رواية كارمن ورشيد كاملة جميع الفصول بقلم ملك ابراهيم
رواية كارمن ورشيد كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة ملك ابراهيم رواية كارمن ورشيد كاملة جميع الفصول صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية كارمن ورشيد كاملة جميع الفصول حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية كارمن ورشيد كاملة جميع الفصول
رواية كارمن ورشيد كاملة جميع الفصول
كانت تتحرك بخفه وهي تحمل المشروبات الباردة وتوزعها بأحترافيه على حضور هذا الحفل التي جاءت تعمل به گـ نادلة، تبتسم بسخرية وهي تتابع ما يفعله اصحاب الطبقة المخمليه التي كانت تنتمي اليها منذ فترة بعيدة.
اقتربت منها صديقتها “مودة” والتي تسكن معها في نفس الحي، ابتسمت مودة وتحدثت بأنبهار:
– كارمن انتي شايفه اللي انا شيفاه ده! هو في ناس عايشين كده فعلاً ولا احنا اللي مش عايشين!
ابتسمت ساخرة والقت نظرة سريعه حولها واجابة:
– متخليش المظاهر دي تخدعك يا مودة..
تبدلت نظراتها الي الغضب واضافة:
– الناس اللي زي دول معندهمش قلب زينا.
نظرت اليها مودة بدهشة وتحدثت بفضول:
– انا نفسي اعرف انتي بتفكري ازاي!!
تنهدت كارمن بحزن، لا يعلم احد بما تحمله بقلبها من ظلم وقهر من اصحاب تلك الطبقه. نظرت الي صديقتها واجابتها باستعجال وهي تعود لتتابع عملها:
– انا هروح اكمل شغل بدل ما مستر “رؤوف” يشوفنا ويسمعنا كلمتين ملهمش لازمة.
أومأت مودة برأسها بالايجاب وذهبت هي الأخرى لتتابع عملها.
********
دخل الحفل مع صديق له، كان مترددًا لا يريد الحضور، لا يفضل حضور مثل هذه الحفلات، وقف بجوار صديقه ونظر حوله بملل قائلاً:
– انا غلطان ان انا سمعت كلامك وجيت.
كان صديقه ينظر حوله بحماس ويتابع تحركات الفتيات ويتأمل مفاتنهم بأعجاب شديد، تحدث وهو يتأمل الفتيات بأعجاب:
– غلطان ايه بس انت مش شايف الحلويات اللي حواليك دي!
رمقه بغضب وتحدث اليه بملل:
– عادل.. انت عارف ان انا مليش في جو الحفلات ده.
القى نظره سريعه حوله بملل واضاف:
– انا همشي
استغرب صديقه من تسرعه وامسك بيديه لكي يمعنه من الذهاب مؤكدًا:
– خلاص يا “رشيد” اهدى وخلينا نقعد كمان شويه وهنمشي على طول صدقني.
زفر بغضب ونظر امامه بنفاذ صبر، اشار صديقه الي النادلة لكي تأتي لهم بمشروب مرطب لكي يتناولون شئ قبل ان يذهبوا.
وقف رشيد يتأفف بغضب، اقتربت منهما فتاة شقراء جميلة، ترتدي ثوب ازرق قصير، وقفت بجواره واستندت بيديها فوق كتفه وتحدثت بدلال:
– رشيد.. اخيرا جيت!
زفر بغضب ونظر الي صديقه بلوم وتوعد، ابتسم صديقه وتحدث الي الفتاة بمرح:
– اتفضلي استلمي يا “مايا” انا كده عملت اللي عليا.
ابتسمت الفتاة برقة وهي تحدق بـ رشيد بأعجاب شديد، ثم تحدثت بدلال:
– شكراً يا عادل.. انا عارفه انه مستحيل كان هيجي لو عرف ان انا صاحبة الحفلة.
زفر رشيد بنفاذ صبر، يعلم ان مايا تلحقه في كل مكان وتحاول التقرب منه بكل الطرق، حاول قدر الامكان ان يتحدث اليها بهدوء مصطنع لكي لا يتسبب في احراجها:
– انتي عارفه ان انا مليش في جو الحفلات ده يا مايا.
ابتسمت بسعادة بعد شعورها انه لا يريد احزانها، اقتربت منه اكثر وبدأت تداعب ازرار قميصه وتحدثت اليه بدلال:
– انت من وقت ما رجعت من السفر وانت قافل على نفسك يا رشيد! نفسي اعرف ايه اللي غيرك كده؟
ابتسم مجاملاً لها وخفض وجهه يفكر كيف يذهب من هذا المكان قبل ان ينفذ صبره اكثر، اقتربت منهم كارمن وهي تحمل المشروبات الباردة، وضعت الكؤوس امامهم وقالت باحترام:
– اتفضلوا
صوتها لم يكن غريبً علي اذنيه، رفع عينيه سريعًا ينظر إلى صاحبة الصوت.
شهقت كارمن بصدمة وسقطت الكؤوس من يديها عندما رأته يقف امامها، لا تصدق ما تراه عيناها! حاولت استيعاب رؤيتها له وهمست بصدمة:
– رشيد!!
وقف يتأملها بصدمة، تجمد جسده بالكامل عند رؤيته لها بهذا الحفل! حدق بالثوب الموحد الذي ترتديه بزهول، لا يصدق انها تعمل نادلة وتقوم بالخدمة في الحفلات.
تابعت مايا صدمتهما الواضحة بفضول، نظرت اليهما بستغراب وتحدثت بفضول:
– انتوا تعرفوا بعض ولا ايه؟!
فاقت كارمن على صوتها وكأنها فقدة الوعي بعد رؤيته، شعرت بالتوتر الشديد ونظرت حولها بارتباك لا تعلم بماذا تجيب. تابع رشيد ارتباكها بغضب واجاب هو بنبرة حادة:
– لا طبعا منعرفش بعض.
خفضت وجهها ارضًا واغمضت عيناها بحزن، اشتد غضبه اكثر واضاف بنبرة قاسية:
– وانا هعرف الاشكال دي منين!
حدقت به بصدمة، لا تصدق انها تستمع إلى صوته بتلك النبرة شديدة القسوة، تأملت عيناه بزهول، لم ترى بداخلهما النظرات العاشقه التي كانت تراها بالماضي، لم ترى بعينيه الان سوى القسوة والغضب! لم تتبدل ملامحه كثيراً عن الماضي، كم اشتاقت اليه والي حنانه وعشقه لها. لمعت عيناها بالدموع وخفضت وجهها سريعًا لكي لا يرى ضعفها.
تابعت مايا تبادل النظرات بين رشيد وهذه الفتاة، شعرت ان هناك شئ بينهما او معرفة سابقه ولا يريد رشيد اخبار احد. ارتفع صوت مايا وتحدثت الي كارمن بغضب:
– انتي لسه واقفه! بسرعه نضفي المكان وشيلي اللي انتي كسرتيه ده من علي الارض.
كيف يمكنها الان ان تخفي دموع عيناها بعد تعرضها للأهانه امامه، لا يعلم كم تعرضت للذل والاهانه بعد تركه لها. انحنت بجزعها على الارض لكي تحمل بيديها الزجاج المكسور، شعرت وكأنها تحمل أشلاء قلبها المحطم بعد كل هذه السنوات على فراقهما.
تابعها بشرود لا يصدق انه يراها بعد اربعة اعوام على فراقهما، لم تتغير ملامحها عن الماضي! بل اصبحت اكثر جمالاً وانوثه. تساءل بداخله؛ لماذا ضهرت امامه الان! هل تريد اختبار مشاعره بعد ان فعل المستحيل من اجل ان ينساه؟ اربعة اعوام مضت عليه وهو يحاول نسيانها، جاءت في لحظة واحدة واسترجعت الذكريات بداخله وكأن فراقهما لم يحدث!
صرخة مدوية افاقته من شروده، لقد جرحت يديها بقطعة من الزجاج. اخذت تبكي وهي تنظر الي الجرح بيديها وتتألم بشدة. ركض اليها دون ان يشعر بما يفعله، انحنى بجزعه امامها وامسك بيديها يتفحص الجرح بلهفة لم يستطيع اخفاءها، كانت تبكي وتتألم بشدة. تحدث اليها بحنان دون ان يشعر:
– متخافيش الجرح صغير.
بكت بشدة وهمست اليه ببكاء وهي تتألم:
– بس بيوجعني اوي.
نظر اليها ولم يتحمل رؤية دموع الألم بعيناها، نظر الي صديقه وسأله عن منديلاً لكي يضعه فوق الجرح كي يتوقف نزف الدماء، أعطاه صديقه منديلاً ووقف بجوار مايا يتابعاً ما يفعله رشيد بصدمة. كان رشيد يمسك بيديها بحنان ويضمد الجرح بحذر وهي تبكي مثل الطفلة الصغيرة وكأن والدها هو من يداوي جرحها، توقف الجرح عن نزف الدماء ولم تتوقف دموعها. هذا ما كانت تفعله بالماضي! يتذكر كم استمر بكاءها لساعات بعد اتمام زواجهما منذ اربعة اعوام، كم كان حنونً وصبورًا معها. كانت ومازالت مثل الطفلة الصغيرة، تبكي من اقل الأشياء! بكاءها، دموعها، صوت شهقاتها، يذكره كل شئ بالماضي، لا يريد ان يتذكر أي شئ.
ترك يديها مسرعًا واعتدل في وقفته، نظرت اليه بعيناها الباكيه تترجاه ان لا يتركها مجددًا، تبدلت نظرات عيناه الي الجمود، لا يمكنه تصديق دموعها مرة أخرى، لن يسمح لها ان تخدعه مرتين! تركها وذهب من الحفل دون ان يتحدث.
ذهب عادل صديقه خلفه ليلحق به، نظرت اليها مايا بغضب وتحدثت اليها بقسوة:
– رشيد يعرفك منين؟
خفضت وجهها ارضا واجابة بصوت ضعيف:
– ميعرفنيش.
وقفت وهي تبكي وتمسك بيديها المجروحه، الألم الذي تشعر به بقلبها الان كان اقوى وأصعب بكثير من الالم الذي تشعر به بيدها، ذهبت وهي تبكي بحزن وندم، تابعتها مايا باهتمام وهمست بثقة:
– الاكيد ان رشيد يعرفك.. وانا لازم اعرف هو عرفك امتى وازاي!
**********
اخذ سيارته وانطلق بأقصى سرعة، يحاول الهروب من التفكير بالماضي بعد رؤيته لها بالحفل، لم يدعه الماضي وشأنه وظل يلاحقه حتى عاد بذاكرته الي الماضي منذ خمسة اعوام….
{محافظة القاهرة.. صيف عام 2018}
– الحقوني انا بنتي اتخطفت
= وانا كمان بنتي اتخطفت
” بيان هام.. في اتوبيس سياحي اتخطف وهو في طريق العين السخنه.. الاتوبيس كان فيه طالبات ثانوي لمدرسة خاصة.. الطالبات كانوا في طريقهم لقضاء رحلة سياحية احتفالاً بأنتهاء العام الدراسي، تم الاختطاف من قبل عدد من المجرمين، لا نعلم حتى الآن سبب الاختطاف! ننتظر ما ستفعله وزارة الداخلية”
حالة من الفزع اصابة جميع العائلات عقب رؤيتهم لهذا الخبر على جميع مواقع الاخبار.
تجمع عدد كبير من الصحافة والاعلام لتغطية الحدث ومعرفة كل التطورات.
بداخل مكتب وزير الداخليه ، لم يتوقف هاتفه عن استقبال الاتصالات من عائلات الطالبات وكبار المسؤلين بالدولة، تجمع عدد كبير من مساعدي الوزير وعدد من الضباط ذو الكفاءة والخبرة، يبحثون في الحادث لمعرفة من الخاطف! تحدث مساعد وزير الداخلية بثقة:
– مفيش غير ظابط واحد هو اللي هيقدر يفيدنا في القضية دي.
اتجهت اليه الانظار بأهتمام، تابع حديثه واضاف بثقة:
– النقيب رشيد الجبالي.. حفيد اللواء نور الدين الجبالي.
تبادلت النظرات بينهم بتأكيد على الاختيار. تحدث الوزير:
– احنا كلنا طبعًا نعرف اللوا نور الدين الجبالي.. بس انت متأكد ان النقيب رشيد هيقدر يفيدنا في القضية دي ويرجع البنات؟ الموضع خطير واهل البنات وكل المسؤولين في الدوله بيكلموني كل شوية.
أومأ اللواء برأسه بالايجاب مؤكدًا بثقة:
– طبعا يا فندم.. النقيب رشيد من اكفاء الظباط عندنا وتم تكليفه في اكتر من قضية من النوع ده وقدر يحلهم في اقل من 24 ساعة، وهو الوحيد اللي هيقدر يوصل للبنات في اسرع وقت.
ارتفع صوت وزير الداخلية:
– وهو فين دلوقتي.. كلموه يجي حالاً.
*********
في مكان لأطلاق النار.
وقف النقيب رشيد الجبالي وهو يركز في اطلاق النار مصوبً الهدف بكل تركيز. اقترب منه صديقه المقرب النقيب “خالد” وتحدث اليه بنبرة مرحة:
– رشيد باشا.. ايه رأيك هنتغدا فين النهارده؟
اطلاق اخر هدف له واصابه بأحتراف، ابتسم صديقه وتحدث بفخر:
– طول عمرك صياد!
ابتسم رشيد وتحدث بمرح:
– يبقى نتغدا سمك النهاردة.
ابتسم خالد ببلاهة وحرك يديه فوق معدته بجوع:
– وطبعًا انت اللي هتعزمني؟
هز رشيد رأسه بقلة حيلة واخذ متعلقاته الشخصيه وذهب وهو يبتسم وتحدث بمرح:
– مش ملاحظ ان انت من يوم ما اتجوزت وانا بس اللي بعزمك!
ابتسم خالد وهو يدعي الحزن على حاله وتحدث بطريقه دراميه:
– والله يا باشا انا نفسي اعزمك مرة بس المدام ربنا يخليهالي بتاخد المرتب كله وبتديني مصروفي يوم بيوم وانت عارف ان المرتب اتأخر الشهر ده!
ضحك رشيد بستهزاء وهز رأسه بمرح:
– لا عاش يا باشا.. احبك كده وانت مسيطر!
توقف خالد عن السير وتحدث بطريقه دراميه:
– انت كمان بتتريق عليا!.. ماشي.. بكره تتجوز ومراتك تاخد مرتبك وتديك مصروفك زيي.
اقترب رشيد من سيارته ووضع متعلقاته بداخلها وتحدث بثقة:
– لا انت بتحلم.. مش انا يا حبيبي.
ضحك خالد بمرح وتحدث بثقة:
– بكره نشوف يا حبيبي.
رن هاتف رشيد برقم اللواء “طلعت” نظر الي الهاتف بدهشة وهمس “غريبه ليه اللوا طلعت بيتصل بيا دلوقتي! ” رد على الهاتف بفضول، استمع الي صوت اللواء يطلب منه سرعة الحضور الي مكتب وزير الداخليه ، اجاب بالايجاب وأغلق الهاتف. نظر اليه خالد بدهشه وتحدث اليه بقلق:
– خير يا رشيد في ايه؟!
تحدث رشيد وهو ينظر امامه بتفكير:
– اللوا طلعت طلب مني اني اروحله على مكتب وزير الداخليه حالاً!
همس خالد بقلق:
– اشمعنا يعني! هيكون في ايه ؟
نظر اليه رشيد وكتم ضحكته واجابه بنبرة مرحة:
– ممكن تكون مراتك قدمت بلاغ عشان المرتب اتأخر الشهر ده!
حدق به خالد بغيظ، ضحك رشيد بمرح وصعد الي داخل سيارته وذهب في طريقه الي مكتب وزير الداخليه . وقف خالد بوجه حزين وهمس بأحباط:
– طارت العزومة.
*********
على طريق العين السخنه. بداخل الباص المخطوف. وقف عدد من المسلحين بداخل الباص يهددون الفتيات بالسلاح لكي يسيطرون على الوضع.
بالمقعد الاخير كانت تجلس “كارمن” فتاة في الثامنة عشر من عمرها، توفي والدها وهي في العاشرة من عمرها، تعمل والدتها على صيد الرجال الاغنياء لكي تعيش بنفس المستوى الاجتماعي العريق بعد وفاة زوجها “والد كارمن” بعد خسارته جميع امواله واعماله التجارية، تنتقل والدة كارمن من زوج لأخر، تاركه خلفها ابنتها، فقط توفر لها المال وتتكفل بدفع الاموال لتعليمها في واحدة من اكبر المدارس الخاصة، لا تعلم كارمن الكثير عن أفعال والدتها، فقط تعلم ان والدتها تعشق المال وتتزوج من رجال الاعمال الاغنياء في الخفاء.
كانت كارمن ترتدي فستان صيفي كحلي به زهور ملونه وتترك شعرها منسدل بطريقه رائعه. هي فتاة جميلة ذو بشرة بيضاء وعيونها سوداء كاحلة. كانت تجلس بجوارها صديقتها المقربه “سما” ابنة احد رجال الأعمال. سما فتاة رقيقه ومسالمه، صديقة كارمن منذ الطفوله، همست سما الي صديقتها كارمن بخوف:
– وبعدين يا كارمن! المجرمين دول هيعملوا فينا ايه؟
تابعت كارمن تحرك الخاطفين حولهم وتصويب السلاح عليهم بخوف وهمست:
– مش عارفه هما هيموتونا ولا هيعملوا فينا ايه يا سما، انا خايفه اوي.. يارب حد يجي ويخلصنا منهم بسرعه.
همست سما بخوف:
– بابي لو عرف اكيد هيتصرف ويخلصنا.
بهتت ملامح كارمن بحزن وهمست بخيبة أمل:
– ياريت بابا كان عايش.. ماما عمرها ما هتسيب جوزها وترجع من شهر العسل بتاعها عشاني!
نظرت اليها سما بحزن وربتت على يديها بحنان. ارتفع صوت احد الخاطفين وأمرهم بالصمت، كتموا انفاسهم بخوف وهم يتطلعون اليه بهلع.
*********
داخل مكتب وزير الداخلية.
جلس رشيد يستمع الي الوضع بكل تركيز بعد ان اخبره رئيسه ان الاختيار قد وقع عليه في حل هذه القضيه وفي اسرع وقت.
تحدث رشيد بعد استماعه الي جميع الخطط المقترحه لتخليص الفتيات:
– ممكن اعرف ايه طلبات اللي خطفوا الأتوبيس؟
تحدث اللواء طلعت:
– هما لهم طلب واحد.. اننا نفرج عن رئيسهم.
تساءل مرة أخرى بفضول:
– ومين رئيسهم؟
اجابه اللواء:
– سعد بشار.. اكبر تاجر مخدرات في البلد واتمسك متلبس واتحكم عليه بمؤبد وهو دلوقتي في السجن لتنفيذ الحكم.
هز رشيد رأسه بالايجاب وتحدث بثقة:
– يبقى انا هحتاج سعد بشار من السجن.
حدق به الجميع بصدمة، هز رأسه بثقة واضاف:
– المهم دلوقتي اننا نخلص البنات دول لأن هما ملهمش ذنب بشغلنا.. وسعد بشار انا اللي هرجعه للسجن تاني بإيدي زي ما هاخده.
تحدث اليه وزير الداخلية بصرامة:
– بس ده مش حل يا سيادة النقيب.. بالشكل ده كل يومين هنلاقي اتوبيس اتخطف والخاطفين يطلبوا الافراج عن مجرم زيهم واحنا هنضطر ننفذ طلبهم!
خفض رشيد رأسه بأحترام للحديث ثم نظر الي وزير الداخليه وتحدث بثقة:
– بس احنا هنعمل منهم عبره لأي حد يفكر انه يكرر اللي هما عملوه.. وانا بوعد حضرتك ان سعد بشار هيبات في السجن الليلة دي هو ورجالته وهيدفعوا تمن عملتهم غالي اوي.
نظر اليه وزير الداخلية بتفكير، رآى بعينيه الثقه والاصرار، نظر الي جميع مساعديه وجميعًا وافقوا على خطته، حرك الوزير رأسه بالايجاب:
– وانا موافق على خطتك يا رشيد وواثق فيك.
ابتسم رشيد بثقة ووقف من مكانه وتحدث:
– وانا ان شاء الله هكون قد ثقة حضرتك فيا.
ثم اضاف:
– انا هتحرك دلوقتي ومعايا قوة بس لازم اروح السجن الاول واستلم سعد بشار بنفسي.
ابتسم اليه الوزير بثقة، ذهب رشيد وهو يفكر في خطته بذكاء ويضع على قائمة خطته حياة الفتيات.
_____________
بعد اقل من ساعة.
وصل رشيد الي السجن لكي يقابل سعد بشار ويأخذه معه لكي يطلق سراحه وينفذ طلب الخاطفين.
جلس بغرفة مأمور السجن وانتظر مجئ سعد بشار، بعد لحظات طرق الباب ودخل احد رجال الشرطة ومعه سعد بشار ويديه مكبلة بالحديد، نظر اليه رشيد باهتمام؛ كان سعد بشار رجل ضخم في الاربعين من عمره، لديه لحيه سوداء طويله، نظراته باردة، يتعمد اظهار القوة والثقة بوقفته.
وقف رشيد واقترب منه وتحدث اليه بهدوء:
– انت بقى اللي رجالتك عاملين لنا الدوشة دي كلها!
ابتسم سعد ببرود واجابه بسخرية:
– لولا اللي رجالتي عملوه ده مكنتش شوفت سعادتك هنا دلوقتي يا باشا!
هز رشيد رأسه بالايجاب وربت على ظهره بتأكيد على حديثه، ثم قام بوضع يديه فوق ياقة قميص سعد لكي يعدل من وضعيتها وتحدث اليه:
– عندك حق.. فعلا لولا اللي رجالتك عملوه ده مكنتش هتشوف سعادتي!
نظر الي العسكري الواقف يتابع الحديث بفضول وتحدث اليه:
– فك الحديد من ايديه.
نظر اليه العسكري بقلق، تحدث المأمور بقوة:
– نفذ الامر.
اقترب العسكري من يد سعد وقام بفك قيوده وهو يرتجف من الخوف، نظر سعد الي العسكري وابتسم بثقة، ثم تحسس يديه موضع القيد الحديدي وتحدث الي المأمور بسخرية:
– ابقوا هاتوا كلبشات واسعه شويه يا باشا..
ثم نظر الي رشيد واضاف بستهزاء:
– اصل القاعده في السجن من غير شغله ولا مشغله بتتخن !
رسم رشيد على وجهه ابتسامة استخفاف وهو يحاول كتم غضبه بداخله، تحدث الي المأمور:
– احنا لازم نتحرك يا فندم.
أومأ المأمور برأسه بالايجاب، تحدث رشيد الي سعد ببرود:
– اتفضل قدامي.
تحرك سعد امامه وهو يرسم علامة النصر فوق ملامحه.
_________
وقف احد الخاطفين يتحدث بالهاتف، اخبره احد الاشخاص التابعين لهم ان رئيسهم سعد بشار تحرك من السجن وفي طريقه إليهم مع رجال الشرطة، صدح صوت زعيمهم بعد انتهاء المكالمه وأمر رجاله ان يكونوا على استعداد لمهاجمة الشرطة في أي وقت. حالة من الهلع اصابة الفتيات، قام احد الخاطفين بأطلاق بعض الطلقات في الهواء لكي يصمت الفتيات عن البكاء والصراخ.
همست سما الي صديقتها بخوف وهي تبكي بجوارها:
– انا خايفه اوي يا كارمن.. احنا خلاص كده هنموت.
نظرت كارمن إلى قدميها، تفاجأت انها لم تعد تشعر بها، حاولت تحريكها ووضع يديها وتحسس قدميها ولا تشعر بشئ، نظرت الي صديقتها بصدمة وهمست:
– انا مش حاسه برجلي!
حدقت بها سما بصدمة وهمست:
– يعني ايه مش حاسه برجلك!
بكت كارمن بصوت مكتوم من الخوف وانسالت الدموع من عيناها بغزارة:
– انا مش حاسه برجلي خالص!
↚
ربتت سما على يديها وهمست اليها بحزن:
– متقلقيش يا حبيبتي هتلاقي ده بسبب الخوف والتوتر اللي احنا فيه!
بكت كارمن بخوف وهي تضع يديها فوق قدميها وتحاول تحريك قدميها ولكن بدون فائدة.
*******
بعد مرور ساعتين.. وصلت سيارات الشرطة الي موقع الباص على طريق العين السخنه. ترجل النقيب رشيد من سيارة الشرطة ووقف ينظر إلى الباص وتحدث بصوت قوي الي الخاطفين بداخل الباص:
– رئيسكم معانا.. ياريت تخرجوا البنات من الاتوبيس بهدوء.
ترجل احد الخاطفين من الباص، كان يخفي وجهه لكي لا يتعرف عليه رجال الشرطة، وقف امامهم بحذر وتحدث بثقة:
– لما نتأكد من حرية الباشا بتاعنا الاول يا حضرة الظابط؟
نظرات رشيد كانت تتعقب تحركات الخاطفين حول الباص وداخله بتركيز، أومأ برأسه واجاب عليه:
– وعايزين تتأكدوا ازاي ان الباشا بتاعكم حر؟!
اجابه الخاطف بقوة وهو يبحث بعيناه عن رئيسهم “سعد بشار” :
– الباشا هيركب العربية بتاعنا ويتحرك بيها واحنا هنتحرك وراه من غير ما حد فيكم يقرب مننا..
ظهرت ضحكه ساخرة على وجه رشيد وهو يستمع اليه، توتر الخاطف من ثقة الضابط واضاف بتوتر:
– وعايز اقول لسيادتك معلومة صغيرة يا باشا، احنا زارعين متفجرات في الاتوبيس، يعني لو لحقتونا، بضغطة واحدة هفجر الاتوبيس بلي فيه.
استمع رشيد الي بكاء الفتيات وصراخهم بهلع عقب استماعهم لحديث الخاطفين، اشار الي رجال الشرطة بأمر لكي يتركوا سعد بشار يذهب إلى رجاله، ركض سعد الي السيارة التي تنتظره، جلس بداخل السيارة بثقة وأشار بيديه يودع الضابط رشيد بسخرية، ثم تحركت به السيارة دون ان يتحرك احد من رجال الشرطة، فقط يتابعون ما يحدث بصبر وثبات، لحق به رجاله وهم يحذرون رجال الشرطة الا يتتبعوهم. توقف رشيد و رجال الشرطة بحذر، خوفًا على الفتيات من المتفجرات، ابتعدت سيارات هؤلاء الخاطفين وركض رشيد ورجاله الي الباص سريعاً لكي يخرجون الفتيات.
صعد رشيد أولا الي الباص وهو يتحدث بقوة ويطلب من الفتيات الهدوء والترجل من الباص بأقصى سرعة، ركض الفتيات من الباص وهم في حالة من الهلع. وقف رشيد بداخل الباص واستغرب جلوس فتاتين في المقعد الاخير من الباص، واحدة تبكي والأخرى تربت على ظهرها وتبكي معها، اقترب منهما بحذر وتحدث اليهما بفضول:
– انتوا ليه قاعدين ومنزلتوش؟!
نظرت اليه سما وتحدثت بصوت باكي:
– صحبتي مش قادرة تقف على رجليها!
تأمل صديقتها بدهشة، كانت تبكي بخوف وتضغط فوق قدميها بقوة، تحدث اليها بفضول:
– رجلك مصابة؟
هزت رأسها بالنفي وهمست ببكاء:
– لا..
تحدثت صديقتها سما بخوف:
– تقريبا حالة نفسيه بسبب الخوف اللي اتعرضنا له!
تأملهما بتفكير ثم اقترب من كارمن وانحنى بجزعه ووضع يديه اسفل ساقيها والاخرى اسفل ظهرها وقام بحملها بين يديه، ارتجف جسد كارمن من الخوف وقامت بالامساك به بخوف من السقوط. ترجل من الباص وهو يحملها وصديقتها تتبعه ببكاء، وقف الجميع يتابعون ما يحدث بدهشة، اخفت وجهها بداخل صدره بخوف، كانت تشعر انه مصدرها للأمان الان بعد ما تعرضت له من خوف وهلع، شعور غريب راوده وهي تتمسك به وكأنه طوق النجاة، اقترب من سيارة الاسعاف ووضعها بداخل السيارة برفق واخبر الطبيب بما حدث معها وطلب من صديقتها ان ترافقها الي المشفى. وقف امام سيارة الإسعاف قبل ان تنطلق في طريقها إلى المشفى، نظرات عيناها وهي تترجاه بخوف ان لا يتركها، كم تنفر من رائحة التعقيم والدواء المنتشرة حولها بداخل سيارة الاسعاف. كان جسدها يرتجف بشده ونظرت حولها بهلع، لا تريد الذهاب إلى المشفى وهي تعلم انها لن تجد من يهتم لأمرها حتى تعود الي المنزل وحيدة، والدتها لم تقطع اجازتها مع زوجها وتعود من السفر كي تكون بجانبها في هذا الوضع والضعف والخوف الذي تشعر به، اغلق الطبيب باب السيارة ورشيد يقف امامها وينظر اليها باهتمام، تتشابك عيناه بعيناها وشعور بخفقات مسرعه بقلبه تزداد مع اغلاق باب سيارة الإسعاف وابتعادها عنه في طريقها الي المشفى.
– تمام يا فندم.. هناخد البنات المدرية عشان ناخد اقولهم ونسلمهم لأهليهم.
فاق على هذا الصوت الذي جاء من خلفه، التفت اليه واجابه بهدوء:
– تمام يا سامح.. متنسوش لازم كل اهل البنات يوقعوا على استلامهم.
أومأ الضابط سامح بالايجاب:
– طبعاً يا باشا اطمن.
نظر رشيد الي الباص وتحدث بفضول:
– خبير المتفجرات وصل؟
اجابه الضابط سامح بتأكيد:
– في الطريق يا فندم.
أومأ برأسه قليلاً وذهب في اتجاه الباص، تحرك الضابط سامح ومعه مجموعه من رجال الشرطة في طريقهم الي مدرية الأمن ومعهم الفتيات.
وصل خبير المتفجرات وتفحص الباص وتأكد من عدم وجود متفجرات. ابتسم رشيد بثقة ونظر إلى هاتفه بعد ان اعلن عن اتصال هام، وضع الهاتف على أذنيه واستمع بأهتمام:
– تمام يا فندم.. قدرنا نعرف مكان سعد بشار عن طريق جهاز التتبع اللي حضرتك حطيته في ملابسه.
ابتسم رشيد بثقة وهو يتذكر كيف وضع جهاز التتبع الصغير بثوب سعد بشار اثناء حديثه معه في السجن، عندما اقترب منه وعدل من موضع ياقة قميصه، قام بزرع هذا الجهاز بخفه واحترافيه. أومأ برأسه وتحدث بثقة:
ِ- ابعتلي العنوان عشان لازم ازوره الليلة دي.
********
بداخل المشفي.
جلست سما تبكي خارج الغرفة التي تتمدد بها صديقتها، ركض اليها والدها ووالدتها بقلق بعد ان اخبروهم رجال الشرطة ان ابنتهم بالمشفى، اقترب والد سما من ابنته وقام بعناقها بقوة، تحدث اليها بقلق:
– ايه اللي حصل يا حبيبتي؟ انتي كويسه؟
أومأة برأسها وهي تبكي بخوف، عانقتها والدتها وتحدثت اليها بقلق:
– ايه اللي حصل يا حبيبتي؟ طمنينا عليكي؟!
اجابت علي والدتها بصوت متقطع من شدة البكاء:
– انا كويسه يا مامي.. بس.. بس كارمن تعبانه اوي.. مش قادرة تقف على رجليها من الخوف والرعب اللي عشنا فيه!
شعر والد سما بالحزن والغضب بعد تعرض ابنته الي هذا الهلع على يد هؤلاء المجرمين. صمت قليلا ثم نظر حوله وتحدث الي ابنته بفضول:
– ومامت كارمن فين؟
خفضت سما وجهها بحزن وتعاطف مع صديقتها واجابت علي والدها:
– اتجوزت جديد ومسافرة مع جوزها كالعادة!
ابتسامة ساخرة قد رسمتها والدة سما على محياها وهي تتحدث بغضب مكتوم:
– الله يكون في عونها كارمن، من بعد وفاة باباها وهي متبهدله ومامتها ولا بتهتم ولا بتسأل فيها!
ثم نظرت الي زوجها واضافة بترقب:
– هنقول ايه بقى.. حظها ان مامتها ملهاش شغلانه في الحياة غير توقع الرجاله وتاخد فلوسهم.
توتر زوجها وهو يستمع الي حديثها المقصود، يعلم ان زوجته كانت على علم بعلاقته مع “سهير سالم”والدة كارمن، ولولا تدخلها لكان وقع الان في شباك سهير سالم وتزوجها في الخفاء كما اعتادت ان تفعل مع الكثير من رجال الاعمال، لكنه تراجع عن الزواج في اخر لحظة بعد تهديد زوجته له، ولم تنتظر سهير سالم الا ايامً معدودة وتزوجت من رجل اخر في اقل من اسبوعين!
نظر والد سما إلى باب غرفة تلك الفتاة المسكينه التي لم تفقد والدها فقط، بل تفقد حنان واهتمام والدتها التي تعتقد انها توفر لها كل شئ بالمال.
خرج الطبيب المعالج من غرفة كارمن، اقترب منه والد سما وزوجته وابنته، تحدث إليه والد سما بقلق:
– طمني يا دكتور.. البنت حالتها ايه؟
ابتسم الطبيب بهدوء واجاب:
– متقلقوش الحمد لله البنت بخير، هي بس اتعرضت لخوف وهلع شديد وده اتسبب في حالة نفسيه انها تفقد القدرة على تحريك قدمها.
بكت سما بخوف، ربتت والدتها علي ظهرها وتحدثت الي الطبيب بفضول:
– يعني كده البنت مش هتقدر تقف على رجليها تاني؟
نظر إليهم الطبيب وتحدث بتوضيح:
– لا طبعا هتقف على رجليها وهتقدر تمشي تاني، بس ضروري دكتور نفسي يتابع معاها.
خفض والد سما وجهه ارضا بحزن، تحدثت سما ببكاء:
– ممكن نشوفها يا دكتور؟
رفض الطبيب مؤكدًا:
– للأسف هي نايمه دلوقتي والافضل انها ترتاح.
تركهم الطبيب وعاد إلى عمله، عانقة والدة سما ابنتها ونظرت إلى زوجها وحركت عيناها تطالبه ان يذهبوا، أومأ لها زوجها ومسد بيديه فوق شعر ابنته وتحدث اليها بهدوء:
– يلا يا حبيبتي خلينا نمشي ونسيب كارمن ترتاح شويه.
بكت سما وهي تنظر الي الغرفة التي تتمدد بها صديقتها بمفردها وتحدثت بخوف:
– هنسيبها ازاي لوحدها كده يا بابا!
تحدثت والدتها وهي تضم وجهها بين يديها بحنان:
– هنيجي الصبح نطمن عليها يا حبيبتي متقلقيش.
نظرت الي باب الغرفة وبكت بشدة، اخذها والدها من يدها وهو يوعدها انه سيأتي بها في الصباح الباكر لرؤية صديقتها، سارت سما مع والدها ووالدتها وهي تبكي بحزن على حال صديقتها الوحيدة.
********
الساعه الثانية عشر من منتصف الليل.
بإحدى المناطق الشعبيه.. وصل رشيد ومعه قوة من العمليات الخاصة الي العنوان الذي اشار اليه جهاز التتبع الذي زرعه في ثياب سعد بشار. تحركوا بخطوات مدروسه ومتقنه، اقتحم رجال العمليات الخاصة المنزل الذي يجلس به سعد بشار، قاموا بمهاجمة من في المنزل والتعامل معهم، كان بالمنزل عدد كبير من رجال سعد بشار، تبادلوا اطلاق النار مع رجال الشرطة، كان رشيد في المقدمة، اصابته احدى الطلقات بكتفه، ظل صامدًا ويقف على قدميه ويحمل سلاحه بيديه، استسلم رجال سعد بشار بعد سقوطهم واحد تلو الاخر على يد رجال الشرطة، لم يستطيع سعد الهرب وخرج مستسلمًا لرجال الشرطة بعد ان راء سقوط رجاله أمام عيناه وتأكد من محاصرة رجال الشرطة له، اقترب منه رشيد وهو يبتسم له بثقة، استغرب سعد بشار من وجود الضابط الذي اطلق سراحه من السجن اليوم، لا يصدق ان الضابط استطاع الوصول اليه بهذه السرعه، اقترب منه رشيد وهو يصوب السلاح بوجهه ويبتسم له ساخرًا، صدح صوته قائلاً بنبرة قوية ساخرة:
– ازاي كان هيجيلك نوم يا سعد بعيد عن الزنزانه بتاعك؟!
نظر اليه سعد بصدمة، ابتسم رشيد وتحدث الي احد الضباط:
– خدوه ينام في زنزانته.
اقترب احد رجال الشرطة واخذ سعد بشار وخرجوا من المنزل في طريقهم الي السجن، وقف رشيد يتنفس براحة بعد إتمام مهمته بنجاح، بدء يتسلل اليه الشعور بالألم بكتفه، اقترب منه احد الضباط ونظر اليه بصدمة بعد رؤيته للدماء تغرق ثيابه، صدح صوت الضابط يطالب بسرعة حضور سيارة الاسعاف، بدء يشعر رشيد بالضعف، قام الضابط بمساندته واخذه إلى سيارة الاسعاف.
*********
↚
استيقظت على اصوات مزعجة تستمع اليها من خارج غرفتها، لا تعلم ماذا يحدث بالخارج، يبدوا ان هناك حالة من الهرج تعم بالمشفى، اعتدلت فوق الفراش وهي تشعر بالخوف والقلق. دخلت احدى الممرضات الي الغرفة لكي تعطيها الدواء بالموعد. نظرت الي الممرضة وتحدثت اليها بتوتر:
– ايه الدوشه اللي في المستشفى دي!
تنهدت الممرضه بحزن واجابة:
– في ظابط وصل المستشفى دلوقتي مصاب.. ربنا يقومه بالسلامه.
شحب وجهها وارتجف جسدها قليلاً عقب استماعها لحديث الممرضة، نظرت اليها الممرضه ولاحظت شحوب وجهها من الخوف، اقتربت منها واضافة:
– انتي اكيد لسه خايفه بعد اللي حصل معاكم النهاردة، بصراحة الله يكون في عونكم على الرعب اللي عشتوا فيه وانتوا مخطوفين!
نظرت اليها كارمن بتوتر، جسدها ارتجف بشدة، ابتسمت الممرضه واضافة بفخر:
– بس انا سمعت دلوقتي انهم قبضوا على اللي كانوا خاطفينكم.
حدقت بها كارمن باهتمام وهمست اليها بصوتً ضعيف:
– بجد!
ابتسمت الممرضه واجابة بثقة:
– أيوه.. اصل انا عرفت دلوقتي ان الظابط اللي جه المستشفى مصاب هو نفس الظابط اللي انقذكم النهاردة، واتصاب دلوقتي وهو بيقبض على اللي كانوا خاطفينكم والحمدلله قبض عليهم كلهم
ابتسمت بسعادة وهي تستمع الي حديث الممرضة، بدأ يتسلل الي داخلها الشعور بالأمان بعد معرفتها بالقبض على الخاطفين، شعرت بقدميها وكأنها كانت مجمده وقد فك الجليد عنها، حدقت بقدميها بزهول وهي تحرك اصابعها وتستجيب لها، تركت الفراش ووقفت لتتأكد من شعورها، استطاعت الوقوف على قدميها حقًا بعد شعورها بالامان، استغربت الممرضه وتحدثت اليها بزهول:
– ايه ده انتي قدرتي تقفي على رجلك!
نظرت كارمن الي قدميها وتحدثت بسعادة:
– انا مش عارفه انا وقفت ازاي ولا ايه اللي حصل! بس المهم اني بقيت حاسه برجلي دلوقتي.
ابتسمت لها الممرضه وتحدثت بهدوء:
– شكل اللي حصلك ده كان فعلا من الخوف ولما عرفتي ان المجرمين دول اتقبض عليهم اطمنتي وقدرتي تقفي على رجلك!
ابتسمت كارمن وتحدثت بتوتر:
– انا كده هرجع البيت الصبح صح؟
أجابتها الممرضة:
– انا هبلغ الدكتور عشان يجي يطمن عليكي الاول وهو هيقرر ترجعي البيت امتى.
أومأت كارمن برأسها وعادت الي الفراش مرة أخرى لترتاح قليلاً.
دقائق قليلة ودلف الطبيب الي غرفة كارمن، ابتسمت كارمن وتحدثت اليه بحماس:
– انا قدرت اقف على رجلي يا دكتور.. حاسة اني بقيت احسن دلوقتي.
ابتسم الطبيب واقترب منها وتحدث بتأكيد:
– بس ده ميمنعش انك محتاجه دكتور نفسي عشان الحالة دي متتكررش تاني.
وقفت من فوق الفراش واقتربت من الطبيب:
– حاضر يا دكتور انا هروح لدكتور نفسي.. بس لو سمحت عايزة اخرج من هنا.
خفض الطبيب وجهه ارضً يفكر بحيرة؛ كيف يخبرها ان والدتها رفضت خروجها من المشفى، نظر اليها وتحدث:
– للأسف مش هينفع تخرجي من المستشفى دلوقتي.
حدقت به بصدمة وتحدثت بقلق:
– ليه يا دكتور؟ انا بقيت كويسه اهو!
أومأ الطبيب برأسه واجاب بقلة حيلة:
– إدارة المستشفى اتوصلوا مع والدتك.. والدتك هي اللي طلبت انك متخرجيش من المستشفى قبل ما ترجع من السفر وتيجي تستلمك بنفسها ودفعت للمستشفى كل التكاليف.
تلألأة الدموع بداخل عيناها وتحدثت بصوت مبحوح:
– وماما قالت هترجع امتى؟
هز رأسه بحزن واجاب:
– للاسف مقالتش.
أومأت برأسها بتفهم، خانتها عيناها وذرفت الدموع على وجنتيها، حزن الطبيب من اجلها، تركها وخرج من الغرفة واغلق الباب خلفه، انهارت في البكاء، تعلم أن والدتها لن تقطع اجازتها وتأتي من اجلها، هذا ما اعتادت عليه من والدتها، عليها الانتظار بداخل المشفى حتى تأتي والدتها وتطلق سراحها. اتجهت الي الفراش وجلست تبكي بحزن، تشعر بالوحدة واليتم، ليس لديها احد في هذه الحياة، تعلم ان والدتها لن تهتم لأمرها ولن تأتي من أجلها مهما حدث معها.
***********
خرج الطبيب من غرفة العمليات، اقترب منه اللواء طلعت ومجموعه من الضباط زملاء رشيد يسألونه عنه بقلق:
– خير يا دكتور طمنا؟!
ابتسم الطبيب لكي يطمئنهم واجاب بهدوء:
– الحمدلله قدرنا نخرج الرصاصه ومفيش اي خطر متقلقوش.
تحدث اليه اللواء طلعت بقلق:
– يعني نقدر نشوفه ونطمن عليه يا دكتور؟
اجاب الطبيب بالرفض مؤكدًا:
– الأفضل محدش يزعجه دلوقتي، هو هيتنقل غرفة عادية الصبح وتقدروا تشوفوه بكره ان شاء الله.
ختم الطبيب حديثه قبل ان يذهب:
– عن اذنكم.
ذهب الطبيب وتركهم يتحدثون معًا، تحدث احد الضباط مع اللواء طلعت:
– هنبلغ عيلة رشيد يا فندم؟
وقف اللواء طلعت ينظر امامه بتفكير ثم اجاب:
– بلاش نقلقهم دلوقتي.. احنا الحمد لله اطمنا عليه انه بخير، خلينا نمشي دلوقتي وانا هبلغ جده الصبح.
أومأ الضابط برأسه باحترام، ذهب اللواء طلعت من المشفى وذهب خلفه جميع الضباط.
***********
في الصباح.
استيقظت كارمن على صوت طرق على باب غرفتها، دلفت سما الغرفة وهي تحمل حقيبة صغيرة بها ملابس لـ كارمن، استقبلتها كارمن بابتسامة، ركضت اليها سما وعانقتها بسعادة، جلست معها سما وتحدثت اليها بتوتر:
– كارمن انا اسفه مش هقدر اقعد معاكي كتير لان مامي هي اللي وصلتني ومنتظراني تحت في العربية.
بهتت ملامح كارمن بالحزن، أومأت برأسها وتحدثت بصوت مبحوح:
– المهم انك جيتي وخلتيني اشوفك.
اعطتها سما الحقيبه وتحدثت بتوتر:
– انا جبتلك شنطتك اللي كنتي مجهزاها عشان الرحلة.
هزت كارمن رأسها بحزن واخذت الحقيبه وهمست:
– شكراً.
وقفت سما وعانقتها مرة أخرى وقالت بحزن:
– انا اسفه يا كارمن.
ربتت كارمن على ظهرها وأومأت برأسها مؤكده:
– متتأسفيش يا سما.. انا فاهمه كل حاجة.
نظرت اليها سما وهي تبكي بحزن، لا تريد ان تترك صديقتها بمفردها لكن والدتها رفضت ان تمكث مع كارمن اكثر من ذالك.
جلست كارمن بغرفتها وحيده بعد ذهاب سما، تعلم ان والدة سما لا تريد ان تستمر صداقتهما، كانت حزينه وهي بمفردها، الجميع يبتعد عنها بسبب أفعال والدتها. نظرت الي حقيبتها التي جاءت بها سما، اخذت منها ثوب لكي تبدل ثوب المشفى وترتدي ثوب اخر.
بعد انتهاءها من ارتداء ثوب انيق كان يليق بها، وقفت تصفف شعرها الطويل. دخلت الممرضة وهي تبتسم لها وتتحدث معها بمرح:
– يا صباح الجمال كله.. انا جبتلك الفطار.
ابتسمت كارمن واقتربت منها تنظر إلى طعام المشفى بدون شهيه، ثم نظرت حولها بملل وتحدثت بحزن:
– انا مليش نفس.
– شكلك مضايقه من حاجة؟
أومأت كارمن برأسها وتحدثت بحزن:
– بصراحه انا مش عارفه ازاي هفضل محبوسه هنا في المستشفى لحد لما ماما ترجع!
حزنت الممرضه من اجلها، فكرت قليلاً ثم تحدثت اليها بحماس:
– ومين قال انك هتفضلي محبوسه هنا..
حدقت بها كارمن بدهشة، اضافة الممرضه بحماس:
– ايه رأيك تيجي معايا وانا بمر على المرضى؟
نظرت اليها كارمن بتفكير، اضافة الممرضه بحماس:
– انتي عارفه مين بقى في الغرفة اللي جنبك؟
نظرت اليها بفضول، اضافة الممرضه بحماس:
– الظابط اللي انقذكم وقبض على الخاطفين امبارح…
↚
– الظابط اللي انقذكم وقبض على الخاطفين امبارح.
تحمست كارمن كثيراً وتحدثت بسعادة:
– بجد!
أومأت الممرضه برأسها بالايجاب واضافة:
– انا رايحه ادخله الفطار دلوقتي.. ايه رأيك تيجي معايا واعرفك عليه؟
تحمست كارمن اكثر واجابة بثقة:
– اه طبعا ياريت.
ابتسمت الممرضه واخذتها معها الي الغرفة المجاورة، وقفت الممرضة وطرقت على الباب بهدوء، استمعت إلى صوته يسمح لها بالدخول، دخلت الممرضة ووقفت كارمن تنتظر امام الباب، كانت تشعر بالتوتر الشديد المختلط بالحماس لرؤية هذا الضابط الذي انقذ حياتها هي وصديقاتها. دلفت الممرضه الغرفة وهي تبتسم وتحدثت اليه بهدوء:
– حمدلله على سلامة حضرتك.
ابتسم لها بهدوء وهو يعتدل فوق الفراش ويستند بظهره فوق الوسادة:
– شكراً.
وقفت قليلا تفكر بحيرة ثم تحدثت اليه بتوتر:
– في ضيفه حابه تشوف حضرتك.. تسمح لها تدخل؟
استغرب رشيد وعقد ما بين حاجبيه وسأل بفضول:
– ضيفه مين؟
اجابته الممرضه وهي تضغط علي يديها بتوتر خوفً من ان يرفض مقابلة كارمن وتتسبب في احراجها:
– كانت في الاتوبيس اللي كان مخطوف ولما عرفت ان حضرتك هنا حبت تيجي تشكرك بنفسها.
ابتسم وتحدث بهدوء:
– طبعا خليها تتفضل.
ابتسمت الممرضة بسعادة وتحدثت بحماس:
– تعالي يا كارمن ادخلي.
دلفت كارمن بحماس مختلط بالتوتر، ثم توقفت فجأة بصدمة عندما رأته هو نفس الضابط الذي حملها من الباص الي سيارة الاسعاف.
خفق قلبه بقوة عند رؤيته لها، اعتدل سريعًا في جلسته وهو يحدق بها بقوة.
تابعت الممرضه ما يحدث وابتسمت وتحدثت الي كارمن بمرح:
– تعالي يا كارمن اتفضلي!
تقدمت كارمن واقتربت منهما بخطوات مرتبكة، ابتسم لها وتحدث معها بهدوء:
– اهلا يا كارمن.
خفق قلبها بقوة وخفضت وجهها بخجل وتحدثت برقه:
– حمدلله على السلامة.. انا جيت اشكر حضرتك.
صوتها الناعم الرقيق اخترق قلبه وجعله يريد الاستماع الي صوتها مرة أخرى، ابتسم لها وتحدث بهدوء:
– تشكريني على ايه انا عملت شغلي.
تحمست كارمن قليلاً وتحدثت اليه بفضول:
– هو انت فعلا قبضت على اللي كانوا خطفينا؟
أومأ برأسه بالايجاب وهو يتابع حماسها الطفولي بأعجاب شديد، ابتسمت بحماس واضافة:
– هو ينفع تحكيلي قبضت عليهم ازاي؟!
نظر الي الممرضه وابتسم:
– اه طبعاً ينفع.
ثم اضاف بنبرة مرحة:
– بس بشرط.. انتي كمان تحكيلي كل اللي حصل معاكم من اول ما المجرمين دول وقفوا الباص على الطريق.
قفزت بسعادة بقدميها وتحدثت بحماس:
– تمام وانا موافقه.
ابتسمت الممرضة وتحدثت وهي في طريقها الي خارج الغرفة:
– وانا هروح اشوف باقي المرضى.. عن اذنكم.
خرجت الممرضه واغلقت الباب خلفها، ركضت كارمن الي النافذه وقامت بفتحها وتحدثت بحماس:
– ممكن نسمح للهوى يدخل غرفتك؟
فتحت النافذة ووقفت امامها، انتشر ضوء الشمس بالغرفة والهواء المنعش دخل يتطاير مع خصلات شعرها الناعم الطويل. خفق قلبه بقوة وهو يتأملها بجمالها الرائع وعفويتها المميزة. استنشقت الهواء الطبيعي براحة ثم التفتت تنظر اليه وتحدثت بحماس:
– يلا احكيلي بقى؟!
ابتسم وهو يتأملها ولا يستطيع ابعاد عيناه عنها، بدأ يحكي لها كيف وضع جهاز التتبع بثياب المجرم وكيف ذهب هو وقوة من الشرطة الي المكان الذي اختبئ به المجرمين. اقتربت منه وهي تستمع اليه بحماس، جلست أمامه فوق الفراش وهي تستمع بكل تركيز، كان يحكي لها ويتابع ردود افعالها وهي تستمع اليه وكأنها كانت معهم، كانت تعلق على كل كلمه يقولها وتسأل عن كل شئ بحماس، كان الحديث ممتع بينهما حتى انتهى وجاء الدور عليها ان تخبره ما حدث معها، أخبرته كيف كانت تستعد لهذه الرحلة وقضاء العطله الصيفيه بصحبة صديقاتها، كانت تحكي بحماس وتخبره كل شئ بطريقه عفوية ممتعه. كان يستمع اليها دون ملل. لم يشعر كم من الوقت قد مضى وهما يتحدثان.
بعد اكثر من ساعتين.
فتح باب الغرفة فجأة ودخل صديقه المقرب النقيب خالد. استغرب خالد من وجود فتاة مع رشيد بالغرفة وكان يبدوا عليهما الاستمتاع بالحديث معًا.
خجلت كارمن ووقفت بتوتر لا تعلم كم من الوقت مضى وهي بغرفته. رمق رشيد صديقه بغيظ. تحدث خالد بتوتر:
– انا اسف مكنتش اعرف ان في حد معاك!
تحركت كارمن لكي تذهب من الغرفة وتحدثت بارتباك:
– انا همشي انا عن اذنكم.
ذهبت سريعًا بخجل وخرجت من الغرفة، اقترب خالد من رشيد وهو ينظر اليه بدهشة وسأله بفضول:
– مين دي؟!
اجاب عليه رشيد بغيظ:
– ملكش دعوه!
حدق به خالد بفضول ثم أومأ برأسه بتفهم وتحدث:
– ااه.. بقى هي الحكاية كده.. طب كنت قول عشان ابقى مطمن عليك واعرف انك مش لوحدك هنا!
فتح باب الغرفة مرة أخرى ودخلت والدة رشيد وهي تبكي وخلفها شقيقته وجده اللواء المتقاعد نور الدين الجبالي. غمز خالد بطرف عينيه الي رشيد وهمس اليه بمرح:
– المفروض تشكرني اني جيت قبلهم وانقذتك.
رمقه رشيد بغيظ ورحب بجده ووالدته وشقيقته.
***********
صباح اليوم التالي.
استيقظ رشيد باكرًا وجلس بداخل غرفته ينتظر قدومها اليه مرة اخري، طال انتظاره حتى اتت اليه الممرضه وهي تحمل وجبة الإفطار.
تحمحم بهدوء وسألها باهتمام لم يستطيع اخفاءه:
– فين كارمن مشوفتهاش النهاردة.. هي خرجت من المستشفى ولا ايه؟
ابتسمت الممرضه وظهر على وجهها معالم الحزن واجابت عليه بأسف:
– كارمن مش هتقدر تخرج من المستشفى دلوقتي!
شعر بالقلق عليها وسأل باهتمام:
– ليه؟!
اجابت عليه الممرضه بحزن:
– لان والدتها مسافرة واتواصلت مع إدارة المستشفى وطلبت منهم ميخرجوش كارمن قبل ما هي ترجع من السفر وتيجي تاخدها بنفسها!
حدق بالممرضه بصدمة وتحدث بزهول:
– معقول والدتها مش قادرة ترجع من السفر مخصوص عشان تطمن على بنتها!
اجابت عليه الممرضه بحزن:
– الموضوع ده مقصر على نفسية كارمن جدا، بس الواضح انها متعودة من والدتها علي كده!
شرد قليلاً يفكر بها وفيما تشعر به الأن، سأل الممرضه مرة أخرى بفضول:
– وباباها فين او اي حد من عيلتها؟
اجابت عليه الممرضه بأسف:
– اللي عرفته ان باباها متوفي وهي طفله ووالدتها مقاطعه كل عيلتها.. يعني كارمن حاليا ملهاش حد غير مامتها.
شعر بالحزن الشديد عليها، تعاطف معها كثيرا وسأل عنها مرة أخرى:
– وكارمن فين دلوقتي؟
ابتسمت الممرضة واجابة بنبرة مرحة:
– في غرفة “عدي” اتعرفت عليه امبارح وشكلهم حبوا بعض اوي.
خفق قلبه بقوة، تساءل بداخله من عدي هذا! شعر بالغيرة وتحدث بغضب:
– مين عدي ده؟
بهتت ملامح الممرضه بحزن واجابته:
↚
– ده طفل عنده عشر سنين وللأسف مريض كانسر.. كارمن اتعرفت عليه امبارح واتعلقوا ببعض اوي وطلب كارمن تروحله غرفته من بدري!
شعر بالارتياح قليلاً بعد معرفته ان عدي طفل صغير، لكن فضوله ازداد جوعً في رؤية الطفل الذي أحببته كارمن. وقف من فوق الفراش وتحدث الي الممرضه بأصرار:
– ممكن تاخديني لغرفة عدي.. عايز اتعرف عليه انا كمان.
استغربت الممرضه قليلاً وأومأت برأسها بالايجاب:
– تحت امرك اتفضل معايا.
ذهب معها وهو يضع ذراعه المصاب بداخل الحامل الطبي، غرفة عدي كانت بالطابق العلوي، وقفت الممرضه امام الغرفة واخبرته ان هذه غرفة عدي ودلفت هي اولاً وتحدثت الي عدي بمرح:
– البطل بتاعنا عامل ايه النهارده؟
ابتسم عدي وهو يجلس بجوار كارمن ويتناولون الافطار معًا، ابتسمت كارمن واجاب عدي بحماس:
– انا كويس جدا عشان كارمن معايا.
ابتسمت الممرضه وتحدثت معه بلطف:
– في بطل تاني عايز يشوفك ويتعرف عليك.. ايه رأيك؟
اجاب عدي بحماس:
– طبعا وانا كمان عايز اتعرف عليه عشان انا بحب الابطال.
ابتسمت الممرضه وتحدثت:
– اتفضل يا حضرة الظابط..
دخل رشيد هو يبتسم، خفق قلب كارمن بقوة عند رؤيتها له، وقف عدي وركض اليه بحماس وتحدث بسعادة:
– انت ظابط؟
أومأ له بالايجاب وتحدث اليه بلطف:
– أيوه.. وسمعت ان في بطل هنا في المستشفى وحبيت اجي اتعرف عليك.
ابتسم عدي بحماس وتحدث:
– وفي بطل كمان غيرنا هنا في المستشفى، كارمن اتعرفت عليه امبارح.. هو ظابط برضه وهو اللي انقذ كارمن واصحابها وقبض على المجرمين كلهم وحطهم في السجن.
خجلت كارمن وخفضت وجهها في الارض، نظر اليها رشيد بابتسامة، ابتسمت الممرضة واستأذنت منهم وذهبت لتتابع عملها. تحدث رشيد الي عدي بفضول:
– وكارمن اللي حكتلك عن الظابط ده؟
اجاب عليه عدي بثقه:
– كارمن مش بتتكلم غير عليه أصلا..
ثم اضاف بصوت هامس:
– اقولك على سر..
انحنى اليه رشيد قليلاً ليستمع الي صوته الهامس وشجعه على الحديث، تحدث عدي بصوت هامس:
– انا قررت لما اكبر ابقى ظابط عشان كارمن تحبني وتشوفني بطل زي الظابط اللي انقذها.
ابتسم رشيد بسعادة وسأله بهمس هو الاخر:
– هي كارمن قالتلك ايه بالظبط عن الظابط اللي انقذها؟
اجابه عدي بهمس:
– قالتلي كل حاجة.
تابعت كارمن همسهم بفضول شديد، لم تستطيع الاستماع الي حديثهما، ارتفع صوتها قليلاً وتحدثت اليهما بغيظ:
– انتوا هتفضلوا تتهامسوا كتير كده وانا قاعده لوحدي!
اجاب عليها عدي بمرح:
– ده كلام رجاله مش كلام بنات!
رمقته كارمن بغيظ، ضحك رشيد وتحدث هو الاخر بمرح:
– فعلا احنا بنتكلم كلام رجاله!
وقفت كارمن بغيظ وتحدثت بعناد:
– تمام وانا هخرج واسيبكم تتكلموا كلام الرجاله برحتكم.
ركض اليها عدي وتحدث معها برجاء:
– لا يا كارمن خليكي معايا.
ثم نظر الي رشيد وتحدث اليه هو الاخر برجاء:
– ممكن تفضل معايا وتحكيلي عن المغامرات بتاعتك وازاي بتقبضوا على المجرمين؟!
ابتسم رشيد واقترب منه وتحدث اليه بنبرة مرحة:
– تحت امرك يا بطل.
استغربت كارمن من تواضعه وطريقته المرحة مع عدي، تابعت جلوسه بجوار عدي وبدء يحكي له عن مواقف كثيرة تعرض لها بعمله، منها مواقف مضحكه طريفه ومنها مواقف صعبه وشاقه. كانت تتابع حديثه باهتمام وتركيز، شعرت بخفقات قلبها تزداد بقوة كلما تطلعت اليه. صوته كان مميز وطريقة حديثه ممتعه للغاية، ضحكته كانت رائعه وغمزاته كانت تزيد من وسامته. تأملته دون ان تشعر بنظرات اعجاب مختلطة بأنبهار.
دلفت الممرضه المسؤوله عن حالة عدي وطلبت منه الاستعداد لتناول الدواء. وقف رشيد وصافح عدي بقوة ووعده انه سيأتي اليه مرة أخرى، اقتربت كارمن من عدي وقبلته من وجنتيه بحنان واخبرته انها ستأتي اليه في الصباح.
خرجا الاثنان معًا من غرفة عدي، شعور قوي بالامان كانت تشعر به وهي تسير بجواره. قلبه كان يخفق بقوة ولا يريد ان تبتعد عنه. وقف الاثنان كلاً منهما امام غرفته، تشابكة نظرات عيناهما، شعور جديد اخترق قلبه… ✋.
فاق من ذكرياته مع توقف السياره فجأة.
صوت احتكاك الاطارات بالارض اعاده من ذكرياته معها، ضرب بيديه بقوة وهو يشعر بنيران تحرق قلبه كلما تذكر ما فعلته به، هتف بصراخ وهو يضرب بقسوة فوق قلبه الذي ينبض بعشقها حتى الان:
– ليه عملتي فيا كده؟ انا ضحيت بكل حاجة عشانك.. لو كنتي طلبتي مني روحي كنت هضحي بروحي وحياتي عشانك!
لا يصدق ما فعلته به حتى الان، كيف لها ان تقابل حبه وعشقه لها بالخيانة، كيف استطاعت ان تخدعه دون ان تطرف لها عين! ماذا فعلت به لكي لا يرى حقيقتها قبل ان يضع قلبه وعقله واسمه بين يديها.
نظر امامه بحزن، لا فائدة من هذا العذاب الذي يعيش به الأن، تمنى لو تخونه ذكرياته معها وتتركه كما فعلت هي! لا يمكنه العيش وذكرياته معها تطارده دائمًا.
اعاد تشغيل سيارته وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة، لا يريد ان يتذكر الماضي بعد الان، انطلق بسيارته بأقصى سرعة هاربًا من التفكير بها.
********
انتهى الحفل الذي كانت تعمل به كارمن. وذهبت بصحبة صديقتها مودة، كانت تسير وهي شاردة بعد رؤيتها له اليوم. تتذكر لهفته عليها عندما جرحت يديها، لم تتغير ملامحه كثيرا عن الماضي، بل اصبح اكثر وسامة بعد ان ترك لحيته تنمو قليلاً، لا يعلم كم كانت تشتاق اليه كثيراً.
توقفت مودة عن السير وحدقت بها بدهشة:
– ايه يا بنتي روحتي فين!
فاقت من شرودها ونظرت الي مودة:
– في ايه؟
ابتسمت مودة بغيظ وتحدثت باستخفاف:
– في ان احنا اكيد مش هنروح مشي.. والوقت متأخر دلوقتي، يعني لازم نوقف تاكسي!
أومأت برأسها بالايجاب ونظرت بداخل حقيبتها تبحث عن نقود، تحدثت مودة مرة أخرى:
– بصي احنا نوقف تاكسي ونقسم الاجرة بالنص انا وانتي.. انا رجلي وجعتني اوي يا كارمن.. احنا واقفين طول اليوم على رجلينا.
هزت رأسها بالايجاب، اشارت مودة الي احد سيارات الاجرة، توقفت السيارة امامهم، صعدا الي داخل السيارة، جلست كارمن واستندت برأسها على النافذه الزجاجيه وهي شاردة بالتفكير به، تحركت سيارة الاجرة وكأنها تأخذها الي الماضي لتذكرها كيف بدأت علاقتها مع رشيد… ✋
[بعد اسبوع لها بداخل المشفى]
اعتادت الذهاب إلى غرفة “عدي” في كل صباح وكان رشيد ينضم اليهما من حين الي اخر، كانا يتبادلان الحديث معًا بطريقه ممتعه، تطورت علاقتهما الثلاثة بشكل سريع، تعلقت كارمن كثيرا بـ عدي واعتادت على الحديث المرح مع رشيد. اصبحت رؤيتهما الاثنان كل يوم اهم ما تملكه بحياتها.
اليوم استيقظت بنشاط وارتدت ثيابها سريعًا، صففت شعرها الطويل واستعدت للخروج من غرفتها والذهاب إلى غرفة عدي لكي تتناول معه وجبة الافطار ويبدأ يومهما معًا كما اعتادت ان تفعل كل صباح طوال الأسبوع الذي اقامته بالمشفى.
كانت تسير بخفه وسعادة، اصبحت المشفى مسكنها المفضل. صعدت الي الطابق العلوي حيث غرفة عدي، كانت تسير بسعادة وتوزع ابتسامتها على الجميع، تباطأت خطواتها فجأة وخفق قلبها بخوف بعد رؤيتها لوالدة عدي وهي تقف امام الغرفة وترتدي الاسود وتبكي بانهيار! ووالد عدي يقف بجوارها يبكي بصمت ويحاول السيطرة على انهيار زوجته. اقتربت من الغرفة وعقلها رافض استيعاب ما يوحي لها به ذالك المشهد، وقفت امام الغرفة ورأت الفراش فارغًا والممرضات يقومون بتجهيز الغرفة لاستقبال مريض اخر. اقتربت منها الممرضه التي كانت مسؤولة عن متابعة حالة عدي، نظرت اليها كارمن بصدمة وتحدثت بصوت مبحوح:
– عدي فين؟
خفضت الممرضه وجهها واجابتها بحزن:
– عدي مات النهاردة الفجر.
↚
– عدي مات النهاردة الفجر.
كانت كلمات الممرضة مثل الصاعقة التي اطاحت بها، انتفض جسدها بفزع، نظرت الي والدة عدي وهي تبكي وتصرخ بانهيار، كم تمنت لو كان ما تراه الان مزحه من عدي ام كابوسً مزعجًا وستفيق منه! لكن كل ما يحدث حولها يبدو حقيقًا! نعم عدي لم يعد بهذه الحياة! لن تراه مرة أخرى. لم تستطيع تحمل فقدانه بعد ان اعتادت عليه! ركضت وهي تبكي بانهيار، لا تعلم الي اين تذهب! لكن قدميها اخذتها الي غرفة رشيد.. فتحت باب الغرفه وهي تبكي. كان يقف امام النافذه، التفت ينظر اليها بصدمة، وقفت امامه تبكي وتحدثت بانهيار:
– عدي مات!
حدق بها بصدمة. اقتربت منه وهي تبكي بانهيار وتردد حديثها دون تصديق:
– عدي مات.. روحت غرفته وملقتوش.. مات من غير ما اشوفه.. يعني انا كده مش هشوفه تاني.. كان نفسي اودعه.
اقترب منها وهو يحاول تهدأتها، تحدث اليها بحنان:
– عدي كان تعبان اوي وطول الوقت بيتألم.. هو دلوقتي ارتاح من الألم واكيد هو في مكان احسن.
هزت رأسها بالرفض وتحدثت ببكاء:
– انا كنت حبيته واتعلقت بيه اوي.. ليه يخليني اتعلق بيه واحبه كده وهو هيسبني.. ليه كل الناس اللي بحبهم بيسبوني وبيبعدوا عني.. انا مش عايزة اعيش في الدنيا دي لوحدي.
انقطع نياط قلبه من اجلها، لا يريد رؤيتها في هذه الحالة، يعلم انها تعلقت كثيراً بـ عدي ولا يمكنها تخطي موته وفراقه بسهوله. اقترب منها وامسك بيديها وتحدث اليها بصدق:
– بس انا مستحيل اسيبك او ابعد عنك.. انا هفضل دايما معاكي يا كارمن متخافيش.
نظرت اليه والدموع تنسال من عيناها بغزارة حتى اصبحت لا تستطيع الرؤية، تحدثت بصوتها الباكي:
– لما تخرج من المستشفى اكيد هتنساني.. انا مش عايزة احب حد تاني.. كل اللي بحبهم بيبعدوا عني!
ضغط على يديها بقوة حتى تنتبه لحديثه وتحدث اليها بقوة:
– انا مستحيل انساكي.. عشان انا بحبك.
[عادت من ذكرياتها على اعترافه لها بالحب]
توقفت سيارة الاجرة التي تنقلها هي وصديقتها بالحي السكني التي تقطن به، عادت الي الواقع، لم تشعر بالدموع التي اغرقت وجنتيها اثناء تذكرها للماضي، تحدثت اليها مودة بدهشة:
– مالك النهاردة يا كارمن مش طبيعيه!
جففت دموعها بأناملها وترجلت من السيارة بصمت، وقفت تستنشق الهواء لكي تهدأ قليلاً، وقفت مودة بجوارها وتحدثت بقلة حيلة:
– طب اطلعي ارتاحي يا كارمن شكلك تعبانه النهاردة.
ختمت حديثها وهي تتجه الي العقار التي تقطن به:
– يلا تصبحي على خير.
وقفت كارمن تستنشق الهواء البارد، ليته يبرد قلبها ويهدأها قليلاً، تقدمت الي العقار التي تقطن به، ظلت تصعد الدرج حتى وصلت الي الطابق الاخير، انقطعت انفاسها وظلت تلهث بتعب، توقفت بسطح العقار تنظر إلى الغرفة المتهالكه التي تقطن بها مع والدتها، اتجهت الي الغرفة وفتحت الباب. كانت الغرفه معبئه بالدخان، تقدمت الي داخل الغرفة ويصحابها سعال قوي بعد تعرضها لاستنشاق كل هذا الدخان، ركضت الي النافذه وفتحتها بقوة، التفتت تنظر إلى والدتها الجالسة فوق الفراش براحة وتمسك بيدها احدى السجائر وبجوارها عدد كبير من السجائر المنتهيه بعد تناولها لها، اقتربت من والدتها وتحدثت اليها بغضب:
– ايه كل السجاير دي.. انتي كده بتموتي نفسك بالبطيئ وبتموتيني معاكي!
رمقتها والدتها ببرود، اخرجت الدخان من فمها بالهواء وتحدثت بملل:
– جبتي اكل وانتي جايه؟
حدقت بوالدتها بصدمة، تعلم أن الحديث معها سيأتي بدون فائدة، زفرت بقلة حيلة واتجهت الي البراد الصغير الموضوع بالغرفة، اخذت من داخله قطعه من الجبن مع رغيف من العيش ووضعتهما امام والدتها، رمقتها والدتها بغضب والقت الطعام بوجهها وصدح صوتها بصراخ:
– طول اليوم برا البيت وراجعه تأكليني جبنه!!
اغمضت عيناها بتعب، لم تتحمل المزيد، لقد اكتفت اليوم. فتحت عيناها ونظرت الي والدتها بدون رد فعل، فقط الدموع تنسال من عيناها بصمت، انهارت في البكاء امام والدتها، ركضت من الغرفة الي الخارج، وقفت تلتقط انفاسها بسطح العقار، والهواء البارد يتخبط بجسدها، تشعر بالبرودة الشديدة، لم تعد تتحمل ما يحدث معها، قسوة والدتها وفراق حبيبها وحياتها التي اصبحت بائسه والفقر الذي اصبح رفيقها، وعملها الشاق طوال اليوم دون راحة، وفي المقابل عليها ان تصمت وتصبر وتواجه كل شئ بمفردها. اغمضت عيناها وسمحت لدموعها ان تنسال كما يحلو لها، لا يمكنها فعل شئ اخر لكي تفرغ ما بداخلها من ألم. تذكرت عندما كانت تبكي بضعف مثل هذه الحالة، كيف كان يخفف عنها رشيد، عادت بذاكرتها مرة أخرى الي الماضي، عندما اعترف لها رشيد بداخل المشفي عن مشاعره اتجاهها…. ✋.
– انا مستحيل انساكي.. عشان انا بحبك.
نظرت اليه بصدمة عقب استماعها لكلماته، ابتعدت عنه قليلاً وهمست بزهول:
– بتحبني!!
أقترب منها وأومأ برأسه بالايجاب قائلاً بثقة:
– اه يا كارمن بحبك.
ارتجف جسدها بصدمة وهي تحدق به بزهول، لم يعطيها فرصة للتفكير؛ كيف ومتى احبها؟ توقف امامها وهو يتأملها بنظرات عاشقة واضاف:
– اول مرة شوفتك فيها اتخلق جوايا احساس جديد مكنتش عارف ده ايه! شعوري اتجاهك مختلف واول مرة اشعر بيه، انتي قدرتي تدخلي قلبي في الفترة القليله اللي عرفتك فيها، كل يوم كنت بتأكد ان مشاعري اتجاهك حب مش أي حاجة تانيه، انا بعترف بحبي ليكي دلوقتي وانا واثق ومتأكد من صدق مشاعري.
وقفت تستمع لكلماته بصدمة، شعورها بالحزن لفقدان عدي مع شعورها بالصدمة من حديثه الذي جاء بوقت لم تكن جاهزه للاستماع اليه، توقف عقلها عن التفكير، أرادت الابتعاد قليلاً لكي تستطيع استعاب ما يحدث معها، هزت رأسها بصدمة واتجهت الي خارج الغرفة سريعًا دون رد على حديثه، وقف بصدمة يتابع خروجها من الغرفة، شعر انه تسرع في اعترافه لها بمشاعره، تسلل الي داخله شعور بالندم بعد اعترافه لها بهذه الطريقه وفي ذالك الوقت.
ركضت الي غرفتها وهي في حالة من الصدمة، اغلقت باب الغرفه وجلست فوق الفراش، كلماته كانت تتردد على مسمعها، قلبها كان يخفق بقوة، دموعها تنسال دون توقف، كانت حزينه علي فقدان عدي، وقلبها ينبض بشعور جديد اتجاه رشيد، كانت في حالة سيئة ولا تشعر بشئ سوى ألم وخفقات مسرعه بقلبها ودموع تنسال على وجنتيها دون توقف. ظلت على هذه الحالة حتى الصباح الباكر، دخلت الممرضه الغرفة واخبرتها ان والدتها قد عادت من السفر واخبرت إدارة المشفى ان يسمحوا لها بالخروج الان، واخبرتها ان والدتها تنتظرها الان بالسيارة خارج المشفى، كانت في حاجة شديدة الي والدتها، ساعدتها الممرضه في وضع متعلقاتها وثيابها بداخل الحقيبه، خرجت من الغرفة وهي حزينه وعيناها لامعه بالدموع، نظرت الي غرفته وارادت الذهاب اليه لكي تودعه قبل ان تذهب، لكنها خجلت من مواجهته بعد حديثه أمس، تابعت سيرها وذهبت من المشفى، قلبها كان يخفق بقوة مع كل خطوة تخطوه وتبعدها عنه، كانت تلتفت خلفها وهي في حيرة؛ لا تريد الابتعاد عنه وترك هذا المكان الذي جمعهما ونشأ به حبهما.
كانت والدتها تجلس بداخل السيارة وتنظر الي هاتفها بملل، اقتربت من السيارة وقام السائق بمساعدتها واخذ الحقيبه من يدها ووضعها بالسيارة، صعدت الي داخل السيارة بجوار والدتها بالخلف، كان استقبال والدتها لها باردًا كما اعتادت منها، نظرت اليها والدتها نظره سريعه وتحدثت ببرود:
– عامله ايه دلوقتي؟ كويسه
كان سؤالها يضم الاجابه المنتظره التي تطالبها والدتها ان لا تقول غيرها، أومأت برأسها بحزن واجابة:
– اه كويسه.
أومأت والدتها برأسها بالايجاب وتحدثت الي السائق بلغة الامر:
– وصلنا البيت.
تحركت السيارة من امام المشفى، عادت والدتها بالنظر الي هاتفها دون ان تلاحظ الحزن والألم الذي تعاني منه ابنتها، التفتت كارمن برأسها الي نافذة السيارة المجاورة لها ودموعها تنسال بصمت، تمنت في هذه اللحظة ان تذهب إلى رشيد وتخبره كم هي في الحاجة اليه ان يكون بحياتها وان لا يتركها ابدا…. ✋.
فاقت من شرودها وجففت دموعها بأناملها، تشعر الان انها بحاجة اليه، هذا ما كانت تشعر به بالماضي، ولا يمكنها مواجهته الان بعد ما فعلته به، لقد فعل الكثير من اجلها ومن اجل سعادتها، وهي ماذا فعلت في المقابل! لقد تسببت في تدمير حياته، خسر عمله بالشرطة من اجلها، وكان على وشك ان يفقد حياته ايضًا. انهارت في البكاء من جديد كلما تذكرت ما فعلته به، همست تردد بصوت باكي حزين:
– انا اسفه
********
وصل رشيد بسيارته الي منزل عائلته، توقف بالسيارة امام المنزل، يشعر بألم شديد بقلبه، رؤيته لها اليوم لم تكن في صالحه، لقد ايقظت الماضي بداخله من جديد، كان يعتقد انه استطاع تخطي الماضي وعلى استعداد لبدء حياته من جديد، اصبحت تلاحقه كلما فتح عيناه والماضي يلاحقه كلما اغمض عيناه. استند برأسه علي مقود السيارة وعاد بذكرياته الي الماضي…. ✋.
عندما عاد الي منزله بعد ذهابها من المشفى دون ان تخبره بشئ. استيقظ في صباح ذاك اليوم وانتظرها كثيراً ان تأتي إلى غرفته بالمشفى كما اعتادت ان تفعل كل يوم، أخبرته الممرضه انها تركت المشفى وذهبت مع والدتها في الصباح الباكر. خبر ذهابها من المشفى كان صادم له. لم يستطيع البقاء في المشفى بعد ذهابها، قرر العودة إلى منزله، اتصل على صديقه خالد وطلب منه ان يأتي الي المشفى ويأخذه الي المنزل.
وصل المنزل واعتقد ان عودته ستكون مفاجأة لعائلته، لكن المفاجأة الكبرى كانت من نصيبه، دلف المنزل وهو يستمع الي صوت مشاجرة بين عائلته، وقف يتطلع اليهم بصدمة، والدته كانت تجلس على احد المقاعد وتبكي وشقيقته تقف بجوار والدتها وتربت على ظهرها وتبكي هي الأخرى، على الجانب الاخر كان يقف والده بوجه متهكم وجده يجلس ويخفض وجهه بصدمة وحزن، اقترب منهم بصدمه وتحدث بقلق:
– في ايه! ايه اللي بيحصل هنا؟
استمعت والدته لصوته، رفعت وجهها ونظرت اليه بعيناها الباكيه، وقفت سريعًا وركضت اليه وهي تبكي وتصرخ قائلة:
– رشيد.. شوفت باباك عمل فيا ايه.. معقول انا استحق ده منه بعد العمر ده كله!
فتح ذراعه واخذ والدته في عناق بحماية، صدح صوت والده قائلاً بغضب:
– انا معملتش حاجة تغضب ربنا، انا اتجوزت على سنة الله ورسوله.. انتوا بتحسبوني علي ايه، انا راجل والشرع محللي اتجوز اتنين وتلاته واربعه!
حدق رشيد بوالده بصدمة، خجل والده قليلاً من نظراته ونظرات ابنته التي لم تتوقف عن البكاء، وقف الجد “نور الدين الجبالي” وتحدث الي ابنه بصرامه:
– بس انت مش ناقصك حاجة يا “وجيه” عشان تتجوز على مراتك اتنين وتلاته واربعه.. وبعدين مين دي اللي انت اتجوزتها، وازاي واحدة محترمة تقبل انها تتجوز راجل متجوز وعنده عيال علي وش جواز.. انت ازاي مفكرتش في عيالك وانت بتعمل المصيبه دي!
تحدثت والدة رشيد ببكاء وهي تقف بجوار ابنها:
– كان فاكر اننا مش هنعرف، اتجوز وسافر يقضي شهر عسل ومفهمنا انه كان مسافر في شغل!
لم يصدق رشيد ما يسمعه، كان ينظر إلى والده بصدمة، جلس الجد مرة اخري وخفض وجهه يفكر قليلاً، رفع وجهه ونظر الي حفيدته وتحدث اليها بأمر:
– خدي مامتك يا رهف واطلعوا انتوا على فوق.
صدح صوت والدة رشيد بصراخ:
– انا مش هطلع على مكان قبل ما يطلقني!
نظر اليها زوجها بصدمة، تحدث اليها والد زوجها بتأكيد:
– التانيه اللي هتطلق مش انتي يا ماجدة.. انتي مراته وام عياله، انما التانيه مش اكتر من نزوه وهو لازم يفوق لنفسه ويصلح غلطته.
ارتفع صوت الجد مرة اخره بصرامه:
– يلا يا رهف.. خدي والدتك واطلعوا على فوق.
اقتربت رهف من والدتها واخذتها وصعدت معها الي الطابق العلوي من المنزل. وقف رشيد وهو يحاول استيعاب ما يحدث، انتظر الجد “نور الدين الجبالي” حتى صعدت حفيدته ووالدتها الي الأعلى ثم تحدث الي ابنه بصرامة:
– انت اتجننت! انت ازاي تتجوز على مراتك بعد العمر ده كله بينكم؟!
خفض وجيه والد رشيد وجهه وتحدث بتلعثم:
– يا بابا انا راجل ومن حقي….
قاطعه والده بصرامة:
– انت مش من حقك اي حاجة.. ولادك دول هما اللي من حقهم انهم يرفعوا راسهم وسط الناس.. تقدر تقولي مين اللي انت اتجوزتها دي؟!
نظر رشيد الي والده بترقب، تحدث وجيه بتوتر:
– ست حبتها واتجوزتها.. فين المشكله؟
وضع الجد ملف به معلومات عن الزوجة الجديدة امام اعين والد رشيد وتحدث بصرامة:
– الملف ده فيه المشكله كلها، الملف ده فيه كل المعلومات عن النصابه اللي انت اتجوزتها. انت عارف الهانم اتجوزت قبلك كام مرة.. طب عارف كام واحد اتجوزته واستولت على فلوسه كلها وسابته، ازاي تحط اسمك وسمعتك بين ايدين واحده زي دي!
↚
– الملف ده فيه المشكله كلها، الملف ده فيه كل المعلومات عن النصابه اللي انت اتجوزتها. انت عارف الهانم اتجوزت قبلك كام مرة.. طب عارف كام واحد اتجوزته واستولت على فلوسه كلها وسابته، ازاي تحط اسمك وسمعتك بين ايدين واحده زي دي!
