألم الكبير لحزنها هذا. و لذلك قرر الحديث معها وعدم تركها فريسة للألم هكذا.
ما أن خطى خطوتين تجاهها حتى تفاجئ بها ترتد إلى الخلف و تعاود الصعود إلى سيارتها و قد بدا أنها على شفير الإنهيار و الذي تجلي في قيادتها المجنونه فدب الذعر بقلبه و أطلق الريح ل قدماه حتى يلحق بها فصعد إلى سيارته و بلمح البرق كان خلفها يحاول بشتي الطرق الإقتراب منها و هو يصرخ عل صوته المُرتعِب يصل إليها و لكن دون جدوى وفجأة أظلم كل شئ أمامه و هو يرى سيارتها تنقلب أمامه بهذه الشكل المروع.
بعد عدة ساعات كان يقف أمام غرفة العمليات المحتجزة بها تلك التي حملها من داخل السيارة المحطمة و دمائها تسيل على يديه و داخله يشعر بالألم يعتصر صدره بشدة و كأنها شخص يعرفه منذ سنين.
لا يعلم الكثير عنها و لكنه كان يشعر ب أنها بطريقة أو بآخري قريبة منه للحد الذي يجعله يتضرع إلى الله بأن تخرج سالمة من هذا الحادث المروع. خرج الطبيب من الغرفة فهرع إليه يسأل بلهفة
طمني يا دكتور هي عامله ايه؟
الطبيب.
الحمد لله شوية كسور و جروح و كنا خايفين يكون في نزيف داخلي بس اطمنا أن الوضع تحت السيطرة.
زفر بإرتياح من حديث الطبيب الذي قال مستفهما
حضرتك تقربلها ايه؟
احتار بما يجيب و لكنه في النهاية قرر قول الحقيقة
أنا دكتور و هي طالبه عندي و الحادثة حصلت قريب من الجامعة وأنا إلى جبتها على هنا
اومأ الطبيب قبل أن يقول بعمليه
خير ما عملت. الحمد لله ملحقتش تنزف كتير و دا طبعًا في صالحها.
تحدث قائًلا بإرتياح.
الحمد لله انها بخير. اقدر اشوفها واطمن عليها
المفروض أن إدارة المستشفى تكون كلمت أهلها و هما اللي يقرروا. يعني حضرتك مش قريبها و اكيد انت فاهم الحرج.
ياسين بتفهم
فاهم يا دكتور. شكرا لذوقك.
العفو. عموما هي نص ساعة و هتتنقل اوضة عادية. عن إذنك
لم يكد يتنفس بارتياح إطمئنانا عليها حتى أتاه إتصال كان يتمناه بشده فأجاب بلهفة
ايوا يا سعد طمني؟
المتصل على الطرف الآخر
عايز الحلاوة يا ياسين. جبتلك عنوان بنات عمك.
كانت تدور حول نفسها بغضب كان أساسه الخوف! خوف من أن تكون معه بمفردها و خوف من كلماته السامه التي تنحر قلبها بكل مرة و خوف على صغيرها من عدم تحملها لكل ما يحدث معها فيكون هو الضحية و خوف من مشاعر غريبة تجتاحها تجاهه. كانت تمقته فما الذي حدث حتى صارت تمقت الظروف التي وضعتها في تلك المواقف أمامه. تكره كونها مذنبه في عيناه و كان هذا الشعور لا يروقها أبدا. و للمرة التي لا تعرف عددها تتمنى لو أن تلك الأشهر الماضية لم تمر عليها تتمنى لو أن شاحنة دهستها قبل أن تذهب إلى الجامعة في ذلك اليوم. و لكنها تعود نادمة حين تنظر إلى بطنها المسطح و الذي يحوي روحًا بريئه تأمل بأن تكون هي المُرمِمة ل جراحها الغائرة.
لا تعلم ماذا عليها أن تفعل. هل تهرب ام تواجه؟ هل تبتعد أم تقترب؟ لا تعلم ماذا تخبئ لها الأيام و لكنها خائفه كثيرًا من الغد و من المستقبل فبعد ما حدث لها لم تعد تثق حتى بنفسها التي باتت عبئًا حتى عليها كما قال. فبالرغم من قساوة كلماته و لكنها كانت صحيحة. و بالرغم من أنه وقف إلى جانبها البارحة و أخذ لها حقها من شقيقته البغيضة تلك إلا أنها مازالت خائفه منه و بشدة.
ارتجف قلبها ذعرًا حين سمعت ذلك الطرق على باب حُجرتها و تسارعت أنفاسها و هي تتقدم بخطً سُلحفيه لتقول بصوت مُرتعِش
مين؟
اطمأنت قليلًا حين سمعت صوت أمينه التي قالت
أنا الحاجة أمينة يا جنة. ممكن ادخل
تنفست الصعداء و فتحت الباب و هي تنظر إلى أمينة باستفهام فهي آخر شخص توقعت رؤيته خاصة في الصباح ولكنها شعرت بالراحة حين رأت تلك البسمة البشوشة على ملامحها فأجبرت شفتاها عن الإفصاح عن آخري هادئه حين قالت.
أهلًا يا حاجه. اتفضلي.
بالفعل دلفت أمينة للداخل و توجهت إلى الأريكة الموضوعة في منتصف الغرفة بينما اضطرت جنة إلى إغلاق الباب و التوجه بتؤدة إلى حيث تجلس فامتدت يد أمينة تُشير إليها بأن تجلس بجانبها و هي تقول بلطف
تعالي يا جنة اقعدي جمبي
اطاعتها جنة بصمت بينما بداخلها تشعر بالرهبة و قد لاحظت أمينة ذلك لذا قالت بمزاح
ماتخافيش احنا ما بناكلش بني آدمين.
↚
ابتسمت جنة رغما عنها و جلست بجانبها دون التفوه بحرف ل تُفاجئها أمينة التي تحولت نظراتها للحيرة حين قالت
ليه يا جنة؟
اندهشت من سؤالها و تجلى ذلك في استفهامها
هو ايه اللي ليه؟
ليه أنقذتِ حياتي؟
تفاجئت من حديثها وقالت بزهول
هو أنا كان ممكن اعمل حاجه غير كدا؟
أمينة بهدوء
آه. كان ممكن تقفلي الباب و تمشي و لا كأنك شوفتيني. يعني بعد إلى الكلام اللى قولتهولك والأذى الى سببتهولك.
قاطعتها جنة باندفاع يحوي غضبا كبيرا
دا عند ربنا. الأذى الى سببتهولي دا عند ربنا. لكن انا مقدرش اشوف إنسان بيموت و مساعدهوش.
آلمتها كلماتها بشدة فقد اشعرتها بمدى حقارتها سابقًا معها و قد تجلي ألمها في كلماتها حين قالت
مفكرتيش لحظة.
قاطعتها للمرة الثانية.
أبدًا و لو رجع بيا الزمن هعمل كدا تاني حتى لو كنتي عاملة فيا ايه! انا مش ملاك و لا حاجه و هبقي صريحة معاكي انا معملتش كده عشانك انا عملت اللي اتربيت عليه.
تقصدي تقوليلي حتى لو انتي وحشة أنا مش زيك!
جنة بلهفه
انا مقصدش كده والله.
تلك المرة قاطعتها يد أمينة التي ارتفعت توقفها عن الحديث و قالت بإبتسامه هادئه
عارفه انك متقصدِش.
سحبت نفسًا عميقًا قبل أن تتابع.
انا شايفه أن أنا و أنتي محتاجين ناخد فرصة نعرف فيها بعض أكتر. هكون ممتنة ليكي لو تقدري تتجاوزي سوء الفهم اللي حصل بينا و نبتدي من أول و جديد
تفاجئت جنة من حديث أمينة و للحظة لم تعرف ماذا تجيب و لكن ذلك الرجاء في عين تلك العجوز جعل قلبها يلين فابتسمت بهدوء قبل أن تقول برقه
فرح دايما تقولي مترديش إيد اتمدتلك بالسلام.
ابتسمت أمينة براحة من جملتها البسيطة و قالت بمزاح.
فكريني أشكر فرح على الحكمة الجميلة دي.
ابتسمت جنة على جملتها فتحدثت أمينة قائله بترقب
أنا سمعت انك رايحه النهاردة للدكتور تطمني على وضع الجنين.
جنة بحماس
أه فعلا. النهاردة مفروض يقولي على نوع البيبي و هيغيرلي الفيتامينات كمان.
ارتسم على ملامح أمينة رجاء صامت و لكنها لاحظته بالرغم من لهجتها المحرجة حين قالت
متنسيش أول ما تيجي تطمنيني. ربنا يطمنك عليه ويجيبه بالسلامه. ابن الغالي.
عند ذكر الغالي الراحل سقطت دمعة من طرف عيناها تحكي مقدار الوجع المدفون بصدرها فشعرت جنة بالشفقه عليها و فجأة طرأ على بالها فكرة لتدخل السرور على قلب تلك العجوز و أيضاً لترد الصاع صاعين لذلك الهتلر اللعين الذي يهدد أمنها و سلامتها لذا قالت بإندفاع
لو تحبي تيجي معايا انا معنديش مانع
فورًا تبدلت معالم أمينة من الحزن و الألم إلى الفرح و السرور الذي تجلي في لهجتها حين قالت بلهفه.
بجد يا جنة. انا ممكن اجي معاكي؟
جنة بابتسامة جميلة
طبعًا ممكن تيجي. يعني لو مكنش المشوار هيتعبك
أمينة بلهفه
لا يتعبني ايه. دا هو دا إلى هيريحني. قوليلي انتي ميعادك امتى هناك؟
نظرت جنة إلى ساعتها التي تشير الى الواحدة و قالت
تقريبا بعد ساعه من دلوقتي
أمينة بلهفه و هي تنهض من جلستها
طب حلو هروح اخلي مروان يستنانا كان عايز يروح يفسح ريتال نروح احنا كمان معاه يالا هقوله على بال ما تجهزي
لا أنا جاهزة من بدري.
أمينة بحبور
طب يلا بينا ننزل سوا.
و بالفعل خرجت مع أمينة إلى الخارج و هي تستند على ذراعها حتى وصلا إلى الدرج و لكن خفقة قويه ضربت يسار صدرها حين لمحته يصعد الدرج و لأول مرة تنظر إلى ملامحه التي تفاجأت بمدى وسامتها و تناسقها مع بشرته الخمرية و لحيته الكثيفة التي كانت تزين وجهه بشكل كبير و لكن تبقى عيناه المخيفة التي دائما ما يكون لونها بلون الجحيم الذي يرهبها بشكل كبير فشتتت نظراتها لكل شئ حولها حتى أنها لم تستطيع النظر إليه حين تحدث مع والدته.
عامله ايه دلوقتي؟
أمينة بحنان
الحمد لله يا حبيبي. احسن كتير.
حانت منه إلتفاتة بسيطة لصاحبة الشعر الحالك السواد كظلام الليل يضاهيه بحر عيناها الأسود اللامع و الذي يناقضه بشرة حليبيه يزينها خدان شهيان كالتفاح الناضج و ثغر! لم يسمح لعقله بالتمادي أكثر فيكفيه ضجيج قلبه الذي كان يقرع كالطبول فصب إهتمامه بأكمله على والدته و قال بحنان يتنافى مع طبيعته الدائمة معها
الحمد لله يا حبيبتي. انتي راحه على فين كدا.
أمينة بحبور
رايحه انا و جنة للدكتور معاد متابعتها النهاردة
تجمدت الدماء في أوردتها و برقت عيناها التي كانت تنظر أمامها مباشرة حين سمعت حديث أمينة تكمل
مشوفتش الواد مروان اصله كان خارج يفسح ريتال هنخليه يوصلنا في طريقه و بعدين يبقى يعدي ياخدنا.
اندفعت الدماء إلى أوردته و سرت كالنيران الذي شعر بها تحرق احشاؤه و تلونت حدقتاه باللون الأحمر القاني و هو ينظر إليها فوجدها تنظر أمامها بصدمة غير قادرة على النظر إليه وما أن أوشك على الرفض القاطع أتاه صوت مروان خلفه و الذي قال بمزاح
أنا اهوه يا مرات عمي. حسيت انك محتجاني فجيت جري
أمينة بلهفه
ابن حلال والله. عايزاك تاخدنا معاك البلد عشان معاد الدكتور بتاع جنة كمان ساعه.
كان مروان يشعر بشئ منذ البارحة في نظرات سليم لجنة و قد تأكد حين إلتفت رآه يناظرها بتلك النظرات الجحيميه فأراد أن يلعب على أوتار غيرته حتى يلقنه درسا قاسيا فقال بمزاح
بس كدا. دانتي تأمري. دانتي لو طلبتي كبدتي تشوحيها عالغدا مأخرهاش عنك يا مرات عمي. دا تحت امر الست جنة هانم. يا سلام. عنيا. اوديكم و اجبكوا و افسحكوا كمان لو عايزين.
كانت في تلك اللحظة تتمني أو أنها قذيفة من السماء تسقط على رأس ذلك الثرثار فيصمت للأبد فكلما كان يتحدث كانت نظرات ذلك المجنون تزداد احمرارا و تتقد غضبا و ملامحه تتوحش أكثر حتى ظنت بأنه سوف يبتلعها الآن و لكن أمينه التي شددت على يدها و هي تتابع النزول قائله بمزاح
لا يا شيخ ايه الجدعنة والشهامة دي كلها. طب ورينا بقى هتفسحنا فين.
كانت اللحظات الأشد غضبا في حياته. لأول مرة يشعر بأنه يريد تحطيم كل شئ حوله حتى تخور قواه. ما هذا الغضب الهائل الذي اجتاحه كطوفان يود إغراقها به حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة. نعم يفضل أن يقتلها في تلك اللحظة حتى تشفي نيران غضبه المتقدة داخل صدره. لأول مرة بحياته يصمته الغضب لم يستطيع فعل شئ سوي العودة بخطوات ملتهبه الى مكتبه و قام بإغلاق الباب خلفه بقوة لا يعرف من أين واتته أخذ ينظر داخل أرجاء الغرفه بجنون يشعر بأن هناك شئ سيخترق رأسه من الأعلى. ستنفجر عيناه من فرط الضغط الماثل فوقهما. هناك لحظة فارقه بينه و بين أن يخر صريعًا جراء غيرة هوجاء قد ينفجر رأسه بسبب عدم احتمالها. و بلمح البرق وجد نفسه يفرغ كل تلك الشحنات المريعة في ذلك المقعد الذي قام بحمله و إلقاءه في آخر الغرفة ليصطدم برف كبير يحمل عدد لا بأس به من الكتب و المجلدات و التي سقطت مرتطمه بالأرض جراء هذا الهجوم الكاسح ليصدر ذلك الارتطام صوت قوي جعل من في الخارج يتنبهون منا جعل أمينة تقول بلهفة.
ايه يا ولاد الصوت دا؟
علم مروان ما حدث و قد صدقت تكهناته لذا اقترب من أمينة و أخذ يدها من بين كفوف جنة و قال بمزاح
متاخديش في بالك دا طور هايج في عنبر ستة. أنا عايزك تركزِ معايا يا أمونة عشان هعملك حتة بروجرام انما ايه عنب هيفكرك بأيام الشقاوة
لكزته أمينة بكتفه و هي تقول بتوبيخ.
بس ياد يا أبو لسانين أنت. أنت إيه لسانك دا متبري منك. و بعدين ايه أمونة دي. إسمي الحاجة أمينه لو كان عمك عايش و سمعك بتدلعني كدة. كان شال رقبتك من مكانها.
مروان بتهكم
الصلاة عالنبي. انا كدا عرفت الطور طالع لمين.
اوصلها مروان إلى باب السيارة الخلفي و فتح لها الباب و ساعدها بالصعود بجانب ريتال التي كانت في انتظارهم و ألتفت يوجه أنظاره إلى جنة التي كانت تسير خلفهم فقام بفتح الباب الأمامي لها و هو يقول ساخرًا
اتفضلي حضرتك شرفي عربيتي المتواضعة.
اطاعته جنة التي كانت تُعاني من نوبة هلع داخليه حين سمعت صوت التحطيم القادم من غرفته و لم تلحظ تلك النظرات النارية التي تراقبهم من النافذة و التي لو كانت طلقات لأردتها صريعة في الحال. بينما إلتقمها مروان الذي قال بتحسر
دانا بايني هشوف في البيت دا أيام سودة. يا خسارة شبابك إلى هيضيع يا مروان.
خيم الظلام و كانت تجلس بغرفتها تحتضن وسادتها التي كانت رفيقة لياليها الحزينة المُكلله بدموع لا تنضب أبدا. كم شعرت بأنها وحيدة منبوذة محرومه من كل ملذات الحياة التي تحيط بها من كل جانب. شعرت بأن ما مضى من حياتها كان هراء. كانت تظن بأنها تمتلك كل شئ المال و الجمال و الصداقة و الحب! و لكن بلمح البصر انقلب كل شئ فمن ظنته حبيبا هو من أذاقها مرارة الغدر والهجر والاصعب انه تركها لأجل آخرى وهذا جل ما تحتمله انثى بحياتها فالطعنة لم تطال القلب فقط بل اخترقت كبرياءها فأدمته. فبعد ما خسرت لأجله كل شئ تركها لأجل تلك الفتاة الفقيرة التي عاش لها ومات معها والآن هي تحمل طفله و اسمه بينما هي تتجرع مرارة الغدر و الألم معًا. و الأدهي من كل ذلك أنها خسرت صديقها الذي لطالما كان ملجأها الآمن و الذي كانت تتجرد أمامه من كل أقنعتها و تشكوه هجر والديها العزيزين و الذان من أكبر و أهم الأطباء بمصر. يهتمان بمرضاهم أكثر منها. يهتمان بمستقبلهم المهني أكثر منها يتركوها تتجرع ألم الحرمان بينما ينشغلان بمداواة آلام الآخرين.
لازالت تتذكر حديثها البارحة مع والدتها حين كادت أن تتوسل أليها بألا تسافر لذلك المؤتمر اللعين و تبقى معها
ماما أنا محتجالك اوي. بليز خليكِ معايا. متسافرِش
اقتربت منها منال تربت على خديها بلطف و هي تقول
بطلي دلع يا ساندي انتي مبقتيش صغيرة. و كمان انتي عارفه ان دا مستقبلي. يرضيكِ ابوكي يسبقني.
ساندي بإرهاق
يا ماما انا تعبت من المنافسه إلى بينكوا طول الوقت دي. هيجرا ايه لو هو راح المؤتمر و انتي لا.
منال بحدة
هيجري كتير يا ساندي. أنا كنت بحفر في الصخر عشان اوصل للمكانة اللي وصلتلها دي. كنت حامل فيكي و بحضر للدكتوراه و كان ربنا يعلم بيا و بتعبي. و هو مكنش بيسأل على حاجه و لا على حد و مع ذلك مقدرش يتغلب عليا و دلوقتي بعد ما وصلت لكل دا اسيبه بقي يسبقني و يتفوق عليا.
أنهت جملتها و توجهت إلى حقيقتها تتابع تحضيرها فتوجهت إليها ساندي تقول بألم و حقد
طب و أنا. أنا فين من كل دا؟ مبتفكريش فيا خالص.
منال بغضب
انتي عندك كل حاجه تتمناها اي بنت في سنك و مش محرومة من حاجة. و بعدين دا بدل ما تشجعيني انتي إلى جايه تقفي في وشي. مش بعيد يكون هو اللي باعتك عشان تعملي الشويتين دول مانا عرفاه وعارفه حركاته.
استقرت كلمات والدتها القاسية في منتصف قلبها فمزقته إلى أشلاء. ألم تلحظ كل ذلك الألم في مقلتيها و الذي يلون ملامحها. ألم تلحظ رجفة الخوف في نبرتها. هي حتى لم تلتفت إلى تلك الظلال السوداء التي تحيط بعينيها ولا شحوب لونها الذي أصبح يحاكي الموتى. نحول جسدها الذي كان يضج بالأنوثة سابقا. كل هذه الأشياء الكارثية لم تلحظها لا بقلب الأم و لا بعين الطبيبة الهذه الدرجة هي لا تراها؟!
عند هذه النقطة قررت أن تمحوها من حياتها تماما هي و والدها الذي لا تتذكر متى جمع بينهم آخر عناق. و الآن قررت أن تلجأ لأكثر شخص كان يهون عليها كل هذا العذاب كان نورها في أحلك الأوقات ظلمه و مخدرها في أكثر اللحظات ألمًا.
رفعت هاتفها و بأنامل مرتعشه قامت بالإتصال به و ازدادت ضربات قلبها و تسارعت أنفاسها فمع كل جرس كان يخترق مسامعها كانت عبراتها تزداد هطولا حتى كاد بكائها يتحول لصراخ لم يكن يسمعه و لكن كان يشعر به و ككل مرة يهزم أمام قلبه أمسك الهاتف ليضغط ذر الإجابة فيصل إليه بكائها الحاد فخرجت الكلمات مرتعشة من بين شفتيه
مالك. في ايه؟
ساندي ببكاء مرير
عُدي!
كان في نطقها لاسمه إستغاثة استشعرها قلبه الذي صرخ مرتعبا.
فيكي ايه؟
لم تكد تجيبه حتى انفتح الباب و دخل منه شخص كان ينتظره و حين سمعت صوته مرحبا به شعرت بإعصار خوف هائل اجتاح سائر جسدها
ألف سلامه يا عدي؟
هكذا تحدث سليم ما أن دخل إلى الغرفة فتسارعت أنفاسه بشدة حين رآه و لكنه تحكم في نبرته إذ قال
الله يسلمك يا سليم باشا.
علي الطرف الآخر خرج صوتها مرتعبا و هي تقول
دا سليم الوزان يا عدي صح؟
أجابها بكلمة واحدة قاطعة كنصل سكين حاد نحر قلبها
صح.
هنا صرخت بقوة وبكل ما تمتلك من طاقة
أبوس إيدك لا يا عدي لاااااااااااا.
↚
لا تلوموا القلب كيف خر صريعًا في هواها و لكن سلوا غابات الزيتون في عيناها أي فتنة تمتلك؟
وتِلك الورود المنثورة بدلال على وجنتيها أذهبت بحُسنها عقلي فلم يعُد يعرِف أي طريق قد سلك!
وذلك القلب الذي توجه العشق سُلطانًا على القلوب ولكنه أمام فِتنتها قد هلك!
فغاليتي مهما أسهبت في وصفِها لن أجد كلِمات تصف أي حسنً تمتلِك.
فهي لم تكِن جميلة بل كانت رائعة للحد الذي جعل الورد يميل إليها و كأنها موطنه الذي إليه يحن.
نورهان العشري.
ببالغ الأسي أعترِف بأن هواك قدر لم استطِع مقاومته و لا الفِرار منه و قد قدر الله و ما شاء فعل!
نورهان العشري.
لا يزال يقف أمام النافذة يتطلع إلى البعيد بأنفاس ملتهبه و عينان محتقنة بنيران لم يختبرها يوما و لم يكن يتخيل أن تكون بتلك القسوة إضافة إلى شعوره بتعذيب الضمير كونه وقع في ذلك الفخ المنصوب بعيناها و الذي لام لأجله أخاه سابقا و الآن ضاع هو به و قد نسي أن من عاب ابتلى
عودة لوقت سابق.
دلف سليم إلى الغرفة التي كانت تغرق في الظلام و قام بالضغط على ذر الإنارة و نظر حانقا إلى ذلك الجسد المرتمي على السرير ينام بعمق و كل شئ حوله في فوضي كبيرة تماما كحياته التي لم يكن راض عنها ابدا لذا قام بجلب قنينة المياه الموضوعه بجانب السرير و قام بفتحها و إفراغها بالكامل فوق رأس حازم الذي هب من نومته مفزوعا و هو يقول بهلع
ايه في ايه.
سليم و هو يجز على أسنانه غضبا
قوم اصحالي هنا و أنا اعرفك في ايه؟
شعر حازم بالغضب حين فطن إلى ما يحدث و هب من مكانه يقف أمام أخاه و هو يقول بغضب
في ايه يا سليم. حد يصحي حد كدا؟ و خصوصا في الجو التلج دا
سليم بسخريه
دا على اعتبار انك بتحس اصلا؟
حازم بنفاذ صبر
لا مابحسش! و لو ناوي تدخل في محاضرة الأخلاق بتاعت كل مرة دي يبقي وفر على نفسك و عليا علشان مصدع و ماليش خلق أسمعها
اقترب سليم منه خطوتان و قد اشتعلت عيناه بحمرة الغضب الذي يسري في أوردته و تجلي في نبرته حين قال.
لا هتسمع و هتنفذ غصب عنك. عشان قسما عظما يا حازم لو ما اتظبطت لهكون مكسرلك دماغك. انت ايه يا ابني انت. مفيش اي ذرة احساس عندك. ضميرك مبيأنبكش على بنت عمتك اللي مُصِر تكسر قلبها و تدمر حياتها
حازم ووقد اشتغل غضبه هو الآخر
لا مبيأنبنيش يا سليم. و بنت عمتي دي بقي لو اتكسرت رقبتها مش فرقالي.
سليم بصراخ.
لما تكون بتكلمني توطي صوتك يا حيوان. أنا مش واحد من ألاضيشك. انا اخوك الكبير. و بعدين تعالي هنا. بقي بنت عمتك المحترمه المتربيه عادي تكسر رقبتها و للزباله اللي تعرفهم هما دول اللي بتخاف عليهم صح؟
حازم بتوجس
تقصد ايه؟
سليم بوعيد
اقصد إلى فهمته. اوعي تكون فاكر اني نايم على وداني. شقه المقطم و القرف إلى بيحصل فيها. ياخي اتقي الله. الزنا دا كبيرة من الكبائر. عقابه الرجم حتى الموت.
قال جملته الأخيرة صارخا مما جعل حازم ينتفض زعرا و لكنه حاول الثبات قدر الإمكان فقال بمراوغه
مين إلى قالك الكلام العبيط دا. عمرها ما توصل معايا لكدا. و بعدين انا بروح انا و اصحابي نذاكر و تقدر تييجي تطب علينا في أي وقت
سليم بوعيد.
هيحصل. من هنا و رايح هتلاقيني فوق دماغك. و مش هداري عمايلك عن سالم اكتر من كدا. و بالنسبه للزباله إلى انت ماشي معاها دي تقطع معاها فورا. و إلا هتدخل انا و وقتها مش هيعجبك إلى هعمله
ما أن آتي على ذكرها حتى انتفض غضبا و التفت يناظر أخيه بحنق تجلي في نبرته حين قال
سليم. مسمحلكش تجيب سيرتها. جنة مش زباله. انا بحبها بجد. و مش هبعد عنها أبدا.
سليم بصراخ هز أرجاء الغرفه.
هتبعد عنها و رجلك فوق رقبتك. إلى زيك مبيعرفش يحب. و هتتجوز سما بردو و رجلك فوق رقبتك
حازم بصراخ
هتجوزني غصب عني زي الحريم يعني؟
سليم بقسوة
آه يا حازم. هجوزك غصب عنك زي الحريم. لإنك مفرقتش عنهم حاجه. متفكرش اني غبي انت مشيت شويه مع سما و لما زهقت قلبتها و مراعتش انها بنت عمتك لحمك و دمك. كان ممكن احترمك لو انت من البدايه على موقفك دا. لكن انك تلعب بيها وبعدين تسيبها دا عمري ما هعديهولك.
شعر و كأن أحدهم هوي بمطرقه قويه فوق رأسه و قال بترقب
مين إلى قالك كدا؟
سليم بتمهل
سما. و أنا مصدقها و لو حلفت على مصحف ربنا ان ده محصلش مش هصدقك
ثارت ثائرته حين علم بأنها قصت ما حدث بينهم على أخاه و جن جنونه الذي تقاذف من بين شفتيه بصراخ
دي واحده زباله و انت بتصدقها دي لو كنت قولتلها سلميلي نفسك مكنتش هترفض.
صفعة مدويه سقطت بقوة على خده اخرسته عما ينتوي قوله في حق تلك التي لم تر يوما في الحياة غيره و لكنه في الحقيقه ما هو إلا ذئب مفترس غرضه دنئ كدناءه كلماته التي لم يستطع سليم سماعها لذا اخرسه بتلك الطريقه المهينه و اتبعها بكلمات نالت من كرامته حتى اردتها
اخرس يا حيوان. للدرجادي انت زباله. انت إلى بتنهش في عرضك بدل ما تحميه. اتفو عليك.
لم يتحمل ما حدث وقام بحمل أحد المقاعد و إلقاءه في أحد أركان الغرفة وهو يصرخ بجنون
لا يا سليم، لحد هنا و كفايه، انا مش عيل صغير عشان تمد ايدك عليا.
سليم بصراخ
لا همد ايدي و هضربك لحد ما اكسرلك عضمك عشان تعرف أن الله حق
انفتح باب الغرفه و دخل منه سالم تليه والدته و تفاجئوا بما يحدث و كلمات حازم الذي قال بصراخ
يبقي مش قاعدلك فيها. هسيبلك البيت و الدنيا كلها و امشي.
انفلت زمام العقل في تلك اللحظه و هرول حازم للأسفل متجاهلا صراخ والدته و أوامر سالم الذي أوقفه حديث سليم الغاضب حين قال
سيبه يا سالم. الحيوان دا لازم يتربي. مينفعش يقعد وسطينا بعد النهاردة
أمينه بإنهيار
انت اتجننت يا سليم. تطرد اخوك الصغير. كلكوا عندي كوم و حازم كوم تاني فاهم
سالم بغضب
عايز اعرف في ايه يا سليم دلوقتي حالا.
زفر سليم بحنق قام بإغلاق باب الغرفه و قص على سالم ما حدث و انهي جملته ناظرا لوالدته و هو يقول بعتب قاس
آدي آخرة دلعك فيه بيخوض في عرض بنت عمته إلى روحها فيه. و مرافق بت زبالة زيه و ماشي معاها في الحرام. دي أخرتها يا حاجه أمينه. يقعد في وسطينا ازاي و هو بالأخلاق دي؟
سالم بخشونه
مين إلى قالك الكلام دا؟
سليم بإختصار
واحد صاحبه!
عودة للوقت الحالي.
فرت دمعه من طرف عيناه تحكي مقدار ألمه و ذنبه الذي ينبش في صدره بحوافره المدببه منذ أن سمع عن خبر حادثه أخيه و وفاته يتمني لو يعود به الزمن حتى يمنعه من الخروج حتى لو كان سيضطر لحبسه داخل قفص حديدي و يعيد تأهيله من البدايه و لكنه لم يكن يسمح له بأن يفارقهم.
يعاني من عقدة الذنب و تأنيب الضمير التي تزداد يوما بعد يوم فهاهو يقع في الفخ تماما مثل أخاه و تلك الفتاه التي كان ينعتها باسوء الصفات هي الآن مالكة ذلك القلب اللعين الذي لا يعلم كيف وقع لها بتلك الطريقه؟!
نعم اعترف بأنه احبها و إلا لما ستنهش قلبه الغيرة من مجرد كونها مع مروان في مكان واحده. يشعر بأن هناك طوق ملتف حول رقبته ملغم بجمرات ملتهبه أولها ذنبه و آخرها عشقه الملعون لها! يري الحياة أمامه سوداء قاتمه لا يعلم اي طريق عليه أن يسلك حتى يعيد سفينته إلى طريقها المنشود؟
رنين هاتفه أخرجه من شروده فقام بجلبه و الإجابه بصوت باهت لا روح فيه
آلو؟
المتصل على الطرف الآخر
سليم الوزان معايا؟
ايوا انا. مين معايا؟
حضرتك احنا مستشفي (. ) اخت حضرتك عملت حادث وهي دلوقتي في اوضة العمليات.
سهم آخر تلقاه صدره الذي لم يكن ينقصه عذاب آخر و ها هو قدره لم يشفق على ألمه العميق و لا جراحه النازفه و يرسل إليه خبر حادث شقيقته التي كانت بمثابة طفلته الجميلة التي ما قسي عليها إلا ليهذبها و يعيدها إلى طبيعتها الحانيه و المسالمه. و لكنه الآن يهرول في المشافي بحثا عن غرفتها و قيود العذاب و الندم تكبل قدماه الذي يشعر و كأنها لم تعد قادره على حمله.
أخذ يتلفت يمينا و يسارا كطفل تائه يبحث عن وجهه آمنه ترشده إلى طريقها و داخله يتضرع إلى ربه بأن يحفظها و لا يريه بها أي مكروه فهذه المرة لن يستطيع إحتمال ألم الفراق فسيسقط قلبه صريعا قبل جسده.
لا أعلم ماذا يحدث لي أمام حزنها الفاتن و ملامحها التي لا يليق بها الوجع و لا يقدر على محو تفاصيلها الرائعة التي تجذبني إليها كما تجذب ألسنة اللهب الفراشات.
كان ينظر إليها بعينين تفيضان بحب لم تفصح عنها الألسن ولم تفطن له القلوب بعد. كان هناك شعور قوي يتوغل إلى أعماقه شعور يخصها وحدها بالرغم من قله اللقاءات بينهم إلا أن القدر دائما ما يلقي بها في طريقه خاصة و هي في قمة ضعفها الذي يتسرب إلى داخله فيوقظ به غريزة الرجل في حماية أنثاه
انتي طلعتيلي منين وايه حكايتك؟
هكذا تحدث ياسين و هو يناظر تلك التي كانت تستلقي على السرير و الضماد يغطي ذراعها الأيمن و قدمها اليسري وبعض اللاصقات واحده فوق حاجبها الأيسر والأخرى تحت صدغها و بالرغم من ذلك كانت ملامحها الجميلة لازالت تأثره.
كان ناقصني مشاكل في حياتي عشان تظهريلي انتي؟ و الغريب اني سايب كل حاجه و قاعد جنبك!
أخذ جرعة كبيرة من الهواء داخله و تابع النظر إليها قائلا
حاسس اني اعرفك من زمان يا حلا.
تابع ترديد اسمها من بين شفتيه و كأنه يتذوقه
حلا. اكتر حد قابلته اسمه لايق على ملامحه و كأنه متفصل عليه. حلا وانتي حلا و أكيد ظهرتيلي عشان تحلي حياتي بوجودك.
هكذا خرجت الكلمات من بين شفتيه بينما عيناه تطوف فوق ملامحها الجميله الهادئه و حين توقفت عيناه أمام شفتيها تفاجئ بها تنطق اسمه برقه و لهجه خافته
دكتور ياسين!
تجمد للحظات بمكانه بينما عيناه التقت بخاصتها في لحظه خاطفه تجاوزها بثباته المعهود و سرعان ما استعاد رباطة جأشه و هب من مقعده يرسم ملامح السخرية على ملامحه و تجلي ذلك بصوته حين قال
أخيرا فوقتي. يا اكتر بيحب المصايب شفته في حياتي
جعدت ما بين عيناها و أخذت تنظر حولها ثم استقرت نظراتها فوقه و هي تقول بعدم فهم
هو حصل ايه؟ و ايه إلى جابني هنا؟
رق قلبه لحالها و ضياعها الباد في عيناها و إن كان أخذ منحني الهجوم قبل قليل فذلك عقابا لها على استيقاظها في لحظه ضعف خاصة به. لذلك أجابها بلهجه هادئه لم تخلو من التوبيخ حين قال
انتي عملتي حادثه كبيرة و الحمد لله ربنا نجاكِ.
تمتمت بخفوت
حادثه
ياسين بتوبيخ
و مستغربه كدا ليه. دا نتيجة طبيعيه لسواقتك المتهورة دي. انتي تقريبا كنتي طايرة بالعربيه.
تقدم يجلس على المقعد بجانبها و هو يقول بخشونه.