اقترب وجيه من والده واخذ الملف وفتحه، بدأ يقرأ المعلومات عن زوجته الثانيه وكم رجل تزوجته واسماءهم وجميعًا رجال أعمال واستولت على اموالهم حقًا. نظر الي والده وتحدث بتوتر:
– انا مكنتش اعرف المعلومات دي عنها!
تحدث اللواء نور الدين الجبالي بصرامة:
– لازم تطلقها ومن غير شوشره والاهم ان مفيش مخلوق يعرف ان الجوازة دي حصلت.. متنساش ان شغل ابنك حساس وبنتك على وش جواز واي حاجة زي دي هتسوء سمعة العيلة!
كان رشيد يقف ويتابع الحديث بصدمة، لا يصدق ان والده يفعل ذالك بهم. تحدث الجد الي رشيد بتأكيد:
– بكره الصبح هنروحلها انا ورشيد ولازم ننهي الموضوع ده معاها بهدوء.
توتر وجيه كثيرًا واردف بقلق:
– وانا هاجي معاكم؟
رفض والده بأصرار:
– لاء.. انت مش مطلوب منك غير تطلقها بس، والباقي انا هحله.
ثم نظر الي رشيد واضاف:
– وانت يا رشيد.. جهز نفسك عشان هتيجي معايا نقابل الست دي بكره.
أومأ رشيد برأسه بالإيجاب وهو ينظر الي والده بلوم على ما فعله بحقهم، خفض وجيه رأسه بحزن بعد رؤيته لتلك النظرة بعين ابنه، استأذن رشيد من جده ثم صعد الي والدته بالطابق العلوي لكي يطمئن عليها.
رمق اللواء نور الدين ابنه بغضب وتركه وذهب هو الاخر.
*******
صباح اليوم التالي.
جلست كارمن بداخل غرفتها، لم تغفى عيناها طوال الليل؛ تفكر في رشيد وحديثه معها بالمشفى، تشعر بالندم بعد ان تركت المشفى قبل ان تخبره انها تبادله نفس المشاعر، سيظن الان انها رافضه لحبه، وقفت من فوق الفراش وقررت الذهاب إلى المشفى لكي تتحدث معه وتخبره بمشاعرها اتجاهه.
ارتدت ثوبها وخرجت من المنزل قبل ان تستيقظ والدتها، تعلم ان والدتها لن تستيقظ بهذا الوقت الباكر في الصباح. اشارات الي سيارة اجري وصعدت بداخلها في طريقها الي المشفى.
بعد قليل..
وصل رشيد بسيارته امام منزل زوجة والده الثانية، ترجل من السياره مع جده. نظر الي المنزل بغضب قائلاً:
– ده العنوان اللي في الملف.
نظر اليه جده وتحدث بتأكيد:
– حاول تمسك اعصابك يا رشيد.. احنا عايزين ننهي الموضوع من غير مشاكل.
ضغط على شفتيه بغضب، ثم أومأ برأسه وتحدث بغضب مكتوم:
– هحاول يا جدي.. خلينا نطلع نتكلم معها ونشوف الموضوع هينتهي على ايه!
ربت جده على ظهره وذهب معه إلى المنزل، ضغط رشيد على زر الجرس وانتظر..
كانت والدة كارمن نائمة براحة فوق فراشها، صوت الجرس المزعج لم يتوقف عن ازعاجها، استيقظت بصعوبه، تلعن في سرها ذاك المتطفل الذي جاء في هذا الوقت الباكر، قامت من فوق الفراش واخذت الروب الحريري وارتدته فوق ثوب نومها العاري، خرجت من غرفتها بغضب وهي تتوعد بداخلها لمن جاء اليها في هذا الوقت الباكر وايقظها من نومها، فتحت الباب بعصبيه ورمقت الطارق بغضب.
خفض رشيد وجهه وغض بصره سريعاً عند رؤيته لها بثوب النوم، تطلعت إليهما بغضب وتحدثت بنبرة فظه:
– خير؟ مين حضراتكم؟
خفض الجد وجهه وتحدث اليها بغضب مكتوم:
– انا اللوا نور الدين الجبالي.. والد وجيه الجبالي اللي انتي اتجوزتيه.
ثم اشار الي رشيد واضاف:
– وده النقيب رشيد.. ابن وجيه الكبير.
رسمت ابتسامة مزيفه على وجهها ورحبت بهما بنبرة باردة:
– اهلا.. اتفضلوا.
تحدث الجد قبل ان يتقدم الي الداخل:
– اتفضلي انتي الاول ادخلي غيري هدومك عشان نعرف نتكلم.
نظرت الي ثوبها ثم عادت ببصرها تنظر اليهما باستخفاف وتحدثت ببرود:
– ماله لبسي! عموما مفيش مشكله.. هدخل اغير لو مضايقكم! واتفضلوا ادخلوا لما اغير لبسي وارجعلكم.
تركتهم علي الباب يقفون واتجهت الي غرفتها غير مباليه بشئ، زفر رشيد بغضب وتحدث الي جده بصدمة:
– معقول بابا اتجوز الست دي!
ربت الجد على ظهره واجابه بقلة حيلة:
– شكلها ست مش سهلة وشكل الاتفاق معاها هيكون اصعب ما كنت اتخيل.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب وتقدم مع جده إلى داخل المنزل وهو يرمق كل زاوية بالمنزل بنظرات غاضبه، جلس جده وطلب منه الجلوس بجواره في انتظارها.
دخلت والدة كارمن “سهير سالم” الي داخل غرفتها وحاولت الاتصال على زوجها “وجيه” لكي تخبره ان والده وابنه بمنزلها الان. لم يجيب وجيه على اتصالاتها المتكرره، نظرت الي الهاتف بتفكير ثم ابتسمت ساخرة بعد ان استرسل لها عقلها سبب عدم رد وجيه عليها ومجيئ والده وابنه في هذا الوقت الباكر! ابتسمت بمكر وهي ترتب افكارها، ثم اتجهت الي خزانة الملابس لكي تأخذ ثوب اخر ترتديه.
انتظرها رشيد وجده بالخارج اكثر من نصف ساعه. كانت تقف امام المرآه تضع مساحيق التجميل فوق وجهها بتمهل وهي ترتب افكارها غير مباليه بانتظارهما لها كل هذا الوقت.
زفر رشيد بغضب وهو يجلس بجوار جده في انتظارها، ثم وقف بعصبيه قائلاً:
– اللي الست دي بتعمله قلة ذوق.. احنا بقالنا اكتر من نص ساعه مستنينها!
امسك جده يديه وتحدث اليه بهدوء:
– اهدا يا رشيد.. احنا لازم ننهي الموضوع ده النهارده وبهدوء.
جلس رشيد بجوار جده مرة أخرى وتحدث بنبرة غاضبه:
– انا مش قادر أصدق ان بابا يتجوز ست زي دي!
خفض جده رأسه بقلة حيلة وربت على يديه بصمت.
خرجت سهير من غرفتها واقتربت منهما وهي ترسم ابتسامة باردة فوق محياها وتحدثت بتعالي:
– تحبوا تشربوا حاجة؟
ثم جلست بسترخاء فوق مقعدها قبل ان تستمع الي ردهم، وضعت قدم فوق الأخرى بطريقه وقحة متكبرة وهي ترمقهم بنظرات باردة.
زفر رشيد بغضب وهو يتطلع اليها بنظرات غاضبه، انتفض من مكانه واقفًا لكي يذهب، تستفزه كثيرا ببرودها ووقحتها، نظر اليه جده وتحدث اليه بهدوء:
– اقعد يا رشيد وخلينا نتكلم ونمشي على طول.
نظر الي جده ثم جلس وهو يرمقها بنظرات غاضبه، حركت قدميها بتعالي وتحدثت بملل:
– ياريت نتكلم على طول لاني لسه مكملتش نومي.
غضب رشيد بشدة من اسلوبها الوقح معهما، وضع الجد يديه فوق كتف حفيده لكي يهدأه قليلاً، ثم تحدث معها بصرامة:
– احنا مش هنقول كلام كتير لانك اكيد عارفه احنا جاين ليه النهارده.. من الاخر كده تاخدي كام وتطلقي بهدوء ومن غير شوشره؟
ابتسمت بسخريه ولم تتفاجئ حقًا من حديثه، تطلعت اليهما ببرود واجابت عليه بثقة:
– ومين قال اني عايزة اتطلق!
لم يتحمل رشيد برودها ووقاحتها معهما، تحدث اليها بنبرة غاضبه قاسية:
– ميهمناش انتي عايزة ايه.. اللي يهمنا ان اسم عيلتنا متشلوش واحدة زيك!
رمقته بغضب وارتفعت حدة صوتها:
– واحدة زيي يعني ايه! هو باباك قالكم عني ايه بالظبط! انت متعرفش انه عمل المستحيل عشان اوافق اتجوزه!
خرج الجد عن صمته وتحدث اليها بصرامة:
– لو كان عرف تاريخك وعدد الرجالة اللي اتجوزتيهم واستوليتي على فلوسهم، اكيد مكنش اتجوزك وشيلك اسم عيلة متحلميش انك تكوني واحدة منهم!
توترت كثيرا بعد مواجهته لها بعدد زيجاتها وعلمه انها تستولى على أموالهم قبل ان يتم الطلاق، جف حلقها من شدة التوتر، حاولت الاسترخاء قليلاً واظهار قوتها، بللت لعابها وتحدثت اليه وهي تحاول رسم البرود على ملامحها:
– والمطلوب ايه دلوقتي؟
اجابها رشيد بنبرة حادة:
– تطلقي ونخلص بالمعروف.
ضحكت بطريقه خليعه وتحدثت اليه بسخريه:
– وماله.. انا معنديش مانع، بس اخد المؤخر بتاعي الاول.
نظر اليها الجد بغموض، تحدث رشيد بنفاذ صبر:
– هو المؤخر كام يعني؟!
استرخت في جلستها واجابته ببرود:
– مليون جنيه.
حدق بها رشيد بصدمة، خفض الجد وجهه ارضًا؛ هذا ما توقعه عندما طالبت بأخذ المؤخر، نظر رشيد الي جده بزهول، عقله رافض استيعاب ان والده قد وقع على هذا المبلغ الكبير گـ مؤخر لأمرأة مثلها، نظر اليه جده بقلة حيلة، ثم نظر اليها وتحدث بغضب مكتوم:
– اتفقنا.. الطلاق يتم النهاردة وانا هديكي المليون جنيه، بس بشرط..
نظرت اليه بلا مبالاة، اضاف بقوة وتأكيد :
– مفيش مخلوق يعرف بالجوازة دي، وابني تنسيه خالص ومتفكريش تظهري في حياته مرة تانيه.
ابتسمت ساخرة من الحديث وتحدثت ببرود:
↚
– اعتبرني نسيته من دلوقتي، وياريت ولا انتم ولا هو تظهروا في حياتي مرة تانيه.
لقد نفذ صبر رشيد، انتفض واقفًا بغضب، وقف جده سريعًا بجواره وامسك بيديه لكي لا يفقد اعصابه، تحدث اليها الجد بصرامة:
– النهاردة بالليل هنتقابل عند المحامي وهيتم الطلاق وهتاخدي الفلوس اللي طلبتيها.
أومأت برأسها ببرود، رمقها رشيد بغضب، لم يعد يتحمل المكوث بهذا المنزل اكثر من ذالك، اخذ جده وخرج من المنزل، زفر بغضب وهو يتجه الي سيارته، وقف امام السيارة وانفجر غضبه وتحدث بأنفعال:
– انا مش مصدق ازاي بابا يعمل عمله زي دي ويتجوز واحده زي دي! عقله كان فين وهو بيوقع علي ورق جوازه منها!
تحدث جده بقلة حيلة:
– خلاص يا رشيد اهدى، باباك غلط ولازم ندفع تمن غلطته.
زفر رشيد بغضب والقى نظره اخيره على منزلها قبل ان يذهب بسيارته، أراد لو استطاع حرق هذا المنزل وهي بداخله، كم ابتغض غرورها وبرودها ووقاحتها، استقل السيارة وجده بجواره، انطلق بسيارته في طريقهما الي المنزل…✋. رواية كارمن للكاتبة ملك إبراهيم.
ذكريات كثيرة جمعتهما، تخبط في مشاعره بين الحب والكراهيه. مشاعره الصادقة بالحب اتجاهها، مقابل مشاعر الكراهية اتجاه والدتها. لم يشعر كام من الوقت مضى وهو كان شاردًا في الماضي، مازال بداخل سيارته امام منزل عائلته. اقترب جده من السيارة وتحدث اليه بقلق:
– رشيد… انت كويس؟!
التقط انفاسه ثم ترجل من السيارة واقترب من جده وأجاب عليه بأرهاق:
– انا كويس يا جدي متقلقش.
تأمله جده بترقب وتحدث معه بفضول:
– انت قاعد جوه عربيتك بقالك اكتر من ساعة، شكلك كنت بتفكر في حاجة مهمة؟!
نظر الي جده وتعمق بالنظر اليه قليلاً ثم التقط نفسً عميق واجاب:
– انا شوفت كارمن النهاردة.
حدق به جده بصدمة، خفض رشيد وجهه بحزن واضاف:
– من وقت ما شوفتها وانا متلخبط.
تأمله جده بحزن، رفع وجهه ينظر إلى جده مرة أخرى واضاف بغضب:
– ليه قلبي دق لما شوفتها! ليه خوفت عليها لما ايديها اتجرحت؟!
اشتد غضبه اكثر واضاف بصوت مرتفع:
– معقول لسه بتقصر فيا! معقول انا مقدرتش انساها بعد كل اللي عملته فيا!
ربت جده على ظهره وتحدث اليه بهدوء:
– اهدى يا رشيد.. هي برضه كانت في يوم من الايام مراتك.. يعني مش معقول هتنساها بالسهوله دي!
صدح صوته الغاضب مرتفعًا:
– لا انا لازم انساها.. لازم امحيها من ذاكرتي.. مش عايز افتكرها ابدا.. مش عايز افتكر اي لحظة عشتها معاها.
عانقه جده بقوة لكي يهدأ قليلاً، شعر وكأن بداخله بركان من نار، همس اليه جده بندم:
– يارتني ما كنت طلبت منك ترجع هنا تاني، ياريتك فضلت مسافر وبعيد عنها.
ابتعد عن جده وتحدث بصراخ:
– انا مقدرتش انساها لحظة واحدة وانا بعيد عنها، انا كنت بخدع نفسي وبقول نسيت، وهي جت وبكل سهولة فكرتني بكل الوجع اللي عشته بسببها.
ربت جده على كتفه بحزن وتحدث اليه بقوة:
– انساها يا رشيد.. متسمحلهاش تدمر حياتك زي ما عملت زمان.. البنت دي زي مامتها ومستحيل هتتغير.
اشتعلت عيناه بالغضب، لم يشعر احد بالنيران المشتعله بداخله وقلبه الذي يتألم من خيانتها، نظر امامه الي الفراغ وهمس بداخله باصرار:
– مش قبل ما اعرف هي عملت فيا كده ليه! ووقتها انا مش بس هنساها.. انا هدمر حياتها زي ما دمرت حياتي.. انا لازم انتقم منها وادفعها التمن غالي اوي.
********
صباح اليوم التالي.
ذهبت كارمن الي عملها، تعمل في الصباح مدرسة بروضة خاصة للاطفال، وفي المساء تعمل نادلة بأحد المطاعم الشهيرة.
تقضي يومها بالعمل لكي توفر النقود لدفع إيجار السكن وتوفير احتياجات والدتها التي لم تتنازل عن طلباتها الكثيره رغم افتقادهما للنقود بعد ان خسرت والدتها كل ما تملك.
انتهت من عملها بالروضة وذهبت الي احد المطاعم واشترت الطعام الجاهز واخذته الي والدتها حتى لا تغضب منها كما فعلت ليلة أمس.
عادت الي المنزل لكي تعطي والدتها الطعام وتستعد للذهاب إلى عملها الثاني بالمطعم. اخذت منها والدتها الطعام ببرود وظلت تنتقد الطعام وكل ما تفعله كارمن من أجلها. ارتدت كارمن ثيابها وهي تستمع الي كلمات والدتها القاسيه بصمت، خرجت من المنزل وذهبت الي عملها مع صديقتها مودة، لم تتوقف مودة عن الحديث طوال الطريق حتى اوقفت كارمن وتحدثت اليها بفضول:
– انتي برضه مش هتقوليلي كان مالك امبارح؟
نظرت اليها كارمن بأرهاق واجابتها:
– مفيش حاجة يا مودة انا تعبانه بس شويه.
تنهدت بتعب ثم تابعت سيرها، توقفت مودة امامها وتحدثت مرة أخرى بفضول:
– نفسي اعرف في ايه انتي مخبياه عليا؟
نظرت اليها بتوتر واجابتها بارتباك:
– مفيش حاجة.. انا كويسه.
تأملتها مودة بترقب، تشعر ان كارمن تخفي عنها شئً بماضيها، كل شئ تفعله كارمن يدل على انها تهرب من شئٍ ما، لقد اتت مع والدتها منذ اربعة اعوام للسكن بالحي الذي تسكن به مودة، لم تتحدث عن ماضيها من قبل، دائماً تفضل الصمت. لم تستسلم كارمن الي فضول مودة واجابتها بنبرة حادة بعض الشئ:
– ياريت بلاش تسأليني تاني يا مودة.. لو في حاجة من حقك تعرفيها انا هاجي لوحدي احكيهالك!
حدقت بها مودة بصدمة. لقد ازداد فضولها جوعً، شعرت ان هناك قصة طويلة خلف صمت كارمن وهروبها المستمر من الاجابة على اسئلتها.
تركتها كارمن وسارت في طريقها الي عملها، كانت تسير بخطوات مسرعه، هاربه من ذكرياتها التي تركض خلفها بعد ان رأت رشيد امس واحيا بداخلها ألاَم الماضي من جديد.. لا يعلم كم تشتاق اليه وتحتاج اليه كثيرًا، عادت بذاكرتها الي اليوم الذي ذهبت فيه الي المشفى بعد ان خرجت من منزلها في الصباح الباكر حتى تذهب اليه وتخبره انها تبادله نفس المشاعر… ✋.
ذهبت إلى المشفى لكي تتحدث معه وتعترف له بمشاعرها المتبادلة اتجاهه. اقتربت من باب الغرفة وطرقت بهدوء، تفاجأة بصوت لشخص اخر يدعوها للدخول، دخلت ونظرت الي الرجل المسن الذي يتمدد فوق الفراش، عادت ببصرها تتأكد من رقم الغرفة، استوقفتها الممرضه التي كانت بالغرفه واقتربت منها تتحدث بابتسامة :
– كارمن.. اهلا وسهلا.. اخبارك ايه دلوقتي؟
نظرت اليها كارمن بارتباك وأومأت برأسها بهدوء واجابت بتوتر:
– الحمدلله.. انا كنت عايزة رشيد.. هو اتنقل من الغرفة دي؟!
ابتسمت الممرضة واجابت عليها بهدوء:
حدقت بها بصدمة، خفق قلبها بقوة وهمست بزهول “خرج!!” استرسل لها عقلها الكثير من الأسئلة؛ لماذا ذهب؟ كيف يذهب قبل ان يستمع الي ردها عليه! هل تراجع عن حديثه معها؟ هل خسرته بعد ان تركت المشفى قبل ان تخبره انها تبادله نفس المشاعر! ماذا تفعل الان؟ اين ستجده وكيف ستخبره انها تبادله مشاعر الحب، كيف تخبره انها بحاجة اليه ان يكون بجانبها ولم يتركها وحدها. شعرت بالاحباط وخفضت رأسها ارضًا وسارت وهي تلوم نفسها وتشعر بالندم، كم تمنت لو يعود بها الزمن وتعترف له بمشاعرها كما فعل. ذهبت من المشفى وهي حزينه، تفكر كيف يمكنها ان تراه مجددًا وهي لا تعلم عنه شئ سوى اسمه فقط.
عادت الي المنزل وتفاجأت ان والدتها مستيقظه باكرًا، كانت والدتها في اشد حالات الغضب، اقتربت منها كارمن وتحدثت اليها بقلق:
– ماما في ايه؟
زفرت والدتها وصدح صوتها الغاضب مرتفع:
– مفيش حاجة.. ابعدي عن وشي دلوقتي انا مش طايقه حد.
ابتعدت كارمن عن والدتها وجسدها يرتجف بشدة، اخذت والدتها الهاتف وتحدثت الي احدى صديقاتها واخبرتها ان زوجها الجديد ارسل والده وابنه واتفقوا معها على الطلاق.
↚
ابتعدت كارمن عن والدتها وجسدها يرتجف بشدة، اخذت والدتها الهاتف وتحدثت الي احدى صديقاتها واخبرتها ان زوجها الجديد ارسل والده وابنه واتفقوا معها على الطلاق مقابل اعطاءها مبلغ مليون جنيه. ستمعت كارمن الي حديث والدتها بحزن، لقد سئمت من افعال والدتها، تعلم انها تتزوج كثيراً ويتم الطلاق مقابل المال. تنهدت بتعب وذهبت الي غرفتها.
*******
في المساء..
دخلت والدة كارمن الي غرفة ابنتها واخبرتها انها ستذهب الي المحامي. أومأت كارمن برأسها بالايجاب وهي تعلم ان والدتها ذاهبه لكي تنهي إجراءات الطلاق، لم تهتم كارمن كثيراً بالامر، لقد اعتادت على افعال والدتها.
ذهبت والدة كارمن الي مكتب محامي عائلة زوجها، كان رشيد ووالده وجده في انتظارها، تم الطلاق مقابل المبلغ المالي(مليون جنيه) تنازلت والدة كارمن عن كل حقوقها مقابل النقود. كان الجد يضع النقود بداخل حقيبه وقام بتسليمها الي طليقة ابنه بعد انتهاء كل شئ. اخذت والدة كارمن الحقيبه بسعادة وتركتهم وذهبت الي منزلها. نظر الجد الي حفيده وأومأ برأسه، كانت هذه هي الاشارة لكي يتحرك رشيد ويفعل ما اتفق عليه مع جده، ابتسم رشيد بثقة وذهب.
كانت كارمن بداخل غرفتها، تفكر في رشيد، لا تعلم اين ذهب ولا تعلم اين تجده الان ، تتمنى بداخلها ان يبحث هو عنها ويجدها ويأتي اليها.
عادت والدة كارمن الي المنزل واتجهت الي غرفتها واغلقت الباب عليها وقامت بفتح الحقيبه فوق الفراش ووضعت النقود امام عيناها وابتسمت بسعادة وانتصار.
وصل رشيد ومعه قوة من رجال الشرطة الي منزل سهير سالم طليقة والده، بعد ان قدم جده اللواء نور الدين الجبالي بلاغ يتهمها فيه بسرقة مبلغ مالي كبير وحدد مواصفات الحقيبة والنقود التي اخذتها منهم. رتب اللواء نور الدين للقبض عليها ومعاقبتها على وقاحتها معهم وجراءتها علي الزواج من ابنه، ويكون هذا درسً قاسيًا لها لكي تعلم حدودها مع هذه العائلة ولم تتجرأ على فعل شئ بعد الطلاق.
تولى رشيد قيادة مهمة القبض عليها من داخل منزلها بكل ترحاب، حتى يثأر منها بعد وقاحتها معه هو وجده.
وقف رشيد امام المنزل وطرق بقوة، وقف خلفه مجموعة من رجال الشرطة ينتظرون اشارته بالقبض علي المتهمة.
خرجت كارمن من غرفتها بقلق عقب استماعها الي صوت طرق عاليًا على باب المنزل بطريقه حادة وقويه، اتجهت مسرعة الي الباب وفتحت الباب بقلق. شهقت بصدمة عندما رأته يقف امامها، ابتسمت تلقائيًا وهمست اسمه بسعادة:
– رشيد!
حدق بها بصدمة، توقف عقله عن الاستيعاب، رافض تصديق سبب وجودها بهذا المنزل، تمنى لو ما يفكر به الان غير صحيح. ابتسمت بسعادة وتحدثت اليه بشغف:
– انا كنت بفكر فيك دلوقتي.. انا مش مصدقه انك جيت عشاني.. انا روحت المستشفى أسأل عليك وقالولي انك خرجت!
هز رأسه بالرفض وتحدث اليها بصدمة:
– انتي بتعملي ايه هنا؟
عقدت ما بين حاجبيها بدهشة ثم ابتسمت بشغف واجابت عليه:
– انت عرفت عنوان بيتي ازاي؟
اغمض عيناه بصدمة عقب استماعه لتأكيدها ان هذا المنزل لها وبالطبع لوالدتها! تلك المرأة التي جاء الان ومعه قوة من رجال الشرطة للقبض عليها.
استغربت صمته واعتقدت انه جاء من اجلها ومن اجل ان يستمع الي ردها على اعترافه بمشاعره اتجاهها، لم تنتبه لوجود مجموعه من رجال الشرطة يقفون خلفه ينتظرون اشارته. فقط عيناها تراه هو فقط، ابتسمت بسعادة وتحدثت اليه بخجل:
– على فكرة انا روحت المستشفى اسأل عليك عشان في عندي اعتراف مهم كان لازم اعترفلك بيه زي ما أنت اعترفتلي..
تأملها بصدمة، صدح صوت احد الضباط وسأله بفضول:
– نقتحم البيت يا فندم؟
التفت ينظر اليه بصدمة، توقف عقله عن التفكير، لم يستطيع الاجابة على السؤال، عاد ببصره اليها، كانت تنظر اليه بصدمة وذهول عقب استماعها الي صوت شخص اخر لم تنتبه انه يقف قريبً منهما.
خرجت والدتها من الغرفه، صدح صوت والدتها تسأل بفضول:
– مين عندك يا كارمن؟
توترت كثيراً ثم اجابت على والدتها بارتباك:
– مفيش حد يا ماما.
ثم انخفضت نبرة صوتها وتحدثت اليه بهمس:
– انت لازم تمشي دلوقتي.. مينفعش ماما تشوفك هنا.
وقف في حيرة من امره، لقد جاء الي هنا لكي يعتقل طليقة والده بتهمة السرقة لكي يسترد الاموال التي اخذتها منهم مقابل الطلاق من والده، كيف سيلقي القبض عليها بعد ان اكتشف انها والدة الفتاة التي احبها!
اقتربت والدة كارمن من باب المنزل واستغربت من وجود رشيد ابن طليقها، اندفعت الي الباب وتحدثت اليه بحده:
– انت ايه اللي جابك هنا! احنا مش خلاص فضناها وباباك طلقني وخلصنا!
حدقت به كارمن بصدمة، نظر الي والدة كارمن بغضب ثم تحدث اليها بنبرة حادة:
– انا كنت جاي عشان اديكي درس عمرك، يمكن ترجعي عن طريق النصب على الرجاله اللي انتي ماشيه فيه!
شهقت كارمن بصدمة بعد استماعها لحديثه مع والدتها، ثم نظرت الي والدتها وهي تحاول استعاب ما قاله رشيد. هدأت نبرة صوته قليلاً وهو يتطلع الي كارمن واضاف:
– بس للاسف مش هقدر اعمل كده دلوقتي.
رمقته والدة كارمن بدهشة، تابعت نظراته الي ابنتها بترقب. انسالت دموع كارمن وهي تتطلع الي والدتها وتحدثت اليها ببكاء:
– الكلام اللي رشيد بيقوله ده صح يا ماما! انتي فعلا بتنصبي على الرجاله؟
رمقتها والدتها بغضب واجابت عليها بحدة:
– انا مبنصبش على حد! انا بتجوز على سنة الله ورسوله.. ولما بيحصل الطلاق باخد حقي منهم!
اغمضت كارمن عيناها بصدمة وهي تبكي بانهيار، ما قالته والدتها كان عار لها امام حبيبها، نظرت اليه وتحدثت اليه بصوتها الباكي وشهقاتها المتقطعه:
– انا اسفه.. اسفه على كل حاجة ماما عملتها.. بس ارجوك بلاش تسجنها.. انا مليش غيرها في الدنيا.. انا لوحدي وهي معايا.. مش عارفه لو بعدت عني هقدر اعيش ازاي من غيرها.
لم يتحمل رشيد رؤيتها تبكي بهذه الحالة، يعلم انها لا تشبه والدتها، بكاءها قطع نياط قلبه، أومأ لها بالايجاب والتفت ينظر الي رجال الشرطة وتحدث اليهم بقوة:
– ارجعوا انتوا على العربيات وانا جاي وراكم.
ذهبوا من خلفه ووقف هو بمفرده، اقترب منها خطوتين ورفع يديه الي وجهها وجفف دموعها بأنامله، تابعت والدتها ما يفعله رشيد مع ابنتها بستغراب، لا تعلم متى تعرفت ابنتها عليه وما هي العلاقه التي تربطهما!
ارتجف جسد كارمن وابتعدت عنه قليلاً وهي تخفض وجهها ارضًا. ابتسمت والدتها بمكر وتحدثت اليه ببرود:
– خير يا حضرة الظابط! لسه ليك حاجة عندنا؟
رمقها بغضب ثم عاد ببصره الي كارمن واجاب بثقة:
– طبعًا ليا..
رفعت كارمن عيناها ونظرت اليه بقلق، ابتسم اليها بحنان ثم رمق والدتها بغضب واضاف مؤكدًا:
– واللي ليا هنا هاخده.
رمقته والدة كارمن بغضب، شعرت ان حديثه المقصود بأبنتها. أومأ برأسه بثقه ثم ذهب من امامهما، بكت كارمن اكثر وهي تتابع ابتعاده عنها، اعتقدت انه يقصد النقود بحديثه ولم تنتبه انه يقصدها هي.
تابعت والدتها بكاءها بترقب ثم اقتربت من باب المنزل واغلقته بحده، وقفت كارمن تبكي وهي تنظر الي باب المنزل وتتمنى عودة رشيد اليها، وقفت والدتها امامها وتحدثت اليها بحدة:
– انتي تعرفي رشيد من امتى وازاي؟
نظرت الي والدتها بحزن وارتفعت شهقاتها وهي ترى والدتها تتسبب لها في كل حزن وألم تشعر به. اشتدت حدة صوت والدتها واعادة سؤالها:
– ردي يا كارمن.. انتي تعرفيه من امتى وازاي عرفتيه؟!
انتفض جسد كارمن من صراخ والدتها واجابت عليها بصوت متقطع من شدة البكاء:
– عرفته في المستشفى.. هو الظابط اللي انقذنا لما الباص اتخطف.
عقدت والدتها ما بين حاجبيها بدهشة وهمست بداخلها ” معقول قدر يتعلق بيها في الفترة البسيطة دي! ” فكرت قليلاً ثم ابتسمت بثقة وتحدثت الي ابنتها بثقة:
– براڨو عليكي يا كارمن.. اهو انتي كده اثبتي انك بنتي صحيح.
نظرت كارمن الي والدتها بدهشة، ربتت والدتها علي ظهرها واضافة ببرود:
– بس انا عايزاكي من اللحظة دي تنسي رشيد ده خالص.
حدقت بوالدتها بصدمة، أومأت والدتها برأسها بالايجاب واضافة:
– احنا مش هينفع ندخل عيليتهم تاني بعد ما انا اطلقت من باباه النهاردة.
اغمضت كارمن عيناها وهي تبكي بحزن، اضافة والدتها بنبرة حماسية صدمت كارمن:
– بس متقلقيش انا هشوفلك واحد تاني تقدري توقعيه ونطلع منه بمبلغ كويس.
حدقت بوالدتها بصدمة، تراجعت الي الخلف بزهول واردفت قائلة:
– ايه اللي بتقوليه ده يا ماما! انتي سامعه بتقوليلي ايه؟!
رمقتها والدتها ببرود واجابت عليها بصرامة:
– انتي مش هتعملي حاجة عيب ولا حرام.. ده جواز شرعي وبعد فترة تطلقي وتطلعي من الجوازة بمبلغ كويس.
انهارت كارمن في البكاء وابتعدت عن والدتها وهي تترنح بزهول، صرخت وعقلها لا يستوعب حديث والدتها:
↚
– انا مش مصدقه اللي بسمعه ده! ازاي تطلبي مني حاجة زي كده.. انتي عايزة تدمري حياتي اكتر ما دمرتيها!
اقتربت منها والدتها وامسكتها من ذراعيها بقوة وتحدثت اليها بقوة وغضب:
– مين اللي دمرت حياتك! فوقي.. بصي حواليكي ، شوفي المستوى اللي انتي عايشه فيه.. كنتي عايزة تعيشي في المستوى ده ازاي ومنين وباباكي مات واحنا علينا ديون.. انا ضيعت عمري عليكي.. دخلتك احسن مدارس ولبستك من أغلى الماركات.. ضيعت عمري وانا بفكر فيكي وفي مستقبلك.
انهارت اكثر بين يدي والدتها، هزتها والدتها بقوة بين يديها واضافة بقوة:
– بعد كل اللي عملته ده عشانك وجايه تقوليلي اني دمرت حياتك!
ابتعدت عن والدتها وصرخة بانهيار:
– انتي معملتيش حاجة عشاني.. كل اللي عملتيه عشانك انتي.. انتي اللي عايزة تعيشي في المستوى ده مش انا! انا عمري ما طلبت منك ادخل احسن المدارس ولا البس أغلى الماركات، انا مكنتش محتاجة منك غير اهتمامك بيا وانك تكوني جنبي.. انتي وفرتيلي كل حاجة بس حرمتيني منك انتي.
تابعت والدتها انهيارها بصدمة، جلست كارمن على الارض بضعف واضافة بحزن:
– ودلوقتي عايزة تحرميني من الانسان الوحيد اللي حبيته.
اشتد غضب والدتها واقتربت منها تتحدث بصرامة:
– مفيش حاجة اسمها حب فوقي لنفسك يا كارمن.. مش لازم تحبي حد غير نفسك.
رفعت عيناها تنظر الي والدتها بحزن واجابت عليها:
– انا لو حبيت نفسي بس يبقى هكرهك انتي يا ماما!
ارتجف جسد والدتها قليلاً، حاولت التماسك واظهار القوة واللا مبالاة، رسمت البرود على ملامحها وتحدثت لاخر مرة قبل ان تتركها وتذهب:
– كلامي مش هعيده تاني.. رشيد ده تنسيه خالص.
بكت كارمن بانهيار، تركتها والدتها واتجهت الي غرفتها، هتفت كارمن بحزن:
– اكيد هو اللي هينساني بعد اللي عرفه النهاردة… ✋.
عادت من ذكرياتها عندما توقفت امام محل عملها، اتجهت الي داخل المطعم، ركضت اليها احدى الفتيات وتحدثت اليها بقلق:
– كارمن المدير عايزك في مكتبه حالا.
شعرت بالقلق الشديد وهمست بقلق:
– خير ايه اللي حصل! معقول عشان اتأخرت خمس دقايق؟
هتفت الفتاة بحيرة:
– بصراحة مش عارفه!
استغربت مودة وتحدثت بقلق:
– وعايزني انا كمان؟
اجابتها الفتاة بثقة:
– هو قال كارمن بس!
اغمضت كارمن عيناها بتعب ثم أومأت بالايجاب واتجهت الي غرفة المدير وطرقت على الباب بهدوء.
سمح لها بالدخول، فتحت الباب وتفاجأت بوجود رشيد يجلس مع صاحب المطعم ويتبادلون الحديث، ارتجف جسدها وخفق قلبها بشدة عند رؤيتها له، أشار اليها صاحب المطعم وطلب منها ان تتقدم الي الداخل، تقدمت بخطوات مطباطأة وهي تخفض وجهها ارضً، لم تستطيع رفع عينيها والنظر اليه.
كان يتابع خطواتها باهتمام، يعلم بماذا تشعر الان، يستمع صوت خفقات قلبها بوضوح.
اقتربت منهما وجلست امامه، بدأ صاحب المطعم بالحديث موضحًا سبب استدعائها الي غرفة مكتبه:
– الاستاذ رشيد يا كارمن كان هو والمدام في حفلة امبارح وعجبهم جدا شغلك والتزامك بخدمة الضيوف، وجاي النهاردة يتفق على حفلة عيد ميلاد ابنه وعايزك تكوني المسؤولة عن ضيافة المدعوين.
شهقت بصدمة وصدح صوتها عاليًا دون ان تشعر:
– نعم.. مدام مين وابن مين؟!
استغرب المدير من رد فعلها الغريب ونظر الي رشيد بحرج واعتذر منه باحترام، ثم رمق كارمن بغضب وتحدث اليها بصرامة:
– في ايه يا كارمن انتي اتجننتي! ازاي تتكلمي بالاسلوب ده!
شعرت بتجاوزها وخفضت وجهها بصمت، لا تصدق انه تزوج وانجب ولد! رفعت عيناها ونظرت اليه بلوم، تلألأت عيناها بالدموع، كيف له ان يتزوج من غيرها! كيف ينجب ابن من امرأة اخرى! كانت على وشك الانفجار بالبكاء والصراخ، كيف يفعل بها ذالك!
كان يتابع صدمتها وغضبها بصمت، يعلم بما تشعر به الان، ما فعله بها الان كان جزء من خطته في الانتقام منها، لكنها لم ترى شئٍ بعد، الانتقام الاكبر سيكون من نصيبها في الحفل.
وقف بهدوء وتحدث الي مدير المطعم:
– اظن احنا كده اتفقنا على كل حاجة والعنوان مع حضرتك.
وقف مدير المطعم وابتسم اليه واجابه باحترام:
– تمام يا فندم كل شئ هيكون جاهز زي ما اتفقنا.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب ثم نظر اليها بقسوة وخرج من الغرفة. لا يعلم ما فعله بقلبها بتلك النظره، شعرت وكأن نظرته القاسية سهمً مسموم اخترق قلبها واراد القضاء على حياتها. وقفت بصمت شاردة تستمع الي توبيخ مديرها على اسلوبها الفظ مع العميل، انتهى المدير من حديثه وهو يعطيها العنوان ويأكد عليها سرعة الذهاب إلى عنوان منزله في الصباح الباكر وبدء العمل به. اخذت منه العنوان وخرجت من غرفة المكتب وهي بداخل دوامة من الأفكار والذكريات… ✋.
تذكرت ما حدث معها بعد مرور شهر. بعدما علم رشيد ان سهير سالم طليقة والده هي ام حبيبته، وبعد تحذير سهير لابنتها ان لا تفكر به مجددًا… قضت كارمن بالمنزل شهرً كاملاً لم تخرج من المنزل ولم تتحدث الي احد، حتى انتهت الاجازة الصيفيه وبدأ العام الدراسي. وكان عليها الذهاب إلى الجامعه.
استيقظت اليوم باكرًا في يومها الاول وسنتها الاولى الدراسيه في الجامعه.
ذهبت إلى الجامعه بوجه شاحب حزين، كانت فاقدة للشغف والحياة، كانت ترتدي ثوب غامق وترفع شعرها بطريقه عشوائيه، غير مباليه بشئ، اقتربت منها سما صديقتها وهي تركض اليها بحماس، توقفت امامها وتحدثت اليها باشتياق:
– كارمن وحشتيني اوي.. انا اسفه يا كارمن مقدرتش اتواصل معاكي طول الفترة اللي فاتت لاني كنت مسافره.
عانقتها كارمن وتحدثت اليها بهدوء:
– متعتذريش يا سما.. انا اصلا مش زعلانه.
حدقت بها سما بدهشة وتحدثت اليها بقلق:
– كارمن انتي كويسه؟!
نظرت امامها الي الفراغ واكتفت بأمأة بسيطه. استمعت إلى صوت مميز يأتي من خلفها:
– لو سمحتي عايز اسأل عن زميله لكم في الجامعه.
صوته كان مألوفًا لها، تعرفت عليه بسهوله دون ان تراه، خفق قلبها بقوة، التفتت تنظر اليه لكي تتأكد من وجوده حقًا خلفها، ابتسمت بسعادة عندما وجدته يقف خلفها وينظر اليها، لا يعلم كم اشتاقت اليه. حدقت به سما صديقتها، شعرت وكأنها رأت هذا الشاب من قبل! لكن اين ومتى لا تتذكر!
نجح في رسم الجدية على ملامحه وأعاد سؤاله بنبرة جادة:
– ممكن تساعدوني اوصلها؟
حدقت به كارمن بصدمة وتحدثت اليه بذهول:
ابتسم بداخله وحاول الثبات على رسم الجدية، نظرت اليهما سما بدهشة وهي تحاول ان تتذكر اين رأته من قبل! نظر رشيد الي كارمن راسماً الدهشة على ملامحه وتحدث اليها:
– حضرتك تعرفيني؟!
بهتت ملامحها بحزن بعد ان شعرت انه يتجاهلها ولا يريد ان يتذكرها، تلألأت عيناها بالدموع سريعًا واجابته بحزن:
– لا معرفكش.. انا اسفه.
كادت ان تذهب من امامه لكنه امسك بيديها سريعًا وتحدث اليها بشغف:
– خلاص انا بهزر معاكي والله عشان وحشتيني اوي.
↚
كادت ان تذهب من امامه لكنه امسك بيديها سريعًا وتحدث اليها بشغف:
– خلاص انا بهزر معاكي والله عشان وحشتيني اوي.
شعر بارتجاف يديها بين يديه، خفق قلبها بقوة، شحب وجهها من شدة الخجل والتوتر وخفضت وجهها ارضً.
نظر الي صديقتها التي تقف وتتابع ما يحدث بينهما بستغراب وصدمة، ابتسم اليها وتحدث اليها بنبرة هادئة:
– شكراً انا خلاص لقيت اللي بدور عليها.
نظرت اليهما سما بصدمة. عاد ببصره الي كارمن واخذ يديها دون ان يتحدث، سار في طريقه الي سيارته وهي تسير بجانبه في حالة من الذهول، توقف امام سيارته خارج الجامعه وتحدث اليها بابتسامة:
– يلا اركبي.
سحبت يديها من بين يديه بتوتر وهمست اليه بارتباك:
– هنروح فين؟!
ابتسم اليها واجاب بشغف:
– هنروح اي مكان هادي عشان نتكلم مع بعض شويه.. انتي بقالك شهر مبتخرجيش من البيت وانا مش عارف اوصلك عشان نتكلم!
توترت كثيرًا بعد طلبه الحديث معها، بللت لعابها وهي تخفض وجهها ارضً وتحدثت بصوت مبحوح:
– انا عارفه انت عايز تتكلم معايا في ايه.. متقلقش انا نسيت اي كلام انت قولته قبل ما تعرف اللي ماما عملته مع باباك!
تأملها بستغراب، لا يعلم ماذا تقصد! عقد ما بين حاجبيه قائلا:
– مش فاهم.. انتي تقصدي ايه؟
شعرت بغصة في حلقها من شدة التوتر، ابتلعت ريقها وتلألأت عيناها بالدموع واجابته بصوت مبحوح:
– انا عارفه انك ندمان على كل الكلام اللي قولتهولي في المستشفى، بس صدقني انا مكنتش اعرف ان ماما اتجوزت باباك.. انا اصلا مش بعرف حاجة عن ماما.
تابع انفعالاتها بدهشة، ثم اقترب منها وامسك بيديها بقوة وتحدث اليها بنبرة حادة:
– ارفعي عينك يا كارمن وبصيلي.
هزت رأسها بالرفض بعد ان خدعتها دموع عيناها وبدأت تتساقط رغمًا عنها، ازداد صوته في الحدة وتحدث اليها مرة أخرى:
– بصيلي يا كارمن.
ارتجف جسدها بين يديه، رفعت عيناها ونظرت اليه وهي تبكي، تأمل عيناها وتحدث اليها بصوت قوي:
– انا بحبك.. فهماني.. بحبك.
وكأن حديثه اعاد الروح الي جسدها من جديد، حدقت به بقوة وهي تحاول استيعاب ما قاله لها، أومأ برأسه بالايجاب وتحدث اليها بتأكيد:
– انا بحبك يا كارمن ومشاعري اتجاهك مستحيل تتغير، وكل كلمة قولتهالك واحنا في المستشفى مستعد اقولهالك تاني.. انا بحبك ومستحيل اتخلى عنك.. وهو ده اللي عايز اتكلم معاكي فيه.
شعرت بصعوبه في التقاط انفاسها، اشارت اليه بيديها حتى تستطيع استيعاب ما يخبرها به الان، ابتسمت، ثم وسعت ابتسامتها اكثر وهي تنظر اليه بسعادة، قلبها اصبح ينبض بعشقه الان. ابتسامتها احيت قلبه من جديد. التقطت انفاسها وتحدثت اليه بسعادة:
– انا مش عارفه اقولك ايه يا رشيد.
احمرت وجنتيها من شدة الخجل، تابع خجلها بنظرات عاشقه، ابتسم بسعادة وتحدث اليها بشغف:
– قوليلي انتي بتبادليني نفس المشاعر ولا لأ؟
أومأت برأسها بالايجاب واجابته دون تردد:
– طبعا ببادلك نفس المشاعر واكتر.
ابتسم بسعادة وهو يستمع الي اعترافها انها تبادله نفس المشاعر، اراد الاقتراب منها اكثر ومعانقتها بقوة واحاطتها بذراعيه بين ضلوعه، توقف للحظة ونظر حوله، مازالا يقفان امام المبنى الجامعي، تحرك اتجاهها واخذها الي داخل سيارته سريعًا واتجه الي مقعد القيادة وانطلق بالسيارة.
وقفت سما صديقة كارمن امام المبنى الجامعي وهي تتابع تحرك السيارة وكارمن بداخلها، حاولت ان تتذكر اين رأت ذاك الشاب، تذكرت بعد عدة محاولات، همست الي نفسها بصدمة بعد ان تذكرته ” افتكرته.. هو نفس الظابط اللي انقذنا”
********
توقف رشيد بسيارته امام منزل والدة كارمن، كانت كارمن تخفض وجهها بخجل وهي تجلس بجواره، تابع خجلها بابتسامه وتحدث اليها بهدوء:
– وصلنا قدام البيت.
رفعت عيناها ونظرت اتجاه منزلها ثم خفضت وجهها مرة أخرى، تأملها بنظرات عاشقه وتحدث اليها بشغف:
– كارمن انتي ليه متغيره كده؟ حاسس ان في حاجة غريبة بتحصل معاكي؟!
ارتجف جسدها قليلاً ونظرت اليه بتوتر، تابع توترها بقلق وتحدث مرة أخرى :
– كارمن انتي سمعاني؟
أومأت برأسها بصمت، انتظر اجابتها بقلق. استرسل لها عقلها سريعًا حديث والدتها وتحذيرها لها ان لا تراه مجددًا، كيف ستخبره انها تبادله نفس المشاعر ولا يمكنها ان تكون معه!
شعر ان هناك صراع دائر بداخلها، أومأ لها بالايجاب وتحدث اليها بثقة لكي تخبره بما تفكر به:
– انا عايزك تكوني صريحة معايا يا كارمن، ولو انا فهمت غلط واتسرعت في مشاعري ياريت تنسي…..
قاطعته مسرعة قائلة بتأكيد:
– لا يا رشيد انا بحبك بس خايفه!
ابتسم عند استماعه لاعترافها الصريح بحبه، لكن بهتت ابتسامته سريعاً عند تفكيره في سبب خوفها! تعمق بالنظر اليها وتحدث اليها بقلق:
– خايفه من ايه كارمن؟
بهتت ملامحها بالحزن، كانت في حيرة من امرها! كيف ستخبره ان والدتها لا تريده زوجً لابنتها، كيف ستخبره برفضها المشدد وتحذيرها لها، عليها اخباره بكل شئ لكي يساعدها على اخذ القرار الصحيح، ابتلعت ريقها وتحدثت اليه بتوتر:
– ماما مش موافقة على علاقتنا.. وكمان منعتني اشوفك مرة تانيه.
لم يندهش كثيرا بعد ما أخبرته به، أومأ برأسه بالايجاب يؤكد لها أنه يعلم بذالك، صمتت قليلاً وهي تتابع عدم رد فعله المتوقع على حديثها.
حدق بالفراغ امامه وهو يفكر في والدتها وعائلته هو الاخر، كيف سيخبر جده انه يريد الزواج من ابنة المرأة التي تزوجت والده مقابل المال ويعلم تاريخها السيء جيداً، وكيف سيواجه والدته بعد ان تعلم انه يريد الزواج من ابنة المرأة التي سرقت منها زوجها، وكيف سيواجه والده بعد ان رفض زواجه من تلك المرأة وهو الأن يريد الزواج من ابنتها، يعلم ان علاقتهما ستكون مرفوضه من قبل عائلته ووالدتها، لكنه لا يمكنه التخلي عنها وتركها ضحية لأفعال والدتها، نظر اليها بعد صمت دام لدقائق قليلة ثم تحدث اليها بثقة:
– متقلقيش انا هفضل معاكي واكيد هلاقي طريقه اقنع بيها مامتك..
تنهيدة حارة خرجت من صدره وهو يضيف بداخله:
– ولازم اقنع عيلتي كمان!
لم تستمع الي جملته الأخيرة وابتسمت بسعادة ولمست يديه بشغف:
– انا واثقة فيك يا رشيد.
نظر الي يديها التي تلمس يديه وتتمسك به بثقة، خفق قلبه بقوة ونظر اليها قائلاً بتأكيد:
– وانا هكون قد ثقتك فيا وصدقيني انتي مش هتكوني غير ليا انا وبس.
ابتسمت بسعادة وهي تستمع الي كلماته التي تسعد قلبها، وسعت ابتسامته بسعادة وهو يتابع ابتسامتها الرائعه وملامح وجهها الرقيقه، كم تمناها من كل قلبه، لا يريد سواها بهذا العالم، هي فقط من خفق قلبه من اجلها، هي فقط من يحملها بداخل ضلوعه ولا يمكنه ان يعيش بدونها.
خجلت كثيراً من نظراته اليها، فتحت باب السيارة وهمست اليه بصوتها الرقيق:
– انا لازم انزل دلوقتي عشان ماما متشوفناش مع بعض.
أومأ لها بالايجاب وهو مازال يتأملها بنظرات عاشقه، خجلت من نظراته وركضت سريعًا الي منزلها وهي تلتفت اليه بخفة وتشير اليه بيديها تودعه بسعادة… ✋.
…..فاقت من شرودها وذكرياتها معه وهي تجفف دموعها.
******
توقف رشيد بسيارته امام برج سكني كبير بأحدى المناطق الراقيه، ترجل من السياره واتجه الي داخل البرج السكني حيث شقته بالطابق السادس.
توقف امام باب الشقة وهو يتأمله بحزن، لم يأتي الي هنا منذ اربعة اعوام! اخرج المفتاح الخاص به وفتح باب الشقه ودخل بخطوات هادئه، ذكرياته معها مازالت في كل مكان حوله، اشعل الانوار ونظر حوله باشتياق، لم يتغير شئ! كل شئ كما هو منذ ان رتبته هي بيديها. مسد بيديه فوق الاثاث وهو يسير بداخل الشقة ويتذكر كيف تم زواجهما…. ✋.
اخذته الذكريات الي الماضي، عندما قرر اخبار عائلته برغبته في الزواج من كارمن. ذهب إلى غرفة جده وجلس امامه وتحدث بتوتر:
– انا عايز اتكلم مع حضرتك في موضوع مهم.
رحب جده بالحديث معه وترك ما يفعله وجلس يستمع اليه باهتمام، تحدث الي جده دون مقدمات:
– في بنت انا عرفتها من فترة.. البنت دي كويسه جدا وفي بينا مشاعر متبادلة.. انا بحبها من كل قلبي وبتمنى تكون مراتي بشرع ربنا.
ابتسم جده بسعادة وتحدث بحماس:
– ده احلى خبر انا ممكن اسمعه النهاردة، متعرفش انا كنت بتمنى قد ايه اليوم اللي تيجي وتقولي فيه انك هتتجوز وتحقق امنيتي واشوف عيالك قبل ما اموت.
حماس جده الزائد لفكرة زواجه جعله يشعر بالتوتر اكثر:
– ربنا يخليك لينا ان شاء الله يا جدي وتشوف عيالنا وتجوزهم كمان.
لاحظ جده توتره الزائد وحدق به باهتمام متساءلاً:
– في ايه يا رشيد! من اول ما قعدت قدامي وانا حاسس ان في حاجة عايز تقولها ومتردد؟
أومأ برأسه بالايجاب:
– فعلاً يا جدي في حاجة عايز اقولها ومش عارف اقولها ازاي!
تأمله جده باهتمام واردف بثقة:
– اتكلم يا رشيد وبدون مقدمات.
نظر الي جده واردف بهدوء:
– البنت اللي انا بحبها.. اكتشفت من فترة انها تبقى…
تابعه جده بفضول وشعر ان هناك شئ هام للغاية يريد حفيده اخباره به ولا يستطيع اخباره بسهوله، انتظر ان يتابع رشيد حديثه براحة ودون ضغط، زفر رشيد من توتره الزائد واضاف مسرعً في الحديث:
– اكتشفت انها تبقى بنت الست اللي بابا اتجوزها.
انتفض جده من مكانه بصدمة، حدق به بذهول وصدح صوته بغضب:
– دول عصابة بقى!.. يعني البنت تلف عليك ومامتها تلف على باباك!
↚
وقف رشيد معترضًا على اتهام جده لحبيبته وتحدث بثقة:
– لا يا جدي.. كارمن مش زي مامتها ابدا ومتعرفش حاجة عن افعالها.
ضحك جده ساخرًا وتحدث بصرامة:
– دي شكل البنت طلعت اشطر من مامتها، انا مش مصدق انها قدرت تخدعك وتقنعك انها غير مامتها!
غضب رشيد وتحدث الي جده بنبرة حادة:
– لو سمحت يا جدي بلاش تتكلم عنها بالطريقة دي.. كارمن غير مامتها وانا واثق فيها.
نظر اليه جده بصدمة، اعتقد ان تلك الفتاة استطاعت السيطرة بمكرها وكيدها على حفيده، هز رأسه بذهول قائلاً:
– انا مش مصدق اللي انا بسمعه منك دلوقتي يا رشيد! ازاي تثق في بنت مامتها نصابه وبتستغل الرجاله وتاخد فلوسهم!
غضب رشيد بشدة واجاب على جده بعصبيه:
– بثق فيها عشان هي غير مامتها.
اشتد غضب الجد من اصرار حفيده على تلك الفتاة، ارتفع صوته قليلاً قائلاً بصرامة:
– وانا مستحيل هوافق على العلاقة دي ووالدتك لو عرفت حاجة زي كده مش بعيد تموت فيها.
حدق بجده بصدمة، تركه جده وذهب دون اضافة كلمة اخري، وقف رشيد يفكر بحزن؛ ماذا سيفعل الان؟ هل سيترك حبيبته من اجل عائلته، ام سيحارب الجميع من أجلها؟. كان عليه الانتظار حتى تنتهي كارمن من دراستها، ربما يتغير شئ ويستطيع اقناع والدتها وعائلته بالزواج منها. هي بالسنة الأولى لها بالجامعة وامامهما الوقت الكافي حتى تنتهي من دراستها وفي هذا الوقت يمكنه اقناعهم بالزواج. لكن ما حدث كان خارج توقعات رشيد!
بعد عدة ايام من حديثه مع جده ورفضه القاطع على هذا الزواج..
كان رشيد بعمله، جائته مكالمة من كارمن، استمع الي صوت بكاءها عبر الهاتف وهي تتحدث اليه ببكاء:
– رشيد الحقني.. ماما جيبالي عريس ومصممه اني اتجوزه.
انتفض من مكانه وتحدث اليها بصدمة:
– عريس ايه ومين العريس ده؟!
اجابته بصوت مبحوح وهي تبكي بشدة:
– مش عارفه يا رشيد، هو هنا دلوقتي، راجل شكله يخوف.. انا خايفه اوي، وماما مصممه عليه.
ترك عمله وركض الي سيارته وهو يتحدث اليها بالهاتف:
– طب اهدي يا كارمن وفهميني.. مامتك قالتلك ايه بالظبط؟
حاولت ان تتوقف عن البكاء قليلا واجابته:
– قالتلي انها لقت عريس مناسب ليا وعيزاني اتجوزه واسافر معاه
استمع اليها باهتمام وهو يقود السيارة في طريقه الي منزلها، اضافة كارمن بعفوية وهي تبكي بخوف:
– العريس شكله يخوف اوي يا رشيد، وكان بيبصلي بنظرات وحشه اوي وخوفني.
اعتصر قبضة يديه من شدة الغضب وهو يستمع الي كلماتها التي اصابة قلبه وكأنها سكينً حاد، كيف يمكن لرجل اخر ان ينظر إلى حبيبته ويتسبب في خوفها وهلعها بهذه الطريقه. حاول السيطرة على غضبه لكي لا يتسبب هو الاخر في خوفها، تحدث اليها بهدوء مصطنع:
– طب مامتك ليه فكرت تجوزك بالسرعه دي يا كارمن؟.. انتي لسه اول سنه في الجامعة؟!
اجابته وهي تبكي:
– مش عارفه يا رشيد، انا قولتلها اني مش موافقه وهي مصره عليه وقالتلي انها عارفه مصلحتي وهو قاعد معاها دلوقتي وبيتفقوا على الجواز.. انا خايفه اوي ومش عارفه اعمل ايه.. ارجوك يا رشيد اعمل اي حاجة وساعدني.. انا مش عايزة اتجوز الراجل ده.
كان يقود سيارته بأقصى سرعه وكلماتها تألم قلبه بشدة، حاول ان يطمئنها بهدوء قائلاً لها بحنان:
– متخافيش يا حبيبتي انا مستحيل اتخلى عنك، انا في الطريق دلوقتي وجاي لمامتك وهطلبك منها للجواز وهعمل المستحيل عشان توافق.
جففت دموع عيناها ووقفت من مكانها واردفت بسعادة:
– بجد يا رشيد! انا متشكرة اوي.
ابتسم وهو يستمع الي عفويتها وبراءتها، تمنى لو يراها جده وعائلته كما يراها هو، من المؤكد انهم سيعلمون انها لا تشبه والدتها، لكنه الان لا يستطيع الانتظار اكثر حتى يقنعهم بها، عليه اخذ القرار الآن. تنهد من قلبه وتحدث اليها بحنان:
– متشكرة على ايه يا كارمن.. انتي روحي ومستحيل هسمح لحد انه ياخدك مني.
ابتسمت بسعادة وهي تستمع الي كلماته التي اسعدت قلبها وجعلتها تقفز من شدة السعادة، تحدث اليها بتأكيد بعد ان اقترب من منزلها:
– انا خلاص وصلت قدام البيت، هتكلم مع مامتك دلوقتي وان شاء الله احاول اقنعها.
اجابته بسعادة:
– ان شاء الله.
اغلق الهاتف وتوقف بالسياره امام منزلها، لحظات من القلق والتوتر وهو يرتب افكاره، يعلم ان ما يفعله الان يمكن ان يخسره عائلته! لكنه يحبها حقًا ولا يمكن تركها لتكون زوجة لغيره، هنا لم يستطيع التفكير اكثر، اخذ قراره وترجل من السيارة واتجه الي منزلها، توقف امام المنزل وقبل ان يضغط على زر الجرس، فتحت والدة كارمن الباب وهي تودع عريس ابنتها.
نظر رشيد الي الواقف بجوارها وهي تودعه بسعادة، كان رجل سمين ويبدوا عليه انه في العقد الخامس من عمره، حدق به رشيد بصدمة لا يصدق انها تفكر ان تزوج ابنتها من هذا الرجل!
تفاجأت والدة كارمن من وجوده وتحدثت اليها بفضول:
– خير يا حضرة الظابط؟ ايه اللي جابك عندي تاني؟!
نظر رشيد الي العريس واجابها بغضب مكتوم:
– من فضلك عايز اتكلم معاكي شوية.
ابتسمت اليه ببرود، كانت تعلم لماذا جاء اليها الان، نظرت الي الرجل الذي يقف بجوارها وتحدثت بثقة:
– خليني اعرفك الاول على خطيب كارمن بنتي.. الحاج مطاوع.. مقاول كبير ومعروف في البلد.
رمقها رشيد بنظرات غاضبه، وقف عريس ابنتها وانتظر ان تخبره من هذا الشاب الذي جاء الي منزلها، تابعة حديثها واضافة وهي تشير الي رشيد وتخبر عريس ابنتها:
– وده النقيب رشيد الجبالي.. ابن طليقي.
أومأ العريس برأسه بالايجاب وتفهم سبب وجوده الان، اعتقد انه جاء من اجل ان يتحدث معها بأمر طلاقها من والده، نظر اليها وتحدث معها بتأكيد:
– خلاص يا سهير.. انا همشي دلوقتي وزي ما اتفقنا، هنكتب الكتاب يوم الخميس الجاي واخد العروسه ونسافر على طول.
ابتسمت له بسعادة وأومأت برأسها بالايجاب، نظر الي رشيد وتحدث اليه قبل ان يذهب:
– اتشرفت بمعرفتك يا حضرة الظابط.
رمقه رشيد بغضب، ذهب العريس ووقف رشيد بصدمة، لا يصدق ان بأمكانها ان تدمر حياة ابنتها وتعقد صفقة علي بيعها وتزوجها لهذا الرجل الذي يكبر ابنتها بثلاثون عامًا على الاقل. نظرت الي رشيد وتحدثت اليه بنبرة حادة بعد ذهاب العريس:
– خير.. افندم.. ممكن اعرف سبب وجودك هنا دلوقتي؟
حاول إخفاء غضبه والسيطرة عليه وتحدث اليها بهدوء مصطنع:
– انا جاي اتكلم مع حضرتك في موضوع مهم.
حدقت به للحظات تفكر ثم اشارة بيديها الي الداخل قائلة:
– تمام.. اتفضل ادخل نتكلم جوه.
فتحت كارمن باب غرفتها قليلا ووقفت خلف الباب لكي يمكنها الاستماع إلى حديث رشيد مع والدتها.
كتم غيظه وغضبه منها بصعوبه شديده، اغمض عينيه للحظه لكي يستطيع ان يتحدث اليها بهدوء مصتنع:
– انا جاي اطلب ايد كارمن، ومستعد لأي شئ تطلبيه مقابل انك توافقي.
نظرت اليه بانتصار، وضعت قدمها فوق الأخرى بتعالي واجابته ببرود:
– للأسف كارمن اتخطبت وانا قرأت فتحتها دلوقتي مع الحاج مطاوع.. اللي انت شوفته من شويه وهو خارج، وزي ما انت سمعت، كتب كتابهم الخميس الجاي وهياخدها ويسافروا يقضوا شهر العسل في أوروبا.
رمقها بغضب وتحدث اليها بنبرة حادة:
– ازاي بنتك تهون عليكي وتفكري تعملي فيها كده! ازاي تفكري تجوزيها لراجل اكبر من ابوها؟ ايه المقابل اللي هتاخديه منه عشان تبيعيله بنتك بالطريقه دي؟
رمقته بغضب وارتفع صوتها هي الاخرة:
– وانت مالك ومال بنتي! انت جيت طلبتها وانا رفضت، ومش من حقك تحاسبني، انا عارفه مصلحة بنتي كويس.
اشتد غضبه اكثر، لم يستطيع السيطرة على غضبه والتحكم في انفعاله، تحدث اليها بقوة:
– شوفي ايه المقابل اللي هتاخديه منه وانا هدفعلك الضعف.
رمقته بقوة واجابت عليه بحقد:
– المقابل اني احرق قلبك واجوزها لغيرك.
↚
رمقته بقوة واجابت عليه بحقد:
– المقابل اني احرق قلبك واجوزها لغيرك، انا مستحيل اسمح لبنتي انها تدخل عيلتكم اللي متشرفتش بيا.
حدق بها بصدمة، لا يصدق انها تحاول الانتقام منه بهذه الطريقة! توقفت عن الحديث للحظات قليلة ثم اضافة بنبرة ساخرة:
– والعيلة اللي متتشرفش بيا ويجبروني على الطلاق وكمان كانوا عايزين يلبسوني قضية.. انا مستحيل ادخل بنتي للعيلة دي.
وقف من مكانه وهو يحدق بها بصدمة، استرخت في جلستها واضافة ببرود:
– نورتنا يا حضرة الظابط.. كان نفسي تحضر كتب الكتاب وتكون شاهد على عقد الجواز.
رمقها بغضب وذهب مسرعًا من المنزل لكي لا يفقد اعصابه اكثر ويفعل شئ بها ويندم عليه لاحقًا، لا يصدق انها أم وتحمل بقلبها مشاعر الأمومة! كيف تفكر في تدمير حياة ابنتها مقابل الانتقام منه!
خرج من المنزل واغلق الباب خلفه بقوة، اغلقت كارمن باب غرفتها وهي تبكي بانهيار بعد استماعها الي حديث والدتها مع رشيد وتأكدت من استحالة زواجهما.
جلس بداخل سيارته تمان وهو في اشد حالات الغضب، لا يمكنه التخلي عن كارمن وتركها لمصير مظلم تتحكم به والدتها، اغمض عيناه يفكر في سبب قانوني يستطيع من خلاله إنقاذ كارمن من انتقام والدتها. لم يجد أمامه سوى أمر واحد فقط، نظر أمامه وهمس الي نفسه بحزن:
– للاسف مفيش قدامي غير الحل ده.
اخذ هاتفه لكي يتحدث إلى كارمن.
كانت كارمن تبكي بانهيار بداخل غرفتها، استمعت إلى صوت هاتفها، اخذت الهاتف ونظرت الي اسمه وهي تبكي، كانت تعلم بما سيخبرها به، من المؤكد انه سيتخلى عنها بعد حديث والدتها معه. ضغطت علي زر الرد ويديها ترتجف بشده.
استمع الي صوت شهقاتها بالبكاء وهي تتحدث اليه وتعتذر منه على حديث والدتها معه، صوتها الباكي قطع نياط قلبه، حاول تهدأتها وتحدث اليها بنبرة هادئة:
– كارمن حاولي تهدي واسمعيني كويس.
اجابته بانهيار وهي تبكي بشدة:
– مش هقدر اسمعها منك يا رشيد، انا عارفه ان حكايتنا انتهت، بس ارجوك متزعلش مني وافتكرني دايما عشان انا مش هقدر انساك.
لم يستطيع تحمل ما تمر به الان، كم تمنى لو كانت معه الان ويستطيع معانقتها بقوة لكي يطمئنها ويخبرها انه لن يتركها مهما فعلت والدتها. تحدث اليها بقوة في محاولة ان يخبرها بما يريد قوله:
– كارمن اسمعيني.. انا مش هتخلى عنك وانتي مش هتكوني لراجل تاني غيري وده وعد مني.
سكن جسدها قليلاً عقب استماعها الي حديثه، حاولت استيعاب ما قاله الان! شعر بهدوئها وبدأ يشرح لها ما يقصده بهدوء:
– كارمن.. انا عايز اقولك قبل أي كلام ان اللي انا بفكر فيه دلوقتي ده غلط، وغلط كبير كمان، وصدقيني لو كان قدامي حل تاني انا اكيد مكنتش هفكر في الحل ده.
استمع الي صوتها الضعيف تسأله بقلق:
– ايه الحل ده؟
تنهيدة حزينه خرجت من صدره وهو يفكر كيف يخبرها، التقط نفسً عميق واخبرها بتوتر:
– الحل الوحيد اننا نتجوز.
شهقت بصدمة وهي تستمع اليه، لا تصدق ما قاله الان، لم يعطيها فرصة للتفكير واضاف بقوة:
– كارمن صدقيني هو ده الحل الوحيد ومفيش اي حل تاني هقدر امنع بيه جوازك غير الحل ده.
وقفت وهي تجفف دموعها وتحدثت اليه بقلق:
– بس احنا هينفع نتجوز ازاي وماما؟
اجابها بقوة:
– مامتك عايزة تدمر حياتنا في انتقام احنا ملناش ذنب فيه، احنا لازم نتجوز يا كارمن ونكتب كتابنا قبل يوم الخميس.
جلست فوق الفراش بحزن وخفضت وجهها ارضًا وتحدثت بخوف:
– مش عارفة يا رشيد بس انا خايفة اوي.
استمع اليها بحزن، صمتت قليلاً ثم اضافة ببكاء:
– بس لو ماما غصبتني اتجوز الراجل ده انا هنتحر.
خفق قلبه بقوة من شدة الخوف عليها، تحدث اليها بلهفة:
– مش عايز اسمعك بتقولي كده مرة تانيه، كارمن انا مقدرش اعيش من غيرك، واللي انا بفكر فيه دلوقتي صدقيني لمصلحتنا احنا الاتنين، مامتك عايزة تنتقم من عيلتي ومش فارق معاها انها تدمر حياتك! وعيلتي رافضين علاقتنا بسبب مامتك.. احنا دلوقتي لازم نختار وبسرعه، يا اما نبقى ضحايا للعداوة اللي بينهم دي ونخسر بعض وحياتنا تدمر.. يا اما ناخد القرار ونتجوز ونحطهم قدام الامر الواقع.
صمتت قليلاً تستمع الي حديثه وتفكر به، التقط انفاسه لكي يهدأ قليلاً واضاف بهدوء:
– كارمن.. انا عايز اسمع رأيك دلوقتي.. موافقه تتجوزيني؟
شعرت بحيرة شديدة، تزاحمت الافكار بعقلها، لم يكن بالسهل عليها التفكير واخذ القرار بهذه السرعه، لكن الامر لا يحتمل التفكير اكثر، هي تحبه وتثق به وهو ايضا يحبها، لا يمكنها الزواج من رجل اخر، عليها اخذ القرار دون تردد. تنهدت بحزن واجابته بصوت مبحوح:
– انت عندك حق يا رشيد، انا موافقة.
تنفس براحة وتحدث بتأكيد:
– تمام يا حبيبتي.. يبقى لازم نروح للمأذون ونكتب كتابنا في اقرب وقت، والأفضل لو يكون بكره.
شهقت بتوتر قائلة بفزع:
– بكره!!
اجابها بتأكيد:
– مفيش وقت يا كارمن.. مامتك اتفقت مع العريس ان كتب كتابكم يوم الخميس.. يعني بعد خمس ايام من النهاردة!
خفق قلبها بخوف وتحدثت بتوتر:
– خلاص اللي تشوفه يا رشيد.. قولي اعمل ايه وانا هعمله.
استمع الي صوتها بحزن، شعر بخوفها وتوترها، لكن ليس بيديه حل اخر، تحدث اليها بتأكيد:
– احنا هنستنا لبكره، واول ما مامتك تخرج من البيت انتي تجهزي نفسك وتكلميني ومتنسيش تجيبي معاكي البطاقه الشخصيه بتاعك وانا هاجي اخدك ونروح للمأذون نكتب كتابنا.
ارتجف جسدها بخوف وتوتر وهي تستمع الي حديثه ونبرة صوته القوية الجادة وهو يأكد عليها ما عليها فعله في الغد، تحدثت اليه بصوت منخفض ضعيف:
– حاضر يا رشيد، هكلمك بكره اول لما ماما تخرج من البيت.
شعر بحزنها وتحدث اليها بهدوء:
– انا مش عايزك تزعلي يا كارمن.. صدقينى لو كان في ايدي حل تاني كنت عملته.
تلألأت عيناها بالدموع مرة اخري وهي تجيبه بتأكيد:
– انا مش زعلانه يا رشيد.. انا خايفه من اللي هنعمله ده.
استمع الي حديثها بحيرة، هو ايضا لا يشعر بالراحة لما ينوي فعله، لكنه لن يتركها تتزوج من غيره وتقع ضحية لانتقام والدتها، تحدث معها بهدوء لكي يحاول تخفيف حزنها وتوترها:
– متخافيش يا حبيبتي من اي حاجة وصدقيني كل ده هيعدي.. المهم اننا نبقى مع بعض.
أومأت بالايجاب وهي تستمع الي حديثه وتفكر في القادم بخوف.
********
اليوم التالي..
ذهبت والدة كارمن لكي تشتري بعض الثياب الجديدة لها حتى ترتديها يوم عقد قران ابنتها.
انتظرت كارمن قليلاً حتى تأكدت من ذهاب والدتها وقامت بالاتصال على رشيد لكي تخبره.
لم ينم رشيد منذ ليلة آمس، سهر طوال الليل حتى الصباح يرتب كل شئ مع صديقه المقرب خالد، واتفق مع صديق اخر له لكي يكون شاهدًا على عقد الزواج مع خالد واتفق مع مأذون شرعي قريب من منزل كارمن، وأكد عليه ان يكون على استعداد في اي وقت.
اخبرته كارمن ان والدتها ذهبت من المنزل، دقائق قليلة وكان رشيد يقف بسيارته امام منزلها، خرجت من المنزل وهي تشعر بالخوف الشديد، ركضت الي سيارته وصعدت بداخلها وجلست بجواره وجسدها يرتجف بشدة ووجهها شاحب مثل الموتى.
لاحظ رشيد توترها وشحوبها، حدق بها بعمق وتحدث اليها بهدوء:
– انا عارف انه قرار صعب.. بس مفيش قدامنا غيره.
أومأت برأسها بالايجاب وتحدثت اليه بصوتها الرقيق:
– انا عارفه يا رشيد، وبصراحة طول الليل بفكر في حل وفعلا ملقتش غير الحل ده.
ابتسم لها بحنان وتحدث اليها بتأكيد:
– صدقيني يا كارمن انتي عمرك ما هتندمي على القرار ده.
ابتسمت وأومأت برأسها وتحدثت بخجل :
– وانا متأكده اني عمري ما هندم.
ابتسم بسعادة وهو يستمع الي حديثها ويعلم كم هي تثق به، قام باشغال محرك السيارة وانطلق بها الي مكتب المأذون الشرعي، كانت تجلس بجواره وتفرك بيديها بخوف وتوتر، تريد العودة إلى منزلها والتراجع عن هذا القرار المصيري المخيف، لكنها تعلم ان في انتظارها زواج اجباري من رجل يكبرها بكثير وحياة صعبه وانتقام ليس لها ذنب به.
توقف رشيد بسيارته امام مكتب المأذون الشرعي وترجل من السيارة واخذ كارمن وتقدم بها إلى داخل المكتب.
كان اثنان من اصدقاءه في انتظارهما بالداخل ومن بينهما خالد صديقه المقرب، اخذ المأذون هوية كلاً منهما وقام بتسجيل البيانات واتمام عقد الزواج بينهما بالشرع. انتهى المأذون من عقد القران وبارك لهما.
ابتسم رشيد بسعادة وهو ينظر الي كارمن، لا يصدق ان حبيبته اصبحت على اسمه، لا يمكن لاحد بعد الان تفريقهما، ولا يحق لرجل اخر النظر اليها.
اخذها من يديها بعد ان شكر اصدقاءه وذهبوا بعد توقيعهم شهود على عقد الزواج، تحدث الي المأذون وآكد عليه سرعة توثيق عقد الزواج.
خرج معها من مكتب المأذون وهو يمسك بيديها ولا يريد تركها، فتح لها باب السيارة وصعدت بداخلها وجسدها يرتجف وقلبها يخفق بقوة شديدة، صعد هو الاخر بداخل السيارة وجلس بجوارها، يريد ان يتحدث معها ويخبرها بأشياء كثيره لكنه لا يعلم من اين يبدأ الحديث.
نظرت اليه كارمن وهي لا تصدق حتى الان ما حدث، لا تستوعب انها اصبحت زوجته، تحدثت اليه بتوتر:
– هو احنا كده اتجوزنا فعلا؟!
ابتسم بسعادة وتحدث اليها بشغف:
– طبعاً يا حبيبتي.. انتي دلوقتي بقيتي مراتي رسمي.
↚
خجلت كثيرا وخفضت وجهها، استرسل لها عقلها الكثير من الأسئلة، رفعت وجهها مجددًا وتحدثت اليه:
– يعني اللي احنا عملناه ده مش غلط يا رشيد؟
نظر اليها وهو يقود السيارة واجابها:
– الغلط لو كنتي اتجوزتي الحاج مطاوع اللي والدتك اختارته!
شهقت بصدمة وهي تتذكر مطاوع الذي جاء من اجل الزواج منها، كيف لرجل بعمر الخمسين ان يفكر بالزواج من فتاة في العشرين من عمرها. اغمضت عيناها وهي تتذكره عندما رأته بمنزلهم. تحدثت الي رشيد بصدمة وهي تصف له شعورها عندما رأت مطاوع:
– انا مش عارفه كنت ممكن اتجوز الراجل ده ازاي.. مش قادرة انسى شكله اول ما شوفته، راجل عجوز واقرع وتخين وعنده كرش كبير وبيشرب القهوة بصوت مزعج جدا، وماما بتقولي ده عريسك!
ضحك رشيد وهو يستمع الي وصفها لمطاوع وهي تخفي عيناها ولا تريد ان تتذكره اكثر، صمت قليلاً ثم تحدث اليها بفضول:
– طب انتي كنتي بتفكري تتجوزي واحد شكله ايه؟
فتحت عيناها وهي تستمع الي سؤاله وتفكر به، نظرت اليه وهو يقود السيارة ويتحدث اليها وهو ينظر الي الطريق أمامه، تأملته بعمق، لأول مرة تتأمله عن قرب، كان وسيمً للغاية، طويل القامة، صاحب جسد رياضي قوي، شعره اسود ويصففه للأعلى بطريقه رائعه، عيونه سوداء حادة. تنهدت من قلبها واجابته بصوت رقيق وهي تتأمله بنظرات عاشقه وتوصفه دون ان تشعر:
– كنت بفكر انه يبقى طويل وجسمه رياضي ومعندوش كرش طبعاا..
صمتت للحظات قليلة وتأملت شعره الاسود واضافة بصوت ناعم:
– ويكون شعره اسود.. وعيونه سود وحلوين…
شعر بنظراتها اليه وصوتها الرقيق وهي تصف كيف تراه بعيناها، كان يتعمد اظهار انشغاله بالقيادة لكي تتحدث على راحتها، نظر اليها ورأى بعيناها نظرات عاشقه وهي تتأمله عن قرب، خجلت منه وخفضت وجهها سريعاً، توقف بالسياره على جانبي الطريق، نظر اليها وامسك يديها ورفع وجهها لكي يستطيع رؤية عيناها وتحدث اليها بشغف:
– كارمن ممكن تبصيلي.
رفعت عيناها ببطئ ونظرت اليه بخجل، كانت يديها ترتجف بين يديه، قرب يديها من شفاتيه وقبلها برقه، ارتجف جسدها بالكامل واخذت يديها سريعا من بين يديه:
– ليه جسمك كله بيرتجف كده؟
لم تجيب على سؤاله. خفضت وجهها في خجل. تأملها بنظرات عاشقه، اراد الاقتراب منها اكثر لكنه تراجع عن الفكرة حتى لا تخف منه، يعلم انها لا تستعب انها اصبحت زوجته حتى الان، ارتبكت كثيراً من نظراته وابتعدت عنه قليلاً وتحدثت اليه بتوتر:
– هو المفروض احنا هنعمل ايه بعد كده؟
ابتعد هو الاخر واعتدل علي مقعده ونظر امامه يفكر ثم اجابها:
– اول حاجة انا لازم اشتري بيت مناسب نعيش فيه وطبعا ده هياخد وقت.. بس انا هحاول الاقي بيت في اسرع وقت ممكن.
أومأت برأسها واردفت:
– وماما هقولها ايه؟ وعيلتك.. هتقولهم ازاي؟
تنهد بأرهاق وهو ينظر امامه واجابها:
– بلاش حد منهم يعرف دلوقتي.. خلينا لما الاقي شقة ونكون جاهزين وانا هبلغهم بنفسي.
حدقت به وتحدثت بتوتر:
– طب والعريس اللي ماما عايزة تجوزني ليه ده؟.. دا فاضل اربع ايام والمفروض هيجي عشان يتجوزني؟
نظر اليها بقوة واردف بانفعال:
– هيتجوزك ازاي وانتي مراتي! خليه بس هو او غيره يقرب منك وشوفي انا ازاي هندمهم على اليوم اللي اتولدو فيه.
ارتجف جسدها من انفعاله وصوته الغاضب، نظرت اليه بخوف وتحدثت بصوت منخفض:
– ما هما مش عارفين اننا اتجوزنا.
لاحظ خوفها منه ومن انفعاله الزائد امامها، حاول السيطرة على انفعاله وتحدث اليها بهدوء مصطنع:
– متقلقيش يا حبيبتي.. انا هحاول اجهز شقة بسرعه وهاجي اخدك من بيت مامتك والدنيا كلها هتعرف اننا اتجوزنا.
أومأت برأسها وهي تنظر اليه بخوف، ابتسم اليها لكي يصالحها علي انفعاله معها وتحدث اليها بمشاكسه:
– انتي عارفه انك المفروض من الليله دي تنامي في حضني.
احمرت وجنتيها بشدة ونظرت اليه بصدمة، ضحك وهو ينظر اليها واضاف بنبرة مرحة:
– بس مفيش مشكله كلها يومين تلاته بالكتير وتنامي في حضني ووقتها مش هسيبك تبعدي عن حضني ابداا.
خجلت كثيرا من حديثه ونظرت امامها بصدمة وتحدثت اليه بارتباك:
– رشيد انت لازم توصلني البيت دلوقتي حالاً.. اكيد ماما هترجع البيت دلوقتي وهتبقي مشكله لو رجعت وملقتنيش.
ابتسم وهو يتابع ارتباكها وخجلها الشديد منه، اعاد تشغيل محرك السيارة وهو ينظر اليها بعشق… ✋.
عاد من ذكرياته وهو بداخل الشقة التي اشتراها قبل اربعة اعوام. كل شئ هنا يذكره بها، خيانتها له تمزق قلبه حتى الان، سهام من نار تحرق قلبه وروحه كلما تذكرها.
اخذ يحطم كل شئ بالمنزل، لا يريد ان يتذكرها بعد الان، نيران تحرق قلبه، لا يستطيع تهدأتها، اخذ كل شئ وحطمه على الارض بقوة، اراد لو يحطم قلبها كما حطمت قلبه دون ان تطرف لها عين.
جلس ارضً بعد ان حطم كل شئ حوله، اصبح اثاث المنزل متناثر ومحطم فوق الارض بطريقه فوضويه، نظر الي الخراب حوله! هكذا اصبحت حياته بعد ما فعلته به، اصبح كل شئ بحياته محطم ومتناثر، لذا لا يشعر بالغرابه وسط هذا الخراب. اغمض عينيه بتعب، يتمنى لو لم تزوره بأحلامه كما تفعل كل ليله. فقط يريد رؤيتها وهي تتألم وتتعذب وتندم على ما فعلته به. أخذته افكار كثيرة في الانتقام منها، فتح عينيه وهو ينظر امامه بقسوة ويتوعد لها بأقصى العذاب.