ازاي تبقي مندفعة و غير مسئولة بالشكل دا؟ انتي كنتي فعلا هتموتي نفسك. دا غير الأذي إلى كان ممكن تتسببي فيه لناس ملهاش اي ذنب. تقدري تقوليلي ايه في الدنيا يستاهل تأذي نفسك و غيرك بالشكل دا؟
تجاهلت ألمها الذي بدأ يطرأ على ملامحها بمجرد أن جعلتها كلماته تعود إلى واقعها الأليم و قد عاد إليها عذابها و الذي خرج على هيئه كلمات محمله بعبرات توحي بمقدار ما تشعر به.
↚
لما يخذلك أقرب الناس ليك وقتها مش هتبقي باقي على حاجه أبدا.
لم تخترق جملتها اعماق فؤاده هو فقط بل استقرت بقلب ذلك الذي كان يقف أمام غرفتها التي وصل إليها لتوه و ما أن أوشك على الدخول حتى توقف حين وقعت كلماتها على مسامعه فشعر بقلبه ينشطر إلى نصفين فكل ما حدث مع شقيقته الغاليه هو السبب به و ها هي كانت قاب قوسين أو أدني من الموت لولا رحمة الله التي انقذتها و انقذته من عذاب لم يكن يحتمله أبدا.
لم يتثني له الرد فقد انفتح باب الغرفة على مصرعيه و دخل رجل طويل بملامح حادة و عينان يشوبها حمرة فانيه كانت أهم ما يميزه يشبهان جمرتان آتيه من الجحيم لا تهدآن ابدا. و قد نال منهما نظرة لا يعلم هل كانت متوعدة؟ أم عابرة؟
تجعدت ملامحه رغما عنه حين وجد سليم يقترب من حلا و يأخذها بين ذراعيه قائلا بلهجه مرتعبه
حلا. انتي كويسه؟
تفاجئت حلا من دخول سليم إلى الغرفة و رغمًا عنها انفلت زمام دموعها التي سقطت بغزارة حين عانقها و تحدث بتلك النبرة التي كان يطغو عليها القلق فلم تستطيع منه دموعها و لا الإنفجار الذي لاقي صدي كبير بصدره فأخذ يشدد من احتضانها وهو يقول بصدق
حقك عليا يا حلا. حقك عليا
ازداد نحيبها و قد آلمها هذا كثيرا فخرجت منها آهات جعلته يرتد للخلف يناظرها بعينان إرتسم بهما القلق الذي تجلي في نبرته حين قال.
حاسه بأيه؟ في ايه بيوجعك؟
تراجعت للخلف قليلا و قالت بألم
دراعي واجعني و رجلي كمان. و حاسة بصداع فظيع
قام سليم بتعديل الوسادة خلفها و بمنتهي الرقه والحنان قام بإرجاعها حتى تستلقي براحه و نهض من مكانه وهو يقول
هنادي على الدكتور عشان يشوفك
أخيرا تجاوز ياسين تلك الغصة القابعة بحلقه و قال بخشونة
الألم دا شئ طبيعي بالنسبة لحالتها.
التفت سليم يناظره قبل أن يتوجه إلى حيث يقف و حين أصبح أمامه مد يده يصافحه وهو يقول بامتنان
انت دكتور ياسين إلى لحقتها و جبتها على هنا
تفاجئ ياسين من معرفته بالأمر و لكنه لم يعلق بل اكتفي بمد يده إليه و هو يومئ برأسه فتابع سليم بإمتنان
انا سليم الوزان اخو حلا. حقيقي مش عارف أشكرك ازاي.
قاطعه ياسين الذي ابتسم بتحفظ قبل أن يقول
متشكرنيش يا سليم بيه. اي حد مكاني كان هيعمل كدا. حمد لله على سلامتها.
الله يسلمك. انت فعلا انسان محترم. و ابن اصول. و أنا سعيد اني اتعرفت عليك. و لو احتاجت اي حاجه في أي وقت كلمني
ياسين بتحفظ
شكرا ليك. انا مضطر أمشي دلوقتي. حمد لله على سلامتها مرة تانيه
اومأ سليم برأسه و ابتسم بلطف بينما توجه ياسين للخارج دون أن يلتفت إليها مما جعلها تشعر بحزن لا تعلم سببه فأغمضت عيناها بتعب و لكنها شعرت بلمسه حانيه من يد سليم الذي قال بإهتمام
لسه تعبانه. انادي عالدكتور؟
اومأت حلا برأسها بنفي و قالت بتعب
مش اوي. انا بس عايزة انام.
سليم بحنان
نامي و إرتاحي يا حبيبتي.
لامست كلماته قلبها فرفعت رأسهت تبتسم له و بدأت تذهب في ثبات عميق و لكن قبل أن تغفو تمتمت بخفوت
بلاش تقول لماما يا سليم.
سليم بحنان
نامي يا حبيبتي و إرتاحي و متشغليش بالك بأي حاجه.
كانت جنة مستلقيه على السرير بإحدي عيادات طب النساء و كانت الطبيبة تمرر الجهاز فوق بطنها التي انتفخت قليلا بينما هناك شاشه في منتصف الغرفه كانت تجلس أمامها أمينه التي كانت كل خليه بها ترتجف و هي تري تلك الصورة المجسمه التي تظهر ذلك الكائن الصغير التي علت دقات قلبه فجأة مما جعل العبرات تقطر من مقلتيها تأثرا بذلك الصغير الذي يحمل رائحه فقيدها الغالي الذي لا تزال خسارته تؤلم روحها و قلبها.
أنهت الطبيبة الكشف و توجهت إلى مقعدها بينما كانت إحدي الممرضات تساعد جنة في ارتداء ملابسها و ما أن انتهت حتى توجهت تمسك بيد أمينه التي كانت ترتجف و مظهرها يوحي بمدي تأثرها فصدمت جنة حين رأتها بتلك الهيئة المبعثرة و هنا أدركت بأن هذه المرأة ليست بتلك الصورة الجامدة التي تبدو عليها فبداخلها قلب رقيق يتأثر و يشعر.
تقدمت أمينه و بجانبها جنه التي جلست أمام الطبيبة التي قالت بمزاح.
ايه يا مدام هتسمي ولي العهد ايه بقي؟
تحدثت أمينه بلهفه
ولد يا دكتورة؟ جنة حامل في ولد؟
الطبيبة بإحترام
ايوا يا حاجه ولد.
خرجت كلمات الشكر من قلبها قبل شفتيها
احمدك يارب. الف حمد و شكر ليك يا رب. حازم الصغير جاي في الطريق.
لا تعلم لما شعرت بغصة مؤلمه داخل صدرها و لكنها تجاهلتها و وجهت أنظارها إلى الطبيبة و قالت بلهجه مهتزة
طمينيني يا دكتورة البيبي وضعه ايه؟
لا الحمد لله عال وأنا هغيرلك الفيتامينات و خلاص مبقاش محتاجين المثبت دلوقتي انتي داخله في الشهر الخامس عايزينك بس تهتمي بأكلك اكتر من كدا و طبعا نبعد عن التوتر و العصبية و أي ضغوطات نفسية مش عايزين البيبي ييجي عصبي.
ابتسمت جنة بلطف و أخذت تستمع إلى تعليمات الطبيبة بإهتمام إلى أن انتهت فأمسكت بيد أمينة و توجهوا للاسفل و مازالت كفوف العجوز ترتعش تأثرا و ضربات قلبها التي كانت تدق بعنف شعرت به جنة فإلتفتت تنظر إليها قائله بإهتمام
حاجه أمينة انتي كويسه؟
امينة من بين دموعها
كويسه! دانا بقالي كتير مكنتش كويسه زي النهارده يا جنة.
ابتسمت جنة و لم تعلق فتابعت أمينة التي توقفت و أخذت تناظرها بامتنان يخالطه حزن دفين و جرح عميق
شكرا يا جنة. انتِ حييتيني مرتين. مرة لما أنقذتي حياتي و مرة لما خلتيني اشوف حفيدي و أحس بوجوده. انتي لو طلبتي الباقي من عمري معزهوش عنك ابدا.
اختتمت أمينه جملتها و انخرطت في نوبة بكاء حادة رق لها قلب جنة كثيرا فاقتربت منها تحتضنها بقوة لا تعلم من أين اتتها فقد كانت تريد التخفيف من عذاب تلك السيدة و تريد الاطمئنان إلى جانب أحدهم. كان الشعور بالإحتياج متبادل و رغما عنها وجدت عبراتها تتساقط من عيناها فقد لامس أنفها رائحه والدتها الراحلة و قد تمنت في تلك اللحظة لو تكون على قيد الحياة.
أخرجهم من تلك اللحظات زامور سيارة مروان التي كانت تقف أمام البنايه في انتظارهم فتراجعت جنة للخلف و هي تناظر أمينه بخجل فتحدثت الأخيرة بنبرة مبحوحة من فرط البكاء
يالا علشان منخليهوش يستني كتير و هناك في البيت نبقي نكمل كلامنا.
اومأت جنة برأسها و تقدمت تمسك بيد أمينة إلى أن وصلوا إلى السيارة فتوجه مروان ليفتح الباب إلى أمينه و قد كانت نظراته لا تفسر فسألت الأخيرة قائله
في حاجه يا مروان ولا ايه؟
مروان بلهجة جافة
لا يا مرات عمي مفيش حاجه. هيكون في ايه؟
شعرت أمينه بوجود خطب ما و لكنها لم تتحدث اكتفت بالصعود إلى السيارة بينما توجهت جنه للكرسي الأمامي و لكنها تفاجئت باقتراب مروان منها و الذي قال بصوت خفيض وهو يمد لها هاتفه خلسه
اكتبي رقمك. هبعتلك عليه رساله ضروري.
تفاجئت جنة من حديثه و لكن نظراته أخافتها فكتبت رقم هاتفها و ناولته إياه فأخذه و التفت يجلس بكرسي السائق و أخذ يعبث بالهانف قليلا فوصلتها رسالة نصية برقت عيناها حين رأتها
اوعي تبيني اي حاجه على وشك و تتعاملي عادي. حلا عملت حادثه كبيرة و هي في المستشفى. مش عايزين مرات عمي تحس بحاجه خلي بالك منها و من ريتال النهاردة.
التفتت تناظره بصدمه و لا تعلم ماذا عليها أن تفعل فقامت بكتابة رسالة نصية فحواها.
انت بتقول ايه حادثه ايه؟ طب هي عامله ايه دلوقتي؟ و مين معاها؟
كان مروان يراقبها و ارتسمت تعبيرات السخرية على ملامحه و لم يجيب على رسائلها بل زفر بحنق و رفع أنظاره إلى ريتال الجالسه في الخلف و قال بتهكم
ربنا ادانا العقل عشان نستخدمه يا ريتال. هرد على الرسايل ازاي و أنا سايق يا اغبي اخواتك؟
تفاجئت ريتال من حديثه و قالت بصدمه
اي يا عمو و أنا مالي و مال تليفونك و رسايلك؟
مروان بنفاذ صبر.
خلاص يا ريتال انا بس بنبهك.
ناظرته جنه بحنق و قالت من بين أسنانها
والله ما في حد هنا غبي غيرك
سمعها مروان فصاح بحنق
والله انك عايزة ضرب الجزمة يا ريتال
صرخت الفتاه بإستهجان
ليه يا عمو هو انا عملتلك ايه؟
هنا أدخلت أمينه قائله بغضب
انت متخلف يا ابني هي البنت كلمتك؟ ماهي قاعدة تلعب بألعابها اهيه. ايه العبط إلى بييجي عالمسا دا؟
اغتاظ مروان من حديث أمينه و لم يستطيع الرد و جاءت كلمات جنة الشامتة لتزيد من غضبه حين قالت
أحسن.
خرجت الكلمات منه غاضبه و مضحكه في آن واحد حين قال
يك احسن في عينك. يا قزمه انتي.
لحسن حظه لم تسمعه جنة التي انشغلت برساله نصية جاءت على هاتفها كانت من آخر شخص توقعته
مروان اكيد قالك على إلى حصل لحلا. خلي بالك من ماما و اوعي تحس بحاجه لحد ما نرجع. و مش محتاج أقولك هعمل فيكي اي لو خالفتي أوامري؟
اغتاظت من وقاحته و على الفور قامت بإرسال رد لازع يشبه وقاحته
مابخدش أوامر من حد و لو هعمل كدا فدا عشان الحاجة أمينه متتعبش و ياريت تطمني على حلا عاملة إيه دلوقتي
لم يجبها فقد كان غاضبا للحد الذي يجعله يريد قطع المسافه إلى منزلهم و كسر عنقها جراء أفعالها الحمقاء التي دائما ما يدفع ثمنها.
رنين هاتفه أخرجه من شروده فأجاب حين وجد المتصل مؤمن
اذيك يا مؤمن؟
اذيك يا سليم بيه عامل ايه؟
سليم مجيبًا.
تمام الحمد لله. طمني عليكوا؟
اختار بما يخبره فأجاب بتوتر
بصراحه دا إلى اتصلت بيك عشانه. يعني عدي وانا كنا عايزين نتكلم معاك شويه لو ينفع تيجي ل عدي المستشفى هو كان عايزك!
سليم بإنتباه
مستشفي ايه ماله عدي؟
مؤمن بإرتباك
هو كويس. يعني بقي كويس بس عايز يقابلك ضروري. لو ينفع؟
سليم مقاطعا إياه
ابعتلي اسم المستشفي يا مؤمن و أنا مسافة السكة و هكون عندك.
بالفعل أعطاه مؤمن العنوان و التفت سليم واضعا قبلة دافئة فوق جبين شقيقته التي كانت تغط في نوم عميق بفعل المهدئات و المنومات التي تحد من ألمها وقد طمأنه الطبيب على حالها و أنها ستنام للصباح و قد شعر بأن حديث عدي معه حتما سيكون له صلة بها و قد كان يتأمل أن يكون حديثه هذا بداية طريق الراحه لذاته التي سئمت العذاب بكل انواعه.
كان في طريقه إلى سيارته حين تقابل مع مروان الذي اتي في الحال حتى يطمئن على حلا فاوقفه سليم الذي قال بخشونة
تطلع تقعد جمبها لحد ما اجيلك و اياك تسبها و لو لحظة واحده.
أوشك مروان على الحديث فاوقفته كلمات سليم المتوعدة حين قال
و لا كلمه. أنا اساسا مش طايقك و أمنية حياتي دلوقتي اكسر رقبتك فأحسنلك متضايقنيش اكتر من كدا.
ابتلع مروان كلماته بداخله و رسم ضحكه بلهاء مستفزة على ملامحه و هو يومئ برأسه مما جعل سليم يناظره بحنق قبل أن ينطلق في وجهته.
كانت تجلس أمام المرآة تناظر مظهرها الرائع و الجديد كليا عليها فقد أصر على شراء اغلي ثوب بالمحل بل إنه لم يكتفي بثوب واحد انما اشتري العديد من الأشياء التي يعلم بأنها ستعجبها و قد اندهشت كثيرا من كونه يعلم ذوقها إلى هذا الحد و بالرغم من أن جميع الأشياء لائمتها إلا أنها كانت تشعر بأنها غريبة عليها. لم تعتد الترف و لا دفع كل تلك الأموال في تلك الخرق البالية. لم تعتد البزخ في العيش و لم تشعر بأنه يناسبها و لكن حين حاولت الرفض أتاها رده الذي كان بلهجة ناعمة كثيرًا لا تشبهه.
عشان خاطري يا فرح اقبلي مني الحاجات دي. المرادي انا مش بأمرك انا بطلب منك. و بتمني انك متكسفنيش
بالفعل كان هناك رجاء صامت في عيناه لم تلمحه من قبل! جعل كل مقاومتها تتلاشى و صلابتها تضعُف و قد كان هذا الضعف هو أكثر شئ تبغضه في هذه الحياة و اصبح داءها الذي يلازمها منذ أن عرفته و لكنها الآن اختارت الضعف بملئ إرادتها لمجرد توسل لعين لامسته بعيناه!
↚
من المؤكد أنها تمثيلية إخراجه و تأليفه و تظنه الآن أنه يسهر منها وومن غبائها. تلك الساذجة التي يسيطر عليها ببضع نظرات حانيه متوسلة!
ذلك الرجل أصبح خطرا عليها ينبغي منها الهرب منه و من كل شئ يحمل رائحته. فلا طاقة لها بجرح آخر و لا خذلان آخر فصفعه واحدة في الحياة تكفي!
زفرت بتعب قبل أن تحس قدماها على الحركة و إرتداء ذلك الوشاح الأنيق من الفراء الثمين الذي لم يمانع صاحبه في دفع الكثير من النقود حتى تتلفح به لليلة واحدة فارتسمت ابتسامة ساخرة على ملامحها قاطعتها دقات على باب الغرفة كان لها صدى قوي بداخلها وكأن كل قراراتها التي اتخذتها منذ قليل بدأت بالتلاشي حين استشعر قلبها وجوده لذا حاولت أخذ عدة أنفاس متتاليه علها تهدئ من ضجيجها قبل أن تقول بتحفيز.
اهدي يا فرح. إلى انتي هتعمليه دا هو الصح. انتي مفكيش حيل لجرح جديد. و المرادي هتكون فيها نهايتك!
أخذت عدة ثوان للسيطرة على نفسها قبل أن تتوجه بخطي ثابته إلى باب الغرفة و قامت بفتحه لتجد نفسها تقف وجها لوجه مع أوسم رجل قابلته بحياتها. تلك الجملة التي دائما ما تخطر ببالها حالما تقع عيناها عليه و لكنها نفضت عن رأسها كل تلك الترهات و رسمت ابتسامة متحفظة لتتفاجئ من كلمته المازحه مع رفعة من حاجبه الكثيف.
أنسة فرح عمران!
رغمًا عنها اتسعت ابتسامتها من مزحته و طار تحفظها كالهباء المنثور و لكنها سرعان ما تجمدت على شفتيها حين سمعت كلماته التي تحوي الكثير و الكثير
تعرفي ان ضحكتك حلوة و الأحلي منها عنيكِ. خصوصًا لما بيبقوا عاملين كدا
تاهت بين كلماته و معانيها و ملامحه و نظراته التي كانت تحاوطها بشكل لم تعهده مسبقا و لكنها توقفت عند آخر جملته و قالت بعدم قهم
عاملين ازاي؟
أجاب بكلمة بسيطة كانت كفيلة بزعزعة كل شي بداخلها
صافيين.
لم تستطع فهم ما يرمي إليه فتابع قائلًا بصوت أجش
لما بيكونوا صافيين بيضحكوا ضحكه حلوة اوي. وده مبيحصلش غير في حالة واحدة بس
اللي هي؟
كانت تتلهف لإجابه تروي ظمأ قلبها و لكن كالعادة لا يعطيها الجرعة المطلوبه كامله بل نظر إلى ساعته و امتدت يداه تمسك برسغها و هو يقودها في طريقهم إلى الحفل قائلًا بفظاظة.
مكنتش مفكرك بتاخدي وقت قدام المرايا زي باقي الستات.
اغتاظت من وقاحته فعضت على شفتيها بحنق تمنع سيل من السباب و الشتائم تود لو تمطره بها.
وصلوا إلى الحفل فشعرت بالرهبه لا تعلم السبب لذا قالت بخفوت
سالم بيه؟
أجابها مصححًا بينما عيناه مسلطه على عيناها بقوة
سالم بس يا فرح
اومأت برأسها دون حديث فتابع قائلًا بخشونة.
تفضلي جنبي طول الفرح و لو اي حد طلب منك ترقصي معاه ترفضي رفض قاطع و تقوليلي عشان اكسر دماغه. اتفقنا
لم تستطيع منع الإبتسامة من الوصول إلى شفتيها و قد كان هذا ما يريده فقد لمس رهبتها من تلك الأجواء و أراد تخفيف وطاة ذلك عليها و لكن ما أن رأى ابتسامتها حتى قال بغزل مبطن
بلاش عنيكِ يضحكوا الضحكة دي قدام حد.
نجح في ازاله رهبتها و لكنه زلزل ثباتها فتنهدت بعمق قبل أن يدخلوا إلى الحفل الذي لم يكن صاخبًا و لكنه كان ملئ بأناس من المجتمع المخملي يرتدون اغلي و افخر الثياب و الحلي و يدخنون اغلي انواع التبغ الذي كانت رائحته تشعرها برغبة في القيء و لكنها جاهدت حتى تظل بمظهرها اللامبالي و ظلت بجواره حتى انتصف الحفل و لكنها لم تعد قادرة على التحمل فقد شعرت بالإختناق لذا حين وجدته انخرط في الحديث مع مجموعة من رجال الأعمال تسللت خفية إلى الشرفة تريد استنشاق الهواء الطلق الخال من رائحة النفاق الممزوجة بعطور ثقيلة لم يستطيع أنفها تقبلها فتلك الأجواء تصيبها بالغثيان دائما.
كان الهواء عذب يتلاعب بخصلات شعرها الحريرية و ردائها الأسود اللامع الذي يتناسب مع كحلها الفاحم الذي حاوط غاباتها الزيتونية اللامعه و التي انعكس عليها ضوء القمر فجعلها في ابهي صورها أمام عينيه التي تابعت خطواتها للخارج و أرغمته على اللحاق بها فقد كان يتبع وجهة قلبه التي اهتدت أمام عيناها و أسلمت بأنها بره الآمن في هذه الحياة و التي سيحارب بكل قوته حتى يحصل عليها.
مش خايفه تاخدي برد؟
جفلت حين سمعت صوته و لكنها حاولت السيطرة على رجفة قلبها التي كانت تخشي أن تفضح مشاعره نحوه لذا لم تلتفت إليه بل إجابته و هي تنظر البعيد
الجو جميل. و هوى البحر حلو اوي
هو جميل و كل حاجه بس هوي البحر غدار خلي بالك
هكذا أجابها فشعرت بأن حديثه يحمل معان أخرى مبطنة و لكنها تجاهلت منحني الرد فظل صامتًا للحظات بدت كدهر مر عليها وهي تحارب كل شئ بداخلها و تردد على مسامعها عبارة واحدة.
هذا ليس المكان المناسب لكِ
خرجت منها تنهيدة قوية تدل على حيرة وغضب كبيران بداخلها و قد شعر هو وجود شئ خاطئ بها لذا قال باهتمام
ليه كل دا؟
وكأنها كانت تنتظر منه أي بادرة للانفجار و إخراج مكنونات غضبها منه ومن نفسها و من شعور لا تعلم من أي جهة تسرب الى قلبها
عشان حاسة اني غريبة عن كل حاجه حواليا. الفستان دا مش بتاعي الناس دول مش شبهي المكان دا مش ليا. حتى انت!
تنبهت جميع حواسه عند كلمتها الأخيرة و خرجت الكلمات منه ثابتة بقدر هشاشة قلبه في تلك اللحظة
انا ايه؟
حاولت أن تبدو لهجتها ثابته و هي تقول بصراحه اذهلته
انت عايز مني ايه؟
لم يتردد لحظة قبل أن يقول
عايزك تكوني مرتاحه
إجابته اخترقت شئ ما بقلبها فولدت شعور قوي جعل العبرات تترقرق في مقلتيها و لكنها جاهدت في منع سيل الدموع التي سيأتي بعدها انفجار عنيف لن تستطيع السيطرة عليه
ليه؟ انا افرق معاك في ايه؟
بين الرمش و الجفون بين الضلوع و في ثنايا الروح يوجد أنت.
هكذا أراد أن يخبرها بما تعني له و لكنه تجاهل كل ذلك و قال بجمود
انتِ فكرتي في السؤال قبل ما تسأليه؟
تراجعت حين اصابتها كلماته في صميم قلبها و قد كان سؤاله يحوي إجابة مزقتها لذا قالت بصوت حاولت أن يكون قوي.
انا عارفه دوافعك يا سالم بيه و مقدرة كرمك معايا ومع جنة بس انا مابحبش الشفقة أبدًا و لا بتقبلها. و اسلوبك معايا مالوش تفسير غير كدا و دا انا مش هقدر اقبله.
يعلم بأنها اختارت أقل الحلول ضررًا لكرامتها بتلك الكلمات وقد آلمه هذا كثيرا يتمنى لو أنها فقط تعطيه بعض الامان حتى يخبرها ماذا تعني له و لكنه لا يأمن لغضبها و كبريائها و هواجسها اللعينة و لهذا لن يستطيع الإفصاح عما يشعر به لذا تجاهل منحني الرد لتتابع هي
فكرة جوازنا دي مجنونة و أنا بعفيك منها و من محاولتك لإنقاذي و إنقاذ سمعتي. انا عارفه هتصرف ازاي و هحل أموري ازاي متقلقش.
زفر غضبا هائلًا بين طيات أنفاسه الملتهبه و قال بفظاظة
مبقتش فكرة مجنونة بقت أمر واقع و المفروض انك تكوني بدأتِ تتأقلمِ عليه
فرح بغضب دفين
اديني سبب واحد عشان اقبل بيه و ابتدي أتأقلم عليه
سالم باختصار
حسيت انك اكتر حد مناسب ليا.
اغتاظت من شُح إجابته و قالت بتهكم
انت شايف أن دا سبب مقنع للجواز؟
سالم بخشونة
فكري و خدي وقتك لحد ما تقتنعي أن هو دا الصح
فرح بعناد
ولو مقتنعتش؟
ارتسم العبث على ملامحه حين قال بخفوت.
بكدا هضطر ادخل و اقنعك بطريقتي!
حاولت السيطرة على نبضاتها الهادرة حين قالت بيأس
انت ليه بتعمل كده؟ ليه بتحارب على حاجه معتقدش انها بالنسبالك لها أهمية كبيرة في حين انك ممكن تاخد اللي احسن منها.
سالم بنبرة قاطعة دهشتها
بس انا عايزها هي. و اختارتها هي. سيبي كل حاجه تاخد وقتها يا فرح.
قال كلمته الأخيرة بنبرة أرق مما جعل الحيرة تنهش بعقلها فقالت بقلة حيلة
سالم انت عايز ايه؟
أجابها بكل ما يملك من لين.
عايزك تكوني مرتاحه. مش عايزك تجهدي نفسك عالفاضي. بطلي تفكير شويه.
تفاقم اليأس بداخلها و ظهر بوضوح في نبرتها حين قالت
مينفعش!
شعر بما يعتمل بداخلها وإرهاقها الواضح فقال بهدوء
طب انتِ عايزة ايه وانا هعمله
هل حقا سيقوم بتنفيذ ما تريده؟ و هل تريد الابتعاد عنه؟ هل تجازف بهذا الطلب؟
مش عيزاك تضغط عليا!
شعر بالارتياح لطلبها و تجاهلها لفرصة الخلاص منه كما تدعي و لذلك قال بإختصار
حاضر.
دهشتها إجابته فقالت بذهول.
بالبساطة دي؟
سالم بحنو لم تعتد عليه
لو ده هيريحك هعمله.
و لكنه تابع بلهجة خشنة محذرة
بس خليكي فاكرة انتِ اللي اخترتي القرار يبقى في ايدك. يبقى تتحملي نتيجته أيًا كانت. عشان أنا هفضل واقف في مكاني مستني قرارك دا.
قرعت دقات قلبها كالطبول و خرجت كلماتها مرتعشة من بين شفتيها
هتستنى كتير!
موافق!
اجابها بإختصار فقالت بتأكيد و داخلها تتمني أن ينفي حديثها
هتزهق اكيد
لمس رجاء صامت بعيناها لم يستطيع خذلانه.
اطمني. انا نفسي طويل. و خصوصًا لو عشان حاجه تستاهل.
خفقة قويه ضربت أنحاء صدرها حين سمعت حديثه و لكنه لم يتركها تستوعب ما يحدث فقال بلهجة ودودة جديدة كليا عليه
ممكن بقى ناخد هدنه من كل الحروب دي و نتعامل بطريقة بروفيشنال عن كدا يا بروفيشنال انت.
ارتسمت ابتسامة ارتياح على ملامحها قبل أن تقول بسخرية
أخيرًا اعترفت!
فاجأها حين قال بفظاظة.
لا بصراحه معترفتش انا بقول كدا عشان أخرج جو النكد إلى الستات بتموت فيه دا!
اغضبها حديثه و ما أن أوشكت على الحديث حتى جاء من خلفه صوت ذو نبرة رفيعة يشوبها الكثير من الغنج
أنت هنا يا سالم؟ قلبت عليك الفرح كله.
أخيرا وصل سليم إلى غرفة عدي و داخله ملئ بالغضب والترقب لما قد يخبره به عدي و قد كان بداخله حدث قوي بأنه أمر يخصها و قد كان يتمنى لو أنه يخبره بأي شئ قد يبرأها أمامه من كل خطاياها التي يراها كل يوم في منامه و يقظته و كأنها شياطين تلاحقه.
قام بالنقر عدة نقرات على باب الغرفة وسمع صوت مؤمن يحثه على الدخول فدخل بالفعل و لكنه تفاجئ بعدي الذي كان يمسك بالهاتف بيده و ملامحه ممتقعة بشكل أثار ريبته و خاصة أن أذناه إلتقمت صوت صرخات آتية عبر الهاتف و عدي يقف كالتمثال لا يتحرك مما جعل سليم يتقدم ليقف أمامه و هو يقول
الف سلامه يا عدي.
علي الفور تنبه عدي و قام بإغلاق الهاتف بوجه ساندي و وجه أنظاره إلى سليم قائلا بتوتر لم ينجح في إخفائه.
الله، يسلمك. يا. سليم بيه
اومئ سليم برأسه قبل أن يتجه إلى المقعد بجانب سرير عدي و قال بنبرة ذات مغزى
طب اقعد. انت تعبان ولازم ترتاح.
نفذ عدي طلبه و تقدم مؤمن يجلس في مقعد بجانب سليم وهو يحاول انقاذ صديقه إذ قال بمزاح
لا ماهو خلاص دا كان دور كدا بسبب الرمرمه واكل الشوارع. إنما هو بقي زي الفل.
اومئ سليم و ظلت نظراته مثبته على عدي الذي بدا مرتبكا بشكل يثير الريبة و قد كان ينظر في كل الاتجاهات إلا اتجاهه مما جعل سليم يقول ساخرا
ايه يا عدي مش قولت انك عايزني. و لازم احضر على وجه السرعة حصل ايه دلوقتي؟
اجابه عدي بإرتباك حاول أن يخفيه قدر الإمكان
اه. انا كنت. فعلا. عايزك. اقصد عايز يعني اطمن عليك. و على ماما أمينة.
هنا اندهش مؤمن من حديث عدي الذي كان يخبره قبل ساعات عن ضرورة اخبار سليم بالحقيقه و لكنه الآن يتراجع و السبب في ذلك لابد محادثة ساندي له و هذا اغضب مؤمن كثيرا الذي قال بقوة
بصراحه يا سليم بيه عدي كان عايز يتكلم معاك في موضوع مهم
سليم بترقب
والله! طب اتكلم يا عدي ساكت ليه؟
اغتاظ عدي من حديث مؤمن وقال بلهفه.
لا مفيش الكلام دا. اقصد يعني الموضوع مش مهم اوي. انا بصراحه. كنت. كنت يعني بفكر اني اعمل صدقة جارية على روح حازم. يعني مثلا نتكفل بعلاج شباب من الإدمان. دا هيكون افضل شئ نعمله. عشان حازم. يعني يرتاح في قبره.
يات متأكدا الآن من تلاعب ذلك الشاب الذي كان يريد أخباره شي و الآن يراوغ بإخباره شئ آخر و قد عزم النية في تلك اللحظة على معرفة كل شئ لذا تظاهر بتصديق حديثه وقال مؤيدا.
بصراحة فكرة حلوة اوي يا عدي. ازاي مفكرتش فيها قبل كدا؟ لا خلاص هشوف انا الموضوع دا. متقلقش. لازم حازم يرتاح في قبره. و أنا بنفسي هتأكد ان ده يحصل. حازم الله يرحمه كان محظوظ أنه عنده أصحاب زيكوا
فرق نظراته ما بين نظراته عدي المرتعبة و نظرات مؤمن الحانقة و بعد مرور وقت قليل وتجاذب معهم أطراف الحديث العابر نصب سليم عوده و قال بلهجة هادئة.
انا همشي بقي يا شباب. لو احتجتوا اي حاجه في أي وقت كلموني. انا زي اخوكم الكبير مش كدا يا مؤمن؟
اومئ مؤمن برأسه و قد كان الغضب يضج باوردته لذا لم يستطيع الحديث و لم يزيد سليم بل التفت متوجها للخارج و ما أن أغلق الباب خلفه حتى انفجر مؤمن في وجه عدي قائلا بغضب
بقي هو ده اللي اتفقنا عليه يا عدي. مش قولت هقوله على كل حاجه و تخلص ذمتك و ذمتي من ذنب الغلبانه دي؟ حصل ايه؟ الست زفته كلمتك قالتلك ايه؟
عظي بغضب هائل
اسكت يا مؤمن عشان أنا مش طايق نفسي
مؤمن بإحتقار
ليك حق متطيقهاش. خصوصا بعد ما رخصتها اوي كدا. بعد كل حاجه عملتها فيك. و بعد كل القرف و العذاب اللي شفته في حياتك بسببها لسه بتأثر فيك بردو يا عدي. للدرجادي انتي معمي بحبها؟
عدي صارخا
قلتلك اخرس يا مؤمن!
مؤمن بقسوة.
حاضر هخرس بس صوت ضميرك هيخرس! هما كلمتين هقولهملك و يا تفهم يا متفهمش. الغلبانه اللي بتدفع ثمن حبك المريض دي لو جرالها حاجه هي و إلى في بطنها انت هتعيش عمرك كله في نار. نار لا ساندي و لا غيرها هيقدروا يطفوها.
ألقي كلماته بوجه عدي ثم غادر الغرفة و ما كاد أن يخطو خطوة واحده حتى تفاجئ بقبضة حديدية تمسك بعنقه و صوت فحيح الأفعي بجانب أذنه.
لو مقولتليش كل حاجه دلوقتي اهوة هشيل رقبتك من مكانها انت والكلب إلى جوا دا.
شعر مؤمن بروحه التي تزهق في تلك اللحظة جراء قبضة سليم القوية و لكن قلبه أخبره بأن القدر اعطي له فرصة ثانية لتصحيح خطأ جسيم كان له يد به و قد نتج عنه كل ها العبث لذا قال من بين أنفاسه المختنقه
حا. حاضر. هقو. هقولك. كل. حاجه.
تركه سليم فأخذ يسعل بقوة بينما امتدت يده الأخرى تجذبه من ياقة قميصه إلى خارج المشفى و لم يستطيع المقاومة إلى أن وصلوا إلى سيارة سليم فصعد بجانبه دون أي مقاومة منه في حين أن الآخر كانت عيناه متقدة بغضب مميت جعلها حمراء قانية بعثت الرعب في نفس مؤمن الذي قال بذعر
قبل اي حاجه والله ما كنا نتخيل أن إلى حصل دا يحصل. دي كانت لعبة سخيفه دايما بنلعبها و مفكرناش انها هتقلب بالشكل دا!
سليم بنفاذ صبر و قد أوشكت ضربات قلبه الخروج من بين ضلوعه
عايزك تحكيلي كل حاجه و أنا إلى هقرر إذا كان ليكوا ذنب و لا لا؟
اخذ مؤمن نفسا قويا قبل أن يقول بنبرة قوية
جنة بريئة. و ملهاش علاقة بإدمان حازم أبدا. حتى كمان أنها بريئه من كل المشاكل و المصايب إلى حصلت لها.