*******
صباح اليوم التالي..
استيقظت كارمن باكرًا لكي تذهب إلى العنوان الذي اعطاها ايها مدير المطعم لكي تقوم بالتجهيزات والتخديم في حفل ميلاد ابن زوجها السابق، لم تستطيع النوم طوال الليل؛ كانت تتساءل بداخلها؛ كيف ومتى تزوج؟ ومن هي زوجته؟
الكثير من الأسئلة تزاحمت بأفكارها، لكنها اليوم ستجد الرد. يمكنها رؤية زوجته اليوم ورؤية ابنه ويمكنها معرفة متى تزوج وانجب طفل.
حاولت تجاهل تلك الافكار والنظر الي الحاضر، رشيد كان زوجها بالماضي واليوم اصبح زوج لأمرأة اخري ولا يحق لها التفكير به حتى الان. انتهت سريعاً من ارتداء ثيابها قبل ان تستيقظ والدتها.
اخذت حقيبة يدها بهدوء وقبل ان تخرج من الغرفة استوقفها صوت والدتها:
– كارمن.. قبل ما تمشي سيبي فلوس عشان اشتري سجاير.
التفتت تنظر الي والدتها بصدمة وتحدثت بزهول:
– ماما انتي لسه شاريه علبتين امبارح!..
اقتربت من والدتها عدة خطوات وهي تضيف بحزن:
– يا ماما انتي كده بتموتي نفسك بالبطئ.
زفرت والدتها ببرود وتحدثت اليها بانفعال:
– ده على اساس ان صحتي فارقه معاكي!
حدقت بها كارمن قائلة بصدمة:
– طبعا يا ماما صحتك فارقه معايا وتهمني!
ضحكت والدتها بنبرة ساخرة وتحدثت:
– اللي اعرفه انك لو خايفه على صحتي صحيح كنتي على الاقل ترحمينا من الفقر ده وتسمعي كلامي وتستغلي جمالك اللي هيضيع على الفاضي!
نظرت الي والدتها بصدمة واردفت بغضب:
– لو سمحتي يا ماما بلاش نتكلم في الموضوع ده تاني.
اقتربت من الفراش واخرجت بعض النقود من حقيبتها ووضعتها فوق الفراش واضافة بحزن:
– دي كل الفلوس اللي معايا ومفيش معايا غير اجرة التاكسي اللي هيوصلني شغلي.
لم تهتم والدتها بأمرها وتجاهلتها ببرود، اغمضت كارمن عيناها بتعب واستغفرت ربها وخرجت من الغرفة لكي تذهب إلى عنوان شقة رشيد.
******’
بعد اقل من ساعة. كانت كارمن بداخل سيارة اجرة تنقلها الي عنوان شقة رشيد، توقفت السيارة امام البرج السكني الذي يضم عدد كبير من الشقق الفخمة، ترجلت من السياره وهي تنظر إلى البرج بحزن، استرسل لها عقلها؛ هل من الممكن انه تزوج بنفس الشقة التي كانت تجمعهما بعد الزواج؟ هل ستعمل گـ خادمة اليوم بداخل شقتها السابقة!
توقفت بتردد تفكر ماذا عليها ان تفعل الان، نظرت الي حقيبتها الفارغة من النقود بعد ما اخذت والدتها كل النقود التي اكتسبتها من عملها، وعليها الان العمل مجددا لكي تحصل علي نقود اخري.
التقطت انفاسها وهي تحاول إظهار القوة لكي تستطيع متابعة عملها بمنزل رشيد وزوجته.
صعدت الي الدور السادس ويأخذها الحنين إلى الماضي، كان منزلها بالماضي ومسكنها الأمن، توقفت امام باب الشقه وعيناها تتلألأ بالدموع وهي تحاول التقاط انفاسها بقوة لكي لا تسمح لدموعها بالانطلاق خارج عيناها حسرة وندم على ما تعرضت له من خسارة حبيبها وخسارة حياتها معه، لا تصدق انها عندما تطرق على الباب الان ستخرج زوجته وترحب بها، اصبحت الان غريبه عنه وعن منزلها، هذا المنزل الذي عاشت به اجمل واسعد ايام حياتها.
رفعت يديها المرتجفه وطرقت على الباب بتوتر، كانت في صراع كبير مع دموع عيناها، تحارب تساقط الدموع من عيناها بصعوبه. طرقت عدة مرات متتالية ولن يأتي اليها ردً من الداخل، وقفت تطرق على الباب بقوة حتى يئست من وجود احد بالمنزل وكادت ان تذهب، لكن صوت فتح الباب استوقفها، التفتت تنظر الي من فتح الباب…..
↚
صوت فتح الباب استوقفها، التفتت تنظر الي من فتح الباب… شهقت بصدمة عندما رآت رشيد يقف امام الباب وهو عاري الصدر، يظهر عليه النعاس، كان مغمض العينين قليلاً وشعره متناثر فوق جبينه بطريقه فوضويه. وقفت أمامه تنظر اليه بصدمة، فتح عينيه قليلاً ونظر اليها ببرود قائلاً:
– ادخلي نضفي البيت وجهزيه بسرعه.
التفت الي الداخل قبل ان يستمع الي ردها. تابعته بصدمة بعد ان خفق قلبها بقوة وتخبطت مشاعرها عند رؤيتها له هكذا، لم يتغير عن الماضي، كان ومازال وسيمً للغايه، خطف قلبها عند رؤيتها له.
خطت بقدميها الي الداخل، رعشة قوية اصابة جسدها بعد دخولها الشقة، توقفت انفاسها وهي تتذكر دخولها الي هذه الشقة منذ اربعة اعوام… ✋.
يوم عقد قرانها من مطاوع {الخميس.. شتاء عام 2019}
عندما اخبرتها والدتها ان مطاوع في الطريق ومعه المأذون حتى يتم عقد القران. ركضت مسرعة الي غرفتها وقامت بمهاتفة رشيد لكي تخبره وهي تلهث بخوف وهلع. استمع اليها بهدوء واخبرها ان تجهز حقيبتها وتضع بها ملابسها ومتعلقاتها وتكون في انتظاره بداخل غرفتها.
فعلت ما قاله لها وهي في اشد حالات الخوف والتوتر. اغلقت الباب من الداخل لكي لا تراها والدتها وهي تجهز حقيبتها.
بعد وقت قليل وصل مطاوع ومعه المأذون والشهود، خفق قلبها بخوف عندما اتت والدتها الي غرفتها لكي تخبرها ان العريس وصل ومعه المأذون. تحدثت الي والدتها من خلف الباب واخبرتها انها ترتدي ثيابها وتستعد.
عادت والدتها الي الضيوف وجلسوا في انتظار العروس.
دقائق قليلة ووصل رشيد، وقف امام باب منزلهم وقام بالاتصال على كارمن وطلب منها الخروج من غرفتها الان. خرجت من غرفتها وجسدها يرتجف من شدة الخوف.
فتحت والدتها الباب وتفاجأت بوجود رشيد، نظرت اليه بستغراب واردفت ببرود:
– انت جاي تشهد على عقد الجواز ولا ايه يا حضرة الظابط؟!
رمقها بغضب واجابها ساخرًا:
– لا حضرتك انا جاي اخد مراتي.
حدقت به بصدمة، جف حلقها وهي تتحدث اليه بزهول:
– مراتك مين مش فاهمه؟!
تقدم الي الداخل بخطوات واثقه متجاهلاً صدمة سهير، اقترب من مطاوع والمأذون والشهود وتحدث اليهم بقوة:
– ممكن اعرف ايه اللي بيحصل هنا؟!
وقفت كارمن تتابع ما يفعله بتوتر وقلق، نظر اليه مطاوع بستغراب ثم تحدث الي سهير والدة كارمن:
– مش ده الظابط ابن طليقك يا سهير؟!
اقتربت منهم سهير واجابته بتوتر:
– اااه هو..
نظر اليها رشيد بسخرية ثم اجاب على مطاوع بقوة:
– وابقى جوز بنتها..
انتفض مطاوع من مكانه وتحدث بصدمة:
– بنتها مين!!
اجابه رشيد بثقة:
– للأسف هي ملهاش غير بنت واحدة.
نظر مطاوع الي سهير والدة كارمن وتحدث اليها بصدمة:
– الكلام ده حقيقي يا سهير؟ انتي ضحكتي عليا!
اقتربت منه سهير وتحدثت بقوة وصراخ:
– لا كدب.. متصدقوش.. بنتي مش متجوزة.. بنتي مش هتتجوز غيرك انت زي ما اتفقنا.
اقترب رشيد من المأذون واعطاه عقد زواجه من كارمن وهتف بقوة:
– ده عقد الجواز.. اتفضل حضرتك شوفه واتأكد.
نظر المأذون الي عقد الزواج ثم وقف من مكانه واردف بتأكيد:
-لا حول ولا قوة الا بالله.. كنتي هتودينا في داهية يا هانم لو كنت كتبت كتابها وهي متجوزة.. عقد الزواج صحيح.. اظن وجودي هنا دلوقتي ملوش لازم.. عن اذنكم.
ذهب المأذون وخلفه الشهود، وقفت سهير تنظر إلى رشيد بصدمة، ثم التفتت تنظر الي ابنتها الواقفة بعيدًا تتابع ما يحدث دون تدخل، اقتربت منها والدتها بخطوات واسعه وامسكت بذراعيها وضغطت عليها بقوة واردفت بصراخ:
– انتي فعلا اتجوزتيه؟ انطقي.. ردي عليا؟!
بكت كارمن من الخوف وأومأت برأسها بالايجاب واجابت على والدتها بصوت مبحوح:
– اه يا ماما اتجوزته.
صفعتها والدتها بقوة، ركض رشيد الي كارمن واخذها من امام والدتها ووقف هو امامها وتحدث اليها بغضب وتحذير:
– دي اول واخر مرة ايدك تتمد على مراتي.. انتي لو مكنتيش مامتها انا كنت دفعتك تمن القلم ده حياتك.
صرخت سهير بصدمة وهي لا تصدق انه تزوج من ابنتها وانتصر عليها، اخذ رشيد كارمن واخفى وجهها بداخل صدره بحماية وهي تبكي بداخل حضنه.
وقف مطاوع يتابع مشهد احتضان رشيد الي كارمن بصدمة وجنون، اقترب من سهير وتحدث اليها بتهديد:
– كل الفلوس اللي خدتيها مني ترجعلي تاني يا سهير، يا اما انتي عارفه انا ممكن اعمل فيكي ايه.
انتهى من حديثه وذهب بغضب، وقفت سهير تصرخ وتبكي بعد ان ضاعت فرصة الزواج والحصول على الكثير من اموال مطاوع مقابل زواجه من ابنتها.
نظر اليها رشيد بشمئزاز بعد ان تأكد من حقيقة انها ارادت بيع ابنتها لهذا الرجل مقابل المال! ربت على ظهر زوجته وهمس اليها بهدوء:
– حبيبتي احنا لازم نمشي من هنا.
رفعت وجهها وهي تبكي بداخل حضنه وتحدثت اليه بصوت مبحوح:
– هنروح فين؟
مسد على وجهها بحنان واجاب:
– هنروح بيتنا.
نظرت الي والدتها بعيون باكيه، لا تريد ترك والدتها بهذه الحالة، ابتعدت عن رشيد واقتربت من والدتها وتحدثت اليها ببكاء:
– سامحيني يا ماما انا اسفه.. بس صدقيني انا مكنتش هقدر اتجوز الراجل ده.
رمقتها والدتها بغضب واردفت بنبرة حادة:
– ابعدي عن وشي مش عايزة اشوف وشك تاني.. امشي مع اللي اتجوزتيه من ورايا.. بس خلي بالك لما يزهق منك ويطلقك هتلاقي بابي مقفول في وشك.
انتفض جسدها من قسوة حديث والدتها معها، حمل رشيد حقيبتها واقترب منها وامسك بيديها وتحدث الي سهير قبل ان يأخذ كارمن ويذهب:
– من حقك تغضبي من جوازنا.. بس انا عايزك تعرفي قبل ما نمشي ان مفيش راجل في الدنيا هيحب بنتك قد ما انا حبيتها.. ومفيش مخلوق في الكون كله هيقدر يحافظ عليها ويسعدها قدي.
رمقته بنظرات غاضبة وصرخة بهما بقوة:
– خدها وابعدوا عن وشي.. انا بنتي ماتت ودفنتها.. سامعين.. بنتي ماتت ودفنتها.
بكت كارمن بصدمة، اخذها رشيد من يدها الي خارج المنزل، كانت تبكي بانهيار، حديث والدتها وغضبها عليها كان قاسي ولم تتحمله. اخذها رشيد الي السيارة وصعد بداخلها وانطلق بها الي منزلهما الجديد، لم ينقطع بكاءها طوال الطريق، كلما تذكرت قسوة والدتها تشعر بألم شديد بقلبها، لم تتوقف عن البكاء حتى توقفت علي اعتاب هذه الشقة… ✋.
عادت من ذكرياتها على صوته وهو يخرج من غرفة النوم بعد ان بدل ثيابه وصفف شعره وأصبح جاهزًا للخروج من المنزل:
– انتي لسه واقفه عندك!
نظرت اليه بتوتر ثم عادت ببصرها الي اثاث المنزل وجميع محتوياته المحطمة ومتناثره فوق الارض، بللت لعابها ونظرت اليه مجددًا قائلة بتوتر:
– مين اللي عمل في البيت كده؟!
اقترب منها وهو يرتدي جاكيته وتوقف امامها يرمقها بغضب قائلاً:
– ده شئ ميخصكيش.. يلا نضفي البيت وجهزي كل حاجة.
وقوفه أمامها جعل جسدها يرتجف وقلبها يخفق بقوة، مازالت المشاعر بقلبها مثل الماضي واكثر، لم يبدل الفراق بينهما شئ، بل ذاد الاشتياق واشعل اللهفة بداخلها، تشتاق كثيراً لعناقه لها، شعورها بالأمان بداخل حضنه، لمست يديه الدافئه، صوته الحنون، رقته معها ومزاحه المستمر، دلاله لها ومعاملته الطيبه. تشتاق اليه بشدة. كم تمنت لو يعود بهما الزمان مرة أخرى!
رمقها بنظرات غاضبه، يريد صفعها بقوة على كل ما فعلته به، يريد الصراخ بها وسؤالها “لماذا خدعته؟ ماذا فعل معها حتى تبادل حبه وعشقه لها بالخيانه وكسر الوعود! لماذا تركته ولم تلتفت اليه! لماذا خذلته؟ اين ذهبت برائتها ولمعت عيناها وهي تقف امامه وتطلع اليه بكل برود! هل هي بارعة في الخيانه حقًا مثل والدتها؟ هذا ما حذره منه جده في الماضي وهو لم يصغى اليه، كم خذلته امام الجميع، كم حطمت قلبه وجعلته غائبًا عن الوعي والاستيعاب لعدة شهور، يؤلمه قلبه بشدة، رؤيته لها تعذبه، وعدم رؤيته لها تألم قلبه وروحه.
هتف بها بغضب وهو يتطلع اليها بقسوة:
– اعملي اللي قولتلك عليه مفيش وقت.
تركها وتابع سيره اتجاه الباب، استوقفه صوتها وهي تنادي اسمه. اغمض عينيه بألم يتذكر عندما كانت تستوقفه بصوتها في الماضي وهو ذاهب الي عمله، كانت تركض اليه وتعانقه بقوة وتتمسك به في محايله منها حتى لا يذهب إلى العمل ويبقى معها، كان يبادلها العناق بقوة ويمازحها بحنان. كم كان سعيدً معها وتمني ان تبقى معه الي اخر العمر، لكن ليس لأمنياته معها مكانً بهذا العالم.
التفت ينظر اليها وينتظر ماذا تريد، اقتربت منه بخطوات مرتبكة وتحدثت اليه بصوت مبحوح:
– مراتك وابنك فين؟
رمقها بغضب واجابها بقسوة:
– انتي جاية هنا النهاردة تشتغلي خدامه في البيت ده.. يعني مش من حقك تسألي اي سؤال، وتاني مرة مش عايز اسمع اسمي بصوتك لاني بقيت بكرهه.
تألم قلبها من قسوة كلماته، نظراته الغاضبه وصوته القاسي يؤلم قلبها بشدة، تلألأت الدموع بداخل عيناها وهي تتراجع الي الخلف مرة اخرى، أومأت برأسها وخفضت وجهها ارضً قائلة:
– انا أسفه.
رمقها بسخرية وهو يستمع الي عبارتها المعتادة، تحدث اليها ساخرًا قبل ان يترك المنزل ويذهب:
– وانا مبقتش آقبل اسفك.
خرج من المنزل واغلق الباب خلفه بقوة، وقفت تنظر امامها بصدمة، هنا سمحت لدموعها بالتساقط كما يروق لها، انهارت وهي تبكي وتتألم، كتمت صوت شهقاتها وبكاءها بيديها. لا يمكنها فعل شئ الان، فقط يمكنها البكاء بحسرة وندم على ما وصلت اليه علاقتهما. تعلم ان البكاء لن يعود بالماضي.
نظرت حولها وعيناها مازالت تذرف دموع الندم، وضعت يديها فوق الأثاث ومسدت عليه بحزن، هناك الاريكة التي طالما كانا يجلسان عليها وهي بداخل حضنه في ليالي الشتاء الباردة، كانت تصنع المشروبات الساخنه وهم يشاهدان التلفاز معًا. وهنا المطبخ الذي كانت تقف به بالساعات وفي النهاية تخرج منه وهي تبكي بعد احتراق الطعام وانتزاع المكونات، كان يتقبل فشلها في طهي الطعام بصدر رحب، كان يمازحها ويساعدها في كل شئ. اقتربت من غرفتهما الخاصة، وقفت تنظر إلى الغرفة وتتذكر مجيئها الي هذا المنزل بعد ان اخذها من منزل والدتها…✋.
تتذكر عندما اتي بها إلى هنا واخبرها ان هذه الشقة لهما الان، واخبرها كيف اشتراها. كانت سعيدة جدا بجمال الشقة ورقي اثاثها، ظلت تدور بداخلها وتشاهدها من الداخل بحماس، اقتربت منه وهي تبتسم بسعادة قائلة:
– الشقة حلوة اوي اوي يا رشيد.. مش مصدقه ان ده بقى بيتنا!
خفق قلبه بشدة وهو يتابع ابتسامتها الرائعه وسعادتها الكبيرة، اقترب منها اكثر وعانقها بقوة قائلاً:
– انتي اللي ضحكتك حلوة اوي علي فكرة.
ابتسمت بخجل وهي تتنعم بدفئ حضنه،
رفع وجهها اليه وتأمل شفاتيها واقترب منها لكي يقبلها، ابتعدت عنه بخوف وجسدها يرتجف بشدة. تفهم خوفها وتوترها من اكتمال علاقتهما. قرر ان يعطيها بعض الوقت لكي تعتاد عليه وعلى المنزل. اخذها الي غرفتهما الخاصة واخبرها ان هذه ستكون غرفتهما ويمكنها وضع ثيابها بها وترك لها مساحة كبيرة من حرية الحركة بداخل الغرفة عندما اخبرها انه سيذهب الي عمله لبعض الوقت. أومأت برأسها وهي تستمع اليه بتوتر حتى ذهب من المنزل، التقطت انفاسها وهي تنظر حولها بسعادة وشغف. اعتادت على المنزل سريعاً واستطاع رشيد ان يطمئنها بحنانه وحبه الكبير لها، حتى اكتمل زواجهما بعد ايام قليلة من المكوث معًا بداخل شقتهم…✋.
↚
عادت من ذكرياتها وهي تتقدم الي داخل الغرفة وتطلع اليها بشتياق، كل شئ بالغرفة كما هو! لم يتغير شئ! وقفت تنظر إلى الفراش وابتسمت بحزن عندما تذكرت ليلة إتمام زواجهما… ✋.
تتذكرت عندما استمر بكائها بطريقة طفوليه اكثر من ساعتين ورشيد يحاول تهدأتها وايقافها عن البكاء، حتى تنهد بتعب وتحدث اليها بهدوء:
– حبيبتي انتي بقالك اكتر من ساعتين بتعيطي!
تحدثت اليه ببكاء وهي تضرب بيديها فوق صدره:
– انت ضحكت عليا يا رشيد.
ضحك على طفولتها وتحدث اليها بدهشة:
– ضحكت عليكي في ايه يا كارمن انتي مراتي!
اجابته بعصبيه اثارت ضحكته اكثر:
– بس انت مقولتليش ان ده الجواز!
حدق بها بصدمة في محاولة لستيعاب ما تقوله، شعرت بالغيظ من سخريته وحاولت الابتعاد عنه وترك الفراش، امسك بيديها وهو يحاول كبت ضحكته بصعوبة:
– هو المفروض انا كنت هقولك ازاي؟ وبعدين انتي مكنتيش تعرفي يعني ايه جواز؟!
اجابته بغضب وهي تحاول تخليص يديها من قبضة يديه لكي تبتعد عن الفراش وتتركه بالغرفة بمفرده:
– وانا كنت هعرف منين! شوفتني اتجوزت قبل كده!
تحدث وهو يضحك:
– يعني انتي اللي شوفتيني اتجوزت قبل كده!
وقفت تنظر اليه بغيظ، حاول كتم ضحكته ورسم الجديه على ملامحه قائلاً لها:
– ممكن تهدي بقى وتخلينا ننام.
اجابته بعناد:
– لا مش هنام.
أومأ برأسه وتحدث اليها بمكر:
– تمام برحتك.. انا اصلا اللي غلطان، كان المفروض اسيبك تتجوزي مطاوع.
شهقت بفزع ونظرت اليه بصدمة قائلة:
– لا يا رشيد متقولش كده تاني.. دا كان شكله بيخوفني اوي.
فتح ذراعه لها لكي تقترب وتنام بداخل حضنه وتحدث اليها بجدية مصطنعه:
– خلاص تعالي نامي في حضني وانا مش هقول كده تاني.
اقتربت منه بخجل، جذبها الي داخل حضنه وضمها اليه بقوة وهمس اليها بعشق:
– بحبك…✋.
جففت دموعها وهي تتذكر كم كانت سعيدة معه وحياتهما كانت رائعة، تمنت لو يعود بها الزمن ولا تفعل ما فعلته، لكن الزمان لن يعود ابدا وعليها تقبل فراقهما.
اتجهت الي المرحاض خارج الغرفة لكي تضع بعض قطرات الماء على وجهها حتى تستعيد نشاطها وتبدأ في ترتيب المنزل وتجهيزه للحفل.
*******
توقف رشيد بسيارته امام منزل عائلته، تقدم إلى داخل المنزل وهو يفكر كيف سينتقم منها. ركض اليه “مروان” ابن شقيقته، صاحب الثلاثة اعوام، ركض اليه بسعادة وهو يردد بصوته الطفولي:
– خالو..
التقطه رشيد بداخل حضنه ووقف وهو يحمله ويقبله بسعادة.
اقتربت منهما رهف شقيقة رشيد وهي تبتسم قائلة:
– من ساعة ما وصلنا وهو نازل زن عليا “فين خالو؟ .. فين خالو؟”
ابتسم رشيد وهو يداعب ابن شقيقته وتحدث اليه بمرح:
– خالو كان بيجهز مفاجأة لـ مروان.
ابتسم الطفل بسعادة وتحدثت رهف بفضول:
– مفاجأة ايه؟
غمز رشيد الي مروان بمرح واجاب على شقيقته بمشاكسة:
– دي سر بيني وبين البطل مروان.. صح يا بطل؟
اجاب الطفل بحماس:
– صح.
ضحكت رهف وتحدثت بمرح:
– يعني اخرج انا منها!
ضحك الطفل وهو بداخل حضن خاله، تحدث رشيد الي شقيقته:
– لبسي البطل وجهزيه عشان هاخده ونخرج مع بعض.
نظرت اليه رهف بدهشة قائلة:
– هتروحوا فين؟
اجاب رشيد:
– هحتفل بعيد ميلاده.
ابتسمت رهف واخبرته بهدوء:
– بس عيد ميلاد مروان كان من شهر واحنا احتفالنا بيه يا رشيد!
أومأ برأسه قائلاً:
– بس انا من شهر كنت مسافر ومحتفلتش بيه.
ابتسمت بحنان وأمأت برأسها واخذت مروان لكي تجهزه للخروج مع شقيقها.
اقتربت والدة رشيد منه وهي تنظر اليه بدهشة قائلة:
– رشيد انت منمتش في البيت النهاردة؟!
اكتفئ بأمأة بسيطة ردً على سؤال والدته، ازداد فضولها وتحدثت اليه بدهشة:
– ونمت فين؟!
اجابها بهدوء:
– نمت في شقتي.
نظرت اليه بصدمة، ثم اردفت بصوت غاضب:
– وانت ايه اللي يوديك الشقه دي تاني! معقول مش قادر تنساها بعد كل اللي عملته فيك!
حاول كتم غضبه واجاب على والدته:
– انا خرجتها من حياتي خلاص يا امي وهي ملهاش علاقه بالشقه!
غضبت والدته بشدة وتحدثت بانفعال:
– انت لازم تبيع الشقه دي وتخلص منها، انا مش فاهمه انت ليه متمسك بيها لحد دلوقتي!
خرج جده من غرفة مكتبه على أصواتهم المرتفعه، اقترب منهما وتحدث بدهشة:
– ايه الحكاية؟ ليه صوتكم عالي!
زفر رشيد بغضب واحتفظ بصمته، اقتربت منه والدة رشيد واجابته بلوم على ابنها:
– اسأله كان نايم فين امبارح يا عمي! معقول لسه محتفظ بالشقه ومش عايز يبيعها ويخلص منها!
نظر اليه جده بصمت، خفض رشيد وجهه ارضً وتحدث بغضب مكتوم:
– ياريت محدش يدخل في حياتي.. انا كبير كفايه ومش محتاج نصايح من حد.
رمقته والدته بصدمة وصدح صوتها الغاضب عاليًا:
– سامع يا عمي بيقول ايه.. مش عايزنا نتدخل في حياته.. يبقى البنت دي رجعت دخلت حياته تاني وهتقدر تضحك عليه زي ما عملت قبل كده!
لقد نفذ صبره ولم يتحمل حديث والدته، ارتفع صوته الحاد ردً على حديث والدته:
– كفاية بقى انا تعبت.. ليه محدش حاسس بالنار اللي جوايا.. ليه مش مقدرين ان انا خسرت أغلى حاجة في حياتي وخسرت شغلي ومستقبلي! انا خسرت حياتي كلها على ايد البنت الوحيدة اللي حبتها، انا مستحيل انسى خيانتها ليا.. مستحيل انسى انها دمرت حياتي! ازاي فاكرين اني ممكن اسمحلها ترجع لحياتي بالسهولة دي! انتوا ازاي متخيلين ان الاربع سنين اللي عشتهم بعيد عنها وعنكم وعن البلد كلها قدروا ينسوني خيانتها!
اقترب منه جده وتحدث اليه بهدوء:
– هو ده اللي قلقنا عليك يا رشيد، ان انت لحد دلوقتي مقدرتش تنسى!
نظر الي جده وأمأ برأسه بحزن قائلاً:
اقتربت منهم رهف وهي تحمل ابنها مروان، لاحظت وجود توتر بين شقيقها وجدها ووالدتها، ركض مروان الي رشيد بحماس، حمله رشيد وقبله بحب، ثم نظر اليهم وتحدث قبل ان يذهب:
– انا هاخد مروان نحتفل بعيد ميلاده انا وهو.
ذهب من امامهم وهو يحمل ابن شقيقته ويداعبه بمرح، تابعته اعين جده ووالدته وشقيقته. نظرت والدة رشيد الي الجد وتحدثت اليه بقلق:
– وبعدين يا عمي! احنا هنسيبه يدمر اللي باقي من حياته كده؟
نظر اليها الجد بتفكير، يخشى ان يعود رشيد الي تلك الفتاة مرة أخرى. جلست رهف تفكر معهم بشرود حتى صدح صوتها بشغف:
– الحل الوحيد ان رشيد يتجوز.
↚
– الحل الوحيد ان رشيد يتجوز.
نظرت اليها والدتها باهتمام تفكر في اقتراحها، تنهد الجد بقلة حيلة لانه يعلم بعدم موافقة حفيده على الزواج بعد فشل زواجه الاول. تحدثت والدة رشيد بعد تفكير:
– عندك حق يا رهف.. مفيش حد هيقدر ينسيه البنت دي غير بنت تانيه.. بس المهم تكون بنت كويسه ومن عيله تشرف عيلتنا.
نظر اليهما الجد وزفر بغضب، ثم تحدث الي زوجة ابنه:
– لما وجيه يرجع من شغله خليه يجيلي اوضتي.. لازم اتكلم معاه ونفكر في حل.
بهتت ملامحها وهمست بداخلها:
– هو وجيه فاضي لحد!
نظرت رهف الي والدتها وتحدثت بتأكيد:
– فعلا يا ماما، بابا لازم يساعدنا ويشوف حل مع رشيد.
أومأت والدتها برأسها بالايجاب وهي تفكر في إهمال زوجها لها ولعائلته.
*******
بداخل شقة رشيد.
انتهت كارمن من ترتيب المنزل واستقبلت زميلاها بالمطعم والذي جاء بالمأكولات ومستلزمات الحفل التي طلبها رشيد من مديرهم. تركها زميلاها لكي تقوم بعملها في التخديم بهذا الحفل الصغير وعاد هو الي عمله.
اعدت كل شئ بعد ترتيب المنزل ولم تستطيع البقاء في المنزل لاستقباله هو وزوجته وابنه، لا يمكنها فعل ذالك، تشعر بنيران تحرق قلبها كلما تذكرت انه استطاع الزواج من اخري.
ذهبت من المنزل قبل عودته، ركضت وكأنها تهرب من مواجهته ولا تريد رؤيته مع عائلته الصغيرة التي كونها بعد انفصاله عنها.
عاد رشيد الي المنزل ومعه مروان ابن شقيقته، كان المنزل هادئًا ولمستها الرائعه في ترتيبه كانت واضحة. تقدم إلى الداخل وبحث عنها في كل مكان ولم يجدها. اقترب منه ابن شقيقته وتحدث اليه بصوته الطفولي:
– خالو.. احنا هنعمل ايه؟
نظر اليه بتفكير، ثم تحولت نظراته الي الغموض واجاب بمكر:
– هنلعب شوية.
ابتسم الطفل بسعادة وركض يلهو ويلعب امامه، ابتسم بمكر وهو ينظر الي هاتفه، بحث عن اسم خالد صديقه واتصل عليه وانتظر رده وهو يرتب خطته بتفكير عميق. لحظات قليله واجاب عليه خالد بسعادة:
– رشيد عامل ايه طمني عليك؟
اجابه رشيد بهدوء:
– خالد انا محتاج منك خدمه ضروري.
تحدث خالد بثقة:
– وانا تحت امرك يا رشيد.
ابتسم رشيد بقسوة وأخبره ماذا يريد.
*******
بعد ثلاث ساعات بداخل الغرفة التي تمكث فيها كارمن مع والدتها.
كانت كارمن تجلس متكومة فوق الفراش بنفس الثياب التي اتت بها ولم تبدل ثيابها، كانت شارده به؛ تفكر ماذا يفعل الان مع زوجته وابنه! كيف يحتفلون؟
تابعت والدتها شرودها وحزنها الواضح بستغراب، لم تسألها ما بها! تجاهلتها وجلست تقرأ احدى الصحف وتتابع الموضه وهي تتحسر على حالها وما وصلت اليه بعد الثراء الذي كانت تعيش به.
بعد دقائق قليله استمعوا الي صوت طرق قوي على باب الغرفة، حتى كاد الطارق ان يحطم الباب. وقفت كارمن مسرعة وفتحت الباب بقلق. صدمها وجود رجال الشرطة امام الغرفة، حدقت بهم بصدمة وارتجف جسدها بشدة، همست بصوت مبحوح وهي تسألهم ماذا يريدون:
جف حلقها بخوف، شحب وجهها وهي تحدق به بصدمة، بللت لعابها واجابته بخوف:
اقترب منها رجال الشرطة وقاموا بالامساك بها، صرخت بين يديهم بخوف وهي تردد بهلع:
لم يجيب عليها احد، اخذوها الي سيارات الشرطة بالاسفل. وقفت والدتها تتابع ما يحدث بستغراب، لم تتحرك من مكانها وهم يأخذون ابنتها امام عيناها، ولم تفكر في الالحاق بها، همست الي نفسها بثقة “اكيد في حاجة غلط وهيرجعوها تاني! كارمن مش ذكية عشان تعمل حاجة خارجة عن القانون!!”
صعدت كارمن الي داخل سيارة الشرطة، كانت تبكي بخوف واهل الحي يقفون على الصفين يشاهدون ما يحدث معها ويتسألون ماذا فعلت هذه الفتاة!
جلس رشيد امام الرائد خالد صديقه وزميله سابقًا قبل ان يخسر رشيد عمله بالشرطة منذ اربعة اعوام.
تحدث اليه خالد بثقة وهو يخبره ماذا فعل مع كارمن بعد مكالمته:
– بعت ظابط ثقة من رجالتي المطعم اللي هي بتشتغل فيه وخدوا العنوان من هناك وراحو خدوها من البيت.
أومأ برأسه وهو يستمع الي نجاح خطته، ثم نظر الي خالد وتحدث اليه بفضول:
– وهي فين دلوقتي؟
توتر خالد قليلاً واجاب عليه بهدوء:
– انا خليتها تبات في غرفة مكتبي وقعدت انا هنا في المكتب ده.
رمقه رشيد بغضب واردف بعصبيه:
– ليه عملت كده يا خالد! انا كنت عايزاها تبات في التخشيبه على الارض.. كنت عايزها تدوق اللي انا دوقته بسببها.
وقف خالد من مكانه وجلس امام رشيد وتحدث اليه وهو يجلس مقابلاً له:
– مكنش ينفع اعمل غير كده يا رشيد.. متنساش ان كارمن لسه مراتك.
نظر اليه رشيد بصدمة. أومأ خالد برأسه بالايجاب واضاف:
– محدش يعرف انك مطلقتهاش غيري.. ولو انت نسيت ده،، فـ انا مستحيل انسى.
نظر اليه رشيد واردف بغضب:
– انا مطلقتهاش لحد دلوقتي عشان من حقي اعرف هي ليه عملت فيا كده..؟
ربت خالد علي يديه بدعم:
– وانا معاك يا رشيد لحد ما تتأكد وتعرف الحقيقة، للاسف احنا مقدرناش نعرف الحقيقة من أربع سنين بسبب اختفاءها المفاجئ، بس هي دلوقتي ظهرت وتقدر تعرف منها هي ليه عملت فيك كده!
نظر اليه رشيد وهو يعلم ان كل شئ حدث يؤكد خيانة كارمن له، لكن هناك شعور بداخله يرفض تصديق خيانتها. وضع يديه فوق رأسه بتعب، أرهقه التفكير كثيرًا. تذكر ما فعلته بعد ثلاثة أشهر من زواجهما…✋🖤.
كم كان سعيدًا معها، كانت حياتهما رائعة طوال الثلاثة أشهر، ازداد عشقه لها وتعلقه بها، كانت تلجأ اليه وتعتمد عليه في كل شئ، كانت فتاته المدللة، كان يذهب إلى عمله في الصباح وهي تذهب الي الجامعه، ويعودان في المساء. كانا يتناولان الطعام معا وسط أجواء رومانسيه رائعه ويتبادلان الحديث والمزاح حتى الصباح. اصبح قلبه ينبض بعشقها، كان سعيدًا معها للغاية حتى تمنى لو تتوقف الحياة وهي بداخل حضنه.
لكن الحياة بينهما تغيرت فجأة!
هي من تغيرت! اصبحت طوال الوقت صامته، شاردة، التوتر يسيطر عليها طوال الوقت، حديثها غامض و ردودها حادة، تساءل كثيراً بداخله: ماذا حدث معها لكي تتبدل هكذا! ما الشئ الذي يقلقها ويجعلها شاردة طوال الوقت؟.. يتذكر عندما كان يسألها ماذا حدث معها، كانت دائمًا تخبره انها بخير، رغم ملاحظته القوية لتغيرها وعصبيتها الغير طبيعيه.
تذكر ذات يوم عندما كان بعمله، اخبره احد زملائه ان هناك شخصًا ما قدم بلاغ ضده، يتهمه باستخدام سلطته وعمله في الاتجار بالمواد المخدرة. كان الخبر مثل الصاعقة عليه، اخبره زميله انهم في طريقهم لتفتيش منزله. ركض الي منزله مسرعًا لكي يكون بجوارها عند حضور رجال الشرطة الي منزله، حتى لا يفزعها حضورهم وتفتيشهم للمنزل.
وصل إلى المنزل قبل وصول رجال الشرطة، استغربت كارمن حضوره باكرًا، تحدث معها واخبرها ان هناك تفتيش من الادارة وعليه تنفيذ الامر، لم تفهم شئ، وقفت بتوتر وهي تستمع الي صوت جرس الباب، ذهب رشيد وفتح الباب ورحب برجال الشرطة، اعتذر منه احدهم وأخبره ان عليه تنفيذ الامر بالتفتيش. رحب بهم رشيد وهو على يقين ان البلاغ كاذب وسوف يتأكدون الان عند تفتيشهم المنزل وتأكدهم ان البلاغ كيدي.
بدأ رجال الشرطة في التفتيش، كانت كارمن تتابع ما يحدث بخوف وتوتر، اقترب منها رشيد وامسك بيديها لكي يهدأها قليلاً وظل يطمنها ان كل شئ على ما يرام.
خرج احد رجال الشرطة من غرفة النوم وهو يحمل بيديه حقيبه بلاستيكية صغيره بها اكياس من مادة الهيروين المخدرة. اقترب من الضابط واعطاه الحقيبه باحترام.
وقف رشيد بصدمة يتابع ما يحدث بزهول، لا يصدق ما حدث، كيف خرج من غرفته بهذه الحقيبه! من اين اتي بها؟ كيف اتت هذه الحقيبه الي غرفته؟!
اقترب منه الضابط وتحدث اليه:
– للاسف يا رشيد انا مضطر اقبض عليك.
شهقت كارمن بصدمة. وقف رشيد وهو في حالة صدمة لا يستعب اي شئ، لا يعلم ماذا حدث ومن اين اتت هذه الحقيبه!
بكت كارمن وهي تراهم يضعون يديه بداخل اصفاد حديديه، نظر اليها وتحدث اليها بقوة:
– متخافيش يا كارمن اكيد في حاجة غلط.. خليكي في البيت واقفلي على نفسك كويس وانا هرجعلك تاني متقلقيش.
بكت بانهيار وهي تتابع ذهابهم من المنزل وهو معهم، جلست على الارض تبكي بانهيار.
كان يستمع الي صوت بكائها وهو ذاهب مع رجال الشرطة الي سياراتهم، لم يتحمل تركها بهذه الحالة، تمنى لو يركض ويعود اليها ويخبرها ان ما حدث معه ما كان اللي مزحة من اصدقائه معه. لا يعلم ان ما حدث ما كان مزحة، انما كان أمر مرتب له.
↚
لم تنتهي التحقيقات معه لمدة 15 يومًا، جميع الأدلة كانت ضده. جلس معه المحامي الخاص به واخبره ان كل شئ ضده، حتى شهادة زوجته، نظر الي المحامي بصدمة، اخبره المحامي ان زوجته آكدت بشدة عدم دخول احد غريب الي المنزل وآكدت انه يملك تلك الحقيبة البلاستيكية التي كانت ممتلئة بالمواد المخدرة، وهذا يعني انه هو من وضع هذه الحقيبه بداخل غرفة نومه. كان يعلم جيدا ان زوجته مازالت صغيرة ساذجة ولا تعلم خطورة شهادتها عليه، لكنه كان في حيرة من عدم زيارتها له طوال الخمسة عشر يومًا! كان ينتظرها كل يوم ويتمنى رؤيتها حتى يؤكد لها انه لم يفعل ما اتهم به، يخشى ان تصدق انه خائن لعمله ويعمل في اتجار المخدرات، لا يفكر في شئ الان سوى اثبات برأته امامها.
بعد عدة ايام..
جاء ضيف جديد الي غرفة الحبس الذي يقيم بها رشيد حتى تنتهي التحقيقات، اقترب من رشيد وجلس بجواره وعلي وجهه ابتسامة باردة، نظر اليه رشيد وتذكره على الفور، تلك الابتسامة الباردة لن ينساها ابدًا. انه “سعد بشار!” الرجل الذي قبض عليه رشيد بعد اطلاق صراحه بساعات قليلة، عندما اختطف رجاله باص الرحلات الذي كان في طريقه الي العين السخنه وكان به مجموعه كبيرة من الفتيات.
ابتسم سعد ساخرًا من وضع رشيد وتحدث اليه بمكر:
– منور يا باشا.. السجن للجدعان.
رمقه رشيد بغضب قائلاً:
– السجن للمجرمين والخارجين عن القانون.
ضحك سعد بطريقه مستفزة قائلاً:
– يعني بتعترف يا باشا انك مجرم وخارج عن القانون!
رمقه رشيد بغضب وصدح صوته الغاضب قائلاً له بعصبيه:
– متنساش نفسك يا سعد واعرف انت بتكلم مين.
اجابه سعد ساخرًا:
– عارف طبعاً يا باشا.. دا انت نورت هنا على ايدي.
جذبه رشيد من ثيابه بغضب قائلاً له بانفعال:
– انت ليك يد في اللي حصلي ده؟!
اجابه سعد بأمأة بسيطه من رأسه قائلاً بستفزاز:
– اومال يعني يا باشا كنت عايز تعلم عليا وانا اقف اتفرج عليك، دا انت خليت اسمي في الارض يوم ما قبضت عليا انا ورجالتي.. كان لازم اخليك عبره قدام الناس كلها عشان ارجع هيبتي في السوق تاني.
لكمه رشيد بقوة قائلا له بغضب:
– دا انا اللي هعمل منك عبرة قدام الدنيا كلها.
جذبه من ثيابه واقترب من الباب وهو يتحدث بقوة:
– لازم تعترف ان انت اللي عملت كده.
ضحك سعد بسخرية وهو يحاول تخليص ثيابه من يديه وتحدث بثقة:
– بس انا لو اعترفت يا باشا مش هشيلها لوحدي.
حدق به رشيد بستغراب، أومأ سعد برأسه بثقة واضاف:
– المدام بتاع سيادتك هتشيلها معايا.
حدق به رشيد بصدمة، ابتسم سعد ساخرًا واضاف:
– هو انت مسألتش نفسك يا باشا مين اللي دخل المخدرات دي بيتك وحطها في دولابك؟
ترك رشيد ثيابه وهو ينظر اليه بصدمة، اعتدل سعد في وقفته واضاف بثقة:
– بس انت طلعت رخيص عند المدام اوي يا باشا.. اه لو تعرف المبلغ التافه اللي هي خدته قصاد خدامتها لينا.
رمقه رشيد بغضب ورفض تصديق حديثه، تحدث بصوت غاضب قوي:
– انت كداب.. انا مراتي مستحيل تعمل كده!
ابتسم سعد بثقة قائلاً:
– انا لو مكانك برضه مش هصدق يا باشا.. بس ايه رأيك لو تسألها بنفسك؟
ثقته وهو يتحدث كانت تأكد صحة ما يقول، لكن قلب رشيد وعقله لا يصدقان. اقترب سعد من الباب وطرق عليه، فتح له أحد رجال الشرطة، ابتسم سعد بسخرية قبل ان يذهب ونظر الي رشيد بانتصار، ثم ذهب إلى غرفة الحبس الاخرى.
جلس رشيد وهو في حالة من الصدمة، ظل يردد بداخله؛ كيف فعلت به هذا! من المؤكد ان هذا المجرم كاذب ويريد افساد حياته فقط، لكن كيف كان يتحدث بثقة وطلب منه مواجهة زوجته. هل عليه مواجهتها حقًا! لكنه يثق بها ثقة عمياء ولا يمكنه مجرد التفكير بخيانتها له. شعر وكأنه سيفقد صوابه الان، كان قلبه يؤلمه خوفًا من ان يتأكد ان ما اخبره به سعد حقيقيًا.
وقف وتحدث الي احد رجال الشرطة الواقفين امام الباب، طلب منه ان يخبر النقيب خالد انه يريد رؤيته في صباح الغد للضرورة.
عاد الي مكانه وجلس وهو يفكر بها، يفكر في تبدل حالها في اخر فترة بينهما! يفكر في عدم حضورها لرؤيته منذ اعتقاله! يفكر في شهادتها ضده! هناك أشياء كثيرة تجبره على التفكير في حديث سعد ولكن قلبه يخبره انها لن ولم تفعلها به.
صباح اليوم التالي..
ذهب خالد لرؤيته كما طلب منه رشيد، لكنه توقف فجأة عن السير عندما اصطدمت به كارمن وهي تخرج من المبنى المسجون به رشيد، كانت تخفي عيناها اسفل نظارة سوداء وتسير بخطوات مسرعه، ارتبكت كثيراً عندما رآها خالد، تركته وركضت من أمامه قبل ان يتحدث اليها. وقف خالد يتابع ما فعلته بستغراب، اعتقد انها اتت لرؤية رشيد وحدثت بينهما مشاجرة.
تابع سيره الي وجهته وذهب لمقابلة رشيد، انتظره قليلا وجاء اليه رشيد وهو يسير بارهاق، كان وجهه شاحب من قلة النوم وكثرة التفكير، نظر اليه خالد بقلق وتحدث اليه:
– رشيد انت كويس؟ شكلك تعبان اوي!
جلس رشيد امامه وتحدث بأرهاق:
– انا كويس يا خالد اقعد متقلقش.. انا عايزك تسمعني كويس في اللي هقوله.
حدق به خالد بستغراب قائلاً:
– في ايه يا رشيد.. انت قلقتني؟!
نظر اليه رشيد وبدأ يخبره بحديث سعد معه.. كان خالد يستمع اليه بصدمة وعقله رافض تصديق ما يخبره به. تحدث خالد بفضول بعد ان انتهى رشيد من الحديث واخبره بكل شئ قاله سعد:
– وانت لما سألت كارمن قالتلك ايه؟!
زفر رشيد بتعب قائلاً:
– مسألتهاش عشان مشوفتهاش من اليوم اللي اتقبض عليا فيه.
حدق به خالد بستغراب، ليضيف رشيد بحيرة:
– وده اللي مجنني! مش متخيل ان كارمن متفكرش تيجي تشوفني ولو مرة واحدة!
استوقفه خالد عن الحديث بأشارة من يديه قائلا بصدمة:
– لحظة واحدة.. انت عايز تقول ان انت مشوفتش كارمن من يوم ما اتقبض عليك؟ يعني كارمن مكانتش هنا النهارده بتزورك؟!
نظر اليه رشيد بستغراب واجاب:
– لا.. انا مشوفتش كارمن من اخر مرة كنا في الشقه مع بعض لما اتقبض عليا.
نظر اليه خالد بصدمة وهو يفكر؛ اذا لم تأتي كارمن لرؤيته! لمن اتت؟
حدق به رشيد بترقب وسأله بقلق:
– في ايه يا خالد؟!
نظر اليه خالد بصدمة واجاب:
– في ان انا قابلت كارمن وهي خارجة من هنا، وفكرت انها كانت بتزورك، والغريب انها اتوترت جدا لما شافتني!
حدق به رشيد بصدمة وسأله بقوة:
– انت متأكد انها كارمن يا خالد؟
اجابه خالد بثقة:
– طبعا يا رشيد متأكد.
وقف رشيد من مكانه وهو يحاول استيعاب ما يسمعه، فكر بداخله بصوت مسموع:
– معقول كارمن كانت هنا ومجتش تشوفني! هتكون كانت هنا بتعمل ايه؟
نظر اليه خالد بحيرة هو الاخر واجاب:
– يمكن كانت بتزور حد هنا!
استرسل له عقله وجود سعد بشار بنفس المبنى، التفت ينظر الي خالد وتحدث اليه بقوة:
– انا لازم اعرف هي كانت هنا بتزور مين؟
وقف خالد ونظر اليه باهتمام، تحدث اليه رشيد مرة أخرى:
– انت هتقدر تعرف بسهولة هي كانت بتزور مين.
أومأ خالد برأسه بالايجاب قائلا:
أومأ رشيد برأسه وهو ينظر اليه بصدمة، ذهب خالد وجلس رشيد مرة أخرى، عقله رافض استيعاب خيانتها له! هل من الممكن انها تعاونت حقًا مع سعد بشار؟ كثرة الاسئلة بأفكاره حتى شعر انه على وشك الجنون. كانت لحظات انتظاره لـ خالد گالدهر، تتخبط به الافكار مثل السهام المشتعله، يدعوا بداخله ان لا يتأكد من خيانتها، فهو يثق بها ويعلم ان ما قاله سعد بشار ما هو الا خدعة منه.
عاد خالد اليه وهو يخفض وجهه بصدمة، ملامحه ووقفته يؤكدان ان هناك شئ لا يريد اخباره به، حدق بـ خالد وسأله بترقب وقلبه يخفق بقوة شديدة:
– ايه يا خالد طمني؟
نظر اليه خالد بحزن واجاب:
– انا مش عارف اقولك ايه يا رشيد.. بس الواضح ان كلام سعد بشار صح.
↚
– انا مش عارف اقولك ايه يا رشيد.. بس الواضح ان كلام سعد بشار صح.
انتفض جسده وأصبح قلبه على وشك التوقف، انقطعت انفاسه فجأة وكأن روحه تنسحب منه وتتركه يعيش هذه اللحظة بدون قلب وبدون روح لكي لا يشعران قلبه وروحه بهذا الالم الذي يعيشه الان.
اقترب منه خالد وربت على ظهره بدعم قائلا بحزن:
– رشيد انت لازم تكون قوي وتستقبل الصدمة دي بعقل عشان نقدر نثبت برائتك ونخرجك من هنا.
سأله رشيد بصوت مبحوح وهو ينظر أمامه بصدمة:
– عرفت كانت بتعمل ايه هنا؟
أومأ برأسه بالايجاب وتحدثت بحزن:
– كانت بتزور سعد بشار.
اغمض رشيد عيناه بصدمة ثم ضرب بقبضة يديه فوق الطاوله امامه بقوة وهو يصرخ بصدمة لا يصدق ما فعلته به بعد حبه الكبير لها وعشقه لها الذي تخطى حدود العشق، كيف تعاونت مع ذاك المجرم! كيف استطاعت ان تفعلها به! هل هذه
حبيبته البريئة النقيه التي خطفت قلبه! اين ذهبت برائتها؟ هل استطاعت خداعه مثل ما فعلت والدتها مع والده سابقًا؟ هل كان جده محق عندما حذره منها واخبره انها مثل والدتها؟ هل هذا جزائه بعد كل ما فعله معها!
اقترب منه خالد وامسك بيديه وتحدث اليه بقوة:
– رشيد انت لازم تهدى عشان نقدر نفكر ونلاقي حل، ومتنساش انها مراتك، يعني حتى لو اتهمناها يبقى هنضر اسمك وسمعتك.
تبدلت نظرات عينيه الي نظرات ناريه قاسية، اراد مواجهتها بخيانتها والانتقام منها بقسوة، نيران مشتعله بقلبه لن يشعر بها احدًا غيره، افكار كثيرة بالانتقام استرسل له عقله بها حتى تهدأ النيران المشتعله بداخله.
نظر اليه خالد بقلق وشعر بالصراع الدائر بداخله. تحدث اليه رشيد بصوت ذو نبرة قاسية:
– انا لازم اشوفها يا خالد.. اعمل اي حاجة وهتهالي هنا.
حدق به خالد بقلق، شعر بنيته في الانتقام منها، يعلم ان هذا ليس الوقت المناسب لمناقشته في شئ، أومأ له برأسه بالايجاب لكي يهدأه قليلاً :
– حاضر يا رشيد.. اللي انت عايزه هيتنفذ.
ذهب خالد وهو يفكر كيف يحميه من غضبه وافكاره المتهوره في الانتقام، لم يجد امامه سوى الذهاب إلى جد رشيد.
ذهب إلى اللواء المتقاعد “نور الدين الجبالي” جد رشيد. واخبره بكل شئ.
لم يتفاجئ جد رشيد كثيرا عندما اخبره خالد ان زوجة رشيد هي من تعاونت مع سعد بشار ضده، هذا ما كان ينتظره ان يحدث من فتاة لها ام مثل سهير سالم، يضع كل الخطأ على حفيده؛ هو من ذهب اليها ووضع اسمه وحياته بين يديها، لم
يقوم جده بمساعدته حتى الان لكي يعطيه الوقت الكافي لكي يستيقظ من هذا العشق الذي اعمى عينيه وجعله اسير لتلك الفتاة التي حذره منها سابقًا، لكنه لم يلتفت الي حديث جده وذهب وتزوج منها رغمًا عن الجميع.
كان جد رشيد ينتظر انتهاء التحقيقات مع حفيده وهو على يقين ان التحقيقات سوف تثبت برائته، لكن لا يمكنه الانتظار بعد الآن، عليه فعل كل شئ لاثبات براءة حفيده بنفسه واخراج تلك الفتاة من حياته الي الابد.
ذهب جد رشيد الي صديقه اللواء طلعت. استقبله اللواء طلعت بترحاب شديد. جلس جد رشيد وتحدث معه:
– وبعدين يا طلعت! .. التحقيق مع رشيد طول اوي وكل ده ملوش لازمة!
اجابه اللواء طلعت باحترام:
– حضرتك عارف الإجراءات.. بس انا عايز اطمن حضرتك ان كل التحقيقات الجديدة بتاعنا في صالح رشيد رغم اقوال زوجته اللي مكانتش في صالحه ابدا!!
غضب جد رشيد واردف بعصبيه:
– انسى موضوع مراته ده يا طلعت لانها السبب في كل اللي حصل.. خلينا في المهم وطمني وصلتوا لأيه؟
اجابه اللواء طلعت:
– مفيش اثبات واحد ظهر يثبت ان رشيد له علاقة بالمخدرات، ومفيش اي بصمات له على شنطة المخدرات اللي اتمسكت في غرفة نومه، وثبتت بصمات كتير مختلفه على الشنطة والاكياس اللي جواها وده بيأكد ان الشنطة دي اتحطت في بيته عن طريق اشخاص رتبوا لكل ده.
أومأ جد رشيد برأسه مؤكدًا:
– انا عرفت مين اللي رتب كل ده يا طلعت.
حدق به اللواء طلعت بفضول، تحدث جد رشيد مرة أخرى واجاب فضوله:
– سعد بشار اللي رشيد قبض عليه في قضية اخطتاف أتوبيس البنات.
نظر اليه اللواء طلعت بصدمة وتحدث بستغراب:
– وحضرتك عرفت ازاي الموضوع ده؟!
اجابه جد رشيد:
– هو راح بنفسه واعترف لـ رشيد وكان هدفه من الاعتراف ده انه يعرف رشيد انه انتصر عليه وانتقم منه.
استمع اليه اللواء طلعت باهتمام وتحدث:
– يبقى احنا لازم نخليه يعترف.
تحدث جد رشيد ببساطه:
– مش محتاجين نضغط عليه عشان يعترف.. كفايه انكم تقبضوا على رجالته اللي برا وتعملوا تطابق للبصمات وانا متأكد ان هتطلع بصامتهم هي اللي موجودة على الشنطة والمخدرات.
أومأ اللواء طلعت برأسه بالايجاب وهو يستمع الي خطة اللواء المتقاعد نور الدين الجبالي.
بعد اسبوع..
استطاعوا القبض على عدد من رجال سعد بشار بخطة مرتبة من اللواء نور الدين الجبالي وتم التآكد من تطابق البصمات الموجودة على اكياس المخدرات مع بصماتهم وبدأ التحقيق معهم ومع سعد بشار.
تحدث اللواء طلعت مع اللواء نور الدين الجبالي وأخبره ان بأمكانهم إطلاق صراح رشيد الان لكن لا يمكنه العودة إلى عمله حتى انتهاء التحقيقات مع سعد بشار ورجاله واثبات برأته بالكامل وخصوصًا بعد ذكر اسم زوجة رشيد في اعترفات رجال سعد بشار.
خلال هذا الاسبوع. كان رشيد في اسوء حالته النفسيه، لم يذهب خالد اليه منذ حديثه الاخير معه عندما اخبره بخيانة زوجته له.
دخل اليه احد الضباط واخبره باطلاق صراحه الان بعد إثبات برائته.
خرج رشيد وكل ما يشغل افكاره هو الذهاب الي كارمن وموجهتها بما فعلته والانتقام منها. لم يفكر ماذا حدث في القضية وكيف تم اثبات برأته، كل ما يفكر به الان هو المواجهة والانتقام. لكن جده لم يعطيه الفرصه.
كان جده في استقباله ومعه خالد وكان معهم مأذون شرعي. اراد منه جده ان يطلق زوجته قبل خروجه من هذا المبنى حتى يطوي صفحتها من حياته ويبدأ حياته من جديد بدونها، لكن رشيد رفض يطلقها قبل ان يواجهها ويعلم منها لماذا فعلت به ما فعلته؟
لم يستطيع جده اقناعه بالطلاق، استسلم جده لرغبته وتركه يذهب اليها ويواجهها بمنزل والدتها ولكنه اشترط ذهاب خالد معه لكي يوقفه عن أي فعل متهور يفكر به.
ذهب رشيد مع خالد بسيارته، كانت الكثير من الاسئلة تتزاحم برأسه، لا يصدق حتى الان ما فعلته به.
توقفت السيارة امام منزل والدتها، ترجل من السيارة وهو يركض الي منزلها بجنون، يريدها تجيب على أسئلته، يريدها ان تخبره ان ما فعلته به ليس حقيقًا.
وقف يطرق على باب منزلها بقوة، ركض اليه خالد وحاول تهدأته، ظل رشيد يطرق على الباب بقوة ولم يأتيه ردً من الداخل، دخل في حالة هيستيريه وهو يطرق على الباب بقوة حتى گاد ان يحطم الباب. حاول خالد السيطرة عليه وتهدأته بصعوبة، لكن رشيد كان يصرخ وينادي اسمها بطريقه جنونيه. لم يشعر احد بالنيران المشتعلة بقلبه.
بدأ الجيران يتجمعون حولهم واخبرهم حارس العقار انها تركت المنزل هي ووالدتها وذهبوا ولا يعلم احد الي اين!
وقف رشيد ينادي اسمها بجنون، تجمع حولهم عدد من جيران المنزل ووقفوا يتابعون انهياره وهو يركل الباب بقوة وينادي اسم كارمن بصراخ، تابع خالد نظرات الجيران الي رشيد بين الدهشة والشفقة، بدؤ يتهامسون ويطلقوا عليه (المجنون) لم يتحمل خالد رؤيته بتلك الحالة. اخذه خالد بقوة وجذبه الي السيارة، كان ينادي اسمها بصراخ وينظر الي منزلها ينتظر خروجها منه، اخذه خالد بصعوبة الي داخل السيارة، جلس رشيد بداخل السيارة وهو يردد اسمها بجنون ولم يتوقف عن نطق اسمها، شعر خالد بالقلق عليه، اخذ هاتفه وتحدث الي جد رشيد واخبره بحالة رشيد السيئة، واخبره انه سيأخذه الي المشفى وطلب منه سرعة الذهاب اليهم الي المشفى.
*******
اسبوعين وهو بداخل المشفى متمددًا فوق الفراش، يظهر عليه الضعف الشديد ووجهه اصبح شاحب وجسده اصبح نحيف بعد امتناعه عن تناول الطعام. لا يشعر بالرغبة في أي شئ، امتنع عن الحديث حتى اعتقد الجميع انه فقد النطق، لكنه كان ينطق كلمتان اثنان فقط عند حضور صديقه خالد اليه، كان يسأله عن كارمن ولم يجد جواب من خالد غير الصمت والنظرات الحزينه علي حالته وما وصل اليه صديقه المقرب.
كان جده يتابع حالته مع الطبيب المعالج له، آكد له الطبيب ان رشيد يحتاج إلى العلاج النفسي واذا تأخر هذا العلاج يمكن ان تقوده هذه الحالة الي اليأس ثم التفكير في الانتحار.
نظر اليه جده بحزن، لا يمكنه الانتظار اكثر وهو يرى حفيده يفقد حياته ببطئ، ولا يمكنه المجازفة بمستقبله عندما ينتشر خبر خضوعه للعلاج النفسي بين زملائه وأصدقائه، فكر في ارساله الي خارج البلاد، لكي يتعالج نفسيًا بإحدى المستشفيات بسرية ولا يعلم احد بشئ ويعود اليه كما كان سابقًا.
بعد عدة ايام..
بدأ اللواء نور الدين الجبالي في إجراءات سفر حفيده الي احدى الدول الاجنبيه لتلقي العلاج النفسي بسرية تامة في واحدة من أكبر المستشفيات، كانت تزداد حالة رشيد سوء ويشتد عليه الشعور بالمرض الجسدي والنفسي، لم تترك كارمن أفكاره لحظة واحدة، حاول خالد مساعدته في البحث عنها، لكن البحث عنها جاء بالفشل ولم يستطيع خالد الوصول اليها حتى اعتقد انها تركت البلاد وسافرت مع والدتها الي الخارج.
↚
انتظر جده حتى جاء موعد السفر واخبره به قبل ساعات من موعد اقلاع الطائرة. اصبح رشيد في حالة سيئة ولا تسمح له بالاعتراض على السفر، بدأ يتسلل اليه الشعور باليأس وعدم الرغبة في الحياة، اصبح هو الاخر يريد العلاج النفسي لكي يعود الي نفسه من جديد.
استوقفه جده بالمطار قبل اقلاع الطائرة، وقف امامه وتحدث اليه بقوة:
– اسمعني كويس يا رشيد قبل ما تسافر.. انت هتخرج من البلد دي عشان تتعالج وترجعلنا رشيد حفيدي القوي، وتنسى كل اللي فات وتبدأ حياتك من جديد.
نظر رشيد الي جده بضعف، لم يشعر احد بالالم الذي يشعر به بداخله، لقد اشتاق إليها كثيرا رغم قسوتها عليه، يريد الاطمئنان عليها والتحدث اليها لمعرفة لماذا فعلت هذا به؟ ماذا فعل معها لكي تفكر في خيانته!
لم يتوقف عقله عن التفكير بها ولم يتوقف قلبه عن عشقه لها والخوف عليها، اعتقد ان بسفره الان يمكنه الهروب من أفكاره وذكرياته معها وبأمكانه نسيانها بالكامل.
نظر اليه جده بقوة واضاف:
– وقبل ما تخرج من هنا لازم تطلق البنت دي وتخرجها من حياتك للابد.
نظر اليه رشيد بصدمة، خفق قلبه بقوة، لم يستطيع اخذ هذا القرار وهو بهذه الحالة، هناك شعور قوي بداخله يخبره ان هناك شئ لا يعلمه، مازال لا يصدق ما فعلته به! توتر خالد وهو يقف بجوارهما ويتابع رد فعل رشيد. تحدث رشيد الي جده بتعب:
– بلاش نتكلم في الموضوع ده دلوقتي يا جدي.. انا حقيقي تعبان ومحتاج ابعد عن هنا.
تحدث اليه جده بقوة:
– انت هتفضل تعبان طول ما البنت دي شايله اسمك بعد اللي عملته فيك!
نظر رشيد امامه بتفكير، ربت جده فوق كتفه بدعم قائلا:
– انا عارف انه قرار صعب بس لازم تاخد القرار ده يا رشيد قبل ما تسافر، لانك مستحيل هتقدر تنساها وهي شايله اسمك.
أومأ برأسه بالايجاب وتحدث وهو شارد بافكار كثيرة:
– عندك حق يا جدي.. انا فعلاً لازم اخد القرار ده، بس انا محتاج اكون أقوى من كده عشان اقدر اخده.
نظر جده إلى خالد وتبادلت النظرات بينهما، أومأ خالد برأسه الي الجد مطالبًا منه الا يضغط عليه اكثر. تفهم الجد ما يمر به وتحدث اليه:
– وانا واثق فيك يا رشيد ومتأكد انك هتاخد القرار ده وتنفذه اول ما تخرج من البلد هنا، وهستنا منك مكالمة تقولي فيها انك طلقتها خلاص.
ذهب رشيد وهو يفكر في حديث جده. كلما اقترب من الطائرة كان يعتقد ان المسافات البعيدة بينه وبينها تستطيع مساعدته على النسيان، اقلعت الطائرة واخذته الي خارج البلاد.
بلد جديد وناس جدد وحياة جديدة مختلفة، عامً بداخل المشفى يتلقى العلاج النفسي، وعامً اخر بخارج المشفى مع متابعة العلاج النفسي مع الطبيب المعالج، وعامان استطاع فيهم انشاء عمل خاص به بعد تقبله الانفصال عن عمله بالشرطة بعد قضيته الاخيرة ومرضه وسفره الي الخارج، عامً تلو الاخر وهو يحاول التعايش بدونها والتأقلم مع حياته الجديدة وتحقيق نجاح بعمله الجديد في مجال (إدارة الأعمال) فعل كل ما بوسعه لكي يعود كما كان سابقًا قبل وجودها بحياته.
لم يستطيع اخذ قرار الطلاق رغم سفره واقامته بالخارج أربعة أعوام، لم يستطيع العودة قبل ان يتعافى من عشقه لها واثبات نفسه في العمل من جديد، كان دائمًا على تواصل مع خالد وكان خالد يبحث عنها في كل مكان. كان الجد دائمًا يتواصل مع رشيد ويطالبه بتنفيذ قرار الطلاق، حتى اخبره رشيد ذات مرة انه اخذ هذا القرار وقام بتنفيذه. هكذا اطمئن جده وشعر بالراحة ولم يتحدث معه بهذا الموضوع مرة أخرى.
بعد مرور أربعة اعوام بين العلاج النفسي ومحاولاته الكثيرة لنسيانها ونجاحه بعمله الجديد. جاءته مكالمة من خالد يؤكد له انه رأها تعمل بأحد المطاعم ويبدوا عليها الفقر الشديد، لم يستطيع المكوث بالخارج بعد معرفته بوجودها بمصر، قرر العودة لكي ينهي علاقته بها بعد ان يتأكد من خيانتها له. لقد تبدل العشق بداخله للكراهية، هذا ما اعتقده حتى تقابل معها في الحفل! مشاعره اتجاهها تغضبه كثيرًا، مازال قلبه يخفق بقوة عند رؤيتها! مازال يشتاق اليها كثيرًا. لا يصدق انها مازالت بقلبه رغم قسوتها وخيانتها له! عشقه لها يرهق قلبه كثيرًا، يريد معرفة سببً واحدًا يدفعها لذالك! ربما يستطيع انتزاع عشقها من قلبه بعد معرفة السبب الذي دفعها لخيانته…✋.
فاق من ذكرياته علي صوت خالد وهو يتحدث اليه بهدوء:
– رشيد.. انت لازم تتكلم معاها وتنهي الموضوع ده بقى! انا ساعدتك توصلها وتعرف مكانها عشان تعرف منها السبب اللي خلاها تعمل فيك كده وترتاح.
نظر اليه رشيد بتفكير، أومأ خالد برأسه مؤكدًا:
– ايوه يا رشيد انت لازم تاخد القرار النهائي عشان تكمل باقي حياتك.. يا اما تطلقها وتكمل حياتك مع واحدة تانيه، يا اما تسامحها وترجعها حياتك تاني وتاخدها وتسافروا بعيد عن هنا.
حدق به رشيد بصدمة مرددًا:
– اسامحها!! اسامحها ازاي بعد ما دمرت حياتي! انا خسرت شغلي بسببها وخسرت اهلي وعشت في الغربه اربع سنين اتعالج عشان اقدر بس انساها!
تحدث اليه خالد بثقة:
– ورغم كل ده مقدرتش تنساها.
حدق به رشيد بصدمة، أومأ خالد برأسه بالايجاب ووقف من مكانه وهو يضيف:
– انا هخرج وابعتهالك.. يمكن لما تتكلم معاها تلاقي اللي انت عايزه وترتاح.
خرج خالد من الغرفة ولم ينتظر رده عليه، جلس رشيد بمكانه يفكر بصدمة! لا يعلم حقًا ماذا يريد! هل يمكنه انهاء علاقته بها رسميًا وتركها والزواج من غيرها؟ ام يمكنه مسامحتها على ما فعلته به والعودة اليها مرة أخرى؟ لكنه ليس بهذا الضعف حتى يعود اليها بعد ما فعلته! يريد فقط معرفة سبب ما فعلته، يريد استماع صوتها وهي تخبره لماذا فعلتها به!
صوت خطواتها اخرجه من افكاره، توقفت بتوتر عند الباب، خفق قلبها بقوة عندما رآته أمامها. نظر اليها وتأملها بقوة، مازال يستطيع الشعور بها وبما تشعر به، كان يرى خوفها وتوترها بوضوح، كان يستمع الي صوت خفقات قلبها المسرعة.
وقف من مكانه وهو يتأملها بقوة، كم اشتاق إليها! اغضبته مشاعره اتجاهها التي مازالت تحيا بقلبه، ماذا يريد اكثر حتى تتبدل تلك المشاعر بداخله وتصبح باردة، والافضل لو تختفي ولا يخفق لها قلبه مرة اخري.
توقفت أمامه وجسدها يرتجف بخوف، تحدثت اليه بتوتر:
– رشيد انا بعمل ايه هنا؟ ليه قبضوا عليا وخدوني من البيت بالطريقه دي؟!
اغضبته برائتها التي تخدعه دائمًا، نظراته القاسيه مع نبرت صوته الحادة وهو يجيب عليها:
– من أربع سنين انا كمان خدوني من البيت وقبضوا عليا بنفس الطريقه دي وانا مكنتش عارف ليه!
اشتدت نبرة صوته بقسوة وهو يقترب منها اكتر ويمسك بذراعيها ويضغط عليها بقوة ويضيف:
– انتي وقتها كنتي تعرفي قبضوا عليا ليه؟
لمعت عيناها بالدموع وهي تتألم من قبضة يديه القاسيه، انسابت دموعها وهي تجيب عليه بخوف:
– انا اسفه.
حدق بها بقسوة مرددًا بذهول “اسفه!!” ارتجف جسدها بخوف. تلقت صفعة قوية من يديه علي وجنتها وهو يصرخ بها:
– اسفه بعد ما دمرتي حياتي؟!
↚
تلقت صفعة قوية من يديه علي وجنتها وهو يصرخ بها:
– اسفه بعد ما دمرتي حياتي؟!
وضعت يديها فوق وجنتها بصدمة وهي تبكي بخوف. جذب يديها بعيدًا عن وجهها وهو يصرخ بها بجنون:
– قوليلي اسفه على ايه بالظبط؟ ردي عليا.. انطقي.. قولي ليه عملتي فيا كده؟!
بكت اكثر وهي تنظر اليه بخوف ولم تستطيع الرد عليه، جن جنونه اكثر وصفعها مرة أخرى بقوة وهو يصرخ بها بجنون ويردد بغضب”انطقي.. قولي اسفه علي ايه؟”
دلف خالد الي غرفة المكتب مسرعًا وركض اليهما وحاول اخذ رشيد بعيدًا عنها، كان رشيد يصرخ ويطلب اجابتها عليه وهي تبكي وتضع يديها على وجنتيها بخوف وجسدها يرتجف بشدة.
تحدث اليه خالد بقوة وهو
يأخذه بعيدا عنها:
– اهدى يا رشيد انت كده هتموتها في ايدك!
انفعل رشيد اكثر بغضب:
– ياريت كنت اقدر اموتها وارتاح.
رفعت وجهها وهي تبكي وتجيب علي حديثه بصراخ:
– ياريت اموت بجد عشان ارتاح منك.
حدق بها بصدمة وتحدث اليها بغضب:
– ترتاحي مني! انتي كمان اللي عايزة ترتاحي مني!
اجابته بصراخ وهي تبكي وتضع يديها فوق وجنتيها الملتهبه من قسوة ضربه:
– ايوه عشان انت ضربتني جامد وانا معملتلكش حاجة!
توقف قليلاً يحدق بها بصدمة، نظر اليها صديقه خالد هو الاخر بذهول! كيف لم تفعل به شئً! نظر رشيد الي خالد وتحدث اليه بصدمة:
– بتقولك معملتليش حاجة!!
ثم نظر اليها وتحدث بغضب:
– انتي فعلاً معملتيش حاجة! انتي دمرتي حياتي بس! خسرتيني شغلي واهلي وكل حاجة.
تحدثت وهي تبكي:
– ما انا قولتلك اسفه.
حدق بها بصدمة وذهول، كتم خالد ضحكته وهو يستمع الي ردها البسيط، كانت مثل الطفله الصغيره وكأنها تتحدث الي والدها. اقترب منها رشيد ووقف امامها وتحدث اليها بغضب وانفعال وهو يشير اليها بيديه:
– اسفه دي تقوليها لما اكون رجعت البيت وملقتكيش مجهزه الغدا.. هنا ممكن تقولي اسفه وانا اسامحك!
اجابته بعناد: ما انت كنت على طول بترجع البيت ومش بتلاقيني مجهزه الغدا ومكنتش بتزعل ومكنتش بقولك اسفه!
رشيد بغضب: والله ده شئ يتحسبلي اني كنت زوج كويس معاكي وبستحمل دلعك وأكلك اللي ميتكلش اصلا.
نظرت اليه بحزن وتحدثت بصدمة:
– يعني انا اكلي كان وحش؟
شعر بحزنها وصدمتها، يعلم انه تزوج فتاة مدللة، كانت تعتمد عليه في كل شئ، وهذا ما اعتادت عليه ولا ذنب لها. عيونها اللامعه بالدموع قطعت نياط قلبه، لا يريد جرحها. تراجع عن حديثه واجابها بهدوء:
– لا هو كان بيبقى حلو شوية.
ابتسمت وسألته برقة:
– بجد؟
أومأ برأسه بالايجاب وهو ينظر اليها بعشق واشتياق.
تابعهما خالد بصدمة، تحدث خالد بصوت قوي واخرجهما من حالة العشق التي جمعتهما من جديد:
– أكل ايه اللي حلو ووحش.. انتوا بتتكلموا في ايه!
فاق رشيد على صوته وتراجع للخلف بعيدًا عنها وهو يحاول السيطرة على مشاعره اتجاهها. خجلت كارمن وخفضت وجهها ارضًا، استمعت الي صوت رشيد وهو يتحدث الي خالد بصوت غاضب:
– هي دي بقى كارمن.. بتحول اي كلام لصالحها!
رفعت وجهها وردت عليه بغيظ:
– شوفت.. وهو ده بقى رشيد، كل حاجة بيجيبها فيا وانا معملتش حاجة!
رد عليها رشيد بغضب:
– اه فعلا انتي مبتعمليش حاجة ابدا.. انتي ملااك! انا اللي بخرب كل حاجة!
اجابته بتحدي: فعلا انا ملاك.. وانت اللي بتخرب كل حاجة.. ولا نسيت الشقه اللي كسرتها وبهدلتها وانا اللي نضفتها ورتبتها.. انت اصلا دايماً كده.. انت تخرب كل حاجة وانا ارتبها تاني.
تحدث اليها بغضب:
– والله!! ونسيتي لما كنت برجع من شغلي واساعدك في كل حاجة! نسيتي لما كنت بنضف معاكي الشقه وارتبها معاكي!
اجابته بثقة: على فكرة كل الرجالة المتجوزين بيعملوا كده واكتر كمان.
صدح صوت خالد عاليا وهو يقف بينهما ويستمع الي حديثهما:
– بس خلااااص..
نظر اليهما بصدمة واضاف:
– مسح وتنضيف ايه! وترتيب شقة ايه اللي انتوا بتتكلموا فيه!
ابتعد رشيد عنها واشار عليها بغضب قائلا:
– هي دايمًا كده مفيش فايدة فيها!
تحدثت بصراخ:
– انت بتجيب كل حاجة عليا انا ليه!
صرخ خالد بينهما:
– خلااااص انا اللي غلطان.
ثم تحدث الي رشيد:
– خلينا نقفل المحضر ده يا رشيد عشان كارمن تروح.
نظرت اليه كارمن بصدمة قائلة بفضول:
– محضر ايه؟!
نظر اليها خالد بتوتر ثم نظر الي رشيد. اجابها رشيد ببرود:
– محضر وخلاص.
اقترب رشيد من خالد ووقع على محضر التنازل، وقفت كارمن تنظر اليهما بدهشة، طلب خالد توقيعها ثم تحدث اليها بهدوء:
– دلوقتي تقدري ترجعي البيت يا كارمن.. وانا بعتذر على كل اللي حصل.
نظرت اليهما بدهشة، خفض رشيد وجهه وهو يتعمد انشغاله بهاتفه، وقفت تتطلع اليهما بستغراب ثم ذهبت دون اضافة اي حديث.
رفع رشيد عينيه بعيدًا عن هاتفه بعد خروجها، نظر الي الباب وزفر بتعب. اقترب منه خالد وتحدث اليه بثقة:
– في حاجة غلط يا رشيد!
نظر اليه رشيد بفضول، أومأ خالد برأسه بالايجاب مؤكدًا:
– واحدة بشخصية كارمن اللي انا شوفتها قدامي دلوقتي دي.. مستحيل تخونك وتشارك مجرم زي سعد بشار في خطته!
أومأ رشيد برأسه بتأكيد قائلا له:
– هو ده بقى يا خالد اللي تاعبني.. انت شوفتها واتعاملت معاها كام ساعه بس ومش مصدق انها تعمل كده.. انا بقى المفروض اعمل ايه وهي مراتي وعشت معاها تحت سقف واحد وبقيت اعرفها اكتر ما هي تعرف نفسها!
تنهد خالد بتفكير وحيرة، نظر رشيد أمامه بشرود واضاف:
– عقلي مش قادر يستوعب لحد دلوقتي ان كارمن ممكن تعمل فيا كده! وانا اكيد مش غبي لدرجة اني اتخدع في شخصيتها.. يعني رغم السنين اللي عدت علينا وكارمن هي هي متغيرتش! لسه رقيقه وبتبكي من اقل حاجة زي الاطفال!
ابتسم خالد وهو يستمع اليه ثم تحدث اليه بهدوء:
– هي فعلاً غريبة اوي.. واكتر حاجة استغربتها انها بتتحول لطفلة فعلا في وجودك.. بحس انها بتتعامل معاك وكأنك باباها!
ابتسم رشيد وهو يتذكر حياتهما معًا واجاب:
– انا دايما كنت بحس اني مسؤول عنها.. كارمن اتحرمت من باباها وهي طفلة ومامتها كانت طول الوقت بعيدة عنها.. كارمن كانت دايما محتاجة للحنان والاحتواء، وده اللي كنت بحاول اعوضها عنه.
تحدث خالد بثقة:
– يبقى اكيد في سبب قوي اجبرها تعمل كده! او يمكن احنا فهمنا غلط..
صمت خالد قليلاً يفكر بحيرة ثم اضاف:
– بس هنكون فهمنا غلط ازاي وانا شوفتها بنفسي لما كانت خارجة من السجن ولما سألت عن اسمها عرفت انها كانت بتزور سعد بشار!
زفر رشيد بتعب وتحدث هو الاخر بحيرة:
– وكل حاجة عملتها في الفترة اللي اتقبض عليا فيها كانت بتثبت انها عملت كده فعلا! ايه اللي منعها تزورني ولو مرة واحدة؟ ليه اختفت هي ووالدتها ومظهروش غير بعد اربع سنين؟ دا غير حالة الفقر اللي وصلوا لها؟! في الف سؤال ومش لاقي اجابة تريح قلبي! نفسي اتأكد هي خاينه ولا مظلومة؟ نفسي اقدر اخد قرار.. ابعد عنها وانساها، ولا اسامحها واكمل معاها.
نظر اليه خالد بحزن واجابه بحيرة:
↚
– بصراحة الله يكون في عونك يا رشيد.. انا مش عارف انا لو مكانك كنت هتصرف ازاي!
نظر اليه رشيد وتحدث:
– انا في لحظة خسرت كل حاجه يا خالد ومبقاش في حاجة اخسرها.. الاربع سنين اللي عشتهم بعيد عنها حاولت كتير اخرجها من حياتي، لكن قلبي طول الوقت كان بيأكد انها مظلومه وده اكتر شئ بيعذبني.
تحدث خالد بتآكيد:
– يبقى الحل الوحيد انك لازم تعرف ايه اللي حصل بالظبط.
اجابه رشيد:
– هو ده فعلا اللي لازم اعرفه.
تحدث خالد:
– وطبعا هنستبعد فكرة انك تسأل كارمن لان اي كلام بينكم بيتحول لموضوع تاني خالص.
ضحك رشيد وتحدث بتعب:
– انا و كارمن دايما كده.
تحدث خالد بحيرة:
– والحل ايه دلوقتي؟.. خلي بالك ان جدك ممكن يعرف في اي وقت ان كارمن لسه مراتك.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب:
– انا عارف يا خالد.. بس كل ده ميهمنيش.. اللي يهمني اني اعرف الحقيقه واكون متأكد منها قبل ما اخد اي قرار.
تحدث خالد:
– وانا معاك يا رشيد في اي قرار هتاخده واي وقت هتحتاجني هتلاقيني جنبك.
ابتسم رشيد بامتنان وهو ينظر اليه، فهو صديقه المخلص الذي لم يتركه ابدا منذ بدأت صداقتهما بكلية الشرطة، كان دائمًا وابدا داعمًا له.
*****
عادت كارمن الي المنزل حيث الغرفة التي تقيم بها مع والدتها. استغربت جلوس والدتها فوق الفراش تتناول السجائر وتقلب بالهاتف غير مباليه بما حدث مع ابنتها!
اقتربت منها كارمن وتحدثت اليها بذهول:
– هو انا للدرجة دي مش فارقه معاكي! معقول متحركتيش من مكانك من وقت ما الشرطة جم خدوني؟!
رفعت والدتها عيناها عن الهاتف واجابتها ببرود:
– اللي تخلف بنت خايبه زيك متخفش عليها من الشرطة! هيكونوا خدوكي ليه يعني! ايه الخارج عن القانون اللي ممكن تعمليه عشان يخدوكي! كنت متأكده ان هيكون في غلط وهترجعي.. واهو تفكيري طلع صح!
حدقت بوالدتها بصدمة:
– انا مش قادرة افهم انتي بتفكري ازاي.. نفسي تحسسيني اني بنتك ولو مرة واحدة!
حدقت بها والدتها بغضب والقت الهاتف من يديها بعنف واجابتها:
– انا اللي نفسي احس انك بنتي…
وقفت من فوق الفراش واضافة بصراخ وهي تنظر الي الغرفة التي تقيم بها بأثاثها المتهالك:
– بقى دي عيشه نعيش فيها وانتي تقدري تخلينا نعيش في قصور! معقول دي تبقى اخرة سهير سالم اللي كل الرجالة كانوا هيموتوا عليها والفلوس والقصور كانت بتترمي تحت رجليها!
رمقتها كارمن بغضب مكتوم ولم تجيب عليها، غضبت والدتها اكثر واضافة بحدة:
– نفسي اعرف انتي مستنيه ايه! مستنيه مين؟ عمرك هيضيع وجمالك هيروح مع الزمن من غير ما نستفاد منه.
تلألأت عين كارمن بالدموع واجابتها:
– انا مش هكون نسخه منك.. انا مستحيل ابيع نفسي وجسمي للي يدفع.
اقتربت منها والدتها بغضب وقامت بصفعها بقوة. صرخت كارمن وهي تتلقى الصفعه بذهول. ارتفع صوت والدتها بصراخ:
– انا عمري ما بعت نفسي ولا جسمي لحد! انا كنت بتجوز على سنة الله ورسوله، كان بيبقى جواز حلال وبشرع ربنا.
تحدثت كارمن ببكاء وهي تضع يديها فوق وجنتها:
– كنتي بتستخدمي شرع ربنا في النصب على الرجالة! وشوفي كان اخرة كل ده ايه؟ خسرتي كل حاجة ودمرتي حياتك وحياتي.
حدقت بها والدتها بنظرات ساخرة:
– انتي اللي دمرتي حياتك يا كارمن وانتي اللي اختارتي تعملي كده! واظن انتي فاكرة كويس انتي عملتي كده ليه!
بكت كارمن ووضعت يديها فوق وجهها بندم. نظرت اليها والدتها بغيظ واضافة:
– العياط مش هيفيدنا دلوقتي.. انتي لازم تفوقي لنفسك وترفعينا من القرف اللي احنا عايشين فيه ده!
رفعت عيناها ونظرت الي والدتها بحزن ثم ركضت الي خارج الغرفة وهي تبكي.
وقفت والدتها تتابع خروجها من الغرفة ببرود، ثم همست الي نفسها بتأكيد:
– انا مش هستنا لحد ما اموت هنا بسببك! انا لازم اعمل اي حاجة عشان ارجع اعيش تاني في نفس المستوى اللي طول عمري كنت عايشه فيه.
رمقت الغرفة من حولها بشمئزاز واضافة بأصرار:
– هعمل اي حاجة عشان اخرج من هنا.
*******
صباح اليوم التالي..
ذهبت كارمن الي عملها بالروضة وبعد انتهاء الدوام ذهبت إلى عملها الثاني بالمطعم وهي تفكر كيف تعتذر للمدير عن عدم حضورها للعمل أمس.
دلفت الي محل عملها ولاحظت نظرات زملائها الغير مرضيه وهم يحدقون بها بشمئزاز. تطلعت الي ثيابها ومظهرها بشك.
اقتربت من صديقتها مودة وتحدثت اليها بدهشة:
– ايه الحكاية يا مودة؟ كلهم بيبصولي كده ليه!
نظرت اليها مودة بتوتر. لم يعطيها مدير المطعم فرصة للرد واجاب هو على فضول كارمن وهو يقترب منهما:
– انتي ايه اللي رجعك هنا تاني يا كارمن؟
نظرت اليه كارمن بتوتر واجابة بتلعثم:
– رجعت شغلي.. انا اسفة مقدرتش اجي امبارح لان حصلت عندي ظروف طارئة ومنعتني اجي.
اجاب عليها بقوة:
– وانا عارف ايه الظروف دي.. لان قبل ما يجو يخدوكي جم هنا.
حدقت به بصدمة، تابع حديثه بصرامة واضاف:
– اخر حاجة كنت اتوقعها انك تكوني كده.. انتي مش بس ضريتي سمعتك! انتي ضريتي سمعة المكان كمان.
خفضت وجهها ارضًا وهي تعتقد انه يتحدث عن خيانتها لـ رشيد، لكنه اضاف بقوة واخبرها السبب الذي يعلمه:
– ازاي تمدي ايدك وتسرقي شقة عميل! انتي عارفه تصرفك ده خسرني عملا قد ايه؟
شهقت بصدمة ونظرت اليه بذهول قائلة:
– نعم.. شقة عميل مين اللي انا سرقتها؟! انا مش فاهمه حاجة؟
اجاب عليها بصرامة:
– انتي فاهمه كويس وعارفه عملتي ايه.. ومن اللحظة دي ملكيش شغل معانا.. وانا هحاول اتواصل مع استاذ رشيد واعتذرله يمكن اقدر احافظ على سمعة المطعم.
شهقت بذهول وهي تحاول استيعاب ما يخبرها به:
– رشيد!! هو رشيد….
قاطعها بصرامة:
– ايوه اللي انتي سرقتي شقته.. اتفضلي امشي من هنا بهدوء ومش عايز اشوفك هنا تاني.
تركها وذهب الي مكتبه وعاد كل زملائها الي عملهم، وقفت تفكر بصدمة وتربط الاحداث، تفهمت سبب القبض عليها وسبب وجود رشيد بقسم الشرطة والمحضر الذي تنازل عنه. همست بغضب وهي تسير من المطعم:
– بقى انا حراميه يا رشيد!!!
*****
استيقظ على صوت طرقات قوية مزعجة فوق باب شقته، ذهب ليرى من ذاك المزعج الذي جاءه الان! وكيف يطرق الباب بهذه الطريقه العنيفه.
فتح الباب بغضب ووجدها هي من تقف امامه، تنظر اليه بعين مشتعله من الغضب، صرخة بوجهه عقب فتحه للباب:
– بقى انا حرامية يا رشييييد.
↚
– بقى انا حرامية يا رشييييد.
رمقها ببرود ثم تركها تقف امام الباب وعاد الي الداخل دون رد، تقدمت الي داخل الشقه واغلقت الباب بعنف، التفت ينظر اليها بغضب قائلا:
– ايه الازعاج اللي انتي عملاه على الصبح ده!
اجابته بصراخ:
– لا حضرتك احنا بقينا الضهر مش الصبح.. رد عليا وقولي دلوقتي حالا.. انا سرقة منك ايه عشان تتهمني بحاجة زي كده؟!
تأملها بعمق ثم اجاب عليها:
– انتي عارفه انتي سرقتي ايه مني.
جف حلقها من شدة التوتر ونظرت اليه بخوف، تركها وعاد الي غرفة النوم غير مبالي بما تقوله او تفعله. وقفت للحظات تنظر أمامها وتفكر؛ ماذا يقصد بحديثه؟! فاقت من شرودها ودلفت خلفه وهي تتحدث بغضب:
– سرقت منك ايه يا رشيد عشان تتهمني بتهمة زي دي؟! انت عارف انت عملت ايه؟.. انت خلتني اخسر شغلي بسببك.
ضحكة ساخره ظهرت على محياه وهو يتمدد فوق الفراش غير مبالي بدخولها وثرثراتها المزعجة. تقدمت منه اكثر وهي تتطلع اليه بغيظ، عدم رده عليها وبروده المصطنع اثار غيظها. رفعت الغطاء عنه وهي تتحدث اليه بصراخ:
– قوم رد عليا يا رشيد.. انا بكلمك.
جذبها من يديها بقوة لتسقط فوقه، صرخت بصدمة وهي تسقط فوق صدره، احاط بها بذراعيه واحكم قبضته حولها بقوة، حاولت الابتعاد عنه سريعًا لكنه كان يحاط بخصرها ويقربها اليه بقوة، خجلت منه وتلونة وجنتيها باللون الاحمر وارتجف جسدها بين يديه، استمع الي صوت خفقات قلبها المسرعه بوضوح. تأملها عن قرب وهي تخفض وجهها بعيدًا عن عينيه. همست بصوت مبحوح:
– رشيد.. سبني لو سمحت.
تحدث اليها بصوت هامس وهو يتأملها بشتياق:
– انتي اللي جيتي هنا!
ارتجف جسدها بقوة وحاولت التحدث:
– انااا….
قاطعها بتقبيل شفاتيها بشتياق بعد أن فقد السيطرة علي التحكم بمشاعره اتجاهها، حبيبته الان بين يديه بعد فراق اربعة اعوام. هي الأخرى كانت تشتاق اليه كثيراً، تجمد جسدها بين يديه، گادت ان تستسلم له بعد ان تحولت قبلته لها الي قبلات متفرقه فوق وجهها وعنقها، استسلمت له للحظات قليلة فقط ثم انتفض جسدها بين يديه بخوف، دفعته بعيدًا عنها وركضت مبتعده عن الفراش، وقفت بأحدي زوايا الغرفة وهي تبكي بخوف وجسدها يرتجف بقوة. كانت تردد بصوتها الباكي:
– مش هينفع.. حرام..
حدق بها بصدمة، لا يصدق انه فقد السيطرة على مشاعره امامها. خفض وجهه بغضب من تسرعه وكشف مشاعره بالاشتياق اليها، عليه إخفاء تلك المشاعر حتى يتأكد من خيانتها او برائتها.
بكاءها وكلمة “حرام” التي رددتها بخوف عند اقترابه منها، ترددت الكلمة علي سمعه وهو يخفض وجهه ويحاول السيطرة علي مشاعره اتجاهها، استغرب تردد الكلمة وهي تبكي باحد زوايا الغرفة، رفع وجهه ونظر اليها بستغراب قائلا لها:
– هو ايه اللي مش هينفع وحرام؟!
اخفت وجهها بين يديها وهي تبكي واجابته بصوت مبحوح:
– انت طلقتني وحرام تلمسني او تقرب مني!
تأملها بستغراب، من اخبرها انه طلقها!:
– وانتي عرفتي منين اني طلقتك؟
اجابته وهي تبكي:
– عرفت لما طلقتني قبل ما تسافر.
استغرب من حديثها وتحدث اليها بغموض:
– جالك ورقة طلاق؟
اجابته بحزن:
– وقتها انا كنت مغيره عنواني واكيد ورق الطلاق راح للعنوان القديم.
أومأ برأسه ثم شرد قليلاً يفكر؛ من اخبرها انه طلقها قبل سفره؟ نظر اليها بتفكير قائلاً:
– مين قالك اني طلقتك قبل ما اسافر؟!
ارتبكت كثيراً واجابت عليه بتلعثم ونبرة حادة:
– عرفت وخلاص.
غضب من عنادها وأومأ برأسه وهو يعلم ان الحديث معها لن يجد نفعًا. صمت قليلاً يفكر ولم يريد ان يخبرها انها مازالت زوجته، يريدها على ظنها حتى يعلم الحقيقة. حاول رسم البرود على ملامحه وتحدث اليها:
– ولما انتي عارفه انك مبقتيش مراتي.. ازاي تيجي لحد بيتي هنا وتدخلي اوضة نومي كمان؟!
ارتجف جسدها بقوة واجابته بتوتر:
– مكنتش اعرف انك لوحدك.. كنت فاكرة مراتك عايشة معاك هنا!
للحظة لم يتذكر انه أخبرها سابقًا انه تزوج وله ابن من زوجته، كيف لم يتذكر كذبته، حاول إخفاء ارتباكه بعد تذكره لهذه الكذبه واجاب عليها بهدوء:
– ايوه ما مراتي مش هنا دلوقتي.
خفضت وجهها بحزن وتحدثت وهي تخرج من الغرفة:
– انا لازم امشي حالا قبل ما مراتك ترجع لانها ممكن تفهمنا غلط.
خرجت من الغرفة واسرعت في خطواتها حتى خرجت من الشقه بأكملها، حاول الالحاق بها لكنها كانت الأسرع في الخروج من الشقة، وقفت امام باب الشقه من الخارج واستندت عليه تبكي بانهيار، لا تصدق ان هناك أمرأة بحياته وتأخذ مكانها بقلبه، اصبحت الان غريبه عنه ولا يحق لها النظر اليه، تهرب الان من منزله حتى لا تراها زوجته! لم تتحمل ما تمر به الان، ركضت وهي تبكي وتتمنى لو تنقطع انفاسها، ويتوقف نبض قلبها وتترك هذه الحياة بسلام. جلس رشيد ينظر امامه بتفكير، عليه البحث فيما حدث مع كارمن قبل أربعة اعوام، عليه معرفة السبب الحقيقي الذي جعلها تقوم بمساعدة سعد بشار.
******
بعد عدة ايام..
كانت كارمن تجلس بداخل الغرفة التي تمكث بها مع والدتها، كانت تنظر بهاتفها وتبحث عن عمل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ان عجزت عن ايجاد عمل بعد طردها من المطعم الذي كانت تعمل به.
زفرت والدتها بملل وتحدثت اليها بغضب:
– واخرتها ايه؟.. احنا كده هنموت من الجوع.
اغلقت الهاتف ونظرت الي والدتها بقلة حيلة:
– هعمل ايه يعني يا ماما! انا بدور على شغل اهو.
رمقتها والدتها بغضب قائلة بعصبيه:
– شغل ايه اللي بتدوري عليه! انتي مش عايزة تعقلي بقى.
تحدثت الي والدتها بعصبيه:
– لو سمحتي يا ماما انا تعبت ومش مستحمله كلامك ده!
وقفت والدتها بعصبيه وصرخت بوجهها:
– انا اللي تعبت مش انتي! الفقر بيموتني بالبطيء وانتي واقفه تتفرجي عليا وتقوليلي مش مستحمله!.. ولا انا كمان مستحمله العيشة دي..
ثم نظرت حولها بحسرة واضافة:
– ده مش مكاني! مش سهير سالم اللي تقضي اللي باقي من عمرها في اوضه فوق سطح!
تابعت كارمن تحركات والدتها بالغرفة بصمت، اتجهت سهير الي خزانة الملابس الصغيرة واخذت ثيابها القديمة والقتها ارضًا وهي تصرخ بانفعال:
– كل دول عايزين يترموا واشتري جديد..
نظرت كارمن الي الثياب التي القتها والدتها ارضً، ركلت سهير الثياب بقدمها وهي تصرخ بجنون:
– انا من حقي اعيش في بيت نضيف
مش اعيش هنا! ومن حقي يكون عندي عربيه وكريدت كارد مفتوحه اصرف منها برحتي زي زمان..
خفضت كارمن وجهها بحزن وغمضت عيناها تبكي بقلة حيلة. لم تتوقف والدتها عن الصراخ وهي تضيف:
– شوفي شكلي بقا عامل ازاي، شعري بيقع بسبب المنتجات الرخيصه اللي بستعملها، ووشي بدأ يكرمش.. انا بموت هنا بالبطيئ وانتي قاعدة تتفرجي عليا وتقوليلي بدور علي شغل! شغل ايه اللي هيوفرلنا كل احتياجتنا؟!
نظرت كارمن الي والدتها واجابة عليها وهي تبكي بقلة حيلة:
– كل اللي بتطلبيه ده مش ضروري عشان نعيش يا ماما! شعرك اللي بيقع ووشك اللي بيكرمش ده مش سببه الفقر! انتي كبرتي وده طبيعي يحصل مع اي ست في سنك!
اقتربت منها سهير وهي ترمقها بنظرات ناريه وامسكتها من ذراعيها وصرخت بها بقوة:
– انا مكبرتش.. انتي اللي عملتي فيا كده بالفقر اللي عيشتيني فيه! انا سهير سالم.. سمعاني.. انا سهير سالم اللي كل الرجالة بيتمنوا مني نظرة وبيدفعوا دم قلبهم عشان بس ابصلهم.
بكت كارمن بانهيار وهي تقف امام والدتها عاجزة عن الرد، دفعتها والدتها بعيدا عنها واردفت بصراخ:
– بس انا مش هسمحلك تعملي فيا كده.. سمعاني يا كارمن.. مش هسمحلك تضيعي اللي باقي من عمري بسبب غباءك.
ارتطم جسد كارمن بالحائط اثر دفعت والدتها لها بقوة، لم تبالي سهير بها واتجهت الي ثيابها التي القتها ارضًا وجذبت احد الثياب وقامت بارتداءه وهي تردد باصرار:
– انا لازم الاقي حل بسرعة.. مش هستنا اموت هنا بسببك.
وضعت كارمن يديها فوق رأسها وهي تتألم من دفعت والدتها لها، انتهت سهير من ارتداء ثيابها وهي تردد بأصرار “لازم الاقي حل”
جذبت حقيبة يدها لكي تذهب من الغرفه، استوقفها صوت كارمن وهي تتحدث اليها بقلق:
– هتروحي فين يا ماما؟!
توقفت سهير والتفتت اليها تجيب عليها بأصرار:
– هروح للمحامي بتاعي يشوفلي اي حل.. انا مش هسمحلك تموتيني جنبك هنا!
تحدثت كارمن بقلق وهي تبكي:
ِ- والمحامي هيعملك ايه! انتي خلاص خسرتي كل فلوسك من زمان ومبقتيش تملكي اي حاجة؟!
اتجهت سهير الي باب الغرفة وفتحته باصرار وهي تجيب عليها:
– هروحله يشوفلي اي حل.. اعمل قرض او يشوف حد يكون ممول لأي مشروع اعمله واعيش منه.
حدقت بها كارمن بدهشة، لم تنتظر والدتها ردها وتركتها وذهبت واغلقت باب الغرفة خلفها بقوة. وقفت كارمن تنظر إلى الفراغ بحزن؛ تشعر بالضعف وقلة الحيلة، تعلم تعلق والدتها بالحياة الثريه وعشقها الكبير للمال، وتعلم ايضا ما سيحدث لها بعد عودتها من مكتب المحامي الخاص بها؛ بعد ان يؤكد لها عدم وجود مخرجًا من هذا الفقر الذي احاط بهما بعد ان خسرت كل ما تملك على يد اخر رجل تزوجت منه، عندما انقلب السحر على الساحر وهو من استغلها واستطاع اخذ كل ما تملك.
وضعت رأسها بين يديها وهي تفكر ماذا عليها ان تفعل! لقد ارهقتها الحياة كثيرًا ولا يمكنها تحمل المزيد.
********
↚
في منزل عائلة رشيد.
اقتربت رهف شقيقة رشيد من جدها ووالدتها ووالدها وهم يتحدثون عن رشيد. تحدثت والدة رشيد بحزن وهي تنظر الي زوجها بلوم، لم تغفر له زواجه عليها حتى الان:
– انا مش هسيب ابني يضيع نفسه وحياته اكتر من كده.. من يوم ما البنت دي هي ومامتها دخلوا حياتنا وهما دمروا كل حاجة حلوة فيها.
خفض زوجها وجهه ارضً بصمت، تابعت حديثها باصرار وهي تنظر الي والد زوجها:
– اكيد حضرتك رأيك من رأيي يا عمي؟
نظر اليها والد زوجها بتفكير ثم نظر الي ابنه الذي اصبح لا اهمية لوجوده بينهما بعد ان ترك كل شئ واهتم بعمله فقط، تاركًا خلفه زوجته واولاده:
– من رأيي نسأل باباه رأيه ايه؟
ظهرت ضحكة ساخرة على محياها وهي تنظر الي زوجها، تعلم عدم اكتراثه لامرهم، استمعت الي رده وهي تؤكد بداخلها ان حياتهما معا اصبحت مستحيلة:
– انا مليش رأي يا بابا.. رشيد مش صغير، رشيد راجل وقد المسؤوليه واكيد هو عارف مصلحته كويس.
اثار غيظها برده الهادئ، انفعلت وتحدثت اليه بحدة:
– وابنك لو عارف مصلحته كان راح اتجوز بنت زي دي!
رمقها بغضب واجاب:
– اكيد شاف فيها اللي انتي مقدرتيش تشوفيه، مهو مش كلنا بنملك نفس العيون عشان نشوف بنفس النظرة.
زفرت بغضب وانتفضت من مكانها وهي تتحدث بانفعال:
– هو ده اللي احنا بناخده منك.. خليك كده عايش في عالم موازي لوحدك! سيب ابنك يخسر حياته بعد ما خسر شغله ومستقبله!
تركتهم وصعدت الي غرفتها بالأعلى بخطوات غاضبه مسرعة، الحقت بها ابنتها رهف وهي تركض خلفها، نظر اللواء نور الدين الجبالي الي ابنه وتحدث اليه بغضب مكتوم:
– شايف انت وصلتنا لايه! عمرك ما كنت قد مسؤولية بيت وعيلة!
أومأ وجيه برأسه بالايجاب وتحدث بحزن:
– حضرتك عندك حق.. انا مش قد المسؤوليه فعلا!
رمقه والده بغضب، وقف وجيه من مكانه وهو ينظر الي والده واضاف:
– في حاجة بس عايز اقولها لحضرتك قبل ما امشي..
تابعه والده باهتمام، توقف وجيه يفكر للحظات قليلة ثم اضاف بثقة:
– اللي رشيد عمله وبيعمله دلوقتي هو ده الصح..
تفاجأ والده من حديثه واعتدل في جلسته وهو يستمع الي باقي حديثه:
– رشيد مخسرش شغله ولا حاجة، رشيد اصلا مكنش حلمه انه يكون ظابط شرطة! ده كان حلم حضرتك انت مش هو! عملت المستحيل عشان رشيد يكون نسخه منك..
رمقه والده بنظرات ناريه، ظهرت ابتسامه ساخرة علي وجه وجيه وهو يضيف:
– بس هو مطلعش نسخه منك ابدا يا سيادة اللوا، وده شئ يسعدني انه مطلعش نسخه منك.
حدق به والده بصدمة، طالت النظرات بينهما حتى تحرك وجيه من امام والده لكي يذهب، لكن صوت والده اوقفه يستمع اليه:
– بس يسعدك انه طلع نسخه منك انت! يسعدك ان اللي قدرت تضحك عليك وتخرب بيتك، قدرت بنتها تضحك عليه وتضيع مستقبله!
عاد وجيه والتفت مرة أخرى الي والده واجاب بثقة:
– بس سهير مضحكتش عليا! لاني كنت عارف حقيقتها من الاول..
حدق به والده بصدمة، أومأ وجيه برأسه واضاف:
– ومش هي برضه اللي خربت بيتي! بيتي اتخرب من اول ما بقى رأيي فيه ملوش قيمة جنب رأي حضرتك وقراراتك! وابني اتجوز البنت اللي حبها، ومستقبله مش معتمد على شغله في الشرطة وبس! المستقبل مفتوح قدامه ويقدر ينجح في اي مجال تاني هو يحبه.
غضب والده من حديثه ورمقه بغضب، أومأ برأسه بتفهم بغضب والده وانسحب من امامه بهدوء، تاركًا المنزل لكي يلتقط انفاسه بالخارج بعيدًا عن احكام والده التي تضيق صدره.
******
بداخل مكتب واحد من كبار المحامين.
جلست سهير تحرك قدميها بعصبيه وهي تأخذ احد السجائر وتتحدث الي المحامي:
– انت لازم تشوفلي حل وبسرعه.. انا مش هعيش اللي باقي من حياتي في الفقر ده!
زفر المحامي بضيق وتحدث اليها بهدوء مصطنع:
– يا مدام سهير حضرتك عارفه ان مفيش حل في ايدي.. انتي خسرتي كل فلوسك وممتلكاتك بشكل قانوني.
زفرت سهير بعصبيه وجسدها يرتجف من شدة الغضب:
– اعمل اي حاجة.. انت لازم تساعدني.. انت المحامي بتاعي.. فكر في اي حل.. ساعدني اعمل قرض او شوفلي حد يمول اي مشروع انا اعمله.. انا محتاجة فلوس بأي طريقه.
نظر اليها بتفكير قليلاً ثم تحدث بهدوء:
– انا معرفش حد يكون ممول لمشروع.. بس ممكن اساعدك تاخدي قرض من اي بنك..
نظرت اليه يترقب وتحدثت بلهفة:
– حقيقي ممكن تساعدني اخد قرض؟
أومأ برأسه وتحدث بثقة:
– اه طبعا بس البنك هيحتاج ضمان.
بهتت ملامحها بحزن ثم تحدثت بغضب:
– وانا هجيب ضمان منين للبنك.. انت عارف اني خسرت كل حاجة!
نظر امامه بتفكير قليلا ثم تحدث بهدوء:
– احنا ممكن نقدم ارض المرحوم صادق ضمان للبنك والارض كبيرة وتعمل ملاين دلوقتي واكيد البنك هيوافق علي القرض بسهوله.
حدقت به بصدمة قائلة بذهول:
– ارض المرحوم صادق مين؟ قصدك صادق جوزي؟!
اجاب عليها المحامي بثقة:
– ايوه المرحوم صادق جوزك الاولاني وابو بنتك الوحيدة.
مازلت تحدق به بصدمة وتحدثت:
– ارض ايه انا مش فاهمة حاجة؟ هو صادق كان عنده ارض؟!
اجاب عليها المحامي بثقة:
– اه طبعا.. ازاي حضرتك متعرفيش ان المرحوم صادق عنده ارض كبيره في الصعيد وكان حصل مشاكل بينه وبين عيلته وعمه حكم عليه انه يسيب البلد وخد الأرض منه بالقوة والمرحوم صادق ساب الأرض لعمه عشان ميحصلش بينهم مشاكل اكتر، بس طبعا الأرض لحد النهارده بالقانون بأسم المرحوم صادق يعني انتي ليكي ورث فيها انتي وبنته كارمن.
شهقت بصدمة ووقفت من مكانها تنظر اليه بصدمة:
– انت متأكد من الكلام ده؟!
اجاب المحامي بثقة:
– طبعا متأكد.. حضرتك ناسيه اني كنت المحامي الخاص للمرحوم صادق.
ابتسمت بسعادة وتحدثت بلهفة:
– يعني انا اقدر اخد الأرض دي وابيعها؟
تحدث المحامي بثقة:
– حضرتك لكي فيها الورث الشرعي اللي من حق الزوجة وكارمن لها الورث الشرعي للابنه.. وبتقديري كده هيكون مبلغ كبير جدا واظن انك مش هتحتاجي تعملي قرض ولا حاجة… بسـ..
صمت ولم يتابع حديثه، نظرت اليه بقلق:
اجاب عليها بتوتر:
– بس معتقدش ان حضرتك هتقدري تاخدي حقك او حق بنتك في الارض دي لان زي ما قولت لحضرتك ان عم المرحوم صادق اخد منه الأرض بالقوة والمرحوم صادق بنفسه رفض يفتح موضوع الارض ده وهو في عز ازمته الماليه قبل ما يموت وانا اقترحت عليه موضوع الارض اكتر من مرة وهو كان رافض انه يطلبها من عمه او يفتح موضوع الارض ده نهائي.
تنهدت سهير بعمق وهي تنظر امامها باصرار:
– صادق الله يرحمه مات ومسبش ليا ولا لبنته اي حاجة، يعني الأرض دي دلوقتي حقي انا وبنتي..
نظر اليها المحامي باهتمام وهي تضيف باصرار:
– وانا مستحيل اسيب حقي.. هاتلي اسم عم صادق وعنوانه في الصعيد.
↚
– وانا مستحيل اسيب حقي.. هاتلي اسم عم صادق وعنوانه في الصعيد.
أومأ المحامي برأسه بالايجاب وبحث بداخل احد الملفات والذي يحمل اسم “صادق الهواري” واخذ منه المعلومات الكافيه عن عائلة صادق الهوارى وتحدث اليها بثقة:
– ده العنوان بالتفصيل وكل المعلومات عن عيلة المرحوم صادق.
اخذت من يديه الورقه بحماس وتحدثت:
– انت متأكد ان الارض دي كبيرة وتستاهل؟!
ابتسم واجاب عليها بثقة:
– عيلة المرحوم صادق من أغنى واكبر العائلات في الصعيد، ونص الارض اللي تحت ايديهم ارض المرحوم صادق يعني ارض بالملايين..
ابتسمت بطمع ولمعت عيناها وهي تستمع اليه وهو يضيف:
– القانون معاكم وتقدروا تطلبوا حقكم في الارض.
أومأت برأسها وهي تنظر الي العنوان المدون علي الورقه بيديها وتحدثت بطمع:
– يبقى انا وكارمن لازم نسافر النهارده واخد منهم الارض وابيعها بأعلى سعر.
تابعها المحامي بصدمة قائلا:
– تبيعي ايه؟! دول ممكن يقتلوكي انتي وبنتك لو فكرتي تبيعي الارض لأي حد.. هناك الارض شرفهم ومستحيل حد غريب ياخدها!
نظرت اليه بستغراب:
– يعني ايه الكلام ده! مش انت لسه بتقول ان الارض قانونا من حقي انا وبنتي؟!
اجاب عليها بثقة:
– فعلا الارض قانونا من حقكم انتي وبنتك.. لكن الارض دلوقتى تحت ايديهم هما ومحدش يقدر ياخد الارض من تحت ايديهم غير بالتفاوض معاهم والحل الوحيد انك تعرضي عليهم انهم ياخدوا الارض منكم بشكل قانوني وانتم تاخدوا منهم حق الارض وترجعوا.
نظرت امامها تفكر بشرود ثم نظرت اليه وتحدثت:
– خلاص سيب الموضوع ده عليا وانا هعرف اتفاوض معاهم.
نظر اليها بقلق:
– ولو احتاجتي مني اي استشارة قانونيه تقدري تكلميني في اي وقت.
أومأت برأسها بالايجاب وشكرته وذهبت بحماس وهي تفكر في ضرورة السفر الي الصعيد اليوم قبل الغد.
******
جلست كارمن بداخل الغرفة تنتظر عودة والدتها بقلق، تعلم ان هذا اليوم لن يمر بسلام بعد ان تعود والدتها بأحباط من مكتب المحامي الخاص بها.
حدث على عكس توقعها واستمعت الي صوت والدتها الحماسي يأتي من بعيد، عقدت ما بين حاجبيها وهي تستمع الي صوت والدتها تناديها بحماس وسعاده وهي تصعد الدرج حتى وصلت إلى غرفتهما بالطابق الاخير، توقفت امام باب الغرفة تلتقط انفاسها المتقطعه من صعود الدرج، وقفت كارمن بقلق وفتحت لها الباب وحدقت بها بقلق:
– ماما انتي كويسه؟!
دفعتها والدتها بحماس وهي تبتسم بسعادة وتقدمت الي داخل الغرفة:
– انا مش كويسه بس.. دا انا في اسعد واجمل لحظات حياتي.
حدقت بها كارمن بستغراب، تقدمت والدتها من حقيبتها الفارغه امام خزانة الملابس وتحدثت الي ابنتها:
– يلا بسرعه لمي هدومك عشان نلحق القطر.
حدقت بها بصدمة:
– قطر ايه ؟!
التفتت تنظر إليها واجابتها وهي ترتب ثيابها بداخل الحقيبه:
– هنسافر الصعيد عند اهل باباكي.. المحامي قالي ان باباكي له ارض كبيرة اوي هناك وكان سايبها لعمه!
اقتربت من والدتها بذهول:
– ارض ايه انا مش فاهمه حاجة؟!
القت والدتها الثياب بداخل الحقيبه بعصبيه واجابتها:
– ايه اللي انتي مش فهماه! باباكي له ارض ورث في الصعيد وكان متنازل عنها لعمه بس من غير ورق ولا اي إثبات انه متنازل لهم عنها! انا مكنتش اعرف اي حاجة عن الأرض دي بس المحامي عرفني وفهمني كل حاجة وقالي ان من حقي اطالبهم بالارض او تمنها واكيد دلوقتي تمن الارض دي هيبقى كتير اوي.
هزت رأسها برفض غير متقبله حديث والدتها:
– بس حضرتك بتقولي ان محامي بابا قالك ان بابا كان متنازل عنها لعمه! ازاي هنطلب منهم الارض؟
اجابتها والدتها بثقة:
– انا مقولتش انه اتنازل عنها بمزاجه.. المحامي قالي ان عمه اخد منه الارض بالقوة وباباكي ساب الارض ومشي.. يعني الارض تحت ايديهم لكن العقود والقانون معانا احنا ونقدر بسهوله ناخد حقنا منهم.
وقفت كارمن تنظر الي والدتها بتفكير، لا تتقبل ما تقوله والدتها، التفتت والدتها ونظرت اليها وهي تقف شاردة بحيرة، اقتربت منها وتحدثت اليها بصرامة:
– انتي لسه هتقفي تفكري! جهزي نفسك بسرعه عشان نسافر.
أجابت على والدتها بحيره:
– هنروح نقولهم ايه بس يا ماما! يعني لو بابا كان له حق في الارض دي اكيد مكنش هيسيبها لما كان في عز ازمته!
لمعت عين والدتها طمعًا وتحدثت بقوة:
– باباكي الله يرحمه كان غبي.. اومال انتي طالعه لمين! لما كان عايش كانت الارض دي حقه وهو اللي ساب حقه،، لكن انا مش هسيب حقي.
نظرت الي والدتها بصدمة وقلق، تعلم ان والدتها لن ولم تتنازل عن هذه الارض بعد ان اتت اليها في هذا الوقت التي اعلنت فيه تمردها على كل شئ، لن تقبل العيش بهذه الغرفة بعد الآن، لن تبقى هنا لحظة واحدة، وهي لا يمكنها ترك والدتها تذهب بمفردها! لا تعلم ماذا ينتظرها هناك.
اخذت حقيبتها ووضعت بها ثيابها هي الأخرى، لم تتوقف والدتها عن الحديث وهي تضع قائمة لكل ما ستعوضه بعد حصولها على ثمن الارض، المنزل الجديد والسيارة والثياب وكل شئ افتقدته خلال السنوات الماضيه.
كانت كارمن تستمع الي حديثها بقلق، تخشي ان تتبخر احلام والدتها في الهواء، لا تعلم من اين اتت لهم هذه الارض!
اخذت حقيبتها وخرجت والدتها من الغرفة بسعادة وهي تودع الفقر وتفتح ذراعيها لاستقبال الثراء من جديد.
******
جلس فوق الاريكة امام التلفاز بداخل شقته التي تجمع ذكرياته الجميلة معها، كان يتذكرها وهي تجلس بداخل حضنه على هذه الاريكة ويتبادلون الحديث معًا، لم يخلو حديثهما من المرح والمزاح، كم اشتاق اليها وتمني لو يعود بهما الزمن وتعود الي داخل حضنه مرة اخري. حدق باحد الملفات امامه، كان يدقق النظر في التحريات التي ارسلها اليه خالد وبها بعض المعلومات عن الحي الذي تسكن به كارمن ومتى ذهبت الي هذا الحي.
صوت جرس الباب اخرجه من ذكرياته، نظر الي الباب وتمنى من قلبه لو يجدها هي من اتت اليه، ذهب وفتح الباب على امل رؤيتها. بهتت ملامحه بحزن؛ عندما وجد “مايا” تلك الفتاة التي كانت بالحفل عندما ذهب مع صديقه وكانت كارمن تعمل هناك. اتت اليه برفقة صديقه عادل، نظر اليهما بستغراب قائلا:
– خير يا عادل في حاجة ولا ايه؟!
تأملته مايا بنظرات عاشقه واجابة على سؤاله بدلال:
– ايه المقابله دي يا رشيد! معقول تكون دي مقابلتك لينا واحنا اول مرة نزورك في شقتك!
نظر الي عادل بدهشة، هز عادل رأسه بقلة حيلة واشار برأسه اتجاه مايا مؤكدًا له انه جاء بها الي هنا برغبتها الملحه عليه، ابتعد قليلاً واشار اليهما بيديه مرحبًا بهما الي الداخل.
تقدمت مايا الي داخل الشقه وهي تنظر حولها باعجاب قائلة:
– شقتك حلوة اوي يا رشيد.. وذوقك فيها يجنن.
نظر الي عادل بتوعد واجاب عليها بهدوء:
– ده مش ذوقي.. ده ذوق مراتي، هي اللي اختارت كل حاجة هنا في الشقه وفرشتها على ذوقها.
انتفضت من مكانها قبل ان تجلس ونظرت اليه بصدمة ثم الي عادل بذهول وتحدثت بصوت مبحوح:
– هو انت متجوز؟!
جلس براحة واجابها بتأكيد:
– اه.. انتي مكنتيش تعرفي ولا ايه؟
حدقت به بصدمة وتحدثت بذهول:
– لا طبعاً مكنتش اعرف.. انت اتجوزت امتى وازاي؟!
اجابها بهدوء وهو يعلم ما تحمله بقلبها اتجاهه:
– اتجوزت من حوالي اربع سنين.
نظرت اليه بصدمة ثم نظرت الي عادل بتوعد على عدم اخبارها بزواج رشيد، نظرت حولها بتوتر وتحدثت بارتباك:
– ممكن اتعرف على مراتك؟
اجابها بهدوء:
– للاسف هي مش موجودة دلوقتي.. لو كنتوا عرفتوني قبل ما تيجوا اكيد كانت هتبقى في استقبالكم معايا.
شعرت بالحرج واستعدت للذهاب متجه الي الباب قائلة بتوتر:
– احنا كنا جاين نطمن عليك.. بس مش مهم.. ابقى خلينا نشوفك انت والمدام عشان حابه اتعرف عليها.
أومأ لها برأسه بالايجاب، خرجت من منزله وهي تشعر بالحرج الشديد، صدمتها بمعرفة زواجه كانت مثل الصاعقه. خرج عادل خلفها وهو ينظر الي رشيد بعتذار ويبادله رشيد النظرات بتوعد.
اسرعت مايا في خطواتها حتى توقفت امام سيارتها تلتقط انفاسها بصعوبه، وقف عادل خلفها وتحدث اليها بقلق:
– مايا انتي كويسه؟
التفتت تنظر اليه بغضب وتحدثت اليه بحدة:
– انت ازاي متقوليش ان رشيد متجوز! هو اتجوز امتى وازاي اصلا؟ انا اعرف رشيد من زمان لحد ما سافر ورجع.. معقول اتعرف عليها وهو مسافر واتجوزها هناك!
اجابها عادل بتوتر:
– اهدي بس يا مايا واسمعيني.. رشيد قبل ما يسافر اتجوز فعلا.. بس كان في مشاكل مع اهله واهل البنت اللي حبها وكلهم كانوا رافضين الجواز وهو اتحداهم واتجوزها واعلن جوازه منها، بس الخبر منتشرش اوي لان بعد فترة قليلة من جوازهم رشيد حصله مشكله في شغله وتعب جامد وتقريبا طلق مراته وسافر بعدها.
وقفت تنظر اليه بستغراب وتحدثت بفضول:
– يعني هو طلقها قبل ما يسافر؟
اجابها بتردد:
– ده اللي انا عرفته.
نظرت امامها بتفكير ثم تحدثت:
– انت تعرف مراته دي او شوفتها قبل كده؟
اجابها بصدق:
– انا معرفهاش ولا عمري شوفتها.. اصلا الفترة اللي رشيد كان متجوزها فيها مكناش بنشوفه كتير وعرفنا بالصدفه انه اتجوز!
أومأت برأسها بتفهم وفكرت قليلا بحيرة:
– بس لو هو طلقها ليه قال انه متجوز! ولو هو مطلقهاش.. هي فين؟ ليه مظهرتش معاه ولا مرة؟! وكمان مش موجودة في بيته في وقت زي ده؟!
اجابها عادل بثقة:
↚
– اللي انا اعرفه انه طلقها قبل ما يسافر وكمان هو عايش في الشقه لوحده بعد ما رجع من السفر.
ابتسمت بمكر وأومأت برأسها وهي تهمس بداخلها:
– يبقى في سر رشيد بيحاول يخفيه.. بس انا لازم اعرفه.
نظر اليها عادل بتوتر وهمس بداخله:
– ربنا يستر انا مش مطمن.
*****
في الصباح الباكر من اليوم التالي..
وصل القطار الي محافظة قنا بالصعيد.
ترجلت منه كارمن مع والدتها، كانت تشعر بالخوف الشديد وتتمسك بحقيبتها بيد ترتجف من شدة القلق والتوتر. لم تتوقف والدتها لحظة واحدة منذ ترجلها من القطار، كانت تسير بخطوات مسرعه الي خارج محطة القطار وكأن حياة الثراء تناديها وتريدها ان تسرع اليه، كانت كارمن تحاول الالحاق بها بخطوات مهرولة.
اشارة والدتها الي احدي سيارات الاجرة واعطته العنوان الذي تريد الذهاب اليه. استغربت كارمن من وجود العنوان مع والدتها وسرعتها في الوصول لكل المعلومات التي تساعدها للوصل الي الارض.
صعدت الي داخل السيارة بجوار والدتها ولم تتوقف والدتها لحظة واحدة عن الحديث عن الثراء المنتظر لها.
بعد مرور ساعة من الوقت بداخل سيارة الاجرة، توقفت السيارة بقرية ريفيه واخبرها السائق ان هذه هي القرية التي ذكرت اسمها بالعنوان الذي اعطته له.
ترجلت من السيارة وهي تنظر حولها بشمئزاز، عكس نظرات كارمن التي نظرت الي الطبيعه من حولها براحة واعجاب، تحدثت والدة كارمن وهي تنظر الي حذائها الذي اختلط بالارض الترابيه:
– ايه ده مش معقول! ازاي سيبين الارض مش نضيفه كده!
استنشقت كارمن الهواء النقي وتحدثت براحة:
– بس الجوا هنا حلو اوي يا ماما وهدوء وراحة.
– انتوا مين يا هوانم؟
جاءهم هذا الصوت الأَجش من الخلف. التفتوا ينظرون الي صاحب الصوت بفزع، تحدثت اليه والدة كارمن بحدة:
– انت اللي مين؟
نظر اليها من الاعلي الي الاسفل قائلا:
– شكلكم مش من اهل البلد! انتوا جاين لمين هنا؟!
نظرت كارمن الي والدتها بقلق وتراجعت الي الخلف بخوف وهي تتطلع الي هيئته بجلبابه الفضفاض وجسده الضخم وشاربه الكبير. اجابته والدتها ببرود:
– احنا جاين لكبير عيلة الهواري.. تعرفه؟
ارتجف جسده قليلا واجابها بقلق:
– ومين ميعرفش عبد الرازق بيه كبير عيلة الهواري! دول كبار البلد.
شعرت بالرضا بعد ان لاحظت ارتباكه عند ذكرها اسم عائلة زوجها. نظرت الي ابنتها وتحدثت بفخر:
– احنا من عيلة الهواري وكنا عايزين نروح لكبير العيلة.
أومأ برأسه بحترام قائلا بترحاب شديد:
– يا اهلا يا اهلا.. نورتوا البلد يا هوانم.. انا هوصلكم بنفسي للسرايا الكبيرة عند عبد الرازق بيه.
شعرت والدة كارمن بالغرور الذي افتقدته منذ سنوات بعد خسارتها كل ما تملك. على عكس كارمن التي شعرت برهبة كبيرة من مقابلة هذا المدعو “عبد الرازق” الذي تساءلت كثيرا بداخلها كيف سيكون رد فعله بعد معرفة سبب مجيئهم الي هنا!.
اخذهما الي المنزل الكبير لعائلة الهواري.
كان المنزل كبير للغاية ويشبه القصور القديمة، كان يحاط بالمنزل بالخارج، عددً كبير من الرجال يرتدون الجلباب الصعيدي ويحملون الاسلحة المرخصة لحماية المنزل.
اقترب الرجل الذي اصطحب كارمن ووالدتها الي منزل عائلة الهواري من احد الرجال الواقفين امام بوابة الدخول الرئيسيه، اخبره انهم يريدون مقابلة كبير عائلة الهواري. تطلع إليهما من يقوم بحراسة البوابة وسألهم باحترام:
– عايزين مين يا هوانم؟
نظرت سهير الي المنزل الكبير بعين لامعه بالطمع والجشع واجابته بكبرياء:
– احنا قرايب عبد الرازق بيه.. جاين من القاهرة.
نظرت كارمن الي والدتها بتوتر وهمست اليها بخوف:
– ماما خلينا نرجع انا خايفه.
همست اليها والدتها بغضب:
– نرجع فين ونسيب كل ده لمين..
ثم اشارة برأسها اتجاه المنزل الكبير واضافة بهمس:
– انتي مش شايفه هما عايشين في قصر عامل ازاي!
أومأ الرجل باحترام ورحب بهما للدخول وهو يفتح البوابه الحديدية الكبيرة، تراجعت كارمن للخلف بخوف وهي تنظر للمنزل الكبير برهبه، لا تعلم ما ينتظرها بداخل هذا المنزل، لكن قلبها كان يخفق بقوة. اخذهما الرجل الي مبنى صغير منفصل عن المنزل وتحدث اليهما باحترام:
– اتفضلوا يا هوانم هنا في المضيفه وانا هروح ابلغ عبد الرازق بيه.
دخلت سهير وهي تتطلع حولها بانبهار، خلفها كارمن تنظر حولها بخوف. تحدثت سهير بطمع:
– عيلة ابوكي طلعوا مش قليلين ابدا.. مش قادرة افهم كان مقاطعهم ليه طول السنين دي!
تحدثت كارمن بتوتر:
– انا خايفه من الناس دول يا ماما.. خلينا نرجع.
التفتت اليها والدتها وتحدثت بصرامة وصوت مرتفع:
– نرجع فين انتي اتجننتي! انا مش هرجع للفقر تاني حتى لو هموت هنا.
انتفضت كارمن من صوت والدتها المرتفع وتراجعت الي الخلف بخطوات مرتبكة، اصطدمت بجسد صلب توقف خلفها فجأة، انتفضت بهلع والتفت تنظر خلفها بخوف. كان شاب طويل القامة ذو بشره سمراء وعيون سوداء حادة، ابتعدت كارمن عنه بهلع وركضت الي جانب والدتها. تطلع اليها بعمق وتحدث بنبرة حادة:
– اهلا بيكم.. قالولي انكم بتسألوا عن جدي الحاج عبد الرازق!
توترت سهير قليلاً من حدة صوته وحاولت رسم القوة امامه واجابته بهدوء مصطنع:
– ااحنا.. انا.. انا ابقى مرات المهندس صادق الهواري الله يرحمه.. ودي كارمن الهواري بنتي.
نظر اليهما باهتمام وعقد بين حاجبيه بدهشة. توترت سهير من نظراته الحادة واضافة بتلعثم:
– احنا كنا عايزين نقابل الحاج عبد الرازق.. هو بيكون عم جوزي الله يرحمه، وفي موضوع مهم لازم نتكلم فيه معاه.
أومأ برأسه بالايجاب قائلا:
– جدي وابويا الله يرحمه كانوا حكولي عن عمي صادق كتير. واللي اعرفه عنه انه عاش عمره كله في مصر وقطع علاقته بالبلد واهله من سنين!
تحدثت سهير بمكر:
– بس اللي انا عرفته انه مقطعش علاقته بالكامل بالبلد.. لسه له حق في البلد.
رمقها بنظرات غامضه وهو يستمع الي حديثها الماكر، ثم نظر الي ابنتها التي تقف خلفها بخوف وتوتر، ثم اومأ برأسه واجاب عليها بثقة:
تحدثت كارمن سريعًا بتلعثم:
– لا احنا هنرجع القاهرة دلوقتي.
رمقتها والدتها بغضب وهمست اليها بحدة:
– انتي اتجننتي! نرجع فين؟!
انتفض جسد كارمن وهي تنظر الي والدتها بتوتر، نظر اليها الشاب باهتمام وتحدث اليها بلطف:
– اهدي يا انسه.. انتي وسط عيلتك دلوقتي، يعني متخافيش من اي حاجة.
↚
– اهدي يا انسه.. انتي وسط عيلتك دلوقتي، يعني متخافيش من اي حاجة.
نظرت اليه كارمن بتوتر. تابعت سهير نظراته الي ابنتها باهتمام؛ كان الشاب ينظر الي كارمن بأعجاب لم يستطيع اخفاءه. تحدث وهو يتطلع الي كارمن بعمق:
– انا لسه معرفتكوش بنفسي.. انا فراج الهواري.. والدي الله يرحمه يبقى ابن عم المهندس صادق.
أومأت سهير برأسها بثقة وهي تتابع نظراته لابنتها وتفكر بداخلها؛ ماذا لو مكثت هنا لبعض الوقت واستطاعت ايقاع هذا الشاب في الزواج من ابنتها. نظرت حولها وهمست بداخلها: اكيد عندهم ارض وفلوس كتير اوي.. دول كبار البلد، يعني لو اتجوز كارمن يبقى هيفتح ليا بير فلوس ملوش اخر.
ابتسمت بجشع وهي ترتب افكارها. كانت كارمن تخفض واجهها بتوتر والشاب يتطلع اليها بأعجاب ولم يستطيع خفض بصره عنها. ابتسمت سهير وتحدثت اليه بمكر:
– احنا تعبنا اوي من الطريق والسفر.. في مكان هنا نقدر نرتاح فيه شويه؟
اجاب بثقة:
– السرايا كلها تحت امركم.. هتيجوا معايا بس تتعرفوا على جدي الحاج عبد الرازق على ما الغرف بتاع الضيوف تجهز.
ابتسمت سهير بثقة وتقدمت منه قائلة:
– واحنا جاهزين نتعرف على عمي الحاج عبد الرازق.
نظرت كارمن الي والدتها بقلق، كان قلبها يخفق بقوة ولا تعلم ماذا ينتظرها بهذا المنزل!
******
استيقظ من نومه بأرهاق، لم يستطيع النوم براحة، لم يتوقف عقله لحظة واحدة عن التفكير بيها، يبحث عن الحقيقه ولم يجد شئ يثبت برأتها حتى الآن. يبدوا ان هناك من أخفى اي دليل يقربه من الحقيقه. وقف واتجه الي المطبخ ليعد فنجان من القهوة لكي يخفف الالم الذي يضرب برأسه. خفق قلبه مع استماعه لصوت جرس الباب؛ كلما استمع اليه تمنى لو تكون هي!
ذهب ليرى من جاء اليه في هذا الوقت الباكر من الصباح. تفاجئ بـ والده ، ابتسم اليه والده عقب فتحه للباب:
– صباح الخير..
رحب به رشيد الي الداخل بابتسامة قائلا:
– اهلا يا بابا صباح الخير.. اتفضل.
دخل والده وهو ينظر الي المنزل من الداخل بحزن حاول اخفاءه عن رشيد، كان المنزل حزين وكأنه يطالب بعودة من كانت تصنع به السعادة. اقترب رشيد من والده وسأله بقلق:
– بابا حضرتك كويس؟
ابتسم والده وجلس وهو يجيب عليه بنبرة مرحة:
– ايه يا رشيد انت مش عايزني ازورك في بيتك ولا ايه!
اجاب عليه رشيد بترحاب:
– انت نورت البيت يا بابا.. بس دي اول مرة تزورني في البيت من بعد ما رجعت من السفر وعشان كده انا استغربت!
تحدث والده بهدوء:
– جيت اطمن عليك.
ابتسم رشيد واجابه بلطف:
– انا الحمدلله بخير يا بابا اطمن.
هز والده رأسه بالنفي وتحدث بثقة:
– لا يا رشيد انت مش بخير ابدا.. انت فاكر اني مش شايف الحزن والحيرة اللي جواك.. انا عارف ومتأكد ان الاربع سنين اللي سافرت فيهم مقدروش يرجعوك بخير.
تنهد بحزن وهو ينظر الي والده ثم اجاب عليه بصدق:
– انا فعلا يا بابا مش قادر ارجع زي الاول..
أومأ والده برأسه بتفهم، اضاف رشيد بحزن وهو ينظر امامه:
– انا حياتي كلها فجأة اتدمرت! انا كنت ممكن اتقبل اي خسارة الا خسارتها هي.. خدت وقت طويل عشان اقدر اصدق او استوعب انها خانتني بعد كل الحب اللي حبتهولها! في حاجات كتير جوايا اتكسرت! بس رغم كل ده.. في جوايا شعور قوي ان مش هي دي الحقيقه! قلبي طول الوقت بيأكد ان مستحيل كارمن تعمل فيا كده!
أومأ والده برأسه مؤكدًا بثقة:
– وانا كمان مش مصدق ان كارمن ممكن تعمل فيك كده!
حدق بوالده بصدمة، أومأ والده برأسه مؤكدًا:
– انا غلطت في حقك يا رشيد لما موقفتش جنبك السنين اللي فاتت، انا عارف انك كنت محتاجني جنبك، انا غلطت لما اتخليت عنك ووافقت ان جدك يكون هو المتحكم الوحيد في حياتك! انا كنت عارف انك مش حابب تدخل كلية الشرطة وجدك اصر انك تمشي في نفس الطريق اللي هو مشي فيه وتحققله حلمه اللي انا مقدرتش احققهوله! حتى لما انت اتجوزت البنت اللي حبتها، انا كنت مقتنع ان ده من حقك، رغم انك حرمت عليا الحق ده بمساعدة جدك!
لا يصدق ما يسمعه الان من والده، كان يحدق به بصدمة وذهول. خفض والده وجهه بحزن وأضاف:
– انا هقولك كلام اول مرة تسمعه مني..
صمت قليلاً ثم اضاف بحزن:
– انت عارف انا ليه مدخلتش كلية الشرطة زي ما جدك كان بيتمني؟
نظر اليه رشيد بفضول. اضاف والده بحزن:
– لان انا كرهت حياة جدك العسكرية.. شدته وأوامره اللي لازم تتنفذ وكأننا مذنبين زي اللي بيتعامل معاهم في شغله.. حياة انا عشت طول عمري اكرهها وعمري ما اتمنيت اعيش الحياة دي. وكان عقاب جدك ليا لما رفضت واصريت اني مدخلش كلية الشرطة؛ هو انه يجوزني واحدة انا مبحبهاش! رفض جوازي من البنت الوحيدة اللي انا حبتها! قالي “انت رفضت تحققلي حلمي.. وانا كمان هرفض احققلك حلمك” اصر يجوزني والدتك رغم اني عمري ما حبتها.. وانا بكل ضعف مقدرتش ارفض.. كنت شايف نفسي مذنب لاني محققتش حلم جدك زي ما كان دايمًا بيلومني.. واتجدد حلم جدك لما انت جيت للدنيا، حط كل احلامه عليك وكان دايما بيبعدني عنك عشان خايف انك تطلع نسخه مني وتكرر اللي انا عملته ومتحققش حلمه اللي عاش يتمناه.. حلمه الوحيد ان اسم عيلة الجبالي يفضل مسمع في وزارة الداخلية.. يفضل الاسم محتفظ بهيبته.
تفاجئ رشيد من حديث والده وكان يستمع اليه بصدمة، اضاف والده وهو ينظر اليه بحزن:
– انا لما اتجوزت سهير سالم كنت عارف هدافها وعارف هي اتجوزتني ليه.. سهير كانت بتفكرني بالبنت الوحيدة اللي انا حبتها في حياتي ومقدرتش احقق حلمي واتجوزها.. لما اتجوزتها كنت بدور على السعادة اللي كان نفسي اعيشها مع البنت اللي حبتها زمان.. كنت دايما بدور عليها في كل ست بشوفها.. جدك كان فاكر ان السنين هتنسيني! بس السنين عمرها ما بتنسي، بالعكس.. مع مرور السنين اللهفة والاشتياق كان بيزيد جوايا اكتر من زمان!
تعاطف كثيرا مع والده، شعر بكسر قلبه، لا يصدق انه لم يرى هذا الحزن بعين والده من قبل! صمت والده قليلاً في محاولة لتهدأت النيران التي اشتعلت بقلبه مع تذكره للماضي، ثم اضاف بحزن:
– لما والدتك عرفت بخبر جوازي وشوفت في عينيك انت واختك نظرة اللوم اللي شوفتها يومها، مقدرتش اقف قصاد جدك وارفض اطلق سهير، وجدك عشان يضغط عليا خدك في صفه وقتها وخلاك شريك له في انهاء علاقتي بسهير.
شعر رشيد بالندم وخفض وجهه بحزن، ابتسم والده ساخرًا من القدر واضاف:
– جدك كان فاكر انه هيفضل مسيطر علي حياتك وهيقدر يخليك نسخه منه.. بس انت صدمته وطلعت نسخه مني انا..
رفع رشيد وجهه ونظر الي والده بستغراب، ابتسم اليه والده وأضاف بنبرة مرحة :
– انت وقفت في صف جدك وساعدته انه ينهي علاقتي بـ سهير وفي نفس الوقت روحت انت وحبيت بنتها.
خفض رشيد وجهه بحزن وهو يشعر بكسرة قلب والده التي يحاول اخفاءها، صمت والده وشرد قليلاً ثم اضاف:
– تعرف لما زورتك هنا اول مرة بعد ما عرفت خبر جوازك.. انا كنت جاي عشان احاسبك على جوازك من بنت الست اللي انت حسبتني لما انا اتجوزتها.. بس اول لما شوفت مراتك اتصدمت.. مقدرتش اتكلم.. وقتها فهمت انت ليه اتجوزتها..
حدق به رشيد بستغراب قائلا:
– ليه اتصدمت لما شوفتها؟!
ضحك والده من قلبه واجاب عليه بصدق:
– لان مراتك طلعت نسخه من البنت اللي انا حبتها زمان، في شبه كبير بينهم.. ووقتها عرفت انك طلعت نسخه مني انا مش من جدك !
ضحك رشيد وتحدث بنبرة مرحة:
– يعني طلع ذوقنا واحد!
اجاب والده وهو يبتسم:
– وقتها فرحت انك حققت اللي انا مقدرتش احققه واتجوزت البنت اللي حبتها.
ابتسم رشيد ثم شرد قليلا وتحدث بحزن:
– بس في النهايه احنا الاتنين خسرنا.
تحدث اليه والده بثقة:
– اي خسارة ممكن تتعوض الا خسارة انسان انت بتحبه من قلبك بجد.. هي دي الخسارة اللي مستحيل تتعوض.
نظر اليه رشيد باهتمام، اضاف والده بتأكيد:
– انا عارف انك خسرت شغلك وخسرت حاجات كتير مهمه في حياتك.. بس انت ممكن تبدأ شغل جديد تكون بتحبه، وانا متأكد انك هتنجح فيه.. وكمان هتقدر ترجع كل حاجة خسرتها.. بس الاهم انك تاخد خطوة ايجابيه مع قلبك وعقلك.. لازم قلبك يقنع عقلك بلي هو مصدقه.. او عقلك يقنع قلبك بلي هو شافه وسمعه!
نظر رشيد الي والده باهتمام ثم شرد قليلاً؛ كلمات والده كانت تتردد علي سمعه، براءة كارمن وطيبة قلبها وحبها الكبير له، حديث سعد بشار عنها وتأكيد خالد رؤيته لها عندما اتت لزيارة سعد بشار، عشقه الكبير لها وقلبه الذي يؤكد براءتها، اصرار جده على الطلاق! الكثير من المشاعر والافكار تتضارب برأسه، أومأ برأسه مؤكدًا على حديث والده:
– حضرتك معاك حق.. كفايه الوقت اللي انا ضيعته.. لازم اتأكد من الحقيقة.
أومأ والده برأسه بالايجاب وربت على يديه بدعم قائلا:
– وانا معاك وفي ضهرك في اي قرار هتاخده.
*****
بداخل المنزل الكبير لعائلة الهوارى.
تقدمت كارمن الي داخل المنزل خلف والدتها التي كانت تسير أمامها بخطوات واثقه. اخذهما فراج الي داخل قاعة مخصصه للجلوس، ثم توقف امام جده الذي كان يجلس فوق مقعد ضخم ويستند بيديه فوق عصاه الذي صنع خصيصًا له! كان يرتدي جلباب صعيدي قيم ويبدو عليه الهيبة والوقار.
تحدث اليه فراج باحترام:
– بنت عمي المهندس صادق الهواري الله يرحمه يا جدي والست والدتها جم يزورنا ويسلموا عليك.
ابتسم جده مرحبًا بهما قائلا بترحاب:
– يا اهلا بالغالين اللي من ريحة الغالي.
تحدثت سهير بتوتر:
– اهلا بحضرتك.
نظر الجد الي الفتاة وتحدث الي حفيده:
– اسمها ايه بنت عمك يا فراج؟
اجابه فراج حفيده بهدوء:
– اسمها كارمن يا جدي.
نظر الحاج عبد الرازق الي سهير بغموض ثم نظر الي كارمن واشار اليها بيديه قائلا:
– تعالي قربي مني يا بنت صادق.
ارتجف جسد كارمن بخوف ونظرت اليه بهلع ثم نظرت الي والدتها التي اشارة لها برأسها ان تتقدم منه. تقدمت كارمن من الجد بخطوات مرتبكة وهي تنظر اليه بخوف وقلق. كان فراج يتابعها بنظرات إعجاب لم يستطيع اخفاءها.
↚
توقفت امام الجد بتوتر وانتظرت ماذا يريد! ابتسم الجد وهو يلاحظ خوفها وتوترها وتحدث اليها بغموض:
– واخده شكل امك.. بس واخده قلب ابوكي.
لم تفهم حديثه ونظرت اليه بستغراب. نظر الجد الي حفيده واردف بتأكيد:
– وصلهم اوض الضيافه يرتاحوا يا فراج.
نظر فراج الي كارمن وحدق بها بقوة واشار بعينيه الي يد جده، كان يطالبها بعينيه ان تقترب اكثر من الجد وتقبل يديه باحترام كما يفعلون احفاده. استغربت كارمن من اشارة فراج لها ولم تفهم ماذا يريد ان تفعل، ظهرت ابتسامه ساخرة على محيا الجد وهتف بصوته القوي الي حفيده:
– متتعبش نفسك يا فراج.. بنت صادق مش هتفهم انت عايز تقولها ايه!
تحدثت سهير الي ابنتها بصرامة:
– بوسي ايد جدك يا كارمن.
نظرت كارمن الي والدتها بستغراب ولم تفهم شئ، اشار الجد الي حفيده بأمر ان يأخذهما من امامه. اومأ فراج برأسه باحترام وتقدم من كارمن ووالدتها واخذهما الي غرف الضيافه لكي يرتحون قليلاً.
تابع الجد ذهابهما بنظرات غامضه، عاد فراج الي جده بعد دقائق قليلة بعد ان أخذهما الي غرفتهما، وقف فراج امام جده وتحدث باحترام:
– امرك يا جدي؟..
نظر اليه الجد بتفكير قائلا :
– البت ميتخفش منها زي ابوها.. بس ليها ام عقربه.
أومأ فراج برأسه مؤكدًا على حديث جده:
– ده حقيقي يا جدي.. بس هما لسه مقالوش هما جاين ليه!
اجابه جده بثقة:
– من قبل ما يقولوا يا فراج انا عارف هما جاين ليه.
*******
بداخل الغرفة التي جمعت كارمن مع والدتها بمنزل الهوارى.
جلست سهير فوق الفراش وهي تنظر حولها برضا وتفكر وترتب أفكارها الماكرة في الحصول على جزء كبير من هذا الثراء.
وقفت كارمن تنظر حولها بتوتر وتحدثت بعصبيه:
– انا مش فاهمة احنا هنا بنعمل ايه دلوقتي! ليه متكلمتيش معاهم في موضوع الارض ورجعنا القاهرة على طول، انا خوفت منهم اوي وشكلهم مش مريح.
ابتسمت والدتها وتحدثت إليها بمكر:
– طبعا لازم شكلهم يبقى مش مريح.. احنا جاين ناخد منهم ارض بملايين!
تحدثت كارمن بخوف:
– بس انا مش عايزة حاجة.
انتفضت سهير من مكانها بصدمة واندفعت اتجاه كارمن بعصبيه وقامت بامساك ذراعها والضغط عليه بعنف قائلة لها بتحذير:
– لو سمعتك قولتي كده قدامهم.. هقتلك.
ارتجف جسدها بصدمة امام والدتها، اعين والدتها كانت تشع قسوة وغضب، لأول مرة تراها كارمن بهذه القسوة، جف حلقها وهي تتطلع الي والدتها بصدمة وذهول، رددت حديث والدتها بصدمة:
– تقتليني!!
اجابتها والدتها بقوة:
– انا مش هرجع للفقر تاني يا كارمن.. انا مستعده ادوس على اي حد..
تعمقت بالنظر في اعين ابنتها واضافة دون تردد:
– حتى لو كان الحد ده انتي.
كلماتها اخترقت قلب كارمن وحطمته بقسوة، وقفت تنظر الي اعين والدتها بصدمة، ابتعدت عنها والدتها واضافة باصرار:
– انا مش هموت في الفقر اللي انتي عايزة تعيشيني فيه ده عشان خاطرك!
لمعت الدموع بعين كارمن بحزن وتحدثت بصوت مبحوح:
– انتي عمرك ما عملتي حاجة عشان خاطري! انتي دايما بتدوسي عليا عشان مصلحتك!
التفتت والدتها ونظرت اليها ببرود واجابة عليها باصرار:
– انا مش هتنازل عن الارض وانتي هتطلبي حقك منهم قبل مني.
نظرت اليها كارمن بعين تذرف الدموع بقهرة، دموعها لم تهز قلب سهير على ابنتها، بل ازدادت قسوتها في اعتقادها أنها تستطيع السيطرة على ابنتها من خلال قسوتها وحدتها معها، لم تبالي لدموع ابنتها وتركتها واتجهت الي الفراش لترتاح قليلاً وترتب افكارها قبل مواجهة الحاج عبد الرازق ومطالبتها بحقهما في الارض.
بخارج الغرفة كانت تقف “ازهار” زوجة فراج وابنة عمته، كانت تسترق السمع خارج الغرفة لكي تشبع فضولها بعد ان اخبرتها احدى السيدات العاملات بالمنزل ان هناك فتاة جميلة اتت مع والدتها واصطحبهما فراج الي غرف الضيوف. استمعت ازهار الي الحديث بين كارمن ووالدتها. لم تفهم عن أي ارض يتحدثون! ذهبت الي غرفة والدتها “وداد الهواري” التي تقيم مع والدها الحاج عبد الرازق في نفس المنزل بعد وفاة زوجها منذ سنوات.
دخلت ازهار غرفة والدتها وتحدثت اليها بصوت منخفض:
– عرفتي مين عندنا يا امي؟!
نظرت اليها والدتها بستغراب قائلة بفضول:
– مين يا ازهار؟
اجابتها ازهار:
– واحدة وبنتها.. معرفش هما مين بس سمعتهم بيتكلموا علي ارض!
اعتدلت والدتها واستمعت اليها باهتمام:
– ارض ايه؟!
اجابة ازهار:
– انا مفهمتش منهم حاجة.. بس سمعتهم بيتكلموا على ارض جاين ياخدوها!
نظرت وداد امامها بتفكير قليلاً ثم انتفضت من مكانها تهمس بذهول:
– لا مش معقول هما..
تركت ابنتها تقف بالغرفة وخرجت بخطوات مهروله مندفعه الي الاسفل وهي تردد بصدمة:
– اكيد مش هي…
ركضت خلفها ازهار بستغراب وهي تناديها بصوت منخفض وتطالبها ان تخبرها ماذا يحدث!
ترجلت وداد الي الاسفل واقتربت من القاعة التي يجلس بها والدها وتحدثت اليه بفضول:
– مين عندنا يا ابوي؟!
نظر اليها الحاج عبد الرازق بدهشة ثم نظر الي حفيده فراج الذي يجلس بجواره، اقتربت منهم ازهار وتوقفت بجوار والدتها تنتظر اجابة جدها لكي تشبع فضولها الذي ازداد جوعًا بعد ردت فعل والدتها الغريبة!
رمق فراج زوجته ازهار بغضب بعد ان لحقت والدتها اليهما، علم الان من اخبر عمته بوجود ضيوف بالمنزل! هذا ما اعتاد عليه من زوجته؛ دائمًا تلحق كل شئ يحدث بالمنزل وتخبر به الجميع.
تحدث الحاج عبد الرزاق بصوته القوي واخبر ابنته:
– بنت المرحوم صادق ابن عمك وامها.
شهقت وداد بصدمة بعد ان تأكدت من شكوكها، صدح صوتها الغاضب بانفعال:
– وايه اللي جاب العقربه دي هنا؟! وأرض ايه اللي جاين ياخدوها!
حدق بها الحاج عبد الرازق بفضول، توترت ازهار وتراجعت الي الخلف بخطوات مرتبكة، نظر فراج الي عمته بصدمة قائلا:
– ارض ايه يا عمتي اللي جاين ياخدوها؟.. انتي جبتي الكلام ده منين؟!
نظرت الي ابنتها بصمت، ازداد توتر ازهار وهي تتلقى النظرات الغاضبه من جدها وزوجها على سرقتها للسمع التي اعتادت ان تفعلها، لم تتوقف عن فعل ذالك مهما حذرها جدها وعاقبها زوجها!
تحدث الحاج عبد الرازق الي حفيدته ازهار بفضول:
– سمعتي ايه يا ازهار؟
جف حلقها من الصدمة وتراجعت الي الخلف بخوف. ارتفع صوت جدها بصرامة يأمرها ان تخبره ما استمعت اليه. نظرت الي زوجها بارتباك وهو يرمقها بنظرات غاضبه، بللت لعابها بتوتر واجابة:
فقد فراج سيطرته علي غضبه وهتف بها غاضبًا:
– قولي يا ازهار سمعتي ايه؟!
توترت اكثر وارتجف جسدها بخوف، تحدث اليها جدها بصرامة:
– اتكلمي يا بنت وداد بدل ما انتي عارفه.
تحدثت سريعا بخوف:
– سمعتهم بيتكلموا علي ارض يا جدي.. وبيقولوا انهم لازم ياخدوا ارضهم!
نظر فراج الي جده بصدمة وتحدث بغضب:
– ارض ايه يا جدي اللي جاين ياخدوها؟!
خفض جده وجهه ارضا وهو يفكر في الارض التي اخذها من صادق ابن اخيه بالقوة عندما رفض صادق الزواج من ابنة عمه وداد وترك القرية بأكملها وذهب تاركًا خلفه كل شئ.
ارتفع صوت وداد بغضب:
– على جثتي يا ابويا لو طالت شوية تراب من الارض.
↚
– على جثتي يا ابويا لو طالت شوية تراب من الارض.
تحدث فراج بذهول:
– ارض ايه يا عمتي.. ما تفهموني ايه حكاية الارض دي؟
اجابته عمته بقسوة اعمت بصرها بعد ما تذكرت ما فعله صادق ابن عمها معها عندما حطم قلبها برفضه الزواج منها منذ سنوات عديدة، عندما كانا الاثنان بعمر الشباب، تركها ليلة الزفاف وترك البلد بأكملها هاربًا من هذا الزواج، تركها بثوب الزفاف تنتظره لساعات حتى اتاها والدها واخبرها انه ترك كل شئ رفضاً الزواج منها وبعد اشهر قليلة زوجها والدها من رجل يكبرها بسنوات كثيرة بعد ان تسبب صادق في الاشهار بها وبسمعتها بعد رفضه الزواج منها، كم عانت كثيرا بعد زواجها من رجل في الخمسين من عمره وكان يعاني من مرض القلب، كان يقتلها الشعور بالنقص والاهانه بعد ان فضل صادق الزواج من امرأة أخرى ورفض الزواج منها وقرر التنازل عن ارضه في المقابل حتى يتركه عمه وشأنه بعد ما فعله في حق ابنته.
صوتها القوي الحاد لم يستطيع تهدأت النيران التي اشتعلت بقلبها بعد معرفتها بمجيئ تلك المرأة التي تزوجها صادق وفضلها عليها! كم من الليالي كانت لم تستطيع النوم وهي تفكر؛ كيف هي من فضلها صادق عليها؟ ماذا بها لكي يضحي بكل شئ من أجلها!
وداد: الارض اللي هي جاية تاخدها هي وبنتها دي.. هي نفس الارض اللي انت وابوك ضيعتوا فيها عمركم يا فراج .. الارض اللي شربت من عرقكم وارتوت.. الهانم بتاع مصر جايه تاخدها علي الجاهز! مكفهاش اللي خدته زمان!
جن جنون فراج وهو ينظر الي جده واردف بذهول:
– الست دي وبنتها جاين ياخدوا ارضنا يا جدي؟!.. انت كنت عارف سبب مجيهم هنا؟
أومأ جده برأسه بالايجاب وتحدث بصوت قوي:
– انا كنت عارف ان اليوم ده هيجي يا فراج.
تحدث فراج باصرار:
– ارضنا مش هتروحلهم يا جدي.. الارض دي انا تعبت فيها وابويا عاش ومات فيها.
نظر الجد امامه بتفكير وتحدث اليه بهدوء:
– ارض عيلة الهوارى مش هتروح لحد يا فراج..
نظر الي ابنته وداد وحفيدته ازاهار وتحدث بصرامة:
– خدي امك يا ازهار واطلعوا علي فوق.
هتفت وداد باصرار:
– الارض مش هتروح لبتاع مصر يا ابوي.
اجابها والدها بصرامة:
– اطلعي علي اوضتك مع بنتك يا وداد وسبيني اتكلم مع فراج…
توقفت تنظر الي والدها دون ان تتحرك، ارتفعت حدة صوته اكثر: خدي امك علي فوق يا ازهار.
اقتربت ازهار من والدتها مسرعة واخذتها خارج القاعة، نظر فراج الي جده وتحدث بعصبيه:
– عمتي عندها حق.. ارضنا مش هتروح لحد غريب يا جدي.
نظر اليه جده وتحدث بثقة:
– الارض هتفضل ارض عيلة الهواري.. والعقربه بتاع مصر مش هتنول اللي في بالها.
حدق فراج بـ جده بفضول وانتظر ان يتابع جده حديثه،.. نظر اليه الجد بثقة وأضاف:
– البت شكلها غلبانه وطالعه لابوها.. بس ليها ام عقربة.
تحدث فراج بدهشة:
– انت تعرف الست دي يا جدي؟
أجاب عليه جده:
– المحامي بتاع صادق كلمني وقالي انها راحت سألته عن الارض وقالي انها عايزة فلوس بأي طريقه وعرفني ان بنت صادق متبهدله معاها في مصر!
زفر فراج بغضب:
– يعني هنعملهم ايه يا جدي؟ هياخدوا شقانا وتعبنا كده بالساهل؟!
نظر اليه الجد بتفكير للحظات ثم تحدث بثقة:
– انا كنت عارف ان هيجي اليوم اللي مرات صادق او بنته هيجو فيه هنا ويطلبوا حقهم في الارض.
تحدث فراج بعصبيه:
– هما ملهمش حق عندنا يا جدي.. لو ليهم حق ياخدوه فلوس، لكن الارض لأ.
ابتسم الجد لحفيده واردف بثقة:
– ارض ايه اللي ياخدوها يا فراج! دا انا كنت ادفنهم فيها.
صمت فراج قليلا ثم اردف بفضول:
– وهنعمل ايه معاهم؟ هنديهم تمن الارض؟
تحدث الجد:
– انت عارف تمن الارض كام دلوقتي يا فراج؟ صادق له نص ارضنا.
حدق فراج بجده بصدمة واردف بذهول:
– يعني هما ليهم حق في نص الأرض بتاعنا؟!
أومأ الجد برأسه ثم صمت قليلاً ينظر الي حفيده بتفكير ثم تحدث:
– المحامي فهمهم انهم مش هيقدروا ياخدو الأرض من تحت ايدينا بالساهل، واكيد هما جاين يطلبوا حقهم في الارض فلوس.
تحدث فراج:
– يعني احنا نتعب في الارض طول السنين دي وهما يجو ياخدوا مننا فلوس كمان!
اردف الجد بغضب:
– مفيش ارض ولا فلوس هياخدوها!
نظر فراج الي جده بفضول، صمت الجد قليلا ثم اضاف بهدوء:
– احنا هندفع لمرات صادق فلوس ونخليها تتنازل عن نصيبها في الارض ونخلص منها خالص.
تحدث فراج بدهشة:
– وبنتها؟!
تحدث الجد:
– لو بنت صادق خدت فلوس، امها هتاخدها منها وهتضيع الفلوس والبت هتتبهدل معاها.. ولو ماخدتش دلوقتي مسيرها تتجوز وجوزها يجي يطلب حقها.
فراج: والحل ايه يا جدي؟
تحدث الجد بثقة:
– بنتنا تعيش هنا وسطنا وامها تاخد الفلوس اللي نديهالها وتتنازل عن نصيبها في الارض وتمشي.
تحدث فراج بدهشة:
– وبنت عمي صادق هتوافق تسيب عيشت مصر وتعيش معانا هنا؟!
تأمله الجد واجاب عليه:
– مش بمزاجها.. هتعيش معانا هنا غصب عنها.
استغرب فراج من حديث جده، صمت الجد للحظات ثم اردف:
– في الاول والاخر بت صادق لحمنا واحنا أولى بيها..
عقد فراج ما بين حاجبيه بعدم فهم، ليضيف الجد:
– انا بفكر اجوزك بنت صادق يا فراج وتبقى الارض بتاعتك كلها.. ايه رأيك؟!
حدق فراج بجده بصدمة ولمعت عيناه وهو يستمع الي كلمات جده:
– اتجوزها ازاي يا جدي.. و.. وازهار.. وعمتي!
تحدث جده بصرامة:
– متشلش هم عمتك انا هعرف اخليها توافق هي وبنتها.. ازهار مراتك مش عارفه تجبلنا حتة عيل يشيل اسم العيلة واحنا مش هنفضل نستنا الدكاترة والعلاج والعمر بيجري وانا نفسي اشوف عيالك قبل ما اموت.
توتر فراج كثيرا وتحدث بحيرة:
– بس انت عمرك ما فكرت او اتكلمت في موضوع زي ده يا جدي! انا مش مصدق انك عايزني اتجوز علي ازهار!
تحدث الحاج عبد الرازق بتأكيد:
– انت مش هتتجوز اي حد يا فراج.. بنت صادق من دمنا.. يعني العيال اللي هتخلفهم هيبقوا ولاد الهوارى اب وام.. دا غير الارض اللي هتفضل تحت ايدينا بعد ما تبقى مراتك.
نظر فراج امامه بتفكير في حديث جده، لن يستطيع إخفاء ان هذا ما تمناه بداخله عندما اصطدمت به والتفتت تنظر اليه، خفق قلبه عند رؤيته لعيناها اللامعه وجمالها الطبيعي الذي اثر قلبه.
ابتسم الحاج عبد الرزاق وهو يتابع شروده، يعلم انه يفكر بها، الفتاة حقًا جميلة ويتمناها كل من يتطلع اليها. خرج فراج من شروده على صوت جده:
– هي البت مش عجباك ولا ايه يا فراج؟
اجاب فراج بشغف:
– مش عجباني ايه بس يا جدي! دا البت حتة قشطة.
ضحك جده وتحدث اليه بثقة:
– هجوزهالك يا فراج بس انا ليا شرط..
نظر فراج الي جده بقلق، ابتسم الجد واضاف:
– تملالي الدار عيال، نفسي اشوف عيالك قبل ما اموت.
ابتسم فراج:
– ربنا يديك طول العمر يا جدي متقولش كده، ربنا يخليك لينا وتشيل عيالي وعيال عيالي.
تحدث الجد:
– المهم عندي يا فراج ان اجمع ولاد الهواري كلهم تحت سقف واحد وكمان عيالك اللي هتخلفهم من بنت صادق هيبقوا ولاد الهواري اب وام وده اللي كان نفسي اعمله من زمان بجواز صادق ابن اخويا من عمتك وداد بس صادق هرب وفضحنا في البلد كلها واهو جه اليوم اللي بنته تجيلي لحد هنا عشان تصلح اللي ابوها عمله.
ابتسم فراج بثقة:
– هيحصل يا جدي ان شاء الله.
تحدث الجد بتأكيد:
– يبقى على خيرة الله.
ابتسم فراج وهو ينظر امامه بشغف ويتذكر ملامح كارمن الرقيقه وجمالها الذي اثر قلبه من اول نظرة. تنفس بعمق وهو ينتظر اللحظة التي يملكها فيها وتصبح زوجته كما اخبره جده.
*****
توقف رشيد بسيارته امام العقار الذي كانت تسكن به كارمن مع والدتها بالغرفة الصغيرة بالطابق الاخير، جلس بداخل سيارته يراجع قراره، لقد جاء اليها الان لكي يتحدث معها ومع والدتها، يريد كشف الحقيقة كاملة قبل اتخاذه اي قرار.
ترجل من السيارة وارتدى نظارته السوداء وتقدم الي داخل العقار، صعد الي الدور الاخير حتى وصل الي سطح العقار، توقف للحظات ينظر حوله بصدمة! لا يصدق ان حبيبته تعيش هنا! تقدم بخطوات هادئه من الغرفة المتهالكة وتوقف امام الباب وطرق عليه بهدوء، طال انتظاره امام الباب دون رد من احد بالداخل.
كانت هناك غرفة مقابلة للغرفة التي تعيش بها كارمن مع والدتها، خرجت من الغرفة المقابلة سيدة عجوز وتحدثت اليه بصوتها الضعيف:
– مفيش حد عندك يا بني.
التفت ينظر اليها بستغراب وتقدم منها بهدوء قائلا:
– كارمن ومامتها عايشين هنا؟
اجابته السيدة العجوز بتأكيد:
– ايوه يا بني بس انا شوفتهم امبارح وهما واخدين شنطهم وماشين من هنا.
حدق بها بصدمة قائلا:
↚
– حضرتك متأكدة؟!
اجابته بثقة:
– طبعا يا بني متأكدة.. انا شوفتهم بعيني وهما ماشين ومعاهم الشنط بتاعهم.
نظر امامه للحظات بصدمة ثم تحدث اليها برجاء:
– طب حضرتك متعرفيش هما راحوا فين؟ او لو في مكان تعرفيه ممكن يكونوا راحوا ليه؟!
اجابته بأسف:
– معرفش عنهم حاجة يا بني والله.. هما جم من كام شهر وأجروا الاوضه اللي قصادي دي وكانوا عايشين فيها لحد امبارح!
بهتت ملامحه بالحزن وهو يقف بصدمة يفكر بداخله؛ اين ذهبت؟ لماذا كلما أراد كشف الحقيقه تبتعد هي عنه! اين هي الآن؟ وماذا تفعل؟ كثرة الاسئلة برأسه بدون جواب، كلما تقدم خطوة يعود مجددًا الي نقطة البداية.
ذهب من العقار وهو يفكر؛ اين يبحث عنها وكيف يجدها! لا يعلم متى سينتهي هذا العذاب وتتوقف عن ارهاق قلبه.
جلس بداخل سيارته يفكر بحيرة؛ ماذا عليه ان يفعل الان؟ من المؤكد انه سيبحث عنها، لكنه اين سيبحث عنها! ولماذا ذهبت هكذا والي اين ذهبت؟!
اغمض عيناه بأرهاق، لا يعلم لماذا كلما اقترب منها خطوة تبتعد عنه اميال، همس اسمها بين شفتيه:
– ياترى روحتي فين يا كارمن!