كانت دقات قلبه تتقاذف بعنف و أنفاسه تتسابق و كأنه في سباق للعدو و لكنه حاول أن يبدو صوته ثابتا و هو يقول
احكيلي كل حاجه حصلت.
مؤمن بندم.
الموضوع كله بدأ برهان. بيني انا و حازم و عدي اول يوم شفناها فيه.
أخذ مؤمن يقص عليه ما حدث يومها وكيف صدتهم جنة بكل حزم و كيف توعد حازم لها و ما تلاه بعد ذلك من محاولاته في إيقاعها بشباكه ثم أنهى حديثه حين قال.
حازم عمل كل حاجه في الدنيا عشان يوصلها. لدرجة أن يوم ما وافقت تكلمه وافق يدينا عربيته الجديدة من كتر ما هو فرحان. احيانا كنت بحس أنه بيحبها و احيانا كنت بحسه فرحان انه قدر يوصل للبنت إلى كل الشباب حاولت توصلها و معرفتش. و طبعا ساندي كانت هتموت لما حازم سابها عشان جنة. على فكرة حازم كان بيشرب مخدرات قبل ما يعرف جنة بكتير. و السبب في كدا عدي. عشان كان بيحب ساندي و لما فضلت حازم عليه حاله اتشقلب و بدأ يروح بيوت مشبوهه و هناك عرف القرف دا و عرف حازم عليه و بدأ يروح معاه هناك و يجيبوا بنات شقه المقطم بتاعت عدي. منكرش اني روحت معاهم مرة ولا اتنين بس مقدرتش اكمل. و في يوم جنة عرفت أن حازم بيشرب الحاجات دي و بعدت عنه فترة وقتها حازم كان هيتجنن و حلف معدش هيشرب تانى وراح عشان يخطبها من اختها و هي رفضته و بعد كدا اتفاجئت بموضوع الجواز العرفي و استغربته جدا. عشان جنة بنت محترمة اوى و غيرت في حازم كتير ايه إلى حصل خلاها توافق تعمل كده معرفش. لإني في الفترة دي بعدت عنهم. و بعدين حصل اللي حصل و كان حازم.
صمت مؤمن لا يعرف ماذا يقول بينما كان هو بعالم آخر عالم يحكمه الغضب و يتسيده الذنب الناتج عنه ألم مرير يفتك بثنايا صدره الملتهب و لكنه لم يستطيع الصمت فتابع يسأل بلهجه ممزقة متألمه تماما كحال قلبه
و ايه اللي خلي ساندي تقول أن جنة السبب في إدمان حازم يعني خلاص حازم كان مات؟
حازم قبل ما يموت راحتله ساندي تترجاه أنه يسبب جنة و يرجعلها و وقتها حازم طردها و قالها أنه بيحب جنة علشان هي محترمة و متربية. و لما مات حازم و عرفت أن جنة كانت في الحادثة معاه زاد كرهها لها و كانت عايزة تنتقم. حتى هي إلى بعتت البنت بتاعت المستشفى عشان تصور جنة و تفضحها. و هي كمان إلى خلت عدي يقولك كدا
سليم بصدمه
بنت مين؟
قص عليه مؤمن ما حدث في المشفى من تلك الصحفية و اختتم حديثه قائلا بحزن.
جنة كانت ضحيتنا كلنا و اولنا حازم. إلى برغم أنه حبها بس محافظش عليها. انا واثق ان في حاجه حصلت أجبرت جنة توافق تتجوز عرفي. و اكيد عدي عارفها. بس عايز اقولك على حاجه. عدي مش وحش صدقني و كان ناوي يحكيلك على كل حاجه. بس
قاطعه سليم قائلا بغضب
ساندي منعته مش كدا؟
اومئ مؤمن برأسه فتحدث سليم قائلا بغضب اسود
انزل. و مش عايز اشوف وشك تاني و اعرف ان لو في يوم قابلتك معناها اني عزرائيل إلى جاي ياخد روحك. انزل.
قال كلمته الأخيرة صارخا مما جعل مؤمن يهرول للخارج و تبعه سليم الذي لن يستطيع تحمل تلك النيران التي تأكل احشاؤه و قرر أن ينفث عن بعضها في هذا الوغد و بالفعل توجه إلى داخل المشفى و منها الى غرفته ولكن لدهشته وجدها فارغة فالتفت ليجد إحدي الممرضات و حين سألها عنه أخبرته بأنه غادر منذ نصف ساعة برفقة فتاة و حينها علم سليم هوية الفتاة و قد كان هذا أكثر ما يتمناه أن يلقن هذان الشيطانان درسا قاسيا فتوجه إلى سيارته ينوي الذهاب إلى تلك الشقة الملعونة و قام بمهاتفة مؤمن لمعرفة العنوان بالتفصيل و لم يكتفي بذلك بل سأله إذا كان يملك مفتاحا فأجابه الأخير بعد ضغط منه فأمر بإعطائه له وبالفعل أخذه منه و توجه إلى هناك و بعد وقت ليس بقليل وصل إلى الشقة و وجد المصعد معلق في الطابق السابع و هو الطابق المنشود فلم يستطيع الإنتظار فأخذ يأكل الدرج من فرط غضبه حتى وصل لاهثا إلى باب الشقة و حين وضع المفتاح في الباب ينوي فتحه اخترقت اذناه صرخات استغاثة قويه فسارع بفتح باب الشقة و حين انفتح الباب أمامه تجمدت الدماء ب أوردته حين رأي تلك الملقاة على الأرض غارقة بدمائها وووو، يتبع...
↚
إن كنت تبحث عن أسباب لتبتعِد عني فلك هذا!
أنا شخص مُتبلِد الشعور لم يعد شئ في الحياة يجذب انتباهي...
مُمتلئ بالفراغ الذي يجعلني أشعر بصدى دقات قلبي يتردد داخلي فلا أبالي...
لا انتظر شئ من الحياة ولم اعُد امتلك ما اُقدمه لأحد...
لدي القدرة على التخلي عن أي شئ فلا تُراهن على قلبي
ف قسوته تُفزِعني أحيانًا...
لا أعرف متى تسرب كل شئ من قلبي ليصبح خاويً بتلك الطريقة!
و لكني استيقظت ذات يوم على طعنه نافذه اخترقت اعماق روحي مُحدثه ثقبًا كبيرًا عاجز للآن على إصلاحه
فهل تقبل بشخص اهترأ قلبه وثُقِبت روحه؟!
نورهان العشري.
كانت ترتعب و تشعر بألم حاد يعتصر معدتها بعنف و لم تكن تشعر بشئ مما يدور حولها و لأول مرة بحياتها لا تلتفت لملابسها الغير مهندمة فقد كانت تلتقط ما تقع يدها عليه لتستطيع الذهاب باقصي سرعه إلى المشفي حتى تمنع تلك الكارثة من أن تحدث!
و بلمح البرق التقطت هاتفها و مفاتيح سيارتها التي استقلتها و باقصي سرعه كانت تقود إلى أن وصلت وما أن همت بالخروج منها حتى تفاجئت ب رنين هاتفها فوجدته عدي فأسرعت بالإجابة قائله بلهفه
عدي.
عدي بجفاء
قابليني في شقة المقطم كمان نص ساعه.
ساندي بذعر
عدي ارجوك طمني وقولي انك مقولتش حاجه لسليم الوزان
عدي بقسوة
مقولتش. قابليني في الشقه بقولك
تنفست الصعداء قبل أن تقول.
انا في المستشفى كنت جيالك. مسافة السكة وهكون عندك
عدي بأمر
انا لسه في المستشفي. هغير هدومي و هلم حاجتي و هنزلك.
مؤمن معاك؟
عدي بنفاذ صبر
لا. اساسا اتخانقت معاه.
طب انا جيالك. استناني دقيقه و هكون عندك
اركني العربيه عند باب المستشفي إلى ورا و مش عايز مؤمن يشوفني و أنا خارج.
أغلقت الهاتف و فعلت ما أمرها به و توجهت إلى غرفته فوجدته يقوم بجمع ملابسه فتولت المهمه بدلا عنه و قد كانت تراقب ملامحه التي كانت قاسيه على غير عادته فتابعت ما تفعله بصمت إلى أن أنهت جمع كل شي فتفاجأت به ينزع حقيبته من بين يدها و هو يقول آمرا
يالا.
لم تتفوه بحرف بل تبعته حتى وصلا إلى السيارة و تفاجأت منه حين انتزع مفاتيحها قائلا بأمر
انا إلى هسوق!
تسلل الخوف إلى قلبها و لكنها لم تفصح عن شئ فدائما كان أكثر من اخ بالنسبة لها و كان صدرها الحنون وسط كل صدمات الحياة التي كانت تتعرض لها منذ أن أبصرت هذا العالم.
كان يقود السيارة باقصي سرعه يمتلكها و يداه تقبض بعنف فوق المقود حتى كاد أن ينتزعه و لكنه لم يكن يري أمامه سوي خزلان و قهر و عذاب و نبذ لاطالما تعرض له طوال حياته.
كانت ذكرياته السيئه تمر أمام عيناه كشريط سينمائي يعاد للمرة الألف بنفس التفاصيل و نفس الشعور. شعور مرير قاس لا يشبه أي شئ في هذه الحياة
شعور الخزلان قاس مرير لا توازي مرارته أي شعور آخر فهو يشبه طفل صغير ألقت به والدته أمام أحد الملاجئ في ليلة باردة كالصقيع المُرتسِم بعيناها و هي تنظر إلى عيناه و بكل تجبُر تُخبره أنها لم تعُد تريده!
بينما هو يواصل نحيبه و توسله عله يلامس اللين في إحدي زوايا قلبها الذي لسوء حظه لم يكن يعرف له سبيل أبدا.
وصلا إلى الشقه في وقت قياسي جراء قيادته المتهورة التي لم تكن ترهبها فهي اعتادتها معه بل كانت تعشقها كثيرا لدرجه أنها افتقدتها كما افتقدته في الفترة الماضية!
انزلي!
أمرها بنبرة جافه قاسيه تشبه ملامحه فطاوعته دون الحديث إلى أن وصلا إلى باب الشقه الذي قام بفتحه بعنف اخافها و لكنها تابعت الصمت و ظلت في مكانها تجاهد ضربات قلبها التي تتقاذف رعبا بداخلها بينما هو يقف أمام النافذة معطيا إياها ظهره حين طال الصمت قطعه صوته البارد حين قال
ادخلي و اقفلي الباب وراكِ! و لا خايفه؟
اخيرا خرج صوتها مهتزا حين قالت
لا. هخاف من ايه؟
أغلقت الباب خلفها و تقدمت تقف في منتصف الغرفه فقام بالإلتفات إلى أحد الزوايا و التي بها خزانه كبيرة قام بفتح أحد أبوابها و اخرج منه إحدي سجائره المحشوة بمادة مخدره و قام بإشعالها فوجدها تتقدم منه غاضبه
انت مش ناوي تبطل القرف دا؟
تمتم بسخريه
لا ازاي. طبعا هبطله. انا بس بلف سيجاره عشان اعرف اركز معاكي
تراجعت خطوة للخلف و هي تقول بتوجس
تقصد إيه؟
ارتسمت ابتسامه على ملامحه لم تصل إلى عيناه التي كانت قاسيه تشبه لهجته حين قال
قوليلي بقي. لسه مستنيه ايه من عيلة الوزان؟
غمغمت بخفوت
أبدا. انا هستني منهم ايه؟
اومال ليه منعتيني اقول لسليم على الحقيقة؟ ماتقوليليش انك خايفه منه!
ابتلعت ريقها بصعوبه قبل أن تقول بنبرة متحشرجه
و هتستفيد أيه لو قولتله؟
عدي بسخريه
لا مش انا إلى هستفيد. على الاقل هكشف الظلم عن الغلبانه إلى احنا سلمناها تسليم أهالي دي.
ساندي بغضب دفين
مين دي إلى غلبانه؟ دا انت إلى غلبان. دي حية عرفت تلف حوالين رقبة حازم لحد ما وقعته على جدور رقبته. و مكفهاش كدا. دي كمان بعدته عننا و لا نسيت؟
سحب نفسا قويا من سيجارته امتزج مع وجع كبير احتل يسار صدره بينما عيناه مازالت قاسيه حين قال
و مكفكيش كل إلى عملتيه فيها؟ دانتي حتى بنت زيها! مصعبتش عليكي؟
ساندي بحنق
مصعبتش عليا!
عدي بسخرية مريرة.
انا مستغرب ليه؟ إذا كان حازم إلى عملتي كل دا عشانه كنتي السبب في إدمانه!
خرج صوتها مجروحا قاسيا
عشان كان يستاهل!
صدمه قوة إجابتها فقال بمرارة
قد كدا انتي وحشه! تعرفي انا كنت مفكرك بتحبي حازم و عايزة تنتقمي لكرامتك بس انا دلوقتي متأكد انك محبتهوش.
كانت المرارة تقطر من لهجتها الساخرة حين قالت
لا والله و ايه إلى خلاك متأكد بقي؟
عشان أنا اكتر واحد عارف يعني ايه تحب حد لدرجه انك تبديه على نفسك! تقبل تموت من الوجع لمجرد انك تشوفه فرحان!
شعرت بأن كلماته تأتي من جرح عميق تجلي واضحا بعيناه لذا قالت بإندهاش
عدي. انت في حد في حياتك؟
قهقه بصخب تماما كصخب وجعه الذي يملئ قلبه في تلك اللحظه مما جعل ذهولها يزداد و لكنها التزمت الصمت إلى أن انتهي من نوبة ضحك كانت ابعد ما تكون عن الفرحه و أجابها بتهكم
تخيلي اه. في حد في حياتي!
لا تعلم لما تضاعف الغضب بداخلها للحد الذي جعلها تصرخ قائله
لا والله. و ياتري بقي عرفت تختار انت كمان و لا دورت في الزباله و طلعت واحده تحبها
ابتسم بسخرية تجلت في نبرته حين اجابها
تعرفي ان دا أدق وصف ليها!
صرخت بغضب لا تعلم كنهه
انتوا جرالكوا ايه؟ بتعملوا ليه كدا. مش كفايه البلوة إلى بلانا بيها حازم. لا و انت كنت بتلوم عليه! لبست زيه. و ياتري الهانم بقي حامل هي كمان و لا لسه ربنا مكرمهاش.
كان يناظرها بذهول لم يستطيع اخفاءه و لكنه سرعان ما تحول إلى اشمئزاز تجلي في نبرته حين قال
إلى يسمعك يا ساندي يقول انك مثال للشرف والأخلاق. طب والله اقنعتيني
صاحت بغضب و كبرياء
دا غصب عنك. انا عمر ما حد لمس مني شعرة واحدة. و أظن انت اكتر واحد عارف كدا.
قالت جملتها الأخيرة بنبرة أقل حدة بينما هربت بنظراتها للاتجاه الآخر و لم تدري اي نارا أشعلت بصدره فانتفضت عروق يده من شدة ضغطه عليها و قد طفح به الكيل من تلك الساقطة فقال بكل ما يملك من غضب
كنت. كنت مفكر انك كدا فعلا. بس اتضحلي بعد كدا انك اقذر واحده شفتها في حياتي. و ان حبي ليكي كان عاميني عن حقيقتك
ارتسم الذهول على ملامحها جراء إهانته و اعترافه الذي جعلها تقول بصدمه
انت بتقول ايه؟
برقت عيناه و قست ملامحه و لكنه لم يجبها بل اتجه إلى هاتفه. و قام بالعبث به قبل أن يضغط على زر ليأتيها صوت حازم وهو يقول بسخريه
معلش يا رجالة مش هقدر اسهر معاكوا النهاردة اصلي كنت سهران مع ساندي امبارح سهرة صباحي. بس البت دي ايه طلعت جامدة طحن يخربيتها هدت حيلي!
اغلق عدي التسجيل الصوتي وقد برقت عروق رقبته حتى كادت أن تنفجر من شدة غضبه بينما كانت الصدمه و الذهول من نصيبها حتى أنها شعرت للحظه بأن تلك الكارثة قد اخرستها بينما هو تقدم منها بخطً سُلحفيه وهو يقول بلهجة قاسيه تشبه كثيرا ملامحه و عيناه التي كانت جاحظة فبعثت الرعب في أوصالها.
بحب حازم يا عدي. اتخرست وكمتمت وجعي في قلبي و مفتحتش بقي. حازم سابني يا عدي خدلي حقي. حاضر. جبتلك حقك تالت و متلت. جنة دي السبب في كسرة قلبي يا عدي. حاضر ورتها اسوء ايام حياتها. و دمرت حياتها و مستقبلها. عايزة اعرف أهل حازم بيعملوها ازاي يا عدي. حاضر! خدت مؤمن و رحت و عملت نفسي معرفش حاجه خالص. عايزة اشوه صورتها قدام أهل حازم يا عدي. حاضر! روحت لسليم و قولتله ان هي السبب في إدمان حازم و أنها حقيرة و شمال و ضيعت مستقبل اخوه. عايزة افضحها يا عدي. حاضر! خليت واحده تروح تصورها في المستشفي عشان تفضحها في جروب الجامعه. مفيش حاجه طلبتيها مني مقولتش عليها حاضر. بس جه الوقت بقي إلى اخد حق كل حاجه عملتهالك يا ساندي. انا ليا حق فيكي. و جه الوقت عشان آخده.
انهي كلماته و اقترب منها بعينين يرتسم بهم الجنون تماما كأفعاله حين قام بشق كنزتها إلى نصفين فظهر لباسها الداخلي بينما هي و كأنها كانت فاقدة للنطق حين كان يتفوه بكلماته التي سقطت فوق رأسها كمطرقة قويه و لكن ما أن رأت جنونه و شعرت بيده القاسيه تجردها من ملابسها حتى أخذت تصرخ بقوة و تقاومه بشدة و لكن هيهات فقد كان كمن فقد آخر ذرة تعقل لديه و قام بدفعها بعنف حتى سقطت على الأرض الصلبه و قبل أن تعي ما يحدث قام بدفع رأسها بفوة حتى فقدت الوعي و لم يلحظ الدماء التي انتشرت اسفلها منبثقه من جرح كبير يتوسط رأسها من الخلف و قد اعماه نشوه الغضب الممزوج بعشق جارف حطم حياته و حين أوشك على التقاط شفتيها شعر بركله قويه أصابت رأسه فاطاحت به إلى آخر الغرفة و صوت جهوري يقول.
بتعمل ايه يا حيوان.
توقفت السيارة أمام قصر الوزان و ترجلت منها جنة التي توجهت إلى باب أمينة و قامت بفتحه و هي تناظرها بلطف يخفي بداخله الكثير من التعاطف على تلك السيدة التي حتما لن تستطيع احتمال سماع ما حدث لذلك حاولت التعامل معها بحنان و تجاهلت ما حدث سابقا فقد كانت تعتبره جزء من عقابها لما فعلته بنفسها
هاتي ايدك يا حاجه أمينه.
هكذا تحدثت جنة بلطف و هي تمد يدها إلى أمينه التي كانت جميع تصرفات جنة تزيد من تأنيب ضميرها و قد ارتسم اعتذار صامت في عيناها فهمته جنة على الفور فابتسمت بهدوء و بادلتها أمينة البسمة بآخري ممتنه و مدت يدها و استندت عليها حتى خرجت من باب السيارة
و توجهت للداخل و أثناء مرور جنه بمروان الذي كان يقف واضعا يده بجيوب بنطاله و قد بدا على وجهه الإمتعاض الذي تحول إلى حنق حين سمع جنة تقول.
مروان استناني هنا عشان عايزة اقولك على حاجات تجبهالي من بره و انت جاي
كانت تتحدث بوداعه و لطف جعلوا أمينه تقول بلهفه
وماله يا حبيبتي. هات لجنة كل إلى هي عيزاه يا مروان.
رفع إحدي حاجبيه حين رآي ابتسامه خبث تزين محياها و قال من بين أسنانه
وماله مانا العبد اللي جبتوه من سوق العبيد.
جنة ببراءة
بتقول حاجه يا مروان.
مروان بتهكم
بقول عنيا. احنا عندنا كام جنة يعني دي هي واحدة بس و دا طبعا من حسن حظنا.
↚
ابتسمت جنة و توجهت للداخل مع امينه بينما قام مروان بالإلتفات إلى ريتال و امساكها من مقدمه فستانها و هو يقول بحنق
بت يا ريتال شايفه الشبر و نص إلى اسمها جنة دي عايزك تطلعي عنيها النهاردة تكفري سيئاتها سامعه ولا لا؟
ريتال بصدمة
ايه يا عمو الكلام النوتي إلى أنت بتقوله دا؟
مروان بحنق
نوتي ايه الله يرحم ابوكي. بت انتي هرزعك بالقلم على عينك. بقولك عايزك توريها النجوم في عز الضهر. استجدعي مرة واحدة مع عمك.
زفرت ريتال بعدم تصديق وقالت ببراءة
انت ليه شرير كده يا عمو مروان. دي جنة دي جميلة خالص و طيبه وكمان اتفقنا أنها هتحكيلي حواديت كل يوم بالليل.
مروان بإستنكار
يعني عشان كام حدوتة تبعيني و بالنسبة للشيكولاته إلى بدفع فيها دم قلبي دي و لا بتأثر فيكي خالص. ماشي يا ريتال خليكي فكراها.
ريتال بملل
ايوا ما جدو إلى بيديلك فلوسها أصلا وهو قالي كدا و بعدين مانتا بتاكل نصها و قرب يطلعلك كرش.
لم يتثني له الرد حين تفاجئ بضحكات جنة التي كانت على مقربة منهم بعد أن أوصلت أمينه إلى غرفتها و توجهت للاسفل للحديث مع مروان و الاطمئنان على حلا فسمعت جملة ريتال الأخيرة و اقتربت تناظره بنظرات شامته فنصب عوده يناظرها بلامبالاه فقالت ساخرة
بتحرج نفسك مع طفلة صغيرة ليه. عايزة افهم؟
و تفهمي ليه خليكي في نفسك. واحد و بنت أخوه بتحشري نفسك ليه؟
هكذا أجابها هازئا فقالت بتهكم.
عشان ريتال صاحبتي و ادخل في كل حاجه تخصها صح يا ريتال.
ريتال بلهفه
صح يا جنة
امتدت يد مروان تعبث بشعر ريتال و هو يقول بحنق
أصيله زي إلى خلفوكي يا ريتال.
ثم وجه أنظاره إلى جنة و هو يقول بنفاذ صبر
انجزي قولي عايزة ايه اجبهولك ماهو انا الشوفير بتاع جنابك.
جنة بتكبر
انت تطول أصلا؟
مروان بسخرية
اطول ايه انتي اساسا مش باينه من الأرض! خلي حد غيرك يتكلم عن الطول يا شاطرة.
اغتاظت جنة من سخريته منها و قد عادت لها روحها القديمه في المزاح حين قالت بسخرية
مش احسن ما ابقي طويله و بكرش.
ضيق مروان ما بين عينيه و نظر إلى عيناها التي يرتسم بها التحدي فمن يراها يظن أنها طفله بعمر ريتال لم يمس قلبها وجع و لم يطال جسدها أذي فتابع شجارهم المزعوم قائلا
اااااه تقريبا دا حقد عشان أنا body building و كدا. اممم فهمت. معلش يا جنة ماهو مش سهل عالإنسان يتولد اوزعه. انا عاذرك.
جنة بحنق.
مش هرد عليك. عشان أنا اكبر من كدا. المهم طمني على حلا. حادثه ايه إلى عملتها دي.
برقت عين مروان و هو ينظر إلى ريتال قائلا بتوتر
ريتا يا روحي. ما تطلعي انتي فوق احسن ما تبردي
اطاعته ريتال على الفور فتوجه بانظاره الحانقه إلى جنة و هو يقول بغضب
دا تحديدا إلى مكنتش عايزك تقوليه قدام ريتال. ليه؟ عشان فتانه و خمس دقائق و هتلاقي البيت كله عرف.
ارتبكت كثيرا و قالت بتلعثم.
والله ما كنت اقصد. بس أنا كنت عايزة اطمن عليها.
متقلقيش هي كويسه و احتمال كبير بكرة نجبها انا و سليم و نيجي عالبيت.
جنة بارتياح
طب الحمد لله. ربنا يشفيها و يطمنكوا عليها يارب.
كاد أن يتحدث فالتقمت عيناه تلك التي تناظرهم بغضب كبير بينما تتوجه إليهم فقال مسرعا
عايزك دلوقتي تدخلي على جوا و تخلي بالك من مرات عمي و اوعي ريتال تقولها حاجه. و أنا هبقى اكلمك سلام.
قال جملته الأخيرة بنبرة اعلي حيث تصل إلى مسامع التي اقتربت منهم فلم يعطها الفرصه للحديث بل استقل سيارته و انطلق بها متجاهلا نداءاتها المتكررة و حانت منه نظرة جانبيه في المرآة التي أظهرت صورتها الغاضبه بشدة و قد اشعره غضبها هذا بالسعادة و قد كان هذا اول شئ يسعده من تلك الفتاة التي سممت حياته لسنوات.
علي نحو آخر كان سليم يهرول في المشفي حاملا تلك التي فقدت كل صلة تربطها في الحياة و كأن روحها أرادت الإستسلام و الصعود إلى بارئها. فلم تكن تحرك ساكنا و قد أثار ذلك القلق بداخله فبالرغم ما عرفه عن كل خطاياها و لكن شهامته أبت عليه أن يترك أمرأة في محنه و ألا يقسم لوكانت في وعيها لاعطاها نصيبها من العقاب الذي تستحقه.
كانت الدماء تغلي في عروقه حين تذكر تلك المؤامرات التي نصبتها هي و ذلك المعتوه عدي حتى يوقعوا تلك البريئه في شراكهم و هو بكل غباء ساعدهم
عودة إلى وقت سابق
خرج سليم يتبعه عدي و توجهوا إلى الحديقه الخلفيه و حين توقف سليم بادر عدي قائلا
انا مش مصدق يا سليم بيه إلى بيحصل دا؟
سليم بعدم فهم
هو ايه إلى بيحصل؟
عدي بانفعال
البنت إلى اسمها جنة دي! معقول هتعيش هنا.
سليم بإختصار
مانتا سمعت كلام سالم و عرفت السبب!
حاول بث سمومه في عقل سليم حين قال بتخابث
و ياتري اتأكدت من الكلام دا و أن الطفل دا إبن حازم...
قاطعه سليم بعنف حين قال بصرامه
عدي! مش عايز لخبطه في الكلام! كل كلمه هتقولها هتتحاسب عليها و دي ارمله حازم ايا كانت ظروف جوازهم فهي حاليا حامل في ابنه إلى هو ابننا فخلي بالك من كلامك!
ابتلع ريقه بصعوبه و حاول حبك مؤامرته حين قال بحزن مفتعل.
اعذرني يا سليم بيه. بس حازم كان صاحبي و يعز عليه اشوف الانسانة إلى ضيعته عايشه وبتتمرغ في خيره و كمان شايله اسمه
سليم بخشونه
تقصد ايه؟
لم تفصح ملامحه سليم عن شئ و لكن عدي لمس الاهتمام في نبرته لذا واصل خطته الدنيئه و قام بإخراج هاتفه و عبث به قبل أن يظهر بعض الصور الفوتوغرافية لجنه و هي تقف مع إحدي الشباب و فيديو آخر و هي تعطيه إحدي العلب المغلفة و التي تبدو كهديه و على وجهها ابتسامه عذبه و بعد ما انتهي مقطع الفيديو تحدث عدي بحزن.
دا وليد الجلاد اكتر واحد كان بيكره حازم و كان في بينهم مشاكل دايما. الهانم كانت مزقوقه عليه و هي إلى خلته يدمن و كانت معاه يوم الحادثه والله واعلم عملت ايه خلا دي تبقي نهايته.
عودة إلى الوقت الحالي
كان يقف أمام غرفة الطوارئ ينتظر خروج الطبيب حتى يعلمه اي عقاب قد نالته تلك الأفعي التي لولا تلك الحالة التي هي بها لكان ارداها قتيلة في الحال و خاصتا حين تذكر حديث عدي قبل ساعة من الآن.
قام سليم بركله في رأسه ركله قويه أطاحت به و أنقض عليه و أخذ يكيل له اللكمات و هو يسبه بشتي أنواع السباب الذي يعرفه بينما عدي كان مستسلما و لم يقاومه بل على العكس أخذت عبراته تنهمر بقوة على خديه و حين زمجر سليم صارخا
قوم خليك راجل و اقف قصادي. و لا مبتعرفش غير تتشطر على بنات الناس.
خرج الكلام متقطعا من بين شفتيه المتورمتين.
ج. جنة. مظ. مظلومة. كل. الي. قولتوهولك. كان. لع. لعبة. مني. انا. و. و سا. ساندي
لكمه قويه نالها الحائط خلفه و قد كانت إحدي محاولاته للتخفيف من حدة غضبه الذي إن اطلق له العنان سيقوم بإحراقهم جميعا.
اخيرا خرج الطبيب من الغرفة و اتجه إلى حيث سقف سليم الذي تساءل بغضب
حصلها حاجه؟
الطبيب
لا الحمد لله لسه زي ما هي بس طبعا في آثار اعتداء على جسمها. و المفروض اننا نعمل محضر. دي محاولة اغتصاب.
سليم بالمبالاة.
اعمل إلى انت شايفه صح
الطبيب
و انا هخلي المستشفي تتواصل مع حد من أهلها
سليم بإختصار
انا هبلغهم
و بالفعل غادر سليم المشفي و هو يمسك هاتفه محاولا الوصول إلى إحدي والديها و بعد عدة محاولات أتاه صوت والدتها فباغتها سليم قائلا بفظاظة
بنتك موجودة في مستشفى (. ) اتعرضت لمحاولة اغتصاب. لو عندك وقت ابقي روحي شوفيها.
انت بتقول ايه يا مجنون انت.
تجاهل صراخها و قال بصرامة
إلى سمعتيه.
مين معايا؟
سليم بإختصار
سليم الوزان!
للمرة الثانيه تتقابل مع تلك المرآة الصاخبة بكل شي ملامحها و جمالها و وقاحتها فقد كانت تتحدث برقه تميل إلى الغنج و نظراتها قويه نافذة لا تعرف الخجل و قد اغضبها ذلك إضافة إلى رقته في التعامل معها و التي قلما تراه يتعامل بها مع أي شخص آخر و ما يزيد من وقود غضبها هي أنها مجبرة على الصمت و إرتداء قناع اللامبالاة امامه و تحمل نيران قويه تحرق أحشاءها من الداخل.
مانتي عرفاني ماليش في جو الحفلات دي.
اقتربت منه و قالت برقه
بس مع الوقت الناس بتتغير و قناعتها بتختلف و لا انت مش مؤمن بتطوير الذات
ابتسم سالم قائلا بنبرة ذات مغزي
بس مبادئهم بتفضل زي ما هي.
تجاهلت مغزي حديثه و قالت بفخر و هي تنظر حولها
طب مش هتقولي ايه رأيك في الديكور و تنظيم الحفله. اوعي تقولي مركزتش زي كل مرة
حانت منه إلتفاتة سريعه على المكان حوله قبل أن يقول بإختصار
كويس
مروة بدلال
سالم.
سالم بفظاظة.
بما انك مؤمنه بالتطوير فعايزك تشتغلي اكتر على نفسك عشان بفكر اخليكي تنظميلي حفلة مهمة اوي قريب
برقت عيناها من حديثه الذي اغضبها في البدايه و لكن تغلب الفضول على الغضب و قالت بلهفه
حفله ايه؟
كعادته اختصر حديثه في جمله واحده باردة
لما يجي وقتها هتعرفي.
كانت تعلم بأنها لن تصل معه إلى ابعد من ذلك فابتسمت بتذمر و هي تنظر إلى فرح التي كانت من الداخل كبركان ثائر قابل للإنفجار في اي لحظه على عكس صفاء ملامحها الخارجيه إلا من بريق خاطف في عيناها كان يوحي بالكثير فتحدثت مروة بلطف زائد
مش هتعرفنا و لا ايه؟
التفت يناظرها بنظرات حائرة فلأول مرة يشعر بالتشتت و الحيرة لا يعلم بما يجيب يقف أمام سؤالها و لا يدري ماذا يقول فقبل لحظات وضع كل شئ بين يديها و سلمها زمام الأمور وقبل بقلب غير راض أن يجعلها هي من تقرر مستقبلهما معا و الآن لا يريد إقحامها عنوة في علاقه قد ترفضها مستقبلا. استغرق الأمر ثوان قبل أن يقول بلهجه جامدة
فرح.
خطيبته!
هكذا خرجت الكلمه من بين شفتيها مندفعه و قد انفجر بركان غيرتها من تلك التي كان المكر يغلف نظراتها التي كستها صدمه قويه حين سمعت كلمتها و لكن الصدمه الكبري كانت من نصيبه فإعلانها هذا يعني الكثير له و لقلبه الذي كانت دقاته تضرب جوانبه بعنف. لا يستطيع تصديق أنها أعلنت انتماءها له. هل يعقل أن تفعل بها الغيرة كل هذا؟ كان يعلم أن خلف قناع الجمود الذي ترتديه طوال الوقت انثي حقيقة مفعمه بالشغف و أن ذلك البرود الظاهري يخفي خلفه نيران متقدة تنبعث من عيناها في تلك اللحظة و التي ستظل محفورة في ذاكرته طوال حياته و قد قرر أن يجعلها ذكري لا تنسي حين امتدت يده تمسك بيدها التي كانت ترتجف من صدمتها لهول ما تفوهت به و لكن أتت كلماته لتحول صدمتها إلى زهو و إنتصار.
اهي فرح حرقت المفاجأة و قالتلك حفلة ايه.
مروة بعدم تصديق
تقصد حفلة خطوبتك؟ الكلام دا بجد؟
اغتاظت فرح من حديثها و استفهامها و كأنها لم تصدقها و قد ارتفع الأدرينالين بدمائها و أوشكت على إعطائها رد لاذع و لكن ضغطه قويه من يده اوقفتها عن الحديث و تحدث قائلا بخشونه
انتي شايفه ايه؟
تحمحمت مروة بحرج و قالت بذهول لم تستطيع اخفاءه كليا
و دا من امتى؟ يعني محدش قال حاجه. انا على تواصل دايم مع...
قاطع حديثها بصرامه انبعثت مع عيناه اولا و تجلت في نبرته حين قال
لسه محدش يعرف حاجه. بس فرح قالتلك عشان عارفه انك قريبة من العيله
مروة باندهاش
ايه دا هي فرح كمان عارفه صلتي بالعيله؟
سالم بنبرة ذات مغزي
مفيش حاجه فرح متعرفهاش.
كان هناك حديث صامت يدور بين نظراتهم و قد اغضبها هذا بشدة و قد مارست أقصى درجات ضبط النفس حتى لا تنفجر بوجهيهما و لكنها اكتفت بإيماءه من رأسها لتلك الفتاة حين هنئتها بكلمه مقتضبه.
مبروك!
لم تكلف نفسها عناء الرد بل ترفعت عن الإجابة و اعطتها إيماءة بسيطة و ابتسامة صفراء جعلت الدماء تفور في رأسها و بعد ذلك تحدث سالم قائلا بفظاظة
متهيألي في ناس بتسأل عليكي جوا. روحي شوفيهم
ابتلعت حرجها و قالت بتكلف
اه. حاضر. فرحانه اني شوفتك. عن اذنكوا
لم يتكلف عناء الرد عليها بل اكتفي بهزة بسيطة من رأسه و حين غادرت تحدثت فرح بتوتر
انا صدعت. هطلع اوضتي عشان ارتاح شويه قبل المؤتمر بكرة عن إذنك.