*******
بمنزل عائلة الهواري في المساء.
خرجت سهير من الغرفة لكي تذهب إلى القاعة التي يجلس بها الحاج عبد الرازق بعد ان استدعاها عن طريق إحدى العاملات بالمنزل لكي تخبرها انه ينتظرها بمفردها!
تقدمت الي داخل القاعه وكان الحاج عبد الرازق يجلس فوق مقعده بهيبة ووقار.
اقتربت منه بخطوات واثقة وتحدثت اليه بهدوء:
– قالولي ان حضرتك طلبتني؟
بخارج القاعه اقتربت ازهار من باب القاعه لتسترق السمع وتشبع فضولها بعد ان اخبرتها الخادمة ان الحاج عبد الرازق طلب الضيفه الي القاعه بمفردها دون ابنتها، توقفت ازهار جانب باب القاعه تستمع اليهما.
تعمق الحاج عبد الرازق في النظر الي سهير بغموض قبل ان يجيب عليها:
– اقعدي يا ام كارمن عايز اتكلم معاكي.
جلست أمامه وانتظرت حديثه، رمقها بنظرات غامضة واضاف بهدوء:
– عايز اعرف منك سبب زيارتكم؟
بللت سهير لعابها وحاولت اظهار ثقتها واجابته بتوتر مخفي:
– سبب زيارتنا اننا عايزين حقي انا وبنتي في ارض صادق الله يرحمه.
أومأ برأسه وتحدث:
– وصادق الله يرحمه معرفكيش انه اتنازلي عن الارض بتاعه قبل ما يسيب البلد!
اجابته بثقة:
– اللي اعرفه ان مفيش اثبات انه اتنازل.
ابتسم ساخرًا:
– كلمة الراجل اثبات.
تحدثت بوقاحة:
– بس انا مليش علاقه بكلام الرجالة ومش بحبه.. خلينا في حقنا انا وبنتي.
كتم غضبه وتحدث بقوة:
– ملكيش دعوه ببنتك وحقها.. خلينا فيكي انتي الأول.
نظرت اليه بدهشة واستمعت اليه وهو يضيف:
– ايه اللي يكفيكي وتتنازلي عن ورثك في الارض.
لمعت عيناها بالطمع وتحمست كثيرًا واعتدلت في جلستها باستعداد قائلة:
– مرتبتش افكاري انا عايزة كام بالظبط.. بس خليني اعرف الأول الارض عاملة كام وحقي وحق بنتي هيكون كام؟
اجابها بقوة:
– قولتلك ملكيش دعوه بحق بنتك.
نظرت اليه بستغراب قائلة:
– يعني ايه مليش دعوة بحق بنتي؟!
اجابها بغضب:
– بنتك تبقى بنتنا.. وبنات الهوارى مبيطلعوش برا.. انتي اللي غريبة عننا وتاخدي حقك وترجعي مطرح ما جيتي!
شعرت بشئ من حديثه وهذا ما تريده ان يحدث، تريد ان تبقى ابنتها معهم وتصبح واحدة من العائلة لكي تستطيع استغلالها واخذ منهم المزيد دون توقف. تحدثت اليه بنبرة ماكرة لكي تتأكد من حديثه:
– مش فاهمه يعني ايه ارجع من غير بنتي؟!
قبل ان يجيبها استمع الي صوت فراج وهو يعنف زوجته ازهار بعنف عندما امسك بها وهي تسترق السمع اليهما كما اعتادت ان تفعل.
وقفت ازهار امام زوجها فراج ترتجف بخوف بعد ان امسك بها وهي تستمع الي حديث جدها مع الضيفه بالداخل. عنفها فراج بغضب وامرها ان تذهب الي غرفتها وتنتظره بداخل الغرفة حتى يأتي اليها.
ذهبت ازهار الي غرفتها بخطوات مهرولة، وقف فراج يتابع صعودها الدرج بغضب ثم التفت الي القاعة وتقدم الي الداخل.
تحدث اليه جده عقب دخوله القاعه:
– ايه اللي حصل يا فراج؟!
زفر فراج بغضب واجاب باقتضاب:
– مفيش حاجة يا جدي.
لم يضغط عليه الحاج عبد الرازق وصمت قليلاً ثم تحدث الي سهير:
– مقولتيش عايزة كام عشان تتنازلي عن نصيبك في الأرض؟
رمقته بغموض وتحدثت بمكر:
– ونصيب بنتي؟
اجابها الحاج عبد الرازق بحدة:
– قولتلك ملكيش دعوه بنصيب بنتك! وبعدين بنتك هتفضل هنا وسط اهلها ومش هترجع معاكي.
ابتسمت بداخلها بثقة، ثم نظرت الي فراج الذي يقف بصمت يتابع الحديث دون تدخل منه، ثم نظرت الي الحاج عبد الرازق وتحدثت:
– عايزة افهم يعني ايه بنتي مش هترجع معايا.. يعني هتفضل هنا تعمل ايه من غيري؟!
ضرب الحاج عبد الرازق بعصاه فوق الارض بغضب قائلا بقوة:
– هجوزها لـ ابن عمها وهتعيش معانا هنا.. عندك اعتراض على كلامي؟!
حاولت جاهدة إخفاء سعادتها بعد تحقيق ما تمنته منذ رؤيتها لكل هذا الثراء دون ان تفعل شئ، تمنت لو تتزوج ابنتها من وريث العائلة ويصبح كل هذا الثراء ملكـً لها. صمتت قليلاً تفكر بداخلها ثم تحدثت بهدوء:
– لا طبعا مش معترضه علي كلام حضرتك.. في النهايه كارمن بنتكم وحضرتك ادرى بمصلحتها.. بس في حاجة لازم تعرفوها.
نظروا اليها بانتباه، استجمعت قوتها واضافة:
– كارمن كانت متجوزة من اربع سنين واطلقت.
حدق بها الحاج عبد الرازق بصدمة، تجمد فراج مكانه من الصدمة قائلا:
– كانت متجوزة ازاي؟!
ابتسمت ساخرة واجابته:
– كانت متجوزة زي ما انت متجوز! بس الفرق ان جوازها كان عمره قصير واطلقت على طول.
نظر الحاج عبد الرازق الي حفيده وأومأ برأسه بالايجاب وتحدث بقوة:
– جوازها وطلاقها ميعيبهاش.. هي بنتنا واحنا اولا بلحمنا..
تجمد فراج مكانه بصدمة يفكر قليلاً، كان يعتقد انه الرجل الاول بحياتها. رمقه جده بنظرات قوية وتحدث بتأكيد:
– فراج هيتجوز بنت عمه والموضوع ده انا قررته خلاص؟
أومأ فراج برأسه:
– اللي تشوفه يا جدي انا تحت امرك.
ابتسمت سهير بهدوء وتحدثت الي الحاج عبد الرازق:
– وانا موافقه.. بس اخد حقي في الارض.. وطبعا متحرمنيش اجي اشوف بنتي واطمن عليها من وقت للتاني.
اجابها الحاج عبد الرازق بقوة:
– هتاخدي اللي انتي عيزاه.. المحامي جاي في الطريق دلوقتي.. هتاخدي فلوسك وتمضي علي التنازل.
لمعت عيناها بالطمع وتحمست كثيرا لاخذ الاموال والعودة الي حياة الأثرياء التي تركتها منذ اعوام رغمًا عنها على يد طليقها
الاخير.. تابع الحاج عبد الرازق سعادتها بالحصول على المال وعدم اكتراثها لامر ابنتها بدهشة واضاف:
– بعدها تسلمي على بنتك وترجعي مطرح ما جيتي.
نظرت اليه سهير وتحدثت بدهشة:
– يعني مش هحضر فرح بنتي؟!
أجاب عليها الحاج عبد الرازق بهدوء:
– بنتك مش هتعرف دلوقتي انها هتتجوز ابن عمها، ولما نحدد الفرح هنبقى نبعتلك تيجي تحضريه.
↚
– بنتك مش هتعرف دلوقتي انها هتتجوز ابن عمها، ولما نحدد الفرح هنبقى نبعتلك تيجي تحضريه.
*****
جلس مع خالد صديقه يتناولون القهوة ويتحدث رشيد بغضب:
– هتجنن يا خالد.. مش هقدر استحمل انها تختفي تاني وملقهاش قبل ما اعرف منها الحقيقه!
تنهد خالد بحزن على حال صديقه واردف بهدوء:
– حاول تهدى بس يا رشيد واكيد هنلاقيها.
نظر امامه بتفكير وتحدث بحزن:
– انا مش عارف ليه بيحصل معانا كده! ليه حياتي معاها فيها عقد كتير ومسافات دايما بتبعدنا عن بعض! اوقات بفكر واقول يمكن احنا ملناش نصيب نكمل مع بعض وانا اللي لحد دلوقتي متمسك بالوهم وعايش فيه!
تحدث اليه خالد بقوة:
– وهم ايه اللي انت عايش فيه يا رشيد! كارمن مراتك واللي انت عملته ده مش اي راجل يقدر يعمله! انت رفضت تاخد قرار في لحظة غضب او ضعف.. رفضت تحكم عليها بالخيانه وانت مش ماسك في ايدك دليل قوي يثبت خيانتها لك.. انت تعبت واتعالجت بسبب انك رافض تصدق او تستوعب خيانتها.
تحدث رشيد بغضب:
– انا بتعذب يا خالد وانا مش قادر اعرف الحقيقه.. وانا مسافر كنت بحاسب نفسي في اليوم ١٠٠ مرة وأسأل نفسي انا عملت فيها ايه عشان تعمل فيا كده! كنت بحاول اقنع نفسي بخيانتها يمكن اقدر انساها وارتاح.. انا دلوقتي بدور على الحقيقه وانا خايف منها.. خايف تطلع خاينه فعلا وانا ظلمت نفسي معاها! وخايف تطلع بريئه وانا اللي ظلمتها طول السنين دي!
تحدث خالد بحيرة:
– مفيش حل غير اننا نعرف منها ايه اللي حصل بالظبط! هل هي فعلا اللي اتعاونة مع سعد بشار وكانت متعمده الشهادة ضدك؟ .. ولا في حد اجبرها تعمل كده.. ولا في حاجة تالته احنا منعرفهاش؟!
هز رشيد رأسه بتأكيد قائلا:
– المهم الاقيها واعرف هي راحت فين! مش هستحمل تختفي تاني وانا معرفش مكانها.
أومأ خالد برأسه مؤكدًا:
– هنلاقيها يا رشيد متقلقش.. انا هفضل معاك لحد ما نلاقيها.
أومأ رشيد برأسه بهدوء ثم شرد قليلا يفكر بها ويتسأل بداخله؛ اين ذهبت وماذا حدث معها؟!.
*****
بداخل الغرفة التي تجلس بها كارمن تنتظر والدتها.
اكثر من ساعتين منذ ترجلت والدتها الي الاسفل لكي تتحدث مع الحاج عبد الرازق ولم تعود. كانت كارمن تدور بداخل الغرفة ذهابً وايابً تنتظر والدتها بقلق.
بعد دقائق دلفت والدتها الي داخل الغرفة ووجهها يشع بالسعادة والحماس. اقتربت منها كارمن بقلق وتحدثت إليها بفضول:
– اتأخرتي تحت اوي يا ماما! ايه اللي حصل؟!
نظرت اليها والدتها بسعادة واجابة بحماس:
– كل اللي فكرت فيه واتمنيته حصل وهيحصل.
نظرت اليها كارمن بستغراب وتحدثت بفضول:
– قصدك ايه يا ماما؟ يعني هناخد منهم حق الارض ونرجع؟!
ابتسمت والدتها بسعادة واردفت بحماس:
– احنا مش هناخد حق الارض بس..
نظرت حولها بطمع واضافة:
– احنا هناخد كل اللي هما عايشين فيه ده.
حدقت كارمن بوالدتها بستغراب، لم تفهم ما تقصده والدتها. اقتربت منها والدتها وامسكت بذراعيها وتحدثت بتأكيد:
– الفرصة اللي جاتلك دي مستحيل تضيعيها يا كارمن.
شعرت كارمن بالخوف وهتفت بقلق:
– فرصة ايه يا ماما مش فاهمه؟!
نظرت اليها والدتها بتفكير، لم تريد اخبارها بما اتفقت عليه مع الحاج عبد الرازق حتى لا تعترض كارمن على الزواج من فراج وتهدم احلامها الطامعه في الحصول على اموال عائلة الهوارى بعد زواج ابنتها من الوريث الوحيد للعائلة، اتفق معها الحاج عبد الرازق بعد ان اخذت حقها في الارض على عدم اخبار ابنتها بشئ، وتعود من حيث اتت وتترك ابنتها مع عائلتها.
ابتعدت عنها والدتها واتجهت الي حقيبتها لكي تبدل ثيابها وتذهب، نظرت اليها كارمن بدهشة وتحدثت بقلق:
– ماما انا مش فاهمه حاجة.. خلينا نرجع احسن انا مش عايزة منهم حاجة.
التفتت اليها والدتها وتحدثت بارتباك:
– كارمن انتي هنا وسط اهلك.. دول عيلتك ولازم تعيشي معاهم.
حدقت بها كارمن بصدمة:
– قصدك ايه يا ماما مش فاهمه!
اجابتها والدتها بتوتر:
– مش قصدي حاجة.. بس انا مضطره ارجع القاهرة النهارده وانتي مش هينفع ترجعي معايا.
حدقت بها كارمن بصدمة وارتجف جسدها بذهول قائلة:
– يعني ايه يا ماما! يعني ايه مش هينفع ارجع معاكي؟! انتي اللي جبتيني هنا.. ازاي عايزة تمشي وتسبيني مع ناس معرفهمش!
تحدثت اليها والدتها بحدة:
– دول عيلتك يا كارمن.. وبعدين انتي عايزة تسيبي كل ده وترجعي القاهرة تعملي ايه!
تحدثت كارمن بصدمة:
– انا مش عايزة حاجة من هنا يا ماما.. انا عايز ارجع القاهرة وبس.
نظرت اليها والدتها بتفكير ثم تحدثت اليها بمكر:
– اسمعيني كويس يا كارمن.. جدك رفض يدينا حقك في الارض وحط شرط انك تقعدي معاهم هنا فترة عشان يديكي حقك.
صرخت كارمن ولمعت عيناها بالدموع:
– انا مش عايزة حاجة منهم يا ماما.. انا اصلا مكنتش عايزة اجي هنا وحضرتك اللي اصريتي.. دلوقتي عايزة ترجعي وتسبيني مع ناس معرفهمش!
صرخت بها والدتها بقوة:
– الناس دول عيلتك وانتي ليكي حق هنا ولازم تاخدي حقك.
وقفت كارمن تبكي وتهتف باصرار:
– انا مش هفضل هنا.. انا لازم ارجع معاكي.
تبدلت ملامح والدتها الي الجمود وتحدثت بقسوة:
– وانا مش عيزاكي ترجعي معايا.. انا عايزة ارتاح اللي باقي من عمري.. مش هفضل شايله همك طول حياتي.. كفايه عمري اللي ضيعته عليكي! سبيني اشم نفسي شويه وانتي بعيد عني.
كلمات والدتها القاسيه جعلتها في حالة من الصدمة والذهول، توقفت عن الحديث وعيناها لم تتوقف عن ذرف الدموع. لم تهتم والدتها بصدمتها وتابعت تبديل ثيابها واخذت حقيبتها وخرجت من الغرفة دون التحدث اليها. اغمضت كارمن عيناها بحزن، لا تعلم ماذا ستفعل هنا! وكيف تعيش مع هؤلاء! تمنت لو يأتي اليها رشيد ويأخذها من هنا. هتفت اسمه بداخلها وهي تبكي وتدعوا الله ان يخرجها من هنا.
*****
بعد مرور اسبوع..
لم تخرج كارمن من غرفتها بمنزل الهوارى، امتنعت عن تناول الطعام لمدة يومين بعد ذهاب والدتها، حتى فقدت الوعي وجاءت الطبيبه من اجلها، منذ ذالك اليوم وازهار تهتم بها دون ان تعرف بترتيب جدها بزواج كارمن من زوجها فراج. حتى جاء اليوم وطلبها جدها الي القاعة التي يجلس بها هي ووالدتها وداد.
دلفت ازهار الي داخل القاعه ولم تتوقع سبب طلب جدها لها. خطت بقدميها واقتربت من جدها ووالدتها، نظرات عين والدتها الدامعه لم تبشر بالخير، خفق قلبها بقوة بعد استماعها الي صوت جدها القوي:
– تعالي يا ازهار اقعدي هنا، عايز اتكلم معاكي في موضوع مهم.
جلست امامه وهي تنظر الي والدتها بفضول، اعين والدتها اللامعه بالدموع كانت تخبرها بشئ لم تستطيع قوله. صوت جدها اخرجها من شرودها وجعلها تنتبه لحديثه اليها:
– انا كنت بتكلم مع امك دلوقتي يا ازهار في موضوع يخصك انتي وفراج.. انتوا دلوقتي متجوزين بقالكم سنتين، وانا نفسي افرح بحفيد يشيل اسم العيلة واطمن عليكم قبل ما اموت.
توترت ازهار وارتبكت كثيرا، نظرت الي والدتها وتحدثت بتلعثم:
– ربنا يخليك لينا يا جدي.. وانا كمان نفسي ربنا يرزقني بالخلف، بس هنعمل ايه! حكمت ربنا.
تحدث جدها بقوة:
– ونعم بالله يا ازهار.. بس ربنا يا بنتي ادا لجوزك رخصه للظروف اللي زي دي.
عقدت ما بين حاجبيها بصدمة وتحدثت بدهشة:
– رخصة ايه اللي تقصدها يا جدي؟!
خفضت وداد وجهها ارضًا بحزن على ما يحدث مع ابنتها، لا يمكنها التصدي لوالدها ومنعه من ما ينوي فعله، صمتت وقلبها يخفق بحزن وهي تستمع الي حديث والدها مع ابنتها:
– قصدي ان جوزك من حقه يتجوز ويجرب حظه مع واحدة تانيه.
شهقت بصدمة وانتفضت من مكانها، رفعت والدتها وجهها ونظرت اليها بحزن، وقفت ازهار تردد حديث جدها بصدمة:
– يتجوز واحدة تانيه ازاي! ازاي يا جدي عايز فراج يتجوز عليا؟!
اجابها جدها بقوة:
– عشان مصلحة العيلة يا ازهار. العمر بيجري وعيلة الهواري لازم يتمد عودها باحفاد كتير.
بكت ازهار وتحدثت بانهيار:
– بس انا مقصرتش يا جدي! انا عملت كل اللي عليا! روحت لدكاتره وخدت علاج وبعمل كل حاجة يقولوا عليها، قولي اعمل ايه اكتر من كده وانا اعمله؟
اجابها جدها بقوة:
– متعمليش حاجة يا ازهار.. انا عارف ان انتي عملتي اللي عليكي ومفيش فايده، وعشان كده قررت اجوز فراج واحدة تانيه.. وانتي هتفضلي على ذمته وليكي حقوقك كامله.. ولو يوم فراج قصر معاكي انا اللي هقف له.
بكت بحزن ونظرت الي والدتها وهتفت ببكاء:
– قولي حاجة يا امي.. سامعه جدي عايز يعمل فيا ايه؟!
وقفت والدتها واقتربت منها وعانقتها بقوة وهي تبكي هي الاخري وتحدثت الي ابنتها بحزن:
– جدك كبير العيلة يا ازهار وهو ادرى بصلحتنا ومصلحة العيلة.
بكت ازهار بداخل حضن والدتها، ربتت والدتها علي ظهرها وهي تنظر الي والدها الحاج عبد الرازق بحزن، لم تتبدل ملامح الجمود الذي رسمها الحاج عبد الرازق على وجهه، كادت ان تأخذ وداد ابنتها وتخرج من القاعه، لكن ازهار توقفت وهي تبكي ونظرت الي جدها وتحدثت اليه بصوت مبحوح من شدة البكاء:
– ومين العروسة اللي اختارتها عشان تجوزها فراج يا جدي؟!
صمت جدها قليلا وهو ينظر إليها بهدوء ثم اجابها بصوت قوي:
– كارمن الهواري.
ارتجف جسدها بصدمة مع استماعها للاسم، انهارت وجن جنونها وتحدثت بصراخ:
– قولوا كده بقى من الاول! يعني انتوا كنتوا متفقين من الاول وعشان كده جت مع امها وبعدين امها سابتها ورجعت لوحدها! كنتوا متفقين على الجوازة دي من بدري وانا الهبله اللي معرفش حاجة!
نظر اليها جدها بصدمة، لم تعطيه فرصة للرد عليها وابتعدت عن والدتها وركضت الي خارج القاعة وصوتها صدح عاليا بالمنزل:
– انا هعرفها خطافة الرجاله دي اللي جت عشان تخرب عليا حياتي وتسرق مني جوزي.
ركضت والدتها خلفها وهي تنادي اسمها بصراخ لكي توقفها، دلف فراج الي داخل المنزل وهو يستمع الي صراخ عمته بأسم زوجته، صعدت ازهار الدرج بخطوات واسعه وركضت الي غرفة كارمن.
لم تستطيع والدتها الامساك بها، صرخت والدتها بأسم فراج عندما رأته بالمنزل:
– الحق يا فراج ازهار لتعمل حاجة في بنت صادق!
نظر اليها فراج بصدمة ثم صعد الدرج بخطوات مسرعة لكي يلحق بها.
ركلت ازهار باب غرفة كارمن بقدميها وهجمت عليها بعدوانية. لم تفهم كارمن ماذا حدث لكنها حاولت التصدي لهجوم ازهار المفاجئ وهي تسألها بصدمة:
– في ايه يا ازهار؟!
اجابتها ازهار بعنف وهي تحاول اقلاع شعرها بيدها:
– بقى انتي مش عارفه في ايه يا خطافة الرجالة.. بقى من كل الرجالة اللي في مصر دول ومش لاقيه غير جوزي وجايه تخطفيه مني وعايزة تتجوزيه!
صرخت كارمن وهي تحاول تخليص خصلات شعرها من بين يديها:
– جوزك مين اللي اتجوزه انتي اتجننتي!
↚
دلف فراج الي داخل الغرفة وركض اليهما لكي يخلص كارمن من يدي ازهار، كانت كارمن تصرخ بين يديها وازهار تتمسك بخصلات شعر كارمن بقوة، وفراج يحاول فك قبضة ازهار القوية.
دلفت وداد الي داخل الغرفة وحاولت مساعدة فراج في ابعاد ازهار عن كارمن، تخلصت كارمن من يدي ازهار بصعوبه بعد أن انتزعت ازهار بعد خصلات شعر كارمن بيديها. وقفت كارمن تبكي وتتألم بعد اقتلاع بعض الخصلات من شعرها على يد ازهار. اقتربت منها وداد واخذتها بعيدا عن ابنتها، امسك فراج بزوجته وحاول حملها بعيدا عن كارمن حتى استطاع أخذها الي خارج الغرفة.
وقفت كارمن تبكي وجسدها يرتجف بخوف وتردد ببكاء:
– انا معملتلهاش حاجة.. ليه عملت فيا كده!
رمقتها وداد بقسوة واجابة عليها بحدة:
– كل ده ومعملتلهاش حاجة! عايزاها تعرف انك هتتجوزي جوزها وتسكت!
نظرت كارمن الي عمتها بصدمة:
– جوزها مين اللي اتجوزه!
حدقت بها وداد بفضول وبدأت تشعر ان الفتاة لا تعلم شئ! صمتت قليلاً ثم اجابتها بنبرة حادة:
– هو انتي مش جيتي من مصر عشان تتجوزي فراج وتخطفيه من مراته؟!
شهقت كارمن بصدمة وصرخت بصوت مرتفع:
– فراج مين اللي جيت اتجوزة! انا مستحيل اتجوز فراج او اي حد غيره.. انا جيت هنا غصب عني عشان ماما.
رمقتها وداد بغضب وتحدثت بنبرة ساخرة:
– ولما انتي جيتي عشان ماما! ليه مرجعتيش معاها!
انهارت كارمن في البكاء واجابتها بحزن:
– عشان هي مش عايزاني بعد ما خدت حقها وجدي رفض يديها حقي! ماما الفلوس عندها اهم مني ومن حياتي.
نظرت اليها وداد بصدمة، ارادت ان تربت عليها بعطف لكنها تراجعت بعد ان تذكرت انها ابنة صادق الذي تركها في الماضي وتزوج من أمرأة اخري، همست بنبرة ساخرة:
– فين صادق يجي يشوف اللي سبني واتجوزها! يجي يشوف بتعمل ايه في بنته.
نظرت الي كارمن بسخرية وتحدثت بقسوة:
– امك اتفقت مع جدك عبد الرازق علي جوازك وبعتك ليه بالرخيص.. مبروك عليكي جوازك من ابن اخويا.
وقفت كارمن تبكي بانهيار، تفكر بصدمة ماذا عليها ان تفعل الان؟..
نظرت اليها وداد بتفكير لبعض الوقت، ثم التفتت الي باب الغرفة واغلقته عليهما من الداخل حتى لا يستمع احد الي حديثها مع كارمن، اقتربت من كارمن وتحدثت اليها بهدوء:
– يعني انتي حقيقي متعرفيش ان جدك اتفق مع امك على جوازك من فراج وان الجواز هيكون كمان يومين؟!
نظرت اليها كارمن وهي تبكي بانهيار وتحدثت بصوت متقطع من شدة البكاء:
– انا معرفش اي حاجة.. ولو كنت اعرف حاجة زي دي كنت هربت من هنا ومقعدتش هنا لحظة واحدة.. انا مستحيل اتجوز اي حد غير رشيد.
نظرت اليها عمتها بصدمة وهتفت بفضول:
– ومين رشيد ده؟!
اجابتها كارمن وهي تبكي:
– رشيد كان جوزي، بس هو طلقني وانا مستحيل اتجوز غيره.
شهقت عمتها بصدمة قائلة:
– هو انتي كنتي متجوزة كمان!
أومأت برأسها وهي تبكي، ثم رفعت وجهها وتحدثت اليها برجاء:
– ارجوكي ساعديني عشان امشي من هنا.. انا مستحيل اتجوز اي حد.. لو ده حصل انا هموت نفسي ارحم.
نظرت اليها بتفكير ثم تحدثت اليها بصوت منخفض:
– يعني انتي فعلا مش عايزة تتجوزي فراج؟
اجابتها كارمن بصدق واصرار:
– اه والله العظيم انا مش عايزة ومستحيل اتجوزه.
أومأت عمتها برأسها وتحدثت اليها بهدوء:
– انا ممكن اساعدك تهربي من هنا والجوازة دي متحصلش.. بس بشرط.
أومأت كارمن برأسها وتحدثت بلهفة:
– موافقه علي اي شرط.
تحدثت وداد بتأكيد:
– مش لما تعرفي ايه هو الشرط الاول!
اجابتها كارمن بتأكيد:
– انا موافقه اعمل اي حاجة بس امشي من هنا.
ابتسمت وداد بداخلها وتحدثت اليها بمكر:
– حتى لو قولتلك ان الشرط بتاعي عشان اساعدك، انك تتنازلي ليا عن الارض بتاعك وتبقى بأسمي.
تحدثت كارمن بثقة دون تردد:
– انا اصلا مش عايزة ارض وموافقه على الشرط بتاعك ومستعدة امضي على التنازل دلوقتي حالا بس ارجوكي ساعديني.
ابتسمت وداد بثقة، هكذا تشعر ان حقها وكرامتها ردت اليها بعد رفض صادق لها بالماضي، الان ستأخذ ارضه رد حق بعد ما فعله بها. أومأت برأسها بالايجاب وتحدثت بتأكيد:
– يبقى اتفقنا.. بس المهم دلوقتي انك متبينيش لاي حد انك رافضه الجواز من فراج، عشان لو جدك عرف يبقى هيشدد الحراسه على الدوار عشان متعرفيش تخرجي منه.
نظرت اليها كارمن بقلق:
– يعني ايه الكلام ده! يعني هقول اني موافقه؟!
ابتسمت وداد بنبرة ساخرة واجابتها:
– محدش هياخد رأيك عشان تقولي انك موافقه ولا رافضه.. خلاص جدك قرر جوازك من فراج وحدد كتب الكتاب والفرح هيكونوا اخر الاسبوع ده.. يوم الخميس اللي بعد يومين.
شهقت كارمن بصدمة وتحدثت بصراخ:
– انا مستحيل اوافق على المهزله دي! ازاي جدي يقرر ويحدد مصيري من غير ما ياخد رأيي! انا مستحيل هوافق على الجوازة دي.
تحدثت وداد بصوت منخفض:
– اهدي يا بنت صادق واسمعيني.. العناد مش هيفيد مع جدك، هتلاقي نفسك متجوزة فراج ومقفول عليكم باب واحد وغصب عنك مش بمزاجك.
نظرت اليها كارمن بصدمة، اضافة وداد بثقة:
– الحل الوحيد انك تسمعي كلامي.. في اليومين دول لازم تبيني انك راضيه وموافقه.. وليلة الفرح الدار بتبقى زحمه وكل اهل البلد داخلين طالعين وساعتها هقدر اهربك من الدار وانتي وشطارتك بقى تبعدي عن البلد على قد ما تقدري.
استمعت كارمن الي خطتها باهتمام، قلبها كان يخفق بخوف، ليس لديها حل اخر غير ان تثق بعمتها. صوت وداد اخرجها من شرودها وهي تضيف بتأكيد:
– وفي اليومين دول هكون انا روحت للمحامي وخليته يجهز ورق التنازل عن الارض.. عشان تمضي عليه قبل ما اهربك.
أومأت كارمن برأسها بالايجاب وهي تفكر بداخلها؛ اين ستذهب بعد هروبها من هذا المنزل؟!.
*****
مساء اليوم التالي.
بأحدى الحفلات الخاصة والتي تقيمها احدي الجمعيات الخيرية بقيادة عددً من سيدات المجتمع الراقي.
دخلت سهير الحفل بكل ثقة وهي ترتدي ثوب جديد من افخم الماركات، ارادت العودة الي حياتها الطبيعيه بعد حصولها على النقود مقابل حقها في ارض زوجها وترك ابنتها. كانوا جميعا يلتفتون وينظرون اليها بدهشة، بعد غيابها الطويل عن حضور مثل هذه الحفلات وعدم ظهورها بهذا الوسط. كانت تسير بثقة وهي تستمع الي همسات الجميع وهم يتطلعون اليها بدهشة ويتساءلون؛ اين اختفت كل هذه الاعوام!
اقتربت من بعض السيدات وانضمت الي الطاوله التي تجمعهم وتحدثت اليهم بثقة:
– وحشتوني اوي.. مقدرتش اعرف ان في حفلة خيرية زي دي ومحضرهاش.
نظروا اليها جميعا بدهشة وسألتها احدي السيدات:
– انتي كنتي فين يا سهير كل الفترة دي؟!
اجابتها بثقة:
– كنت مسافرة باريس.. متعرفوش الحياة هناك ممتعه قد ايه، لدرجة اني كنت بفكر مرجعش مصر تاني.
ابتسمت احدي السيدات بنبرة ساخرة:
– بس احنا كنا سمعنا ان جوزك الاخير نصب عليكي واخد كل فلوسك وسابك فقيرة ومعندكيش اي فلوس.. ازاي قدرتي تسافري باريس!
كتمت سهير غيظها واجابة عليها ببرود:
– معرفش مين اللي طلع الاشاعة دي! انتوا عارفين ان اللي بيغيروا مني كتير واكيد واحدة فاضيه طلعت الاشاعة دي عشان ترضي غيرتها!
تبادلت النظرات بين السيدات، وقفت سهير ترفع رأسها بتكبر غير مباليه بنظراتهم وهمساتهم التي تلاحقها.
بإحدى الطاولات القريبة من الطاولة التي تجلس عليها سهير سالم. كانت سما صديقة كارمن تجلس بجوار والدتها، شهقت بحماس عندما رآت والدة صديقتها كارمن، وقفت من مكانها وذهبت اليها لكي تسلم عليها وتسألها عن كارمن.
كانت سهير تجلس بغرور وغير مباليه بأحد، تحاول استرجاع كبرياءها وغرورها امام الجميع. اقتربت منها سما وهي تتحدث بسعادة لرؤيتها بالحفل:
– طنط سهير!
نظرت اليها سهير بتكبر وتحدثت ببرود:
– اهلا يا سما.. انتي موجودة هنا!
اجابة سما بحماس:
– اه يا طنط جيت مع ماما.. هي كارمن فين؟ هي مجتش مع حضرتك؟!
استرخت سهير فوق مقعدها واجابة على سؤال سما بصوت مرتفع وفخر لكي ينتبه اليها الجميع:
– كارمن اتجوزت رجل اعمال غني جدا وعايشه معاه في اوروبا.
– كارمن اتجوزت رجل اعمال غني جدا وعايشه معاه في اوروبا.
انتبه الجميع لحديثها، حتى نظرت اليها إحدى الفتيات بالحفل بستغراب بعد ان استمعت الي اسم كارمن، كانت تجلس بجوار والدتها بالطاولة المجاورة لطاولة سهير، نظرت الفتاة الي والدتها وهمست اليها بفضول وهي تشير اتجاه سهير قبل ان تعرف من هي:
– ماما انتي تعرفي الست دي؟!
نظرت والدتها الي سهير بشمئزاز واجابة علي ابنتها بهمس:
– دي سهير سالم.. ست مغروره وشايفه نفسها وتقريبا بتتجوز في السنه اربع او خمس مرات!
شهقت ابنتها بصدمة وتحدثت بزهول:
– يعني دي تبقي مامت كارمن بجد زي ما توقعت!
نظرت اليها والدتها بستغراب:
– وانتي تعرفيها منين يا “نهى” هي او بنتها؟!
اجابة على والدتها:
– كارمن بنتها تبقى مرات رشيد صاحب خالد يا ماما.
↚
– كارمن بنتها تبقى مرات رشيد صاحب خالد يا ماما.
عقدت والدتها ما بين حجابيها بدهشة قائلة:
– رشيد صاحب خالد جوزك؟!
أومأت نهى برأسها بتآكيد:
– اه يا ماما هي.. انا وخالد زورناهم في شقتهم اول لما اتجوزوا.
نظرت والدتها الي سهير بشمئزاز وهمست:
– ازاي اللوا نور الدين الجبالي يسمح ان حفيده يتجوز بنت سهير سالم!
*****
صباح اليوم التالي.
بداخل منزل الهوارى.
بدأ الجميع بداخل المنزل يستعدون لحفل زفاف فراج علي ابنة عمه صادق والذي سيقام بمساء الغد.
التزمت ازهار المكوث بداخل غرفتها ممتنعه عن تناول الطعام وعن المشاركة بأي شئ.
التزمت كارمن هي الأخرى غرفتها بعد ان منع الجد خروجها من المنزل، لا تصدق ان جدها قرر زواجها من حفيده المتزوج دون الاستماع لموافقتها، صدمتها بما فعلته بها والدتها حطمت قلبها، جعلتها تنتظر ما سيحدث بجسد خالي من الروح.
كان فراج يستعد للزواج وكأنه يتزوج للمرة الأولى، كان سعيد بالزواج من الفتاة التي اسرت قلبه من النظرة الأولى بجمالها. كان يحلم بامتلاكها في كل لحظة، وينتظر عقد القران بفارغ الصبر، متجاهلاً تحطم قلب زوجته ازهار وحزنها الشديد بسبب زواجه عليها.
اتفقت وداد مع محامي العائلة ان يعد لها اوراق التنازل في سريه تامه ولا يخبر والدها بشئ، واخذتها منه لكي توقع كارمن علي الاوراق وتساعدها على الهرب من العرس وهكذا تعود لها ارض صادق التي تركها بالماضي وتخلص ابنتها ازهار من زواج فراج عليها.
*****
بشقة الرائد خالد صديق رشيد.
وقف خالد ينتهي من ارتداء ثيابه لكي يذهب الي عمله، استيقظت نهى زوجته وتحدثت اليه بصوت ناعس:
– صباح الخير يا حبيبي.
التفت اليها بابتسامة:
– صباح الفل يا حبيبتي.
جلست فوق الفراش وهي تداعب شعرها بنعاس، ابتسم خالد وتحدث بنبرة مارحة:
– اتبسطي في حفلة امبارح؟
اجابته نهى بملل:
– الحفلة كانت ممله جدا.
ضحك خالد بمرح:
– دا الطبيعي بتاع الحفلات دي.
صمتت نهى قليلاً ثم استرسل لها عقلها ما حدث بالحفل أمس:
– عارف شوفت مين في الحفلة امبارح!
تحدث خالد دون اهتمام:
– مين؟
تحدثت نهى بحماس:
– مامت كارمن مرات رشيد.
التفت اليها خالد بصدمة قائلا:
– مامت كارمن مرات رشيد انتي متأكدة؟!
اجابته بثقة:
– اه طبعا متأكده.. انا مشوفتهاش قبل كده، بس متأكدة انها هي.. مش مامت كارمن اسمها سهير سالم؟
اجابها خالد باهتمام:
– اه هي!.. طب وكارمن.. شوفتي كارمن معاها؟!
تحدثت نهي بدهشة من رد فعل زوجها الغريب:
– لا كارمن مكانتش موجودة! بس سمعت مامتها قالت حاجة غريبة كده في الحفله! مش متأكدة من اللي انا سمعته ده هو صح ولا ايه!
تحدث خالد بنفاذ صبر:
– سمعتي ايه يا نهى، قولي على طول!
تحدثت نهي بتردد:
– متهيألي اني سمعتها بتقول ان كارمن اتجوزت وسافرت مع جوزها!
حدق بها خالد بصدمة وذهول، اضافة نهى بحيرة:
– مش عارفه اللي انا سمعته ده صح ولا انا سمعت غلط..
لم يستوعب خالد ما قالته زوجته، همس بصدمة:
– دا لو طلع صح هتبقى مصيبه!
نظرت اليه نهى بدهشة:
– ممكن اكون سمعت غلط! مش معقول يعني كارمن هتتجوز ازاي يا خالد وهي لسه مرات رشيد؟!
لم يجيب عليها خالد، كان شاردًا بافكار كثيرة، عقله رافض الاستعاب حتى الان؛ ماذا سيحدث لو تزوجت كارمن حقًا من رجل اخر! ماذا سيفعل رشيد؟!
استغربت نهى شروده وصمته وتحدثت اليه بقلق:
– في ايه يا خالد قلقتني! هو رشيد طلق كارمن؟!
اجابها خالد بصدمة:
– لا مطلقهاش.. بس هي فاكرة انه طلقها.
شهقت نهي وكتمت فمها بيديها، نظر اليها خالد وتحدث بصدمة:
– هتبقى كارثة لو كارمن اتجوزت فعلا.
تحدثت نهى بصدمة:
– وهنعمل ايه دلوقتي يا خالد.. انا مش متأكده من اللي انا سمعته ده صح ولا غلط! يمكن اكون سمعتها غلط لاني مكنتش مركزة في كلامها غير لما سمعت اسم كارمن.
وضع خالد يديه فوق رأسه بتفكير عميق ثم اردف بتردد:
– مش قادر افكر.. مش عارف اعمل ايه.. اقول لـ رشيد ولا نستنا لحد ما نتأكد؟!
فكرت نهى معه بحيرة وتحدثت بقلق:
– انا بقول اننا لازم نتأكد الأول.
نظر اليها خالد باهتمام قائلا:
– وهنتأكد ازاي؟!
فكرت قليلاً ثم اجابته:
– نروح لمامت كارمن ونسألها.
تحدث خالد:
– واحنا هنعرف عنوانها ازاي وهي اصلا غيرت عنوانها وانا ورشيد دورنا عليها ومقدرناش نعرف مكانها!
اجابة نهى بثقة:
– موضوع عنوانها ده سهل جدا نوصله.. انا هكلم ماما تسأل صحباتها اللي ليهم علاقة قوية بـ سهير سالم وقريبين منها واكيد هي قالتلهم على عنوانها او حتى رقم تليفونها ونقدر بالطريقه دي نوصلها.
ابتسم خالد وتحدث الي زوجته بنبرة مرحة:
– مطلعتيش قليلة يا نهى!
ضحكت برقه واجابت عليه بثقة:
– مراتك يا سيادة الرائد.
ابتسم خالد وهو يتأملها بحب، اهتز هاتفه واعلن عن اتصال، نظر الي الهاتف بصدمة وتحدث اليها بقلق:
– ده رشيد اللي بيتصل.
نظرت اليه بقلق، حدق بالهاتف وضغط على زر الرد، ليقابله صوت رشيد يتحدث اليه:
– خالد انا لقيت سهير مامت كارمن وعرفت عنوانها.
حدق خالد بزوجته وهو يستمع الي حديث رشيد، ثم تحدث بتوتر:
– لقيتها وعرفت عنوانها ازاي؟!
اجاب رشيد وهو يقود سيارته في طريقه الي منزل سهير الجديد:
– كانت سهرانه في حفلة امبارح وناس اعرفهم شافوها وقدرت اعرف عنوانها الجديد.
تحدث خالد بفضول:
– وكارمن معاها؟!
اجاب رشيد بثقة:
– اكيد يعني يا خالد كارمن معاها في نفس البيت.. عموما انا لسه عارف عنوانها حالا وانا دلوقتي في طريقي لبيتها الجديد.
تحدث خالد بقلق:
– بلاش تروح لوحدك يا رشيد.. ابعتلي العنوان وانا هجيلك على هناك.
رفض رشيد بشدة:
– متقلقش يا خالد انا هتكلم معاهم بهدوء.
اصر خالد بقوة:
– لو سمحت يا رشيد ابعتلي العنوان.
استغرب رشيد من اصراره وتحدث بدهشة:
– تمام يا خالد انا هبعتلك العنوان دلوقتي.
اغلق خالد الهاتف وتحدث الي زوجته سريعا:
– انا لازم انزل بسرعه اروح لـ رشيد على بيت مامت كارمن.. ربنا يستر واللي انتي سمعتيه ده ميكونش حقيقي.
أومأت زوجته بالايجاب وتحدثت بقلق:
– ان شاء الله يا حبيبي ميطلعش حقيقي.. متنساش تطمني.
أومأ برأسه وهو يخرج من المنزل مسرعًا.
****
بمنزل الهوارى.
كارمن بداخل غرفتها تبكي بخوف، كلما نظرت الي الخارج عبر النافذه، شهقت بصدمة وهي ترى الكثير من الرجال يقومون بحراسة المنزل.
طرقت وداد على باب الغرفة ودلفت وهي تحمل بيديها ثوب الزفاف. شهقت كارمن بصدمة عندما رآت ثوب الزفاف بيد عمتها. اغلقت وداد باب الغرفة وتقدمت من كارمن وهي تبتسم وتحدثت اليها بهدوء:
– فستانك اللي هتلبسيه في فرحك بكره يا عروسة؟
حدقت بها كارمن بصدمة قائلة:
– فرحي ايه؟! مش حضرتك اتفقتي معايا تهربيني من هنا؟
ابتسمت وداد بثقة واجابة عليها:
– انا قولت يمكن غيرتي رأيك ولا حاجة؟
تحدثت كارمن بقلق:
↚
– لا طبعا انا مغيرتش رآيي! انا مستغربه انهم فعلا بيجهزوا لفرح من غير ما ياخدوا رأيي.. ومستنياكي من الصبح ومش قادرة اخرج من هنا.
شردت وداد في الماضي وتذكرت عندما زوجها والدها من رجل يكبرها بسنوات كثيرة بنفس الطريقه دون ان يأخذ رآيها. كانت تقف بداخل غرفتها لا تصدق ان هذا الاحتفال من اجلها، همست بحزن وهي تجيب عليها:
– من كام سنه عملوا معايا نفس اللي عايزين يعملوه معاكي.. جوزوني لراجل كبير من غير ما ياخدوا رآيي.. وابوكي كان السبب في كل ده.
شهقت كارمن بصدمة:
– بابا!!
اجابتها وداد وهي تتذكر الماضي بقلب تحطم منذ سنوات علي يد من احبه:
– ابوكي رفض يتجوزني وساب البلد كلها يوم فرحنا.. كانت فضيحه كبيرة لما عريس يسيب عروسته يوم فرحها..
حدقت بها كارمن بصدمة، تابعت وداد حديثها بحزن:
– يومها اتنازل عن ارضه لابويا ومحدش فيهم اهتم بالصدمة اللي كنت فيها، ابويا جوزني لراجل اكبر مني بـ ٣٠ سنه.. ومات بعد ما خلفت ازهار بنتي بسنه واحدة وبقيت ارملة وانا لسه بنت ٢٠ سنه.
ادمعت اعين كارمن وهي تستمع الي قصتها الحزينه، نظرت اليها وداد بقوة واضافة باصرار:
– الارض اللي انتي وامك جيتوا تاخدوها دي! هي الارض اللي اتنازل عنها ابوكي عشان ميتجوزنيش.. انا دفعت تمن الارض دي من عمري وحياتي.. الارض دي مش من حق اي حد غيري.
بكت كارمن من اجلها وتحدثت بصوت مبحوح من شدة البكاء:
– انا مش عايزة ارض صدقيني ومستعدة اتنازلك عن اي حق ليا فيها دلوقتي حالا.. بس ارجوكي..
انهارت كارمن وهي تضيف:
– ارجوكي ساعديني.. انا مش عايزة اعيش اللي انتي عيشتيه.
نظرت اليها وداد بقسوة وهتفت بقوة:
– صدقيني يا بنت صادق لو بإيدي كنت دوقتك المر اللي ابوكي دوقهولي وعيشتك نفس اللي عيشته واكتر.. بس حظك ان ابويا ملقاش حد يجوزك ليه غير فراج جوز بنتي! يعني لو الجوازة دي تمت.. هكسر قلب بنتي قبل ما اكسرك.
شحب وجه كارمن بخوف وارتجف جسدها وهتفت بتلعثم:
– يعني حضرتك هتساعديني اهرب من هنا؟!
نظرت اليها وداد بتفكير ثم اخرجت اوارق التنازل من ثيابها واشارة لها قائلة:
– خدي امضي على التنازل.
اخذت كارمن الاوراق بيد ترتجف ووقعت عليهم بسرعه ودموعها تتساقط فوق الورق من الخوف ان لا تساعدها عمتها. اعطتها الورق بيد ترتجف وتحدثت بخوف:
– ارجوكي ساعديني.
القت وداد ثوب الزفاف فوق الفراش واشارة برأسها اتجاه ثوب الزفاف:
– هتلاقي في قلب الفستان ده عباية سوده.. تلبسيها وتحطي الطرحه السوده على شعرك وعلى وشك ومتخليش حاجة تبان منك..
اخذت كارمن ثوب الزفاف وبحثت بداخله واخذت الثياب الاسود منه وامسكت بيدها وهي ترتجف من شدة التوتر وتحدثت بخوف:
– البسهم دلوقتي؟
تحدثت وداد بقوة:
– مش دلوقتي.. لما الليل ينزل ستايره.. هنحاول نشغل فراج وابويا والرجاله اللي بيحرسوا الدوار واهربك.
تحدثت كارمن بخوف:
– ولما اخرج من هنا هروح فين؟!
هتفت وداد بغضب:
– تطلعي علي الطريق يا بنت صادق وتهربي في اي عربية زي ما عمل ابوكي زمان.
خفضت كارمن وجهها بخوف وتحدثت بصوت منخفض:
– يعني مش ممكن حد يشوفني؟
رمقتها وداد بغضب واجابة بنبرة حادة:
– الليل ستار ومحدش هيشوفك ولو طلعتي من نحيت الاراضي الزراعية ومنها على الطريق على طول مفيش حد هيحس بيكي.. ومش عايزة اشوف وشك او وش امك بعد ما تغوري من هنا.
بكت كارمن وهي تخفض وجهها، تشعر انها لم تستطيع مواجهة كل ما تمر به بمفردها، تنادي رشيد من قلبها ان يأتي اليها ويأخذها ويخلصها من كل هذا الخوف الذي تشعر به. بكت وهي تتساءل بداخلها؛ كيف ستذهب في الليل وهي تخشى الظلام! اين ستذهب ولمن ستذهب! من المؤكد انها لن تذهب الي والدتها مرة أخرى ولا يمكنها الذهاب الي رشيد بعد ما فعلته به! اغمضت عيناها وهي تبكي وتشعر بالضيق، قلبها كان يبكي وجسدها يرتجف خوفًا من القادم، همست تنادي الله بقلبها: يارب ساعدني.
*****
توقف رشيد بسيارته امام واحد من الابراج الهائلة الذي يضم عددً كبير من اصحاب الطبقة المخملية، بداخل حي سكني للأثرياء.
لحق به خالد وتوقف بسيارته بجوار سيارة رشيد، خرج رشيد من سيارته وخرج خالد هو الاخر واقترب من رشيد وتحدث اليه:
– هو ده العنوان انت متأكد؟
اجابه رشيد بثقة وهو ينظر الي البرج السكني:
– هو.
نظر اليه خالد بقلق:
– رشيد اهم حاجة قبل ما ندخل انك تحاول تمسك اعصابك على قد ما تقدر.
نظر اليه رشيد بدهشة قائلا:
– انا مش عايز اعرف منها غير الحقيقه بس يا خالد!
أومأ خالد برأسه بالايجاب وتقدم معه الي داخل البرج السكني وهو يدعوا من قلبه ان يجدوا كارمن بالأعلى وما استمعت اليه نهى يكون خاطئ.
توقف المصعد بالطابق الحادي عشر. خرج منه رشيد وخالد واقترب رشيد من شقتها وهو يشعر بالتوتر الشديد. توقفا امام باب الشقة واخذ رشيد نفسً عميق قبل ان يضغط علي زر الجرس.
انتظر هو وخالد امام الباب بضع دقائق حتى فتحت لهما الخادمة. نظر اليها رشيد بدهشة وتحدث بهدوء:
– مدام كارمن موجودة؟
نظرت اليه الخادمة بستغراب قائلة:
– لا يا فندم مفيش حد هنا بالاسم ده!
نظر اليها رشيد بصدمة ثم نظر الي خالد، توتر خالد وتحدث الي الخادمة:
– ده بيت مدام سهير سالم؟
اجابته الخادمة بالايجاب:
– اه يا فندم هو.
حدق بها رشيد بصدمة قائلا:
– هي فين مدام سهير؟!
اجابة بهدوء:
– هي لسه نايمه.. اقولها مين حضرتك؟!
تحدث رشيد بعصبيه:
– قوليلها رشيد جوز بنتك.
نظرت اليه الخادمة بستغراب ورحبت به باحترام. توتر خالد وهو يشعر ان ما استمعت اليه زوجته ربما يكون صحيح! امسك بيد رشيد وهمس اليه بهدوء:
– حاول تهدا شويه يا رشيد.
رحبت بهما الخادمة وسمحت لهما بالدخول حتى تخبر سهير.
دخل رشيد وهو ينظر الي المنزل وتحدث الي خالد بستغراب:
– جابت فلوس لكل ده منين وهما المفروض خسروا كل فلوسهم من زمان!
توتر خالد وتحدث اليه بقلق:
– هنعرف كل حاجة دلوقتي.
تحدث رشيد بستغراب:
– انا مستغرب ازاي اللي بتشتغل عندهم متعرفش كارمن! معقول كارمن تكون مش عايشه مع مامتها هنا؟!
نظر اليه خالد بتوتر وهمس بداخله:
– ربنا يستر!
طال انتظارهما لها اكثر من نصف ساعه، بدأ رشيد يفقد السيطرة على اعصابه وتحدث الي خالد بعصبيه:
– معقول اللي هما بيعملوه ده!
حاول خالد تهدأته حتى اتت سهير وهي تسير بتكبر ونظرت الي رشيد ببرود:
– مفيش مرة تستأذن قبل ما تزورني في بيتي!
وقف رشيد وتحدث بغضب:
– انا مش جاي ازورك! انا جاي اقابل كارمن.
جلست بتكبر واسترخاء. اتت اليها الخادمة وهي تحمل فنجان واحد من القهوة وقدمته لها باحترام، اخذت سهير فنجان القهوة وتناولت اول رشفه بتلذذ ثم تحدثت ببرود:
– وكارمن مش موجودة هنا.
نجحت في استفزازه كما تفعل كلما التقت به، استغرب خالد من قدرتها الكبيرة على الاستفزاز وحاول تهدأت صديقه، هتف رشيد بصوت غاضب:
– وهي فين دلوقتي؟!
ارتشفت من القهوة مرة أخرى ببرود واجابته وهي تنظر الي فنجان القهوة:
– في بيت جوزها.
انتفض من مكانه بصدمة وصدح صوته عاليا:
– في بيت ميــــن؟!
وقف خالد بجواره وحاول تهدأته لكنه فشل عندما اقترب رشيد من سهير واخذ فنجان القهوة من يديها والقاه ارضً حتى صدح صوت تحطم الفنجان بقوة، تحدث اليها رشيد بصراخ:
انتفضت سهير من مكانها وتحدثت اليه بغضب:
– انت اللي اتجننت! انت بتتهجم عليا في بيتي دا انا هوديك في داهية!
ارتفع صوته اكثر بجنون:
– دا انا اللي هوديكي في داهية انتي وبنتك واللي اتجوزته.. ازاي تتجوز وهي مراتي ولسه على ذمتي!
حاول خالد الوقوف بينه وبين سهير حتى لا يفقد رشيد اعصابه اكثر ويفعل بها شئ يندم عليه. حدقت به سهير بصدمة وتحدثت بذهول:
– مراتك ازاي مش انت طلقتها؟!
اجابها بصراخ:
– انا مطلقتهاش.. انتوا شوفتوا ورقة طلاق عشان تقولوا طلقتها! ازاي اصلا تتجوز وهي معهاش ورقة طلاق؟!
وقفت سهير تهمس الي نفسها بصدمة:
– ازاي مطلقتهاش!
ثم ارتفع صوتها وتحدثت اليه بذهول:
– ازاي مطلقتهاش وجدك جالنا وقالنا انك طلقتها؟!
↚
– ازاي مطلقتهاش وجدك جالنا وقالنا انك طلقتها؟!
توقف قليلاً يحاول استيعاب ما قالته الان، ردد حديثها بصدمة:
– جدي!!
اجابت بثقة:
– اه جدك جه وقالنا انك طلقت كارمن وانت في السجن وهو اللي طلب مننا نسيب البيت قبل ما انت تخرج وقال لكارمن انك مصمم تقتلها بعد اللي هي عملته.
وقف يستمع الي حديثها بصدمة، لم تقل صدمة خالد عن صدمة رشيد! وقف الاثنان يتبادلون النظر بذهول لما يستمعون اليه. صدمة رشيد الكبيرة كانت بزواج كارمن من غيره، شعر بألم بقلبه لم يشعر به من قبل، شحب وجهه مثل الموتى عندما استرسل له عقله حقيقة ان رجل غيره تزوج من زوجته!
شعر خالد بالقلق عليه وتحدث اليه بقلق:
– رشيد انت كويس؟!
لم يستطيع الرد عليه من قسوة اللحظة التي يعيشها الان، كل شئ يهون ويمكنه تحمله الا ان تكون كارمن لغيره. تفهم خالد ما يمر به صديقه وتحدث الي سهير:
– لازم نعرف ازاي كارمن اتجوزت من غير ورقة اثبات طلاقها ومين اللي اتجوزته وهما فين دلوقتي؟
اجابته سهير بتوتر وخوف من ان يكتشف الحاج عبد الرازق انها كذبت عليه عندما اخبرته ان ابنتها مطلقه:
– هما تقريبا لسه مكتبوش الكتاب.. احنا اتفقنا على الجواز بس.
عادة الروح لـ رشيد مرة اخري عقب استماعه لجملتها المتردده، حدق بها بصدمة وتحدث بلهفة:
– انا مش فاهم حاجة! يعني كارمن اتجوزت ولا لأ؟!
توترت سهير واجابت عليه بارتباك:
– مش عارفه.. جدها اتفق معايا على جوازها من فراج ابن عمها وانا رجعت القاهرة وسبتها هناك، وكانوا قالولي انهم هيبلغوني بميعاد الفرح عشان احضر معاها.. بس لحد النهارده مكلمونيش ولا اعرف حاجة عنهم.
تابع حديثها بصدمة وهتف بصراخ:
– جدها مين وفراج ابن عمها مين! انتي بتقولي ايه؟! انتي ازاي اصلا تسيبي بنتك لوحدها وسط ناس متعرفهمش.. كارمن فين.. مراتي فين انطقي؟!
حاول خالد تهدأته وتحدث الي سهير بغضب:
– يعني انتي متعرفيش كارمن اتجوزت ولا لأ؟!
اجابت سهير بتوتر:
– قولتلكم معرفش.
تحدث اليها رشيد بغضب وانفعال:
– انتي لو مقولتيش مراتي فين دلوقتي حالا، انا هسجنك انتي وبنتك؟
نظرت اليه بحيرة وتردد، صدح صوت خالد هو الاخر بغضب:
– قوليله مراته فين بدل ما يبلغ عنك انتي وبنتك وهتروحوا في ستين داهية.
تحدثت بارتباك:
– كارمن دلوقتي في بيت عم ابوها في قنا. اسمه الحاج عبد الرازق الهواري.
نظر اليها رشيد بغضب وتحدث معها باندفاع:
– لو بنتك اتجوزت اللي انتي قولتي عليه ده او لمس بس شعرها منها.. انا هقتلك انتي وهي صدقيني.
جف حلق سهير من الخوف، قسوة عيناه والشر الذي رآته بوجهه اخافها. تراجعت الي الخلف مبتعدة عنه بحذر.
اسرع رشيد في الخروج من منزلها بعد ان اخذ منها عنوان عم كارمن بالتفصيل. لحق به خالد وتحدث اليه بقلق:
– هتعمل ايه دلوقتي يا رشيد؟
اجاب رشيد باصرار وهو يركض الي سيارته:
– لازم اروح قنا حالا.
لحق به خالد وهو يلتقط انفاسه بصعوبة قائلا:
– انا هاجي معاك يا رشيد.. مش هينفع اسيبك تروح لوحدك وانت في الحالة دي.
توقف رشيد امام سيارته يلتقط انفاسه بتعب. ثم رفع وجهه ينظر الي السماء، اصبح الطقس ملبد بالغيوم ويبشر بتساقط الكثير من الامطار الرعدية هذه الليلة. نظر الي خالد وتحدث اليه بصدمة:
– كارمن ممكن تكون اتجوزت غيري فعلا؟!
لمح خالد لمعة عيناه بالحزن، يعلم كم يحب كارمن ويعشقها، ما فعله من اجلها لم يفعله احد من اجل حبيبته من قبل. حاول تهدأته واجاب عليه بتأكيد:
– اكيد لا يا رشيد.. مستحيل في مأذون يكتب الكتاب من غير قسيمة الطلاق عشان يتأكد انها مطلقه وخلصت العده.
أومأ رشيد برأسه وهو يطمئن نفسه بهذا الحديث وصعد مسرعا بداخل سيارته، وقف خالد ينظر إلى السماء ويتوقع تساقط الكثير من الامطار عليهما وهما في الطريق الي قنا، لم يكن الذهاب الي هناك بالسيارة في هذا الطقس السئ في صالحهما، لكنه لن ولم يترك صديقه بمفرده، صعد معه بداخل السيارة وتحدث اليه:
– مش هينفع نروح بالعربيه.. خلينا نروح محطة القطر.
*****
في المساء.
حالة من الطقس الملبد بالغيوم ورياح قوية تسود محافظة قنا. تساقط الامطار الرعدية بغزارة.
الساعة العاشرة مساءًا.
وقفت كارمن بجوار النافذه تشاهد تساقط الامطار الغزيرة، وجسدها يرتجف من شدة برودة الطقس وهي ترتدي الثوب الاسود الذي اعطته لها وداد ونجح الثياب في اخفاءها بالكامل اسفله. خفق قلبها بهلع عندما فتح الباب ودلفت عمتها وداد. وقفت تلتقط أنفاسها اسفل الوشاح الذي يخفيها بالكامل. اقتربت منها وداد وهي تنظر إليها بتقيم:
– حظك حلو.. الشتا غرق البلد والطريق هيبقى فاضي، وكده محدش هياخد باله منك وانتي خارجه من البلد.
أومأت كارمن برأسها بالايجاب وتحدثت بخوف:
– بس انا مش عارفة الطريق وخايفه معرفش اهرب.
رمقتها وداد بقسوة وأخذتها بجوار النافذه واشارة بيديها وهي تصف لها الطريق:
– انتي هتمشي وسط الاراضي اللي ورا الدار من هنا، والاراضي دي هتوصلك للطريق ومنه وقفي اي عربية وتركبيها وانتي ونصيبك.
ارتجف جسد كارمن من الخوف:
– همشي وسط الأرض والمطر في الضلمه دي لوحدي؟!
ابتسمت وداد ساخرة:
– لا.. انا بقول فراج يجي يوصلك عشان متخافيش!
نظرت اليها كارمن بحزن وقلة حيلة وأومأت برأسها بالايجاب، وضعت وداد الوشاح على وجهها وتأكدت انه يخفيها بالكامل ثم تحدثت اليها:
– لازم تهربي النهارده قبل كتب الكتاب بكره.
نظرت اليها كارمن بخوف وهي تفكر فيما ستواجهه من صعوبات بعد هروبها الان في هذا الطقس وهذا الظلام الذي تخافه كثيرًا. عليها مواجهة جميع الصعوبات في مقابل ان لا تتزوج من احد رغمًا عنها، هي خلقت فقط لـ رشيد ولا يمكن ان تكون لرجل غيره. اغمضت عيناها وهمست بداخلها تنادي الله من قلبها ان يكون معها ويخرجها من هذا الضيق الذي تشعر به.
فتحت عيناها ونظرت الي عمتها وداد وتحدثت بهدوء:
– انا جاهزة..بس هخرج من هنا ازاي؟!
نظرت اليها وداد بعمق واجابة عليها بثقة:
– استني هنا شويه ومتتحركيش من مكانك قبل ما اجي اخرجك من هنا بنفسي.
نظرت اليها كارمن بدهشة وأومأت برأسها بالايجاب. خرجت وداد من الغرفة واتجهت الي غرفة ابنتها ازهار. وقفت كارمن وجسدها يرتجف بخوف كلما نظرت عبر النافذة الي الظلام وتساقط الامطار الغزيرة بالخارج.
شهقت وداد بصدمة عندما دلفت الي غرفة ابنتها ورأتها تبكي بانهيار، ركضت الي ابنتها وتحدثت إليها بفزع:
– خبر ايه يا ازهار! عاملة في نفسك كده ليه يا بنتي؟!
نظرت اليها ازهار بعيونها الدامعه واجابتها ببكاء:
– جاي تسأليني خبر ايه وجوزي هيتجوز عليا!
تنهدت وداد براحة وتحدثت بهدوء:
– مش هيحصل يا بنت بطني متخافيش.
حدقت ازهار بوالدتها وتحدثت ببكاء:
– هو ايه اللي مش هيحصل! الفرح بكره خلاص!
ابتسمت والدتها وتحدثت بثقة:
– متخافيش يا قلب امك.. انا عمري ما احرق قلبك ابدا.
حدقت ازهار بوالدتها بدهشة، اضافة والدتها بثقة:
– صحيح الفرح بكره، بس مفيش فرح من غير عروسة!
هتفت ازهار بصدمة:
– يعني ايه يا امي من غير عروسه؟!
ابتسمت والدتها وجففت دموعها بحنان:
– العروسة هتهرب النهارده.
شهقت ازهار بصدمة:
↚
– انتي بتقولي ايه يا أمي؟! هتهرب ازاي وامتى؟
تحدثت وداد وهي تأخذ يد ابنتها:
– متقلقيش يا ازهار انا رتبت كل حاجة.. والدور عليكي دلوقتي.
نظرت ازهار الي والدتها باهتمام وتحدثت بقلق:
– دور ايه اللي عليا يا أمي مش فاهمة؟!
وداد: تعملي نفسك تعبانه ومش قادرة من الوجع لحد ما فراج وجدك ياخدوكي المستشفى.
توترت ازهار وتحدثت بقلق:
– اعمل تعبانه ازاي بس يا أمي.. ما هما ممكن يجيبوا الدكتوره هنا ويعرفوا اني مش تعبانه ولا حاجة!
تحدثت وداد بثقة:
– دكتورة مين اللي هتخرج من بيتها في الشتا ده.. وبعدين انا هقولهم انك شربتي حاجة عشان تموتي نفسك.
شهقت ازهار وهي تنظر الي والدتها. رتبت والدتها على ظهرها وتحدثت بثقة:
– اعملي اللي بقولك عليه يا ازهار عشان اعرف اهرب بنت صادق.. لو النهار طلع والبت دي لسه هنا مش هنعرف نعمل حاجة وفراج هيتجوزها عليكي.
نظرت ازهار الي والدتها وهي تفكر بحيرة، عليها فعل اي شئ لكي تمنع هذا الزواج، أومأت برأسها وتحدثت بقلق:
– قوليلي اعمل ايه يا امي وانا هعمله.
أومأت والدتها بثقة واخبرتها ماذا تفعل.
بعد دقائق قليلة..
صرخة مدوية اهتز لها جدران المنزل وتسقط ازهار ارضً تتدعي الشعور بالالم ووداد والدتها تقف مندهشة من اتقان ابنتها التمثيل! جاء الدور علي وداد وركضت الي خارج الغرفة وهي تصرخ بصوت مرتفع حتى جاء اليها فراج يركض بفزع والحاج عبد الرازق خلفه وخفر المنزل تجمعوا بالداخل بقلق ينتظرون امر الحاج عبد الرازق.
صرخت وداد بطريقة دراميه متقنه وهي تتحدث الي ابن اخيها ووالدها:
– ازهار شربت سم وعايزة تموت نفسها بسببك يا فراج.. عشان ابويا يرتاح ويجوزك.. بنتي هتموت.. اه يا حرقت قلبي يا بنتي.
حدق فراج بعمته بصدمة ثم ركض الي غرفة زوجته، كانت ازهار تقع ارضً وتدعي الشعور بالالم بشدة وتصرخ عاليا. اقترب منها فراج بلهفة وحاول مساعدتها علي الوقوف لكنها كانت تصرخ بشدة ولا تعطيه فرصة لمساعدتها. دلف الحاج عبد الرازق الي غرفة ازهار وهو يتابع ما يحدث معها بحزن وقلق. لهفة فراج على ازهار وخوفه الواضح جعلها تبكي بانهيار وهو يحاول مساعدتها، استطاعت ببراعه اتقان التمثيل بدون ان تشعر وهمست اليه بصوت متقطع وهي تبكي وتصرخ بألم:
– انا بموت نفسي اهو عشان ترتاح يا فراج.. شربت سم عشان تتجوز برحتك وتفرح مع عروستك الجديدة.
حدق بها فراج بصدمة وهي بين يديه تتألم وتبكي، صدح صوت الحاج عبد الرزاق عاليًا:
– أحملها بسرعة يا فراج خلينا نوديها المستشفى العام يلحقوها.
نظر فراج إلى جده بصدمه وتوقف عقله عن الاستعاب وهو يرى ازهار تموت بين يديه. وقفت وداد امام باب الغرفة تصرخ بصوت مرتفع حتى تزيد من توترهم. صدح صوت الحاج عبد الرازق مرة أخرى :
– احمل مراتك بسرعة يا فراج خلينا ناخدها على المستشفى ونلحقها.
وقف فراج وحمل ازهار وهي تبكي بين يديه وتصرخ بألم، خرج بها من الغرفة بخطوات واسعه تشبه الركض، كانت تهمس له ببكاء تطالبه ان يتركها للموت، همساتها كانت تقطع نياط قلبه. لحق به جده كي يذهب معه الي المشفى، ركضت وداد خلفهما وهي تصرخ عاليًا ولم تتوقف عن الصراخ الذي يزيد من توترهم وقلقهم، اوقفها الحاج عبد الرازق قبل ان تخطو بقدميها خارج المنزل وتحدث اليها بصرامة:
– انتي مش هتيجي معانا يا وداد.. هتفضحينا في المستشفى بصراخك ده!
توقفت تنظر الي والدها وارتفع صراخها اكثر:
– وبنتي يا ابويا.. بنتي هتموت.
هتف بنبرة حادة قبل ان يتركها ويلحق بحفيدة الي السيارة:
– بنتك هنلحقها ومش هيحصلها حاجة.
تركها وتقدم من السياره اسفل الامطار الغزيرة التي تتساقط دون توقف، وضع فراج زوجته بالسيارة وصعد جده معهم وانطلق بالسيارة بأقصى سرعة، لحقت بهم سيارة أخرى بها عدد من خفر الحاج عبد الرازق من يعملون على حراسة الدوار.
وقفت وداد تهتف بصراخ ان يطمئنوها علي ابنتها. انتظرت قليلا حتى ابتعدت السيارت ثم عادت الي داخل الدوار وصعدت الي الاعلي بخطوات مسرعة.
كانت كارمن تقف امام النافذة بخوف بعد استماعها الي صراخ وداد وابنتها ولم تتمكن من الخروج من الغرفة كما أكدت عليها وداد.
فتحت وداد باب الغرفة وهي تلتقط انفاسها بصعوبه وتحدثت الي كارمن بصوت متقطع:
– همي معايا بسرعه خليني اهربك عشان تلحقي تبعدي عن البلد قبل ما يرجعوا.
اقتربت منها كارمن وهمست بخوف:
– هو ايه اللي حصل؟ انا سمعت صوت صريخ كتير بس خوفت اخرج من هنا؟!
هتفت بها وداد بصرامة:
– مش وقته يا بنت صادق! همي معايا بسرعة عشان اطلعك من باب الدوار اللي ورا.. مفيش خفر عليه.. كلهم راحوا ورا ابويا.
ارتجفت كارمن من الخوف وهي تنظر اليها بتردد، تخشى الظلام كثيرا مع هذا الطقس السئ، صوت الامطار الرعدية يسبب لها الهلع.
رمقتها وداد بغضبه وصدح صوتها المرتفع:
– همي يا بنت صادق خلصيني.
أومأت برأسها بالايجاب وذهبت معها وجسدها يرتجف من شدة الخوف والتوتر.
اخذتها وداد الي الباب الخلفي للدوار وقامت بفتحه لتقابلها الرياح القوية بالخارج وظلام دامس ليس له نهاية. شهقت كارمن بخوف وخفق قلبها بقوة:
– انا هخرج هنا ازاي.. انا خايفه اوي.
هتفت وداد بجمود وهي تشير للارض المقابله للباب الخلفي:
– هتمشي من الارض اللي قدامنا دي على طول.. في نهاية الارض هتلاقي الطريق العمومي ومنه هتلاقي اي عربية اركبي فيها تاخدك علي اي بلد بعيد عن هنا.
نظرت كارمن الي الظلام الدامس بخوف وهلع، لا تستطيع رؤية شئ في هذا الظلام. دفعتها وداد بقسوة الي خارج الدوار لكي تتحرك وتركض سريعًا قبل ان يعود فراج مع جده وازهار. شهقت كارمن اسفل المطر المتساقط فوقها بغزارة، تحدثت إليها وداد بغضب:
– اجري يا بنت صادق واهربي قبل ما يرجعوا.
وقفت تبكي بخوف، صرخت بها وداد بقسوة، ارتجف جسد كارمن وتحركت بخطوات مرتبكة والامطار تتساقط فوقها والظلام يحاط بها لا ترى شئ، حذرتها وداد بصوت حاد:
– لو رجعوا قبل ما تبعدي عن البلد، فراج هيلحقك وهيتجوزك غصب عنك ومش هتعرفي تهربي منه تاني.
اغمضت عيناها بخوف، عليها محاربة خوفها والهرب مسرعة من هذا الزواج. رأت رشيد بخيالها وهو يقترب منها ويأخذ يديها لكي تركض وتبتعد عن هنا. فتحت عيناها وركضت مسرعة وسط الاراضي الزراعيه اسفل الامطار التي تزداد في التساقط.
تنفست وداد براحة عندما ابتعدت كارمن وسط الظلام، اغلقت الباب وعادت الي الداخل وهي تهمس بقلق:
– ربنا يستر وتعرفي تهربي بعيد عن البلد يا بنت صادق قبل ما فراج يرجع ويعرف انك هربتي.
*****
الساعة الحادية عشر مساءًا.
وصل رشيد محافظة قنا مع صديقه خالد.
توقف القطار بداخل المحطة. ركض رشيد من القطار يبحث عن احد يسأله عن القرية التي يريد الذهاب اليها. لحق به خالد اسفل المطر وتحدث اليه بصوت متقطع من شدة برودة الطقس:
– اهدي يا رشيد وخلينا نقعد في اي مكان لحد ما المطر ده يقف شويه.
نظر رشيد الي السماء وتحدث باصرار:
– المطر مش هيقف يا خالد..
ثم اضاف وهو يركض ليبحث عن وسيلة موصلات الي القرية التي توجد بها كارمن:
– قلبي هو اللي هيقف لو معرفتش ايه اللي حصل مع مراتي.
ركض خالد خلفه والامطار تتساقط فوقهما. توقف رشيد امام سيارة اجرة وتحدث الي السائق برجاء:
– لو سمحت انا عايز اروح العنوان ده حالا.
اعطاه عنوان القرية، نظر السائق الي العنوان وتحدث بقلق:
– بس مش هينفع نروح البلد دي في الجو ده يا استاذ! الاحسن لو تخليكم للصبح عشان مفيش حد هيرضى يوصلكم في الشتا ده!
زفر رشيد بغضب وتحدث باصرار:
– انا هديك اي مبلغ تطلبه بس لازم اروح البلد دي حالا.
حاول خالد تهدأته قليلاً، صرخ به رشيد وتحدث الي السائق بقوة وهو يعطيه الكثير من النقود:
– خد الفلوس دي كلها ووصلني هناك في اسرع وقت ممكن.
حدق السائق بالنقود بشغف واردف بثقة:
– تحت امرك يا استاذ.. اتفضلوا اركبوا وانا هوصلكم.
صعد رشيد الي داخل السيارة ومعه خالد. تحرك السائق بسيارته بحماس وهو يفكر بسعادة كيف ستكون ردت فعل زوجته من سعادة عندما يعود اليها ومعه هذا المبلغ الكبير من المال الذي حصل عليه اليوم.
*****
ركضت وسط الحقول المظلمة وحبات المطر تتساقط فوقها بغزارة وجسدها يرتجف من البرد والخوف، ظلت تركض حتى كادت ان تتوقف انفاسها من الركض، نظرت حولها وهي تبكي، لم تجد نهاية لهذا الطريق المظلم، تخشي ان يأتي الصباح وهي مازالت بنفس الطريق بلا نهاية، الظلام يخيفها وصوت الأمطار الرعديه تزيد من الهلع بداخلها. تجمدت قدميها من الخوف، بكت وهي تضغط على قدميها بقوة وتبكي وتدعي ان لا يحدث معها ما حدث بالماضي عندما تعرضت لمثل هذا الخوف والهلع عندما تم اختطاف الباص وهي بداخله. فقدت الشعور بقدميها تماما حتى سقطت على الارض الطينيه المختلطه بمياه الامطار.. ضربت على قدميها بقسوة وهي تبكي وتهمس بخوف:
– لا.. بلاش ده يحصلي دلوقتي.. انا لازم ابعد عن هنا.
انهارت وهي تبكي بخوف وجسدها يرتجف من شدة البرودة والخوف، الظلام مع الامطار الرعدية وسط الحقول بمفردها، المشهد كان مرعبً لها، ليزداد الهلع بداخلها عندما استمعت صوت…… 😮
↚
انهارت وهي تبكي بخوف وجسدها يرتجف من شدة البرودة والخوف، الظلام مع الامطار الرعدية وسط الحقول بمفردها، المشهد كان مرعبً لها، ليزداد الهلع بداخلها عندما استمعت صوت نباح الكلاب يقترب منها، هنا لم تعد تتحمل كل ما تمر به وفقدت الوعي هاربة من كل هذا الهلع.
*****
بداخل المشفى العام بمحافظة قنا.
وقف فراج امام غرفة استقبال الحالات الطارئة بجوار جده ينتظر ان يخرج الطبيب ويخبرهم ماذا حدث مع ازهار!
زفر الحاج عبد الرزاق بغضب واردف بصرامة:
– انا مش عارف بس هي البت دي اتجننت ولا ايه! ربنا يستر.
نظر فراج الي جده وتحدث بغضب:
– بس نطمن عليها يا جدي وانا ليا حساب معاها.
ربت الجد على ظهره بحنان قائلا:
– براحة عليها يا فراج.. هي مهما عملت بنت عمتك وانت راجلها.
تحدث فراج بانفعال:
– انت شوفت هي عملت فينا ايه يا جدي! هي يعني فاكرة لما تعمل كده انا مش هتجوز عليها!
قطع حديثهما خروج الطبيب من غرفة الكشف يسألهما بدهشة:
– هي كلت ايه ولا شربت ايه عمل فيها كده؟!
اجاب عليه الحاج عبد الرازق بقلق:
– مش عارفين يا دكتور.. احنا لقينها بتصوت من الوجع وجبناها على هنا!
أومأ الطبيب برأسه بالايجاب قائلا:
– عموما احنا عملنالها غسيل معده وممكن نعملها تحاليل ونعرف هي شربت او اكلت ايه وتسبب لها في الالم ده!
تحدث الحاج عبد الرازق بتأكيد:
– ملوش لازمة يا دكتور.. المهم ان بنتنا بخير والحمد لله.
اجاب الطبيب بتأكيد:
– هي بخير الحمدلله ومعندهاش اي حاجة.. و تقدروا تاخدوها علي البيت دلوقتي.
أومأ فراج برأسه وشكر الحاج عبد الرازق الطبيب وذهب الطبيب الي عمله.
ربت الحاج عبد الرازق على كتف حفيده وتحدث اليه:
– كلم عمتك طمنها علي بنتها يا فراج.
أومأ فراج برأسه بالايجاب واخذ هاتفه ليتحدث الي عمته.
****
توقف السائق بسيارة الاجرة امام منزل الهوارى الكبير ثم تحدث الي رشيد:
– انا وصلتكم لحد بيت كبير عيلة الهوارى اهو يا استاذ زي ما طلبت.
نظر رشيد الي المنزل وترجل من السيارة مسرعًا، شكر خالد السائق ولحق برشيد الي المنزل، اوقفهما احد خفر الحاج عبد الرازق امام البوابة الرئيسية. صدح صوت رشيد مرتفعً بغضب:
– ده بيت الحاج عبد الرازق الهواري؟
اجابه الخفير بثقة:
– ايوه يا استاذ هو.. بس الحاج مش هنا دلوقتي.. تحت امرك؟
تحدث رشيد وهو ينظر الي المنزل:
– انا عايز اي حد اتكلم معاه.
أجاب الخفير وهو ينظر اليهما:
– مفيش حد هنا دلوقتي يا استاذ.. الحاج وفراج بيه راحوا المستشفي ومش عارفين هيرجعوا امتى!
اشتعلت النيران بداخله عندما استمع الي اسم فراج الذي ذكرته سهير واخبرته انه سيتزوج من كارمن، نظر الي الرجل بغضب واردف بعصبيه:
– انا عايز اي حد هنا.. مراتي جوه في البيت ده وانا جاي اخدها.
نظر اليه الخفير بصدمة وعدم فهم. استمعت وداد الي الاصوات المرتفعه بالخارج واقتربت منهم لترى ماذا يحدث. وقفت امام البوابة الرئيسيه وتحدثت الي الخفير:
– ايه اللي بيحصل عندك هنا؟! ثم نظرت إليهما وتحدثت بحدة:
– عايزين مين؟!
اجاب عليها رشيد بقوة:
– انا مراتي هنا وعايزها.
نظرت اليه وداد بصدمة واسترسل لها عقلها سريعًا انه من الممكن ان يكون زوج كارمن الذي اخبرتها عنه من قبل واخبرته انه طلقها. تحدثت اليه بفضول:
– مراتك مين؟!
اجاب عليها بقوة:
– كارمن الهواري.. مراتي.
نظرت اليه بذهول وتحدثت بقلق:
– انت رشيد؟
حدق بها بستغراب واجاب بقلق:
– ايوه انا.
جف حلقها من الصدمة ونظرت الي الخفير بتوتر وتحدثت بارتباك:
– بس كارمن قالت انك طلقتها!
تحدث خالد بهدوء:
– رشيد مطلقهاش وهي لسه على ذمته.
نظرت اليهما وداد بصدمة وهمست بداخلها:
– صحيح حيه زي امها! كانت هتتجوز فراج وهي متجوزه!
صدح صوت اطارات سيارة تقترب من المنزل. شهقت وداد بصدمة عندما رأت السيارة الخاصه بـ فراج وضوء السيارة القوي تسلط عليهم. توقفت السيارة امامهم وخرج منها فراج ينظر الي الواقفين أمام منزل عائلته بستغراب:
– انتوا مين.. مين دول يا عمتي؟!
اجابة عليه عمته بارتباك:
– بيقولوا ان الاستاذ ده يبقى جوز كارمن!
نظر اليهما فراج بصدمة:
– جوز مين؟
تحدث اليه جده بصوت مرتفع من داخل السيارة:
– رحب بالضيوف يا فراج وخلينا نتكلم جوه.
رمقهم رشيد بنظرات غاضبه وتحدث بغضب:
– انا مش جاي اتكلم انا عايز مراتي.
تحدثت اليه وداد بتوتر:
– الكلام مينفعش هنا.. تعالوا اتفضلوا جوه.
أومأ خالد برأسه بالايجاب وهو ينظر الي رشيد. اخذتهما وداد الي داخل المنزل. وعاد فراج الي السيارة وصعد بداخلها لكي يتوقف بها امام باب المنزل الداخلي. تابعت ازهار ما يحدث بصدمة وهي تجلس بداخل السيارة مع جدها وتدعي التعب.
رحبت بهما وداد داخل قاعة الضيافة الخاصة بوالدها، ثم خرجت بأمر من والدها واخذت ابنتها ازهار وصعدت بها الي الأعلى.
تقدم الحاج عبد الرازق مع حفيده الي داخل القاعة ورحب بهما مرة أخرى، وقف رشيد وتحدث إليه دون مقدمات:
– انا رشيد الجبالي..وكارمن الهوارى تبقى مراتي.. ومامت كارمن قالتلي انها عندكم هنا.
تحدث اليه فراج بتهور:
– مراتك مين؟! بنت عمي مش متجوزة.. امها بنفسها قالتلنا انها مطلقه وانا فرحي عليها بكره.
وقف خالد مسرعًا يمسك بـ رشيد حتى لا يتهور ويفعل شئ بهذا الاحمق الذي يخبره بكل برود انه سيتزوج من زوجته. تحدث اليه رشيد بغضب:
– تتجوز مين دا انا كنت اقتلك واقتلها قبل ما تفكروا تعملوها.. كارمن مراتي وانا مش هتحرك من هنا من غيرها.
رمقه الحاج عبد الرازق بفضول وتحدث بهدوء:
– معاك قسيمة الجواز؟
أجاب رشيد بثقة:
– اه طبعا معايا..
ثم اخرج من الجاكيت الذي يرتديه نسخه من عقد الزواج واعطاها الي الحاج عبد الرازق واضاف بثقة:
– انا بقى عايز اسألكم انتم او هي معاها قسيمة طلاق تثبت ان انا طلقتها عشان تتجوز تاني؟!
نظر فراج الي جده. حدق الحاج عبد الرازق في عقد الزواج وتأكد من صحته. تحدث اليهما خالد:
– لو سمحتوا ممكن نهدا عشان نعرف نتكلم.. اهم شئ دلوقتي ان الحمدلله الجواز لسه متمش لانها كانت هتبقى مصيبه لو كارمن اتجوزت وهي لسه على ذمة رشيد!
نظر اليهما الحاج عبد الرازق بتفكير ثم تحدث الي فراج بقوة:
– ابعت عمتك تصحي كارمن وخليها تنزل هنا ونشوف ايه الحكاية دي!
أومأ فراج برأسه بالايجاب وهو يخرج من القاعة، نظر الحاج عبد الرازق الي رشيد وتحدث اليه:
– القسيمة اللي معاك بتثبت فعلا انها مراتك، بس لازم نفهم منها ايه الحكايه الاول ولو طلع ليك حق عندنا هتاخد مراتك وانت ماشي.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب ثم جلس مكانه مرة أخرى بثقة وهو ينتظر مجيئها، ارتاح قلبه كثيرا عندما علم انها لم تتزوج من غيره، ربت خالد علي كتفه وهمس اليه براحة:
– الحمد لله ان احنا وصلنا في الوقت المناسب.
أومأ رشيد برأسه براحة وهو ينتظر مجيئها بلهفة.
صعد فراج الي الطابق العلوي واتجه الي غرفة زوجته وطلب من عمته ان تذهب الي غرفة كارمن وتحضرها الي قاعة الضيافه بالاسفل. توترت وداد كثيرا عندما طلب منها فراج ان تحضر كارمن الي غرفة الضيافه! كيف ستخبرهم انها استطاعت الهرب؟ وهل استطاعت كارمن الابتعاد عن القرية ام مازالت قريبة منهم ويمكنهم العثور عليها بعد اكتشافهم انها ليست بالمنزل! تزاحمت الافكار برأسها وحاولت إظهار عكس ما تشعر به، ادعت عدم معرفتها بشئ وتعمدت الذهاب الي غرفة كارمن امام فراج حتى لا يشك احد بها ويعلمون انها هي من ساعدت كارمن على الهرب.
وقف فراج يزفر بغضب ويحدث نفسه بعد مقابلته لطليق كارمن والذي يؤكد انها مازالت زوجته!. رمقته ازهار بغيظ وهي تتمدد فوق الفراش بعد عودتها من المشفى، تحدثت اليه بصوت ضعيف وهي تدعي المرض:
– امي قالتلي ان عروسة الهنا طلعت متجوزة!
رمقها بغضب واردف بعصبيه:
– ملكيش صالح بالحديث ده يا ازهار.. انا لسه محسبتكيش على اللي انتي عملتيه فينا النهارده!
جف حلق ازهار من التوتر والقلق، تركها فراج و خرج من الغرفة، خرجت وداد من غرفة كارمن امامه واقتربت منه وهي تشهق بصدمة وتهمس له بصوت منخفض:
– يادي الفضيحه.. بنت صادق شكلها هربت يا فراج! دورت عليها في كل حته ومش لقياها!
حدق فراج بـ عمته بصدمة وتحرك بخطوات مسرعه الي غرفة كارمن واكتشف عدم وجودها بداخل الغرفة بنفسه، خرج من الغرفة وبحث عنها بجميع غرف الدوار ولم يجدها، صدح صوته عاليا وهو يترجل الدرج بخطوات واسعه وينادي الخفير المسؤال عن حراسة بوابة الخروج.
استجاب الخفير الي نداءه مسرعًا ووقف امام فراج يتحدث باحترام:
– امر جنابك يا فراج بيه؟!
صدح صوت فراج عالياً:
– الضيفه اللي كانت هنا خرجت من الدوار وانت سبتها تخرج؟
نظر اليه الخفير بخوف واجاب بتلعثم:
– مفيش حد دخل ولا خرج غير الاتنين الضيوف اللي جم من شوية.
نظر فراج حوله بصدمة وصدح صوته بصراخ عاليا:
– اومال هتكون راحت فييين؟!
استمع جده الي صوت صراخه وهو بداخل القاعة ومعه رشيد وخالد. تقدم فراج الي داخل القاعة ووقف امامهم وتحدث بصوت حاد:
– كارمن هربت من الدوار.
وقف رشيد بصدمة ينظر اليه بذهول. ابتسم الحاج عبد الرازق وتحدث بسخرية:
– الهرب مش جديد علي بنت صادق.. ابوها عملها قبلها!
نظر اليهما رشيد بصدمة قائلا:
– هتكون راحت فين في الجو ده؟ كارمن مبتعرفش تروح اي مكان لوحدها! وبعدين البلد هنا بعيدة عن الطريق.. ازاي هتهرب من هنا لوحدها وكمان في الليل وهي بتخاف من الضلمة!
وقف الحاج عبد الرازق ينظر اليه بتفكير ثم تحدث الي فراج:
↚
– لو مهربتش من البوابه الكبيرة تبقى اكيد هربت من البوابة الخلفيه على الطريق الزراعي.
أومأ فراج برأسه بالايجاب وتحدث رشيد بقلق:
– فين الطريق الزراعي ده؟!
اجاب عليه فراج:
– الطريق اللي ورا الدوار بتاعنا.
تحدث الحاج عبد الرازق مع حفيده بصرامة:
– اجمع الرجاله بسرعه واطلعوا على الطريق الزراعي يمكن تلحقوها قبل ما تبعد عن البلد.
تحدث رشيد باصرار وقلبه يخفق بقوة من شدة الخوف والقلق عليها:
– انا هاجي معاكم.
نظر فراج الي جده، أومأ الجد برأسه وذهب فراج ومعه رشيد وخالد ومجموعه من رجال الحاج عبد الرازق.
******
بداخل غرفة ازهار بالأعلى.
جلست ازهار بقلق فوق الفراش تنتظر ان تأتي اليها والدتها وتخبرها ماذا حدث.
دلفت وداد الي غرفة ابنتها وهي تحدث نفسها بقلق:
– ربنا يستر وتكون بنت صادق عرفت تهرب.
اعتدلت ازهار فوق الفراش وتحدثت الي والدتها بقلق:
– طمنيني يا امي.. حد عرف ان انتي اللي هربتيها؟!
رمقتها والدتها بغضب واردفت بصرامة:
– اكتمي يا ازهار.. انا مش نقصاكي دلوقتي!
اردفت ازهار بفضول:
– طب هما هيعملوا ايه دلوقتي يا أمي؟ وايه حكاية جوزها ده؟!
جلست وداد وهي تفكر في القادم ثم اجابت على ابنتها بشرود:
– شكله جوزها بجد وفي حاجات بينهم احنا منعرفهاش! بس هنستنا نشوف الاول هيلاقوها ولا عرفت تهرب وتبعد عن البلد!
صمتت ازهار وهي تنظر الي والدتها بقلق، شردت وداد وهي تهمس بداخلها “ياترى عرفتي تهربي يا بنت صادق ولا هلاقيهم راجعين بيكي تاني”
*****
لم تتوقف الامطار عن التساقط فوقهم وهم يبحثون عن كارمن وسط الحقول ويستعملون مصابيح يحملونها باليد تساعدهم على الرؤية في هذا الظلام.
كلما تقدم رشيد خطوة للامام ولم يجدها يشعر بخفقات قلبه تزداد من الخوف والقلق عليها. يتساءل بداخله؛ كيف كانت تسير هنا وسط الحقول في هذا الظلام الدامس والامطار ترافقها في هذا الطقس شديد البرودة! كان يدعي الله من قلبه ان يجدها بخير، اقسم بداخله انه لن يتركها مجددًا عندما يجدها ولن يعود الي المنزل من دونها، ولم يعطيها فرصة للابتعاد عنه مرة أخرى.
ارتفع صوت احد الخفر:
– لقيتها.. يا فراج بيه.. لقيت الضيفه اللي بندور عليها.
لم يشعر رشيد بقدميه وهو يركض الي الخفير وقلبه يخفق بعنف. تابعه الجميع وهم يركضون الي الخفير خلفه.
توقف رشيد امامها وتوقفت انفاسه وهو يراها جثة هامدة متمددة على الارض دون حركة.
وضع احد الخفر يديه بالقرب منها بالمصباح الذي يحمله بيديه لكي يستطيع رؤيتها بوضوح. حدق بها رشيد بصدمة عندما رأها بالثوب الاسود والوشاح الذي كانت تضعه اثناء هروبها، وجهها كان شاحبً مثل الموتى وشفاتيها باللون الازرق من شدة البرودة، حبات المطر تغرق وجهها، ثيابها مبتل وملطخ من الارض الطينية.
انحنى اليها وقلبه يخفق بقوة، لمس يديها وشعر بنبضها الضعيف، رفع وجهها اليه وهو ينادي اسمها بجنون لكي تعود الي وعيها. وقف الجميع يتطلعون اليهما بقلق، شعر فراج بالغيرة منه ومن اقترابه منها وهتف بصوت غليظ:
– خلونا ناخدها علي المستشفى العام بسرعه.
لم يتوقف رشيد عن نطق اسمها بلهفة وخوف وهو يحاول الاطمئنان عليها، اقترب منه خالد وتحدث اليه بهدوء:
– رشيد شيل كارمن وخلينا ناخدها المستشفى بسرعه.
نظر اليه رشيد وعقله متوقف عن التفكير لا يصدق ما يحدث معه الان، حبيبته بين يديه في حالة سيئة ويمكن ان تفارق الحياة وتتركه. أومأ خالد برأسه وتحدث اليه بقوة:
– لازم ناخد كارمن المستشفى بسرعه يا رشيد.. كارمن ممكن تموت هنا.
أومأ رشيد برأسه وتأملها للحظات وهو يدعوا الله بداخله ان يمدها بالحياة ولا يحدث لها مكروه، ثم عانقها بقوة وحملها بين يديه غير مبالي لأحد، اخفض الجميع وجوههم عنهما بحرج، نظر اليه فراج بصدمة. اسرع رشيد في خطواته وهو يحملها ويعانقها بداخل حضنه بقوة ويهمس لها بصوته ويطمئنها انه معها ولن يتركها مجددًا.
*****
ارتفع صوت اذان الفجر وهم يقفون امام غرفة الطوارئ بداخل المشفى العام بقنا.
خرج الطبيب واستغرب من وجود الحاج عبد الرازق وفراج للمرة الثانيه في نفس الليلة ولكن بفتاة اخري.
اقترب منه رشيد وتحدث اليه بقلق:
– طمني يا دكتور حالتها ايه دلوقتي؟!
نظر اليه الطبيب وتحدث بهدوء:
– حضرتك تقربلها؟
اجاب رشيد بثقة:
– انا جوزها.
أومأ الطبيب برأسه وتحدث:
– هي اتعرضت لضغط عصبي او صدمة قوية وصلتها للحالة دي؟
نظر رشيد حوله بقلق ثم اجاب:
– هي عندها مشكله من زمان يا دكتور.. يعني لما بتتعرض لأي ضغط عصبي او خوف، رجليها بتتجمد ومش بتقدر تحركها او تتحكم فيها.
أومأ الطبيب بتفهم:
– تمام فهمت.. عموما هي محتاجة تكون في المستشفى يومين وفي اشاعات وتحاليل لازم نعملهالها هنا ونطمن عليها وبعد ما تخرج الافضل لو تتابع مع دكتور نفسي.
أومأ رشيد برأسه:
– تمام يا دكتور انا ممكن اشوفها دلوقتي؟
اجاب الطبيب بأسف:
– للأسف مش هينفع.. الافضل لو تسيبوها ترتاح دلوقتي.
اقترب خالد من رشيد وربت علي ظهره بدعم، تركهم الطبيب وذهب ليتابع عمله، نظر فراج الي جده وتبادل الاثنان النظرات. تحدث الحاج عبد الرازق بهدوء:
– وجودنا هنا ملوش لازمة دلوقتي.. خلونا نروح تغيروا هدومكم وترتاحوا شويه ونرجعلها تاني لما الدكتور يسمح بالزيادة.
صدح صوت رشيد رفضًا تركها بشدة:
– انا مستحيل اتحرك من هنا واسيبها لوحدها في المستشفى.
تحدث الحاج عبد الرازق:
– وجودك هنا مش هيفيدها بحاجة يابني.. انت لازم تغير هدومك دي وترتاح شويه عشان متتعبش وتقدر تكون جنبها.
أومأ خالد برأسه وتحدث الي رشيد:
– الحاج عنده حق يا رشيد.. احنا هدومنا كلنا غرقانه من المطر ولازم نغيرها وكمان وجودك هنا مش هيفيدها وهي نايمه ومش حاسه بأي حاجة.
تحدث رشيد باصرار:
– يا خالد انا مش هينفع اسيبها وامشي.. انت متعرفش كارمن.. كارمن لو فاقت ولقت نفسها هنا لوحدها هتكون خايفه وانا لازم اكون جنبها.
صدح صوت فراج بغيظ:
– تكون جنبها بأي حق واحنا لسه مش متأكدين انت جوزها صحيح ولا طلقتها!
رمقه رشيد بغضب وتحدث اليه بقوة:
– انا جوزها غصب عن أي حد ومش محتاج اثبتلك انها مراتي!
تحدث الحاج عبد الرازق بهدوء:
– في كلام كتير بينا لازم يتقال ولازم افهم ليه امها قالت انك طلقت بنتها وهي لسه على ذمتك!
نظر اليهم خالد وتحدث بهدوء:
– اظن ده مش الوقت المناسب يا حاج.. نطمن على كارمن الاول واكيد رشيد هيقعد مع حضرتك ويفهمك كل حاجة.
أومأ الحاج عبد الرازق برأسه:
– عندك حق يا بني.. يبقى دلوقتي تيجو معانا الدوار تغيروا هدومكم دي وترتاحوا شويه ونبقى نرجع هنا تاني نطمن عليها.
اعترض رشيد:
– اتفضلوا انتوا روحوا.. انا هفضل هنا جنبها.
تحدث اليه خالد:
– رشيد احنا فعلا محتاجين نغير اللبس ده وانت لازم ترتاح شوية.
نظر رشيد الي باب غرفتها بالمشفى وتحدث بأصرار:
– انا مش هسيبها هنا لوحدها.. روحوا انتم.
نظر خالد الي الحاج عبد الرازق وتحدث اليه:
– خلاص يا حاج اتفضلوا انتم ارجعوا ارتاحوا شويه واحنا هنفضل هنا.
تحدث الحاج عبد الرازق:
– هتفضلوا هنا ازاي يا ولدي وهدومكم غرقانه مايه كده!
– مفيش مشكله وخلاص النهار طلع واحنا هنا نقدر ننزل نشتري لبس من اي محل قريب من المستشفى ونغير هدومنا وكمان انا لازم ارجع القاهرة عشان شغلي.
زفر فراج بضيق وتحدث الي جده بعصبيه:
– خليهم علي راحتهم يا جدي ومتتعبش نفسك معاهم اكتر من كده.
رمقه رشيد بغضب، تحدث الحاج عبد الرازق وهو ينظر الي حفيده بلوم:
– خلاص اللي تشوفوه..
ثم نظر الي رشيد واضاف:
– مش هينفع تاخد مراتك من المستشفى وترجعوا قبل ما تيجي الدوار ونتكلم مع بعض وافهم حكايتكم ايه.
أومأ رشيد برأسه قائلا:
– طبعا حضرتك اطمن.
التفت الحاج عبد الرازق الي حفيده واخذه وذهبوا من المشفى. زفر رشيد بغضب ونظر الي باب غرفتها، ربت خالد علي كتفه وتحدث اليه بهدوء:
– انا هنزل اشوف اي محل يكون فتح واجيب لنا لبس من هناك عشان نغير وكمان انا لازم ارجع القاهرة عشان الشغل انت فاهم.
أومأ رشيد برأسه بتفهم وهو مازال ينظر الي باب الغرفة ويريد الدخول اليها.
↚
أومأ رشيد برأسه بتفهم وهو مازال ينظر الي باب غرفتها ويريد الدخول اليها للاطمئنان عليها.
*****
بمنزل الحاج عبد الرازق.
وقفت وداد امام الشرفة بقلق تطلع الي الخارج وتزفر بقلق، اقتربت منها ابنتها ازهار وتحدثت:
– ايه الحكاية يا أمي.. انتي قلقانه عليها ولا ايه؟!
رمقتها والدتها بغيظ:
– قلقانه عليا انا وانتي لو جدك وفراج عرفوا منها اللي احنا عملناه.. لو قالتلهم اننا احنا اللي ساعدنها هنروح في داهية.
تحدثت ازهار بلا مبالاة:
– ونروح في داهية ليه! مش لو كانت فضلت هنا واتجوزت فراج كان زمانه هو اللي راح في داهية.. انتي ناسيه انها طلعت متجوزه!
تحدثت وداد بدهشة:
– انا كمان مش عارفه ايه حكاية جوزها اللي طلع فجأة ده مع ان البت قالت انها مطلقه!
تحدثت ازهار بغيظ:
– طلعت حربايه زي امها!
همست وداد بداخلها:
– الخوف لـ جوزها يجي يطلب حقها في الارض وابويا يعرف اني خدت الأرض منها.
استمعوا الي صوت سيارة فراج تدخل الي الدوار، انتفضت وداد وتحدثت الي ابنتها:
– ارجعي علي اوضتك بسرعة جوزك وجدك رجعوا..
نظرت ازهار الي النافذه ثم ركضت الي غرفتها.. وقفت وداد تنتظر دخولهم الي المنزل بتوتر لكي تسألهم ماذا حدث.
دخل الحاج عبد الرازق الي المنزل وخلفه فراج. اقترب منهما وداد وتحدث بتوتر:
– طمنوني ايه اللي حصل؟
اجاب عليها والدها:
– الحمدلله جت سليمه.
بللت لعابها وتحدثت بقلق:
– اومال كارمن فين؟
اجاب عليها والدها بتعب وهو يتجه الي قاعة الجلوس:
– سبناها في المستشفى وجوزها معاها.
زفر فراج بغضب ولحق بجده الي القاعة، وقفت وداد تلتقط انفاسها بخوف وقلق وتتوقع رد فعل والدها بعد معرفته انها اخذت حق كارمن في الارض.
بالقاعه التي يجلس بها الحاج عبد الرازق. تتزاحم الافكار برأسه الان بعد التأكد من زواج كارمن. عليه ايجاد حل للتفاوض مع زوج كارمن حتى لا يطالبهم بأرض زوجته.
جلس فراج وهو يزفر بغضب امام جده حتى خرج عن صمته وتحدث بعصبيه:
– احنا لازم نعرف ايه حكايته معاها بالظبط يا جدي.. منين امها تقول انها مطلقه ويجي ده يقول انه جوزها!
رمقه جده بغضب واجاب عليه بهدوء:
– هو ده اللي انت بتفكر فيه يا فراج! المهم دلوقتي انها طلعت متجوزة وجوزها معاه اثبات الجواز ويقدر يطالب بأرض مراته في اي وقت.
تحدث فراج بعصبيه:
– ملهاش أرض عندنا يا جدي.. الارض تحت ايدينا ومفيش قوة تقدر تاخدها مننا.
زفر جده بعصبيه:
– اطلع نام جنب مراتك يا فراج.. انت شكلك تعبت النهارده بزيادة!
انتفض فراج من مكانه بعصبيه قائلا:
– انام ازاي يا جدي بعد اللي حصل النهارده! المفروض كنت هتجوزها النهارده وفجأة كده يطلع واحد ويقول انها مراته!
صدح صوت جده بغضب:
– فوق لنفسك يا فراج! خلاص بنت صادق متنفعكش، عقد الجواز معاه واحمد ربنا انها جت لحد كده.
تحدث فراج بعصبيه:
– عقد جواز ايه يا جدي! امها قالت بنفسها انه طلقها من زمان!
تنهد الحاج عبد الرازق بتعب وتحدث بثقة:
– انا سبق وقولتلك ان امها دي حيه وملهاش امان والله اعلم هي مخبيه علينا ايه تاني! وبعدين جوز بنت صادق شكله راجل وابن عيلة ومش متجوزها على طمع يعني نقدر نتكلم معاه في موضوع الأرض ونحمد ربنا انه ظهر قبل ما كنت تكتب كتابك عليها واحنا على عمانا وفاكرينه طلقها.
تحدث فراج بغضب:
– يعني كده هو فاز بيها وبالارض اللي ضيعت عمري فيها!
رمقه الحاج عبد الرازق بغضب واجاب عليه بصرامة:
– ارض الهوارى مش هتروح لحد غريب، انا هتكلم معاه واشوف نيته ايه.
توقف فراج على باب الخروج من القاعة وتحدث بعصبيه:
– اللي انت شايفه صح اعمله يا جدي.. اي كلام هقوله دلوقتي ملوش لازمة.
ترك جده وصعد الي غرفته بالطابق العلوي، تنهد الجد بحزن وذهب هو الاخر الي غرفته ليرتاح قليلاً.
بالطابق العلوي. حيث غرفة فراج وزوجته ازهار.
دلف فراج الغرفة وهو يحاول كتم غضبه وغيرته من رشيد الذي اخذ منه الفتاة التي تمناها منذ رؤيته لها، استرسل له عقله الكثير من المشاهد التي رسمها بخياله تجمع رشيد بـ كارمن. اقترب من الفراش وهو شاردًا في افكاره، جلس فوق الفراش لكي ينزع حذاءه وهو يتساءل بداخله؛ ماذا يفعل رشيد معها الان؟ فهو لم يخجل من عناقها امامهم جميعا!.. اغمض عيناه بقوة لكي يهرب من افكاره.
كانت ازهار زوجته تدعي النوم فوق الفراش وتشعر به وهو يجلس فوق الفراش بجوارها، فتحت عيناها واعتدلت فوق الفراش وجلست تنظر اليه بدهشة. كان مغمض العينين وكأنه في صراع داخلي ويحاول الانتصار على مشاعره الغاضبه. وضعت يديها فوق ذراعه بقلق، انتفض جسده وفتح عيناه بفزع يحدق بها، تأملته ازهار بصدمة وتحدثت بحزن:
– فيك ايه يا فراج! للدرجادي زعلان عشان كارمن طلعت متجوزة؟!
انتفض من فوق الفراش واتجه الي خزانة الملابس وتحدث بنبرة حادة لكي يخفي عنها ما يشعر به:
– ملكيش صالح انتي يا ازهار وارجعي نامي زي ما كنتي نايمة.
وقفت من فوق الفراش ولحقت به بالقرب من خزانة الملابس وتحدثت بحزن:
– انت زعلان عشان متجوزتش عليا يا فراج؟!
زفر بنفاذ صبر والتفت ينظر اليها بغضب:
– انتي عايزة ايه في ليلتك دي يا ازهار؟ قولتلك غوري نامي وملكيش صالح بيا.
رمقته ازهار بحزن ولمعت عيناها بالدموع، زفر بنفاذ صبر واتجه الي الفراش وتركها تقف تتطلع اليه، تمدد فوق الفراش دون ان يبدل ثيابه واخفى وجهه بالغطاء. وقفت تتابع ما يفعله بصمت، فقط تتساقط دموع عيناها بحزن، كانت ترى لهفته في الزواج من كارمن، والان ترى حسرته بعد ان أتى زوج كارمن وحطم احلامه.
****
بداخل المشفى.
جلس رشيد ام الغرفة ينتظر ان يسمح له الطبيب برؤية كارمن. عاد اليه خالد بعد شرائه ثياب جديدة لهما من احد المحلات القريبه من المشفى، اعطاه خالد الثياب واتجه الاثنان الي المرحاض الرجالي بداخل المشفى وقاموا بتبديل ثيابهم ثم عادوا امام غرفة كارمن مرة أخرى.
بداخل الغرفة..
فتحت كارمن عيناها بتعب ونظرت الي الممرضه التي تعطيها الدواء وتحدثت اليها بصوت منخفض:
– انا فين؟!
اجابتها الممرضة بابتسامه:
– حمدلله علي السلامة.. انتي في المستشفى.
نظرت كارمن حولها وتحدثت بخوف:
– انا جيت هنا ازاي؟
اجابة الممرضه:
– اهلك جابوكي الفجر كده وجوزك برا مستني يطمن عليكي.
شهقت كارمن بصدمة بعد استماعها لكلمة زوجك! اعتقدت انها تقصد فراج.. حدقت بالممرضة وتحدث بخوف:
– هي المستشفي دي فين؟
اجابة الممرضة:
– هنا المستشفى العام في قنا.
شهقت بصدمة ونظرت حولها تتذكر ماحدث معها بعد هروبها من منزل عم والدها. لا تتذكر شئ سوى عجز قدميها من شدة الخوف وصوت نباح الكلاب يقترب منها.. اعتقدت ان فراج علم بهروبها واستطاع الوصول اليها وهو من جاء بها الي هنا. لمعت عيناها بالدموع من شدة الخوف وتحدثت الي الممرضه برجاء:
– انا عايزة امشي من هنا بسرعه ومش عايزاه يعرف اني مشيت.. ممكن تساعديني.. لو سمحتي.
حدقت بها الممرضه بستغراب:
– مش فاهمة يعني ايه؟!
بكت كارمن بخوف واجابة:
– لو سمحتي ساعديني.. هو عايز يتجوزني غصب عني وانا مش عايزاه.
حدقت بها الممرضه بصدمة:
– ازاي يعني هو مش جوزك!! بس هما قالوا انه جوزك واهلك مشيو وهو فضل قاعد مستني هنا عشان يطمن عليكي وكمان شكله بيحبك اوي وكان هيموت من الخوف عليكي.
بكت كارمن من الخوف وكلما تحدثت الممرضه تعتقد انها تقصد فراج بالحديث. تحدثت اليها كارمن برجاء مرة اخري:
– ارجوكي هربيني من هنا.. ارجوكي.
↚
تحدثت الممرضة بأسف:
– انا اسفه مش هقدر اساعدك.
بكت كارمن وخفضت وجهها وهي تفكر كيف تهرب مرة أخرى. دلف الطبيب الي الغرفة واستغرب بكائها، اقترب منها وتحدث اليها:
– خير يا مدام في حاجة بتوجعك؟
نظرت اليه بعيونها الدامعه وهزت رأسها:
– لا..
استغرب الطبيب وتحدث بفضول:
– طب رجلك كويسه.. حاسه بيها؟!
تذكرت قدميها على الفور ونظرت الي قدميها وشعرت بهما جيدا لكنها فكرت سريعاً بداخلها واجابة:
– لا مش حاسه برجلي خالص.
اعتقدت ان بهذه الكذبه يمكنها البقاء اكثر في المشفي حتى تستطيع الهرب مجددا.
أومأ الطبيب برأسه بأسف واقترب يتفحص قدميها وتحدث:
– الحالة دي اتكررت معاكي كتير؟
أومأت برأسها واجابة:
– اه..
تنهد الطبيب وتحدث:
– تمام.. انتي محتاجة دكتور متخصص هو هيقدر يساعدك اكتر.. انا هطلع ابلغ جوز حضرتك ونشوف نقدر نعمل ايه.
خفق قلبها بخوف عندما خرج الطبيب من الغرفة، خرجت الممرضة خلفه وتركوا كارمن بالغرفة بمفردها.
اقترب رشيد من الطبيب وتحدث اليه بلهفة:
– خير يا دكتور طمني؟
اجاب الطبيب:
– للاسف لسه مش حاسه برجليها ولازم دكتور متخصص يشوفها.
تحدث رشيد بقلق:
– تمام انا ممكن اخدها القاهرة ونشوف دكتور متخصص هناك او ممكن اسفرها خارج مصر.
تحدث الطبيب بهدوء:
– اللي حضرتك تشوفوه بس من رأيي بلاش موضوع السفر للخارج قبل ما دكتور متخصص هنا يشوفها الاول ويقول لحضرتك رأيه في الحالة.
تحدثت الممرضه بحرج:
– تسمحولي اقول حاجة.
نظر اليها رشيد بقلق، تحدث اليها الطبيب بهدوء:
– اتفضلي.
تحدثت الممرضه بقلق وهي تنظر الي رشيد:
– تقريبا اللي عندها ده حالة نفسيه بسبب خوف من حضرتك.. وكمان هي قالتلي حاجة كده وانا خايفه انها تضر نفسها.
تحدث رشيد بقلق:
– قالتلك ايه؟
اجابة الممرضه بتوتر:
– كانت عايزاني اساعدها تهرب من هنا وتقريبا عايزة تهرب من حضرتك.
استغرب رشيد حديث الممرضه ثم نظر الي الطبيب وتحدث:
– ممكن حضرتك تسمحلي اشوفها.
نظر اليه الطبيب بحيرة.. تحدث رشيد برجاء:
– لو سمحت.
أومأ الطبيب برأسه بالموافقة. ربت خالد علي كتف رشيد بدعم قائلا:
– انا هستناك هنا.
أومأ رشيد بالايجاب واتجه الي الغرفة، ذهب الطبيب والممرضه وجلس خالد ينتظر رشيد امام الغرفة.
بداخل غرفة كارمن.
كانت تفكر بخوف في كذبتها علي الطبيب وكيف يمكنها خداعهم جميعا حتى تستطيع الهرب من المشفى.
فتح باب الغرفة بهدوء، خفق قلبها من الخوف واعتقدت انه فراج واغمضت عيناها سريعا تدعي النوم.
دلف رشيد الي الغرفة واغلق الباب من الداخل بهدوء. ارتجف جسدها من شدة الخوف وهي مغمضت العينين. اقترب منها رشيد وهو ينظر اليها باشتياق، وقف يتأملها للحظات دون حديث. استغربت صمت فراج وشعرت بالخوف من ان يقترب منها. اقترب منها رشيد بالفعل وهي تشعر بخطواته اليها وقلبها يخفق بشدة، لاحظ من ارتجاف جسدها الشديد انها تدعي النوم ولم تكن نائمة بالفعل، ابتسم بداخله واقترب منها اكثر وجلس بجوارها فوق الفراش، اغمضت عيناها بقوة اكثر وجسدها يرتجف بخوف، نطق اسمها بصوته المميز وهو يتأملها عن قرب:
– كارمن..
صوته المميز جعلها تفتح عيناها مسرعه تنظر اليه بصدمة، شهقت بصدمة بعد رؤيتها له بجوارها، نطقت اسمه بذهول:
– رشيد..!!
حاولت الاستعاب وهي تغمض عيناها وتفتحها اكثر من مرة لكي تتأكد من رؤيته، لمس خدها بيديه وتحدث اليها بحنان:
– انتي كويسه؟
حنانه عليها الذي تفتقده منذ سنوات جعلها تبكي وهزت رأسها بـ لا وارتمت بداخل حضنه تبكي وتخبره بصوت يصاحبه شهقات البكاء:
– لا يا رشيد.. انا مش كويسه ابدا.. انا تعبت اوي من غيرك.. عايزين يجوزوني غصب عني وانا مستحيل اتجوز غيرك.. انا خايفه منهم اوي.
عانقها بقوة وهو يقربها الي قلبه.
انهارت في البكاء وهي تضيف بحزن:
– ماما سبتني ليهم يعملوا فيا اللي هما عايزينه.. انا حاولت اهرب منهم ومقدرتش.. رجلي اتجمدت في الارض وانا بجري ومقدرتش احركها..
كان يستمع اليها بحزن وهو يعانقها بقوة، بكت بداخل حضنه بانهيار وهي تتمسك به خوفً من ان يتركها مجددًا، تحدثت بخوف وهي بداخل حضنه:
– متسبنيش ليهم يا رشيد.. هربني من هنا.. انا مش عايزة اتجوز فراج.
ضمها اليه بقوة وهو يهمس اليها بثقة:
– متخافيش يا حبيبتي.. محدش هيقدر يبعدك عن حضني تاني.
اغمضت عيناها بداخل حضنه وهي تشعر بالدفئ والراحة والأمان.. صوته ودفئ حضنه جعلها تهدأ كثيرا ونظر رشيد امامه بغضب وهو يتوعد بالانتقام من كل من ساهم في فراقهما.
بعد لحظات شعر بانتظام انفاسها بداخل حضنه، يعلم انها تعرضت للكثير من الارهاق النفسي والجسدي ولا يمكنها الصمود مستيقظه اكثر من ذالك. ابتعد عنها قليلا وابتسم عندما رآها ذهبت في نوم عميق، وضعها فوق الفراش بهدوء ووضع فوقها الغطاء ووقف ينظر اليه للحظات بتفكير ثم تركها نائمة وخرج من الغرفة.
اقترب منه خالد امام الغرفة وتحدث اليه بقلق:
– ايه الاخبار يا رشيد طمني؟
تحدث رشيد بتعب:
– الحمد لله يا خالد هي كويسه بس احنا لازم نرجع القاهرة بكره بالكتير عشان دكتور متخصص يشوفها.
تحدث خالد بحيره:
– وانا لازم ارجع القاهرة دلوقتي انت عارف الشغل.. بس انا ممكن ارجعلك هنا تاني علي باليل.
تحدث رشيد:
– انا هحاول اروح بيت جدها اخر اليوم واشوفهم عايزين يتكلموا في ايه وبعدها اخدها ونرجع شقتي في القاهرة.. متقلقش انت ومش ضروري ترجع هنا تاني.
تحدث خالد:
– خلاص انا هتابع معاك علي التليفون ولو احتجت اي حاجة هجيلك على طول.
أومأ رشيد برأسه، عانقه خالد ثم ذهب. جلس رشيد مجددًا امام الغرفة يفكر في كل شئ حدث معهما حتى الآن.
*****
بداخل منزل الهوراي.
الساعة الواحدة ظهرًا..
لم تغمض وداد عيناها لحظة واحدة، تفكر في كارمن وتتساءل بداخلها؛ هل أخبرت كارمن زوجها انها اجبرتها التوقيع علي تنازل عن ارضها؟ ماذا سيفعل زوج كارمن حينها؟ وماذا سيفعل معها والدها بعد معرفته انها هي من ساعدت كارمن علي الهرب مقابل التنازل عن الارض.
زفرت بغضب وخرجت من غرفتها وترجلت الي الاسفل، تفاجأت بجلوس والدها يستند علي عكازه بتعب، اقتربت منه وتحدثت بقلق:
– خير يا ابويا.. انت لسه منمتش ترتاح شوية؟!
اجاب والدها بتعب:
– هيجيلي نوم ازاي يا وداد بعد اللي حصل!
جلست وداد بجوار والدها وتحدثت بتوتر:
– هو انتوا متكلمتوش مع كارمن في المستشفى وتفهموا منها ايه اللي حصل وايه حكاية جوزها اللي ظهر ده؟!
اجاب والدها:
– هنعرف كل حاجة في وقتها يا وداد.. المهم دلوقتي اطلعي انتي الاوضة اللي بنت صادق كانت بتنام فيها وهاتيلها هدوم من بتاعها ناخدهالها المستشفى انا وانتي ونطمن عليها.
نظرت اليه وداد بتوتر:
– هنروحلها المستشفى دلوقتي يا بويا انا وانت؟
اجاب والدها:
– ايوه يا وداد.. اطلعي اعملي اللي قولتلك عليه.
أومآت وداد برأسها بالايجاب وصعدت الي الطابق العلوي حيث غرفة كارمن. نظر الحاج عبد الرازق امامه بتفكير ثم اغمض عينيه بتعب وهو يستند فوق عكازة بيديه.
ترجل فراج الدرج وهو ينظر الي جده بدهشة، اقترب منه وتحدث بقلق:
– خير يا جدي انت بخير؟
رفع جده وجهه واجاب عليه بهدوء:
– بخير يا فراج متقلقش.
جلس فراج امامه وتحدث بتعب:
– هنعمل ايه معاهم يا جدي؟
تنهد جده بتعب واجاب:
↚
– انت مش هتعمل حاجة يا فراج.. انا هاخد عمتك ونروح المستشفى دلوقتي وهحاول اتكلم مع جوز بنت عمك صادق واشوف نيته ايه.
تحدث فراج بعصبيه:
– وانا مجيش معاك ليه يا جدي؟
اجاب جده:
– عشان انت كنت هتتجوز مراته يا فراج.. يعني مش هينفع اي كلام في وجودك!
زفر فراج بغضب ثم وقف من مكانه قائلا بانفعال:
– اعمل اللي تشوفه يا جدي بس مفيش حد فيهم هيقرب من ارضنا.
ترك جده وذهب، هز الحاج عبد الرازق رأسه بتعب، اهتز هاتفه يعلن عن اتصال له من القاهرة، وضع الهاتف على اذنيه وهو يستمع الي المتصل باهتمام وتركيز.
****
بعد ساعتين بداخل المشفى..
جلس رشيد أمام غرفة كارمن بالمشفى ينتظر خروج الممرضة بعد ان تعطيها الدواء. يشعر بالارهاق الشديد ويتمنى ان ينتهي كل هذا ويعود بزوجته الي منزلهما.
خفض وجهه ارضًا ووضع رأسه بين يديه بتعب، استمع الي صوت الحاج عبد الرازق يتحدث امامه:
– ازيك يا بني.. ايه الاخبار؟
رفع وجهه ونظر اليه ثم وقف واجاب عليه بهدوء:
– الحمد لله.. اهلا بحضرتك.
نظر الحاج عبد الرازق الي وداد وتحدث:
– ام ازهار عمة مراتك جت معايا عشان تطمن عليها وجبتلها هدوم معاها.
أومأ رشيد برأسه:
– شكرا لحضرتك..
ثم اشار بيديه الي غرفة كارمن قائلا لعمتها:
– الممرضه جوه معاها.. ممكن حضرتك تدخلي وتساعديها.
أومأت وداد برأسها بالايجاب ودلفت الي الغرفة وهي تدعوا بداخلها ان تستطيع اقناع كارمن ان لا تخبر احد باتفاقهما معا.
جلس الحاج عبد الرازق بجوار رشيد امام الغرفة وتحدث اليه بهدوء:
– ربنا يعينك يا بني.. انا عارف ان الوقت مش مناسب بس انا كنت عايز اعرف منك انت ليه سايب مراتك مع امها تبهدل فيها كده..؟ وليه امها قالت انها مطلقه وهي مراتك وعلى ذمتك.. انا من ساعة اللي حصل مش عارف اغمض عيني وعمال افكر.. ومتأخذنيش يعني يا بني.. انا خدت اسمك من علي عقد الجواز وسألت عليك في مصر وعرفت انك ابن ناس طيبين ومن عيلة كبيرة وجدك راجل له اسمه وابوك كمان راجل محترم.. يعني انت راجل يتشرف بيه اي حد.. ليه سايب مراتك كده؟
تنهد رشيد بتعب واجاب:
– انا مسبتش مراتي..
ثم نظر اليه واضاف بصدق:
– انا بحب مراتي ولو كانت طلبت مني روحي مكنتش هفكر لحظة واحدة وكنت هقدملها روحي وحياتي كلها بين ايديها.. بس اللي حصل وفرقنا عن بعض مكنش سهل ولسه مش واضح ليا ايه اجبرها تعمل فيا كده!..
صمت قليلا ثم اضاف بحزن:
– انا فجأة لقيت نفسي متهم في قضيه معرفش عنها حاجة ومراتي شاهده ضدي ولما ظهرت برائتي وخرجت عشان افهم منها ايه اللي حصل.. قالوا انها سافرت ومحدش يعرف طريقها.. حياتي كلها ادمرت في لحظة وللأسف مكنش عندي القوة عشان اواجه الصدمات اللي اتعرضتلها وقتها لاني كنت حقيقي بحبها وكنت واثق فيها ومسلم لها كل حياتي.. تعبت وسافرت ومرجعتش غير لما هي ظهرت مع مامتها وقبل ما افهم واعرف منها الحقيقه لقيتها اختفت تاني وعرفت انها جت عندكم وكنتوا هتجوزوها لحفيدك وهي لسه على ذمتي!
نظر اليه الحاج عبد الرازق بصدمة قائلا:
– ازاي كل ده حصل معاكم يا بني.. طب مين اللي عمل فيكم كده؟ وليه مراتك تشهد عليك وانت مظلوم؟!
هز رشيد رأسه واجاب:
– معرفش.. كارمن مش عايزة تتكلم.. وممكن يكون اللي حصلي ده اكبر منها وهي اتورطت غصب عنها وعشان كده خايفه تتكلم!
نظر الحاج عبد الرازق امامه بتفكير وحيرة:
– حكايتكم كبيرة اوي يا بني.. بس انا عايزك تطمن.. كارمن بنتنا وانا معاك لحد ما تعرف الحقيقه.
أومأ رشيد برأسه وهو يتنهد بتعب ويضغط على رأسه بارهاق من كثرة التفكير.
*****
بداخل غرفة كارمن بالمشفى.
دلفت وداد الي داخل الغرفة وهي تحمل بيدها حقيبه صغيره بها ثياب، كانت الممرضه تعطي الدواء لـ كارمن. مازالت كارمن تدعي انها لم تشعر بقدميها حتى الان.
ارتجفت كارمن بخوف عندما رآت وداد تقترب منها. ابتسمت لها وداد بمكر واقتربت منها بطريقه دراميه وعانقتها بقوة تدعي القلق عليها. استأذنت الممرضه وخرجت وتركتهما. نظرت وداد الي كارمن وتحدثت اليها بقلق:
– اوعي تكوني قولتي لحد ان انا اللي هربتك ولا عرفتيهم بلي الاتفاق اللي كان بينا؟
هزت كارمن رأسها بـ لا واجابة:
– متقلقيش انا مقولتش حاجة لحد.
تنفست وداد براحة ثم جلست بجوارها قائلة:
– اومال معرفتيش تهربي ازاي؟
اجابة كارمن:
– اغمى عليا وانا بحاول اهرب.
نظرت وداد حولها وتحدثت:
– جوزك قاعد برا مع جدك..! يعني كنتي بتكدبي عليا يا بنت صادق لما قولتي انك مطلقة؟
نظرت اليها كارمن بستغراب قائلة:
– جوزي مين؟.. تقصدي رشيد ؟!
اجابة وداد:
– ايوه هو.
– بس رشيد كان جوزي واطلقنا من زمان!
تحدثت وداد:
– طلقك ازاي وهو معاه قسيمة الجواز بتاعكم ومفيش ورقة طلاق!
نظرت كارمن امامها بتفكير ثم تحدثت بفضول:
– يعني ايه؟ هو رشيد اساسا عرف مكاني هنا أزاي؟
اجابة وداد:
– بعد ما انتي هربتي من الدوار لقيته جه ومعاه واحد كمان وسألوا عليكي.. وكان هيتجنن عليكي لما عرف انك هربتي.. ودور عليكي هو وفراج والخفر بتاعنا لحد ما لقوكي وجبوكي علي هنا.
نظرت كارمن أمامها بتفكير قائلة:
– انا مش فاهمه حاجة! رشيد ليه دور عليا بعد ما طلقني؟!
اجابة عليها وداد بثقة:
– بقولك هو لسه جوزك ومطلقكيش ومعاه قسيمة الجواز واداها لـ جدك وجدك اتأكد انك لسه مراته.
ابتسمت كارمن بسعادة وهي تستمع الي حديث عمتها وتحدثت بشغف:
– بجد رشيد مطلقنيش!!
↚
ابتسمت كارمن بسعادة وهي تستمع الي حديث عمتها وتحدثت بشغف:
– بجد رشيد مطلقنيش!!
استغربت وداد من رد فعلها الذي يؤكد انها حقآ ساذجة.. صمتت كارمن قليلاً ثم استرسل لها عقلها ما سيفعله بها رشيد بعد خروجها من المشفي! بالطبع سيعاقبها علي كل ما فعلته به في الماضي. ارتجف جسدها بخوف وهي تنظر إلى وداد.
تحدثت اليها وداد بتحذير:
– اسمعيني كويس يا بنت صادق.. انا عملت اللي عليا وساعدتك وانتي اللي معرفتيش تهربي! يعني اتفاقنا زي ما هو ومش عايزة ابويا او جوزك حد فيهم يعرف انك اتنازلتي عن ارضك ليا.
أومأت كارمن برأسها بالايجاب قائلة:
– انا قولت لحضرتك قبل كده انا مش عايزة ارض ولا فلوس.. والارض دي اقل تعويض ممكن تاخديه من بابا علي ظلمه لكي وحياتك اللي ضاعت بسببه.
حدقت بها وداد بصدمة. لا تصدق ان هذه الفتاة تحمل بداخلها كل هذه الطيبه والسلام النفسي. اضافة كارمن وهي تنظر اليها بحزن:
– انا بس عايزاكي تعرفي ان مش حضرتك لوحدك اللي اتعذبتي بسبب رفض بابا ليكي واختياره الجواز من ماما.. بابا هو كمان اتعذب بسبب اختياره وعمره ما كان سعيد مع ماما ابدا.
حدقت بها وداد بذهول، صمتت كارمن لحظات قليلة ثم اضافة:
– وانا كمان اتعذبت بسبب اختيار بابا.. صدقيني لو كان بإيدي اختار الست اللي تكون امي كنت اختارتك انتي.
لمعت اعين وداد بالدموع وهي تستمع الي حديث كارمن الصادق والذي خرج من قلبها واخترق قلب وداد. ادمعت اعين كارمن وهي تضيف بحزن:
– لما شوفت الفرق بينك وبين ماما كنت حقيقي حزينه.. انا كنت مقدره ان حضرتك موجوعه من بابا بس في نفس الوقت عايزة تساعدي بنتك ومش عايزة تشوفيها حزينه والمهم انك مش عايزة تخربي بيتها وبتحاولي تنقذي علاقتها مع جوزها بأي طريقه.
بكت بحزن واضافة:
– ماما بقى عملت عكس كل اللي حضرتك بتعمليه عشان بنتك!
بكت وداد من اجلها واقتربت منها وعانقتها بقوة واردفت بثقة:
– وجعتي قلبي عليكي يا بنت صادق.
لاول مرة تشعر كارمن بحنان الام وعطفها.. اكتشفت بعد عناق وداد لها ان والدتها لم تعانقها بحياتها منذو طفولتها! بكت في حضن وداد وهي تربت على ظهرها بحنان وتتحدث اليها بثقة:
– من اللحظة دي انا امك ومش هفرق بينك وبين ازهار بنتي لحد ما اموت.
لم تستطيع كارمن الحديث وهي تبكي بداخل حضنها، ابتعدت عنها وداد قليلا وتحدثت اليها بقوة:
– متعيطيش يا كارمن.. بنتي متعيطش ابدا طول ما انا عايشه.
نظرت اليها كارمن واردفت ببكاء:
– انا تعبت اوي من كل حاجة بتحصلي.. انا مش عايزة حاجة من الدنيا غير ان اعيش مرتاحة مع الإنسان اللي انا بحبه.. صدقيني انا مش عايزة ارض ولا فلوس ولا قصر اعيش فيه.. انا بس عايزة اعيش من غير ما حد يأذيني!
تحدثت اليها وداد بقوة:
– الناس مش بيأذو غير الضعيف.. لازم تكوني قوية عشان محدش يقدر يأذيكي.
نظرت اليها كارمن بانتباه:
– اكون قويه ازاي؟ يعني اعمل زي ماما وافكر في نفسي وبس؟!
اجابة وداد باعتراض:
– القوة مش انك تفكري في نفسك يا بنتي.. القوة انك تقدري تحمي نفسك وتحمي اللي بتحبيهم.
نظرت اليها كارمن بعدم فهم، تنهدت وداد بحزن من أجلها وتحدثت مرة اخري:
– قبل اي حاجة انا عايزة اقولك اني هقطع ورقة التنازل عن الارض اللي انتي مضيتي عليها وهفضل على طول جنبك وعمري ما هسيبك ابدا.
ابتسمت كارمن وهي تستمع الي حديثها واردفت:
– صدقيني انا مش عايزة الارض.. كفايه ان احس ان عندي ام بتحبني بجد وبتخاف عليا ويهمها اني اكون سعيدة في حياتي.
اجابة وداد بثقة:
– انا هكون امك اللي بتتمنيها وبرضه هرجعلك ارضك.
ابتسمت كارمن وارتمت بداخل حضنها.. ابتسمت وداد وعانقتها بحنان قائلة:
– قومي يلا غيري هدوم المستشفى دي والبسي الهدوم اللي جبتهالك عشان ترجعي معانا الدوار في بيت جدك.
ابتعدت كارمن عن حضنها قليلاً وتحدثت بخوف:
– هرجع في البيت عندكم تاني!
اجابة وداد بثقة:
– لازم جوزك يعرف ان انتي ليكي اهل وعيله وبيت ترجعيله لو زعلك في يوم وكمان لما ياخدك من بيت جدك يبقى عارف ان في وراكي رجالة ومش لوحدك في الدنيا.
ابتسمت كارمن بسعادة، اصبحت الان تعرف قيمة وجود عائلة تقف بظهرها ويدعمونها دون مقابل. أومأت برأسها وهي تأخذ من عمتها الثياب لكي تبدل ثياب المشفى وترتدي ثيابها.. خرجت وداد من الغرفة وتركتها تبدل ثيابها براحة واغلقت الباب عليها واقتربت من والدها ورشيد:
– كارمن بتغير هدومها.. زهقت من المستشفى هنا وانا قولتلها ترجع معانا علي بيت جدها لحد ما تخف.
وقف رشيد وتحدث:
– بس انا لازم اخدها ونرجع القاهرة عشان نشوف دكتور متخصص في الحالة اللي بتحصلها دي!
تحدثت وداد:
– وماله.. شوفلها دكتور زي ما انت عايز هي برضه مراتك.. بس احنا كمان اهلها ومن حقنا نطمن علي بنتنا قبل ما ترجع معاك.
استغرب الحاج عبد الرازق من حديث ابنته وداد وخوفها المفاجئ علي كارمن! نظرت وداد الي والدها واضافة:
– ولا انت رأيك ايه يا ابويا؟ هينفع بنتنا تطلع من المستشفى مع جوزها كده من غير ما نطمن عليها وترجع ترتاح في بيت جدها؟!
ابتسم الحاج عبد الرازق الي ابنته ووقف من مكانه واجاب:
– لا طبعا مينفعش.. ورشيد راجل ويفهم في الاصول.
نظر اليهما رشيد بحيره، تحدث اليه الحاج عبد الرازق بابتسامه:
– ولا انت مش عايز تشرفنا في بيت اهل مراتك يا رشيد؟
تحدث رشيد:
– لا ابدا دا شئ يشرفني طبعا.. انا بس قلقان علي كارمن وكنت عايز اعرضها على دكتور في القاهرة في اسرع وقت.
تحدثت وداد:
– كارمن زي الفل الحمدلله.. ولو عايز دكتور يطمنك عليها ضروري نشوف دكتور من هنا.
لم يجد رشيد مخرجًا وتحدث بهدوء:
– تمام.. بس اكيد مش هينفع نقعد هنا وقت طويل.. يعني كفايه يوم او اتنين بالكتير عشان شغلي في القاهرة.
ابتسمت له وداد وتحدثت وهي تعود الي غرفة كارمن:
– هروح اشوف كارمن خلصت ولا ايه عشان نرجع الدوار وانا هعملكم احلى غدا بإيدي.
ابتسم رشيد وربت الحاج عبد الرازق علي ظهره بدعم.
دلفت وداد الي غرفة كارمن وجدتها انتهت من ارتداء ثيابها وتصفيف شعرها. ابتسمت وداد واقتربت منها تتحدث بحنان:
– ربنا يحفظك يا بنتي من عيون الناس يارب.
التفتت لها كارمن وهي تبتسم. تحدثت وداد مرة أخرى بمزاح:
– يلا يا ست البنات عشان ترجعي معانا على بيت جدك.. وجوزك جاي معانا.
ارتجف جسد كارمن بتوتر:
– رشيد!
اردفت وداد بثقة:
– مش عايزاكي تخافي طول ما انا عايشه وان شاء الله اي مشكله حصلت بينك وبين جوزك هتتحل.
أومأت كارمن برأسها وهي تبتسم الي عمتها وقلبها يخفق بقوة وجسدها يرتجف قليلاً خوفًا من مواجهة رشيد.
اخذتها عمتها من يديها وخرجت بها من الغرفة. كان رشيد يقف امام الغرفة مع الحاج عبد الرازق. تأملها بنظرات عاشقه وهي تخرج من الغرفة وتقترب منه بجوار عمتها. كانت تخفض بصرها ارضًا خوفً من مواجهته، ابتسم اليها جدها وتحدث اليها:
– حمدلله على السلامه يا بنتي.
اجابة كارمن بصوت منخفض:
– شكرا.
تحدثت وداد الي رشيد وهو يقف يتأمل كارمن بصمت:
– مراتك مكانتش مصدقه انك وافقت تقعدوا معانا يومين في بيت جدها.. قولتلها جوزك بيحبك وعمره ما يحرمك من اهلك.
أومأ رشيد برأسه وهو مازال ينظر الي كارمن بصمت. تحرك الحاج عبد الرازق وتحدث:
– هات مراتك يارشيد وخلينا نرجع الدوار.
أومأ رشيد برأسه. تحركت وداد خلف والدها وتركت كارمن تقف امام زوجها. ارتجف جسد كارمن بخوف بعد ذهاب عمتها من جانبها ومع اقتراب رشيد منها وهو يقف امامها ويتأملها باهتمام قائلا:
– انتي كويسه دلوقتي؟
أومأت برأسها وهي تخفض وجهها ارضًا، امسك بيديها وتحدث بهدوء:
– خلينا نمشي عشان جدك مستنينا.
ارتجف جسدها مع لمسة يديه الي يديها، شعر برتجاف يديها وبرودة يديها بين يديه، ضغط علي يديها باحكام وسار بها دون ان يضيف اي حديث بينهما.
كانت تسير بجواره وقلبها يخفق بقوة. اخذها الي سيارة الحاج عبد الرازق وساعدها علي الصعود داخل السيارة بجوار عمتها وتقدم هو الي الامام بجوار الحاج عبد الرازق.
****
بداخل الدوار.
وقفت ازهار تساعد العاملات في المنزل في تجهيز الطعام بعد أن تحدثت اليها والدتها عبر الهاتف واخبرتها ان تهتم بتجهيز وجبة الغداء حتى تأتي والدتها.
دلف فراج الي الدوار ولاحظ ان هناك حركة غريبه بين العاملات بالمنزل وعلى رأسهم زوجته! اقترب من زوجته ازهار وتحدث اليها بدهشة:
– ايه اللي بيحصل هنا يا ازهار؟!
اجابة ازهار بمكر:
– بنجهز الغدا عشان كارمن وجوزها جاين في الطريق مع جدي وامي.
حدق بها فراج بصدمة:
– وهما جاين هنا يعملوا ايه؟
اجابة ازهار:
– معرفش.. امي كلمتني وقالتلي نجهز الغدا عشان جوز كارمن جاي معاها ولازم تتشرف قدامه باهلها!
عقد فراج ما بين حاجبيه وزفر بغضب، نظرت اليه ازهار واضافة بحزن:
– انت لسه زعلان عشان متجوزتش كارمن يا فراج؟
رمقها فراج بغضب واردف بعصبيه:
– ملكيش صالح وروحي شوفي انتي بتعملي ايه يا ازهار.
تركها وخرج من الدوار. وقفت ازهار تتابع ذهابه بحزن وقلة حيلة.
بعد دقائق قليلة استمعت الي صوت سيارة جدها خارج المنزل. وقفت في استقبالهم كما اخبرتها والدتها.
ترجل رشيد من السيارة مع الحاج عبد الرازق واخذ يد كارمن الي الداخل. استقبلتهم ازهار واخبرتهم ان الطعام جاهز ورحبت بهم وداد الي مائدة الطعام الكبيرة الممتلئة بأشهى المأكولات.
جلسوا جميعا علي المائدة يتناولون الطعام بدون ازهار وفراج. تناولت كارمن الطعام دون شهيه بسبب خوفها وتوترها من رشيد.
بعد انتهائهم من تناول الطعام تحدث الحاج عبد الرازق الي رشيد بهدوء:
– خد مراتك واطلعوا ارتاحوا شويه.. انت منمتش من ليلة امبارح يا بني واكيد محتاج ترتاح.
أومأ رشيد برأسه وشكره علي استضافته له بمنزله. وقفت وداد لكي تأخذهما الي الغرفة وتطمئن علي كارمن.
استغربت ازهار من معاملة والدتها الطيبه مع كارمن.
دلفت كارمن الي داخل الغرفة التي تقيم بها بمنزل جدها ودلف رشيد خلفها بعد ان شكر عمتها وداد وذهبت وتركتهما بمفردهما. أغلق رشيد الباب من الداخل والتفت ينظر الي كارمن بصمت، الان اصبح معاها بمفردهما.
جلست كارمن فوق الفراش بخوف وتوتر من مواجهته. لا تفهم شئ حتى الآن ولا تعلم كيف علم رشيد بمكانها ولا تصدق انها مازالت زوجته وتتساءل بداخلها اين زوجته وابنه الذي اخبرها عنهما من قبل!
وقف رشيد يتطلع اليها وهو يلتقط أنفاسه براحة بعد الاطمئنان عليها ثم تحدث اليها:
– هو ايه اللي خلاكي تهربي من هنا؟
اجابة عليه بتوتر وهي تخفض وجهها:
– هربت عشان كانوا عايزيني اتجوز فراج على مراته.
ابتسم ساخرًا وتحدث إليها بغضب:
– يعني مشكلتك انهم كانوا عايزين يجوزوكي فراج على مراته! يعني مكنش هيبقى عندك مشكله لو مكنش فراج متجوز!
عقدت ما بين حاجبيها واجابة عليه بدهشة:
– لا طبعا.. انا مشكلتي اني مستحيل اتجوز حد بعدك!
↚
تسلل الي قلبه شعور بالسعادة بعد ما قالته الان بقوة واصرار، لكنه حافظ على هدوئه ورسم البرود على ملامحه قائلا:
– عمومًا انتي لازم تعرفي ان مكنش هينفع تتجوزي حد بعدي لان انتي اصلا لسه مراتي!
ابتسمت بسعادة غير مباليه بأي شئ حدث بينهما وتحدثت بحماسها المعتاد:
– انت حقيقي مطلقتنيش بجد؟!
لم يستطيع رسم الجمود على ملامحه اكثر وأومأ لها برأسه بالايجاب مؤكدًا حديثه بعد رؤيته لـ سعادتها الواضحة.
صوت الطرق علي باب الغرفة اوقف حديثهما معًا، اتجه الي الباب وفتحه، كانت إحدى العاملات بالمنزل قد اتت اليه بثوب لكي يبدل ثيابه قبل النوم. اخذ منها الثياب وشكرها بهدوء واغلق الباب بعد ذهابها. عاد الي داخل الغرفة. تابعته كارمن بعيناها وهي تبتسم بسعادة ولا تصدق حتى الان انها مازالت زوجته.
وقف رشيد وهو ينظر الي الثوب الذي جاءت به السيدة، كان جلبابً صعيدي مريح. بحث عن المراحض المرفق بالغرفة ودلف المرحاض لكي يبدل ثيابه بداخله.
جلست كارمن فوق الفراش تفكر بسعادة وحماس كيف لم يطلقها رشيد! تذكرت حديث جده وتأكيده ان رشيد طلقها ولم يريد رؤيتها مجددًا، بهتت ملامحها بحزن وشعرت بالخوف بعد ان تذكرت حديث جد رشيد وتهديده لها ان رشيد يريد قتلها. بلعت ريقها بخوف ونظرت الي المرحاض وهو بداخله، وقعت في صراع داخلي بين عقلها وقلبها؛ قلبها يؤكد ان رشيد حبيبها لم يأذيها مهما فعلت به، وعقلها يؤكد ان من حقه فعل اي شئ بها حتى يثأر منها بعد خيانتها له.
خروجه من المرحاض اخرجها من شرودها، تأملته بنظرات عاشقه وهو يرتدي الجلباب الصعيدي الذي يليق به كثيرًا. نظر اليها وتفهم نظراتها اليه، تلك النظرات بعينيها مازالت تؤكد له ان هناك شئ لم يعرفه اجبرها على خيانته، لكنه لم يستطيع التحدث معها الان! ليس هذا المكان المناسب ولا الوقت المناسب للحديث.
اتجه الي الاريكة الموضوعة بداخل الغرفة وتمدد عليها بصمت، متجاهلاً نظراتها اليه الفضوليه، بهتت ملامحها بحزن وهو يبتعد عنها ويذهب للنوم بعيدًا، خفضت وجهها بحزن بعد تأكيده لها الان بعدم تغير شئ، مازالت المسافات بينهما ولا يريد الاقتراب منها. اخفت وجهها بالغطاء لكي تستطيع البكاء اسفل الغطاء بصمت دون ان يشعر بها.
اغمض عينيه وهو يتمدد فوق الاريكة ويستند برأسه فوق ساعديه، كان يستمع الي صوت بكاءها الخافت لكنه يفكر ماذا عليه ان يفعل الان بعد ما حدث، لا يمكنه تركها للعيش مع والدتها مرة أخرى، عليه اخذها للعيش معه بالمنزل حتى يستطيع اخذ القرار الصحيح في علاقته معها، الكثير من الافكار تتزاحم برأسه، تخبط في مشاعره لا يستطيع ايقافه، تنهد بتعب وهو يفكر في القادم.
****
سطعت الشمس بنورها لتضئ السماء الصافيه بلونها الازرق.
بداخل غرفة كارمن.
استيقظ رشيد علي صوتها وهي تهمهم بكلمات غير واضحة. فتح عينيه وجلس فوق الاريكة ونظر الي الفراش بدهشة، وقف وتقدم منها وهو ينظر اليها بقلق.
كانت نائمة ومغمضة العينين وحبات العرق متناثرة فوق وجهها الشاحب وتهمهم بكلمات كثيرة غير واضحة، استطاع السماع الي اسمه بين كلماتها الغيرة واضحة، وضع يديه فوق جبينها وشعر بارتفاع حرارتها قليلاً.. نطق اسمها بقلق، استجابة الي نداءه وفتحت عيناها ونظرت اليه بضعف وتحدثت بدون وعي:
– انا بحبك اوي يا رشيد.. متسبنيش تاني.. انا اسفه.
حدق بها بصدمة ثم عانقها بقوة وهمس اليها بتأكيد:
– انا مستحيل اسيبك يا كارمن.
اغمضت عيناها بداخل حضنه مرة أخرى. عانقها بقوة اكثر وهمس اليها:
– انا مستحيل اسيبك او ابعد عنك.. انتي روحي.
عانقته هي الأخرى وهمست اليه وهي تغمض عيناها:
– انا بحبك اوي يا رشيد.. انت وحشتني اوي.
همسها اليه باشتياق جعله يضمها اليه اكثر ثم ابتعد عنها قليلاً يتأملها بعشق ثم قبلها بقوة وهو يضمها اليه.
فتحت عيناها بصدمة وهو يقبلها وانتفض جسدها بين يديه. ابتعد عنها سريعاً لا يصدق ما يفعله. وضعت يديها فوق شفاتيها بصدمة وتحدثت بصوت متقطع:
– هو ايه اللي حصل؟!
التقط أنفاسه وهو يبتعد عنها اكثر ويحاول السيطرة على مشاعره اتجاهها، ثم اجاب بهدوء مصطنع:
– مفيش حاجة.. انتي شكلك كنتي بتحلمي وانا كنت بحاول اصحيكي.
ثم تركها واخذ ثيابه الذي بدله بالامس واتجه الي المرحاض لكي يرتديه مرة اخري.
ارتجف جسدها بقوة وهي تتابع ابتعاده عنها وتضع يديها فوق شفاتيها بصدمة.
دقائق قليلة وخرج من المرحاض وهو يرتدي ثيابه.
استمع لـ صوت طرقات على باب الغرفة. ذهب وفتح الباب، كانت واحدة من السيدات تعمل بالدوار، تحدثت اليه واخبرته باحترام:
– سيدي الحاج عايزكم تنزلوا تحت تفطروا.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب قائلا:
– تمام احنا نازلين.. بس لو سمحتي ممكن تجيبيلنا مسكن واي خافض للحرارة.
أومأت بالايجاب وذهبت لكي تجلب له ما طلبه منها. عاد الي داخل الغرفة واغلق الباب ونظر اليها وتحدث بهدوء:
– فين شنطتك؟
اشارة اليه برأسها وهي تشعر بالتعب وتحدثت بصوت منخفض:
– عايزها ليه؟!
وجد حقيبتها بجانب خزانة الملابس، اخذها لكي يضع ثيابها بداخلها وهو يجيب عليها:
– بجهزها عشان هترجعي معايا.
تحدثت بدهشة:
– هرجع معاك فين؟!
رمقها بنظرة غاضبه ولم يجيب عليها، استمع الي صوت طرق علي الباب مرة أخرى، ذهب وفتح الباب واخذ من السيدة الدواء الذي طلبه منها وشكرها باحترام واغلق الباب بهدوء. اقترب من كارمن وحمل بيديه كوب من الماء وتحدث اليها:
– اشربي الدوا ده عشان تخفي وتبقى احسن.
نظرت الي الدواء بيديه وتحدثت بحزن:
– وانت عايزني اخف وابقى احسن ليه! مش انت اصلا كنت عايز تموتني؟!
زفر بغضب واجاب عليها بغيظ:
– ما انا هموتك زي ما انا عايز.. بس مش دلوقتي.
حملقت به بصدمة، اعطاها الدواء والماء دون ان يتحدث مرة اخري، تناولت الدواء وهي ترتجف من الخوف وتفكر ماذا يريد ان يفعل بها؟ تركها تائهة بداخل افكارها وذهب ليضع ثيابها بداخل الحقيبة وتحدث اليها بهدوء:
– قومي اجهزي عشان هنمشي دلوقتي.
وقفت وهي تنظر اليه بخوف، اقترب منها واعطاها ثياب لها اختاره من ثيابها وهو يضعها داخل الحقيبه ثم تحدث اليها:
– ادخلي الحمام اجهزي وانا هستناكي هنا.
أومأت برأسها بخوف واخذت الثياب واتجهت الي المرحاض. تنهد بتعب بعد دخولها المرحاض ثم اغلق الحقيبه ووضعها امامه لكي يحملها ويذهبون معا من هنا.
دقائق قليلة وخرجت من المرحاض وهي تخفض وجهها ارضً بخوف، تأملها بصمت ثم اقترب منها وهو لم يستطيع ابعاد عينيه عنها لكنه حاول التماسك امامها ورسم الجدية والبرود فوق ملامحه:
– جاهزة؟
اجابة على سؤاله بأمأة بسيطه، امسك يديها وحمل الحقيبة باليد الآخرى واخذها وخرجا من الغرفة بصمت. ترجلت الدرج وهي تستند على يديه، تشعر بدوار خفيف لكنها تحاول التماسك امامه.
اقتربوا من مائدة الطعام والجميع يجلسون عليها، الحاج عبد الرازق وابنته وداد وحفيده فراج وحفيدته ازهار.
رمقهما فراج بنظرات مشتعلة بالغيرة والغضب وهو يتطلع الي يد رشيد المتشابكة مع يد كارمن. تحدث رشيد بهدوء وهو يقف أمامهم:
– صباح الخير.
رد عليه الحاج عبد الرازق:
– صباح النور يا بني.. تعالوا يلا خلونا ناكل لقمة مع بعض.
اومأ رشيد برأسه قائلا:
– حاضر.. بس بستأذن حضرتك اننا هنرجع القاهرة بعد الفطار علي طول لان عندي شغل هناك.
تحدثت وداد:
– ماتخليكم معانا كام يوم كمان على ما كارمن تخف ونطمن عليها.
تحدث رشيد:
– متقلقيش حضرتك على كارمن وان شاء الله قريب جدا هنرجع هنا في زيارة اطول من كده.. انتم اهل كارمن وانا مقدرش ابعدها عن اهلها.
نظرت اليه كارمن بدهشة، تحدث الحاج عبد الرازق:
– على راحتك يا بني.. بس بعد الفطار انا عايز اتكلم معاك انت ومراتك في موضوع مهم.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب قائلا:
– احنا تحت امر حضرتك.
*****
بعد انتهاءهم من تناول الطعام. تجمعوا بداخل القاعة، الحاج عبد الرازق، وفراج، ووداد، وكارمن، ورشيد.
جلس الحاج عبد الرازق فوق مقعده وتحدث الي رشيد:
– دلوقتي يا بني انت لازم تعرف ان مراتك لها ورث عندنا في الارض بتاعنا واكيد انت عارف ان الارض عندنا مبتخرجش برا العيلة.
أومأ رشيد برأسه قائلا:
– اعذرني حضرتك انا المفروض مليش علاقه بموضوع ورث مراتي ده نهائي.. هي مسؤوله مني وكل طلباتها واي فلوس تحتاجها مسؤوليتي.. لكن ورثها وارضها ده شئ بينكم وبينها وانا عارف مراتي ومتأكد ان هي ميهمهاش ارض قد ما يهمها ان يكون لها عيلة زيكم يحبوها ويخافوا عليها.
نظرت كارمن الي جدها واضافت على حديث رشيد بهدوء:
– وانا مش محتاجة ارض.. عمتي وداد هي احق مني بالأرض دي.. هي اللي اتظلمت ودفعت عمرها مقابل الارض.
نظرت اليها وداد وادمعت عيناها متأثرة بحديث كارمن امام الجميع. نظر الحاج عبد الرازق الي ابنته وداد وشعر بالذنب اتجاهها ثم عاد ببصره الي كارمن وتحدث:
– بس ده حقك يا بنتي.
تحدثت كارمن:
– انا مش عايزة اي حاجة غير انكم تحبوني ويبقى ليا عيلة واهل يسألوا عليا لو غبت عنهم.. صدقوني ده عند أغلي من كنوز الدنيا.
ابتسمت وداد وهي تنظر إلى كارمن بحنان، ابتسم الحاج عبد الرازق قائلا لها:
– واخده طيبة قلب ابوكي يا بنت صادق.. بس حقك لازم تخديه بما يرضي الله.. لما امك جت طلبت مني حقك انا رفضت عشان كنت عارف ان امك هتاخد منك الفلوس وتبهدلك معاها.. انما دلوقتي انتي في حماية راجل وحق الارض هتاخديه وانا مطمن عليكي.
نظرت كارمن الي رشيد ثم عادت ببصرها الي جدها، لا تعلم ماذا تقول. صمتت قليلاً ثم اردفت:
– طب ممكن بلاش اخد حقي في الارض ويفضل هنا معاكم.. انا خايفه اخد حقي في الارض وبكده تبقى انتهت العلاقة بينا.
تحدث فراج بعد صمت طويل منذ بدء الحديث بينهم جميعآ:
– مش الفلوس والارض بس اللي بتربطنا بيكي يا بنت عمي.. اللي بيربطنا دم واسم عيلة بيجمعنا كلنا.
نظر رشيد الي فراج ثم نظر الي الحاج عبد الرازق قائلا:
– الافضل لو حضرتك تحتفظ لكارمن بحقها في الارض بمعرفتك لان كارمن مش هتقدر تحافظ علي حقها.
نظرت اليه كارمن بغيظ، تجاهل نظراتها وتحدث الي الحاج عبد الرازق:
– اسمحلنا نتحرك دلوقتي عشان نلحق القطر.
تحدثت وداد بحزن:
وقف رشيد وتحدث باعتذار:
– ان شاء الله هنيجي نزوركم في اقرب وقت.
وقفت كارمن بخوف. اقتربت منها وداد وعانقتها بقوة وهمست لها بحنان:
– متخافيش من اي حاجة وفي اي وقت كلميني وهتلاقيني عندك.
أومأت كارمن برأسها وهي بداخل حضن عمتها.
علي الجانب الاخر وقف رشيد امام الحاج عبد الرازق وتحدث اليه الحاج عبد الرازق:
– مش هوصيك علي بنتنا يا رشيد.. انت هتاخدها دلوقتي امانه من دارنا ولو في يوم حاسيت انك مش هتقدر تحافظ عليها يبقى ترجعها هنا في بيتها معززه ومكرمه.
أومأ رشيد برأسه قائلا:
– متقلقش حضرتك.. كارمن مراتي وفي عينيا..
ثم صمت قليلا واضاف بداخله:
– بس ده ميمنعش اني لازم اربيها من الاول وجديد.
↚
صمت قليلا واضاف بداخله:
– بس ده ميمنعش اني لازم اربيها من الاول وجديد.
غادر رشيد منزل الهواري ومعه زوجته في طريقهم للعودة الي القاهرة.
****
في المساء.
استضافت سهير بداخل منزلها عدد من رجال الأعمال وسيدات المجتمع في حفل صغير اقامته بمنزلها لكي تستطيع عقد بعض الصفقات معهم ويقبلون المساهمه معها في انشاء مشروع خاص بها بعد ان اقتربت الأموال التي حصلت عليها مقابل ورثها بارض الهواري على النفاذ.
جلست امامهم جميعا تتحدث بكل فخر عن الارض التي تملكها بصعيد مصر ويمكنها بيعها لإنشاء المشروع الخاص بها لكنها لا تفضل بيعها في الوقت الحالي حتى يرتفع سعر الارض اكثر.
عرض عليها احد رجال الاعمال المساهمه معها في هذا المشروع الذي تريد انشاءه. حاولت سهير إخفاء سعادتها وهي تستمع الي عرضه.
استمعت الخادمة الي صوت جرس الباب وذهبت لكي تفتح الباب.
دخل رجل لم تراه الخادمة من قبل وتحدث اليها:
– مدام سهير موجودة؟
نظر الي المنزل من الداخل وابتسم ساخرًا عندما رآى كل هذا الثراء التي تعيش به سهير من جديد، استمع الي أصوات كثيرة تأتي من الداخل. لم يعطي فرصة للخادمة للرد عليها وتقدم الي داخل المنزل وهو ينظر حوله ويبتسم بسخرية.
حاولت الخادمة منعه من الدخول لكنه تقدم الي الداخل حيث تجلس سهير مع ضيوفها غير مبالي لأحد.
انتفضت سهير من مكانها عندما رأته امامها، نظر اليها والي المنزل وتحدث ساخرًا:
– مصدقتش لما قالولي انك رجعتي ومعاكي كل الفلوس دي!
اقتربت منه سهير وهي ترمقه بغضب وتهمس له بصوت منخفض خوفً من ان يستمع اليها ضيوفها:
– انت ايه اللي جابك هنا؟ مش انا كنت خلصت منك وانتهينا.
غمز لها بطرف عينيه واردف:
– اللي بينا عمره ما ينتهي كده يا سوسو.
رمقته بشمئزاز ثم نظرت خلفها الي الضيوف بتوتر وتحدثت اليهم:
– انا بعتذر جدا منكم..
ثم نظرت اليه قائلة له بهمس:
– تعالى معايا نتكلم جوه.
اخذته معها الي احدى الغرف، نظر الضيوف الي بعضهم وتحدثت احدي السيدات اليهم بهمس:
– دا تقريبا جوزها الاخير اللي اتجوزته قبل ما تسافر.
نظر احد رجال الاعمال الي صديقه الذي عرض علي سهير المشاركه معها بمشروعها:
– انت اتجننت!!..انت عايز تشارك سهير سالم.. دي نصابه والبلد كلها عرفاها!
نظر اليه الاخر بمكر قائلا:
– وانت فاكر ان انا هشاركها فعلا.. انا كنت عايز اعرف بس ايه حكاية الفلوس اللي ظهرت معاها فجأة وفين الأرض اللي هي بتملكها دي يمكن نعرف نطلع منها بمصلحة.
تحدثت احدى السيدات:
– مفيش حد بيعرف يطلع من سهير بمصلحة.
تحدث رجل اخر:
– انا من رأيي كفايه كده وخلونا نمشي.
وافقه الجميع وقاموا لكي يذهبوا.
بداخل الغرفة التي تقف بها سهير امام هذا المتطفل الذي دلف الي منزلها دون استأذان، تحدثت اليه بصوت منخفض وهي غاضبه:
– انت ازاي تيجي هنا لحد بيتي وكمان من غير استأذان! ؟
اجاب عليها ببرود:
– هو في حد بيستأذن برضه قبل ما يدخل بيت مراته!
هتفت بغضب وهي تحذره بيديها:
– مراتك اللي انت سرقتها! وبعدين احنا اطلقنا من زمان خلاص.. بقولك ايه.. انت تبعد عن طريقي ومش عايزة اشوفك قدامي مرة تانيه والا هسجنك.
ابتسم ساخرًا وهو يمسك بيديها التي تشير اليه بتحذير واردف بمكر:
– براحة بس عشان ايدك الرقيقه دي متتكسرش.. انتي ناسيه ان انا اللي اقدر اسجنك!
نظرت اليه بتوتر وابتلعت ريقها بصعوبه، دفع يديها بعيداً عنه واضاف ساخرًا:
– خليكي حلوة كده يا سهير وبلاش نهدد بعض لانك اول واحدة هتتسجني انتي وبنتك لو حد عرف اللي انا اعرفه.
ابتلعت ريقها وتحدثت بتوتر:
– انت عايز ايه بالظبط؟
نظر حوله واردف بطمع:
– عايز نصيبي من العز اللي انتي عايشه فيه ده.
ضحكت ساخرة:
– عز ايه!.. دا كان زمان قبل ما انت تسرق كل فلوسي.
نظر حوله وتحدث بطمع:
– يعني ايه؟ اومال كل العز ده منين وازاي!؟
اجابة عليه بغضب:
– دا شئ ميخصكش.. ياريت ترجع مكان ما كنت وتنساني خالص.
ابتسم بسخرية قائلا:
– عايزاني انسى ايه بالظبط! انسى الراجل اللي بنتك قتلته وانا دفنته بإيدي ولا انسى اللي انتي عملتيه في جوز بنتك!؟
حملقت به بصدمة ثم ركضت سريعا الي باب الغرفة وفتحته وتأكدت من عدم استماع احد لحديثهما ثم اغلقت الباب مرة اخري وعادت اليه تتحدث اليه بصوت منخفض:
– انت اتجننت! انت عارف لو حد سمع كلامك ده هيحصل فينا ايه؟
ضحك ساخرًا:
– انا مفيش اثبات عليا.. انتي وبنتك اللي هتروحوا في ستين داهية لو انا قولت اللي اعرفه.
رمقته بغضب وتحدثت اليه بنبرة حادة:
– قول من الاخر انت عايز ايه وخلصني؟
جلس فوق احد المقاعد براحة ثم تحدث ببرود وهو يضع قدم فوق الاخري:
– انا محتاج فلوس.
اقتربت منه وتحدثت بغضب:
– وانا هجبلك فلوس منين؟ متتخدعش في كل اللي انت شايفه ده! الشقه دي ايجار وانا معيش حتى ادفع ايجارها الشهر الجاي!
ابتسم بسخرية قائلا:
– وبنتك.. برضه معهاش تدفع تمن سكوتي؟
نظرت اليه وفكرت بداخلها، لا تعلم ماذا حدث مع كارمن وزواجها من رشيد وفراج، صمتت قليلاً ثم تحدثت اليه بغضب:
– سبني كام يوم كده افكر واقدر اجهزلك مبلغ تاخده وبعدها مش عايزة اشوفك تاني.
ابتسم ببرود ثم وقف من مكانه قائلا لها:
– طب مفيش اي حاجة امشي بيها حالي دلوقتي.. الحكاية مقشفرة معايا على الاخر.
تحدثت اليه بصوت غاضب منخفض:
– قولتلك مش معايا اي فلوس دلوقتي.
حدق بها بصمت ثم نزع العُقد الذي ترتديه بعنقها في حركة سريعه، صرخت سهير وهي تضع يديها فوق عنقها بصدمه، ابتسم ببرود وهو ينظر الي العُقد قائلا:
– اهو امشي نفسي بيه لحد ما تجهزيلي مبلغ معتبر.
رمقته بغضب وهو يبتعد عنها ويخرج من الغرفة، لحقت به سريعا حتى لا يقترب من ضيوفها ويتحدث معهم. صدمت عندما رآت الخادمة تنظف وترتب بعد ذهاب الضيوف، اقتربت منها وتحدثت بصدمة:
– الضيوف راحوا فين؟!
اجابة الخادمة باحترام:
– مشيو يا هانم من شوية.
ضحك الاخر بسخرية قائلا لها:
– معلش يا سوسو.. خيرها في غيرها.
رمقته بغضب وهو يخرج من منزلها، وقفت تنظر حولها بغضب ولا تفكر في حل الان غير كارمن وارثها في الارض.
****
↚
وصل رشيد ومعه كارمن امام البرج السكني الذي يمتلك به شقته التي تزوج بها كارمن منذ اربعة اعوام.
صعدت معه كارمن وهي خائفه منه وتتساءل بداخلها ماذا سيفعل بها بعد ان يغلق عليهما باب الشقه بمفردهما.
تقدم رشيد الي داخل الشقه وهو يحمل حقيبتها ويتذكر عندما اتى بها منذ اربعة اعوام بعد زواجهما وكان يحمل حقيبتها بنفس الطريقه.
دلفت كارمن الي الشقه وهي تنظر حولها بخوف وتوتر، اضاء رشيد الانوار واغلق باب الشقه عليهما بالداخل باستخدام المفتاح.
نظرت اليه كارمن بصدمة وارتجف جسدها بخوف قائلة بفزع:
– انت بتقفل الباب بالمفتاح ليه يا رشيد؟!
ابتعدت عنه خطوات الي الخلف وهي تنظر اليه بهلع وتضيف:
– انت هتموتني بجد ولا ايه؟
استغرب كثيرا من حديثها وخوفها الشديد منه وحاول الاقتراب منها قائلا:
– انتي شايفه ان اللي عملتيه فيا يستاهل اني اموتك؟
بكت بخوف واجابة عليه وهي تبتعد عنه وجسدها يرتجف بقوة:
– كان غصب عني والله يا رشيد.. انا اسفه.