↚
لم تنتظر لسماع إجابته و انطلقت نحو الداخل تشق طريقها بين الجموع في محاوله من الهرب من نفسها و مما تسببت به بفعل غيرة هوجاء تملكتها كمس شيطاني أطاح بكامل تعقلها و بينما هي تمر بين الراقصين وجدت يد قويه أحكمت اعتقال خصرها وأدارتها بقوة لتجد نفسها تقف في مواجهته وجها إلى وجه و قد كان هناك نظرة تحدي كبيرة ترتسم بعيناه مصحوبه بإرتفاع إحدي حاجبيه و كأنه ملامحه تقول
إلى أيه تهربين؟
كانا يتوسطا حلبة الرقص يحيط بهما الناس من كل جانب و قد جعلها هذا تحترق خجلا فأحنت رأسها تتحاشي النظر في عيناه التي كانت تخترقها في أشد لحظاتها ضعفا و لكنه فاجئها حين وضع إصبعه أسفل ذقنها يرفع رأسها لتواجهه قائلا بخشونه
ارفعي راسك!
خرجت الكلمات من بين شفتيها مهتزة
سالم احنا مفيش حاجه بتربطنا عشان نرقص مع بعض بالشكل دا
سالم بفظاظة
و بالنسبه للي لسه قيلاه من شويه؟
فرح بتوتر.
حتى لو قولت كدا دا بردو ميديكش الحق انك ترقص معايا. الخطوبة مش رابط شرعي.
تجاهل حديثها و خفف من قبضته حول خصرها حتى أن يديه كانت تحاوطها دون تلامس و قال بجفاء
هربتي ليه؟
مهربتش!
تحدث ففظاظة و نفاذ صبر
كذابه يا فرح و بلاش تلاوعيني!
زفرت بتعب قبل أن تقول بإرهاق
انت عايز توصل لايه؟
إلى قولتيه من شويه دا؟
كانت تعلم أنه لم يمرر ما حدث لذا قاطعته تنفي عن نفسها شبهه رغبتها القوية في الاقتراب منه.
دا حديث عابر عشان يبرر وقوفنا مع بعض لوحدنا!
تحدث بلهجه محذرة
بلاش تختبري غضبي عشان حقيقي مش هيعجبك!
رفعت رأسها تنظر للأعلي و هي تشعر بنفسها محاصرة من جميع الجهات فهو قد أعطاها الفرصه كي تقرر و هي كالغبيه انساقت خلف غيرة هوجاء وضعتها في هذا المأزق و لكنها أخيرا قررت الوقوف على أرض صلبه معه لذا غمغمت بخفوت
موافقه!
ارتفع إحدي حاجبيه بإستفهام أغضبها لذا أخذت نفسا قويا قبل أن تقول بلهجه حانقه.
موافقه. على جوازنا.
ارتسم تعبير خاص على ملامحه لم تستطع تفسيره فقد اختار الصمت بينما تولت عيناه المهمه فقد كان نظراته تطالع ملامحها بترو و كأن هناك حديث خاص بينه و بين كل إنش بها. كانت نظرات خاصة مفعمه بأشياء كثيرة لم تستطيع تفسيرها و كأنه يخبرها أي شعور يمتلك نحوها!
و لكن لسوء حظه و حظها كانت تظن أنها نظرات منتصرة فقد ظن كبرياءها الجريح بأنها رهان ربحه الأسد الذي للابد و أنه يشعر بالغرور و السطوة لكونه استطاع النيل منها و لذلك رسمت قناع الجمود فوق ملامحها و هي تقول
بس أنا محتاجه شويه وقت. يعني أأقلم نفسي على وجودك في حياتي. و احاول اتقبل الفكرة نفسها.
اعاده حديثها إلى نقطة الصفر مجددا فهاهي هواجسها اللعينه تفسد أجمل لحظاته معها فلو انتظرت للحظات كان سيخبرها أي شعور مميز يشعر به نحوها لكنه تجاهل غضبه و ابتلع جمرات احرقته و قال بخشونه
قدامك لبعد ولادة جنة و بعدها هنحدد معاد الجواز
ارتسمت الصدمه على ملامحها و ما أن أوشكت على الإعتراض حتى قاطعها قائلا بفظاظه
جو الخطوبة و الكلام الفاضي دا مش بتاعي. هنتجوز على طول. و دا شئ غير قابل للنقاش.
كانت هناك عينان يرتسم بهما الصدمه و الغضب في آن واحد و قد أيقنت بأن الأمر خطر للغايه لذا توجهت للخارج و قامت بإجراء مكالمه هاتفيه و ما أن أجاب الطرف الآخر حتى قالت بتحذير
لو فعلا عايزة تلحقي إلى فاتك يبقي تيجي بأقصي سرعه. الوضع هنا غاية في الخطورة. و افتكري اني حذرتك.
في التاسعة صباحا و بعد طريق دام ساعتان يملؤهما الترقب و الأمل في إلا يعود خائبا هذه المرة أخيرا وصل إلى المنزل المنشود فترجل من سيارته و توجه إلى البنايه التي من المفترض يقطن بها بنات عمه و بعد دقائق كان يقف أمام باب الشقه و قام بطرق الباب عدة طرقات و انتظر للحظات و تابع الأمر مرة تلو الأخري إلى أن يأس من أن يفتح له أحد و قد تيقن بأنه لا يوجد احد بالداخل فزفر بغضب و لكنه تفاجئ بذلك الصوت خلفه والذي كان لإحدي الجارات التي خرجت لدي سماعها صوت طرق قوي على الباب فا ابتسمت إليه بود قبل أن تقول.
صباح الخير يا ابني.
ياسين بلطف
صباح النور.
السيدة
انت مين و بتخبط عالشقة دي ليه؟
مش دي شقه الحاج محمود عمران؟
السيدة
اه فعلا بس الحاج محمود مات من من زمان والي عايش هنا جنة و فرح بناته
ياسين بلهفه
اه طب انا كنت جايلهم. هما مش موجودين ولا ايه؟
ناظرته السيدة بشك قبل أن تقول بفظاظة
اعذرني يعني و انت جاي عايز جنة و فرح ليه دول بنات و عايشين لوحدهم و
قاطعها ياسين بحنق فقد ضاق ذرعا بأسئلتها
انا قريبهم يا حاجه.
قام بوضع هويته أمام ناظريها لتشعر السيدة بالحرج و هي تقول
أهلا بيك. اعذرني إلى ما يعرفك يجهلك. بس دول زي بناتي و انت عارف يعني!
ياسين بنفاذ صبر
لا و لا يهمك. ياريت لو تعرفي مكانهم او هيرجعوا امتا تعرفيني.
الصراحه انا معرفش هما فين بالظبط بس فرح من قيمه شهرين كدا قالتلي أنهم مسافرين تبع شغلها و متعرفش هيرجعوا امتا؟
زفر بحنق حين سمع إجابتها و لكنه تجاهل غضبه و قال بود مفتعل.
طب معلش حضرتك مش معاكي رقم حد فيهم؟
صمتت السيدة لثوان قبل أن تقول
لا الصراحه مش معايا.
لا يعلم لما شعر بأنها تكذب عليه لذا قال بحنق
متأكدة؟
السيدة بتأكيد
اه متأكدة و أنا هكدب عليك ليه؟
أومأ برأسه قبل أن يشكرها بكلمات مقتضبه و من ثم غادر و هو يلعن حظه العاثر و خاصة حين وجد هاتفه يضئ باسم والدته فزفر بحنق قبل أن يجيب فوجدها تصرخ قائله بلوعه
الحقني يا ياسين ابوك بيموت.
ما أن تأكدت السيدة من مغادرته حتى قامت بالإتصال على هاتف فرح الذي كان مغلقا فقد اغلقته أثناء حضورها المؤتمر برفقه سالم الذي بدأ هادئا بشكل غريب منذ الصباح و طوال اليوم الذي بدأ طويلا لا ينتهي فقد انتصف النهار و اخيرا استطاع التخلص من الصحافه و اضواء الكاميرات التي رافقتهم طوال اليوم و ما أن خرجوا من إحدي القاعات حتى قامت فرح بفتح هاتفها فوجدت جنة قد هاتفتها كثيرا و ايضا رقم جارتهم فقطبت فرح جبينها باندهاش و لم تلبث حتى وجدت جنة التي كانت تعاود الاتصال بها و ما أن فتحت الهاتف حتى أتاها صوت جنة المتلهف.
ايه يا فرح فينك؟ طول اليوم فونك مقفول
فرح بطمأنه
معلش يا جنة طول اليوم في شغل. طمنيني عليكي
انا كويسه الحمد لله. اطمنت عالبيبي و الدكتور قالي أنه ولد.
قالتها جنة بسعادة شاركتها إياها فرح التي قالت
يا روحي. فرحتيني اوي. ربنا يجيبه بالسلامه
يارب يا فرح. طمنيني انتي هتيجي امتا وحشتيني اوي
فرح بحنان
و انتي كمان والله. احتمال كبير بكرة أن شاء الله
جنة بإندهاش.
بكرة. ازاي؟ هو سالم بيه ميعرفش إلى حصل لحلا و لا ايه؟
فرح بإستفهام
هو ايه إلى حصل لحلا؟
قصت جنة ما حدث على مسامع فرح التي شهقت بصدمه و قالت بلهفه
طب هي عامله ايه دلوقتي؟
الحمد لله احسن. يعني مروان لما كلمته الصبح طمني و قال إنهم هيجيبوها و ييجوا و المفروض انهم مش هيقولوا حاجه قدام الحاجه أمينه عشان ميخضوهاش و لما توصل هيقولولها أنها وقعت و كسرت أيدها و رجلها
فرح بحزن.
لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم. ربنا يشفيها يارب. طب طمنيني الحاجة امينة عاملة معاكي ايه؟
والله يا فرح مش هتصدقي بتعاملني احسن معامله.
فرح باندهاش
و دا من امتا؟
لا دا موضوع طويل. لما تيجي هحكيهولك. المهم طمنيني عليكي.
أخذت الفتاتان تتبادلن أطراف الحديث و ما أن لمحته فرح قادما بهيبته و هيمنته التي تبعث شرارات قويه تجتاح سائر جسدها محدثه ذبذبات قويه بداخلها حتى أغلقت الهاتف مع جنة و ما أن وصل إليها حتى قال بخشونه
اخيرا خلصنا.
جاء صوتها قلقا على غير عادتها
سالم. في حاجه حصلت و كنت عايزة اقولك عليها
تبدل جموده إلى قلق كبير إرتسم بعيناه و تجلي بلهجته حين قال
حصل ايه؟ انتِ كويسه؟ حد ضايقك؟
اهتز قلبها بقوة داخلها حين لمست اهتمامه الكبير و لكنها لم تزيد من قلقه بل تابعت بخفوت
انا كويسه. الموضوع ميخصنيش. دي حلا.
قاطعها سالم بخشونة
مالها حلا؟
فرح بتمهل
عملت حادثه، بس اطمن هي كويسه شويه كسور بسيطة.
تجاهل حديثها و قام بجراء عدة اتصالات منها للإطمئنان عليها و منها لترتيبات عودتهم باقصي سرعه و في اقل من ساعتين كانت تستقل الطائرة بجانبه عائدين وقد كان متجهم الوجه و عيناه جاحظة يرتسم بها الجمود و قد ذكرها ذلك بيوم الحادث المشئوم فوجدت نفسها تحادثه بلهجة رقيقة مطمئنه
اطمن. أن شاء الله هتبقي كويسه.
↚
التفتت عيناه تناظرها بغموض لم تعرف كنهه و لكن جملتها جعلت ملامحه ترق قليلا و بددت قتامه عيناه و بعد لحظات من الحديث الصامت بين عينيهم اومأ برأسه و تمتم بخفوت
أن شاء الله.
أن لا تجد أحد يُحارِب من أجلك في هذه الحياة لهو شعور قاس ذو نكهه مريرة يُشبه وحشة نبات صبار حزين يخشي الجميع عِناقه.
نورهان العشري.
كانت سما تدور بغرفتها كالمجنونه ترفض كل ما يحدث حولها فرؤيتها لتلك الفتاة برفقة مروان كان أكثر ما يمكن احتماله فقد كانت تتحدث معه كما لو أنهم اصدقاء قدامي و قد قضوا اليوم بأكمله سويا بينما هو يعاملها أسوأ انواع المعاملة و لا تعلم السبب تشعر بالنبذ من جانب الجميع و كانها نبات شيطاني لا يرغب أحد بالاقتراب منه.
فلازال حديثه يرن باذنيها حين هاتفته تطمئن على حلا التي لم تعود إلى البيت حتى وقت متأخر فأجابها بفظاظة
حلا عملت حادثه و أيدها و رجليها اتكسروا و هتبات في المستشفي النهاردة. اتمني انك تكوني فرحانه بالي عملتيه.
شعرت بالألم يعتصر قلبها ندما على ما فعلته في صديقتها الغالية بغبائها و خرجت الكلمات حزينة منكسرة من بين شفتيها.
مروان ارجوك بلاش اسلوبك دا انا هموت من القلق عليها. ارجوك لو بتقولي كدا عشان توجعني انا فعلا هموت من تأنيب الضمير.
مروان بسخرية مريرة
ايه دا عندك ضمير زينا؟ و دا من امتى؟
صرخت بانهيار نابع من قلب محترق
حرام عليك بكل أسلوبك دا. بقولك هتجنن عليها. اقولك انا جايه بنفسي اطمن عليها
صرخت بها غاضبا
أياكِ. أياكِ يا سما تخرجي في وقت زي دا و الا هاجي اكسر دماغك فاهمه و لا لا.
صدمها رده و لكنها كانت تريد الإطمئنان على حلا لذا قالت بتوسل
طب حاضر. هسمع كلامك. بس طمني على حلا
مروان و قد لانت نبرته قليلا
كويسه زي ما قولتلك. كسر في أيدها و رجلها و كدمات بسيطه. الحمد لله ربنا سترها.
تنفست الصعداء حين سمعت حديثه و لكنها تابعت برجاء
طب ممكن اسمع صوتها
مروان باختصار
نايمه
لم تسنح لها الفرصة للحديث فقد تابع بسخرية.
على فكرة مرات خالك متعرفش ابقي روحي قوليلها بقي عشان يجرالها حاجه و تبقي كملت مانا عارفك بتموتي في عمل الخير قد عنيكي.
شعرت بإهانه كبيرة اخترقت أعماق فؤادها من حديثه و تجلى ذلك في نبرتها التي بحها الألم حين قالت
شكرا انك طمنتني على حلا. و اطمن مش هقول لحد حاجه. انا مش وحشه اوي كده.
شعر بأنه آلمها و لكن لم يكن بيده فقد تجرع بسببها شتي أن أنواع الألم و أقساها لذا خرج الكلام من فمه رغمًا عنه.
أما اشوف اذا كنت هقدر اثق فيكي ولا لا؟
أجابته بحنق
انا مش واثق فيا انما الست جنة إلى واقف تتساير معاها هي إلى ممكن تثق فيها مش كدا؟
لا يعلم لما شعر بالسعادة من حديثها لذا تابع مشددا على كل حرف تفوه به
جنة ياريت الناس كلها زي جنة. دي الواحد يثق فيها و هو مغمض. مانتي شوفتي حازم باع الدنيا كلها و اختارها هي. سلام.
كانت كلماته تتراشق في قلبها كالأسهم النارية التي كانت تحفر مكانها الما لا يحتمل جعل العبرات تنساب بغزارة من مقلتيها و صار صوت نحيبها يعلو كالأطفال.
و قد كانت همت تراقب ما يحدث بقلب منفطر على فلذة كبدها التي خسرت ثقتها بنفسها و خسرت ثقتها بالجميع و انطفأ بريق عينيها و بهت شبابها حتى ان مقلتيها لم يعودوا إلى لونها الطبيعي فدائما تلونهم حمرة الوجع الناتج عن بكائها طوال الليل و قد جعل كل هذا نيران الغضب و الحقد تملأ رئتيها و قد قررت أن تذيقهم بعضا مما أذاقوها إياه و قامت بالتوجه إلى المطبخ فوجدت الخادمة تعد الفطور على احدي الصواني فسألتها.
الفطار دا لمين؟
الخادمة باحترام
دا لجنة هانم. الحاجة أمينه أمرت أننا نطلعهولها أوضتها.
لمحت همت كوب العصير الموضوع أمامها على الصينيه فحولت انظارها إلى الخادمه و هي تقول بأمر
طب روحي اسألي الست امينة اذا كان حد هينزل عالفطار و لا البيت هيتحول لفندق و كل واحد هيفطر في اوضته.
شعرت الفتاة بالحرج و لكنها اطاعتها و هرولت إلى الاعلي بينما هي اخذت تنظر حولها تري أن كان هناك أحد يراها ام لا و حين تأكدت من أن لا أحد بالجوار قامت بإخراج شريط من الحبوب من إحدي جيوب ثوبها و أفرغت أكثر من نصفه في كوب العصير و قامت بتقليبه جيدا و وضعت باق الشريط بمكانه و لكنها فجأة تسمرت بمكانها حين سمعت ذلك الصوت الصغير يأتي من خلفها
ايه يا نانا انتي بتحطي ايه في العصير؟
تجمدت همت بمكانها و سرعان ما تنفست الصعداء و قامت بالالتفات تنظر إلى ريتال بحنق أتقنت اخفاءه و أشارت لها بالإقتراب فاطاعتها الطفله و اقتربت منها فحاوطتها همت بحنان تجلي في نبرتها حين قالت
هقولك على سر خطير. بس توعديني انك متقوليش لحد
تحمست الصغيرة و هزت رأسها بقوة فقالت همت بتخابث.
مش طنط جنة كانت عند الدكتور و الدكتور قالها أنها ضعيفه و مبتاكولش و أداها فيتامينات و ادويه عشان النونو الصغير. و عشان هي متعبة و مبتسمعش الكلام و مبيعجبهاش طعم الدوا فاحنا اتفقنا نحطهولها في العصير من غير ما تعرف عشان تخف وتبقي كويسه هي و النونو. بس اوعي تجيبي سيرة لحد احسن تبطل تشرب العصير هو كمان لو عرفت
انبهرت الفتاة بحديثها و قالت بحماس.
حاضر مش هقول حاجه خالص بس هو ينفع أن كلنا بدل ما نشرب الدوا إلى طعمه وحش دا نحطه في العصير.
اه طبعا ينفع.
هكذا أجابتها همت قبل أن تؤكد عليها مرة آخري بضرورة عدم اخبارها أحد فوعدتها الفتاة و هرولت للأعلي و خرجت همت من المطبخ مسرعه تتلفت حولها حتى لا يراها احد و استقرت في غرفة الجلوس لتأتي الخادمه و تحمل الصينيه الكبيرة و تتوجه إلى غرفة جنة و تقوم بطرق الباب فأذنت لها بالدخول و كانت تقوم بتنشيف خصلات شعرها بعد أن أخذت حمام منعش للتو و استأذنت الخادمه للخروج و هي في طريقها للمطبخ أوقفها نداء الفتاة الصغيرة فاقتربت منها الخادمة تقول بلطف.
أهلا يا أمورة.
ريتال بأدب
أهلا بحضرتك. ينفع اطلب منك طلب؟
طبعا. اتفضلي
قامت ريتال بإخراج علبه كبيرة تحتوي على اقراص فيتامينات قد وصفها لها الطبيب حتى تعزز من ذاكرتها و تقوي مناعتها و لكنها كانت تكره تناول العقاقير كثيرًا لذا أعطتها للخادمة و هي تقول ببراءة
ممكن تحطيلي الفيتامينات دي في العصير عشان أنا بكره طعمهم اوي و الدكتور قال عشان اكبر و ابقي شطورة لازم اخدهم
الخادمة بلطف.
للاسف يا ريتا الفيتامينات دي لازم تاخديها و تشربي بعدها ميه مينفعش تتدوب في العصير.
ريتال بعناد
لا ينفع. جربي بس
يا حبيبتي مينفعش انا عارفه بقولك ايه.
ريتال بحزن
لا ينفع و نانا همت هي إلى قالتلي كدا لما شفتها بتحط الفيتامينات لجنة في العصير عشان هي زيي مابتحبش طعمهم.
الخادمه بإندهاش
عصير ايه و فيتامينات ايه؟
العصير إلى انتي لسه مطلعيهولها فوق دلوقتي.
هنا صدح صوت قوي من خلفهم
جننننة...
كانت على وشك الارتشاف من عصير الفراوله المفضل لديها و ما أن أوشكت على وضعه فوق شفتيها حتى سمعت أسمها يتردد في الإرجاء فإلتفتت لتجد سليم الذي اقتحم باب غرفتها بلمح البرق و قام بالاقتراب و الإطاحه بكوب العصير الذي كانت تمسكه مما جعلها تتراجع بقوة للخلف حتى كادت أن تقع و لكن أتت يداه و امسكتها بقوة تمنعها من السقوط.
لحظات ذعر هو يناظرها برعب حقيقي إرتسم بعيناه و تجلي في نبرته حين قال.
شربتي من العصير دا؟
حاولت الحديث و لكن اختفي صوتها فلم تستطع إجابته فقط هزت رأسها نافيه فخرجت منه زفرة ارتياح و لأول مرة تري عيناه تناظرها بتلك اللهفه و هذا القلق و يداه التي تمسك برسغها بقوة آلمتها و لكنها للحظه لم تجروء على الحديث فقد كانت دقات قلبها تتقاذف بعنف جراء ما حدث و جاءت كلماته التاليه لتزيد من صدمتها حين قال
اياك تشربي أو تاكلي حاجه من ايد الخدم تاني.
أخيرًا إستطاعت إخراج صوتها الذي كان مهتزا بفعل الخوف و الصدمه و الألم أيضاً
هو في ايه؟
لا يعلم بماذا يجيبها و لا كيف يبرر لها فعلته تلك و لكنه حين سمع حديث الصغيرة عن تلك الحبوب المزعومه و التي من المؤكد أنها ستؤذيها هي و الصغير لم يستطيع التحكم في نفسه و هرول باقصي سرعته حتى يمنع حدوث أي شئ سئ لها. و لهذا لم يفسر شي بل قال بخشونة
اسمعي إلى قولتلك عليه من غير اسئله كتير.
تركها بغته و ألتفت يغادر دون أن يتفوه بحرف واحد و قد كانت شياطين الجميع تلاحقه و حين وقعت عيناه على تلك التي كانت ترتجف من رؤيته بهذا الشكل و خاصة و أن عيناه كانت مسلطه عليها من بعيد كنسر جارح يوشك بالإنقضاض على فريسته مما جعلها تتراجع إلى غرفة الجلوس تحاول التظاهر بأن شيئا لم يحدث و لكن جاء صوت الباب الذي اغلقه سليم بقوة أصدرت صرير قوي جعلها تنتفض في جلستها و التفتت لتصطدم بعينان بلون الجحيم الأحمر القاني الذي جعلها ترتجف في مكانها مع كل خطوة كان يقترب منها و صوت أنفاسه الهادرة يقطع السكون حولهم فأخذت تتراجع للخلف و دقاتها الهادرة في سباق عنيف آلمها و لكن جاء صوته العاصف ليجعلها تشهق بعنف.
ازاي جتلك الجرأة ترتكبي جريمة بشعة زي دي؟
شهقه قويه خرجت من جوفها جراء صراخه الذي جعل جسدها يقشعر و خاصة حين تابع بقسوة
واحده زيك و في سنك قادرة تتحمل ذنب عظيم زي دا
حاولت تجاوز هلعها منه و نفس تلك التهمه البشعه عنها إذ قالت بتلعثم
ذ. ذنب ايه. ان. انت تقصد اي بكلامك دا؟
صرخ هادرا بها.
انتي عارفه. ايه هتستعبطيني. انا مش قادر اتخيل انك ممكن تعملي كدا. احنا يا عمتي عايزة تخلصي علينا احنا. مش كفايه إلى حصل لحازم. متوجعتيش على قهرتنا و حرقة قلب امي عليه. دا احنا كنا بنعتبرك زيك زي أمنا. انتي إلى تدبحينا بالشكل دا.
↚
أنت لا تعلم عدد الحروب التي أخوضها في الليلة الواحدة حتى أبدو لك صباحًا ذلك الشخص المنتصر الذي يظهر و كأن لا شئ قادر على هزيمته. ف خلف تِلك الإبتسامة ندوب كبيرة داويتها وحدي و خيبات عظيمة تجرعتها وحدي و مرارة لاذعة تمتد من الحلق إلى القلب و لكن لا بأس ف أنا دائمًا بخير!
نورهان العشري.
كان يراودها شعور غريب وهي تناظر ذلك الرجل بأنها قد رأته مسبقا و لكن لا تعلم الزمان و لا المكان لهذا اللقاء.
شعور بالحرج تملك منها حين مد يده ليصافحها فتحمحمت و ارتسمت ابتسامه بسيطه على محياها و صافحته بالمقابل فتحدث بأدب
اقدر اعرف حضرتك مين؟
فرح.
لم تستطع اكمال حديثها فقد انفتح الباب على مصرعيه و أطل منه سالم الذي تفرقت نظراته بينهم وجدها تصافحه فاكفهرت ملامحه وقال بخشونة
بتعملي ايه هنا؟
فرح بهدوء.
أبدا كنت بعمل تليفون و كنت لسه.
لم يتثني لها إكمال حديثها فوجدته يتجاهل ما تقوله و التفت إلى ياسين يناظره باستفهام و ملامح يكللها عدم الرضا فتحدث ياسين معرفا نفسه
ياسين عمران. معيد في جامعه قناة السويس و حلا طالبه عندي.
تردد الاسم على أذانها و لكنها استنكرت الأمر بقوة فعائله والدها من الصعيد تحديدا المنيا و من المؤكد أن هذا تشابه أسماء.
قطع حديثها صوت سالم الخشن حين قال
أنت إلى جبت حلا عالمستشفي؟
أومأ برأسه دون حديث فتابع سالم باقتضاب
أشكرك عالي عملته مع اختي.
ياسين بتحفظ
حلا طالبه عندي و أنا معملتش غير الواجب.
اومأ سالم دون حديث فتابع ياسين
حمد لله على سلامتها.
ثم التفت إلى فرح قائلا بذوق
فرصة سعيدة يا آنسة فرح. عن اذنكوا.
قال جملته الأخيرة و كأنه ألقي بقنبلة انفجرت فور أن غادر حين وجدت ذلك الذي كانت ملامحه تقطر غضبا و عيناه ترسل شرارات حارقة جعلتها رغمًا عنها تتراجع خطوة للخلف فجمدها صوته القاسي حين قال
تعرفيه منين؟
جفلت فرح من لهجته و قالت بذهول
هو مين اللي اعرفه؟
دكتور ياسين
لا معرفوش. و هعرفه منين؟
ازدادت قتامه عيناه و قال بلهجه حادة
اومال كنتي واقفه بتتكلمي معاه ليه؟ و ليه خرجتي من الأوضه من غير ما تقوليلي؟
لهجته جعلت الغضب يتصاعد بداخلها مما جعلها تقول بسخرية
هو انا في استجواب و أنا معرفش!
تحمحم بخفوت و أطلق زفرة قويه قبل أن يقول بنبرة أقل حدة
هو فين الاستجواب دا؟ مجرد سؤال؟
مجرد اجابه. سيبتكوا براحتكوا و خرجت اعمل تليفون و أما رجعت لقيته هو كمان جاي عشان يطمن على حلا
هكا أجابته ببساطة فتابع استجوابه و لكن بنبرة أقل حدة
و عرف اسمك منين؟
فرح بتهكم
عرف اسمي قبل ما تخرج بثواني. في اسئله تانيه؟
قالتها بغضب تجاهله هو و قال بإختصار
لا
لم تزد في الحديث بل توجهت إلى الداخل لتجد حلا مستلقيه على سريرها فتقدمت عدة خطوات حتى صارت بجانبها فتحدثت فرح بلطف
حمد لله على سلامتك.
اجابتها حلا بتحفظ
الله يسلمك
شعرت فرح بالحرج فهي تعلم شعورها تجاهها و شقيقتها و لكنها تحدثت من باب الذوق قائله
حاسه بأيه دلوقتي. لسه في ألم؟
حلا بتحفظ
شويه. هو مين إلى كان بره؟
هكذا سألتها حلا بخفوت فهي شعرت بأنها سمعت صوته في الخارج.
دا دكتور ياسين. كان جاي يطمن عليكي و مشي.
ارتسمت الخيبه على ملامحها و لكنها حاولت التظاهر بالعكس حين أومأت برأسها و تمتمت بخفوت
تمام.
شعرت فرح بوجود خطب ما و لكنها لم تعلق بل اكتفت بالصمت الذي قطعه صوته الحازم حين قال
انا اتكلمت مع الدكتور و هو قال مفيش مشكله تروحي معانا.
ازدادت خيبة أملها حين سمعت حديث أخاها فإن كانت ستغادر معهم فهي لن تستطيع رؤيته أبدا و خاصة في وضعها هذا مجبرة الساق و اليد فلن تقدر على الذهاب لجامعتها و ستظل مدة لا بأس بها في المنزل و طوال هذه الفترة ستكون رؤيته دربًا من دروب المستحيل.
كتمت حزنها بداخلها و أومأت برأسها دون حديث و لم يفت هذا فرح التي أيقنت بأن هناك خطب ما و لكنها لم تعلق بل ظلت بمكانها و لم تكلف نفسها عناء الإلتفات إليه حين قال.
فرح هتساعدك عشان تجهزي و أنا هعمل كام تليفون و ارجعلكوا
كان ينتظر منها الإلتفات أو التفوه بأي شئ و لكنها حاربته بأكثر شئ يبغضه في هذا العالم و هو الصمت المطبق.
لطالما كان الجميع ينعته بالهدوء و البرود و لم يكن يكترث و لكن الآن تذوق مما كان يذيقه للآخرين فقد رأي يام عينيه كم أن هاتان الصفتان أبغض ما يكون.
ما أسخف أن تكون في أمس الحاجة لحديث أحدهم فيعطيك صمت هادئ مثير للأعصاب فلا انت تستطيع الغضب عليه أو تحمله.
كان يمسد ظهر الفرس بحنان كبير يتأمل ملامحها الجميلة و بياضها الناصع الذي يتنافي تماما مع سواد عيونها الرائعة تشبه كثيرا تلك التي ابتلي بعشقها و كأن جميع ابتلاءات حياته لم تكن تكفيه لتأتي آخر فتاة على وجه الأرض كان يريدها و يتوجها قلبه ملكه على عرشه!
اي حظ عاثر يمتلك ليقع في تلك المعضلة التي لا يوجد لها أي حلول سوي ان يدعس على قلبه بقوة و ينتزع عشقها الخبيث من داخله ليستطيع التنفس براحه. و لكن السؤال هنا هل سيستطيع فعلها؟
هل يستطيع أن يخرجها من عقله بعدما أصبح لا يفكر الا بها!
حتى و إن زالت إحدي خطاياها و تبرأت منها و لكن تبقي خطيئتها الكبرى حين ألقت بنفسها بين أحضان العشق الحرام تحت مسمى الزواج العرفي فلن يستطيع عقله الشرقي تقبل ذلك الأمر حتى لو كان يهيم بها عشقا.
يعلم بأنها كانت ضحية و لكن هي من وضعت نفسها تحت طائله الاتهامات حين ارتكبت هذا الجرم العظيم بحق نفسها هي من جنت عليها أولًا هي من تسببت بكل هذا العذاب للجميع و لكن هناك شعور بداخله بأن كل تلك البراءة لا يمكن أن ترتكب هذا الجرم الكبير و حين تقع عيناه على بطنها التي بدأت بالظهور يشعر بيد قويه تقبض صدره وتضعه أمام حقيقة يرفضها قلبه المتاع بشدة لكثرة ما بها من عذاب و ألم و غضب.
يقضي ليله المظلم يحاول طردها من أحلامه يجاهد عقله الغبي الذي يفكر بها حتى في نومه و يجسدها له حقيقة ملموسة في حلمه فيستيقظ مفزوعا على كابوس واقعه الأليم معها.
لم يعد يعرف اي الطرق يسلك لنسيانها فلأول مرة بحياته يختبر شعور قلة الحيلة والعجز فلم يستطيع سوى أغماض عينيه بقوة و داخله يردد بتوسل.
يا الله ارجوك أخرجها من قلبي و عقلي و حياتي. أريد الشفاء منها فهي لم و لن تكون لي أبدًا. لا أريد تلك الفتاة لا أريد رؤيتها أبدًا بعد اليوم.
العصير دا كان في ايه؟
للحظة شعر بتوقف الدماء بأوردته حين سمع ذلك الصوت المبحوح الجريح و الذي يبدو غاضبًا أيضًا!
كيف؟ و لما يحدث هذا معه؟ هل يعانده قدره و يرسلها إليه في نفس اللحظه التي يتوسل إلى الله أن يبعدها عنه؟ هل تلك الفتاة قدره الذي لا يمكن الفرار منه!
أعادت سؤالها مرة أخرى بصورة اقوي فهي لن تستطيع التراجع بعد أن قضت وقتًا كبيرًا في التفكير و الذي انتهي بأن من حقها أن تعلم ما يدور حولها و ما يُحاك ضدها و هي لن تتراجع أبدًا
رد عليا. العصير دا كان في ايه؟
لفظ الهواء من رئتيه في زفرة قويه اتبعها صوته القاسي حين قال
ملكيش فيه. إلى اقولك عليه عليه يتنفذ و خلاص.
صرخت بصوت كان نشيجًا
مش هنفذ أوامر حد. و من حقي اعرف إيه بيحصل حواليا.
تابع تمسيد ظهر الفرس بهدوء يتنافى مع قساوة عيناه المكفهرة غضبًا و تحدث بنبرة قاتمة
ملكيش حقوق هنا.
بتحدِ غير مدروس اقتربت منه و قامت بلكمه في ذراعيه بقوة نابعه من غضب اهوج كان يؤلمها كثيرًا لتتفاجئ بقبضته التي أحكمت امساك كفها الرقيق بين أصابعه القويه و قد تحول غضبها لخوف كبير حين اصطدمت بعيناه التي لونت بلون الدماء المحتقنة غضبًا. لمسته كانت كصاعقة برق أصابت سائر جسدها و ارتفع دبيب قلبي و لكنها تجاهلت ذلك كله و قالت بلهجه تقطر ألمًا
انا كنت هموت النهاردة أنا و ابني صح؟
استقرت كلماتها في منتصف صدره الذي استنكر حديثها بشدة حين قال بلهجة قوية يشوبها القسوة والصرامه
مفيش الكلام دا. طول مانا موجود محدش يقدر يمسك بأي سوء لا انتِ ولا هو.
تألمت عظامها من قبضته الغير رحيمة بالمرة و لكن ألم قلبها كان أكبر بكثير فرددت بغير احتراز
انت! انت اكتر حد مخوفني اصلا. انت تقريبا لو جتلك الفرصة تخلص مني دلوقتي قبل بكرة هتعمل كدا و مش هتتردد ثانيه.
اختارت بعناية كلماتها لتتراشق كأسهم نارية اخترقت صدره محدثة آلام عظيمة لم يستطع احتمالها فاكفهرت تعابيره بشكل مريب و لكنه جاهد حتى تخرج نبرته ثابته حين أجابها
مفيش الكلام دا.
صرخت معانده.
لا فيه. من اول يوم شوفتني فيه في المستشفي و انت بتهددني أن نهايتي هتبقي على ايدك. و فضلت تتهمني اتهامات فظيعة معرفش عنها أي حاجه و اول يوم جيت فيه هنا كنت هخسر ابني بسببك. مفيش مرة واحدة شفتني فيها من غير ما تسممني و تسمعني كلام يوجع القلب و يكرهني في نفسي. نفسي اعرف انا عملت فيك ايه؟
لوهلة شعر بأنه يريد اخفاءها بقوة بين ضلوعه حتى يجعلها ترى وتشعر ماذا فعلت به. يريد هزها بقوة تعنيفًا و عقابًا على ما تفعله به هاتان العينان التي تشبه بحرًا أسود عميق غرق به ولم يعد يعرف للنجاة منه طريق. هل يخبرها بأنه واقع بين شقي الرحي ما بين عقل نعتها سابقًا ب الساقطة وقلب أصبحت الآن تملك كل ذرة من كيانه و هو واقف بالمنتصف يحترق بين صراعهما الذي سيجهز عليه ذات يوم.
كان الأمر كمن يهرب من الموت الى الجحيم و لكنه استطاع تجاوزه بشق الأنفس حين تحدث بوجه غائم و نبرة قاتمة
معنديش وقت اتكلم في التفاهات دي. كل المطلوب منك تحافظي على نفسك و على إلى في بطنك. و من هنا و رايح أكلك و شربك هيكون من ايد دادا نعمه و بس.
للحظه شعرت بنوبة جنون على وشك أن تنفجر بداخلها فهي ترغب الآن و بشدة في تمزيق وجهه و لكنها جاهدت ذلك الشعور بقوة لم تكن تعلم بأنها تمتلكها و نزعت يدها بقوة من بين يديه القابضه بعنف على كفها زافرة بقوة الهواء الملوث بعطره قبل أن تقول بنبرة متوعدة
لا اسمعني انت بقي. عشان إلى هقوله هو اللي هيحصل.
رمقها بنظرات كانت تحتوي على استخفاف مبطن تجلي في نبرته حين قال
معنديش وقت اسمعلك.
هتفت صائحه بصوت حاولت أن يبدو غليظًا
انا مبقتش خايفه منك ولا مستنية منك حاجة و لو في يوم لقتني بموت اوعي تفكر تنقذني. عشان صدقني عندي الموت اهون من انك تكون السبب اني اعيش. و أنا هعرف احمي نفسي وابني من أي حد. و اللي حصل النهاردة أنا هعرف حقيقته كويس اوي بس مش منك. من الحاجه أمينة إلى هحكيلها على كل حاجه. و هي هتعرف بطريقتها.
نجحت في إثارة جميع حواسه بتحديها السافر هذا و ملامحها التي كساها الغضب و القوة التي جعلته يتأملها لهنيهه قبل أن يقول بهسيس خافت
انتِ بتهدديني و لا انا سمعت غلط؟
لم ترفع نبرتها عن الحد المسموح به و لكن كانت تعابيرها كسماء حالكة السواد و قالت بقلب يفيض كمدًا.
سميها زي ما تسميها بس من هنا و رايح اي حد هيفكر يأذيني مش هسكتله. حتى لو كان مين. و في يوم من الأيام كل الناس إلى أذتني و أولهم انت هيندموا ندم عمرهم.
تلاشي قناع قوتها حين وجدته يتقدم منها و على ملامحه يرتسم تعبير خطر كما أن عيناه كانت تناظرها بطريقة لم تعهدها مسبقًا فشعرت بخفقة وجلة تضرب بعمق فؤادها و تجمدت الدماء بأوردتها حين قال
و أنا موافق. مش عايزك تسكتي من هنا ورايح. هاتِ آخرك يا جنة!
↚
لأول مرة يناديها بأسمها و يطالعها بتلك الطريقة تكاد تجزم أن قلبها توقف عن الخفقان للحظة. لا تعلم أ لوقع اسمها من بين شفتيه أم أن هيبته المطعمة بقوة بدائيه هي من جعلت الدماء تفور في أوردتها! و لكنها سرعان ما نفضت تلك الأفكار عن رأسها و حاولت المناص منه قائله
ماليش آخر يا سليم يا وزان. و خليك فاكر كده كويس.
فاجأته جرأتها و شخصيتها المتمردة التي ظهرت على السطح مؤخرًا و استأثرت كل حواسه في تلك اللحظة فنسي صراعاته الداخلية و انخرط معها في تحد راق له كثيرًا فتمتم بهسيس متوعد
سليم الوزان مرة واحدة!؟ دانتِ لسانك فالت بقي!
جنة بسخريه
تخيل! متقوليش انك كنت مخدوع فيا؟
كانت ملامحها الساخرة جذابة بطريقه قاتله و خاصة حركة رأسها التي كانت تحركه يمينًا و يسارًا و تتبعه خصلاتها المتمردة كصاحبتها فوجد ضحكة خفيفة تظهر على ملامحه رغمًا عنه اتبعها قائلًا بتهكم
حظك اني ماليش في لعب العيال الصغيرة دا و إلا كنت وريتك طويلة لسانك دي هتوديكي لحد فين. فأحسنلك متخلنيش اغير رأيي عشان هتزعلي.
لا تعلم لما كانت تتملكها رغبة قوية في تحديه فأجابته باندفاع.
لا متخافش مش هقدر تزعلني لو عملت ايه؟
لم يتسنى له الرد حين وجد ريتال تهرول تجاههم وهي تقول لاهثة
جنة. انتي هنا. بقالى كتير بدور عليكي
امتدت يد جنة تحاوط وجهها وهي تقول بحنان
اهدي و خدي نفسك الأول. انتي جايه جري المسافة دي كلها؟
ريتال بحماس
ايوا. اصل انتي متعرفيش انا عايزاكي في حاجه مهمه اوي اوي
جنة باستفهام
حاجه ايه دي؟
أدارت ريتال رأسها تنظر إلى سليم الذي كان يتابع حديثهم و حنانها مع ريتال التي اقتربت من أذن جنة تقول بخفوت
أصل نانا أمينة قالتلي أن عمو مروان نازل البلد وهياخدنا معاه عشان تجيبي حاجات للبيبي
رفعت جنة إحدى حاجبيها بإندهاش و قالت باستفهام
الكلام دا بجد؟
ريتال بلهفه
اه والله. حتى اسأليها
جنة باستفهام
طب هو فين دلوقتي؟
لم يتسنى لريتال الرد حتى تفاجئوا بسليم الذي قال بخشونة
هو مين دا؟
أرادت استفزازه فنصبت عودها و قالت بسماجه
موضوع ميخصكش.
سليم بصدمه
نعم!
تدخلت ريتال قائله ببراءة
معلش يا عمو سليم أصل دا موضوع سر بيني انا و جنة ووو
لم تستطيع إكمال حديثها فوجدته كف جنة التي وضعته على فمها وهي تقول باستفزاز
زي ما قالت ريتال كدا موضوع سر. عن اذنك.
نجحت وبجدارة في جذب اهتمامه و إثارة فضوله الذي جعله يتبعهم إلى أن وجدها تقف وجها لوجه مع مروان الذي كان يحادثها بطبيعته المرحه المعتادة ولكن ما أثار حنقه و جعل أوردته تغلي غضبا هو مزاجها معه و حديثها الغير متكلف فمن يراهم يظن بأنها تعرفه منذ زمن بعيد.
لفظ بقوة الهواء المكبوت داخل صدره محاولا تهدئه غضبه الذي سيجعله يقدم على أشياء قطعا سيندم عليها و لكن حديثها الصاخب مع مروان لم يكن يساعده على ذلك أبدا
والله يا مروان أنت جدع فعلا. الواحد فعلا كان محتاج حد زيك في حياته
قالتها جنة بصدق فابتسم مروان بحرج و قال مازحا
أيوا و عشان كدا عمالين تمرمطوا فيا يمين و شمال انتي والست هانم
كان يشير إلى ريتال التي ابتسمت ببراءة قائله.
مانتا بتقعد تتكلم كتير جمبي و بصدع و مبقولش حاجه كدا احنا خالصين.
مروان بصدمه
قصدك ان انا رغاي يا بت انتي؟
ريتال بعفويه
ايه دا هو أنت مش عارف؟ دي نانا دولت و جدو كانوا بيحطوا أيدهم على ودانهم عشان ميسمعوش كلامك و انت تقولهم هتكلم بردو.
برقت عينا جنة من الصدمة التي تحولت لقهقهات جراء حديث ريتال الذي جعل كروان يقول غاضبا.
بقي كده بتسيحيلي يا ريتال الكلب؟
تحدثت جنة من بين ضحكاتها قائله.
الكلام دا بجد؟ كانوا بيحطوا أيدهم على ودانهم عشان مش يسمعوك و كنت بتتكلم بردو.
مروان كاذبا
محصلش!
شهقت ريتال وقالت مستنكرة
اي يا عمو انت بتكذب هو انت متعرفش اللي بيكذب بيروح فين؟
مروان ساخرا
هروح فين ياختي هو في مكان انيل من العيشة معاكوا.
قاطع حديثهم صوت أمينة الآتي من الداخل فالتفتت الأنظار إليها وقد كانت تستند على يد نعمه خادمتها متوجهه إليهم و هي تقول بقلق
محدش فيكوا شاف حلا وهي رايحه الجامعه الصبح؟
نظر الجميع إلى بعضهم البعض و توترت الأجواء بلحظه إلى أن آتي صوته من الخلف قائلا بخشونة
أنا يا حاجه شوفتها و وصلتها الجامعه
تنفست بإرتياح وهي تقول بلهفة
صحيح يا سليم. يعني اتصالحتوا؟
اقترب سليم منها و تناول كفها الآخر واضعا قبله فوقه فقد كان داخله يشفق عليها حين تعلم ما حدث و أراد التخفيف عنها حين قال بحنان
متقلقيش. كل حاجة اتحلت خلاص.
اتسعت ابتسامتها و قالت بسعادة.
ربنا يهديكوا لبعض يا حبايبي. و يطمني عليكي يا جنة انتي و الغالي ابن الغالي.
قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر إلى جنة بنظرات حانية لامست قلبها و لكن كانت هناك نظرات ثاقبة يشوبها غضب كبير لم يخفي عليها ولكنها تجاهلته و ابتسمت لامينة قائله بخفوت
أن شاء الله يا حاجه.
تحدثت أمينة موجهه انظارها الى مروان
جهز نفسك بقى يا مروان هتاخد جنة و ريتال تشتروا شويه حاجات للبيبي و جنة تشوف لو ناقصها حاجه تجيبها.
اشتعل رأسه غضبا حين سمع حديث والدته و خرجت الكلمات من فمه مندفعة غاضبة
مروان مش فاضي. وراه شغل.
تسلطت الأنظار بصدمه فوقه حين قال جملته القاطعه تلك و قد بدا غضبه واضحا في عينيه التي جعلها الغضب حمراء قاتمة فكان أول من تحدث هو مروان الذي قال بتخابث
شغل ايه يا سليم إلى ورايا؟ انا مش ورايا حاجه.
كان كمن عبث مع الأسد و هو في أقصى درجات حنقه و 4د بدأ ذلك على ملامحه المكفهرة و شفتيه التي أسندت كخيط رفيع فقد كان يمنع نفسه بشدة من لكمه بقوة في وجهه و محو تلك البراءة المفتعلة التي يرسمها على ملامحه و لكن بقوة استطاع السيطرة على ما يعتريه و قال بقسوة
لا مانتا مش هتفضل عواطلي كدا كتير. يالا قدامي عالمكتب عشان اعرفك ايه إلى وراك؟
تبدلت ملامح مروان فجأة حين سمع حديث سليم و قال بمراوغه.
لا مكتب ايه. أنت تقول هنا وانا هنفذ على طول. شاور بس هتلاقيني فوريرة
سليم يتهكم
لا يا شيخ.
اه وربنا. طب جرب كدا؟ دانا مُره حبيبك.
سليم آمرا
طب اسبقني عالمكتب
اطاعه مروان و هرول للداخل بينما تدخلت أمينة في الحديث قائله بحزن مصطنع
يا خسارة. طب و مين هياخد البنات يخرجهم دانا وعدتهم
تحدثت جنة بهدوء.
مفيش مشكله يا حاجه. انا قلتلك امبارح اني مش ناقصني حاجه. و ان كان على حاجات البيبي في أي وقت ابقي انزل اجيبها انا لسه في الخامس لسه قدامي وقت
أمينة برجاء
لا طبعا مينفعش. انتي وعدتيني مش هتزعليني و هتسمعي كلامي.
التفتت إلى سليم وهي ترسم التوسل الزائف على ملامحها
طب يا سليم بما أن مروان مش فاضي ممكن نشوف السواق و تجيب انت حلا من الجامعه؟
ازداد غضبه للحد الذي جعله ينتفض قائلا باستنكار.
سواق ايه يا ماما إلى هنبعتها معاه لوحدها! قوليلي هي عايزة تروح فين و أنا أوديها!
اشتعل المكر بعينان أمينه بينما غلفت الصدمه ملامحها و لكن تدخلت ريتال التي قالت بلهفه
لا يا أبيه مانا هكون معاها
شعر بالحرج و ود لو يصفع نفسه على هفوته تلك ولكنه حاول تدارك الموقف قدر الإمكان حين قال
مينفعش يا ريتال بردو انتوا الاتنين بنات و دا غلط.
تحدثت أمينة قائلة بتخابث.
خلاص يبقي مقدمناش غير انك توديهم. رغم اني مكنتش عايزه اتعبك. و أنا عارفه انك شايل الشغل كله في غياب سالم.
سليم بخشونة
مفيش تعب ولا حاجه. قوليلهم يجهزوا وأنا في المكتب هعمل كام تليفون
انهي كلماته و توجه للداخل بينما غلت دماءها من شدة الغضب و لكنها حاولت الثبات قدر الإمكان حسن قالت
حاجه أمينة لو سمحتي عايزة اتكلم معاكِ.
كانت تلعب مع الفتيات في غرفة ابنة خالتها التي تسكن في فيلا كبيرة مع والديها و قد كانت الفتيات يقفزن و يمرحن بكل مكان حتى عمت الفوضى أرجاء الغرفة و قد كانت هي من بينهم إلى أن أشارت احداهن أن يختبئن و واحدة تبحث عن الجميع و كجميع الفتيات حاولت أن تختبئ في إحدي الغرف و لم تكن تدري شئ عن عينان خبيثة جائعه تنظر إلى جسدها الضعيف بشهوة مقززة تتبعتها إلى أن مكان اختباءها و الذي كان في غرفة الغسيل فتوجه إلى هناك وقام بفتح باب الغرفة و إغلاقه من الداخل فتفاجئت الصغيرة بذلك الضخم يقف أمامها مما بعث الرعب في قلبها فهي كانت تخاف منه كثيرا و ذلك لأفعاله التي لم تدرك سنوات عمرها التسع كم هي دنيئه.
عمو انت بتعمل إيه هنا؟ هو انت بتلعب معانا؟
تحدث بدناءة
لا انا بلعب معاكِ أنتِ
كانت نظراته مرعبة مما جعلها تقول بذعر
بس أنا عايزة أخرج مش عايزة ألعب معاك.
تحرك بخط بطيئه و عيناه تلتهمان جسدها الصغير بطريقة مثيرة للإشمئزاز زادت من رعب الصغيرة و خاصة حين قال
احنا هنلعب لعبة صغيرة أنا و أنتِ ولو سمعتي كلامي أوعدك هتنبسطي عالآخر. بس لو قلتي ادبك و لا سمعت صوتك هقطعلك لسانك فاهمه؟
↚
احتدت نبرته حين قال جملته الأخيرة مما جعل العبرات تقطر من عيناها بقوة و هي تقول بصوت مرتعب
والنبي يا عمو سيبني أخرج مش عايزة ألعب معاك.
لم يشفق على براءتها و لا على صغر سنها و اقترب منها محاولا النيل منها فوضع يدا فوق فمها تمنع صدور أي صوت منها و بالآخري حاول تجريدها من ملابسها ولكنها كانت تقاومه بقوة و تغرز أصابعها الصغيرة بوجهه حتى تسببت في عدة جروح في رقبته ووجهه مما زاد من حنقه فرفع يده و نزل بقوة فوق وجهها يصفعها بقوة آلمت وجنتها الصغيرة و نعتها بألفاظ نابيه لصغر سنها لم تكن حتى تعلم معناها و لكن جسدها الصغير أخذ يرتعش بقوة و هي تقول.
ابعد عني والنبي يا عمو سيبني.
و فجأة وجدت صوت يأتي من خلفه وهو يقول بحقاره
هو انتي فاكراني ماشي معاكِ ليه؟ عشان احب واتجوز لا فوقي انا مش بتاع حب وجواز. انا بتاع دلع و بس.
التفتت تناظره بصدمه و أخذت تهز برأسها يمينا و يسارا لتتفاجئ بعدي الذي أن يناظرها باحتقار و هو يقول لها
انا ليا حق فيكي و جه الوقت إلى اخد تمن كل إلى عملته عشانك.
كان الثلاثة يقتربوا منها كالذئاب الجائعة التي تنوي الفتك بها مما جعلها تصرخ قائله بحرقة
ابعدوا عني سيبوني. محدش يقرب لي لا. لاااااااااااا
استيقظت من كابوسها المرعب بجسد متعرق يرتجف بقوة ووجه مرتعب تبلله عبرات غزيرة و أنفاس لاهثة من شدة ذعرها و فجأة انفتح باب الغرفة وأطلت منه والدتها التي هرولت إليها تحتضنها و خلفها مؤمن إلى هاتفته والدتها و قصت عليه ما حدث فأتي في الحال
منال بذعر.
ساندي اهدي يا حبيبتي. أنا جنبك و معاكِ
خليهم يبعدوا عني. ابعديهم عني والنبي يا ماما. متخليهمش يقربوا مني.
ارتعبت منال قائلة
هما مين دول يا حبيبتي مفيش حد غيري انا و مؤمن إلى في الأوضه. دا اكيد كابوس!
هدأت للحظات و هي تنظر حولها ثم استقرت نظراتها على والدتها و مازالت كلمتها الأخيرة ترن بأذنيها فقالت بمرارة
كابوس! لا دا مش كابوس. دي حقيقه انا شوفتها و عشت كل لحظة مرعبة فيها.
تنبهت منال لحديثها و حانت منها التفاته لمؤمن الذي لم يكن يفهم ما يحدث هو الآخر فتابعت منال محاولة تهدئتها
حبيبتي اهدي بس. انتي كويسه صدقيني. محصلش حاجه والله الدكتور طمنا. و الكلب دا هياخد جزاءه
ساندي بألم مرير.
كلب! انهي كلب فيهم؟ الكلب إلى كنتي بتسبيني في بيته عشان تروحي مؤتمراتك براحتك و تحققي كريرك و لا الكلب إلى فكرته بيحبني و طلع زباله و عايز ياخد مني إلى هو عايزه و بعد كدا يرميني. و لا الكلب إلى فكرته صاحبي و اخويا و كان أول واحد بلجأ له و حصلي اي حاجه؟ انهي كلب فيهم؟
قامت منال بجذبها من يدها و ناظرتها بصدمه من حديثها و قالت بقسوة
انتي تقصدي ايه بكلامك دا؟
دفعتها ساندي بغضب تجلي في صراخها و هي تقول.
بقول اللي حصل. جواز اختك المحترم إلى كان بيتحرش بيا و اختك آخر مرة لحقتني من بين أيديه كان هيضيع مستقبلي. كام مرة قلتلك مش عايزة اروح هناك. كام مرة عيطتلك عشان متسبنيش هناك. كنتي بتعملي ايه كنتي بتاخديني من ايدي و ترميني عندهم لحد ما هي قالتلك متجبيهاش عندنا. انتي إلى رخصتيني و رمتيني ليهم ينهشوا في لحمي.
تجمدت منال في مكانها من حديث ساندي الذي وقع على مسامعها كصاعقة و شاركها صدمتها مؤمن الذي كان أول من تحدث حين قال باندهاش
يعني. يعني انتي مكنتيش على علاقة بحازم؟
صرخت بكل ما تحمله بقلبها من وجع و غضب و ألم
محصلش. و مش ندمانه عالي عملته فيه. على قد ما حبيته على قد ما أذاني و عشان كدا يستاهل و جوز اختك كمان يستاهل إلى حصله.
شهقت منال بعنف من حديثها فقبل خمسة أعوام تم الإبلاغ عن وجود جثة محروقه بأحد الشقق و مع التحريات اكتشفوا أن الجثة تعود لزوج شقيقتها و للآن لم يعرفوا الفاعل و الآن اتضح أن الفاعل لم يكن سوي ابنتها الجميلة المدللة التي كانت تظن بأنها توفر لها جميع رفاهيات الحياة و لكن اتضح أنها من سمم حياتها و أوصلها لهذه الحالة التي يرثى لها.
كانت فرح تجلس على الاريكه بإنتظار قدوم مروان الذي أرسله سليم مع اغراض وملابس حلا كي تبدل ملابسها فثيابها وقت الحادث تمزقت بالكامل و هي ترتدي ثياب المشفي.
طال انتظار فرح و قد شعرت بالملل خاصة حين وجدت حلا التي تدعي النوم فقررت الخروج و احتساء قهوتها الصباحية التي للآن لم تظفر بها فنهضت مُلقية نظرة على تلك التي تتصنع النوم فآثرت عدم الحديث و خرجت و هي تزفر بملل و تتمنى ألا تقابله في الممر فقد ذهب لإنهاء حساب المشفى و إجراء عدة اتصالات هامة تخص العمل.
سحبت إحدى المقاعد و جلست على طاولة منفردة في المقهى بعد أن طلبت فنجان من القهوة التي تفضلها مرة تشبه مزاجها في تلك اللحظة فقد كانت غاضبة بشدة من هذا المتعجرف الذي لا يعرف معنى اللباقة و التحضر أبدا. و قد كان جانبا منها يتساءل في قلق كيف ستستطيع التعامل مع طباعه الحادة تلك و هي أنثي الأسد المتمردة و التي لا تقبل الإنصياع أبدأ و تفضل أن تكون لها الكلمة الأولي و الأخيرة في أمور حياتها.
زفرت بحنق ممزوج بقلق لا تعلم كنهه فهي لا تعرف كيف ستطرح الأمر على شقيقتها و هل ستتقبله أم لا؟ و عائلته ما سيكون رد فعلهم على تلك الخطوبة السخيفة تماما كسخافة ما تشعر به مع ذلك المتغطرس. غاضبة من كل شئ و أولهم شعورها الخائن نحوه فهي لم تكن تريد لشرارة الإنجذاب التي داهمتها للحظات أن تزداد أكثر من ذلك و هاهي الآن تغرق نفسها أكثر معه حين قبلت بكل غباء بعرضه المجنون ذلك. و حين أتتها الفرصة الذهبية للخلاص منه أضاعتها بفعل غيرة هوجاء تملكت منها للحظات لتجد نفسها مقيدة به للأبد بوعد خرج من بين شفتيها و لسوء حظها لا تملك رفاهية التراجع عنه.
وضع النادل كوب القهوة أمامها فشكرته بلطف و واصلت سرحانها غافله عن عينان صقرية كانت تتابع كل حركة تصدر عنها بل حتى أنفاسها كانت ترصدها. يعلم أنه كان فظًا معها و لكنه وقع في فخ الغيرة الحمقاء حين وجدها تقف مع ذلك الرجل و تصافحه.
لو تعلم بأنه تمالك نفسه كثيرًا و أن هذه الفظاظة كانت أقل شئ يمكن أن تراه من غيرته التي يشفق عليها منها.
تقدم حتى وقف أمامها و قام بسحب إحدى المقاعد و جلس قبالتها و عيناه مسلطه بقوة على ملامحها التي باتت محفورة بداخله كلوحة رائعة لا يمل من تأملها
نزلتي ليه؟
أتقنت ارتداء ثوب اللامبالاة والتبلد بينما تخفي بداخلها زوبعة من المشاعر أثارتها لهجته الخشنة التي بالرغم من كل شئ أصبحت تروق لها كثيرًا و قالت بجفاء
بشرب قهوة.
لم تنظر إليه حين حادثثته بل انشغلت بارتشاف قهوتها و عينان مصوبتان نحو اللاشئ و قد كان هذا نوع من عقابها له و قد نجحت في ازعاجه و لكنه تابع بخشونة
مطلبتيش منهم يجبولك اللي انتي عايزاه فوق ليه؟
فرح باختصار
من غير ليه؟
هو في حاجه اسمها من غير ليه؟
اه فيه
هكا أجابته باختصار بينما عيناها مازالت تتجاهله مما جعله يقول بتخابث
و دا بردو اللى هتقوليه لجنة لما تسألك عن سبب جوازنا!
نجح في جذب اهتمامها و جعلها تلتفت إليه باندهاش مما جعل بسمه ظفر ترتسم على محياه جعلت دقات قلبها تضرب بعنف و لكنها أتقنت تجاهل ما تشعر به و قالت ساخرة
تصدق انا لحد دلوقتي مش عارفه هقولها اي السبب!
تشدق ساخرًا
طب كويس اني لفت انتباهك. فكري بقي و شوفي هتقوليلها ايه؟
كانت تعلم بأنه يغيظها ليس أكثر و لكنها بالفعل لم تكن تعرف ماذا ستقول لشقيقتها حين تسألها عن السبب في هذه الزيجة الغير متكافئة بالمرة و لكنها أرادت الآن أن تقتنص الفرصة فقالت بتحد
ما تقولي انت سبب اقولهولها؟
أجابها بإختصار
دي مشكلتك حليها بمعرفتك!
اغتاظت من حديثه و لكنها تابعت بتهكم
يعني بما انك هتتعرض لنفس النوع من الأسئلة أحب أعرف ردك هيكون ايه؟
اعتدل في جلسته فاردًا ساقيه بكسل ظهر على ملامحه حين قال بلامبالاة
معتقدش اني هقدر أفيدك. خصوصًا أن أسبابي مختلفة عن أسبابك
رفعت إحدى حاجبيها الجميلين و قالت بنبرة هازئه
ايه دا طب كويس انك عندك اسباب. بصراحه عندي فضول اعرفها.
سالم بسخرية
الفضول قتل القطة!
فرح بحنق
انا قولتلك قبل كدا انك مستفز!
سالم بتلذذ
لا قولتي تقريبًا مغرور و بارد وووو تصدقي مش فاكر ما تقوليهم لي تاني كده عشان نستهم!
كانت ملامحه يظهر عليها الاسترخاء على عكس ملامحها التي كللها الغضب و لكنها لن تعطيه انتصارًا آخر عليها لذا قالت ساخرة
لا هقول ايه و لا ايه انت صفاتك كتير بصراحه. ابقي ضيفلهم الاستفزاز.
اتسعت ابتسامته للحد الذي ادهشها فاردفت ساخرة
ايه عجبتك اوي كدا؟
قهقه بخفة قبل أن يقول
تعرفي انك اول حد يتجاوز معايا في الكلام بالشكل دا.
لمس حديثه شئ ما بداخلها و تبددت السخرية إلى اهتمام حاولت اخفاءه حين قالت بلهجه تحوي الاهتمام بين طياتها
تقصد ايه؟
كان بعينيه تعبير غامض و قال بصوت أجش
عمري ماسمحت لحد يتكلم معايا بالطريقة دي. دايمًا في حدود بيني وبين الناس كلها حتى أقرب حد ليا.
لا يجب على الإنسان أن يقول أُحِبُك كاعتراف صريح بالحب. أحياناً يوجد ما هو أروع من شفافية الحروف. كأن أميزك عن الجميع في الشعور و التعامل و حتى النظرات.
تقاذفت دقات قلبها بعنف داخلها و ودت لو تسأله و لما هي و لكنها كانت تعلم بأنه لن يعطيها ما تريد سماعه لذا اكتفت بالتحديق مليًا بعينيه التي كانت تخوض حديث خاص مع عيناها دام للحظات قطعة كلماته التي جعلت فكها يسقط إلى الأسفل من فرط الصدمة
ايه رأيك تقولي لجنة اننا حبينا بعض و قررنا نتجوز!
لا يعلم ما يحدث له و لكنه لم يستطيع الإنتظار حين شاهد شقيقها و الفتاة برفقته يجلسان في المقهى الخاص بالمشفى و فورا قادته قدماه إلى غرفتها يشعر بداخله بحاجة ملحة في الإطمئنان عليها و الحديث معها بداخله رغبة قوية في معرفة مايحدث معها فهي بكل مرة تكون حزينه استدعائه بطرق خفية ليكون حاضرا حتى شعر بأنه من حقه أن يعلم سبب حزنها بتلك الطريقة.
وصل إلى غرفتها فوجد الممرضة تخرج من عندها فسألها بحرج.
الآنسة حلا عامله ايه؟
كويسه الحمد لله.
تحمحم قبل أن يقول بحرج
هي نايمه ولا صاحيه؟
الممرضة
لا هي صاحيه. حضرتك تقدر تدخل تطمن عليها مش انتي إلى جبتها هنا يوم الحادثة؟
أومأ برأسه قبل أن يتمتم شاكرا لها وحين غادرت قام بالطرق على باب الغرفة فأتاه صوتها الممتلئ بالخيبة و الحزن و كذلك كانت ملامحها حين أطل برأسه من باب الغرفة و لكنها سرعان ما تبدلت حين رأته و قالت بإشراق
دكتور ياسين.
↚
تقدم تجاهها بعد أن وارب الباب قليلا و وقف بجانب سريرها قائلا باهتمام
عامله ايه دلوقتي؟
حلا برقة
الحمد لله احسن
ياسين بلطف
يارب دايما.
ميرسي.
هكذا أجابته بخجل لاق بها كثيرًا فابتسم وهو يناظرها بصمت و كأنه يحفظ ملامحها بداخله و بعد لحظات قطع ذلك الصمت قائلًا باهتمام
انا سألت الدكتور و قالي أن الشرخ إلى في رجلك بالكتير شهر و يكون خف و تقدري تمشي عليها تاني
حلا بخيبة أمل.
شهر؟ شهر بحاله مش هقدر اتحرك ولا اروح في اي حتة.
كان يشاركها خيبة أملها و لكن حاول إخفاء ما يعتريه حين قال مشجعًا
الحمد لله أنه شهر مش اكتر و بعدين هيعدي هوا متقلقيش.
ازدادت خيبة أملها و أومأت برأسها فلمس حزنها الذي آلمه فقال بمواساة
زعلانه ليه بس دلوقتي. مش قولنا هيعدي هوا
حلا بخجل
اصل يعني الإمتحانات ع الأبواب و أنا مش هعرف اروح الجامعة وكدا هيفوتني كتير.
ارتسمت ابتسامه جذابه على ملامحه قبل أن يقول بمزاح
ياستي الجامعة كلها تحت امرك. انا مستعد ابعتلك كل إلى هيفوتك. و أذاكر لك كمان لو عايزة.
كانت لحظة خاطفة اجتاح كليهما موجة كبيرة من المشاعر التي لا يعلموا من أين تدفقت فقد كان الخجل يكلل ملامحها و يرتسم بعيناها التي كانت تناظره بإعجاب لم تستطيع إخفاءه و قد كان يبادلها نفس المشاعر التي امتلئ بها قلبه و تجلت بوضوح في عيناه التي احتوتها للحظات قطعها صوت باب الغرفة الذي ارتطم بقوة في الحائط و أمينه التي صرخت قائلة بلهفة
حلا...
قبل ساعة من الآن.
كانت همت تغزو الغرفة ذهابا و إيابا و كأن مسا من الحنون أصابها جعلها تخذي قائله
انا اكتر واحده عارفاها أمينه بتحاول تقرب إلى متتسماش دي من سليم.
سما بخيبة أمل
طبعا مش أنقذت حياتها و بقت هي الحلوة الحنينة و احنا الوحشين.
همت بحنق
طب و العمل. هنسبها لحد ما تجوزهاله؟
سما بملل
يتجوزها ولا ميتجوزهاش مش هتفرق يا ماما. معدش حاجه فارقه
انتفضت همت غاضبة.
بت انتي مش عايزة اشوفك بالشكل دا تاني. مش انتي كنتي عايزة تاخدي حقك منهم. انا هجبهولك
سما بألم
حقى عند ربنا يا ماما. انا خلاص مش عايزه حاجه منهم. انا حتى بفكر اسافر لشيرين و اقعد معاها هناك. ابتدي حياتي من جديد يمكن اعرف اعمل حياة زي الناس
جن جنون همت حين سمعت حديثها و قالت بصياح.
انتي اتجننتِ؟ اكيد اتجننتِ عايزة تسبيني يا سما؟ مش كفايه اختك إلى مش عارفه أشوفها ليا سنين و قلبي بيتقطع من بعدها عايزين تسبوني انتوا الاتنين و تمشوا و أنا أموت هنا بقهرتي لوحدي؟
سما بألم
ارجوكي يا ماما متحملنيش فوق طاقتي. انا اعصابي مش متحمله حاجه كفايه إلى حصل لحلا بسببي. ارجوكي ارحميني انتي كمان.
في تلك اللحظه كانت أمينة متوجهه إلى غرفة الجلوس و وقع حديث سما ك الصاعقه عليها فاقتحمت الغرفة وهي تقول بلهفة
حصل ايه لحلا؟
تجمدت كلًا من سما و همت بمكانهم ولم تستطع أي واحدة التفوه بأي حرف مما جعل أمينة تصرخ ذعرًا
ردوا عليا انتوا الاتنين خرستوا ليه؟
كان مروان يهبط الدرج حين سمع صراخ أمينة فهرول إليها يقول بلهفه
ايه في ايه؟
التفتت أمينه تناظره بغضب و هي تقول
حلا فين و جرالها ايه؟
لفت انتباهها تلك الحقيبة التي كان يمسكها بيده فانتزعتها منه تبحث به فوجدت ملابس حلا و بعض أغراضها فقالت بلوغه وقد صدق ظنونها بأن هناك مكروه أصاب ابنتها
حلا فين و انت واخد الحاجات دي لمين؟
زفر مروان بغضب و شيع سما بنظرات الخسة قبل أن يقوم بقص ما حدث على مسامع أمينة التي هبط قلبها من بين ضلوعها رعبا فالتف مروان حولها يسندها حين أوشكت على الترنح و هو يقول بصدق.
والله العظيم حلا كويسه و أنا كنت عندها لحد الصبح و سالم كمان هناك هو و فرح و أنا رايح اوديلها هدوم عشان تلبسها و نجيبها و نيجي
ودوني عند بنتي. عايزة اشوف بنتي
هكذا أخذت تردد أمينة فاطاعها مروان وجاء بها إلى المشفي
عودة للوقت الحالي.
انتفض كليهما لدى دخول أمينة العاصف بجانبها مروان العابس يمسك بيدها إلى أن وصلت إلى حلا تحتضنها بقوة و هي تذرف الكثير من العبرات حمدًا لله على رؤيتها سالمه فقلبها ذاق لوعة الفراق مرة و لن يحتملها مرة آخرى
يا قلبي يا بنتي جرالك ايه؟
كانت تحتضن وجهها بيدها وهي تتحدث فقامت حلا بإمساك كفوفها و وضع قبلات حانية بباطن كفيها وهي تقول بطمأنة
انا كويسه يا حبيبتي متقلقيش. دي حادثه بسيطة.
أمينة من بين عبراتها.
حادثه ايه دي إلى بسيطه دانتي ايدك مجبسه و رجلك كمان. امال لو مش بسيطه.
أخذت حلا تهدئ من أمينة التي كان الرعب يملئ قلبها فتدخل مروان قائلا بملل
يا مرات عمي ماهي زي القردة قدامك اهيه ايه لازمته كل الصياح دا.