جن جنونه وهو يهتف بها صارخًا:
– انتي بتجننيني بكلمة اسفه دي! نفسي تنطقي وتقولي انتي اسفه علي ايه؟ انتي ليه عملتي فيا كده؟!
بكت بخوف عندما اقتربت من الحائط ولا يمكنها الرجوع الي الخلف والابتعاد عنه اكثر. اقترب منها وهو يضيف:
– اتكلمي يا كارمن.. انتي كنتي فين طول الاربع سنين اللي فاتوا؟ ايه اللي حصل معاكي؟ قولي اي حاجة وانا هسمعك للاخر.. عرفيني انتي ليه عملتي فيا كده؟ في حد خوفك؟ حد هددك بحاجة وانتي خايفه تقوليلي؟!
هزت رأسها بخوف وهي تبكي واجابة بهلع:
– انا معملتش حاجه.. صدقني والله انا مليش دعوه بكل اللي حصل.
اقترب منها اكثر وامسك بذراعيها بقوة قائلا:
– طب مين اللي عمل فيا كده وانتي ليه اختفيتي وروحتي فين؟ وليه روحتي تزوري سعد بشار؟ انتي تعرفيه منين؟ هو اللي خوفك وهددك تعملي فيا كده؟
كانت تبكي بخوف وهلع وهو يمسك بذراعيها ويضغط عليها بقوة ويريد معرفة الحقيقه. لم تتحمل ضغطه عليها وسقطت بين يديه فاقدة الوعي من شدة الخوف والتوتر. خفق قلبه من شدة الخوف عليها وحملها سريعا الي غرفة النوم ووضعها فوق الفراش وهو يربت علي وجنتيها بقلق وينطق اسمها بلهفة وهي لا تستجيب له.
اخذ هاتفه سريعا وتحدث الي طبيب العائلة وطلب منه سرعة الحضور الي شقته. ثم اغلق الهاتف وجلس بجوارها وهي فاقدة الوعي ثم عانقها بقوة وهمس اليها بندم علي ما فعله من ضغطه عليها:
– انا اسف.
****
بعد ساعة كان الطبيب بداخل الغرفة يقوم بالكشف علي كارمن ورشيد يقف بجواره وينظر اليها بحزن.
اعطاها الطبيب حقنه وانتظر بعض الوقت حتى تستعيد وعيها. سأله الطبيب ماذا حدث معها حتى تفقد الوعي؟ تأملها رشيد بحزن واجاب عليه:
– كان في مشكلة بينا واتعصبت عليها شويه وفجأة لقيتها وقعت بين ايديا.
تحدث الطبيب وهو يحاول مساعدتها علي استعادت الوعي:
– هي دايما بيغمى عليها كده ولا دي اول مرة؟
اجاب رشيد:
– لا مش اول مرة.. هي دايما بتفقد القدرة علي الحركة كل ما بتتعرض لأي خوف او توتر وللسبب ده انا كنت ناوي اعرضها على دكتور نفسي بكره ان شاء الله.
أومأ الطبيب برأسه بتفهم وتابع تحرك رموش عيناها وهي تستعيد الوعي ببطئ، تابعها رشيد بلهفة، تحدث اليها الطبيب بهدوء لكي يجذب انتباهها اليه وتعود الي الوعي:
– مدام كارمن.. سمعاني؟
فتحت عيناها ببطئ وهي تستجيب اليه وتعود الي الوعي، اقترب منها رشيد وتحدث اليها بلهفة:
– كارمن .. حبيبتي انتي كويسه؟
نظرت اليه ثم نظرت الي الطبيب وهمست بصوت منخفض:
– انا فين؟
تحدث اليها الطبيب:
– مدام كارمن قوليلي انتي حاسه بإيه دلوقتي؟
نظرت اليه واجابة بصوت منخفض:
– مش حاسه بأي حاجة.
حدق بها الطبيب بدهشة قائلا:
– يعني ايه مش حاسه بأي حاجة؟
تابع رشيد الحديث بينهما بقلق وخوف عليها، اجابة علي الطبيب بتعب:
– مش حاسه بأي حاجة.. مش حاسه بجسمي كله.
حدق بها الطبيب بصدمة وتحدث:
– طب ممكن ترفعي ايدك كده!
اغمضت عيناها وفتحتها وهي تجيب عليه بتعب:
– مش قادرة.. حاسه ان ايدي تقيله اوي وكل جسمي مش حاسه بيه.
نظر اليها رشيد بصدمة ثم تبادلت النظرات بينه وبين الطبيب بدهشة. اخذه الطبيب وخرج من الغرفة ليتحدث معه بعيدا عنها:
– لازم دكتور متخصص يشوفها ضروري.. انا هرشحلك دكتور كويس جدا وقدر يعالج حالات كتير مشابها.. بس اهم شئ بلاش تضغط عليها او تزعلها في اي حاجة لحد ما الدكتور يشوفها.
تحدث رشيد بقلق:
– انا ممكن اسفرها تتعالج خارج مصر لو هيكون هناك افضل لها؟
اجاب الطبيب:
– الدكتور اللي هيتابع معاها هو اللي هيقول ايه الافضل لها متقلقش.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب وشكر الطبيب. ذهب الطبيب ووقف رشيد ينظر امامه بحزن، تنهد بتعب وهو ينظر الي غرفة النوم، قلبه يخفق بقوة من شدة الخوف عليها.. تذكر ما قالته قبل ان تفقد الوعي، من المؤكد ان هناك شئ يخيفها كثيرا ولا يمكنها اخباره به!
كانت نائمة فوق الفراش تفكر بخوف بعد ذهاب الطبيب، تتمنى الموت لكي ترتاح من كل هذا العذاب الذي تعيش به. دموعها تنسال على وجنتيها بصمت.
دلف الغرفة وهو ينظر اليها، اقترب منها وجلس بجوارها فوق الفراش. ابتعدت بوجهها بعيداً عنه حتى لا يرى دموعها. رفع يديه الي وجهها وجفف دموعها بيديه وتحدث اليها بحنان:
– انا اسف.. المفروض مكنتش اضغط عليكي كده.
بكت اكثر وهي تستمع الي كلماته الحنونه. اقترب منها اكثر وقبل أعلى رأسها بحب قائلا:
– بحبك.
ثم استند برأسه فوق مقدمة رأسها واضاف:
– عايزك تعرفي اني مصدقتش لحظة واحدة انك ممكن تخونيني وتكوني السبب في كل اللي حصلي.
↚
– عايزك تعرفي اني مصدقتش لحظة واحدة انك ممكن تخونيني وتكوني السبب في كل اللي حصلي.
بكت وهي تخفي بداخلها سر كبير جعلها تعيش حياة من الخوف والهلع، لا يمكنها اخباره بشئ، تخاف ان يعاقبها على ما فعلته ويضعها خلف القضبان الحديدي لتنتظر الحكم عليها بالموت او قضاء عمرها بالسجن حتى تموت.
ابتعد عنها وقبل أعلى رأسها مرة أخرى وهمس اليها بحنان:
– حاولي تنامي شويه وارتاحي.
أومأت برأسها وهي مازالت تبكي، جفف دموعها بيديه ووضع الغطاء فوقها باحكام، اغمضت عيناها تدعي النوم امامه، نظر اليها بحزن ثم خرج من الغرفة ليتركها تنام براحة.
فتحت عينها عقب خروجه من الغرفه وبكت بصوت مكتوم، تخشى ان يعلم الحقيقه ذات يوم، تعلم جيدا ان رشيد سيبحث عن الحقيقه ولن يهدأ حتى يعرف ماذا حدث. اغمضت عيناها مرة أخرى وهي تعود الي الماضي بذاكرتها وتذكرت ما حدث معها بعد ثلاثة شهور من زواجها من رشيد… ✋
لم ترى والدتها منذ زواجها من رشيد، حاولت الكثير من المرات الاتصال بها والاطمئنان عليها لكن والدتها رفضت الحديث معها وحرمت عليها رؤيتها بعد ان تزوجت رغماً عنها.
ذالك اليوم كانت هي بالجامعه ورشيد بعمله، رن هاتفها برقم والدتها، فرحت كثيرا ان والدتها تتصل بها واعتقدت انها اشتاقت اليها كما اشتاقت كارمن اليها وردت عليها سريعا بسعاده لكنها سرعان ما بهتت ملامحها بقلق عندما استمعت الي صوت رجل يتحدث اليها ويخبرها ان والدتها مريضه بالمنزل وتريد رؤيتها على الفور.
لم تفكر لحظة واحدة من هذا الرجل الذي تحدث اليها من هاتف والدتها، فقط ركضت من الجامعه وصعدت بداخل اول سيارة اجرة في طريقها وذهبت الي منزل والدتها في أسرع وقت. توقف عقلها تماما عن التفكير فقط تريد الاطمئنان علي والدتها.
ركضت الي منزل والدتها وطرقت على الباب بقوة.
فتح لها الباب رجل بملامح مخيفه مثل المجرمين وقطاع الطرق! نظرت اليه بخوف وتحدثت بتلعثم:
– حضرتك مين؟! هي ماما فين؟
تأملها من الأعلى الي الاسفل بنظرات وقحة متفحصً جسدها واجاب عليها:
– جوه تعبانه اوي وعايزة تشوفك بسرعه.
لم تفكر لحظه واحدة وركضت الي غرفة والدتها. حدقت بالفراش بصدمة عندما رأته فارغًا، التفت لكي تسأله عن والدتها لكنها تفاجأت به يقف خلفها مباشرة وينظر اليها بنظرات وقحة.
تراجعت الي الخلف قليلاً مبتعدة عنه وسألته بخوف وجسدها يرتجف بشدة:
– ماما فين؟!
اجاب عليها ساخرًا:
– وانتي عايزة ماما ليه.. اللي هيحصل بينا دلوقتي مينفعش ماما تشوفه!
حدقت به بصدمة وتراجعت اكثر الي الخلف وهي تتحدث بخوف:
– يحصل ايه..
ثم ارتفع صوتها وهي تصرخ بهلع:
– ماماااا
لم يجيب عليها احد! وهو ينظر اليها ويتأمل جسدها بوقاحة ويقترب منها بخطوات بطيئة قائلا:
– متتعبيش نفسك يا جميل.. امك مش هنا.
بلعت ريقها بخوف واشارة اليه بتحذير:
– طب لو سمحت ابعد عن طريقي عشان امشي من هنا.
تحدث ساخرًا وهو ينظر بطرف عينيه الي الكاميرا الصغيرة المثبته بالحائط:
– ما انتي هتمشي من هنا.. بس لما اخد اللي انا عايزه الاول.
ازداد رعبها اكثر وهو يقترب منها، صرخت بخوف وحاولت الركض خارج غرفة والدتها، امسك بها بقوة ومنعها من الخروج من الغرفة وحملها بقوة الي الفراش، كانت تصرخ بكل صوتها ولا احد يجيب علي صراخها، حاولت الدفاع عن شرفها بكل قوتها، كانت تركله بقدميها وذراعيها وتصرخ وتبكي لكنه كان الاقوى منها.
لم تستسلم له وقامت بركله بقوة ودفعه بعيدا عنها وركضت مسرعه خارج الغرفة، لحق بها مسرعا وامسك بها مرة أخرى وهي تصرخ ولا تجد احد يأتي لأنقاذها، دفعته بعيدا عنها مرة اخري ولم تشعر بشئ الا وهي تأخذ احد التحف من فوق الطاولة وقامت بضربه بقوة فوق رأسه، شعر بدوار خفيف اثر الضربه لكنها لم تستسلم وكررت الضربة اكثر من مرة بطريقه سريعه فوق رأسه حتى سقط امام عينها علي الارض ودماءه تسيل من رأسه.
القت ما بيدها ارضًا بجواره وهي تنظر اليه بصدمة، الدماء جعلتها في حالة من الذهول.
جلست علي الارض امامه تنظر الي جسده الهامد امامها. تجمدت قدميها من الصدمة ولم تستطيع التحرك من مكانها.
لم تعلم كم من الوقت وهي علي هذه الحالة حتى عادت والدتها الي المنزل ومعها زوجها الجديد.
شهقت سهير بصدمة بعد رؤيتها لـ ابنتها تجلس بمنتصف الشقه صامته وامامها جسد رجل ينزف الدماء.
ركضت اليها سهير بصدمة تتحدث اليها بهلع:
– كارمن!! ايه اللي حصل ؟ مين الراجل ده؟!
ركض زوج سهير الي جسد الرجل وتفحصه ثم تحدث الي سهير بصدمة:
– نهار اسود بنتك قتلته!
التفتت سهير تنظر اليه بصدمة وصرخت به:
– ده مين اصلا وازاي دخل هنا!! ؟
ثم نظرت الي ابنتها مرة أخرى وتحدثت اليها بصراخ:
– مين ده يا كارمن؟ انتوا ازاي دخلتوا هنا وايه اللي حصل؟!
نظرت كارمن الي والدتها وتحدثت ببكاء:
– انا قتلته؟
حدقت بها سهير بصدمة قائلة:
– هو مين ده؟
بكت كارمن ولم تستطيع الحديث. وقف زوج سهير وتحدث اليها:
– الراجل مات يا سهير.. هنعمل ايه؟!
نظرت اليه سهير بصدمة ثم نظرت الي ابنتها وتحدثت بتوتر:
– مش عارفه.. انا اصلا مش فاهمة ايه اللي حصل وازاي ده دخل هنا؟ ..
ثم نظرت الي ابنتها وتحدثت اليها مرة أخرى:
– كارمن.. قوليلي ايه اللي حصل؟ مين الراجل ده وليه قتلتيه؟!
كانت كارمن تبكي وتعانق جسدها بخوف وهي تنظر الي جثمان الرجل، اجابة علي والدتها بتلعثم:
– مش عارفه ده مين.. هو كلمني من تليفونك وقالي انك تعبانه.
حدقت بها سهير بصدمة، توتر زوج سهير وتحدث اليها:
– مش وقته الكلام ده يا سهير.. احنا لازم نلاقي حل بسرعه.
نظرت اليه سهير وتحدثت بقلق:
– مفيش حل غير اننا نبلغ الشرطة!
تحدث زوجها بقلق:
– لا شرطة ايه!.. لو بلغنا الشرطة كلنا هنروح في داهية ومش بعيد بنتك تتعدم فيها وانتي كمان تاخدي مؤبد عشان الجريمة دي حصلت في بيتك.
شهقت سهير بصدمة وتحدثت بقلق:
– والحل ايه دلوقتي؟!
نظر زوجها الي جسد الرجل وتحدث:
– لازم ننقل الجثة دي بعيد عن هنا وبكده محدش هيعرف مين القاتل.
نظرت اليه سهير بدهشة قائلة:
– هننقله من هنا ازاي مش فاهمه..
ثم تعصبت واضافة:
– انا دماغي خلاص وقفت عن التفكير مش قادرة افكر.
تحدث اليها زوجها:
– حاولي تهدي انتي خالص وخدي بنتك جوه وخليها تهدا كده وتغسل ايديها ووشها وانا هتصرف.
حدقت به سهير بستغراب ثم أومأت برأسها واقتربت من كارمن وتحدثت اليها:
– كارمن تعالي معايا ندخل جوه احنا.
نظرت اليها كارمن وهي تبكي واردفت:
– مش حاسه برجلي يا ماما.
زفرت سهير بعصبيه قائلة:
– وده وقته تجيلك الحالة الزفت دي!
اقترب زوج سهير منها قائلا:
↚
– انا ممكن اشيلها ادخلها جوه لو مش قادرة تقف على رجليها.
رمقته سهير بغضب قائلة:
– لا خليك انت شيل المصيبة التانيه ده وخلصنا منه.
ثم تحدثت الي كارمن:
– حاولي تقومي معايا يا كارمن وانا هسندك لحد جوه.
مدت يديها لـ ابنتها واستندت كارمن عليها ورفعتها سهير بكل قوتها عن الأرض واخذتها الي داخل غرفة كارمن القديمة.
ساعدتها حتى الفراش، جلست كارمن فوق الفراش وهي تبكي وتتحدث الي والدتها:
– يعني هو مات بجد يا ماما؟
نظرت اليها والدتها وتحدثت بغضب:
– انا مش فاهمه انتي ايه اللي جابك هنا! ودخلتي هنا ازاي انتي والمصيبه ده؟!
اجابة كارمن وهي تبكي بخوف:
– هو كلمني من تليفونك وقالي انك تعبانه وانا جيت بسرعه عشان اطمن عليكي وهو كان موجود هنا لوحده وحاول…..
حدقت بها والدتها بصدمة:
– حاول ايه؟!
اجابة كارمن بخوف وبكاء:
– حاول يغتصبني يا ماما وانا كنت بدافع عن نفسي والله مكنش قصدي اقتله.
حدقت بها والدتها بذهول ثم ابتلعت ريقها بصعوبه وهي تفكر في حديث ابنتها! تعلم جيدا ان كارمن لا تكذب ودائماً تقول الحقيقه، وضعت يديها فوق رأسها بعد ان توقف عقلها عن التفكير، لا تفهم شئ من ما حدث! تتذكر انها لم تجد هاتفها منذ الصباح واصرار زوجها على خروجهما من المنزل في هذا الوقت زرع الشك بقلبها.
نظرت اليها كارمن وهي تبكي قائلة:
– هما هيموتوني يا ماما عشان قتلته؟ انا مكنش قصدي والله.. انا كنت بدافع عن نفسي.
نظرت اليها سهير بصمت وهي تفكر ماذا تفعل الان وكيف تواجه زوجها بشكوكها به انه هو من رتب لكل ذالك! نظرت كارمن امامها وتحدثت بخوف:
– اكلم رشيد واقوله اللي حصل؟
صرخت بها والدتها:
– رشيد مين اللي تكلميه انتي اتجننتي! انتي ناسيه ان رشيد ظابط، يعني هو اول واحد هياخدك من ايدك لحبل المشنقه!
بكت كارمن اكثر بخوف، زفرت سهير بغضب وتحدثت اليها بعصبيه:
– كفايه عياط بقى وترتيني وتعبتي اعصابي ارحميني.
وقفت سهير من مكانها واضافة بغضب:
– حاولي تقومي تغيري لبسك ده.. لسه ليكي هدوم هنا في الدولاب بتاعك.. خدي اي حاجة البسيها واغسلي وشك وايدك وانا هخرج اشوف المصيبه اللي برا.
خرجت سهير من الغرفة واغلقت الباب على ابنتها، ارتمت كارمن فوق الفراش وهي تبكي بخوف.
اقتربت سهير من زوجها وهو يقوم بتنظيف الدماء من فوق الارض، وقفت امامه وهي تنظر الي جسد الرجل علي الارض وتحدثت:
– هنعمل ايه دلوقتي؟
اجاب عليها وهو ينتهي من تنظيف الدماء:
– انا كلمت رجاله اصحابي هيجوا يشيلوه ويرموه في اي مكان مهجور بعيد عن هنا.
حدقت به بصدمة قائلة:
– وأصحابك هيشيلوه ازاي.. وبعدين هما مش ممكن يبلغوا عننا؟!
نظر اليها بثقة قائلا:
– دول اصحاب عمري وانا واثق فيهم متقلقيش.
وقفت تنظر اليه بدهشة، تسلل الي داخلها الشعور بالخوف، يبدو انها تزوجت من زعيم عصابه. لم يمر علي زواجهما سوى اسبوع واحد وكل يوم تكتشف انها اخطأت في الاختيار هذه المرة!
دقائق قليلة ورن جرس الباب، انتفض جسد كارمن بداخل غرفتها، جلست سهير مكانها تتابع ما يحدث، ذهب زوج سهير وفتح الباب لاصدقائه. كانوا يرتدون الزي الرسمي لرجال الاسعاف وجاؤ بسيارة الاسعاف حتى لا يشك بهم احد، حدقت بهم سهير بدهشة! كيف استطاع زوجها ان يرتب لكل هذا ويأتي اصدقائه في زي رجال الاسعاف وهم علي كامل الاستعدادات بهذه السرعة! شعرت انها وسط مجموعه من المجرمين.
استقبل زوجها اصدقائه وتحدث إليهم:
– بسرعه يا رجاله عايزكم تاخدوه من هنا وميظهرلوش اثر.
اقترب اصدقائه من الجثمان وحملوه واخذوه بطريقه تبدو لمن يراهم انهم يأخذون مريض الي المشفى.
جلست سهير بصدمة تتابع ما حدث أمامها، اغلق زوجها الباب خلف اصدقائه بعد ذهابهم وعاد اليها وكأن شئ لم يحدث! حدقت به صدمة قائلة:
– هو ايه اللي حصل ده؟ ازاي قدرت تتقف معاهم بالسرعه دي انهم يجيو بسيارة اسعاف ولبسهم وكل حاجة بتآكد انهم مسعفين؟!
اجاب عليها زوجها:
– انا حاولت احل مشكله بسرعه عشان انتي وبنتك متتأذوش.
وقفت من مكانها واقتربت منه وتحدثت اليه بمكر:
– انا سألت بنتي ايه اللي حصل وقالتلي ان الراجل ده كلمها من تليفوني وقالها اني تعبانه وعايزه اشوفها ضروري وعشان كده كارمن جت بسرعه ولقته هنا في البيت وهو اللي فتحلها وكمان حاول يعتدي عليها!
بلع زوجها ريقه بتوتر وهو يستمع الي حديثها، حدقت به سهير اكثر واضافة:
– تفتكر مين اللي سمحله يدخل بيتي وكمان كان عنده الجرءه انه يعمل كده في بنتي!
نظر اليها زوجها وتحدث بتوتر:
– قصدك ايه يا سهير؟!
اجابة بقوة:
– قصدي ان اللي حصل ده انت لك يد فيه.. انت اللي اصريت اننا نخرج من البيت في الوقت ده ولما اكتشفت اني نسيت تليفوني في البيت هنا وقولتلك ان انا عايزة ارجع اخده انت منعتني.. وكمان اللي انت عملته دلوقتي انت والعصابه اللي معاك! كل دي حاجات لازم تشككني فيك.
نظر اليها بصدمة ثم ابتسم ساخرًا:
– برافو عليكي يا سهير.. اسمع ان طول عمرك ذكيه!
حدقت به بصدمة وتحدثت اليه بعصبيه:
– يعني انت فعلا اللي رتبت لكل ده؟!.. طب ليه؟ ايه اللي كنت هتستفاده لو الحيوان اللي انت بعته ده قدر يعتدي على بنتي؟!
اجاب عليها ببرود:
– مش انا اللي كنت هستفاد يا سوسو.. انا كنت بنفذ اوامر مش اكتر.. وبسبب الغبي اللي مات ده كل الخطط بتاعنا هتتغير.
حدقت به بذهول قائلة:
– خطط ايه؟ انا مش فاهمه حاجة؟ ايه علاقة بنتي بكل اللي انت بتقوله ده؟!
اجاب عليها:
حدقت به سهير بذهول قائلة:
– يعني انت اتجوزتني عشان تصفوا حساباتكم مع جوز كارمن؟!
🙂🙂
↚
(ملخص قصير لأخر الاحداث قبل توقف الرواية في شهر رمضان) وقفنا للفصل 24 لما كارمن افتكرت اللي حصل معاها في بيت مامتها من 4 سنين، لما شخص اتصل عليها وقالها ان مامتها تعبانه وهي راحت بيت مامتها والشخص ده حاول يغتصبها وهي قتلته في الدفاع عن نفسها ومامتها وجوز مامتها بيرجعوا البيت ويعرفوا اللي حصل مع كارمن وسهير بتشك ان جوزها هو اللي رتب لكل ده وبتحصل مواجهة بين سهير وجوزها لما يعترفلها انه قاصد ينتقم من رشيد وهيطلب مساعدة سهير في انتقامهم من رشيد.
#بداية_الفصل 25
حدقت به سهير بذهول قائلة:
– يعني انت اتجوزتني عشان تصفوا حساباتكم مع جوز كارمن؟!
ابتسم بمكر وهو يقترب منها واجاب:
– مين قال كده يا سوسو.. انا اتجوزتك عشان حبيتك..
عقدت ما بين حاجبيها وهي تتعمق بالنظر اليه.. غمز لها بطرف عينيه واضاف:
– بس حبي ليكي اكيد مش هيمنع اننا ننتقم من جوز بنتك وبرضه هيكون لكي الحلاوة.
حدقت به بدهشة وهي تفكر في عرضه عليها الغير مباشر لكي تشاركه ما يريد فعله في زوج ابنتها، التفتت تنظر الي غرفة ابنتها وتحدثت اليه بصوت منخفض:
– يبقى خلينا نوصل كارمن بيت جوزها الأول عشان جوزها ميحسش بحاجة، ولما نرجع نبقا نكمل كلامنا ونتفق.
ابتسم زوجها وهو يتحدث بثقة:
– هنتفق انا متأكد انك ذكيه ومستحيل تضيعي فرصه زي دي.
أومأت برأسها وهي تتجه الي غرفة ابنتها لكي تراها. وقف زوجها يزفر بغيظ عقب ابتعادها عنه وهمس بصوت منخفض:
– قد ايه انتي حقيره يا سوسو!
دلفت سهير الي غرفت ابنتها واقتربت منها تتحدث اليها ببرود:
– ايه يا كارمن؟ حاسه بإيه دلوقتي؟!
كانت كارمن مازالت تبكي بخوف، همست بصوت ضعيف واجابة علي سؤال والدتها:
– انا خايفه اوي يا ماما.. الراجل مات خلاص؟
زفرت سهير بغضب وتحدثت اليها بقوة:
– ما يموت ولا يولع انتي شاغله نفسك بيه ليه؟! قومي اقفي علي رجلك وانسي كل اللي حصل هنا ومش عايزة حد يعرف اي حاجة عن اللي حصل.. وخصوصا جوزك يا كارمن اظن انتي فهماني.
تحدثت كارمن بخوف:
– يعني هو مات؟
اجابة والدتها بقسوة:
– ايوه مات يا كارمن.. كده ارتحتي؟!
شهقت كارمن وبكت بانهيار:
– يعني انا قتلت.. هيعدموني يا ماما.
جلست سهير امامها وتحدثت اليها بقوة:
– لو سمعتي كلامي مش هيعدموكي ولا حاجة يا كارمن.. مش لازم حد يعرف بلي حصل وخصوصا جوزك.
نظرت اليها كارمن وهي تبكي، اضافة والدتها بثقة:
– رشيد ظابط يا كارمن وشغله اهم حاجة في حياته ولو عرف اللي انتي عملتيه هو اول واحد هيلف حبل المشنقه حوالين رقبتك.
ارتجف جسدها وهي تستمع الي حديث والدتها، ربتت سهير علي ظهرها واضافة:
– انتي لازم تهدي وتنسي كل اللي حصل وانا هوصلك بنفسي دلوقتي بيت جوزك عشان ميحسش بتأخيرك ويشك في حاجة.
أومأت برأسها وهي تجفف دموعها وهمست وجسدها يرتجف بشدة:
– انا خايفه اوي يا ماما.. انا قتلته غصب عني والله.. كنت بدافع عن نفسي.
أومأت سهير برأسها وتحدثت بجمود:
– انسي كل اللي حصل يا كارمن.. وخلينا نوصلك بيت جوزك ولأخر مرة احذرك اوعي تغلطي قدامه او يشك فيكي.. رشيد لو عرف اللي انتي عملتيه صدقيني هو اول واحد هيحطك في السجن.
هزت كارمن رأسها بالايجاب وهي تستمع الي حديث والدتها بخوف. ساعدتها والدتها علي الوقوف وأخذت يديها وقامت بمساندتها الي خارج الغرفه ومنها إلى السيارة، جلست كارمن بداخل السيارة وهي تبكي بخوف، انطلق بهما زوج سهير الي حيث مسكن كارمن مع زوجها رشيد وساعدتها سهير على الصعود الي شقتها ثم تركتها بمفردها بعد تأكيدها عليها للمرة الاخيرة ان لا تخبر رشيد بما حدث معها وحذرتها من رشيد واستمعت كارمن لتحذير والدتها وجلست بداخل غرفة النوم تفكر بخوف ماذا سيحدث اذا علم رشيد بما فعلته وقتلها لهذا الرجل؟! كل ما حدث معها منذ ذهابها الي منزل والدتها حتى عودتها الي منزل زوجها الان كان مثل الكابوس وكأنها تشاهد احد افلام الرعب! لا تصدق ان يديها اصبحت ملطخة بدماء بشر!
لم تتحرك من الغرفة حتى المساء، كانت تعانق جسدها وتبكي ثم تصمت وتجفف دموعها وتحاول رسم الهدوء المصطنع حتى تستطيع مواجهة رشيد بعد عودته من عمله لكنها كانت تفشل في كل مرة وتعود للبكاء مرة اخري حتى عاد رشيد من عمله واتجه الي غرفة النوم يبحث عنها لكنها سرعان ما جففت دموعها وادعت النوم امامه.
اقترب منها رشيد وجلس بجوارها فوق الفراش يداعبها ويتحدث اليها بمرح لكي تستيقظ لكنها اخبرته بصوت ضعيف انها مريضه وتحتاج للراحة وعندما طلب ان يأخذها للطبيب رفضت بشدة واخبرته انها تريد النوم فقط في هدوء، لم يستغرب رشيد من شئ واعتقد انها مريضه حقا.
تبدلت كارمن كليا بعد هذا اليوم، لم تعد كارمن الفتاة التي تزوجها منذ ثلاثة اشهر! دائما صامته، شارده، دموعها تتساقط في بعض الاحيان دون ان تشعر بها، كلما اقترب منها كان جسدها ينتفض بين يديه وتحدق به بذعر وتبتعد عنه سريعا، حاول الكثير من المرات معرفة سبب حزنها وخوفها لكنها كانت تتحدث معه بعدوانيه كلما سألها ماذا بها… ✋
عادت من ذكرياتها المؤلمة وهي تجفف دموعها وتعانق جسدها، حاولت الهروب من تلك الذكريات بالنوم واغمضت عيناها، لم تتحمل كل هذا الضغط العصبي والنفسي الذي تمر به.
بخارج الغرفة كان يجلس رشيد فوق الاريكه يفكر في حالة كارمن ويشعر ان هناك شئ تخفيه كارمن عنه وتخاف ان تخبره به، شعر ببتعادها عنه رغم وجودها معه في نفس المنزل، هناك شئ يقف بينهما وكأنه حاجز يريد تفريقهما، تنهد بتعب وهو يتمدد فوق الاريكة ويفكر من اين يبدأ لكي يعلم الحقيقه.
*****
صباح اليوم التالي.
استيقظ رشيد علي صوت جرس الباب، كان نائما فوق الاريكة منذ ليلة امس. اعتدل فوق الاريكة وهو يحاول فتح عينيه بتعب، وقف واتجه الي الباب وفتحه.
ابتسمت مايا وهي تحمل بيديها كوبان من القهوة الساخنه وتضعهما امامه وتتحدث بمرح:
– صباح الخير.. انا قولت اجي اشرب قهوتي معاك النهارده.. موافق ولا هتحرجني؟
نظر اليها بستغراب وتحدث بهدوء:
– اتفضلي.
تقدمت الي الداخل وهي تحمل كوبان القهوة وتنظر حولها باهتمام حتى رأت الغطاء فوق الاريكة وعلمت انه كان نائما هنا، ابتسمت بثقة ثم التفتت اليه وتحدثت بنبرة مرحة:
– ايه رأيك نشرب القهوة هنا ولا في البلكونه احسن؟
فرك بيديه فوق شعره بنعاس ثم اجاب عليها بهدوء:
– انا محتاج افوق بس لاني نايم في وقت متأخر.. هروح اغسل وشي واغير وارجعلك.
اومأت برأسها وهي تبتسم بسعادة، تركها وذهب الي غرفة النوم لكي يبدل ثيابه ويعود اليها. وقفت مايا تنظر الي الاريكة والغطاء فوقها وهي تبتسم بثقة بعد ان تأكدت من نومه هنا انه يعيش وحيد بالشقه ولم تشاركه زوجته الشقه كما اخبرها سابقاً، تحركت من مكانها سريعا واتجهت الي المطبخ لتعد له وجبة افطار خفيفه بجانب القهوة.
بداخل غرفة النوم.
استيقظت كارمن منذ استماعها الي صوت جرس الباب ثم استماعها الي صوت فتاة تتحدث اليه في الخارج ثم دخوله الغرفة.
اعتدلت فوق الفراش مع دخوله الغرفة وإغلاقه الباب من الداخل حتى يبدل ثيابه، نظرت اليه بدهشة قائلة:
– هو في ايه؟!
نظر اليه وهو يتجه الي خزانة الثياب واجاب عليها بهدوء:
– مفيش حاجة.
حدقت به واردفت بستغراب:
– انا سمعت صوت بنت بتتكلم معاك برا دلوقتي.. مين دي؟
اجاب دون اهتمام وهو يأخذ الثياب من الخزانة:
– دي صديقه ليا من زمان وجايه تشرب القهوة معايا.
اعتدلت فوق الفراش اكثر بصدمة قائلة بنبرة حادة:
– نعم.. يعني ايه صديقه لك وجايه تشرب معاك القهوة هنا؟ ومن امتى انت عندك أصدقاء بنات وبيجولك الشقه هنا؟!
توقف للحظات ينظر اليها واستغرب صدمتها ونبرت صوتها الحادة وغيرتها الواضحة، لم يتوقع انها سوف تغار من مايا، فهو لم يرحب بوجود مايا وبما فعلته الان ومجيئها الي بيته بمفردها ولكنه لم يريد احراجها.
غضبت اكثر عندما حدق بها بصمت ولم يجيب عليها، صدح صوت مايا خارج الغرفة تتحدث اليه:
– رشيد انا جهزتلك فطار مع القهوة.. يلا متتأخرش عليا القهوة هتبرد.
نظر رشيد الي باب الغرفة بصدمة وهو يستمع الي حديث مايا، حدقت به كارمن بصدمة وتحدثت بذهول:
– فطار وقهوة!.. دا انا عمري ما عملتلك فطار وقهوة! وتقولي أصدقاء!!
نظر اليها رشيد وتحدث ساخرًا:
– للأسف الاصدقاء هما اللي بيعملوا فطار وقهوة دلوقتي.
لمعت عيناها بالدموع وتحدثت بحزن:
– مين دي بجد يا رشيد؟
اجاب عليها ببرود وهو يأخذ ثيابه ويتجه الي المرحاض:
– قولتلك صديقة.
دلف الي المرحاض ونظرت كارمن امامها بحزن ثم نظرت الي قدميها بعد ان شعرت باستعادت الشعور بهما من جديد، حاولت الوقوف علي قدميها لكي تذهب وترى من هذه الفتاة التي جاءت الي منزل زوجها وتعد له الفطار والقهوة، تعلم جيدا ان ما تفعله لم يكن بدافع الصداقه كما يخبرها رشيد انها مجرد صديقه.
اقتربت من باب الغرفة وفتحته بهدوء فتحه صغيره لكي تراها ولكنها عجزت عن رؤيتها.
خرج رشيد من المرحاض بعد ان بدل ثيابه وتفاجئ بوقوف كارمن امام الباب تحاول رؤية من في الخارج، ابتسم بسعادة عندما رأها تقف على قدميها. اقترب منها ووقف خلفها وهي تقف امام الباب، اغلق الباب بيديه من خلفها، شهقت كارمن بخوف لانها لم تشعر بخروجه من المرحاض بسبب تركيزها علي رؤية الفتاة بالخارج.
التفتت تنظر اليه بعيناها اللامعه وتحدثت اليه بتلعثم:
– مين البنت دي يا رشيد؟ انت بتحبها؟
استغرب سؤالها وتحدث بدهشة:
– بحبها!!
نظرت اليه كارمن بخوف، زفر رشيد بغضب ثم امسكها من معصمها وفتح باب الغرفة وخرج بها. شهقت كارمن وتفاجأت عندما اخذها من يديها وخرج بها وتوقف امام الفتاة التي كانت تضع بيديها الزهور على طاولة الطعام وكأنه منزلها.
اتصدمت مايا عندما رأت رشيد ومعه فتاة بجواره يمسك بيديها. احاط بيديه خصر زوجته وتحدث الي مايا بهدوء:
– معلش يا مايا اتأخرت عليكي اصل مراتي كانت لسه نايمه وكان لازم اصحيها عشان حابه تتعرف عليكي.
جف حلق مايا من الصدمة وشعرت كارمن انها علي وشك الاغماء من شدة التوتر والاحراج. حدقت مايا في زوجته وتذكرتها علي الفور، هي نفس الفتاة التي تقابل معها رشيد بالحفل وجرحت يديها، تتذكرها مايا جيدا، استرسل لها عقلها سريعا؛ كيف ومتى تزوج هذه الفتاة!
بللت لعابها وهي تحدق بزوجته ثم مدت يديها اليها وتحدثت بتلعثم:
– اهلا بيكي..
↚
نظرت كارمن الي يديها بعض اللحظات قبل ان تبادلها السلام، ثم رفعت يديها بهدوء وبادلتها السلام، ضغطت مايا على يديها واضافة بمكر:
– بس انا متهيألي اننا اتقابلنا قبل كده بس مش فاكرة فين!
سحبت كارمن يديها من يد مايا سريعا، ضغط رشيد على خصر كارمن وقربها اليه اكثر واجاب علي مايا بهدوء:
– اكيد شوفتيها معايا يا مايا.
نظرت مايا بغيره الي يديه التي تحيط بخصر زوجته ثم نظرت الي الاريكه التي كان ينام عليها بعيدا عن غرفة نومه وأمأت برأسها قائلة:
– اكيد..
تحدث رشيد بهدوء:
– خلونا نفطر مع بعض.
تحدثت مايا بتوتر:
– لا اعذروني انا اتأخرت ولازم امشي حالا.. عن اذنكم.
تحركت سريعا واخذت حقيبتها واتجهت الي باب الشقه وخرجت منه مسرعه. ترك رشيد خصر كارمن عقب خروج مايا وابتعد عنها قليلاً.
حدقت كارمن في الفراغ للحظات عقب ذهاب مايا وتتذكر عندما تقابلت معها في الحفل وكانت هذه الفتاة بصحبة رشيد، اعتقدت ان هناك علاقة قويه تجمعهما، شعرت بالغيرة الشديدة وتحدثت اليه بنبرة حادة:
– واضح ان وجودي قطع عليكم الفطار الرومانسي ده.. ياترى بقا هي متعوده تيجي تفطر معاك كده على طول من امتى؟
رمقها بنظرات غامضة ثم تحدثت اليها بغضب:
– واضح انك نسيتي ان انا اصلا مش بحب افطر.
حدقت به بصدمة، رمقها بغضب وابتعد عنها وهو يضيف:
– ادخلي اجهزي عشان هنروح للدكتور.
تركها واتجه الي الشرفة وهي تقف مكانها تحدق بالفراغ بصدمة، تذكرت انه حقا لا يتناول وجبة الافطار وقد اخبارها بذالك عندما تزوجا، اغمضت عيناها بحزن وتنهدت بتعب.
*****
بداخل شقة سهير.
جلست سهير تفكر ماذا تفعل الان بعد تهديد زوجها السابق لها، لم تفكر في حل سوى كارمن وارثها. اخذت هاتفها وتحدثت الي هاتف ابنتها ووجدته مغلقا، اخذت تفكر قليلاً ثم قررت التحدث الي الحاج عبد الرازق وسؤاله عن كارمن.
اجاب عليها الحاج عبد الرازق بعد عدة محاولات منها بالاتصال به، تحدثت اليه بتوتر عقب استماعها الي صوته الحاد:
– السلام عليكم.. ازيك يا حاج اخباركم ايه.. انا سهير مامت كارمن.
استمعت الي صوته الحاد وهو يجيب:
– عليكم السلام.. خير يا ست سهير؟
بللت لعابها وتحدثت بتوتر:
– كنت عايزة اطمن علي كارمن تليفونها مقفول.. ممكن تخليها تكلمني لو سمحت.
اجاب عليها بصرامة:
– بنتك بخير وفي حماية جوزها وميتخفش عليها.. ابعدي عنها وسبيها في حالها.
توترت سهير قائلة:
– جوزها مين؟
اجاب بنفاذ صبر:
– جوزها اللي انتي قولتي انه طلقها!
شهقت سهير وتحدثت بقلق:
– يعني كارمن دلوقتي مع رشيد؟
اجاب عليها بصرامة:
– قولتلك ملكيش صالح بيها وسبيها مع جوزها وابعدي عنهم.
توترت سهير من صوته الحاد القوي وتحذيره لها واغلقت المكالمة. نظرت الي الهاتف وشردت قليلا وهي تهمس بنبرة حائرة:
– اعمل ايه دلوقتي وازاي هوصل لـ كارمن.. اكيد رشيد خدها شقتهم اللي اتجوزوا فيها.
*****
اخذ رشيد كارمن الي عيادة الطبيب الذي رشحه له طبيب العائلة لمتابعة حالتها ومعرفة سبب هذا الشلل المؤقت الذي يحدث لها كلما تعرضت للخوف او ضغط عصبي!
جلست كارمن امام الطبيب وجلس رشيد مقابلا لهما يتابع حديث الطبيب معها.
رحب الطبيب بها وبدء الحديث معها وسؤالها بعض من الاسئلة ومدونة اجابتها امامه.
الاسم والسن والحالة الاجتماعية والمؤهل الدراسي وكل شئ خاص اراد الطبيب معرفته عنها حتى يعلم عنها كل شئ قبل بدء المتابعه معه.
تفاجئ رشيد من ردودها علي الطبيب عندما اخبرت الطبيب بالمؤهل الدراسي واكتشف رشيد انها اتمت دراستها بالخارج.
اصبح على علم الان اين اختفت كارمن تلك السنوات، كانت تدرس بإحدى الدول الأجنبية برفقة والدتها.
تابعها رشيد باهتمام عندما سألها الطبيب:
– متجوزة بقالك قد ايه؟
اجابة بتوتر وهي تنظر الي رشيد:
– حوالي اربع سنين او اكتر شويه.
دون الطبيب اجابتها وسألها مرة أخرى:
– في اطفال؟
شحب وجهها بخوف وتوترت بشدة ثم نظرت الي رشيد بخوف واجابة بتلعثم:
– لا مفيش.
سألها الطبيب مجددا:
– واخدين قرار بتأخير الحمل؟ ولا في مشكله صحية تمنع حدوث الحمل؟
شحب وجهها بشدة اكبر وهي تنظر الي رشيد بخوف وتوتر. حدق بها رشيد بستغراب. بللت لعابها واجابة بخوف وتلعثم:
– حصل حمل مرة في اول جوازنا.
انتفض رشيد من مكانه يحدق بها بصدمة وهتف بذهول:
– انتي بتقولي ايه؟ حصل حمل امتى؟!
تكومت بجسدها بخوف وهي تنظر اليه بهلع، وقف الطبيب مسرعا امام رشيد وتحدث اليه بهدوء:
– لو سمحت ممكن تهدا.
نظر اليه رشيد بصدمة وتحدث بجنون:
– حضرتك سمعت هي قالت ايه دلوقتي!! انا اول مرة اعرف دلوقتي ان مراتي كانت حامل ومش عارف حتى ايه اللي حصل في الحمل ده!
ثم نظر اليها وتحدث بغضب:
– الحمل ده حصل امتى؟
اجابة عليه بخوف:
– اول لما اتجوزنا.
حدق بها بصدمة وتحدث بلهفة:
– وانا ازاي معرفش؟ وحصل ايه في الحمل؟
بكت بخوف واجابة وهي تخفض وجهها ارضً:
– حصل اجهاض في الشهور الأولى.
تجمد جسده وهو يتأملها بصدمة ثم حاول الاقتراب منها لكن الطبيب منعه وطلب منه مغادرة الغرفة لكي يستطيع متابعة الحديث معها. اصر الطبيب على خروجه من الغرفة لكي يتابع الحديث مع كارمن، بكت كارمن بخوف وهي تتكوم وتعانق جسدها بخوف، استغرب رشيد من خوفها منه المبالغ ولم يفهم سبب خوفها الشديد منه! استمع اخيرا الي حديث الطبيب وخرج من الغرفة وهو على وشك الجنون.
عاد اليها الطبيب مرة أخرى وتحدث اليها بهدوء:
اعطاها كوب من الماء واضاف بهدوء:
– اتفضلي اشربي وحاولي تهدي ولازم تبقي متأكدة ان هدفي الاساسي هو اني اساعدك.
اخذت كوب الماء وارتشفت منه القليل ثم وضعت الكوب امامها بيد ترتجف من الخوف وتحدثت الي الطبيب ببكاء:
– انا مش محتاجة مساعدة، انا لو مُت كلهم هيرتاحوا..
حدق بها الطبيب بصدمة. بكت بحزن واضافة:
– انا مبقتش عايزة اعيش.. الموت هو الحل الوحيد عشان اهرب من كل مشاكلي؟
تحدث اليها الطبيب بهدوء:
– طب ممكن بهدوء تحكيلي مشكلتك يمكن اقدر اساعدك.
بكت بحزن واجابة:
– مفيش حد هيقدر يساعدني غير الموت.. اكيد لما اموت ماما هترتاح ورشيد كمان.. انا وجعت رشيد وظلمته كتير وهو ملوش ذنب، كل ذنبه انه ربط حياته بحياتي..
وضعت يديها فوق بطنها بحزن واضافة:
– حتى الطفل اللي اتخلق جوايا وكان هيبقى حته مني ومن رشيد، مقدرش يكمل معايا ومات جوايا.. انا تعبت من الحياة ومش عايزة اعيش فيها اكتر من كده.. انا تعبت واتوجعت ومش عايزة اعيش تاني.. انا عايزاهم هما يبقوا مبسوطين في حياتهم ومرتاحين وده مش هيحصل وانا عايشه.
↚
انا عايزاهم هما يبقوا مبسوطين في حياتهم ومرتاحين وده مش هيحصل وانا عايشه.
حدق بها الطبيب بصدمة وهي تبكي وتجفف دموعها وتبكي مرة أخرى وتنظر امامها باصرار. وضع الطبيب من يديه القلم الذي كان يدون به حديثها وتحدث اليها بهدوء:
– مين قال ان موتك هيخليهم مبسوطين! انا شوفت قد ايه جوزك بيحبك وميقدرش يعيش من غيرك.
تحدثت بحزن:
– مسيره في يوم هيكرهني لما يعرف اللي انا عملته.
حدق بها الطبيب بستغراب قائلا لها بهدوء:
– اللي يحب بجد مستحيل يكره..
صمت قليلا وهي تبكي ثم تحدث اليها بثقة:
– انتي عارفه المشكله فين.
نظرت اليه باهتمام وهي تجفف دموعها:
– المشكله ان انتي مش قادرة تحبي نفسك.. جواكي خوف كبير بس مش خوف علي نفسك.. بالعكس.. خوف علي اللي بتحبيهم.. خوفك الكبير عليهم وخوفك تخسريهم هو ده اللي عمل فيكي كده.. الخوف اللي جواكي هو اللي بيأذيكي ودلوقتي بتفكري في الانتحار بسبب خوفك من مواجهة مشاكلك.. اكبر خطأ عملتيه انك مواجهتيش اول مشكله قابلتلك وسبتي المشاكل تاخدك وتبتلعك من مشكله للتانيه لحد ما بقيتي الشخصيه اللي قاعدة قدامي دلوقتي.
نظرت اليه بدهشة وتحدثت:
– انا مش فاهمه حاجة..؟
اجاب الطبيب بثقة:
– انا متأكد ان كل مشاكلك دي بدأت بمشكله صغيرة انتي مقدرتيش توجهيها وسبتي المشكله الصغير تكبر وتصاحبها مشاكل كتير تتحكم فيكي وانتي برضه عاجزة عن مواجهة مشاكلك، ودلوقتي عايزة تستسلمي لكل المشاكل دي وتموتي نفسك وفاكرة ان كده هتموتي المشاكل معاكي.
نظرت اليه بصدمة وهي تفكر في حديثه، اضاف الطبيب مرة أخرى بثقة:
– انتي دلوقتي بتفكري ان حل كل مشاكلك ومشاكل اللي حواليكي في موتك صح؟
اومأت برأسها بالايجاب. اضاف الطبيب بثقة:
– خلينا متفقين ان اخر حاجة هتحصلك في الحياة دي هي الموت.
أومأت بالايجاب. ابتسم اليها واضاف:
– يبقى نأجل فكرة الموت دي دلوقتي ونفكر في حل مشاكلنا بنفسنا والاهم مواجهة المشاكل ومنخفش من اي حاجة ممكن تحصلنا لان اي حاجة هتحصلنا اكيد مش هتكون اصعب من الموت.
نظرت الي الطبيب وبدأت بالتفكير في حديثه، اضاف بثقة وهو يتابع اهتمامها بالاستماع الي حديثه:
– يبقى اول حاجة لازم نقضي عليها ونتخلص منها هو الخوف.. مش لازم تخافي من اي حد لان مفيش اي حد يقدر يأذيكي. الإنسان هو اللي بيأذي نفسه بنفسه لما بيخاف من مواجهة مشاكله ويهرب.. واجهي يا كارمن.. واجهي نفسك وواجهي مشاكلك ومتخافيش تاني.
نظرت امامها وأومأت برأسها وصوت الطبيب وكلماته تتردد بإذنها، ابتسم اليها الطبيب واخبرها ان الجلسة انتهت اليوم واخبرها بموعد الجلسة القادمة.
خرجت من غرفة الطبيب وهي تردد حديث الطبيب بداخلها وتفكر في مواجهة مشاكلها مهما كانت العقوبه، عليها التخلص من هذا الخوف الذي سجنها بداخله طوال هذه السنوات والان يريد قتلها.
وقف رشيد امامها يرمقها بنظرات غاضبه، خفضت وجهها بعيدا عنه وهمست اليه بصوت خافت:
– لو سمحت عايزة ارجع البيت.
اخذها الي السيارة دون حديث وعادا الي المنزل.
*****
كانت سهير تجلس بداخل سيارة اجرة تنتظر خروج رشيد من المنزل لكي تصعد وتتحدث الي كارمن، تفاجأت به يأتي بسيارته ومعه كارمن واخذها وصعد الي شقتهما بالأعلى، زفرت سهير بضيق وهي تفكر كيف تستطيع الحديث الي كارمن في وجود رشيد!
بداخل شقة رشيد وكارمن.
دلفت كارمن الشقه امام رشيد بخطوات مرتبكة، اغلق باب الشقه عليهما وصدح صوته غاضبا:
– استني يا كارمن.
توقفت خطواتها بخوف والتفتت تنظر اليه، اقترب منها وهو يرمقها بنظرات غاضبه وتحدث بنبرة صارمة:
– انتي كنتي فعلا حامل؟!
شحب وجهها من شدة الخوف ولم تجيب عليه، امسك بذراعيها وصدح صوته عاليا:
– ردي عليا يا كارمن.. انتي ازاي متعرفنيش انك كنتي حامل..؟
اجابة بتلعثم:
– خوفت.
تحدث بغضب:
– خوفتي من ايه؟
صمتت بخوف وهي ترتجف بشدة، تحدث اليها بحزن:
– الحمل مكملش؟
اجابة عليه ببكاء:
– مات.
ترك ذراعها ونظر اليها بصدمة، بكت اكثر واضافة بحزن وهي تضع يديها فوق بطنها:
– مات في بطني.
نظر الي يديها فوق بطنها بصدمة، بكت اكثر واضافة:
– انا اسفه.
صرخ بها بغضب:
– كفايه بقاا.. كفايه تقولي الكلمة دي بقيت بكرها.. مش عايز اسمع صوتك.. انتي دمرتيني.. نفسي اعرف انا عملت فيكي ايه عشان تنتقمي مني بالقسوة دي.. خونتي ثقتي وضيعت مستقبلي.. الطفل اللي مات جواكي ده ملوش ذنب ان تكون امه بالقسوة دي! انا اللي غلطت لما اتجوزتك.. كان لازم اختار الزوجة اللي تصلح تكون ام لاولادي.. مش عيله زيك ابداا.. انا بقيت بكرهك يا كارمن.. بكرهك.
وقفت تستمع لكلماته القاسيه وهي تبكي. تركها وخرج من المنزل غاضبًا، اغلق عليها بالمفتاح من الخارج حتى لا تستطيع الخروج من المنزل في غيابه، جلست على الأرض وهي تبكي بانهيار، تعلم ان لديه كل الحق في كلماته القاسيه اليها.
بالاسفل.
ترجلت سهير من سيارة الأجرة لكي تصعد الي كارمن وتحاول التحدث معها بعيدا عن رشيد، تراجعت الي الخلف سريعا عندما رأت رشيد يخرج من المنزل. اخذ رشيد سيارته وانطلق بها. التقطت سهير انفاسها براحة ثم تحركت سريعا اتجاه المنزل وصعدت الي شقة كارمن بالأعلى.
وقفت سهير امام باب شقة كارمن وضغطت علي زر الجرس وطرقت بيديها بقوة.
بداخل الشقه نظرت كارمن الي باب الشقه بستغراب وهي تجلس على الأرض تبكي بعد ذهاب رشيد.
وقفت كارمن واقتربت من الباب وتحدثت بستغراب:
– مين؟!
اتاها صوت والدتها من الخارج:
– انا مامتك يا كارمن افتحي!
استغربت كارمن وحاولت فتح الباب لكنها تأكدت من اغلاق رشيد الباب عليها من الخارج، بكت بحزن واخبرت والدتها:
– مش عارفه افتح يا ماما رشيد قافل عليا بالمفتاح.
تحدثت سهير بعصبيه:
– يعني ايه قافل عليكي بالمفتاح.. انا لازم اتكلم معاكي في موضوع مهم.. في مصيبه.
اغمضت كارمن عيناها بتعب واستندت علي الباب وتحدثت:
– مبقاش في مصايب تخوفني خلاص يا ماما.
تحدثت اليها والدتها بغضب:
– بس دي مصيبه هتوديكي لحبل المشنقه.. الزفت اللي انا كنت متجوزاه ظهر تاني وجالي وطلب فلوس كتير اوي وهددني انه لو مخدش الفلوس اللي طلبها هيبلغ عنك ويفضحنا.
لم تخف كارمن كما اعتادت وردها كان صادما لـ سهير:
– خليه يبلغ ويعمل اللي هو عايزه انا مبقتش اخاف من حاجة.
اتصدمت سهير وتحدثت بغضب:
– انتي اتجننتي يا كارمن!!.. اوعي تكوني فاكره ان رشيد هيقدر يحميكي!
صرخت بها كارمن بقوة:
– انا مش محتاجة حد يحميني.. انا مش خايفه منه ولو انتي خايفه منه تقدري
تدفعيله الفلوس اللي هو عايزها من الفلوس اللي بعتيني وبعتي حقك في الارض واخدتهيم.
غضبت سهير كثير من حديث كارمن وقوتها واجابة عليها بنبرة حادة:
– فلوس ايه!.. انتي فاكره ان انا لسه معايا فلوس؟ كل الفلوس اللي كانت معايا خلصت ومش معايا حتى ادفع ايجار الشقه اللي انا قاعده فيها!
تحدثت كارمن باصرار:
– وانا كمان مش معايا فلوس وتعبت وعايزة اخلص من كل ده بقا.
تحدثت سهير بصدمة:
– يعني ايه يا كارمن؟! اومال فين فلوس ارضك؟!
اجابة كارمن بقوة:
– انا مش هضيع ارض عيلتي وفلوسي ياخدها واحد نصاب زي ده! كفايه حياتي وحياة جوزي اللي اتدمرت بسببه.. قوليله يبلغ زي ما هو عايز ولو مبلغش هو هبلغ انا عنه وهقول ان انتم اجبرتوني احط المخدرات في دولاب جوزي عشان تضيعوا مستقبله.
شهقت سهير بصدمة وهمست بذهول:
– لااا.. دا انتي شكلك اتجننتي!
صرخت كارمن من الداخل:
– ايوه اتجننت.. ابعدي عني وسبيني في حالي بقاا.
نظرت سهير الي الباب بصدمة وابتعدت سريعا وهي تركض الي الاسفل مرة أخرى ولا تعلم ماذا ستفعل الان.
بداخل الشقه جلست كارمن على الارض مرة أخرى ويتردد بداخلها حديث الطبيب ونصيحته لها بمواجهة مشاكلها وعدم الهروب او الاستسلام مرة أخرى.
*****
لم يتوقف عقل رشيد عن التفكير وهو بداخل سيارتها يقودها شاردًا حتى توقف أمام منزل عائلته. نظر الي منزل عائلته بتعب وترجل من السياره وتقدم الي داخل المنزل.
استقبلته والدته بكلمات حادة تلومه على غيابه عنهم وتركه للمنزل. لم يجيب علي والدته واستمر في سيره حتى توقف امام غرفة مكتب جده وفتح الباب دون استأذان ووقف ينظر الي جده بصمت.
استغرب جده من وقوفه امامه صامت ووقفت والدته تتحدث اليه بلوم علي اهماله لها وعدم رده عليها.
وقف الجد وطلب من زوجة ابنه المغادرة وتركه مع حفيده بمفردهما.
ذهبت والدة رشيد بستغراب وتحدث الجد الي رشيد بنبرة غامضه:
– اهلا.. حمدلله على السلامه .. جيت من الصعيد امتى؟
تقدم رشيد الي الداخل وتحدث:
– اللي بلغ حضرتك اني روحت الصعيد.. اكيد بلغك انا رجعت امتى؟
جلس الجد فوق مقعده براحة قائلا:
– اللي انا مستغربه انت لك ايه في الصعيد عشان تسافر لهناك.. معقول لسه بتجري ورا البنت اللي خانتك ودمرت مستقبلك؟!
جلس رشيد امام مكتب جده واجاب:
– انا بجري ورا الحقيقه.
الجد:
↚
– ولقيت الحقيقه اللي خدتك لحد الصعيد؟!
رشيد بغموض:
– نص الحقيقه عند حضرتك وانا جيت دلوقتي عشان اعرفها.
الجد بستغراب :
– حقيقة ايه اللي عندي؟!
تنهد رشيد بعمق:
– ليه مقولتليش انك روحت لكارمن في بيت مامتها؟.. وليه مقولتليش ان حضرتك هددتها وقولتلها اني اول لما اخرج هقتلها؟!
توتر الجد قليلا واجاب:
– انا كنت بحميك.. ومتأكد ان انت كنت بتفكر تقتلها اول ما تخرج! والطبيعي اني اعمل كده.. اكيد مش هقف اتفرج عليك وانت بتضيع مستقبلك عشان واحدة زي دي!
رشيد بغضب:
– حضرتك كنت تعرف مكانها طول السنين دي؟!
الجد بصدق:
– انا اللي حجزتلهم تذاكر الطيارة ومهتمتش اعرف عنها اي حاجة بعد ما سفرت وخصوصا بعد ما انت طلقتها.
اغمض رشيد عيناه بحزن ثم تحدث:
– حضرتك قولتلها ان انا طلقتها قبل ما اطلقها ليه؟!
الجد بثقة:
– عشان متفكرش ترجعلك تاني.. كنت عايز اخلصك منها بعد ما دمرت حياتك وضيعت مستقبلك.. مينفعش بنت زي دي تكون مراتك وتشيل اسم عيلة الجبالي.
خفض رشيد وجهه وابتسم ساخرا بحزن:
– حضرتك عارف ان في الوقت اللي هددتها فيها واجبرتها تسافر.. كانت وقتها حامل في ابني.
حملق به جده بصدمة، اضاف رشيد بحزن:
– ابني اللي لو كان اتخلق في الدنيا كان زمانه دلوقتي من غير اب ولا عيلة بعد ما هددتها وخوفتها مني وحذرتها انها لو رجعت هنا تاني انا هقتلها.. مش عارف اشكر ربنا ان ابني مات في بطنها عشان ميتبهدلش طول السنين اللي فاتت ولا احزن علي ابني اللي مات جواها قبل ما اشوفه بعيني او المسه بإيدي.
نظر الجد حوله بصدمه وهو يردد:
– صدقني يا رشيد انا مكنتش اعرف انها حامل.. واكيد لو كنت اعرف مكنتش هسمحلها تسافر وهي حامل في حفيدي!
تحدث رشيد بحزن:
– ابني اللي مات ده ذنبه في رقبتي انا.. انا اللي مقدرتش احافظ علي حياته.. انا اللي بنيت بيت من غير ما اسسه كويس.. وفي النهاية البيت ده وقع على دماغي انا وخسرت كل حاجة.
نظر اليه جده بحزن. وقف رشيد وتحدث الي جده بقوة:
– لو سمحت يا جدي.. من اللي اللحظة دي متدخلش في حياتي مرة تانيه.
حاول الجد الحديث معه وتهدأته لكن رشيد تركه وذهب بخطوات مسرعه، جلس الجد بحزن وندم على ما فعله بحياة حفيده.
*****
صباح اليوم التالي.
بداخل شقة سهير.
دلفت الخادمة غرفة نوم سهير وتحدثت اليها بهدوء:
– مدام.. حارس الامن بتاع العمارة عايز حضرتك برا.
تحدثت سهير بصوت ناعس وهي نائمة:
– قوليله يبقا يجي في وقت تاني وسبيني انام.
تحدثت الخادمة:
– قولتله كده وهو مصمم يقابل حضرتك ومش راضي يمشي!
زفرت سهير بغضب وقامت من فوق الفراش وارتدت الروب الحريري وخرجت من الغرفة وهي تزفر بغضب واستقبلت الحارس بصوت حاد:
– خير عايز ايه.. ايه الموضوع المهم اللي مطلعك هنا بدري كده؟!
خفض الحارس وجهه ارضا واجاب باحترام:
– انا بعتذر لحضرتك جدا يا مدام بس صاحب الشقة عايز فلوس الإيجار.
زفرت سهير بغضب وجلست تتناول احدى السجائر :
– مش انا قولتلك خليه يصبر عليا شويه.. في فلوس هتتحولي من ايطاليا واتأخرت شويه!
تحدث الحارس باحترام:
– والله انا قولتله الكلام اللي حضرتك قولتيه ده وهو رافض التأخير وقال ان الفلوس لازم تندفع النهارده ضروري او تسيبي الشقه.
تركت علبة السجائر من يديها وتحدثت بنبرة حادة:
– يعني ايه اسيب الشقه لو مدفعتش!.. هو اتجنن ده ولا ايه!!
تحدث الحارس باحترام:
– والله يا مدام صاحب الشقه اللي قال كده وانا كنت عرفت حضرتك قبل ما نمضي العقد ان صاحب الشقه دي مش بيقبل اي تأخير.
غضبت سهير واردفت بعصبيه:
– يبقا تبلغه اني مش هسيب الشقه وغصب عنه لازم يصبر عليا لحد ما تجيلي فلوس!
تحدث الحارس:
– خلاص يا فندم انا هبلغه برد حضرتك وانتوا احرار مع بعض.. عن اذن حضرتك.
خرج الحارس وهو يزفر بغضب، وقفت الخادمة تفكر بقلق ماذا لو تركت الشقه ولم تعطيها راتب عملها طوال الشهر؟
اقتربت منها الخادمة وتحدثت بقلق:
– انا اسفه يا مدام بس كنت محتاجة المرتب بتاع الشهر عشان محتجاه ضروري.
انتفضت سهير من مقعدها وتحدثت اليها بانفعال:
– هو انتي مبتفهميش.. مش شايفه اننا ممكن ننطرد من هنا عشان مش معايا فلوس الإيجار!
تحدثت الخادمة بصدمة:
– انا مليش علاقة بالايجار يا مدام انا ليا مرتب ولازم اخده!
تحدثت سهير بعصبيه:
– وانا هجبلك فلوس المرتب بتاعك منين دلوقتي! خليني اشوف حل اخرج من المصيبه دي!
نزعت الخادمة ما ترتديه وتحدثت باصرار:
– يبقا انا مش هينفع اكمل شغل مع حضرتك علي النظام ده.. انا عندي ظروفي متسمحش اني اشتغل من غير ما اخد مرتب ثابت.
انفعلت سهير بغضب:
– خلاص غوري في ستين داهية.
تركتها الخادمة وخرجت من المنزل بعد ما اخذت متعلقاتها الشخصيه، جلست سهير تذفر بغضب وتلعن الفقر الذي يركض خلفها كلما اردات العودة الي حياة الثراء.
بعد عدة ساعات. دق جرس الباب وذهبت سهير لتفتح الباب.
سهير: افندم؟
زوجها السابق: ايه يا سوسو.. بتفتحيلي الباب بنفسك!
دفعها بعيدا عنه وتقدم الي الداخل، شهقت سهير من دفعه لها وجراءته وتحدثت اليه بغضب:
– انت ايه اللي جابك هنا دلوقتي؟! ياريت تمشي دلوقتي عشان انا مش فيقالك خالص.
تحدث اليها ببرود:
– انا جاي اخد فلوسي وماشي!
سهير بعصبيه:
– وانا معنديش فلوس.
اقترب منها وامسك بذراعها بعنف:
– انتي هتلاعبيني ولا ايه يا سهير؟ مش انتي قولتيلي اجي اخد الفلوس اللي انا طلبتها؟! جايه ترجعي في كلامك دلوقتي.
ابتعدت عنه وصرخت به:
– قولتلك مفيش فلوس.. انا هترمي في الشارع عشان مش قادرة ادفع الإيجار وانت جاي تقولي فلوس.. وبعدين كفايه اوي فلوسي اللي انت سرقتها زمان.
اقترب منها وامسك بخصلات شعرها وضغط عليها بقوة:
– لا يا سهير.. دا انا اقتلك هنا.. انا خلاص مش باقي علي حاجة.
صرخت به وهي تتألم وتحاول تخليص خصلات شعرها من يديه:
– ابعد عني يا حيوان.. قولتلك انا معنديش فلوس.. روح بلغ واعمل اللي انت عايزه ومتنساش ان انت متورط زينا واكتر كمان.
قامت بدفعه بقوة بعيدا عنها، ارتطم جسده بالحائط بقوة ثم ركض خلفها، ركضت سهير الي المطبخ واخذت سكين وامسكت بالسكين بقوة وتحدثت اليه بصوت قوي:
– ابعد عني والا هقتلك.
ابتسم ساخرا وهو يقترب منها وتحدث اليها بمكر:
– واهون عليكي يا سوسو تقتليني بعد كل اللي بينا.
اقترب منها وهي تحذره بالسكين وقام بخداعها واخذ السكين من يديها وامسك بشعرها وهددها بقوة:
– الفلوس فين يا سهير بدل ما اقتلك.
صرخت بهلع وقامت بركله بقوة في منتصف جسده، تركها وانحني على جزعه يتألم بشدة، ركضت الي خارج المطبخ مسرعه، لكنه لحق بها مسرعا وهو يتألم بشدة من ركلت قدميها القويه، ثم امسك بها قبل ان تقترب من باب الشقه وطعنها بظهرها. 😮😳
↚
امسك بها قبل ان تقترب من باب الشقه وطعنها بظهرها. صرخة مدوية خرجت منها وهي تسقط علي الارض، استمع الي صوت صرختها حارس العقار ومعه صاحب الشقه الذي جاء معه لاخذ الإيجار منها او طردها من الشقه، نظر الاثنان الي بعضهما بصدمة وتفاجأن بمن يفتح باب الشقه والدماء فوق يديه وثيابه ويريد الهرب، امسك به حارس العقار سريعا بمساعدة صاحب الشقه وتقدموا الي داخل الشقه وكانت الصاعقة رؤيتهما لسهير وهي تحتضر وتلفظ انفاسها الاخيرة علي الارض والدماء تنسال من جسدها، قام الحارس بالاتصال علي الشرطة وأخبرهم بالواقعه.
*****
بعد عدة ساعات.
بداخل شقة رشيد.
كانت كارمن تجلس امام رشيد يتناولان الطعام معا بصمت، لم يتحدث معها رشيد منذ الأمس، كان يسترق النظر اليها بين الحين والاخر، مازال يحبها وقلبه ينبض بعشقها، لكنها دائما تألم قلبه بأفعالها الغامضه وصمتها المستمر! صدح صوت هاتفه وكسر الصمت السائد بينهما، اجاب رشيد علي الهاتف واستمع الي صوت خالد الحزين يخبره:
– البقاء لله يا رشيد..
تحدث رشيد بصدمة واعتقد ان جده حدث له شئ:
– مين يا خالد؟!
اجاب خالد بحزن:
– سهير سالم مامت كارمن.. اتقتلت النهارده في شقتها.
انتفض رشيد من مكانه بصدمة وهو يحدق بـ كارمن بذهول. استغربت كارمن من رد فعله ونظرت اليه يترقب. تحرك رشيد من امامها مسرعا واتجه الي غرفة النوم واغلق عليه الباب من الداخل وتحدث بصوت منخفض:
– انت بتقول ايه يا خالد؟!
اجاب خالد بثقة:
– زي ما بقولك كده.. طليقها الاخير طعنها بسكينه في شقتها وصاحب الشقه وامن العمارة قدروا يمسكوه وبلغوا.. لكن للأسف مقدروش يلحقوها وماتت قبل ما توصل المستشفى.
استمع رشيد الي الخبر بصدمة وهو يفكر في كارمن وصدمتها الكبيرة بعد ان يخبرها بهذا الخبر الصادم، اضاف خالد بتأكيد:
– كارمن لازم تيجي عشان تتعرف علي جثة مامتها وكمان عشان إجراءات الدفن والتحقيقات انت فاهم.
تحدث رشيد بعتراض:
– مش هينفع يا خالد.. انت عارف كارمن بتمر بإيه.. مش هتستحمل تشوف مامتها كده.
تحدث خالد:
– وبعدين يا رشيد.. لازم كارمن تيجي وتتعرف على جثة والدتها!
زفر رشيد :
– انا جايلك دلوقتي يا خالد ونحاول نشوف حل بعيد عن كارمن.. مش لازم كارمن تعرف دلوقتي اللي حصل لمامتها.
تحدث خالد بقلة حيلة:
– اللي تشوفه يا رشيد انا في المستشفى دلوقتي تقدر تيجي تتعرف على الجثة بما انك جوز بنتها.
اغلق رشيد الهاتف وارتدى ثيابه وخرج مسرعا من المنزل دون ان يتحدث الي كارمن.
تابعت كارمن ذهابه مسرعا بدهشة ثم شردت بالتفكير في والدتها وهي تتساءل بداخلها ماذا سيفعل طليق والدتها بعد تهديده لهما وعدم اعطاءه النقود التي طلبها!
*****
بداخل المشفى.
تعرف رشيد علي جثة سهير سالم وحزن كثيرا بعد رؤيتها، تحدث معه خالد واخبره انه سيعود الي قسم الشرطة ويبدأ التحقيق مع المتهم في صباح الغد وسيحاول الاسراع في انهاء تصريح الدفن وشهادة الوفاة ويخبر رشيد بكل التفاصيل.
ذهب خالد الي قسم الشرطة وعاد رشيد الي منزله وهو يفكر كيف سيخبر زوجته بموت والدتها.
عاد رشيد الي منزله ودلف غرفة النوم، كانت كارمن نائمه وتعانق جسدها بخوف، كانت مثل الطفله الصغيرة، اصبح هو الان كل شئ لها بالحياة، تساءل بداخله؛ هل يمكنه العيش معها بسلام بعد كل ما حدث بينهما؟ هل سينتهي فراقهما ويعودان عاشقان كما كانوا بالسابق بعد رحيل والدتها؟ هل بموت والدتها انتهى كل شئ تسبب في فرقهما ام هناك أشياء اخرى ستكشف في الايام المقبله؟ لقد ارهقه التفكير كثيرا واشتاق اليها كثيرا!
اقترب منها وتمدد بجوارها فوق الفراش وهو يتأملها بنظرات عاشقه، هي لم تكن حبيبته وزوجته فقط، بل كانت طفلته وكل شئ له بالحياة، اشتاق كثيرا لعناقها ورؤية ابتسامتها، رفع يديه بهدوء ومسد على وجنتيها الناعمه ثم شعرها الطويل وهو يتأملها بشتياق.
اقتربت منه بجسدها وكأنها تشتاق هي الأخرى لـ عناقه. فتح ذراعيه وعانقها بقوة، كانت خائفة وشعرت بالأمان عندما قربها من قلبه، همست بصوت خافت:
– متبعدش عني تاني يا رشيد.. انا بموت من غيرك.
عانقها بقوة وهمس اليها:
– انا عمري ما بعدت عنك يا كارمن.. انتي دايما اللي بتبعدي عني.
بكت بداخل حضنه وهي تتمسك به بقوة كي لا يبتعد عنها، تمسك بها هو الاخر وظل يمسد علي شعرها وهو بداخل صراع قوي بين قلبه الذي يعشقها وعقله الذي يرفضها خوفا من ان تخذله مجددا بدافع سذاجتها وضعف شخصيتها. اغمضت عيناها بداخل حضنه وهمست اليه:
– انا بحبك اوي يا رشيد.
رق قلبه لها وهو يستمع الي صوتها الهامس، كان يشتاق اليها كثيرا، عانقها بقوة ثم رفع وجهها اليه وتأملها بنظرات عاشقه وهمس امام شفاتيها:
– انا بعشقك..
ثم قبلها بلهفة واشتياق، بادلته المشاعر واستسلمت له سريعا واصبح لا يفصلهما شئ، استطاع اشتياقهما اذابة الجليد الذي كان بينهما واكتملت علاقتهما من جديد گـ زوج وزوجة.
*****
في الصباح.
بداخل قسم الشرطة.
دقق خالد النظر بأحد الملفات والذي يجمع معلومات عن المتهم وبه معلومة هامة عن عمله السابق مع سعد بشار.
استغرب خالد من ترابط علاقة عمله بـ سعد بشار وهي نفس الفترة التي تزوج فيها من سهير سالم.
دقائق قليلة ودخل العسكري بالقاتل وسمح له خالد بالجلوس وبدء الحديث معه وتسجيل بعض المعلومات الشخصيه عنه وأكد القاتل ان سهير هي من ارادت قتله وما فعله كان دفاع عن النفس وبدء في قص رواية غير حقيقية عن الحادث.
شعر خالد ان هذا القاتل يخفي شئ، استخدم خالد حيلة ذكيه وتحدث الي القاتل بثقة:
– عايز اقولك ان القصه اللي انت حكتها دلوقتي دي مش حقيقيه.. لان المجني عليها كانت حاطه كاميرات في كل زوايا الشقه وكل حاجة اتسجلت وشوفناك وانت بتتهجم عليها وتقتلها.
انتفض القاتل بخوف قائلا:
– يا باشا انا كنت بهزر معاها صدقني وكان تهديدي لها مزيف مش حقيقي.
تحدث خالد بذكاء:
– بس تهديدك لها كان حقيقي وده واضح جدا من كلامك معاها.
تحدث القاتل بتوتر:
– يا باشا دا كان موضوع قديم وصدقني انا مينفعش ابلغ عنها ولا عن بنتها اساسا! انا كنت بهددها عشان اخد منها شوية فلوس، بس هي اللي صدقت وحاولت تقتلني وانا كنت بدافع عن نفسي وغصب عني قتلتها.
تحدث خالد بشك:
– لا انا عايز اسمع الحكاية من الاول عشان افهم؟
طليق سهير بخوف:
– انا هفهمك الحكاية كلها يا باشا وهتتأكد بنفسك ان مكنش في نيتي قتل وكان دفاع عن النفس… من حوالي اربع سنين او اكتر، الباشا اللي كان مشغلني هو اللي طلب مني العب على سهير واتجوزها وبعد كده طلب مننا نستدرج بنتها.. اصل بنتها كانت متجوزة ظابط وكان الظابط ده معلم علي الباشا والباشا كان عايز يفضحه وينتقم منه وعشان كده طلب مننا نضحك على
بنتها ونجيبها شقة سهير وواحد من الرجالة لمؤخذة يعني يغتصبها ويصورها وهو معاها وننشر الصور والفيديوهات ويفضح الظابط.
نظر خالد الي المتهم بصدمة وانتفض جسده وهو يتحدث بعنف:
– وعملتوا ايه في بنتها؟!
نظر القاتل اليه بخوف وتحدث بتلعثم:
– والله يا باشا محدش قرب من بنتها.. بنتها اصلا دافعت عن نفسها وضربت الواد على دماغه وفكرت انه مات.
التقط خالد انفاسه بصعوبة واردف:
– يعني ايه فكرت انه مات؟!
تحدث المتهم بصدق:
– يومها كلمنا بنتها وقولنالها ان امها تعبانه اوي وانا اخدت سهير وخرجنا وهو كان مستنيها في البيت ولما جت حاول يعتدي عليها زي ما كنا متفقين بس هي ضربته بحاجة واغمى عليه وهي فكرته مات وانا استغليت خوفها ده وعملت اتفاق مع سهير ضد جوزها بس والله العظيم يا باشا انا مليش دعوه كله كان بترتيب سعد بشار وهو اللي طلب مني اهدد بنت سهير ونستغلها ونحط مخدرات في دولاب جوزها ونبلغ عنه وبعدها سعد بشار طلب مني اقنع بنت سهير تروحله السجن وضحكنا عليها وفهمناها انها لو راحتله هيخرج جوزها من السجن وبعد كده جالي اوامر من سعد بشار اني اطلق سهير وابعد عنها، بس بصراحة انا طمعت في فلوس سهير ونصبت عليها وخدت كل فلوسها قبل ما اطلقها وبعدها سهير اختفت هي وبنتها اربع سنين وانا انفصلت عن شغلي مع سعد بشار بعد ما عصيت اوامره وخدت فلوس سهير من غير ما هو يعرف ومن فترة عرفت ان سهير رجعت غنيه اكتر من الاول وظهرت في حفلة وهي معاها فلوس كتير وعشان كده فكرت ارجع ابتزها واطلب منها فلوس واهددها بالموضوع القديم يمكن اعرف اطلع منها بقرشين.. والله يا باشا انا مكنش في نيتي اقتلها وهي اللي صدقت وحاولت تقتلني.
استمع خالد الي حديثه بصدمة وذهول. لم يتوقف المتهم عن الحديث وهو يقسم له انه قتل سهير دفاعا عن النفس، تحدث اليه خالد بفضول:
– اسمه ايه الظابط اللي انتوا عملتوا معاه كده؟
اجاب المتهم بخوف:
– اسمه رشيد الجبالي يا باشا بس احنا كنا بنفذ اوامر سعد بشار وملناش دعوه.
تحدث خالد مرة أخرى:
– والراجل اللي حاول يعتدي على مرات الظابط حصله ايه؟
اجاب المتهم بثقة:
– كان جرح صغير في راسه وفاق بعدها وسعد بشار امر انه يختفي عن هنا وبعته يشتغل في اسكندرية ومعرفش بعدها
حصله ايه!
تحدث خالد:
– عايز اعرف اسمه ايه؟
↚
أومأ المتهم برأسه بالايجاب وتحدث برجاء:
– انا قولتلك كل الحقيقه يا باشا والله انا مظلوم وكنت بدافع عن نفسي.
نظر خالد الي العسكري وامره بأخذ المتهم الي الحبس مجددا. خرج المتهم من غرفة التحقيقات ونظر خالد امامه بصدمة لا يصدق كل ما سمعه الان.
*****
بداخل شقة رشيد.
استيقظ رشيد على صوت هاتفه يعلن عن اتصال من خالد. نظر الي الهاتف وخفض صوته ثم ابتعد عن كارمن وخرج من الغرفة لكي يستطيع الحديث بعيدا عنها.
استمع الي صوت خالد وهو يتحدث اليه بنبرة حزينه وطلب منه مقابلته الان. استغرب رشيد وشعر ان هناك شئ هام يريد خالد اخباره به. عاد الي الغرفة سريعا واخذ ثيابه ودلف الي المرحاض. استيقظت كارمن لكنها ادعت النوم بخجل بعد ما حدث بينهما ليلة امس.
بعد دقائق قليلة خرج رشيد من المرحاض ثم اسرع في الخروج من المنزل وذهب لمقابلة خالد في احدى الاماكن الهادئة التي اعتاد الاثنان الذهاب اليها للتحدث معا بهدوء.
توقف رشيد بسيارته امام سيارة خالد، ترجل خالد من السيارة وترجل رشيد هو الاخر وهو ينظر اليه بفضول، توقف امامه خالد وتحدث بقلق:
– في حاجات مهمة عرفتها وانا بحقق مع طليق سهير وانت لازم تعرفها.
نظر اليه رشيد باهتمام. زفر خالد بضيق واضاف:
– اول حاجة لازم تعرفها ان طليق سهير طلع واحد من رجالة سعد بشار.
حدق به رشيد بستغراب:
– يعني ايه!!؟
اجاب خالد بتردد:
– مش عارف ابدأ منين!
تحدث رشيد بقلق:
– ماتتكلم يا خالد نشفت دمى..؟!
نظر اليه خالد بتوتر وبدأ يخبره بكل شئ قاله المتهم.
انتفض رشيد من مكانه بعد ان اخبره خالد انهم رتبوا لـ اغتصاب زوجته وتصوريها ثم اخبره انها استطاعت الدفاع عن شرفها وقامت بضرب الرجل فوق رأسه واستطاعوا بخداعها انه مات وابتزازها ان تضع له المخدرات بداخل خزانة ثيابه وابتزازها حتى تذهب لزيارة سعد بشار.
جلس رشيد مكانه بصدمة بعد ما اخبره به خالد. لا يصدق ان كارمن تحملت كل هذا بمفردها، لكنه تساءل لماذا لم تخبره بكل هذا من قبل؟ من منعها من الحديث؟!
تحدث خالد بحزن بعد ان اخبره بكل شئ:
– كلنا ظلمنا كارمن يا رشيد وهي للاسف كانت ضحية لمجرمين معدومين الضمير وامها الله يرحمها هي السبب في كل ده.
تحدث رشيد بحزن:
– انا مش قادر افهم هي ليه خبت عليا كل ده!
اجاب خالد بثقة:
– اكيد خافت منك يا رشيد.. يعني هي فاكره انها قتلت وجوزها ظابط.. يعني اكيد هتخاف تقولك.
تحدث رشيد بحزن:
– انا اللي مقدرتش اكسب ثقتها كفايه يا خالد.
تحدث خالد بفضول:
– المهم انت بتفكر تعمل ايه دلوقتي؟
تحدث رشيد:
– انت عرفت منه اسم اللي كارمن فاكره انها قتلته؟
اجاب خالد:
– اه عرفت اسمه وعرفت انه في اسكندرية.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب. اضاف خالد بفضول:
– طب هتعمل ايه دلوقتي.. تصريح الدفن هيخرج بكره الصبح.
تحدث رشيد بحزن:
– ربنا يرحمها هي اللي كانت السبب في كل اللي حصلنا ده.