غمرها الخجل و الحرج حين وجدت ياسين مازال يقف بجانب النافذة يشاهد ما يحدث بصمت فشعرت بالغضب من ذلك الغبي الذي ينعتها بالقردة أمامه و ارسلت له نظرات حانقة ابتسم لها ياسين و قد فطن لطبيعة العلاقة بينها وبين مروان الذي تابع قائلا بتخابث
بقولك ايه يا مرات عمي ما تيجي اعرفك على دكتور ياسين إلى جاب حلا عالمستشفي وقت الحادثة.
نجح في جذب انتباهها كليًا فالتفتت إلى ذلك الشاب الوسيم الفارع الطول الذي يقف بجانب مروان فحاولت النهوض مستنده على السرير الخاص بحلا وهي تتوجه اليه فاقترب منها و مد يده يصافح يدها الممدودة إليه بود فقالت أمينه من بين عبراتها
انا مش عارفه اشكرك ازاي عالي عملته مع بنتي
ياسين باحترام
متشكرنيش. انا معملتش غير واجبي يا حاجه.
أمينة بحزن عميق.
انت متعرفش. انا قلبي انكوى مرة و مش حمل مره تانيه. ربنا يباركلك يا ابني و يحميك و يفاديك.
ياسين بإشفاق على تلك العجوز الذي يلون الحزن ملامحها
ربنا يباركلك فيهم يا حاجه. معلش دا ابتلاء من ربنا و انتي قدها.
أمينة بحرقة
ونعم بالله. الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
هنا تدخل مروان الذي بدأ التذمر على ملامحه.
مفيش فايدة في الستات مبيفوتوش فرصة للنكد. بقولك يا مرات عمي مش دكتور ياسين معيد عند حلا في الجامعة. شوفتي الصدف و تدابير القدر. يبقي المعيد بتاعها هو إلى ينقذها.
القي جملته الاخيرة بتخابث جعل حلا تشعر و كأن دلوًا من الماء المثلج يسقط فوقها وخفضت رأسها خجلًا. و لكن أمينة فرقت نظراتها بين حلا و ياسين بغموض قبل أن تقول
والله! طب و دا حصل ازاي يا دكتور ياسين؟
ياسين بثبات.
الحادثة حصلت جنب الجامعة و أنا كنت جاي الجامعه لما شفت الحادثة و كمان حلا طالبة عندي و أنا أكيد عارفها فجبتها على هنا
فاجأه سؤال أمينة المباغت
هو انت متجوز يا دكتور يا سين؟
شهقت حلا بصدمه و لكنها سرعان ما كتمت شهقتها حين رأت ابتسامة ياسين الجذابة و إجابته التي أسعدتها كثيرًا
لا مش متجوز. لسه ربنا مبعتش بنت الحلال.
تبدلت ملامح أمينة قليلا و ارتسمت سعادة لحظية على وجهها و تحدثت بلطف.
ربنا يبعتلك بنت الحلال إلى تستاهلك يا ابني باين عليك ابن ناس و متربي.
تسلميلي يا حاجة. ربنا يسمع منك.
أمينة بحبور
بص بقى انت دلوقتي بقيت زيك زي ولادي و لازم تيجي تنورنا و تشرب معانا الشاي و تتعرف عليهم.
أوشك ياسين على الإعتراض و لكنها قالت بحزم
مفيش أعذار. و لا انت بخيل بقي.
ياسين بمزاح و قد راقت له فكرتها كثيرا حتى يتسني له رؤيتها
لا بخيل ايه انا أساسًا صعيدي و انتي اكيد عارفه الصعايده مفيش اكرم منهم.
انشرح صدرها كثيرا لحديثه و قالت بإشراقه
طبعًا عارفه دول أحسن ناس.
ابتسم ياسين و استأذن بالانصراف فتبعه مروان الذي قال بخفوت
مرات عمي مبتضيعش وقتها أبدا.
كانت فرح تناظره بصدمه لم تستطيع تخطيها بينما عيناه ترصدان ملامحها بترقب كان يريد معرفة وقع الحديث عليها و لكنها تلك المرة حقا لم تجد ما تقوله فهو قد تلقي ب قنبله موقوتة انفجرت بقلبها الذي لوهله تخيل لو أن هذا الحديث صحيح هل حقا يمكن أن يقع بعشقها؟ و لكن في اللحظة التالية نهرت نفسها بشدة و نجحت في إستعادة جأشها و قالت ساخرة
اهو دا أسخف سبب في الدنيا ممكن اقولهولها. دانا مقولهاش أسباب احسن.
نجحت و بقوة في إثارة غضبه الذي تجلي في ذلك العرق النافر في صدغه و تفاحة آدم التي تحركت في رقبته فقد كان يبتلع غضبًا يريد إحراقها به حتى يمنعها من وضع الحواجز و العراقيل الدائمة بينهم. و لكنه في نهاية المطاف تحدث قائلًا بفظاظة
عندك حق. دي أسخف نكتة ممكن تقوليهالها. عموما انتي مش صغيرة. و مش محتاجه تبرري
تستحق تلك الإجابة كانت تعلم ذلك و لكنها تألمت بشدة و جاهدت حتى لا تظهر ذلك حين قالت بجفاء.
و ياترى انت بردو مش محتاج تبرر؟
تحدث بقسوة تضاهي ملامحه في تلك اللحظة
لا. قررت و انتهى الموضوع. مبررات و غيره مش في قاموسي. و بعدين انا ورايا حاجات اهم اتشغل بيها
وبخت نفسها للمرة التي لا تعرف عددها فهاهي ككل مرة تنجح في إخراج أسوأ ما فيه. و تجعله يتحول من رجل هادئ يعاملها بمنتهى الرفق الى رجل متعجرف فظ لا تعرف كيف تتعامل معه.
رنين هاتفه قاطع شرودها فأجاب عليه وبعد لحظات تبدلت ملامحه للغضب الذي جعله يهب من مكانه و هو يقول بقسوة
يالا بينا.
حصل ايه؟
هكذا سألته بلهفه فأجابها بفظاظة
امشي وانتي هتعرفي.
و بالفعل تبعته حتى وصلت إلى غرفة كلا فوجدت السيدة أمينة التي كانت تحتضن حلا برفق و بجانبها مروان الذي كان يقف بجوار النافذة وهنا علمت أن سبب غضبه مجئ والدته للمشفى.
جيتي ليه يا حاجه؟
أمينه بعتاب.
عايزني اعرف ان بنتي عامله حادثه و اقعد في البيت يا سالم؟
زفر بغضب تجلي في نبرته حين قال
و مين اللي قالك؟
أمينة بمراوغه
عرفت و خلاص.
التفت إلى مروان الذي جفل من مظهره فرفع كلتا كتفيه للأعلي بمعني لا دخل لي فالتفت إلى حلا قائلًا بخشونة
جاهزة عشان نمشي؟
حلا بخفوت
جاهزة.
التفت إلى مروان قائلًا بجفاء
انا هاخد الحاجه معايا و انت تعالي ورانا
أوشك مروان على الرد و لكنه تفاجئ بفرح التي تدخلت قائله.
خد الحاجة معاك و انا هرجع مع مروان عشان عايزة اشترى شوية حاجات في الطريق.
تفاجئت حين وجدته التفت يناظرها بنظرات قاتله و كأنها آتيه من الجحيم فتسمرت للحظات بمكانها ذعرًا من مظهره و أيقنت بأنها ارتكبت خطأً فادحًا لن يمرره لها و لكنه التفت متوجهًا إلى شقيقته و قام بحملها وهو يقول بقسوة
مروان نزل الحاجة ركبها العربية.
ثم توجه إلى باب الغرفة و بطريقة قام بركل الكرسي المتحرك الذي وضعته الممرضة في إحدى زوايا الغرفة لنقل حلا للأسفل حتى انه اصطدم بالحائط محدثًا ضجيج قوي لم يأبه له وتوجه إلى الخارج دون أن يلقي عليها نظرة واحده بينما قام مروان بمساعدة أمينة و التي شعرت بوجود خطب ما و لكنها لم تعلق اكتفت بإبتسامه بسيطة لفرح التي كان مظهرها يوحي بمدى صدمتها مما حدث.
هبط سليم الدرج وهو ينظر إلى ساعته فقد طال انتظاره فهو قد تجهز منذ ساعه و اكثر ينتظر نزولها و لكنها لم تظهر بعد و حين رأى نعمة الخادمة سألها بلطف
دادا نعمه ممكن تستعجلي جنة و ريتال عشان ورانا مشوار مهم.
ارتبكت نعمة و لم تعترف ماذا تقول وقد شعر هو بارتباكها فهبط آخر درجتان و تقدم منها و هو يقول باستفهام
في حاجه؟
نعمه بحرج
اصل الست جنة قالتلي اقولك أنها تعبانه و مش هتقدر تخرج!
و كأنه تلقي مطرقة قوية على رأسه جعلته يقف لثوان عاجز عن الحديث. فهل تلاعبه تلك المرأة؟ هل تريد إشعال غضبه الذي بالتأكيد لن يحرق غيرها؟
تحولت عيناه الصافية الى بركة من الدماء المحتقنة بفعل الغضب و الذي تجلى في نبرته حين قال بجفاء
قالتلك كده امتي؟
نعمه بخفوت
لسه من خمس دقايق.
صح ظنه فهي جعلته يتجهز و ينتظرها كل هذا الوقت و بعدها تقوم بفعلتها الغبية لإغاظته. اه لو تعلم كم يود التوجه إلى غرفتها و تلقينها درسا لن تنساه تلك ال.
لم يستطيع اكمال جملته فقد توقف عقله أمام صورتها التي تبتسم بتشفي على ما فعلته به والتي لابد و أنها مرتسمه على ملامحها الجميلة الآن. و للحظة تغلب على غضبه و قال بخشونة
تمام. شكرًا.
ما أن أنهى جملته حتى سمره في مكانه ذلك الصوت القوي الذي هز أرجاء القصر.
سليم يا وزان.
↚
حتى لو انفلت زمام القلب من بين يديك فعليك أن تمنع عقلك من إعطاء الثقة الكاملة كي تتأكد أولًا من أنك لن تهون.
نورهان العشري.
تسمر في مكانه لدى رؤيته تلك المرأة التي لم يكن يعرفها خاصة وهي في هذه الحالة المذرية من ملامحها المبعثرة و زينتها التي كانت تشكل لوحه اختلطت ألوانها بفوضويه فجعلتها في أسوأ حالاتها و لكن من الواضح أنها تعرفه تمام المعرفة. اقترب بخطوات ثابتة كما هي عادته إلى أن وقف أمامها قائلا بفظاظة
أنتي مين و إزاي تتكلمي بالطريقة دي؟
تجاهلت سؤاله و قالت منال بغل
وديت الكلب اللي اسمه عدي فين؟
هنا فطن إلى هويتها فأجابها بخشونة
مودتوش في حتة ومعرفش عنه حاجة.
صرخت بملئ فمها
أنت كذاب وأكيد بتتستر عليه.
لون الغضب عيناه بحمرة قانية و زأر بقوة
صوتك ميعلاش و أنتِ بتكلمي سليم الوزان. قلتلك معرفش عنه حاجة.
هدأت نبرتها و علا نحيبها و قالت بقهر
إزاي و أنت اللي.
قاطع حديثها جنة التي هرولت من الأعلي إثر سماعها أصوات صراخ وشجار. تسمرت عينا منال على تلك الفتاة التي توقعت هويتها دون أي سؤال. التف سليم إلى حيث تنظر منال فوجد جنة التي كانت تقف أسفل الدرج تشاهد ما يحدث فاكفهرت معالمه و قام بالالتفات إلى منال و قال بلهجة آمرة
تعالي نتكلم بره
طاوعته بغضب بينما قام بإغلاق باب القصر خلفه و التف إليها قائلا بقسوة إرتسمت على ملامحه أولا.
معرفش مكان حد. و بدل ما أنتي جاية ترمي بلاكِ عالناس ابقي دوري عالمجرم الحقيقي و عاقبيه.
تقصد مين؟
سليم بإزدراء
كنتي منتظره منه يحافظ على بنتك وأنتي أمها محافظتيش عليها.
لم تجد ما تقوله فتابع يجلد ما تبقي لها من كرامة
تقدري تقوليلي أنتي كنتي فين و بنتك في وقت زي دا بره البيت؟
أغلقت عيناها بقوة بينما تشعر و كأنها عارية أمامه مجردة من كل ذرة كبرياء دهس تحت أقدام حديثه القاسي فقد كانت كلماته تصيب قلبها كأسهم نارية محملة بنيران ذنبها و أخطاءها و إهمالها في حق إبنتها وخاصة حين قال بنبرة لازعة
الحق مش عليه لوحده. الحق عالي قبلت تروح معاه شقته. و عالي من البداية سابتها تمشي على حل شعرها. اتفضلي من غير مطرود.
كان محقًا في كلامه وأن كان سمًا ولكنه كان يحمل من الحقيقة الكثير فهي وحدها المخطئة فلتعاقب نفسها أولا على إهمالها في حق إبنتها بنتها قبل أن تبحث عن أخطاء الآخرين...
كانت جنة بالداخل تقف و بجانبها الخادمة نعمة و خلفهم همت التي تساءلت بفظاظة
في ايه؟ مين اللي كان بيزعق هنا دا؟
التفتت جنة تناظرها بحنق و لم تجبها بينما تحدثت نعمة
متعرفش دى واحدة شكلها غريب دا كانت عايزة سليم بيه و هو واقف معاها بره.
كانت عينا همت تطالع جنة بكره كبير لم يخفي عليها و لكنها تجاهلته فقالت همت ساخرة
وسليم من امتى بيجيله ستات البيت تسأل عنه! والله ولاد أخويا دول حالهم بقى يحزن. بقوا يمدوا أيديهم في الزبالة و يطلعوا ستات.
شعرت جنة بمقدار الإهانة الموجهة لها فانتفضت كل ذرة في عروقها غضبًا من حديث تلك السيدة التي لا تعرف أي حدود للأدب و الذوق فأغمضت عينيها تعد للعشرة حتى تهدي من روعها قليلا و لكن ما أن وصلت لرقم تسعة حتى وجدت نفسها تلتفت إليها قائله بإحتقار.
معلش بقي يا عمتو. هي مواجهة الواقع صعبة كده. الواحد بيبقي مفكر نفسه حاجة كبيرة أوي و أن الناس كلها تتمناه و فجأة يلاقي الناس داست عليه و عدت و لا كأنه موجود اصلّا. عارفه ليه عشان هو أقل بكتير من أنه يلفت انتباههم حتى!
برقت عينا همت التي لم تكن تتخيل أن تقف أمامها تلك الفأرة و ترد لها الصاع صاعين بتلك الوقاحة فهي ظنت أنها لقمة سائغة سوف تلوكها كيفما تريد و لكنها تفاجئت بنبرة غاضبة يتطاير الشر من عينيها و لكن ما جعلها تجن غضبًا حين شاهدت سما التي كانت تقف بأول الدرج تشاهد و تسمع ما يحدث بعين منكسرة و ملامح ممتقعضه فتدفقت الدماء بأوردتها و قامت برفع كفها وهوت بصفعة قوية كان هدفها خد جنة التي أغمضت عينيها بقوة لتتفاجئ بها تسحب للخلف ففتحت عيناها على مصرعيها فوجدت ذلك الظل الضخم و صوت يشبهه ضخامة.
انتي زودتيها أوى يا عمتي، حصلت تمدي إيدك عليها. إيه فكرتي أن البيت دا خلاص ملهوش كبير.
صدمت همت حين وجدت سليم يظهر من العدم ويقف أمامها ممسكًا بكفها بقوة يمنعه من الوصول لتلك الفتاة فتراجعت خطوتان للخلف إثر سماعها جملته و شعرت في تلك اللحظة أنها تمادت كثيرًا لذا قالت بارتباك
أنت مسمعتش هي قالت إيه. دي قلت أدبها عليا و شتمتني.
التف سليم بناظر لجنة التي تراجعت للخلف و أخذت تهز برأسها يمينًا و يسارًا و لكن شفتاها أبت الحديث فهي تعلم مقدار كرهه لها و أنه حتمًا سيلقي باللوم عليها و لكنها تفاجأت به يقول بسخط
كفاية كذب يا عمتي و أعرفي أن اللي حصل دلوقتي وقبل كدا مش هيعدي بالساهل.
كانت مفاجأة قوية حين وجدته يدافع عنها بهذا الشكل حتى ظنت أنها تهزي أو ربما تحلم و لكن جاء صوت خلفهم جعلها تدرك أنها بواقع لا يمكن نكرانه.
في ايه بيحصل هنا؟
التفت الجميع على صوت سالم الذي كان يحمل حلا و يدخل بها من باب القصر فتفاجئ بهذا التجمهر و سليم الذي يقف بين عمته و جنة.
هرولت سما بقلب متلهف إلى حلا التي كانت محمولة بين يدي سالم مجبرة الساق و اليد فتألمت سما بقوة وأخذ ضميرها يلدغها بقوة فتناثرت عبراتها و خرج صوتها مبحوحًا وهي تقول
حمد لله على سلامتك يا حلا.
حلا بإبتسامة كبيرة
الله يسلمك يا سمسمة. متعيطيش أنا كويسه والله.
كانت عينا همت تناظر سليم بتوسل صامت شعر هو به فتجاهلها و توجه إلى حلا التي وضعها سالم برفق على إحدى الأرائك و تجمهر الجميع حولها و كان آخرهم جنة التي أقتربت من سالم قائلة بنبرة خفيضة
هي فرح مجتش مع حضرتك؟
اكفهرت ملامحه و زوي ما بين حاجبيه مما جعلها ترتعب من مظهره الذي يبعث الرعب في النفوس و كذلك لهجته الخشنة حين قال
جاية ورانا.
لم يطيل في الحديث إنما التفت إلى سليم قائلا بقسوة
سليم تعالي عايزك.
نظر سليم لحلا قائلا بحنو
حمد لله على سلامتك.
أجابته حلا بإبتسامة أضاءت ملامحها
الله يسلمك يا أبيه.
نصب عوده و عادت ملامحه مكفهرة كعادتها وخاصة حين مر بها و لم يلتفت إليها بل كان ينظر أمامه بعينان مشتعلتان كعادته فخرجت الكلمات من بين شفتيها خافتة مستنكرة
ياربي هي الناس دي عامله كدا ليه. دا أحنا و لا اللي عايشين في بيت الرعب.
مش عاجبك ولادي يا أم لسانين.
هكذا كان صوت أمينة التي كانت في طريقها إليهم و سمعت حديث جنة الخافت فأرادت مشاكستها قليلا.
التفتت جنة بلهفه و تجلى التوتر على ملامحها حين سمعت جملة أمينة فحاولت تصحيح الوضع قائلة بإرتباك
والله أبدا. أنا بس. يعني كنت بقول
إنك عايشه في بيت الرعب صح.
جنة بصدق
الصراحة اه. ولادك دول كشريين أوي يا حاجة. أنتي بتتعاملي معاهم إزاي؟
تغضن وجه أمينة بالحزن الذي تجلى في نبرتها حين قالت.
تعرفي أن دي كلمة حازم الله يرحمه. كان دايما يقولي عيالك دول كشريين أوي يا أمينة.
لامس حزنها قلب جنة التي كانت تحارب دائمًا ذكرياتها معه بحلوها و مرها حتى لا تنهار أمام وجعها العظيم الذي إرتسم على ملامحها في تلك اللحظة فأمتدت يد أمينة تكررها على بطنها التي امتلأت قليلا و قالت بصوت يملؤه الشجن.
بس ربنا بيعوض. عوضنا أنا و أنتي بإبنه اللي لما يجي بالسلامة هشيله في قلبي قبل عيني. زي ما هشيلك أنتي كمان يا جنة.
تلالأت العبرات بمقلتيها تأثرًا بحديث أمينة التي قالت بتوسل ارتسم بعيناها
مش هتحرميني منه في يوم من الأيام صح. مش هتكسري قلبي عليه زي ما اتكسر على أبوه صح.
كانت أمينة تعلم جيدًا الطريق لقلب تلك الفتاة البريئة التي تأثرت كثيرًا بحديثها و قالت بصدق.
أبدًا. عمري ما هحرمك منه. أنا مش وحشة زي ما انتي متخيله.
زفرة ارتياح خرجت من قلبها فقالت بصدق
عارفة. عارفة إنك مش وحشه. هتصدقينى لو قلتلك إني بقيت بعتبرك زي حلا بنتي. و أتمني أنك تعتبريني أنتي كمان زي والدتك.
تفاعلت من حديثها الصادق و مشاعرها التي كانت بحاجة ماسة إليها فقالت بتأثر
طبعًا. من غير ما تقولي.
قاطع حديثهم صوت حلا التي كانت تصرخ مناديه على والدتها فقالت أمينة برفق.
تعالي سلمي على حلا. و متزعليش منها هي طيبه والله بس لسه متعرفكيش و أنا واثقه أنها لما تعرفك على حقيقتك هتحبك اوي و هتبقوا أصحاب كمان.
اومات جنة برأسها في صمت بينما توجهت أمينه ممسكه بيدها إلى غرفة الجلوس فوجدت حلا تتسطح على الأريكة ز بجانبها سما تجلس القرفصاء على الأرض و أمامها همت التي كانت تناظر جنة بغضب لم تفلح في إخفاءه
انتي فين يا ماما كل دا؟
أمينة بهدوء.
موجودة يا حبيبتي. تعبانه و لا حاجه انادي حد من اخواتك يطلعك اوضتك.
كانت نظرات حلا مصوبه بقوة على جنة الممسكه بيد والدتها و قد اغضبها هذا كثيرا فهي للآن ام تستطيع نسيان تلك الصفعه التي نالتها بسببها لذا قالت بخشونه
الجو هنا خنيق فعلا وعايزة اطلع اوضتي.
تجاهلت جنة حديثها و نظراتها و قالت بلطف
حمد لله على سلامتك.
لم تتكبد عناء الرد عليها انما اومأت برأسها و ملامحها مازالت مكفهره مما جعل الغضب يأكل جنة من الداخل و لكنها لاذت بالصمت الذي قطعه صوت أمينه القوي حين قالت
طبيعي طول ما الناس فوق راسك كدا هتتخنقي. وعموما لما اخواتك يخلصوا إلى في أيديهم هخلي حد فيهم يطلعك اوضتك.
أنهت حديثها و التفتت إلى جنة قائله بلطف
تعالي يا جنة طلعيني اوضتي عشان تعبت وعايزة ارتاح شويه.
↚
تبعتها جنة دون أي حديث و بعد أن غادرا انفجرت همت قائله بانفعال
شايفه يا حلا امك بتعمل ايه. بقي احنا هنخنقك. بقينا احنا وحشين و البت دي هي الكويسه سحبهالنا معاها في كل حتة.
تعالي الغضب بداخلها حتى وصل ذروته و خاصة حين قالت سما بحزن
انا مش فاهمه مرات عمي بتعمل معانا كده ليه. انا معملتش فيها حاجه وحشه. دي كانت بتقولي انتي زيك زي حلا دلوقتي فجأة كدا كرهتني.
تأثرت حلا كثيرا بحديث سما و ملامحها الحزينة فقالت بإنفعال
لا بقي الوضع مبقاش يتسكت عليه. انا مش متخيله ازاي ماما تعاملها كدا دي كانت بتكرهها و تقول انها السبب في موت حازم.
واصلت همت بث سمومها في عقل حلا حين قالت بتهكم
ياريت على قد مامتك و بس. دا حتى الكبير إلى كنا بنقول عليه عاقل جرجرته و خلته يحاميلها. والله و أعلم بتخطط لأيه؟
نجحت في غرس شكوكها في عقل حلا التي قالت بعدم فهم
تقصدي مين؟
همت بحزن مفتعل.
سليم. تخيلي من شويه البنت قلت أدبها عليا و بدل ما يقولها عيب ميصحش يقولي محصلش. و لما قولتله عالي قالته قالي اني بكذب. بهدلني قدام الخدم يا حلا يرضيكِ!
شهقت حلا بصدمه مما سمعته لتوها و قالت بذهول
لا يا عمتو مش معقول إلى بتقوليه دا!
طب حتى أسألي سما.
سما بنفاذ صبر
طلعي سما من الحوار دا سما خلاص هتسبهالها مخضرة و تمشي
تفاجأت حلا من حديث سما الذي جعلها تنتفض في مكانها كمن لدغتها افعي قائله بصدمه.
سما ايه إلى انتي بتقوليه دا؟ تمشي تروحي فين؟ ايه الكلام دا يا عمتو؟
همت بقهر
عمتك هتموت بقهرتها. تخيلي يا حلا سما عايزة تسبني و تسافر تروح تعيش مع شيرين. عايزين يسبوني لوحدي في آخر أيامي و يفضل قلبي متشحتف عليهم العمر كله. و كل دا ليه؟ عاشت ست الحسن و الجمال مش راضيه تبعد عنها.
حلا بانفعال.
يعني ايه الكلام دا. هو بمزاجها! دي هي إلى تمشي و تغور في داهيه. اسمعي يا سما مفيش مشيان من البيت دا و لو عملتيها لا انتِ بنت عمتي و لا اعرفك ولا لساني هيخاطب لسانك ليوم الدين. سمعاني.
سما بتعب
حلا الله يباركلك بلاش كلامك دا.
قاطعتها حلا بصرامة
بلاش انتي عبطك دا و انسي اللي بتفكري فيه دا خالص. و إن كان عالست جنة دي أنا هعرف أوقفها عند حدها. و اعرفها ازاي تتجاوز حدودها معاكِ.
كان الأخوان في المكتب يناقشان أمور العمل وكان سالم كل دقيقه ينظر إلى ساعته و منها إلى النافذة مما جعل سليم ينتبه إلى ما يحدث فأغلق الاوراق أمامه و قال باستفهام
في حاجه يا سالم؟ انت منتظر حد؟
سالم باختصار
مفيش.
شعر سليم بخطب ما يحدث مع أخيه فاستطرد قائلا
حاجه مضيقاك.
قاطعه سالم مفجرا قنبلته دون أي مقدمات
انا هتجوز فرح.
برقت عينا سليم من هول ما سمع حتى أنه أخذ عدة لحظات في محاولة لاستيعاب ما تحدث به أخاه الذي كانت معالمه لا تفسر فتحمحم سليم متجاوزا صدمته قائلاً
شكلك بيقول انك واخد قرارك و مصمم عليه و دا طبعا حقك. بس ممكن اعرف ازاي حصل دا؟
نهض سالم متوجهًا إلى النافذة واضعا يديه بجيوب بنطاله و أخذ يصارع غضبه الذي كان يحاول إخراجه مع ذرات ثاني أكسيد الكربون العالقة بصدره فقد كان تفكيره الآن منصبا على تلك التي لم تاتِ حتى الآن بينما هو يحترق بنيران لم يختبرها مسبقا سوي معها و لم يكن يتخيل أن تكون مؤلمه لتلك الدرجة
أعاد سليم سؤاله حين قال
سالم. سمعتني. كنت بقولك ازاي حصل.
قاطعه سالم بخشونة.
من غير الدخول في تفاصيل مش مهمه. انا قررت و انتهي الموضوع.
تمام بس اشمعنا فرح بالتحديد يعني انت مش شايف انها مختلفه عنك في كل حاجه؟
حديث أخاه جعل ابتسامه ساخره ترتسم على ملامحه فعلي العكس تماما هي تشبهه كثيرا شموخها و عنادها و قوتها حتى هدوئها الظاهري. كان يود في تلك اللحظه أن يخبره بأنها إمرأته التي خلقت من ضلعه الأعوج الذي استقام بعشقها. يخبره بأنها بالنسبه اليه كانت تحدي ظن أنه انتصر به و الحقيقه أنه هزم أمامها و أعلن قلبه رايه التسليم في هواها متيما. ولكنه كعادته يفصح أقل بقليل مما يخفي اكتفي بالقول
مناسبة ليا.
صمته و عضلاته التي تشنجت عند ذكرها و ايضا ذلك النفس الذي خرج محترقا من بين ضلوعه كل تلك الأشياء جعلت سليم يواجه حقيقه لم يكن يتوقعها أن أخاه وقع بعشق تلك المرأة!
سالم. انت؟
سالم بفظاظة
مش عايز استنتاجات معنديش استعداد أجاوب عليها يا سليم.
تفهم سليم شعور أخيه جيدا فهو بمثل موقفه لا يقدر على التبرير و لا حتى الإفصاح عما يدور بداخله لذا توجه يقف بجانبه ينظر من النافذة وهو يقول بهدوء.
إلى تشوفه يا سالم. بس اكيد مش هتعمل حاجه قبل ما تعدي سنه على وفاة حازم على الأقل. انت عارف الحاجه غير أنه مينفعش.
نجح في إخفاء حزنه وغضبه بداخله و قال بخشونه
متقلقش. مفيش حاجه هتم قبل ما جنة تولد بالسلامه و سنوية حازم تعدي.
هدير سيارة جعل الغضب يحل محل الحزن حيث تبدلت معالم سالم و بدأ متحفزا و كأنه نمر يوشك على الانقضاض على فريسته حين رأى فرح التي ترجلت من السيارة و تتحدث مع مروان بدون تحفظ و ابتسامتها تملأ وجهها و ذلك الوغد يضحك ملأ فمه الذي يود تلك اللحظة أن يعطيه لكمة قوية تُحطِم أسنانه حتى لا يضحك معها مرة ثانيه.
ازدادت شراسة معالمه حتى كادت أنيابه أن تظهر و قال بصوت يشبه الزئير في قوته.
هاتلي الكلب إلى اسمه مروان دا هنا.
تفاجئ سليم كثيرًا من مظهر أخاه و نبرته المتوعدة و لكنه لم يعلق و توجه إلى الخارج فوجد جنة التي كانت تهرول إلى باب القصر عندما علمت من الخدم بوصول شقيقتها فبلغت سعادتها عنان السماء و أطلقت الريح لساقيها حتى تلاقيها و لكنها تفاجئت من تلك القبضة القوية التي أحكمت الإمساك برسغها فالتفتت بصدمه لتجد عينان تعرفهما جيدا فاحمرارهما و ذلك الغضب الذي يميزهما لم تراه أبدا في حياتها سوي عندما شاهدته.
كانت أنفاسها المتسارعة و دقاتها الهادرة و شفتيها المرتعشتين اغواء قاتل لقديس مثله لم يذق معني العشق بحياته و لم يتذوق من شهده رشفه واحده و لكنه الآن متجسد أمامه كالتفاح الحرام الذي يغريه من بعيد و لا يجروء على لمسه. اجل كانت تلك تفاحة أدم التي ستودي به إلى الهلاك.
مش تحاسبي. ازاي تجري بالشكل دا و انتي حامل.
برقت عيناها من حديثه و اهتمامه المفاجئ بها الذي جعلها تقول دون احتراز.
نعم. انت خايف عليا و لا أنا خدت شومة على دماغي باين!
بلمح البرق تركتها يداه بغته و اعتدل في وقفته و حاول إخفاء لهفته الغبيه التي وضعته في مأذق الآن فقال بتهكم
لا الشومه دي فعلا انتي تستحقي تاخدي بيها على دماغك على استهبالك دا!
اغتاظت من وقاحته فقالت قاصده استفزازه
مش قولتلك ملكش دعوة بيا و لو شوفتني بموت كبر دماغك مني! مالك و مالي؟
اشتعل حنقه أكثر من حديثها فقد قالت ما يود أن يقحمه بقلبه الغبي الذي لا يعلم لما يحاوطها بهذا الشكل و لكنه أبى ان يجعلها تظفر بنصر آخر عليه فقال بفظاظة
توضيح بسيط انتي متفرقيش معايا. انا بس خايف عالي في بطنك و إلى حذرتك قبل كدا انك تعرضيه للخطر. قولتلك كدا ميت مرة و لا مقولتش؟
تابعت استفزازه قائله
انت بتقول كتير الصراحه و أنا مبركزش!
هدر بغضب
متضايقنيش احسنلك.
كانت مستمتعه ب إغضابه كما كان يفعل دومًا فتابعت بتهكم
انت كدا كدا على طول متضايق فبلاش تلبسني تهم عالفاضي.
أوشك أن يجيبها فقاطعه صوت مروان المازح حين قال
جنة. بت يا أم حزومبل. انتي فين اختك جت من السفر.
جايه يا مارو اهوة.
هكذا أجابت جنة على مروان و هرولت للخارج تاركه خلفها شعلة من النيران المتأججة التي كانت قادرة على حرقها في تلك اللحظة.
ارتمت جنة بأحضان فرح التي استقبلتها بشوق بالغ فقد كانت تلك المرة الأولي التي تبتعد عنها و كانت تعد الدقائق و الساعات حتى تأتي و تحتضنها خاصة وقد كانت خائفه من تركها وسط هؤلاء البشر ولكن لأول مرة غُلِبت على أمرها و انحنت أمام أوامر ذلك المتسلط.
وحشتيني اوي يا فرح. أخيرًا جيتي.
فرح بشوق
انتي وحشتيني اكتر يا جنة. والله ما كنت عايزة اسيبك اصلا بس للضرورة أحكام. هعمل ايه بس؟
↚
أشياء لا تعرفها عني، انا شخص مُتعب للغاية مُثقل بأحمال لا يتسع كتفي لحملها. عاندت قدري يومًا فأقسم على عقابى دهرًا و انهارت احلامي دفعة واحدة للحد الذي احتارت عيني أيهما تبكي اولًا. ولكني صنعت من حُطامها جدارًا بقدر صلابته يُخفي انهيارات عظيمة و خسارات هائلة لا ينقصها أبدًا وجودك. فمن بين أنقاض الوجع و غياهب الألم هناك شئ بأعماق قلبي تمنى لو تكون أنت أول انتصاراته.
نورهان العشري.
يابوي انت اكده بتظلمني و بتاجي على و على بناتي.
هكذا تحدث محمود مع والده بصوت محشو بالغضب فنهره والده قائلا بصرامه
عتخالف أوامرى يا محمود و لا اي؟ المال مالي و الكلمة كلمتي و انت خلفتك بنات. و مهينفعش أرضنا تروح للغريب واصل.
محمود بحنق
بس ربنا مجالش أكده. في شرع بنمشو عليه.
و انا مجولتش حاچه عايز بناتك ياخدوا حجهم يبجي نخطب فرح لياسين وچنة لراضي.
جن جنونه من إصرار والده فصرخ مقهورا.
يرضي مين دا بس يا عالم أخطب بنات لسه ميعرفوش السما من العمى.
عمران بانفعال
وإني مجولتش يتخطبوا دلوق. الكلام دا يبجي لما يتموا السن الجانوني.
لم يجد بقلب والده مثقال ذرة من الرحمه و قد هاله الإصرار و التصميم الذي يغلف ملامحه فهب واقفا في مكانه و هو يقول بصرامه
وانى مش موافج يابوي. و إن كان عالمال و الارض ميلزمونيش. بناتي اغلي من كنوز الدنيا كلاتها.
فجأة دارت الأرض تحت أقدامه حين هوى والده بصفعه قويه تركت بصماتها على قلبه و كبرياءه و خاصة حين قال
يظهر أن جعدتك في البندر نستك عاداتنا و تجاليدنا. بس اني هفكرك بيهم. و خليك فاكر انك لو خرچت عن طوعي يبجي ملكش حاجه عندينا لانتا ولا بناتك. و هحرمك من كل حاچه.
كانت قساوة والده شئ ليس بالجديد ولكن تلك المرة نال من اغلى شئ عنده لذا قال بتصميم.
يبجي تعتبر انك مخلفتك غير وفيج. و خرچني من حساباتك. وأني إلى مش عايز حاچه منيكوا.
هنا تدخل وفيق الذي كان يرمق أخيه بنظرات ساخطه لعصيانه الدائم لهم
ايه الحديت الماسخ دا يا محمود؟ هتعصي ابوك و لا اي؟
محمود بخيبة أمل
كفاية انت بتطيعه يا وفيج! اني ههملكوا البلد كلاتها و ارحل انا و مرتي و بناتى. مبجاش لينا حاچه اهنه.
تقدم إلى باب الغرفه و ما ان هم بفتحه حتى استوقفته كلمات والده الغاضب.
تلاته بالله العظيم يا محمود لو ما رچعت عن إلى في دماغك ده ما هتردد ثانية انفذ إلى جولته. و هتلاجي نفسك محلتكش حاچة. فكر زين يا ولدى و خد جرارك.
لم يلتفت محمود ولكنه تفاجئ بيد صغيره لطفله جميلة لم تتجاوز الثلاثة عشر عاما تمسك بيده قائلة بجزع مما يحدث
هو في ايه يا بابا جدو ماله بيزعق ليه؟
نظر إلى فرح بحزن تبدد في لحظه و تحول لغضب حارق حسن قال مشددا على كلماته
يالا يا فرح عشان نجهز قدامنا طريق سفر طويل.
فرح ببراءة
احنا مسافرين فين يا بابا؟
التفت محمود ينظر بتحدي يشوبه خيبة أمل كبيرة
راجعين بيتنا. معدش لينا مكان و لا أهل هنا
استفاقت فرح من شرودها في تلك الذكرى البعيدة فوجدت نفسها على رأس مثلث النظرات المتبادلة بينها و بين كلا من ياسين و سالم الذي قال بصوته الفظ
مواعيدك مظبوطه يا دكتور ياسين. اتفضل
ياسين بتحفظ
أشكرك يا سالم بيه.
القي ياسين عليها ابتسامه دافئه تذكرتها بعد كل تلك الأعوام الطويله بالرغم من تحول ملامحه تحول جذري فقد تغير من مراهق خجول إلى رجل جذاب بكل ما تعني الكلمه و لكن تبقي ابتسامته مطمئنه مثلما كانت.
حياها بلطف قبل أن يتوجه مع سالم إلى الداخل و الذي كان هو الآخر يقاتل بضراوة ألم قاتل بنكهة غاضبة ضرب أنحاء صدره بعنف و هو يرى تلك النظرات المُتبادلة بين الثنائي فمنذ أن عرفها لم يرى تلك النظرات بعينيها كانت تبدو ضائعه مُتأثرة لا يعلم بالضبط ولكنه غاضب حد الألم. و كعادته بدا صارمًا مُتجهِم الملامح ثابت الخطى. يتجاهل ألمه ببراعة مثلما تجاهلها فلم تظفر بلمحه من عينيه و هو يتوجه مع ياسين للداخل تاركا إمرأة مُحطمة لم يكن ينقصها سوي أصفاد الماضي النارية حتى تُجهِز على ما تبقي منها.
في الداخل كانت تجلس بخجل كبير منعها حتى من الإلتفات اليه حتى و إن كان هناك شوق كبير يجبرها على اختلاس النظرات منه منذ أن اجلسها سليم إلى جانب والدتهم التي لا تعلم عدد المرات التي شكرته بها على إنقاذ حياة طفلتها
اي حد مكاني كان هيعمل كدا. انا معملتش في واجبي.
امينه بوقار
انت راجل محترم و من اصل طيب يا ابني ربنا يوقفلك ولاد الحلال.
تدخل سالم مقاطعا حمله الامتنان التي شنتها والدته منذ أن دخل منزلها قائلا بفظاظه
انت اساسا من اسماعيله يعني عيلتك و اهلك من هنا؟
كان يشعر بنفور متبادل بينهم فتحدث بلهجه صلفة
اهلى و عيلتي من المنيا. و أرضنا و كل حاجه هناك.
لم تعجبه نبرته و لكنه تابع بفظاظته المعهودة
و ايه اي جابكوا هنا؟
تجاهل ياسين عجرفته وقال بعجرفه
نصيبنا.
تدخل سليم لتهدئه الاجواء التي تلبدت حولهم فجأة قائلا.
انت نورتنا النهاردة يا دكتور ياسين. و شرف لينا أننا اتعرفنا على انسان محترم زيك.
ياسين بود
الشرف ليا يا سليم بيه.
مرت الزيارة بهدوء بعد أن اعتمد سالم الصمت تاركًا المجال للجميع بالحديث الذي اقتصر على تعارف و بعض مزحات مروان و لطف أمينه التي لم تفتها نظرات ابنتها التي تحمل طابعا خاص لذلك المعيد الذي انشرح له صدرها.
انتهت الزيارة سريعا بوعد من ياسين الذي وعد بأن يعوض إلى حلا ما فاتها من محاضرات فلم يعد يتبقي على موعد الامتحانات الا القليل.
قوليلي يا بت يا حلا ايه إلى انا شيفاه دا؟
كان هذا حديث سما التي لاحظت نظرات حلا و ذلك المعيد فاجتاح ملامحها خجل كبير واجابتها بمراوغة
ايه. شايفه ايه؟
شايفه نظرات و همسات من تحت لتحت. و واد قمر طول بعرض و يهبل.
اجتاحها ضيق مفاجئ من تغزلها به فقالت بإنفعال طفيف.
ايه يا بت أنتِ ما تلمي لسانك. أنتِ هتعاكسيه قدامي؟
ابتسامه خبيثه ظهرت على ملامح سما التي قالت
اه يا جزمه بقي في حوارات بتحصل من ورايا. طب انت زعلانه منك
حلا بلهفه
والله أبدا محصلش اي حاجه دا مجرد اعجاب. اقولك. هحكيلك و انتي قولي دا يبقي ايه
سما بحماس
قشطه
شرعت حلا بقص الأمر من بدايته على سما التي كانت منتبه كليا و ما أن انتهت حتى قالت بحيرة
معرفش بقي إلى جوايا دي يبقي ايه؟
سما بحماس
يبقي طبيتي يا جميل.
هي مين دي إلى طبت يا بنات؟
كان هذا صوت امينه التي كانت تقف على باب غرفة الجلوس تناظرهم باستفهام و بجانبها جنة الممسكه بيدها تساعدها فاعتدلت الفتيات و قامت حلا بالحديث بتلهف
لا ابدا. دا احنا بنتكلم على المسلسل بتاعنا.
ما أن أنهت حلا جملتها حتى صاحت سما بلهفه
اه صحيح يا حلا مش للعشق وجوه كثيرة عملوا منها جزء جديد.
اننفضت حلا للحد الذي آلم ذراعها المضمد ووقالت بحماس
بتتكلمي بجد؟
سما بصياح.
اه والله دا زمانه شغال دلوقتي.
هبت سما من مقعدها تدير جهاز التلفاز فتبادل النظرات كلا من امينه وجنة فقالت امينه باستفهام
والله مانا عارفه مين اهبل من التاني. تعالي يا بنتي اما نشوف المسلسل إلى بيحكوا عنه دا
امتعض وجه سما حين رأت جنة تتقدم مع امينه إلى الغرفه فنادتها حلا قائلة
تعالي يا سما جمبي نتفرج عالمسلسل
شعرت جنة بالحرج فقالت
طب هروح انا بقي ارتاح شويه.
هنا صدح صوت خلفهم.
تروحي فين اترزعى الناس بترش الجنينة برا من الحشرات و الحاجات دي خافوا على نفسكوا.
كان هذا صوت مروان العابس على غير عادته فأرادت مشاكسته قليلا فقالت
طب اختفي انت دلوقتي احسن يتلخبطوا فيك.
تعالت ضحكات امينه على مزاحهم و الفتيات فقال مروان بسخريه موجها أنظاره للفتيات
بتضحكوا على خيبتكوا أنتِ وهي. و انتي يالي بقيتي شبه امبوبة البوتجاز انتِ بتتريقي ماشي أما تولدي بس.
صدح صوت حلا الغاضب.
ممكن تخف استظراف شويه المسلسل هيبتدي.
صمت الجميع و بدأ تتر مسلسل (للعشق وجوه كثيرة) قولوا يارب والنبي تبقي مسلسل
ملاحظه
دا اقتباس من للعشق وجوه كثيرة الجزء التاني.
{ تجمعت العائله في يوم مشمس جميل كعادتهم كل اسبوع. فقد أصر رحيم عليه دائما حتى ينعم بجميع احباءه حوله و خاصة أحفاده على رأسهم عزيزه رحيم الصغير الذي كان يشبه والده و جده بالكثير من الصفات و حتى الملامح يناقضه أخيه ريان الذي كان يشبه والدته في جمالها الخارجي و كان يتمتع بحس فكاهي يضفي بهجه كبيرة على اجتماعاتهم إلى تلك الزهرة الجميلة التي كانت تشبه اسمها قولا وفعلا و قد أصر هو على تسميتها بهذا الاسم الذي أسعد كاميليا بصفه خاصة و الجميع بصفه عامة.
و أحباء قلبه عامر و محمود و مراد اولاد رائد الذي لم يفارق بين والده وقد انتوي أن يعوض جده و ذاته عن كل ذلك الحرمان الذي ذاقه لسنوات في البعد و الألم.
و أيضا ثنائي الشر التؤم يوسف و سيف و اللذان يشبهان والدهما أدهم إلى حد كبير فقد ورثوا عنه كل شئ خفة ظله و ملامحه و عبثه حتى جنت المسكينه غرام من أفعالهم و قد كان الجميع يشفقون عليها. ولكن كان الجانب الأكبر من الشفقه يخص مازن الذي رزقه الله بتوأم تيا و تولين و عمار الذي لم يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقد كانت الفتاتين غاية في الجمال كانا نسخة من جميلته كارما و جعله هذا طوال الوقت غاضب فقد كان يغار بشدة على فتياته الثلاث و طوال الوقت يتشاحن من ريان و التؤم المشاغب يوسف و سيف و يقسم بأنه لن يزوج ايا من فتياته بأحد من هؤلاء الاوغاد. و نأتي لذلك الثنائي الهادئ على و روفان و أطفالهم هاشم و مالك و هيا و قد كان الولدان كالقطبين المتنافرين احدهما يشبه على برزانته و الآخر ورث العبث و الجنون ربما من شقيقتيه و أزواجهم. أما صغيرته فقد كانت ناعمة رقيقه كوالدتها بملامح غربية جميله كوالدته.
↚
يالا هنقطعكوا النهاردة.
هكذا تحدث أدهم و هو ينظر لغرامه بمشاكسه فقد اتفقوا على إقامة مباراه لكرة الطائرة بين فريقين فريق الرجال المكون من (يوسف أدهم و مازن و رائد و على) و فريق النساء المكون من كاميليا المُتحفزة و غرام المُتوعدة و كارما المشاكسه و هند الغاضبة و روفان اللامبالية و كان التصميم يرتسم على ملامحهم مما جعل مازن يقترب من تجمع الرجال وهو ينهر أدهم قائلا.
لا بقولك ايه احنا لازم ننهزم بكرامتنا اومال نقطعهم في اللعبة ينفخونا هما في الحقيقة.
وافقه رائد الذي قال بامتعاض
اه والنبي مش طالبه نفخ انا أساسا متخانق امبارح و متنكد على اهلي
رمقه أدهم بتخابث قبل أن يقول
نسيت تقول انك مطرود و مقضي ليلتك على الكنبه في المكتب.
علت صيحات الرجال الشامته من حوله فغلف الغضب ملامحه من انفضاح أمره فاردف بحدة
روح يا شيخ الله يخربيتك. انت يا ابني محدش يستأمنك على سر أبدا.
علي بمزاح
عملت ايه في دنيتك عشان تقع تحت ايد أدهم و هند اللتنين مرة واحده.
مازن بشماته
عمل كتير الصراحه. فاكر لما قعدت تقنع كارما انها تتخصص نفسي من وقتها و أنا بحسبن عليك.
نهرهم يوسف بفظاظة
ماتنجز انت و هو هنقضيها رغي مش فاضيلكوا.
رمقه الجميع بتخابث فبادلهم النظرة بوعيد و قال بصوت جهوري
يالا عشان نبدي.
و بالفعل ابتدت المباراة بين شد و جذب حماس وتوعد من كلا الجانبين و انتهت بضربه قويه من يد كاميليا للكرة فأصابت منتصف وجه أدهم الذي تراجع خطوتين للخلف من شدة الضربة فتراقصت أشجار الحديقه على نغم ضحكاتهم فزمجر أدهم و هو يضيق عينيه التي حل محل ألمها نظرات متوعده و هو يهرول تجاه كاميليا قائلا بصياح
و كمان ليكي عين تضحكي بعد بوظتي معالم وشي. طب وربنا لهوريكي.
توقف على بعد خطوتين منها حين شاهد كلا من رحيم البالغ من العمر تسع سنوات و ريان البالغ سبع سنوات يقفون بشجاعه لحمايه والدتهم فقال حانقا
لا والله واقفين تدافعوا عن امكوا بعد ما فكت صواميل رقبتي مطمرش فيكوا اي حاجه بعملهالكوت ياد انت و هو دانا مطرمخ على نص مصايبكوا
رحيم بفظاظة ورثها عن والده
لا مطبطمرش. و يالا يا عمو من هنا عشان معملش معاك الصح.
و صاح ريان مؤكدا على حديث اخيه.
اه يا عمو اسمع كلام رحيم عشان منزعلكش و احنا بردو بنخبي كل عمايلك السودا عن انطي غرام
صاحت غرام بتوعد
نعم يا سي أدهم مصايب ايه إلى العيال دي ماسكينها عليك. مش كفايه عيالك والي عاملينه فيا
اغتاظ أدهم فصاح معاندا
عاجبكوا كدا يا ولاد يوسف الحسيني طب وربنا لهنفخكوا كلكوا
لم يكد ينهي جملته حتى تفاجئ من حديث يوسف المتوعد و هو يمر بجوارهم
لو لقيت خدش واحد في اي حد فيهم هغيرلك ديكورات وشك بجد.
انهي حديثه غامزا محبوبته التي هرولت نحوه قبل أن ترسل لادهم ابتسامه شامته جعلته يصيح بحنق
حسبي الله ونعم الوكيل في المفتري. ربنا عالظالم.
تعالت القهقهات من حوله و اتخذ كلا منهم مكانه حول المائده ينتظرون طعام الغذاء و توجهت النساء إلى الغرف لتغيير ملابسهم. و ما أن جلس رائد حتى زفر بقوة قائلا بامتعاض
اوف. انا مش عارف اعمل ايه عشان اصالح الست هند هانم. دانا لو بعبر خط برليف مكنش الموضوع هيكون صعب كدا.
شاركه ادهم حديثه قائلا بحنق
يا ابني النكد دا بيجري في دمهم يعني كرات دم حمرا و كرات دم بيضا و نكد.
تدخل على بتعقل
بص يا رائد النكد جزء من شخصياتهم دا شئ مفروغ منه. بس بيبقي درجات على حسب غلط و لا مغلطتش. لو غلطان هيتنكد على أسلافك. لو مش غلطان هيتنكد على اسلاف اسلافك بردو عشان هما مبيغلطوش. فروح أعتذر من سكات احسنلك.
رائد بحنق.
يا ابني والله ما عملت حاجه ليه و ليه عشان طلبت منها تأجل ميعاد الدكتور ساعتين إلى هي اجلته خمستاشر مرة من غير اي اسباب مقنعه مرة مكسله، مرة راحت عليها نومه، مرة معاد مسلسلها المفضل. لكن ازاي اطلب منها تأجله عشان عندي شغل مهم. و المفروض ميعاد متابعتها يبقي كل شهر مش كل اسبوع. انا مش فاهم اومال لو مش معاها تلت بغال. دي كأنها اول مرة تحمل.
رمقه مازن شامتا قبل أن يقول.
ياه شوف ياخي ربنا مبيسبش. فاكر لما قعدت تقنع كارما عشان تتخصص نفسي و تقويها عليا و قال ايه شغلي اوبشن الزن لو لسه معترض يبقي عليكي و على النكد على طول فضلت منكده عليا اسبوعين لحد ما اتنيلت وافقت.
ادهم باستفهام
طب وانت مكنتش موافق ليه. دا تخصص سهل و مريح احسن ما تبقي باطنه و لا نسا و توليد دول المرضي بيصحوهم من عز نومهم و في نص الليل عشان في حالات طارئة.
مازن بانفعال.
كل دا اهون من أن حضرتها تقعد قدام المرضي و يرغوا بالساعات. افرض جالها مريض راجل تقعد تسمعله و يحكيلها و يا سلام لو طلع ابن تيت و عاكسها اتجلط انا بقي.
علي بتأييد
انا عن نفسي موافقك جدا. و لو روفان مكانها كان زماني اتشليت.
مازن بانفعال.
قوله. عشان البغل دا قعد يقوي في دماغها. بس لا انا بردو مسكتش. انا موصي البواب بتاع العيادة اي راجل ييجي يسأل عن دكتورة الامراض النفسيه إلى هنا يفلسعه. و لو رخم و غلس و طلع العيادة الممرضة بردو متفق معاها تفلسعه
تدخل رائد متهكمًا
و افرض أصر و رخم مع الممرضه يا خفيف.
اجابه مازن بوعيد
وقتها بقي هاجي انا افلسعه من الدنيا بحالها.
ما أن انهي صوته حتى صدر خلفهم صوتا نسائيا محملا بقدر كبير من الغضب
ماااازن.
انتهت من وضع اللمسات الأخيرة على مظهرها فقد اخبرها يوسف بأنهم على موعد عشاء عمل في فندقه الجديد والذي أسماه على اسمها فندق الكاميليا مع إحدي عملاءه و بالرغم من ذلك الضيق الذي أمر به إلا أنها لم تريد أن تحزنه فوافقت و هاهي تجهزت بالفعل.
ما أن توجهت لارتداء حذائها حتى وجدته بطل عليها كالقمر في سماء حياتها المضطربه حاليا فانتشت العين برؤيته و الغوص في بحور عينيه الصافيه فتوجهت إليه بخطوات متمهله كانت تتدلل على اوتار قلبه الذي احتوائها بضمه قويه كانت بحاجه ماسه إليها انتهت بقبله دافئه على جبينها بصت قلبها دفء كانت في حاجه ماسه إليه فشددت من احتضانها له الذي أرسل له رساله خفيه عن مدي احتياجها إليه فاحتواها أكثر و أخذ ينثر عشقه فوق خصلاتها الذهبيه قائلا بغزل.
كل طله ليكِ قادرة تخطف قلبي خطف. هنبطل نحلو امتا بقي
كاميليا بحنو
عيونك إلى حلوين اوي عشان كدا شايفني دايما حلوة.
أدارها بأحضانه دون أن يفلتها فغرق ببحور العسل الذائب بعينيها فخرج صوته متحشرجًا
أنتِ مش بس حلوة. انتي الدنيا بتحلى بيكِ
تنفست رائحته العطرة قبل أن تقول بخفوت
احساسك بيا متغيرش بعد كل السنين دي؟
أجابها بلهجة تحمل من العشق اطنانا.
السنين بتمر ثواني جمبك يا كاميليا. وجودك في حياتي نعمه بشكر ربنا عليها كل يوم
صدح قلبها معلنا
بحبك يا يوسف.
اقترب منها بأنفاس تنتشي بقربها واضعا قبلة ناعمه على جدار عنقها قبل أن يقول بجانب أذنها
يوسف بيعشقك.
تأبطت ذراعه بكل فخر و سارت بجانبه إلى أن وصلوا لاحدي القاعات الخاصه بالفندق و ما أن وصلوا لباب القاعه حتى تفاجئت به يضع شريط من الستان فوق عينيها و يده تلتف بنعومه حول خصرها بينما داعبتها انفاسهها الساخنه حين قال بخفوت
تعالي معايا.
أطاعته و كأنه كل شئ بها اقسم على الانصياع لذلك الرجل لا يليق به سوي العشق فقد خلق لها بداخل صدره جنة لها وحدها و توجها ملكه من بين جميع النساء.
خطت عدة خطوات إلى أن توقف بها ويده لم تفارق خصرها و باليد الأخرى فك الرباط. عن عينيها فتفاجئت حسن وجدت نفسها في قاعه كبيرة تخلو تماما من البشر يتوسطها مسرح كبير يقف عليه مطربها المفضل قيصر المشاعر و ملك العشق كاظم الساهر فشهقت واضعه يدها فوق ثغرها و التفتت تناظره بفرحه ممزوجه بصدمه من وقع المفاجأة سرعان ما تبددت و تحولت إلى سعادة غامرة حين صدحت كلمات تلك الأغنية الرائعه.
أشهد أن امرأة أتقنت اللعبة إلا أنتِ. و احتملت حماقتي عشرة أعوامًا كما احتملتِ. واصطبرت على جنوني مثلما صبرتِ وقلمت أظافري ورتبت دفاتري. وأدخلتني روضة الأطفال. إلا أنتِ
تناثر اللؤلؤ من عينيها على هيئه عبرات تابعه من قلب لم يعد يسع تلك الفرحة التي يشعر بها الآن فامتدت يده الحانية تزيل عبراتها بحنو نبع من عينيه العاشقه و تجلي في نبرته حين قال بصدق.
اول مرة احتار في حياتي زي ما انا محتار دلوقتي. مش عارف اعبر عن إلى جوايا ليكِ بس عايز اقولك شكرا. بجد شكرا على كل مرة اتحملتيني فيها. و كل مرة طبطبتي على وجعي و هونتي عليا دنيتي. شكرا أنك كنتِ بتتحملي عصبيتي و زعيقي و في عز تعبك تحتويني. شكرا عشان كل المجهود إلى بتبذليه مع ولادنا و أنا مش موجود او مش فاضي. شكرا على كل لحظه صعبه عديت بيها قدرتي تحوليها للحظة حلوة بوجودك. شكرا على وجودك في حياتنا إلى انتي نورها. يا نصيبي الحلو من الدنيا.
ازدادت عبراتها في النزول على خديها الورديين و تعالت دقات قلبها التي صرخت تزامنا مع الحان الاغنيه خلفها
انا بعشقك يا يوسف. انا إلى مش لاقيه كلام يوصف قد ايه احساسِ بيك
يوسف بعشق
من غير ما تقولي انا شايف في عنيكِ. انا ماحبتش نفسي غير فيهم. و مش عايز من دنيتي غيرهم.
تنهدت سما بهيام وهي تقول بوله
يارب واحد زي يوسف الحسيني دا و مش عاوزه حاجه تاني من الدنيا والله
أيدتها سما بحالميه.
اه والله شفتي حلاوته و لا رقته و لا حبه ليها
زجرها مروان مؤنبا
ايه يا بت المُحن دا. ما تتعدلي.
سما في محاولة لاستفزازه
وانت مالك انت غيران منه و لا ايه؟
نجحت في استفزازه ولكنه حاول ابتلاع غضبه قائلا باستنكار
اغير من مين يا بت أنتِ دانا اغير من تحت باطي و لا اغيرش منه. دا كفايه انك بتحبيه دا لوحده سبب كافي اني أكرهه.
سما باستفزاز
عشان معقد.
مروان بتهكم.
↚
حوش مين بيتكلم. السيدة الأولي في النكد. دانتي من كتر مانتي مكشرة شويه و هيطبعوا صورتك على علب السجاير و يقولوا إلى هيشرب سجاير هنجبله سما.
انفعلت سما من حديثه المهين في نظرها و قالت بغضب حارق
شايفه يا مرات خالي بيقول عني ايه
نظرت له امينه بتوبيخ
بس يا واد يا ابو لسانين انت. و بعدين ما الواد حلو و يتحب هما جابوا حاجه من عندهم يعني.
تدخلت حلا قائله بشماته.
ايوا و عشان كدا غيران منه. ماتحاولش ودانك مدخنه أهيه
تدخلت ريتال التي كانت تشاهد ما يحدث من البدايه بصمت
الصراحه يا عمو انت بتغير منه من الجزء الأول و بتحقد عليه عشان عنيه زرقا و انت عنيك حوله
مروان بانفعال
مين إلى عنيه حوله يا بت؟ دفعولك كام عشان تبيعيني وحياة امي لهربيكِ يا ريتال الكلب.
قهقه الجميع على حديث ريتال وتابعت حلا بسخريه
الغيرة هتنط من عينه يا عيني.
مروان بتهكم.
بس يا بت يالي مش لاقينلك قطع غيار انتِ. و بعدين انا مبغيرش انا بحقد بس. شايفين الفرسة إلى معاه عامله ازاي؟ قال و عايزين واحد زيه دانتوا شبه وش رجلي.
تدخلت امينه لفض ذلك النزاع الذي أصابها بالصداع.
خلاص بقي أنت و هي صدعتونا و بعدين هما مش معجبين بيه عشان هو حلو و امور معجبين بيه عشان بيحتوي حبيبته و بيخاف عليها. و دي اكتر حاجه تخلي الست تتعلق بالراجل أنه يبقي ليها ضهر و سند و كتف ترمي كل حمولها عليه. و لا ايه يا جنة؟
تفاجئت جنه من حديث امينه التي نهش بأعماق جراحها الغائرة والتي لا تستطيع الإفصاح عنها أبدا و غمرها الخجل من تلك الأزواج من العيون التي كانت تطالعها و خاصة تلك العيون المتقدة بنيران لا تعرف سببها ولكنها حاولت الفرار من بين براثنها حين قالت
طبعا. لو الراجل مكنش امان و سند و احتواء يبقي مالوش لازمه.
كان بحديثها شئ ناقص. و بملامحها تعابير مختلفه و كأنها تحكي عن شئ لم تختبره مسبقا أو لنقل جرح غائر كان منبعه غدرا ما. لا يعلم و لكنه شعر بأن هناك شئ ما تخفيه خلف قناع الجمود هذا.
بعد مرور شهر و نصف كانت الأوضاع خارجيا هادئه و داخليا هناك نزاعات و حروب و براكين تهدد بالانفجار في اي لحظه فقد أزالت حلا ضماد قدمها و خضعت لعدة جلسات طبيعيه لتمرين قدمها على الحركه من جديد و قد كان الشغف يملي قلبها للعودة إلى الجامعه مباشرة حتى تراه بعد كل هذا الغياب الذي ملئها بمشاعر قويه لا تعرف كنهها. هدأت الأجواء بين سليم الذي اختار الغياب عن المنزل لأيام طويلة ظنا منه أن البعد قادر على قتل مشاعره نحوها و لم يدري بأنه هناك بركان خامل بجوفه ينتظر شرارة واحده للاشتعال بينما كانت هي تتلظي بنيران شوق محرم على قلبها العاصى الذي يخالفها دوماختي أنها ودت للحظات لو يتوقف عن النبض حتى ترتاح ولكن حين تستشعر حركه صغيرها أسفل بطنها و الذي بلغ شهره السابع تنهر نفسها فهي قد وهبت حياتها له حتى تعوضه عن غياب والده.
كانت دائما امرأة قويه تختار أن تقف على ارض صلبه حتى لو كانت رمالها اشواك تنغز بقلبها و لكن يكفيها أنها تعرف دائما وجهتها حتى لو خالفت هواها ولكنها الآن مطوقه بأصفاد ما حدث بالماضي و الذي يمنعها من التمسك بطوق نجاتهم الوحيد الذي لا تعلم لما ظهر الآن تحديدا فهناك شهور قوي بداخلها يخبرها بأن تخطو خطوة للأمام و آخر يدفعها للتراجع ولكن إلى متي؟ إلى متى ستهرب من هذا الوضع فبعد بحثها تأكدت كل التأكيد من أن ياسين ابن عمها وفيق و هو ذلك الرجل الذي ذهب للبحث عنهم في منزلهم كما أخبرتها جارتها.
لما ظهر في هذا الوقت تحديدا و لما بدأ بالبحث عنهم؟ هل لاصفاد الماضي دور ام انه جاء لتصحيح أخطاء من سبقوه؟ لا تعلم ولا تعلم أيضا ماذا عليها أن تفعل؟
زفرت بتعب و تابعت النظر في أوراقها غافله عن ذلك الذي دخل الى الغرفة دون أن تلحظ فقد كانت غارقه في أفكارها للحد الذي لم يجعلها تنتبه له و قد تعاظم الغضب بداخله من هدوئها الجديد كليا عليه فقد اشتاقها بشدة اشتاق لنزال ينتهي بابتسامة عذبة من شفتيها أو ردا لازعا ناتج عن استفزازه لها و الاكثر من ذلك أنه يملك كبرياء لعين يمنعه من التعبير عن شوقه الضاري لها. و لا عن خوفه العظيم من هدوئها هذا فهناك هاجس ينتابه بأن سبب هذا الهدوء رغبتها في التخلي عنه. أو التنصل لأمر زواجهم. او أن يكون هناك شئ بينها و بين ذلك الرجل. كان هذا اقسي ما مر عليه بحياته فقد التقطت أذنيه سؤالا عابرا منها لشقيقته عن أن كانت تعرف موطنه الأصلي. كان اهتماما مخالف بشخصيتها اللامباليه. اهتماما القي به إلى قعر الجحيم. من أن يكون هناك شئ ما تكنه لذلك الرجل.
كان هاجس استنكره قلبه بشدة و كأنه شبح يطارده فقام بالطرق بقوة على المكتب أمامه فاصطدمت يده بالمرمدة التي كانت لها حافة مدببه جرحت يده فتناثرت الدماء منها فخرجت منه اهه غاضبه جذبت انتباه تلك التي فزعت حين رأت دماءه و هرولت إليه قائله بذعر
سالم. انت كويس؟
كانت هناك لهفه بصوتها جذبت أنظاره إليها متناسيا جرحه فلامس الذعر المرتسم بعينيها و احترق بلمسه يدها التي جلبت أحدي المحارم لتضعها على جرحه حتى تُحجم من اندفاع الدماء قائلة بصوت مرتعب
ايه كل الدم دا. الجرح شكله كبير انت لازم تروح لدكتور يخيطه
تجاذبته دقاته الهادرة التي كان منها مُتأثرا بلهفتها و آخر مستنكر لذلك العذاب الذي كانت هي السبب به و لكنه فتجاهل كل شئ و جذب يده من بين يدها قائلا بفظاظة.
متشغليش بالك. دا جرح بسيط.
جذب يديه من يدها و عينيه المتعلقة بعينيها فعاندته متمسكة بكفه المجروح بين كفيها
لا مش بسيط. و لو مش عايز تروح لدكتور على الاقل سبني اشوفه.
جز على أسنانه بغل تجلي في نبرته حين قال
قولتلك متشغليش بالك.
لا تعلم اي شجاعه تملكتها لتقف أمامه الند بالند مواصله عنادها
لا هشغل بالي و هشوف الجرح.
كان للتصميم المرتسم على ملامحها و العناد الذي يغلف ملامحها وقعا خاص على قلبه الذي لامس اهتماما كان يتوق إليه و ايضا قربها منه لهذه الدرجة ملامستها لجراحه النازفة التي لا تساوي مثقال ذرة من جراح داخليه تعج بالألم كل تلك الأشياء اخضعته لها بشكل لم يعهده. و رغما عنه ارتسم بنظراته العتب و غلف نبرته حين قال
مالك.؟
كانت كلمه مختصرة عنت لها الكثير. فقد كانت تحتاج إليه بصورة غريبة كليا عنها بعد كل هذا التجاهل الذي أمطرها به طوال تلك المدة و ايضا كل تلك الأحداث التي ضربت ثباتها في مقتل. فلانت نبرتها قليلا و اخفضت رأسها بقلة حيلة حين قالت
مالي. مانا كويسة اهوة
شعر بشئ خاطئ في نبرتها و تبدل ملامحها فمد يده يرفع رأسها إليه قائلا بلهجه يشوبها الاهتمام
فيكِ اي؟ حاجه مضيقاكِ؟
لا تعلم ماذا تخبره فهي كمن كان يقف على رمال متحركه لا تعلم لما عاد الماضي الذي بذل والدهم الغالي و النفيس حتى لا يجعلهم يتأذوا بسببه و الآن عاد ليظهر على السطح من جديد وهي لا تعرف هل عليها مواجهته ام الهروب منه؟
مفيش. انا بس بتوتر كل ما جنة تتعب أو يقرب ميعاد ولادتها.
كانت إجابة واهيه تحمل من الكذب أكثر مما يتخيل فأكتفي بأن انتزع يده من بين كفوفها بعد أن نظفت الجرح و ضمدته فهب من مكانه و قال بفظاظة.
انا هفاتح الحاجه في موضوع الجواز النهاردة
صاعقو أصابت ظهرها من حديثه فقالت باندفاع
وليه تتسرع. مش قولنا مش هيبقي في حاجه غير بعد ولادة جنة
نجحت و بجدارة في ان تُخرج شياطين الجحيم القابعه بداخله فقال بغضب
انا مش فاهمك؟ أنتِ ايه حكايتك بالظبط. انا مابحبش اللوع و مش عايز اغير نظرتي فيكِ.
تراحعت خطوتين من هجومه المباغت الذي كان كفيضان قوي ضرب سد هش فحطمه بلمح البصر. فانكسرت لهجتها لأول مرة أمامه حين قالت.
إلى انت شايفه اعمله.
ألقت جملتها و ولت من أمامه هاربه لا تعلم لما هربت و لما أصبحت ضعيفة إلى هذا الحد ولكنها لم تعد تحتمل كل تلك الضغوطات التي تمر بها.
يوم أخر انقضى و كان طويلا عليها فهي في الصباح ستذهب الى جامعتها و ستراه أخيرا بعد كل تلك الفترة من الغياب لا تعلم كيف بدأ بالتسلل إلى داخلها ولكنها تشعر بأن هناك شئ قوي يجذبها إليه فهو يملك كل مقومات البطل الذي لطالما حلمت به. و تعلم بأنه هناك شئ ما داخله لها فقد سمعت بعضا من حديثه لها في المشفى حين كان يظنها نائمه و منذ لك اليوم تبدل كل شئ بعينيها و قد راق لها ذلك الشعور الذي أخذ يتسرب إلى داخلها من أن رأته ولكنها لم تكن تفهم كنهه. و لم تكن هي وحدها من تمكن منها اللهفه و الشوق فقد كان هو الاخر يشاطرها الشعور وربما اقوى فقد كان يتوق لليوم الذي سيراها به فقد مل من رؤية الصور الفوتوغرافية التي يعج بها حسابها الشخصي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي و أشتهي لقاء قريب يراها به أمامه و يقر عينه بجمالها و رائحتها العذبه.
دلف إلى مكتبه في الجامعه و قام بالجلوس على مقعده و هو يعبث بأشياءه فلفت انتباهه رنين هاتفه الذي التقطه مُجيبا بلهفه
بالله عليك يا شيخ قول حاجه تفرحني.
عزت بارتباك
هو في خبرين واحد هيفرحك و التاني.
ياسين بقلق
في ايه ياعزت طمني
بصراحه يا ياسين انا عرفت مكان بنات عمك الجديد. عما عايشين عندك في اسماعيليه.
وثب قائما حين سمع حديث عزت و قالت بصدمه.
انت بتقول ايه هنا في اسماعيليه؟ طب ازاي؟ يعني بيعملوا ايه هنا و عايشين فين
عايشين في مزرعة عيله كبيرة اوي اسمها عيلة الوزان.
ياسين بصدمه
ايه؟ انت بتقول ايه يا عزت؟
تعثرت الكلمات عند شفتيه ولكنه لم يستطيع أن يخفي هذا الأمر عليه فقال.
بصراحه يا ياسين جنة بنت عمك كانت متجوزة حازم ابنهم عرفي و حصلت حادثه حازم دا مات فيها. وهي بعدها راحت تعيش عندهم هي و فرح اختها. عشان للأسف عرفوا أنها حامل بعد ما مات بكام شهر
انهالت الصدمات فوق رأسه للحد الذي جعله يسقط على الكرسي خلفه و يسقط معه الهاتف من هول ما سمعه ولكن لم تتيح له الفرصة حين رأي تلك التي كانت تقف أمام عتبه باب المكتب. فصاح مزهولا
أنتِ!
دلفت فرح بأقدام متراخيه إلى داخل الغرفة وقالت بهدوء ظاهري
ممكن اتكلم معاك؟
لا يعلم هل غضب ام انزعاج ام مازال تحت تأثير صدمته ولكنه نصب عوده الفارع و لملم اشياؤه و هو يقول بجفاء
هنتكلم. بس مش هنا. اتفضلي معايا.
اطاعته بدون اي حديث فمن الواضح بأنه قد علم هويتها جيدا بل وصل إلى ابعد من هويتها فهو لابد و أنه علم تلك الكارثه التي حلت فوق رؤوسهم منذ سبع شهور لهذا لم أطيل و توجهت معه إلى حيث يصف سيارته أمام باب الجامعه و صعدت إليها منتظرة منه أن يبدأ في الحديث فطال صمته للحد الذي جعلها تأخذ نفسا قويا قبل أن تقول
انت عرفت...
قاطعها حين قال بجفاء
إلى عرفته دا صح!
كان هذا المشهد يحدث أمام تلك التي شعرت بطلق ناري يستقر في منتصف قلبها حين شاهدته مع تلك المرأة. فانهالت عبراتها بقهر تجلي في نبرته حين قالت
عشان كدا كنتِ بتسألي عنه. وحياة ربنا لهوديكي في ستين داهيه.
شعر بالذنب الذي أخذ يأكله من الداخل حين سمع كلماتها و نبرتها المنكسرة و ايضا هروبها فمنذ أن حدث ذلك الصدام بينهم البارحه لم يرها و لم تأتي اليوم أيضا فشعر بالغضب من نفسه و منها فهي دائما ما تلقي به في حيرة لعينه لا يعرف كيف ينجو منها يريد أن يطمئنها و يحتوي وجعها وهي تكابر و تضعه بمواقف لم يتخيل نفسه بها أبدت ناهيك عن مشاعر تقاتله بضراوة و تفتك بثباته و هدوءه فتجعله كمن يتلظي بنيران لاتكفي انهار و محيطات العالم في اخمادها.
طرق على الباب انتشله من تفكيره المظلم تلاه دخول والدته التي كانت تبتسم بهدوء فهي أكثر من يعلمه و يشعر بتخبطاته ولكن هذه المرة كان الأمر مختلف
نعمه قالتلي انك عايزين يا سالم.
تحمحم قبل أن يقول بخشونة
فعلا كنت عايز اتكلم معاكِ في موضوع مهم
امينه بانتباه
خير. موضوع اي
زفر الهواء الذي يملئ صدره دفعه واحده قبل أن يقول بإختصار
انا قررت اتجوز.
لونت الصدمه تقاسيم وجهها وقالت بلهجه مدهوشه
تتجوز!
سالم باختصار
بالظبط.
كان للتصميم يرتسم على ملامحه مما زاد من فصولها
فقالت باستفهام
باين عليك انك واخد قرارك و بتعرفني. ماشي بغض النظر عن أن الوقت مش مناسب بس عايزة اعرف مين إلى خلتك تتنازل و تاخد القرار دا؟
كان يود لو يطلق العنان لضحكه قويه بنكهه مريرة تؤلم جوفه فهو بحياته لم يتخيل أن تجعله امرأة يسقط لها بتلك الطريقه النكراء بالنسبه لكبرياؤه ولكنها لم تكن اي امرأة بل كانت كتلة من النيران التي احرقته. فأسقطت مقاومته كان ظاهريا هو المنتصر بكل نزال بينهم ولكنها فعليا انتصرت و بقوة عليه و قلبه الذي يتمني أن تعطيه اي بادرة نور كي يفصح عن عشق اهوج ضاق به صدره
فرح.
شقه خافته خرجت من جوف أمينة حين سمعت اسمها فهي حتى و إن ظنت بوجود بوادر اعجاب خفي بين طيات نظراته ولكنها كانت تعلم ابنها جيدا و أنها ليست من نوعه المفضل ولكن حديثه هذا ضرب بكل توقعاتها عرض الحائط فقالت باستنكار
فرح اخت جنة؟ عايز تتجوز فرح اخت جنة يا سالم؟
سالم بثبات ينافي ضجيجه الداخلي
بالظبط يا حاجه. عايز اتجوز فرح اخت جنة.
كانت حلا تقف أمام باب الغرفة مصدومه مما سمعته فتلك المرأة تنوي أن تسرق منها كل شئ جميل تمتلكه. فقد كانت تريد شكواها لأخيها و هاهي تتفاجئ به يريد الزواج منها هي و شقيقتها افاعي سامه اقتحموا حياتها و دمروا كل احباءها و الآن يسرقون المتبقي منهم فلم تستطيع منه نفسها حين فتحت الباب على مصرعيه وهي تقول بقهر
-و ياترى انت واثق فيها علشان تتجوزها؟
غلت دماءُه من حديثها وكسى الغضب ملامحه ونبرة صوته حين قال.
- تقصدى إيه بكلامك دا؟!
أجابت بقلبً محترق
- روح دور عليها و شوفها خرجت من هنا تتسحب ليه و علشان تقابل مين أو اقولك خد شوف دى!
فتقدم منها بأدام متراخيه يمسك بهاتفها بيد مرتعشة تشبه رعشة قلبه الذي أردته الصدمه صريعاً حين وقعت عينيه عليها جالسه مع ذلك الرجل!
فجأة انهار عالمه و تأكدت شكوكه في نظراتها له التي كان ارتعب قلبه منها. ولكنه هناك رجاء خافت بداخله يخبره بأن يتحري قبل أن يصدر حكما بالاعدام في حق تلك ا لعلاقه التي ارهقته كليا قبل أن تبدأ حتي.
انتِ جبتي الصورة دي منين؟
حلا بانفعال
انا إلى صورتها قدام الجامعه عندنا. شوفتها وهي خارجه معاه وقعدوا يتكلموا شويه في العربيه و بعدين مشيوا سوي وياعالم راحوا فين؟
نهرتها امينه بغضب.
حلا. خلي بالك من كلامك و بلاش نرمي الناس بالباطل.
استقرت كلمتها في منتصف صدره الذي ضاق فجأة و حتى أوشك على الاختناق و قام بإغماض عينيه بقوة يمنع حقيقة تنهش بداخله و لكنه تفاجئ بوالدته التي رق قلبها لهول ما رأته بملامحه وقالت بنصح
اتحرى يا ابني قبل ما تصدر حكمك على حد. الظلم وحش.
صرخت حلا بقهر
ظلم ايه بقولك شيفاهم بعيني.
قاطعتها امينه بصرامه
اسكتِ يا حلا و اتفضلي على اوضتك يالا.
خرجت حلا التي كانت القهر يأكلها من الداخل و تبعتها امينه بعد أن أغلقت الباب خلفها لتتركه بين نيران جحيميه تحيط به من كل اتجاه فلأول مرة بحياته يظهر بهذا الشكل امام عائلته فقد أطاحت تلك المرأة بكل شئ يملكه قلبه ثباته كبرياءه حتى هيبته امام عائلته.
لحظه توقف بها الزمن و قام بتخدير كبرياءه منساقا خلف توسل لعين داخله أجبره على التقاط هاتفه و قام بالاتصال بها و مع كل رنه لا تجيب بها يتشعب الغضب و يتوغل أكثر إلى داخله إلى أن أشفقت به و إجابته بصوت مهتز بعض الشئ فباغتها سؤاله الجاف
أنتِ فين؟
ارتبك صوتها قليلا و احتارت هل تشرح له و ما الذي يمكنها شرحه و ايضا نظرات ياسين الغاضبة المسلطه عليها أجبرتها أن تلجئ للكذب فأجابته بثبات واهي.
انا بره بشتري شويه حاجات و راجعه على طول. في حاجه؟
و كأن احد هوى بمطرقه قويه فوق قلبه الذي اجتاحه ألم هائل فخر صريعا بعد أن تأكد من كذبها عليه الذي جعل عالمه كله ينهار أمام عينيه كبيت هش صُنِع من الرمال وهو الذي ظنه صلب كالفولاذ.
كانت تدور بغرفتها كمن أصابها مسًا شيطانيا لا تهدأ أبدا تشعر بحقد كبير و ألم عظيم بداخلها يجعلها اقرب إلى الجنون فحاولت سما تهدئتها قائله
اهدي يا حلا شويه. متعمليش في نفسك كدا. أنتِ متعرفيش في ايه؟
تدخلت همت بغضب من ابنتها وقالت موبخه
تهدي ايه أنتِ كمان. بتقولك شافتها معاه في عربيته. ايه إلى هيجمعهم يعني؟ دول بنات سفله و مش متربيين. و أنتِ اول إلى اتقرصوا منهم.
سما بغضب من والدتها.
خلاص يا ماما بقي هي ناقصه كلامك دا مانتي شايفه هي متعصبه ازاي؟
↚
ست أمينة سالم بيه خرج من شويه و مردش عليا لما نادتله.
هكذا تحدثت نعمة بعدما أطلت من باب غرفة امينه التي كفكفت عبراتها التي لم تفرغ بمرور الأيام بل تزداد حتى أنها باتت الشئ الوحيد الذي يواسيها في ليلها الطويل مع ذكريات بقدر روعتها مؤلمه عن فقيد قلبها الغالي الذي لا يفلح كل شئ في تعويض غيابه
ناوليني الطرحه يا نعمه.
اقتربت منها نعمه و هي تساعدها على النهوض قائلة بعتاب خفي
بزياداكي بُكى يا حجه. صحتك.
امينه بألم محفور في تجاعيد وجهها و ثنايا قلبها
البُكي دا نعمة من عند ربنا. لولا شويه الدموع إلى بتنزل دي مكنتش القلوب هتتحمل وجعها.
نعمة بإشفاق على حالها
ربنا يهون عليكِ يا حاجه. بالرغم من كل إلى انتِ فيه إلا أنك بتهوني على الكل.
اخرجت وجعها على هيئة زفرة قويه و هي تقول
مقداميش غير كدا. قلبي مش حمل وجع تاني. عايزة اطمن عليهم. ربنا عوضني بابن حازم. ولازم اطمن أنه ميبعدش عن حضني أبدا.
طب يا حاجة انتي مش عارفه اذا كانت أمه هتوافق عالي في دماغك دا ولا لا؟ و كمان سليم بيه صعب تقدري عليه
انكمشت ملامحها بألم ثم تابعت ارتداء حجابها وهي تقول
إلى ربنا عايزه هيكون. المهم اني اطمنت انها بنت كويسه.
ربنا يقدم إلى فيه الخير و يبرد قلبك يارب.
دق باب الغرفة و أطل منه سليم فأمرت امينه نعمه بالانصراف و قالت بهدوء
تعالي يا سليم اقعد
لم يتفوه بحرف فتوجه إلى حيث أشارت و جلس بهدوء فاقتربت منه قائلة.
انت شوفت سالم قبل ما يخرج؟
سليم بجفاء
لا. مع أنه المفروض كان يستناني عشان ورانا حاجات مهمه. معرفش ايه اللي حصل و خلاه خرج فجأة
زفرت امينه بتعب و قالت بصراحه صدمته
انت كنت عارف أنه عايز يتجوز فرح؟
التفت يناظرها بذهول سرعان ما انمحي و حل محله الجمود حين قال
ايوا كنت عارف.
أمينة بعتب
- ومقولتليش ليه؟
سليم بفظاظة
الموضوع ميخصنيش عشان اتكلم فيه.
نجم في استثارة غضبها فقالت
الموضوع يخصنا كلنا لو مش واخد بالك.
سليم بامتعاض
أنتِ عارفه سالم يا حاجه. و عارفه انه لا بياخد رأي حد و لا بيحب حد يدخل في إلى يخصه. و بعدين افهم من كلامك دا انك مش موافقه؟
احتارت هل تخبره بما حدث و تشوه صوره تلك التي من المُحتمل أن تكون مظلومة فهي تعرف اندفاعه جيدًا لذا قالت بمراوغه
الموضوع زي ما قولت يخصه. و بعدين هو لسه متردد.
رفع حدي حاجبيها قائلا باستنكار
سالم متردد!
انكمشت ملامحها بالحيرة فقالت مغيره الموضوع.
قولي يا سليم انت إيه رأيك في البنات دول؟
دفعته بحديثها إلى حقل ألغام لا يقدر أن يخطو به خطوة واحدة فآثر أن يجيبها بشكل عائم
ماليش راي. يعني مبركزش. معرفهمش
كانت تعلم بأنه يراوغها فاهتزاز ملامحه وتغير نبرته خير دليل على ذلك و لذلك آثرت الحديث بصراحه فقالت
طيب يا سليم بما اني اكتر واحده عرفاك فهتكلم بصراحه لو قولتلك ايه رأيك تتجوز جنة هيكون ايه ردك؟
لم يتخيل للحظه أن والدته ستعرض عليه هذا الأمر أبدا و معني ذلك أنها تري أعماقه بشكل اغضبه كما اغضبه ضجيج قلبه الذي عصى عليه لأول مرة بحياته و أوقعه بذلك المأزق و لأنه يتنفس الكبرياء قال بطريقه صدمتها
هرفض طبعا ايه إلى انتي بتقوليه دا يا حاجه؟
كانت تتوقع رده ولكن تلك الطريقه الصارمة و كأنها تعرض عليا جريمه نكراء أصابها بااصدمه فقالت.
لما عرضت عليك تتجوز سما كنت متأكدة من انك استحاله توافق. إنما جنة! ليه
خربشت بأناملها على جراحه النازفة بعد أن وضعت سيف الحيرة على رقبته و ألقت به فريسة بين أنياب العشق والوجع في حرب الكبرياء الطاحنة التي تنهش جوانب صدره بضراوة والتي حسمها عقله حين أعلن العصيان على قلبه فرجل مثله بلغت عزته عنان السماء و لا يقبل الانحناء أمام مذلة العشق أبدًا حتى ولو كان عشقها!
لو كنت رفضت سما مرة ف جنة هرفضها ألف مرة.
هكذا أجابها بلهجة جافة لا تحمل أيًا من مشاعره المُبعثرة و لا آلامه الدفينة
انفعلت قائله بعتب
وليه عايز تعذب نفسك؟ بتلف طوق الذنب حوالين رقبتك ورقبتها ليه؟ عنيك معريه قلبك يا سليم.
ثارت جيوش تمرده على كلماتها و رفع رأسه بشموخ ينفي عن نفسه عار تلك المشاعر المسمومة قائلًا بنبرة مغترة
قلبي ملكِ. يوم ما يعصي عليا احطه تحت جزمتي.
كانت تعلم معاناته ف تحلت بفضيلة الصبر و قالت بنبرة مُتزنة
طب قلبك هتحطه تحت جزمتك طب و واجبك تجاه اخوك وابنه.
كان يعلم هدفها فتجاوزه ببراعة
ابنه في عنيا وعمري ما هخليه يحتاج لاي حاجه أو اي حد و أنا موجود.
وصلت لمبتغاها فقالت بتخابث
طب و هتقبل أنه يتحرم من أمه؟
تقصدي إيه؟
اقصد أن جنة صغيرة وحلوة والف مين يتمناها و طبيعي هتفكر تتجوز خصوصا انها معاشتش حياتها وقتها هتسيب ابن اخوك يتربى مع حد غريب؟ ولا هتحرمه من أمه.
نجحت في تسديد هدف قاتل في مرماه فهي أكثر من يعلمه و ملامحه التي كانت مِكفهرة مُستنكِرة خير دليل على ظنها و خاصةً حين وجدته ينتفض بقوة كالملسوع في قلبه قائلًا بانفعال طال كل ذرة من جسده
الكلام دا مش هيحصل ابدًا. يعني ايه تتجوز تاني! مجنونه دي ولا ايه؟
في قانون الكبرياء سأحبك دائما حتى لو رفضتك للأبد
و في قانون القلب سأُشعِل الف حرب على الكبرياء والقدر حتى اظفر بسلام قربك.
وفي قانونه الخاص سأكتفي بعشقك حتى و لو كان العشق دائي و سأرفض قربك حتى و لو القرب دوائي. ولن ينجو كلينا من بطش كبريائي. فلن تكوني لي و لن تكوني لغيري فما أنا برجل يقبل أن يكون فدائي...
لا مش مجنونه يا سليم. دي بشر لحم ودم بنت لسه صغيرة من حقها تعيش حياتها زي باقي البنات. دي الحقيقة اللي مينفعش نعمي عيوننا عنها.
أظلم قلبه بعد أن احترق بنيران الغيرة حتى صار بركانًا أن ثار لن يقف بوجهه أحد
بطلي كلامك دا. انتي بتقولي كده عشان تستفزيني صح؟ طيب خديها مني بقي عشان ترتاحي جنة عمرها ما هتكون لراجل تاني ابدًا واي حد هيفكر يقرب منها يبقي حكم على نفسه بالموت.
نجحت في إخراج وحوشه الكامنة و إضرام النار بغيرته القاتله والتي جعلتها تشعر بالشفقة عليه فقالت بأسى
وليه الوجع يا ابني؟ ليه تظلمها و تظلم نفسك.
بعينين هالكتين و قلب فتت الوجع أضلعه من شدة قساوته. القي بحمله الثقيل الذي لم تفلح قوته في تحمله وقال بصراخ.
عشان متنفعش! متنفعش أأمنها عليا ولا على بيتي. انتي عارفه هي اتجوزت حازم ازاي؟! دي محافظتش على نفسها وفرطت فيها بالشكل المُهين دا! أسلمها اسمي و شرفي ازاي!
شهقة قويه خرجت من جوفها حين سمعت ما تفوه به و لم تكد تتحدث حتى سمعوا صوت نعمة وهي تقول بلهفه
ست جنة. يا ست جنة.
سقط قلبه بين أضلعه حين سمع اسمها و هرول إلى الخارج فوجد نعمة التي تقف أمام باب القصر من الداخل و بصوت اهتز من فرط القلق سألها
في ايه؟
نعمة بجزع
ست جنة طلعت تجرى على برة و هي منهارة وبتقول مش راجعه هنا تاني
عقاب الزمن قاسي خاصة و أن كان القدر اعطاك الفرصه كامله و لم تغتنمها بل لفظتها متسلحا بكبرياء اهوج لا يستطيع ابدا اخماد الألم و لا مداواة الجروح.
هرول إلى الخارج باحثا عنها بكل مكان حوله بقلب يتلظي بنيران الخوف و عقل صار يتوسل القدر ألا يختبره بها. اخذ يدور حول نفسه كالمجنون حتى أنه صار ينادي عليها بالشوارع كالطفل الذي تاه عن والدته و فجأة أتاه الإنقاذ على هيئه هاتفه الذي على رنينه وكان المتصل مروان
مروان جنة مشيت و منعرفش راحت فين مش كلمتك.؟
مروان بغضب
جنة منهارة و في المقابر عند حازم.
صاعقة قويه ضربت قلبه فبعثرته إلى أشلاء حين علم أنها لجأت إلى شقيقه المتوفي لا يعلم هل كانت غيره ام ألم على ما سمعته من قذائف مدويه خرجت من بين شفتيه بعدما اصابه العجز أمام والدته التي عرت ضعفه أمامها.
كان يقود سيارته بسرعه جنونيه و كأنه يريد أن يطير إليها لا يعلم هل يعتذر منها أو يعتذر من أخيه أو يخبرها بالسبب الحقيقي لحديثه هذا ام يعنف نفسه على غبائها؟ لا يعلم ماذا عليه أن يفعل فقط يريد رؤيتها سالمه لا اكثر.
سقطت فوق الارض الرمليه التي ارتوت بعبراتها الغزيرة و التي لم تقو على إيقافها فقد خدرت وجعها لوقت طويل و لم تعد تحتمل أكثر من ذلك. وهاهي تقف أمام ذلك الذي لا تعلم هل تلعنه ام تدعو له بالرحمه التي هي في امس الحاجه اليها الآن.
فقد دهست كرامتها و سحقت مشاعرها للحد الذي جعلها تريد الهروب من كل شئ ترغب في أن تتواري تحت الثري حتى تختبئ من ذلك العار الذي لطخها و السبب في ذلك أنها استمعت إلى قلبها. في المرتين كانت النتيجه هزيمه كبيرة و خسائر فادحة لا يحتملها جسدها الهزيل.
مش عارفه اقولك ايه؟ ادعيلك و لا ادعي عليك. ضيعت حياتي يا حازم. و طلعت جبان حتى في اخر لحظه في عمرك و سبتني أواجه كل حاجه لوحدي. ليه؟ ليه ليه كدا يا حازم. ليه اتكتب عليا اعيش كل الوجع و القهرة دي لوحدي ليه؟
شعرت بركلة قوية أسفل بطنها و كأن أحدهم يذكرها بوجوده. فامتدت يدها تلامس موضع ضربته وهي تقول بحب يقطر من عينيها.
انت بس بس مصبرني على كل حاجه بتحصلي. انا عارفه اني مينفعش اعترض و مينفعش أضعف و انت موجود بس الوجع زاد اوي. كسرة الخاطر صعبة و جرح القلب اصعب وانا اتكسر خاطري و قلبي اتجرح و كرامته اتهانت كتير اوي. سامحني ارجوك.
كأن تلك الروح النقية شعرت بها فنالت ركلة ثانيه أسفل يدها جعلتها تقول بوجع.
انا عارفه اني استاهل و إلى تفرط في نفسها تستاهل إلى يجرالها بس والله انا مش وحشه غصب عني. عارف انت الوحيد إلى تستاهل عشانه افضل كاتمه سري جوايا و ساكته. عشانك بس هقبل افضل وحشه في نظره ونظر الناس كلها. بس اوعدك لما تيجي بالسلامة و تبقي قادر تفهمني هقولك على سرى. انت الوحيد اللي تستاهل تعرفه.
↚
تجمدت خطواته اثر سماعه لجملتها الأخيرة و التي وضعت سيف الحيرة على رقبته فمعني ذلك بأنها مُحتمل أن تكون مظلومه بهذا الزواج!
سر ايه إلى أنتِ مخبياه؟
شهقت بعنف حين سمعت صوته يخترق خلوتها و ذلك السكون المهيب الذي يحيط بها ولكن تحولت صدمتها إلى غضب كبير حين رأته و بكل وقاحه يسألها عن سرها. رغبة عنيفة تملكتها في أن تجعله يتذوق من ويل ما اذاقها فقالت بلهجة جافه
اديك قولت سر. بأي حق تسألني عنه؟
كان يتفهم غضبها و ينوي تجاوزه حتى يصل إلى قشة الغريق التي ستنقذه من ذلك الهلاك الذي يحيط به
عشان ميخصكيش لوحدك. يخص اخويا و ابنه.
قاطعته بقسوة
اخوك و ابنه يخصوني اكتر ما يخصوك. لو ناسي اني كنت مراته!
نجحت في غرز سهمها في منتصف قلبه ولكنه تجاهل ألمه وقال بصراحه فقد ضاق ذرعا بكل شئ و قرر أخيرا أن يفصح عن ذلك الاستفهام الذي يؤرق لياليه
أنتِ اتجوزتِ حازم ازاي؟
ميخصكش!
كانت كلمتها كالسيف الذي مر على رقبته فانتفض بغضب مؤلم
يخصني. و عايز اعرف كل حاجه دلوقتي
أرادت النيل منه بقوة نابعه من حطام كرامتها التي سحقها تحت أقدامه فقالت بثبات
ليه؟ بتدور على اى حاجه تشفعلي عشان تقبل تتجوز واحده زيي؟
تجاهل مرارة كلماتها التي آلمته قبلها وقال باختصار
أنتِ شايفه ايه؟
جنة بقسوة.
شايفه انك توفر على نفسك وجع الدماغ. عشان أنا واحده وحشه و كنت بجري ورا اخوك عشان فلوسه و قبلت اتجوزه عرفي و برغم كل القرف دا انا عمرى ما هقبل اتجوزك. حط الكلمه دي في دماغك. لو انت آخر راجل في الدنيا عمري ما هقبل اتجوزك.
أشعلت كلماتها جحيم غضبه والذي تجلي بعينيه التي احترقت باحمرار داكن و ملامحه التي اكفهرت فبدت مرعبة و قبضته الغير رحيمه التي امتدت تمسكها برسغها بقوة يجرها خلفه إلى حيث أوقف سيارته و قام باجلاسها على الكرسي المجاور له و اصوات أنفاسه الهادرة ترعبها من قوتها مما جعلها تلجأ للصمت طوال رحلة العودة.
كانت تدخل من باب البيت بأقدام مثقلة بالخيبات والألم فتفاجئت بالجميع ينظرون إليها بغرابه فقالت بهدوء
في ايه؟
نالت نظرات ساخطه من عيني حلا التي ما أن أوشكت على الحديث حتى رمقتها والدتها بغضب فانصاعت لتحذيرها الصامت و دخلت إلى غرفة الجلوس تليها سما فتنقلت انظارها بين الحاضرين لتستقر على أمينة التي قالت بتحفظ
جنة اتضايقت شويه و خرجت و كنا قلقانين عليها. بس الحمد لله اطمنا.
انكمشت ملامحها بذعر تجلي في نبرتها حين قالت
يعني ايه خرجت متضايقة. حصل ايه ضايقها؟ وهي فين دلوقتي؟
امينه بغضب دفين
قولتلك اطمنا عليها و زمانها جايه دلوقتي
زاد رعبها مضافا إليه الغضب فانسحبت مهروله إلى غرفة المكتب الخاصة به فلا يوجد شخص يستطيع مساعدتها سواه.
فتحت باب المكتب دون أي استئذان و دخلت بأعين ضائعه وجدت ضالتها حين رأته يقف أمام النافذة فهرولت إليه متجاهله مروان الذي ود لو ينبهها بحالته المرعبة تلك ولكنها لم تمهله الفرصة و توجهت إلى سالم تقف أمامه قائله بلهجه مرتعبه بينما امتدت يدها تلامس ذراعه الأيسر بعفوية
سالم حصل ايه لجنة. محدش بيرد عليا بره.
لهجتها المرتعبه و ملامستها له و عينيها التي تتوسل اليه كل تلك الأشياء كان لها وقع باعماق قلبه و لكنه تجاهلها بعد أن أقسم الا ينخدع بزيف برائتها و استقامتها مرة أخرى فتراجع خطوتين للخلف بعد أن أرخى ذراعه ليسقط كفها عنه بطريقه احرجتها كثيرا و قال بلهجة فظة و عينين يغلفهما جمود صدمها
جنة كويسه جايه هي و سليم دلوقتي.
تمتم مروان بتهكم
سليم ايه. المفروض انك كدا بتطمنها!
تفاجئت من برودته معها و لكن ما ازعجها أكثر حين ذكر اسم ذلك الرجل مقترنا بشقيقتها فجميع أفعاله معها تدينه لذا قالت بانفعال
اه. سليم! قولتلي. يبقي انا كده عرفت هي اتضايقت من ايه.؟
من فرط تأثرها لم تلحظ تلك التعابير المخيفه المرتسمه على ملامحه و التي كانت نابعة من احتراق روحه بنيران الخيانة فخرجت لهجته قاسيه توازي قساوة ملامحه و حدة نظراته.
إياكِ تعلي صوتك قدامي و متتجاوزيش حدودك معايا! متنسيش نفسك. فاهمه!
شهقه قويه خرجت من جوفها ولكن لم تتجاوز أعتاب شفتيها جراء صدمتها من حديثه و نظراته وملامحه التي كانت تطالعها و كأنها شئ بلا قيمة أمامه و قد كانت تلك هي المرة الأولى التي يناظرها هكذا. و تلك الكلمات التي غرست أسهم الإهانة بصدرها مما جعلها تكابد حتى تثبط موجة من الدموع تهدد بالانفجار في اي لحظة و شحذت بعضا من كبريائها لتقول بجمود.
فاهمه! عندك حق يا سالم بيه. مش هنسي نفسي و لا هتجاوز حدودي معاك تاني.
ألقت كلماتها بملامح مرتجفه و عينين تهتز من ثقل العبرات بها والتفتت تنظر إلى مروان قائله برجاء
مروان لو سمحت عيزاك شويه
رق مروان لحالها كثيرا و لوضعها الذي يهدد بالانفجار فهب من مكانه قائلا بلهفه
طبعا أنا تحت أمرك.
اجبر نفسه بصعوبه على تجاهل ما يحدث أمامه و بداخله نيران تغلي و تحرق أوردته التي ثارت عليه من قساوة الوجع ولكنه بصعوبة التفت إلى الجهة الأخرى قبل أن تخونه يديه و تفعل شئ قد يقضي الباقي من حياته نادما عليه.
توجهت بخطوات سريعه كل ما ترجوه هو الابتعاد عنه و ما أن فتحت الباب حتى وجدت سليم بملامحه المرعبة يسد عليها الطريق فتراجعت خطوتين إلى الخلف بصدمة ازدادت حين وجدته يدخل بعد أن أغلق الباب خلفه بقوة مزمجرا كالوحوش
دلوقتي تروحي لجنة و تعرفي منها ايه السر إلى مخبياه عن علاقتها بحازم. و إلا وديني اليوم دا ما هيعدي على خير
تجاوزت صدمتها وقالت بانفعال
انت باي حق تكلمني بالشكل دا!
صاح بزمجره كالأسد الجريح.
مش هكرر كلامي تاني. إلى قولتهولك تسمعيه. حالا دلوقتي تعرفيلي هي مخبيه ايه؟
لم تكد تجيبه حتى خرجت منها شهقه قوية حين شعرت بقبضة مؤلمه تجذبها من معصمها بقوة تحميها من مواجهة هذه الأسد الثائر لتجد نفسها خلف ظهره بلمح البصر بينما ارعد هو بصوت مفزع
سليم. أنت ازاي تكلمها بالشكل دا؟
تراجع سليم الى الخلف بانفعال واضعا يده فوق جبهته و أخذ يدور في الغرفة بصورة هستيريا و هو يقول بكل ما يعتمل بداخله من قهر.
مش هقدر اسكت اكتر من كدا يا سالم. في سر هي مخبياه و أنا لازم اعرفه. كفايه عذاب لحد كدا بقي.
لم يكد سالم يجيبه حتى فوجئ بتلك التي نزعت يدها بغضب من قبضته و هرولت إلى باب الغرفة فقد نالت كرامتها اليوم جرعة كبيرة من الإهانه لم تختبرها مسبقا و لتكن هذه هي الطامة الكبرى التي أما ستخرجهم من هذا الجحيم إلى غير رجعة أو ستدفنهم به للأبد.
دلفت إلى داخل الملحق الخاص بهم فوجدت جنة التي كانت تجلس بانكسار على أحد المقاعد ولأول مرة تتجاوز وجع شقيقتها و تفصح عن ألمها الذي ينخر بداخلها منذ أن حدثت تلك الكارثه
عاجبك الوحل إلى رمتينا فيه دا؟ عاجبك الإهانات دي كلها؟ عاجبك رقبتك المحنيه طول الوقت دى؟ ردي عليا؟
رفعت جنة انظارها فتفاجئت من مظهر شقيقتها المبعثر أو لنقل هيئتها المدمرة فخرجت الكلمات من بين شفتيها التي شققها الوجع.
انا اسفه يا فرح. اسفه والله. سامحيني
صرخت بقهر نابع من وجع بات يقتات على روحها حتى أوشك أن يدميها
مفيش حاجه اسمها اسفه. اسفه دي مش هتمنع رصاص كلامهم و لا الاحتقار إلى بينط من عنيهم كل ما تيجي علينا.
صمتت لثوان ثم تابعت بقلب محترق
- أنتِ رخصتي نفسك اوي. و إلى بيرخص نفسه محدش بيغليه!
خرج صوتها جريحًا من بين شفتيها حين قالت بقهر.
عارفه اني غلطت. أقسم بالله عارفه اني استاهل الموت على غلطتي. ياريت لو يرجع بيا الزمن عمري ما هعمل كده في نفسي أبدا.
ياريت ينفع ألف عالبنات كلهم بنت بنت واقولهم اوعوا تأمنوا و لا تسلموا. اوعوا تسمحوا لمشاعركم تتخطي حدود قلبكوا.
هبت من مكانها وهي تقول بقهر من بين نهنهاتها المتقطعة
عايزة اصرخ بصوت عالي و اقول اني ندمانه لحد ما نفسي يتقطع و اروح في ستين داهيه و أرتاح و أريحك من كل الوجع دا.
كان قلبها و كأنه موشوم بالوجع الذي أهلك كل ذرة فيها و امتص منها روحها فأصبحت كخرقه باليه لا تصلح لأي شئ و لا ترجو اي شئ ولكن كان وقع الإهانه اصعب ما يكون لذا تجاهلت كل العذاب و الألم و حتى الشفقه التي تجتاح قلبها على شقيقتها و قالت بلهجه قويه جافة
لو عايزة تريحيني فعلا يبقي تقوليلي اتجوزتي حازم ازاي؟ يمكن يكون عندك حاجه تريحني.
نحن لا نملك دائما الحق بالاحتفاظ بذكرياتنا و اسرارنا مهما بلغ ثقلها ولا يمكن أن نتجاهل ألمها الذي يزهق ارواحنا بموت بطئ فلكل شئ نهايه و قد تكون بعض النهايات بداية لعصور أخرى لا تعلم ربنا تحمل رائحه السلام.
توجهت جنة إلى غرفتها واحضرت شئ ما و الذي كان عبارة عن ملف ناولته لفرح وهي تقول بنبرة متألمه.
حازم مكنش مدمن زي ما انتوا فاكرين. حازم كان مريض كان عنده سرطان في المخ. و كان بيضطر ياخد الزفت دا عشان يخفف عنه الألم ودي الاوراق اللي تثبت كلامي. و على فكرة أنا روحت معاه للدكتور وأكد لي كل اللي في الورق دا. كان شرطه الوحيد علشان يبتدي يتعالج إني أوافق اتجوزه عشان يضمن اني مضعش منه ابدا وخصوصا بعد مانتي رفضتيه وعشان كدا. وافقت!
كانت صدمه قويه افقدتها النطق لبضع لحظات طافت بها عينيها على تلك الأوراق و أخذت تقارن الأعراض التي يجب أن تظهر على فريسة ذلك المرض بهيئه ذلك الشاب اليافع الذي كانت الصحه و القوة تنبعث من ملامحه فلم تجد أي مجال لتلك المقارنة أبدا فمن المستحيل أن تكون حالته بتلك الطريقة المدونة في الورق و يكون بمثل هذه القوة و النشاط. هنا انار عقلها بتلك الحقيقة النكراء وهي أن شقيقتها وقعت فريسته لخداع ذلك الذئب الذي تجرد من كل معالم الانسانيه.
فاقت من شرودها على صوت جنة التي كانت تتوسل إليها قائلة
ارجوكِ يا فرح خلينا نمشي من هنا و أنا مش عايزة حاجه من الناس دي يكفي انهم يعترفوا أن الولد ابن حازم و مش عايزه حاجه منهم تاني.
تحول بؤسها و حزنها إلى نيران حارقة تجلت في نبرتها و ملامح وجهها حين قالت
اسكتِ خالص. و كفياكِ غباء بقي. الناس دي لازم تعرف حقيقة ابنهم.
صرخت جنة بقهر.
و هيفيد بأيه إلى حصل حصل. وحازم كام مستأمني على سره و مكنش عايز ممته تعرف عشان قلبها مش هيتحمل. ارجوكِ يا فرح متقوليش حاجه ليهم و خلينا نمشي من هنا.