تحدث خالد:
– كارمن لازم تعرف يا رشيد وكمان لازم ناخد اقوالها بكره على الاقل.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب:
– حاضر يا خالد انا هحاول اقول لـ كارمن.
خالد:
– والكلام اللي طليق مامتها قاله؟ هتقولها انك عرفت؟
اجاب رشيد:
– لا يا خالد.. مش قبل ما اوصل للي حاول يعتدي عليها وهي فكرت انها قتلته.. انا لازم اعلم كارمن تثق فيا.
أومأ خالد برأسه:
– اللي تشوفه يا رشيد.. وانا هخلصلك كل الإجراءات وان شاء الله بكره تيجي تستلم تصريح الدفن.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب وشكره علي مساعدته ووقف شاردا فيما اخبره به خالد. الان تأكد من برائة كارمن.
*****
بعد عدة ساعات وقبل ان يعود رشيد الي المنزل. تحدث الي جد كارمن واخبره بوفاة والدة كارمن وطلب منه ان يأتي في الصباح لحضور مراسم الدفن.
ثم عاد الي منزله وهو يفكر كيف سيخبر كارمن بموت والدتها.
كانت كارمن تجلس شارده امام التلفاز، تفكر فيما حدث بينها وبين رشيد، وتفكر في والدتها وتتساءل بداخلها ماذا فعلت والدتها مع طليقها وهل اعطته النقود التي طلبها ام سينفذ تهديده ويخبر رشيد بكل شئ. لا تريد ان تخسر رشيد مجددا.
بعد الكثير من التفكير قررت ان تواجه مشكلتها وتخبر هي رشيد ويحدث ما يحدث لم تعد تبالي بشئ! لقد خسرت كل شئ ولم يعد هناك شئ لتخسره مجددا.
دلف رشيد الشقه واقترب منها وهو في حيرة ولا يعلم من اين يبدأ الحديث وكيف يخبرها.
كانت كارمن في نفس الحيرة وتحدثا الاثنان معا في نفس اللحظة:
رشيد: في حاجة مهمة عايز اقولهالك.
كارمن: في حاجة مهمة عايزة اقولهالك.
نظر الاثنان الي بعضهما بدهشة وتأملها رشيد بدهشة قائلا:
– حاجة ايه اللي عايزة تقوليها؟!
تحدثت كارمن بتوتر:
– قول انت الاول كنت عايز تقول ايه؟
اغلق التلفاز وجلس امامها وهو يحدق بها باهتمام قائلا:
– مش مهم انا كنت عايز اقول ايه.. المهم انتي عايزة تقولي ايه.. اتكلمي يا كارمن وانا هسمعك.
توترت كثيرا ثم خفضت وجهها وهي تفرك بيديها بقوة وتحدثت بصوت هامس:
– انا عايزة اعترفلك بحاجة..
أومأ برأسه وتحدث:
– قولي انا سامعك؟
اغمضت عيناها لكي تشجع نفسها علي الحديث ثم تحدثت بصوت قوي وسريع حتى لا تخف مجددا وتتوقف عن الحديث كما كان يحدث معها دائماً:
– انا السبب في كل اللي حصلك.. انا اللي حطيت المخدرات في دولابك..
ثم رفعت عيناها اللامعة بالدموع ونظرت اليه واضافة:
– بس صدقني كان غصب عني.. انا مكنتش اعرف ان كل ده هيحصل.
لم يتفاجئ من حديثها كما كانت تتوقع، بل استقبل حديثها بهدوء وتحدث:
– مين اللي طلب منك تعملي فيا كده؟
بكت واجابة:
– ماما وجوزها.. هما اللي طلبوا مني اعمل كده وماما فهمتني ان انت مش هتتأذي.. قالتلي ان انت هتاخد جزا في شغلك بس ومش هيحصل اي حاجة.
استمع اليها بدون رد فعل غاضب وهذا ما استغربته كارمن وشعرت انه يعرف كل شئ واعتقدت ان طليق والدتها نفذ تهديده لوالدتها واخبره بكل شئ.
كارمن بستغراب: رشيد انت ليه مش متفاجئ من كلامي؟!
تأملها بصمت، شعرت بالقلق اكثر وتحدثت بسذاجتها المعتادة:
– انت قابلت طليق ماما؟.. هو قالك حاجة؟!
تحدث بهدوء:
– مش فاهم.. هو كان بيهددك بحاجة؟
خفضت وجهها وتحدثت بتوتر:
– ايوه..
ثم صمتت قليلا ثم اردفت بخوف:
– طلب من ماما فلوس وهددها لو مخدش الفلوس هيبلغ عني وهيقولك كل حاجة.
تحدث بغضب مكتوم:
– هيقولي ايه بالظبط؟
نظرت اليه بتوتر، لا يمكنها التراجع الان، كان قلبها علي وشك التوقف من شدة الخوف لكنها بدأت الحديث وعليها التخلص من خوفها الان:
– هيقولك ان انا قتلت.
حدق بها بصدمة، بكت بحزن ونظرت الي يديها وهي تتذكر دماء الرجل الذي قتلته وبدأت في قص عليه كل ما حدث معها. انهارت في البكاء وهي تتذكر ما حدث في الماضي وتخبره كل شئ بحزن وندم.
نظر اليها بحزن قائلا:
– لو كنتي حكتيلي اللي حصل معاكي ده وقتها اكيد مكناش هنوصل للي وصلناله دلوقتي.
شحب وجهها بخوف وتحدثت بتلعثم:
– خوفت اقولك.. صدقني انا كتير حاولت اقولك بس خوفت.
تحدث بحزن:
– خوفك مني ملوش غير معني واحد.. ان انتي عمرك ما وثقتي فيا.
نظرت اليه بحزن وهي تبكي:
– انا عشت عمري كله مسجونه جوه الخوف.. خوفي هو اللي كان بيتحكم فيا… كتير اتمنيت ان يكون عندي القوة واقدر اهزم خوفي وانتصر عليه.. بس كان دايما هو اللي بينتصر عليا وانا كنت بخسر.. خسرتك وخسرت حبك ليا وخسرت ابني وخسرت اربع سنين من عمري.. خسرت حاجات كتير بسبب خوفي وجه الوقت اواجه خوفي وكفايه خسارة لاني تعبت ومبقتش هتحمل خسارة تانيه.
هز رأسه بحزن وهو يتأملها:
– في حاجة كمان خسرتيها..
حدقت به بدهشة، تنهد بتعب ثم التقط نفسا عميق:
– مامتك..
حملقت به بصدمة واعتقدت ان والدتها فعلت شئ اخر، تنفس مرة أخرى بعمق واضاف:
– مامتك اتوفت امبارح.. وتصريح الدفن هيكون جاهز بكره الصبح.
↚
– مامتك اتوفت امبارح.. وتصريح الدفن هيكون جاهز بكره الصبح.
توقف نبض قلبها للحظات وهي تردد بداخلها ما قاله الان، رفض عقلها الاستيعاب وتحدثت بصوت متقطع:
– انت قولت ايه؟! مامت مين اللي ماتت؟ انت بتهزر معايا يا رشيد صح؟ انت عارف ماما مش بتموت.. ماما بتحب الحياة، هي اكيد زعلانه مني عشان انا اتكلمت معاها بعصبيه اخر مرة لما جات هنا صح؟ انا والله كنت بفكر ازاي هجبلها الفلوس عشان تديها لطليقها عشان يبعد عنها.. ماما بتحب الفلوس واكيد هتكون فرحانه اوي لو اخدت تمن ارضي واديتهولها..
نظر اليها بحزن ثم جذبها من يديها وعانقها بقوة، لم تتوقف عن الحديث ولم يستعب عقلها ما قاله حتى الان، عانقها بقوة شديدة حتى بكت بداخل حضنه وتحدثت بصوت باكي:
– ماما كويسه يا رشيد؟ انت بتهزر صح؟
عانقها بقوة اكبر وهمس اليها:
– ادعيلها بالرحمه يا كارمن.
صرخت بداخل حضنه وهي تبكي بانهيار، لا تصدق ان والدتها فارقة الحياة وهي غاضبة منها، كانت تنادي والدتها بصراخ
وتخبرها انها ستعطيها النقود التي تريدها ولكن عليها العودة الي الحياة مرة أخرى، تعلم ان والدتها تعشق النقود كثيرا ولن تترك النقود وترحل عن الحياة.
لم يتركها تبتعد عنه وهو يحاول تهدأتها وهي تصرخ وتصرخ وتنادي والدتها بصراخ وبكاء حتى فقدت الوعي.
حملها بين يديه واخذها الي داخل الغرفة ووضعها فوق الفراش برفق وجلس بجوارها يتأملها بحزن وهو يمسد فوق شعرها ثم تحدث الي الطبيب واخبره بما حدث معها وجاء الطبيب واعطاها حقنه مهدئه لكي تستطيع النوم لوقت اطول.
ظل رشيد مستيقظا بجوارها حتى الصباح الباكر. وصل جد كارمن وعمتها وداد وفراج ابن عمها وزوجته ازهار الي منزل رشيد لحضور مراسم الدفن. اخبرهم رشيد بما حدث مع كارمن عندما اخبرها بموت والدتها واخبرهم انه لم يستطيع أخبارها ان والدتها لقت مصرعها علي يد طليقها السابق.
تفهم الحاج عبد الرازق ما فعله رشيد وطلب من وداد وازهار ان يبقوا مع كارمن بالمنزل والرجال سيذهبون لدفن جثمان سهير.
ذهب رشيد مع الحاج عبد الرازق ومعهم فراج لاستلام جثمان سهير من المشفى واكرامها بالدفن.
جلست وداد بجوار كارمن فوق الفراش حتى استيقظت كارمن وفتحت عيناها وهي تشعر بألم شديد برأسها.
مسدت وداد فوق شعرها وهي تبتسم لها بحنان قائلة:
– عامله ايه دلوقتي يا حبيبتي؟
نظرت اليها كارمن بدهشة واردفت بصوت خافت:
– انا فين؟!
اجابة عليها ازهار بابتسامه حزينه:
– انتي في بيت جوزك يا كارمن.. طمنينا عليكي عاملة ايه دلوقتي؟
اعتدلت كارمن فوق الفراش ونظرت اليهما بستغراب:
– انتوا جيتوا هنا امتى؟!
اجابة عليها عمتها بحنان:
– من شويه يا حبيبتي.. جوزك كلم جدك امبارح وقاله اللي حصل واحنا جينا علي طول عشان نكون جنبك.
نظرت كارمن امامها وتذكرت حديث رشيد معها قبل ان تفقد الوعي، انسالت دموعها على وجنتيها واصطحبها شهقات قوية وهي تتحدث ببكاء:
– رشيد بيقول ان ماما ماتت!!
نظرت الي عمتها وداد ووجدتها تخفض وجهها بحزن، سألت عمتها بصدمة وهي تبكي:
– كلام رشيد حقيقي!؟ ماما فعلا ماتت؟
تحدثت ازهار بحزن:
– ادعيلها يا كارمن بالرحمه.. هي مش محتاجة منك دلوقتي غير الدعاء.
تحدثت كارمن وهي تبكي بانهيار:
– لا هي كانت محتاجة مني فلوس وانا قولتلها لا.. هي كانت مش محتاجة مني غير الفلوس.. طب خلوها ترجع وانا هديها الفلوس اللي هي عايزاها بس ترجعلي تاني.
تحدثت وداد بحزن:
– لا حول ولا قوة الا بالله.. فلوس ايه بس يا بنتي اللي هي عايزاها دلوقتي! وهتعملها ايه الفلوس وهي عند اللي خلقها.. الفلوس مش هتنفعها دلوقتي بحاجة يا كارمن.. دعائك هو اللي هينفعها دلوقتي يا بنتي.. ادعيلها ربنا يرحمها ويسامحها.
بدأ عقل كارمن يستوعب حقيقة موت والدتها، صوت والدتها وهي تطرق على باب منزلها وتتحدث اليها وتطلب منها النقود، لا يزال الصوت يتردد بأذنيها، تشعر بالذنب اتجاه والدتها، تتمنى لو يعود الزمن لكانت اعطتها كل النقود التي تريدها حتى لا تتركها وترحل. ظلت تبكي وتهمس بكلمات غير مفهومه للجالسين بالقرب منها، كانت تردد الاعتذار لوالدتها والشعور بالندم كان يقطع نياط قلبها. عانقتها عمتها وداد بقوة وهي تربت علي ظهرها وتقرأ ما تيسر لها من أيات القرأن الكريم حتى تهدأ كارمن وترضى بقضاء الله.
*****
وقف رشيد امام القبر بعد دفن جثمان سهير وبجواره خالد وفراج ويقف في الخلف الحاج عبد الرازق بجوار اللواء نور الدين الجبالي وبجوارهما والد رشيد الذي كان يقف حزين علي موتها ويدعي لها من قلبه بالرحمة.
كان رشيد يقف امام القبر يرفع يديه ويدعي لها بالرحمة والمغفرة، يتذكر عندما قابلها اول مرة عندما ذهب اليها مع جده لانهاء زواجها من والده، ثم مقابلته معها عندما ذهب يطلب منها الزواج من ابنتها، ذكريات كثيرة جمعتهما ومواقف عديدة، يتذكر ما كانت تفعله ويدعي لها بالرحمة والمغفرة.
انتهى كل شئ وغادر الجميع وتبقى جسد سهير اسفل التراب بمفردها امام الله. ندعوا الله بالرحمة والمغفرة لكل امواتنا واموات المسلمين اجمعين.
*****
عاد رشيد الي شقته ومعه جده ووالده وجد كارمن وفراج يريدون مقابلة كارمن لتأدية واجب العزاء.
تحدثت وداد الي كارمن واخبرتها ان الجميع في الخارج ينتظرونها لتستقبل العزاء في والدتها.
ساعدتها وداد علي ارتداء ثوب اسود وخرجت كارمن من الغرفة بجوار عمتها وهي صامته ودموعها تجمدت بداخل عيناها، وقف الجميع امامها. استمعت كارمن الي صوت والدتها مرة أخرى وهي تناديها من خلف الباب، نظرت الي باب الشقه وصوت والدتها وطرقها القوي على الباب يتردد علي اذنيها وكأنها تسمعه حقا، تركت الجميع وركضت الي باب الشقه وقامت بفتحه وهي تتحدث بلهفه:
– ماما..
لم تجد شئ، وقفت تنظر يمينا ويسارا تبحث عن والدتها ثم عادت ببصرها اليهم وتحدثت بثقة:
– ماما كانت هنا بتنادي عليا دلوقتي.
استغرب الجميع وتبادلت النظرات بينهم، اقترب منها رشيد وتحدثت اليها بهدوء:
– مفيش حد بينادي عليكي يا كارمن!
امسك بيديها واخذها الي الداخل واغلق الباب، نزعت يديها من بين يديه بعنف وصرخت به بغضب:
– انت قفلت الباب ليه؟.. انت مش عايز ماما تيجي هنا صح؟.. انت اصلا مبتحبهاش..
ثم نظرت الي جدها وفراج وجد رشيد ووالده وتحدثت اليهم بنبرة غاضبه وهي تنظر اليهم بعدوانيه:
– انتم كلكم مبتحبوهاش.. جاين تمثلوا ان انتم زعلانين عليها بس الحقيقه انكم كلكم مرتاحين وفرحانين انها ماتت…
ثم اقتربت منهم بخطوات واسعه غاضبه وتوقفت امام جد رشيد وتحدثت بقسوة ونبرة عدوانيه:
– انت طبعا اكتر واحد في الدنيا بتكرها.. اه طبعاا.. ازاي سهير سالم تتجوز ابن اللوا نور الدين الجبالي!! لا ومش بس كده.. دي بنت سهير سالم كمان اتجوزت حفيدك!! لا.. لا.. سهير سالم وبنتها لازم يموتوا! يا اما يبعدوا عن البلد وكأنك انت وابنك وحفيدك اشتريتوا البلد كلها واحنا ملناش حق نرجع غير بأمر منك!! انت اكتر انسان يستاهل الموت مش هي.. علي الاقل سهير سالم كانت واضحة وصريحة لكن انت طول الوقت عايش جوه شخصية الراجل الشريف والحقيقه غير كده.. اكيد مفيش راجل شريف يروح يهدد ست وبنتها بالموت لو مبعدوش عن حفيده وسابوا بيتهم وحياتهم وسافروا لبلد تانيه.. مين اداك الحق ده؟ انت مين اصلا عشان تتحكم في حياتنا؟!
نظر اليها جد رشيد بصدمة! لم تبالي بصدمته ولا بصوت رشيد وهو يحاول منعها عن الحديث، وقفت امام والد رشيد وتحدثت:
– على فكرة ماما زي ما كانت بتدور على الفلوس كانت بتدور على راجل بجد يكون امانها وحمايتها.. بس للاسف من بعد بابا مقابلتش الراجل ده!! كلكم شايفين ان سهير سالم كانت بتتجوز الرجالة طمع في فلوسهم.. مفيش مرة سألتوا الرجالة دول كانوا بيتجوزوها طمع في ايه؟! انا بسألك دلوقتي قدام الكل.. انت اتجوزت ماما ليه؟
حدق بها والد رشيد بصدمة، ابتسمت ساخرة واضافة:
– مفيش حد فيكم احسن ولا اشرف من ماما.. اوعوا تفكروا انكم ملايكة..
ابتعدت عنهم ووقفت تتحدث بصوت مرتفع:
– ماما كانت احسن واشرف منكم كلكم 100 مرة.
اقترب منها رشيد وتحدث اليها بغضب:
– كارمن.. اسكتي.. كفايه.
ضحكت ساخرة وهي تنظر اليه وتحدثت بنبرة غاضبه:
– رشيد باشا الجبالي.. رشيد المظلوم اللي انا ضيعت مستقبله.. رشيد باشا اللي اتجوزني غصب عن ماما.. عارفين هو اتجوزني ليه؟! عشان شافني بنت ضعيفه ومليش شخصيه، لعبه بين ايديه يقدر يتحكم فيا وفي حياتي برحته. واهو بالمرة ينتقم من ماما على جوازها من باباه.. طبعا حفيد اللوا نور الدين الجبالي لازم ينتقم من الست اللي اتجوزت باباه من غير اذن الباشا الكبير حضرة اللوا.
نظر اليها رشيد بصدمة وتحدث بذهول:
– انتي اكيد اتجننتي!
صرخت بقسوة:
– انا فعلا اتجننت.. اتجننت لما ماما وقفت تصرخ علي باب بيتك هنا وانا مش قادرة اشوفها بسبب ان انت حبسني وقافل عليا.. انا مش مسجونه عندك عشان تتعامل معايا بالطريقه المهينه دي.. انا انسانه ومش من حق اي حد فيكم انه يهددني او يخوفني.. انا خلاص مبقتش اخاف من حد واقدر اواجه كل واحد فيكم بحقيقته.
تحدث اليها رشيد بغضب:
– المهم تبقي واثقه ان الحقايق اللي انتي بتوجهينا بيها دي هي دي الحقيقه مش اوهام من خيالك.
اجابة عليه بقسوة:
– لو كانت اوهام من خيالي كان زمانك طلقتني من اربع سنين.. تقدر تقولي انت ليه سبتني علي ذمتك طول السنين دي! مفكرتش لحظه ان انا كنت ممكن اتجوز غيرك وانا مسافرة وطبعا كنت فاكرة انك طلقتني زي ما جدك قالنا… ! اقولك بقا انت مطلقتنيش ليه؟ عشان عايزني طول عمري اكون عبده ليك.. عايز انت بس اللي تتحكم في حياتي وعمري ومستقبلي.
نظر اليها بصدمة ثم اجاب عليها بغضب:
– لا انا مطلقتكيش عشان حاجة تانيه خالص.. عشان حبيتك.. فاهمه يعني ايه؟!
ضحكت ساخرة وتحدثت بغضب:
– وانا مش عايزة الحب ده.. ملعون اي حب يعيشني مسجونه.. انا مش هقبل ان باب البيت ده يتقفل عليا تاني.. انا اتخلقت حره وملكـ نفسي ومش هكون ملكـ ليك او لغيرك تاني.
عقد ما بين حاجبيه قائلا:
– تقصدي ايه؟!
اجابة بقوة وثقة:
– يعني انا عايزة اطلق منك دلوقتي حالا.
شهقت ازهار بصدمة وركضت وداد اتجاه كارمن قائلة بفزع:
– انتي بتقولي ايه يا بنتي.. استهدي بالله.
تحدث الحاج عبد الرازق:
– كارمن تعبانه واكيد مش في وعيها..
ثم نظر الي اللواء نور الدين وابنه وجيه واضاف:
– متأخذوناش انتوا اكيد مقدرين اللي هي فيه دلوقتي.
تحدثت كارمن باصرار:
– لا يا جدي.. انا عارفه انا بقول ايه.. انا مش هينفع اكمل حياتي مع رشيد.. احنا لحد كده وحكايتنا انتهت والافضل ان كل واحد فينا يروح لحاله.
تحدث رشيد بعناد:
– انتي عندك حق.. فعلا احنا مبقناش ننفع لبعض وكفايه لحد كده..
تأملها بعمق واضاف:
– انتي طالق يا كارمن.
↚
هربت دمعه من عيناها وهي تستمع لكلمة الطلاق، صرخت وداد بصدمة:
– يا حزني.. لا حول ولا قوة الا بالله.. ليه كده بس يا بني!
تحدث رشيد وهو مازال ينظر الي كارمن:
– دا الافضل لينا احنا الاتنين وان شاء الله ربنا يوفقها في حياتها..
ثم اضاف وهو ينظر الي الحاج عبد الرازق:
– انا كاتب الشقه دي بأسم كارمن من اول ما اشتريتها.. هبعت حد ياخد حاجتي وان شاء الله حقوقها كلها هتوصلها كامله.
ثم نظر الي جده ووالده واضاف:
– خلينا احنا نمشي..
ثم نظر اليها نظرة اخيرة وذهب من المنزل، لحق به جده ووالده وهما ينظران الي كارمن بصمت.
انتظر الحاج عبد الرازق حتى ذهب رشيد وجده ووالده ثم تحدث الي كارمن بحزن:
– ليه عملتي كده يا بنتي؟ جوزك كان بيحبك وباقي عليكي.. ليه تهيني اهله قدامه وتهينيه قدامنا كلنا؟!
بكت كارمن وتحدثت بحزن:
– خلاص يا جدي.. انا ورشيد مبقناش ننفع لبعض بعد كل اللي حصل.. كل ما اشوفه هفتكر ماما وهحس بالذنب.
اقتربت منها عمتها وداد وربتت فوق ظهرها ثم عانقتها، انهارت كارمن بداخل حضن عمتها.
نظر فراج الي جده بقلة حيلة، اخذتها عمتها وداد الي داخل الغرفة ودلفت ازهار معهم.
اقترب فراج من جده واردف:
– وبعدين يا جدي.. هنعمل ايه دلوقتي؟
اجاب جده:
– كارمن هترجع معانا البلد وهتعيش معانا هناك.. مش هينفع نسيبها تعيش هنا لوحدها.
*****
بعد مرور شهرين.
بداخل دوار الحاج عبد الرازق.
جلست وداد بجوار والدها وتحدثت بحزن:
– وبعدين يا ابويا.. هنسكت علي الحالة اللي كارمن فيها دي؟
تنهد الحاج عبد الرازق بحزن واجاب:
– واحنا في ايدينا ايه نعمله يا وداد.. احنا بنوديها للدكتور في مصر ومتابع معاها! مفيش في ايدينا حاجة نعملها اكتر من كده.
تحدثت وداد بعدم رضا:
– متابع معاها ايه بس يا ابويا.. دي البت مبتتكلمش مع حد فينا خالص وطول الوقت ساكته وقاعدة في الارض تتابع الفلاحين وهما بيشتغلوا وهي سرحانه وكأنها في عالم تاني!
تحدث الحاج عبد الرازق:
– واللي هي عاشته مش قليل برضه يا وداد.. سبيها لوحدها تعمل اللي هي عايزاه.. الدكتور قالنا كده.. وآكد ان محدش فينا يضغط عليها في حاجة.
تنهدت وداد بعدم رضا:
– اللي تشوفه يا ابويا.
*****
أسفل الشمس الساطعه وسط الأراضي الزراعيه الخضراء..
جلست كارمن تتابع ما يفعله الفلاحين باهتمام، كانت تنظر إلى الأرض التي تنبت الزرع ثم يقومون الفلاحين بحصد المحصول ثم بعد ايام يقومون بتجهيز الارض لاستقبال زرع جديد وكأن حياة الارض تتجدد مع كل زرع جديد ينبت بداخلها. تمنت لو تستطيع حصد ما عشته بعمرها السابق وتركه بعيدا عنها وبدأ حياتها من جديد. تمنت لو تستطيع زرع الشغف والأمل والحياة والسعادة والحب بداخلها من جديد. ومن يستطيع أن يمنعها الان! تنهدت وابتسمت وهمست الي نفسها:
– وايه يمنع ان انا انسى كل اللي فات وابدأ من جديد.. انا عايزة اعيش حياة اكون فيها مرتاحة ومبسوطة.. حياة بدون خوف، بدون هروب، بدون ناس يضغطوا عليا نفسيا، انا حره وعايزة اعيش حره.
وقفت وتحركت بخفه وكأنها فراشه تحلق بين الأزهار، تفتح ذراعيها للحياة، لا تخشى شئ بعد الان، هي تريد فقط ان تعيش وقلبها ينبض بالحياة. سقطت فجأة على الارض فاقدة الوعي، ركض الفلاحين عليها بهلع. صدح صوت احد الفلاحين يطالب احد الخفر بسرعة اخبار الحاج عبد الرازق بما حدث مع حفيدته. وقاموا بأخذها الي الوحدة الصحية بالقرية بمساعدة بعض السيدات.
*****
فتحت عينها وهي تشعر بشئ بارد يضغط علي بطنها، ابتسمت اليها الطبيب وتحدثت:
– حمدلله..
استغربت كارمن ونظرت الي يد الطبيبه وهي تكشف عليها عن طريق السونار الطبي وتنظر الي الشاشة امامها وتبتسم ثم تحدثت الطبيبه:
– الجنين وضعه تمام جدا ماشاء الله ومفيش قلق عليه.
شهقت كارمن بصدمة قائلة:
– جنين ايه؟!
نظرت اليها الطبيبه بستغراب قائلة:
– معقول انتي مش عارفه انك حامل في شهرين؟!
شهقت كارمن ونظرت الي الشاشة بجوارها وتحدثت بصدمة:
– حامل ازاي مش معقول!!.. اكيد في حاجة غلط؟!
حركت الطبيبه الجهاز واشارة بيديها علي نقطة الجنين وتحدثت بثقة:
– لا طبعا مفيش اي حاجة غلط والجنين واضح قدامي اهو.
نظرت كارمن الي النقطه التي تشير اليها الطبيبه بصدمة واسترسل لها عقلها سريعا ما حدث بينها وبين رشيد قبل طلاقهما بيوم.
اخذت الطبيبه منديلا واعطته لها لكي تجفف بطنها بعد انتهاء الكشف وعادت الطبيبه وجلست امام مكتبها لتدون لها بعض الأدوية والفيتامينات اللازمة في الشهور الأولى من الحمل.
دلفت وداد غرفة الكشف بلهفة وقلق وركضت الي كارمن تتحدث اليها بقلق:
– كارمن ايه اللي حصلك يا بنتي.. الفلاحين بيقولوا انك وقعتي في الارض فجآة..
ثم نظرت الي الطبيبه وتحدثت بلهفة:
– طمنيني يا دكتوره ايه اللي حصلها فجآة كده خلها تقع من طولها؟
انتهت الطبيبه من كتابة الدواء اللازم لها واجابة على سؤال عمة كارمن بهدوء:
– اطمني حضرتك ده بيحصل طبيعي في الشهور الأولى بس الام محتاجة تتغذى كويس جدا وتاخد الادوية دي في مواعيدها.
نظرت وداد الي كارمن بستغراب ثم نظرت الي الطبيبه مرة اخري وتحدثت بعدم فهم:
– شهور ايه اللي اولى يا دكتوره وام ايه انا مش فاهمه حاجة؟!
اجابة الطبيبه باختصار:
– بنت حضرتك حامل في شهرين.
نظرت وداد الي كارمن بابتسامة وسعادة وتحدثت بحماس:
– بجد يا كارمن.. الف مبروك يا حبيبتي.
نظرت اليها كارمن بحزن:
اقتربت منها عمتها وتحدثت بستغراب:
– مصيبة ايه يا حبيبتي بعد الشر عليكي.. دي بشرة خير عشان ترجعي لجوزك والمايه ترجع لمجاريها.
تحدثت كارمن باعتراض:
– لا يا عمتي انا مش عايزة ارجعله بالطريقه دي ومش عايزة ارجعله اساسا.
عقدت وداد ما بين حاجبيها بستغراب قائلة:
– يعني ايه يا كارمن الكلام ده؟!
اجابة كارمن بثقة وهي تضع يديها فوق بطنها بحماية:
– يعني انا مش هستخدم الطفل ده عشان ارجعله ومش عايزاه يعرف اصلا ان انا حامل.. الطفل ده انا هربيه لوحدي.
↚
– يعني انا مش هستخدم الطفل ده عشان ارجعله ومش عايزاه يعرف اصلا ان انا حامل.. الطفل ده انا هربيه لوحدي.
شهقت وداد قائلة باعتراض:
– استغفر الله العظيم.. ايه الكلام اللي انتي بتقوليه ده يا كارمن! انتي كده بتغضبي ربنا يا بنتي.. ربنا حرم اللي انتي عايزة تعمليه ده! وانا مش ممكن اشجعك على كده ابدا.
تحدثت كارمن باصرار:
– ارجوكي يا عمتي دي حياتي وانا مش عايزه حد يتحكم في حياتي تاني.. انا مش هينفع ارجع لـ رشيد بعد كل اللي حصل بينا وهو مستحيل هيسامحني بعد ما اهانة اهله قدامه واهانته قدامكم كلكم.
تحدثت وداد بحزن:
– رشيد بيحبك يا كارمن واكيد هيسامحك وهيقدر ان انتي كنتي زعلانه على فراق امك الله يرحمها.. سبيها لله بس وشوفي لما يعرف ان انتي حامل هيعمل ايه.
تحدثت كارمن باصرار:
– ارجوكي يا عمتي انا مش عايزاه يفهم ان انا بستخدم الطفل ده عشان ارجعله.. انا مبقتش كارمن بتاع زمان مبقتش انفع رشيد خلاص.
تنهدت عمتها براحة قائلة:
– طيب يا كارمن اللي تشوفيه.. خلينا نرجع الدوار عشان ترتاحي هناك.
أومأت كارمن برأسها بالايجاب وذهبت مع عمتها بعد ان استمعت الي إرشادات الطبيبه لمتابعة الحمل.
*****
بداخل القاعة التي يجلس بداخلها الحاج عبد الرازق.
ضرب الحاج عبد الرازق بعكازة ارضا باعتراض علي حديث وداد قائلا برفض:
– انتي بتقولي ايه يا وداد! انتي عايزاني اغضب ربنا واخبي حملها علي جوزها.. انتي فكراني ممكن أوافق علي الكلام اللي بتقوليه ده؟!
تحدثت وداد بحزن:
– صدقني يا ابويا انا قولتلها نفس كلامك ده بس هي منشفه راسها ومش عايزة تعرف جوزها.
تحدث الحاج عبد الرازق بقوة:
– دماغها الناشفه دي تتكسر، جوزها لازم يعرف انها حامل وبعدين نشوف هنعمل ايه..
ثم نظر الي فراج واضاف:
– اسمعني يا فراج.. انت تتحرك دلوقتي وتاخد اول قطر لـ مصر وتروح عند رشيد وتعرفه ان مراته حامل وتتكلم معاه وتشوفه ناوي على ايه.
تحدثت وداد:
– طب ما تتصل عليه يا ابويا وعرفه وشوفه ناوي علي ايه.
اعترض الحاج عبد الرازق:
– الكلام ده مينفعش في التليفون يا وداد.. لازم حد مننا يسافر ويتكلم معاه ويعرفه عشان نبقى عملنا اللي علينا.
أومأ فراج برأسه بالايجاب قائلا:
– حاضر يا جدي اللي تشوفه.
وقف فراج وذهب كما امره جده، نظرت وداد الي والدها وتحدثت بقلق:
– ربنا يستر.
تحدث الحاج عبد الرازق باقتناع:
– هو ده الصح والأصول يا وداد.. وان شاء الله ربنا يقدم اللي فيه الخير.
*****
صباح اليوم التالي.
وصل فراج الي منزل عائلة رشيد. استقبلته والدة رشيد بمفردها، اخبرها فراج انه ابن عم كارمن ويريد رؤية رشيد.
جلست والدة رشيد تنظر اليه بغضب وتحدثت بنبرة غاضبه:
– رشيد مش موجود تقدر تقولي اللي انت عايز تقوله وانا هبلغه.
تحدث فراج باحترام:
– انا لازم اتكلم معاه بنفسي بعد اذنك.. انا جيت المشوار ده كله عشان اتكلم معاه هو.
تحدثت بنبرة حادة:
– وعايز تتكلم معاه في ايه؟ مش خلاص موضوع كارمن ده اتقفل وخلصنا منها هي ومامتها.. فاضل ايه تاني في حياة ابني جاين تدمروه؟!
تحدث فراج باحترام:
– حضرتك انا جاي اتكلم معاه في موضوع مهم ولازم اقابله.
تحدثت بنبرة قوية:
– ورشيد مش موجود.
تحدث بهدوء:
– طب ممكن اعرف هيجي امتى او ممكن اقابل والد رشيد او جده.
تحدثت بعجرفه:
– رشيد سافر خارج مصر بقاله شهر.. وباباه عنده شغل ومش فاضي.. وجده تعبان ومش بيقابل حد.. وبعدين احنا عندنا حاجات كتير اهم من كارمن ومشاكلها.. ياريت لو تبعدوا عننا وتسيبوا ابني في حاله لانه دلوقتي اتجوز بنت من عيله تليق بعيلتنا وبيقضوا شهر العسل برا مصر وهيستقر هناك.
غضب فراج من اسلوبها معه في الحديث وتحدث اليها بغضب:
– وعيلة الهواري مش اقل من عيلتكم في حاجة.. شاكلك متعرفيش ابنك كان مناسب عيلة مين قبل ميناسب العيله اللي تليق بعيلتكم دلوقتي.. على العموم ربنا يصلح حاله ويوفقه.. عن اذنك.
تحدثت اليه بعجرفه قبل ان يذهب:
– ياريت تبلغ بنت عمك انها تبعد عن ابني وتسيبه في حاله ومتفكرش تدخل حياته تاني لانه مبقاش يكره حد في الدنيا قد ما بيكرها.
وقف فراج وتحدث اليها بغضب:
– متقلقيش.. اللي في قلب ابنك مش اكتر من اللي في قلبها وبنت عمي متعرفش ان انا جيت اقابله النهارده وطلع عندها حق لما اصرت انها تخلص من عيلتكم.
تركها فراج وذهب، جلست والدة رشيد مكانها تحرك قدميها بعصبيه بعد حديث ابن عم كارمن معها. بعد دقائق قليله ترجل والد رشيد من الأعلى وتحدث اليها:
– صباح الخير.. قاعدة كده ليه يا ماجدة.. كان في عندنا ضيوف ولا ايه؟!
ارتبكت كثيرا وتحدثت بتوتر:
– لا ضيوف ايه اللي هيجو بدري كده.. انا هروح احضر الفطار عشان تفطر قبل ماتروح شغلك.
تحدث اليها قبل ان تذهب:
– رشيد كلمني امبارح وطمني عليه وعلى جده وقالي ان ميعاد عملية جده اتحدد خلاص اخر الشهر الجاي.
وقفت ماجدة وتحدثت بتوتر:
– احنا لازم نسافرلهم قبل ميعاد العمليه بيوم ولا حاجة يا وجيه عشان عمي يكون مطمن واحنا كلنا حواليه..
تحدث وجيه بتأكيد:
– ان شاء الله اكيد هنسافرلهم قبل العمليه بيومين.
صمتت قليلاً ثم تحدثت:
– ربنا يشفيك يا عمي.. دا كان كويس وعمره ما اشتكى من حاجة.. مش عارفه تعب ايه ده اللي حصله فجأة ودهور حاله بالشكل ده؟!
تحدث وجيه بحزن:
– من بعد ما رشيد طلق مراته وبابا حاسس بالذنب وقلبه تعبه.. والحمد لله اننا عرفنا بالمرض ده بالصدفه قبل ما ينتشر في كل جسمه.
تحدثت بغيظ:
– الحمدلله ان ابني خلص منها..
ثم نظرت اليه بمكر واضافة:
– واحنا خلصنا من امها..
نظر اليها زوجها وهمس بداخله:
– الله يرحمها..
ثم وقف وتحدث بغضب:
– انا رايح الشغل.. مليش نفس افطر.
ذهب ولم ينتظر الاستماع لحديثها.. وقفت والدة رشيد تنظر أمامها بغضب بعد ان تذكرت عندما تزوج عليها زوجها من سهير والدة كارمن..اشتعلت النيران بداخلها من جديد وتضاعف الكره بداخلها وحقدها على كارمن.
*****
في المساء.
عاد فراج الي القرية ودلف الدوار وهو غاضب بعد مقابلته مع والدة رشيد ومعرفته بخبر زواج رشيد في اقل من شهر بعد طلاقه لـ كارمن.
صدح صوت فراج عاليا وهو يتحدث الي احد الخفر بغضب ثم اتجه الي القاعه التي يجلس بها جده وتحدث اليه جده بقلق:
– خير يا فراج.. شكلك راجع مضايق؟
اقتربت ازهار من باب القاعه بخطوات هادئه لتسترق السمع كما اعتادت ان تفعل.
زفر فراج بعصبيه واجاب على جده:
– يارتني ما كنت سافرت يا جدي.. كارمن كان عندها حق لما قالت انها مش عايزه تعرفه انها حامل.
استغرب جده وتحدث بقلق:
– ليه ايه اللي حصل يا فراج؟ هو رشيد قالك ايه ضايقك كده؟!
تحدث فراج بغضب:
– انا مشوفتوش اصلا يا جدي.. الباشا اتجوز من شهر وسافر مع عروسته.
كتمت ازهار شهقتها وهي تستمع الي حديث فراج.
بداخل القاعه تحدث الحاج عبد الرازق بصدمة:
– كلام ايه ده يا فراج؟ مين اللي قالك الكلام الفارغ ده! اتجوز امتي وازاي ؟! دا لسه مطلق مراته ومخلصتش حتى عدتها!
تحدث فراج:
– الست امه اللي قابلتني وقالتلي انه اتجوز وقالتلي كلام ضايقيني.. شكلهم مش عارفين هما كان مناسبين عيلة مين!
تحدث الجد بصدمة:
– ايه الكلام اللي انت بتقوله ده! .. طب انت قابلت جده او ابوه؟!
تحدث فراج:
– الست امه بتقولي انهم مش فاضين لنا!
تحدث الحاج عبد الرازق بصدمة وهو ينظر الي هاتفه ويبحث عن رقم رشيد:
– انا هكلمه كده وافهم منه ايه الحكايه..
حاول الاتصال بهاتف رشيد لكن جاءه الرد ان هذا الرقم خارج الخدمه، نظر الحاج عبد الرازق الي حفيده وتحدث بدهشة:
– تليفونه مقفول.. وبعدين؟
تحدث فراج بغضب:
– والله هو حر بقا يا جدي.. احنا كده عملنا اللي علينا وبعدين بصراحة الست امه دي طلعت صعبه اوي وشكل عيلته كلهم زيها ولو رجعنا بنت عمي تاني للعيله دي يبقى بنظلمها.
تنهد الجد بحزن قائلا:
↚
– مش عارف هنعمل ايه دلوقتي.. حرام نخبي حملها..
تحدث فراج بغضب:
– احنا مخبناش حاجة يا جدي.. هو اللي استعجل واتجوز واحدة تانيه وسافر.. لما يبقا يرجع بقا يحلها ربنا.
استمعت ازهار الي الحديث ثم تحركت بخطوات هادئه وصعدت الي الطابق الأعلى حيث غرفة كارمن ودلفت الي الغرفة وهي
تشير بيديها ووجهها الي والدتها وكارمن وهما يجلسان فوق الفراش معا:
– عرفتي اللي حصل يا امي.. عرفتي اللي حصل يا كارمن!!
نظروا اليها بدهشة وتحدثت وداد بقلق:
– ايه اللي حصل يا ازهار قلقتينا؟!
تحدثت ازهار:
– فراج رجع من مصر وبيقول ان جوز كارمن اتجوز واحدة تانيه وسافر معاها.
شهقت وداد وانتفضت من مكانها بفزع تتحدث الي ابنتها:
– انتي بتقولي ايه يا ازهار؟!!
استمعت كارمن إلى حديث ازهار بهدوء لم يعتادوا عليه، جاءت مايا بتفكيرها عندما علمت ان رشيد تزوج من أخرى، سرعان ما ترتبت الاحداث بعقلها واعتقدت ان رشيد ومايا كانت تربطهما علاقه غراميه وتزوج منها رشيد بعد الطلاق. وضعت يديها فوق بطنها بحمايه وكتمت حزنها بداخلها ورسمت ابتسامه هادئه علي وجهها صدمت بها عمتها وداد وابنة عمتها ازهار.
حدقت بها وداد وتحدثت بصدمة:
– شكلك مش مستغربة يا كارمن ان رشيد اتجوز؟ معقول انتي كنتي عارفه وعشان كده مكنتيش عايزه تعرفيه ان انتي حامل؟
اجابة كارمن بهدوء:
– رشيد اختار حياته يا عمتي خلاص وربنا يوفقه فيها.. انا مش عايزه حاجة دلوقتي غير ان حملي يكمل بخير المرادي واشوف ابني او بنتي.. ده الوحيد اللي يستحق اعيش عشانه.
اقتربت منها عمتها وربتت على ظهرها بحنان:
– ان شاء الله يا حبيبتي ربنا يكملك على خير وتقومي بالسلامة.
*****
بعد مرور شهر.
بإحدى المستشفيات بـ لندن.
تمدد الجد اللواء نور الدين الجبالي فوق الفراش قبل الاستعداد لأجراء عملية استئصال ورم.
وقف رشيد امامه وتحدث اليه بابتسامه هادئه:
– متقلقش يا جدي ان شاء الله هتعمل العمليه وتقوم بالسلامة.
تحدث الجد بحزن:
– حتى لو مُت يا رشيد انا عايزك تسامحني.. انا حاسس ان كل اللي حصلي ده كان ذنبك وذنب كارمن.. انا فرقتكم عن بعض بدل ما اجمعكم وانا عارف انت قد ايه بتحبها.
اقترب رشيد منه اكثر وقبل يديه قائلا:
– القدر هو اللي فرقنا انا وكارمن يا جدي وانا ميهمنيش دلوقتي غير ان حضرتك تقوم بالسلامه..
ثم لمعت اعين رشيد بالدموع واضاف:
– انا مش متخيل حياتنا من غيرك يا جدي.. اوعدني انك تقوم بالسلامة.
بكى جده وتحدث بحزن:
– مقدرش اوعدك بحاجة مش في ايدي يا رشيد.. الاعمار بيد الله وحده يا بني.
دلف وجيه والد رشيد ومعه زوجته واقتربوا من رشيد وجده وتحدث وجيه بقلق:
– عامل ايه دلوقتي يا بابا.. ان شاء الله تعمل العمليه وتقوم بالسلامة.
نظر اللواء نور الدين الجبالي الي ابنه وزوجته وتحدث اليهم بحزن:
– لو مخرجتش من العمليه دي عايزكم كلكم تسامحوني.
بكت ماجدة وتحدثت بحزن:
– متقولش كده يا عمي ان شاء الله هتقوم بالسلامة وترجع تنور بيتك تاني.
دلف الممرضات لتحضيره للعمليه، ابتعد رشيد عن جده ووقف بعيدا ينظر اليه بحزن وقلق.
بعد عدة ساعات من دخول اللواء نور الدين إلى غرفة العمليات، خرج الطبيب من غرفة العمليه ويبدو على وجهه الحزن، اقترب منه رشيد ووالده وتحدث معه رشيد وأخبره الطبيب بكل أسف ان جده فارق الحياة أثناء اجرأ العمليه.
استقبل رشيد الخبر بصدمه كبيره، كان جده بمثابة والده وصديقه وكل شئ له بالحياة.
*****
عادوا جميعا الي مصر لدفن جثمان اللواء نور الدين وفي اليوم التالي كان العزاء.
جلس خالد بجوار رشيد في العزاء وكان الحزن الشديد يبدو على رشيد بعد فقدان جده، تحدث خالد الي رشيد بصوت منخفض وهو يجلس بجواره:
– انا عارف ان الوقت مش مناسب بس في حاجة لازم تعرفها.. الراجل اللي حاول يعتدي علي كارمن في شقة مامتها اتقتل في شقته في اسكندرية.
نظر اليه رشيد بصدمة، تحدث خالد مرة أخرى:
– تقريبا اللي قتله حد تبع رجالة سعد بشار وخصوصا ان اسمه اتذكر في قضية قتل سهير.. عموما احنا بنعمل تحريات ولو وصلت لحاجة هبلغك.
نظر رشيد امامه وتحدث بحزن:
– خلاص يا خالد.. كل ده ملوش لازمة دلوقتي.. كل حاجة انتهت..
صمت قليلا وهو ينظر امامه بحزن ثم اضاف:
– انا شكلي هسافر تاني واستقر هناك.
تحدث خالد بدهشة:
– معقول هتسافر تاني يا رشيد؟!
أجاب رشيد بتأكيد:
– مبقتش عايز اعيش هنا خلاص يا خالد وكمان بابا ممكن ينقل شغله خارج مصر وانا هبدأ شغل معاه.
تحدث خالد:
– وكارمن؟
اجاب رشيد بغضب:
– كارمن اختارت الطلاق وانا تعبت ومش هجري وراها تاني.. كارمن في لحظة غضب قالت كل اللي جواها وعرفت هي بتفكر فيا ازاي وبعد اللي قالته مبقناش ننفع لبعض.
تنهد خالد بحزن:
– بس كارمن بتحبك يا رشيد واكيد موت مامتها صدمها ومكانتش في وعيها.
تحدث رشيد بغضب:
– وانا كمان بحبها.. بس كارمن قالت اللي جواها يا خالد وبعد كلامها واهانتها ليا ولأهلي حكايتنا انتهت.. خلاص.
صمت خالد قليلا بحزن ثم تحدث بقلة حيلة:
– اللي تشوفه يا رشيد.. ربنا يوفقك ويوفقها.
*****
بعد ستة أشهر.
بداخل المشفى.
انجبت كارمن طفلها وحملته بين يديها لم تريد تركه لاحد ولو لحظه واحده.. كانت تتأمله بعيناها وقلبها والدموع تنسال من عينيها بسعادة.
جلست وداد بجوارها وتحدثت اليها بسعادة:
– حمدلله على السلامه يا كارمن.. ماشاء الله ابنك زي القمر ربنا يحفظه ويبارك فيه.
تحدثت ازهار بفضول:
– هتسميه ايه يا كارمن؟
نظرت كارمن الي طفلها وتحدثت دون تردد:
– هسميه “عمر”
ابتسمت وداد وتحدثت:
– ربنا يباركلك فيه يا حبيبتي.
ابتسمت كارمن وهي تنظر الي ابنها وهمست بداخلها:
– عمر رشيد الجبالي.
خارج غرفة كارمن بالمشفى.
جلس فراج بجوار جده الحاج عبد الرازق وتحدث بغضب:
– لو سمحت يا جدي انا قولتلك مليون مرة انا مستحيل اروح اسأل عليه عند الست امه دي تاني وبعدين هو اتجوز وسافر ومن بعدها لا حس ولا خبر.. مش احنا بقا اللي هنجري وراه ونقوله تعالي شوف ابنك!
تحدث الحاج عبد الرازق بحزن:
– يا فراج عايزين نعمل اللي علينا للاخر عشان ربنا يابني مش عشانه.
تحدث فراج بغضب:
– حاضر يا جدي هروحلهم تاني بس دي اخر مره اروح للعيله دي اسأل عليه.
تحدث الحاج عبد الرازق:
– لو ملقتوش برضه عرفهم ان كارمن خلفت ولد وهما حرين بقا يعرفوه ولا لا احنا كده نبقا عملنا اللي علينا.
أومأ فراج برأسه بالايجاب وذهب من المشفى.
*****
اليوم التالي..
وصل فراج امام منزل عائلة الجبالي وكان المنزل مغلقا ويبدو ان لا احد بالمنزل. اقترب منه حارس المنزل وتحدث اليه:
– خير يا استاذ حضرتك عايز مين؟
تحدث فراج بستغراب:
– عايز اي حد من عيلة الجبالي.
تحدث الحارس:
– كلهم سافروا يا باشا من بعد موت سيادة اللوا الله يرحمه.
نظر اليه فراج بصدمة:
– هو جد رشيد مات؟.. مات امتى ؟!
تحدث الحارس:
– من كام شهر كده يا استاذ والعيله كلهم سافروا وانا شغال هنا حارس على البيت.
تحدث فراج:
↚
– متعرفش سافروا فين؟
اجاب الحارس:
– لا والله انا استلمت الشغل هنا بعد سفرهم ومعرفش هما سافروا فين!
أومأ فراج برأسه بتفهم وذهب.
*****
بداخل الدوار جلست كارمن بداخل غرفتها تحمل ابنها وتنظر اليه وقلبها ينبض بالحياة وكأنها ولدت معه من جديد.
عاد فراج الي الدوار واخبر جده بموت اللواء نور الدين الجبالي منذ عدة أشهر وسفر عائلته جميعا الي خارج مصر.
*****
بعد مرور ثلاثة اعوام على فراق كارمن ورشيد. استطاع رشيد تأسيس عمل ضخم يشاركه به والده في احدى الدول الاوروبيه، استقر في العيش هناك ولم يفكر في العودة. كبرياءه يمنعه من العودة او معرفة اخبارها، كلما فكر بها يتذكر حديثها وكلماتها القاسيه التي جرحته واهانته كثيرا امام عائلته وعائلتها.
لم تشعر كارمن بمرور الثلاثة اعوام وهي ترى ابنها يكبر يوما بعد يوم امام عيناها، كانت تشغل وقتها ويومها بمتابعة ابنها، كلما كبر يوم كانت ملامحه تزداد في الشبه من والده، كانت تنظر اليه وكأنها تنظر إلى رشيد، كانت حياتها هادئه حتى توفي جدها.
جلست كارمن بجوار عمتها وداد يرتدون الثياب الأسود حزنً على وفاة الحاج عبد الرازق منذ شهرين.
اصبح “عمر” ابنها بعمر الثلاثة اعوام وكان يلهو ويلعب حولهم.
تحدثت كارمن الي عمتها بهدوء:
– لو سمحتي يا عمتي كنت عايزة اتكلم معاكي في موضوع مهم واستنيت يعدي على موت جدي الفترة دي عشان اعرف اتكلم معاكي.
استمعت اليها وداد باهتمام:
– قولي يا كارمن انا سمعاكي؟
تحدثت كارمن:
– انا من بعد موت جدي وانا بفكر ان انا لازم امشي من هنا.. عايزة ارجع القاهرة تاني.
تحدثت وداد بصدمة:
– ليه يا كارمن في حد زعلك في حاجة يا بنتي؟!
تحدثت كارمن:
– لا طبعا يا عمتي مفيش حد زعلني ولا حاجة بس انا مش مرتاحة كده.. وخصوصا ان وجودي عامل مشكله لـ ازهار.. انا فاهمه يا عمتي وعارفه ان ازهار بتحبني بس مضايقه من موجودي انا وعمر هنا وطول الوقت خايفه وغيرانه علي جوزها وبصراحه ده حقها.. انا والله مستحيل ابص لـ فراج لاني بعتبره اخويا مش ابن عمي وبس.. لكن ازهار ست ومن حقها تغير وتخاف علي جوزها وخصوصا لما يبقى في ست مطلقه عايشه معاهم في نفس البيت.
خفضت وداد وجهها بحزن لانها تعلم حقا ان ابنتها لا تشعر بالراحة في وجود كارمن وابنها معهم بالمنزل. تحدثت وداد بحزن:
– مش عارفه اقولك ايه كارمن.
تحدثت كارمن برجاء:
– قولي ان انتي موافقه يا عمتي.. عشان خاطري وخاطر ازهار.. كده كلنا هنرتاح.
تحدثت وداد بحيرة:
– وهتعيشي هناك لوحدك ازاي يابنتي؟
تحدثت كارمن:
– هعيش في شقتي يا عمتي اللي كنت متجوزة فيها انا ورشيد.. رشيد كان كاتبها بأسمي والشقه مقفوله من يوم ما سبتها.. وكمان بفكر اعمل مشروع بفلوس الارض بتاعي.
نظرت اليها عمتها بتفكير وتحدثت بحزن:
– اللي تشوفيه يا كارمن.. انتي مبقتيش صغيره يا بنتي واكيد هتعرفي تحافظي على ابنك وفلوسك.
ابتسمت كارمن وهي تتذكر كم كانت فتاة ساذجة بالماضي وتحدثت بثقة:
– متقلقيش يا عمتي.. انا مبقتش العيله الصغيره بتاع زمان.. انا دلوقتي ام وبربي ابني لوحدي.. يعني لازم اكون له الام والاب واقدر احميه واحافظ عليه وعلى فلوسي.
تحدثت وداد بقلق:
– بس هتقدري تشتغلي ازاي يا كارمن وتعملي مشروع وابنك لسه صغير ومحتاجك يا بنتي؟!
تحدثت كارمن بثقة:
– انا فكرت في المشروع خلاص يا عمتي.. انا هفتح مطعم وكافيه وهيكون فيه كيدز اريا للاطفال عشان اقدر اخد عمر معايا كل يوم وميحسش بملل هناك وفي نفس الوقت اقدر اتابع شغلي وابني قدام عيني.
تحدثت وداد بابتسامه:
– ربنا يوفقك يا حبيبتي وان شاء الله يوسع عليكي ويباركلك في ابنك ويعوضك عن كل اللي فات.
ابتسمت كارمن وعانقت عمتها بسعادة وهي تشعر بالراحة بعد دعاء عمتها لها.
*****
عادت كارمن الي القاهرة ومعها ابنها، وقفت أمام باب شقتها وقامت بفتحه، دلفت الي الداخل وهي تتذكر كل شئ حدث بالماضي، تتذكر خطواتها الأولى إلى داخل هذا المنزل وهي فتاة صغيرة في سن التاسعة عشر.. اليوم اصبحت امرأة ناضجة في الثامنة والعشرون من عمرها ويمسك ابنها بيدها. تسعة اعوام وما مرت به خلالهم كان كافيا لتحويلها من فتاة صغيرة مدللة الي أمرأة ناضجة.
كانت تبتسم وهي تنظر الي كل شئ بالمنزل عكس شخصيتها السابقه التي كانت تبكي دائماً، الان تعلم قيمة دموعها. نظرت الي ابنها صاحب الثلاثة اعوام وتحدثت اليه بابتسامة:
– ايه رأيك في بيتنا يا عمر؟
نظر اليها ابنها وابتسم وركض يلهو ويلعب بداخل المنزل، ابتسمت وهي تتابعه بعيناها وترى كم يشبه اباه في كل شئ. تنهدت بداخلها وهي تفكر بأصرار في العمل الجاد وإنشاء مشروعها الخاص والسعي وراء النجاح.
*****
بعد مرور عامان اخرين..
استطاعت كارمن تحقيق النجاح التي ارادت الوصول اليه خلال عامان من العمل الشاق، اصبح مشروعها من اهم واشهر المطاعم والكافيهات ويميزه وجود كيدز اريا لكي يستمتعون الامهات والاباء برفقة ابنائهم..
اكثر من خمسة اعوام ونصف مرورا على طلاقها من رشيد.. صاحبة الثلاثون عاما الآن تدير مشروع ضخم وتتحمل مسؤولية تربية ابنها بمفردها. لم ترى رشيد منذ طلاقهما ومازالت تعتقد انه تزوج وسافر الي الخارج كما اخبرت والدته فراج منذ خمسة اعوام.
*****
امام مطار القاهرة الدولي.
وقف خالد أمام سيارته ينتظر خروج رشيد من مطار القاهرة. خمسة اعوام لم تخطي قدميه ارض الوطن.
ظهر رشيد وهو يرتدي نظارة سوداء يخفي خلفها اشتياقه لوطنه وكل شئ فقده بهذا الوطن.
استقبله خالد بسعاده وعانقه بقوة:
– اخيرا يا رشيد.. متعرفش انت وحشتني قد ايه.
تحدث خالد:
– واضح ان مصر وحشتك فعلا عشان كده سبتها خمس سنين ومكنتش ناوي ترجع تاني لولا شركة باباك اللي هنا والمشاكل اللي حصلت فيها مكنتش هترجع.
تحدث رشيد:
– خلاص متزعلش انا قاعد معاك هنا اسبوع احل فيه مشاكل الشركة او اصفيها ونخلص من مشاكلها وارجع تاني.
صعد خالد بداخل السياره وتحدث بنبرة ساخرة:
– يااااه اسبوع بحاله.!
ابتسم رشيد وصعد بجواره:
– يدوب اسبوع لان عندي شغل كتير جدا هناك وبابا مبقاش يقدر يدير الشغل انت عارف.
تحدث خالد:
– عارف.. ربنا يعينك.
نظر رشيد من النافذه على الطريق وخالد يقود السيارة، يطالبه قلبه ان يسأل خالد عن كارمن، لم يتوقف عقله عن التفكير بها طوال الخمسة اعوام، لكن كبرياءه يمنعه من نطق اسمها.
↚
لم يتوقف عقله عن التفكير بها طوال الخمسة اعوام، لكن كبرياءه يمنعه من نطق اسمها.
وصل خالد بالسيارة امام منزل عائلة رشيد وتحدث اليه بتأكيد:
– بقولك ايه انت ترتاح النهارده وتفضيلي نفسك بكره عشان نخرج مع بعض ونتكلم شويه.. ومتقلقش انا اللي عازمك.
ابتسم رشيد وتحدث بمزاح:
– ياااااه اخيرا جه اليوم اللي تعزمني فيه!
ضحك خالد بمرح:
– عشان تعرف ان بـ سفرك ده ضيعت علي نفسك حاجات كتير.
ابتسم رشيد وترجل من السيارة وتحدث بمزاح:
– ماشي لما نشوف.. رغم اني متأكد ان انا اللي هدفع في الاخر.
ضحك خالد قائلا:
– اكيد طبعا انت اللي هتدفع.. انا هعزمك على المكان بس.
أومأ رشيد برأسه قائلا بمزاح:
– عمرك ما هتتغير يا خالد.
ابتسم خالد وتحدث بتأكيد:
– هاجي اخدك من هنا بكره متنساش.. سلام.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب ودلف الي منزل عائلته.
*****
بداخل غرفة مكتب كارمن بالمطعم.
– انا اسفه جدا يا فندم بس صدقيني عمر ابن حضرتك هو اللي غلطان وهو اللي ضرب الولد الاول.
جلست كارمن بداخل مكتبها تستمع الي حديث احدى الموظفات التي تعمل بـ كيدز اريا التابع إلى المطعم الخاص بها، كانت تشكي لها من سلوك ابنها عمر مع باقي الاطفال. استمعت كارمن الي شكوتها وهي تنظر الي عمر صاحب الخمسة اعوام وهو يجلس بكل كبرياء غير مبالي بحديث الموظفه وهي تشكي لوالدته.
وقفت كارمن من مكانها وتحدثت:
– وعملتي ايه مع مامت الولد؟
تحدثت الموظفه:
– اعتذرتلها يا فندم ولما سألتني عن مامت عمر مقدرتش اقولها ان مامته صاحبة المكان عشان المشكله متكبرش اكتر.
أومأت كارمن برأسها وتحدثت:
– تمام.. تقدري تتفضلي انتي على شغلك وانا هتصرف في الموضوع ده.
أومأت الموظفه برأسها وعادت الي عملها. نظرت كارمن الي ابنها وتحدثت بغضب:
– ينفع اللي حصل ده؟! دي مش اول مشكله من النوع ده تعملها هنا.
تحدث عمر بصوته الطفولي:
– ماما حضرتك قولتي انها مش اول مشكله صح.. يعني عادي بقا.
نظرت اليه كارمن بصدمة قائلة:
– هو ايه اللي عادي.. انت ليه ضربت الولد انا عايزة افهم؟
تحدث عمر:
– عشان لما وقعني كان لازم يعتذر يا ماما وانا قولتله كده عيب وهو قالي انه هينادي مامته تضربني.. وكان بيخوفني بـ باباه وعشان كده انا ضربته عشان يعرف ان انا مش بخاف من حد.
تحدثت كارمن بغضب:
– اللي انت عملته ده غلط يا عمر ومش هسمحلك تكرره تاني.
تحدث عمر بحزن:
– هو بابا هيرجع امتى من السفر بقا انا عايز بابا.
غضبت اكثر وتحدثت بنبرة حادة:
– وانت عايز ايه من بابا دلوقتي؟ انت طلبت مني حاجة وانا معملتهاش؟!
تحدث عمر بصوته الطفولي:
– اشمعنا كل الولاد اللي بيجو هنا عندهم بابا.. انا كمان عايز يبقا عندي بابا زيهم.
نظرت اليه كارمن بحزن ثم عانقته بقوة وتحدثت اليه بصوت مكتوم من شدة رغبتها في البكاء لكنها لم تسمح لعينيها بذرف الدموع:
– انت عندك بابا زيهم يا حبيبي بس بابا مسافر عشان شغله وان شاء الله هيرجع قريب.
ابتعد عنها عمر قائلا:
– كل مرة بتقولي كده وبابا مش بيرجع.. طب هو مسافر فين وانا اسافر عنده.
نظرت اليه كارمن بحزن واجابة:
– صدقني يا عمر المرادي انا هكلم بابا واقوله يرجع عشان تشوفه.
أومأ عمر برأسه بالايجاب وصمت، نظرت اليه كارمن بحزن وهي تفكر في رشيد وتعلم ان القادم سيكون اصعب ولم يتوقف عمر عن السؤال عن والده.
*****
مساء اليوم التالي.
توقف خالد بسيارته امام منزل عائلة رشيد. خرج رشيد من المنزل واقترب من سيارة خالد وقبل ان يصعد بداخلها نظر بدهشة الي المقعد الخلفي عندما رأى طفلين يجلسون بداخل سيارة خالد.
فتح باب السيارة في المقدمة بجوار خالد وهو ينظر الي الطفلين بدهشة قائلا:
– مين دول يا خالد؟ معقول اولادك؟!
ابتسم خالد وتحدث وهو ينظر الي اولاده قائلا:
– ياسين وكيان.
ابتسم رشيد بسعادة والتفت ينظر اليهما وَتحدث اليهما بلطف وبدأ يتعرف عليهما بطريقه مرحه. كيان صاحبة السابعة اعوام وشقيقها ياسين صاحب الخمسة اعوام.. تحدث خالد الي رشيد بقلة حيلة:
– نهى لما عرفت ان انا اجازة من شغلي النهارده سابت الولاد وراحت مع مامتها عند الدكتور وانا لبست الولاد وملقتش حل غير ان انا اجبهم واخرجهم معانا.
نظر رشيد إلى الاولاد وتحدث بدهشة:
– هنخرجهم معانا ازاي؟!
تحدث خالد بثقة:
– انا اسمع عن مطعم حلو اوي وفيه كيدز اريا للاطفال.. احنا هنقعد في المطعم والولاد في الكيدز اريا يلعبوا.
تحدث رشيد:
– طب ما نأجلها ونخليها مرة تانيه وخلاص.
تحدث خالد بأصرار:
– دا انا واخد اجازة النهارده بالعافيه عشان اقعد معاك شويه ومش هعرف اخد اجازة تاني.
تحدث رشيد بتردد:
– انا بصراحة مش متخيل اننا نخرج ومعانا الاولاد!
تحدث خالد بثقة:
– متقلقش.. المكان اللي احنا هنروحه ده كل الناس بيشكروا فيه وحتى نهى مراتي كانت هناك امبارح بالاولاد وقالت ان المكان كويس.
تحدث رشيد وهو ينظر ويبتسم الي اولاد خالد:
– خلاص تمام.. خلينا نروح.
*****
بداخل غرفة مكتب كارمن بالمطعم..
تحدثت كارمن الي عمر:
– عمر انا عندي شغل كتير النهارده وحسابات لازم اراجعها.. ممكن تروح تلعب في الكيدز اريا بس من غير مشاكل.
تحدث عمر وهو يركض الي خارج غرفة المكتب:
– حاضر يا ماما.
خرج عمر وركض للعب في المكان المخصص للاطفال.
وصل خالد بسيارته امام المطعم. ترجل من السيارة وساعد اولاده علي الخروج من السيارة. وقف رشيد يضحك وتحدث الي خالد بنبرة مرحة:
– الله يعينك بصراحة.. انا مش مصدق اللي انت فيه ده!
تحدث خالد بغيظ:
– اضحك برحتك بكره تتجوز ويبقى عندك اولاد وانا اشمت فيك زي ما انت شمتان فيا كده.
تبدلت ملامح رشيد الي الحزن وشرد في كارمن سريعا، لم يلاحظ خالد تبدل ملامح رشيد وذهب يسأل عن المكان المخصص للاطفال. بعد دقائق قليله عاد خالد الي رشيد وجلس الاثنان معا بداخل المطعم.
*****
بداخل المكان المخصص للاطفال.
اقترب ياسين ابن خالد من عمر وتحدث معه بصوته الطفولي:
– انت لسه هنا بتلعب! على فكرة انا جبتلك بابا معايا المرادي وهو ظابط وهيقبض عليك.
نظر اليه عمر بسخرية ثم ابتسم بثقة وتركه وذهب يلعب في مكان اخر، غضب ياسين من تجاهله له وذهب خلفه وقام بدفعه على احد الالعاب، صرخت كيان اخت ياسين عندما وقف عمر من جديد واقترب من شقيقها وحدثت بينهما مشاجره. ركضت اليهما المشرفه وعدد من الموظفات المسؤلين عن الاطفال. ركضت كيان الي والدها بالمطعم وهي تبكي واخبرته ان شقيقها يتشاجر مع طفل اخر وسبق والاثنان تشاجرا معا بالامس. وقف خالد بسرعه ووقف رشيد وذهب الاثنان الي المكان المخصص للاطفال.
اقترب خالد من ابنه ونظر الي وجهه بعد ان اصابه عمر باظافره ثم نظر الي عمر والمشرفه المسؤوله وتحدث اليها بغضب:
– ايه التهريج اللي بيحصل هنا ده! ازاي اسيب ابني هنا خمس دقايق بس وارجع الاقيه متبهدل كده؟!
اجاب عليه عمر بصوته الطفولي الغاضب:
– هو اللي بدأ الاول وبيخوفني عشان باباه ظابط.
نظر رشيد الي الطفل الذي يتحدث بكل قوة واعجب بقوة شخصيته رغم صغر سنه.
انسحبت احدي الموظفات وذهبت لتخبر مديرة المطعم بما حدث.
تحدث ياسين ابن خالد وهو يتحامى في والده:
– اه بابا ظابط وهيقبض عليك دلوقتي.
تحدث خالد الي ابنه بغضب:
– عيب كده يا ياسين..
ثم نظر الي الطفل الذي يقف امامه بكل قوة وتحدي:
– انت باباك فين عشان نتكلم معاه.. اكيد انا مش هقف اتكلم مع عيل صغير.
تحدث عمر بتحدي:
– بابا مسافر وانا مش صغير.
تحدثت المشرفه المسؤله عن الاطفال باعتذار:
– انا بعتذر جدا لحضرتك يا فندم بس فعلا ابن حضرتك اللي بدأ الاول ووقع عمر وده كان بسبب مشكله حصلت بينهم امبارح ومدام حضرتك تفهمت المشكله.
تحدث اليها رشيد بغضب:
– الاطفال دول مش غلطانين.. الغلط والتقصير منكم انتم.. تقدري تقوليلنا انتم كنتوا فين والاطفال بيضربوا بعض بالشكل ده؟
خفضت المشرفه وجهها ارضا بصمت، تحدث خالد بعصبيه:
– انا عايز المسؤول عن المكان ده حالا..
جاءت كارمن مسرعه بعد ان اخبرتها الموظفه بما حدث ورأت اثنان من الرجال يقفون امام ابنها والمشرفة المسؤوله وصوت احد الرجال مرتفع ويطلب المسؤول عن المكان.
توقفت كارمن خلفهما وتحدثت بثقة:
– خير حضرتك انا المسؤول هنا.
التفت الاثنان ينظرون اليها، حدق بها خالد بصدمة وهمس بدهشة:
– كارمن.
ارتجف جسد كارمن قليلا عندما رأت رشيد وتعلقت عيناها بعيناه.
اسرعت دقات قلبه بقوة عند رؤيتها ووقف يتأملها بصدمة. لا يصدق عيناه! كارمن امام عيناه الان! لكنها تبدلت كثيرا عن الماضي، لا تزال جميلة كما كانت بل اصبحت اكثر جمالا، وتبدو أيضا اكثر جديه بثيابها الرسميه الانيقه ووقفتها الواثقه امامه.
↚
سرعان ما عادت بذكرياتها الي الماضي وتذكرت لحظات كثيرة جمعتهما معا، لكنها لم تستسلم لتلك الذكريات ان تأخذها من الواقع الذي تعيشه الان، عليها مواجهة هذه اللحظة، تعلم ان هذه المواجهة كانت ستأتي يوما ما وعليها المواجهة بقوة ودون تردد.
حاولت اظهار عكس ما تشعر به وتمسكت بقوتها ووقفتها الواثقه، ابعدت عيناها عن رشيد ونظرت الي ابنها. تحدث خالد بصدمة وهو يحرك عيناه بين كارمن ورشيد:
– كارمن.. ازيك.. انتي بتشتغلي هنا؟!
نظرت اليه وقبل ان تجيب على سؤاله، اجابة المشرفه عليه:
– مدام كارمن صاحبة المطعم.
نظر رشيد الي المشرفه بدهشة ثم عاد ببصره الي كارمن.
تحدث عمر بصوته الطفولي وهو يقترب من كارمن :
– ماما صدقيني انا مش غلطان المرادي وهو اللي بدأ الاول.
فتح رشيد عيناه بصدمة وهو ينظر الي الطفل الذي يقترب من كارمن ويتحدث اليها بثقه ويقول انها امه. نظر خالد الي الطفل بصدمة هو الاخر ثم الي رشيد.
عقد رشيد ما بين حاجبيه بدهشة وهو ينظر الي الطفل باهتمام.
توترت كارمن وامسكت بيد ابنها وتحدثت بصوت حاولت ان يبدو طبيعيا:
– ايه اللي حصل؟
تحدث عمر بصوته الطفولي:
– الولد ده يا ماما اللي كان بيحاول يخوفني امبارح والنهاردة برضه بيخوفني عشان باباه ظابط.
نظرت كارمن الي ابنها ثم نظرت الي رشيد وتحدثت بصوت بارد:
– ممكن اعرف ايه المشكله؟!
استغرب رشيد من قوتها الظاهره امامهم وبرودة صوتها، مازالت هي بنفس ملامحها الرقيقه لكن نظراتها وصوتها لأمرأة اخري، أمرأة قويه مسؤوله تقف امامهما بكل ثقة.
تحدث اليها رشيد وهو ينظر الي الطفل باهتمام:
– ده ابنك؟
كان قلبها ينبض بسرعه وجسدها يرتجف قليلا، حاولت اخفاء توترها واجابة بثقة:
– اه ابني.
تحدث مرة أخرى باهتمام:
– انتي اتجوزتي تاني؟!
نظرت اليه بصدمة ولم تجيب على سؤاله، انتظر رشيد اجابتها ثم نظر الي الطفل وبدأ في التفكير ومقارنة عمر الطفل بعمر ابن خالد صاحب الخمسة اعوام وبدأ يتسلل الشك الي داخله ان هذا الطفل من المحتمل ان يكون ابنه.
نظرت كارمن الي المشرفه وتحدثت اليها:
– خلي عمر معاكي وتابعي شغلك وهنتكلم في المشكلة اللي حصلت دي بعدين.
أومأت المشرفه برأسها بتوتر وأخذت عمر وذهبت لتتابع عملها. نظرت كارمن الي خالد وتحدثت اليه بثقة:
– اتفضلوا المكتب نتكلم.
نظر خالد الي رشيد، تابع رشيد بعيناه ذهاب عمر مع المشرفه وابتعاده عنهم، ثم عاد ببصره الي كارمن وتأملها بدهشة؛ لا يصدق ان هذه المرأة القويه التي تقف امامه هي كارمن الفتاة المدللة الساذجة التي تزوجها بالماضي.
تركتهم كارمن وعادت الي غرفة مكتبها، تحدث خالد الي رشيد بدهشة:
– رشيد.. معقول الولد ده ابنك؟!
نظر رشيد اتجاه عمر وخفق قلبه بقوة، ثم عاد ببصره إلى خالد واجاب عليه:
– مش عارف يا خالد..
ثم نظر الي غرفة مكتبها وتحدث باصرار:
– انا لازم اعرف منها الولد ده ابن مين.
ترك خالد يقف مع اولاده وذهب هو خلف كارمن الي غرفة مكتبها. تقدم إلى الداخل وهو ينظر حوله بعدم تصديق، مازال لا يصدق ان الفتاة الصغيرة المدللة اصبحت سيدة اعمال ولها مشروع ضخم تقوم بإدارته بمفردها.
كانت كارمن تنتظره بغرفة مكتبها وهي تحاول رسم الجديه والهدوء علي ملامح وجهها. وقف رشيد امامها وهو يتأملها باهتمام وتركيز. توترت من نظراته اليها وتحدثت اليه ببرود:
– حمدلله على السلامه.
عقد ما بين حاجبيه وتحدث اليها:
– انتي كنتي عارفه ان انا مسافر؟
اجابة عليه بهدوء:
– في الحقيقه مكنتش مهتمه اعرف وعرفت بالصدفه.
استغرب ردها البارد عليه وتحدث اليها بغضب:
– انا سألتك سؤال برا وانتي لسه مردتيش.. انتي اتجوزتي تاني؟
نظرت اليه بقوة واجابة:
– رغم ان ده سؤال شخصي ومش من حقك تسأله بس انا هجاوب عليه لاني عارفه انت ليه بتسأل السؤال ده.
نظر اليها بستغراب، لا يصدق ان هذه كارمن التي يعرفها وتزوجها. لم تهتم بدهشته كثيرا واجابة عليه:
– لا متجوزتش.
تحدث اليها بصدمة:
– والولد اللي برا ده يبقى ابن مين؟
نظرت اليه وهي تفكر في الإجابة ثم اجابة عليه بثقة:
– يبقى ابني..
تحدث بغضب:
– ومين ابوه؟!
اجابة بثقة:
– انت.
تفاجئ من ردها ونظر اليها بصدمة، نظرت اليه بتحدي واضافة:
– اكيد مش هينفع اخبي عليك حاجة زي كده وخصوصا ان عمر شايل اسمك.. عمر رشيد الجبالي.
صرخ بها بصدمة:
– انتي بتقولي ايه!! يعني الطفل ده ابني وانا معرفش.. انتي ازاي تخبي عليا حاجة زي كده كل السنين دي؟!
اجابة عليه بصراخ هي الأخرى:
– انا مخبتش حاجة!! انت اللي سبتني ورميت كل حاجة ورا ضهرك وسافرت.. كنت عايزني اعمل ايه؟ اكيد مكنتش هسافر وراك وادور عليك عشان اقولك ان انت عندك ابن!!
تحدث اليها بغضب:
– كنتي تقدري توصليلي بمليون طريقه بس انتي اختارتي تحرميني من ابني كل السنين دي ومين عارف لو مكنتش قابلتك النهارده اكيد مكنتش هعرف ان عندي ابن.
تحدثت اليه بغضب:
– انت اللي حرمت نفسك من ابنك وحرمته منك لما سافرت ومفكرتش غير في نفسك وبس.. على الاقل انا اتحملت مسؤولية تربيته لوحدي وكنت له الاب والام طول الخمس سنين.. لكن انت عملت ايه! روحت اتجوزت بعد طلاقنا بشهر واحد وعشت حياتك.
نظر اليها رشيد بصدمة قائلا:
– جواز ايه؟! مين ده اللي اتجوز؟ انتي بتقولي ايه؟! انا جدي مات بعد طلاقنا بشهرين ومقدرتش اعيش في البلد دي بعد كل اللي حصل بينا وعشان كده سافرت.
وقفت تنظر اليه بصدمة ثم تحدثت بعناد:
– كل ده ميهمنيش.. المهم دلوقتي ان انت عرفت ان عندك ابن.. وكمان ابني طول الوقت بيسأل عنك وانا مبقتش عارفه اقوله ايه وكل ما بيكبر أسئلته عنك بتكتر.
حدق بها رشيد بصدمة قائلا:
– انتي ازاي بتتكلمي عادي كده!! انتي مش عارفه انتي عملتي ايه؟! انتي حرمتيني من ابني خمس سنين.. حرمتيني من اني المسه بإيدي وهو لسه مولود.. حرمتيني اشوفه وهو بيكبر قدام عيني.. وبعد خمس سنين بتفاجئيني ان عندي ابن وبتتكلمي عادي وكأنك معملتيش حاجة؟!
تلألأت عيناها بالدموع واجابة عليه:
– انت اللي معملتش أي حاجة يا رشيد عشان تستحق انك تعيش مع ابنك كل اللحظات اللي اتحرمت منها.
تحدث اليها بغضب:
– وانتي ملكيش الحق تحرميني منه.
تحدثت بدهشة:
– انا مستحيل احرمك منه.. عمر محتاجلك وكل ما هيكبر هيحتاجك اكتر وانا مش عايزة ابني يعيش ويتربى من غير اب ويحس بـ اللي انا كنت بحس بيه وانا من غير أب.
تحدث رشيد بغضب:
– عمر لازم يعرف ان انا ابوه.
تحدثت بالايجاب:
– هو دايما بيسأل عليك وانا قولتله انك مسافر وكنت وعدته انك هترجع قريب.. خلينا نستنا يومين كده وانا هقوله انك رجعت من السفر.
تحدث اليها بغضب:
– انا مش هستنا ايام وابني لازم يعرف دلوقتي حالا ان انا ابوه.
تحدثت هي الأخرى بغضب:
– وانا مش هأذي ابني نفسيا عشانك!! عمر عارف ان باباه مسافر والولد ذكي جدا واكيد لو خرجت دلوقتي قولتله ان انت باباه الولد مش هيصدق.. وانا مش مستعده اخسر ثقة ابني.
رمقها بنظرات غاضبه، وقفت امامه تنظر اليه بقوة وتحدي ثم اضافة:
– لو سمحت يا رشيد.. بلاش تدخل ابننا في اي مشاكل كانت بينا.. الولد هيعرف ان انت باباه.. بس في الوقت المناسب.
تحدث رشيد بغضب:
– والوقت المناسب ده هيجي امتى؟
اجابة ببرود:
– لما الاقي طريقه اقدر افهمه بيها سبب انفصالنا عن بعض.
هز رشيد رأسه بذهول قائلا لها:
– مكنتش اعرف ان السنين بتغير اوي كده يا كارمن!! مين يصدق ان انتي كارمن اللي كانت بتخاف من اقل شئ ورجليها تقف من شدة الخوف.
أومأت برأسها بالايجاب قائلة:
– انا مبقتش اخاف غير علي ابني وعشان احميه لازم اكون الشخصيه اللي قدامك دلوقتي واللي انت مش مصدق انها كارمن.
↚
– انا مبقتش اخاف غير علي ابني وعشان احميه لازم اكون الشخصيه اللي قدامك دلوقتي واللي انت مش مصدق انها كارمن.
أومأ برأسه بالايجاب قائلا:
– وتغيرك ده شئ يسعدني.. على الاقل اطمنت على السنين اللي عاشها ابني بعيد عني وهو معاكي.
نظرت اليه بعمق. تحدث مرة أخرى قبل ان يذهب:
– على فكرة انا متجوزتش بعدك.
حدقت به بدهشة، تركها وذهب من غرفة مكتبها، وقفت تفكر في حديثه وتتذكر حديث ازهار عندما اخبرتها باستماعها لحديث جدها وفراج وعلمت بزواج رشيد قبل سفره. جلست على مقعدها وهي تفكر في حديث رشيد ثم ظهرت ابتسامه رقيقه علي محياها وهي تتذكر كلماته وهو يخبرها انه لم يتزوج من اخري.
****
خرج رشيد من غرفة مكتب كارمن وذهب الي المكان المخصص للاطفال. وقف يتابع عمر من بعيد وهو يلعب، لاحظ الشبه الكبير بينه وبين ابنه، اقترب منه بخطوات هادئه، نظر اليه عمر بدهشة، انحني على ركبتيه وتحدث الي عمر وهو يبتسم له بحنان:
– ممكن اعرف اسمك ايه؟
تحدث عمر بصوته الطفولي:
– اسمي عمر رشيد الجبالي.
خفق قلب رشيد بقوة بعد استماعه لأسمه بصوت ابنه، نظر اليه عمر بستغراب، عانقه رشيد بقوة كبيرة دون مقدمات، تفاجئ عمر لكنه لم يستطيع الابتعاد عنه بسبب عناق رشيد له القوي.
خرجت كارمن من مكتبها ووقفت تنظر اليهما من بعيد.
توترت المشرفة عند رؤيتها لـ كارمن وهي تتابع ما يحدث وركضت المشرفه سريعا الي عمر وتحدثت الي رشيد بتوتر:
– لو سمحت انا لازم اخد الولد حالا..
ثم تحدثت الي عمر وهي تمسك بيديه:
– تعالى معايا يا عمر.
ذهب عمر معها وهو ينظر الي رشيد بدهشة، وقف رشيد يتابع ابتعاده عنه وقلبه يخفق بقوة. اعتدل في وقفته ونظر خلفه الي كارمن وهي تقف تتابعهما من بعيد. عاد اليها واقترب منها وتحدث بغضب:
– عمر لازم يعرف ان انا باباه ومش هصبر عليكي اكتر من يومين بس.
أومأت برأسها بالايجاب وهي تنظر اليه بتوتر، تحدث مرة أخرى قبل ان يذهب:
– ولازم تعرفي ان انا مستحيل هسامحك علي السنين اللي حرمتيني فيها من ابني.
نظرت اليه بصدمة، تركها وذهب وهو في اشد حالات الغضب، لا يصدق انه يعانق ابنه مثل الغريب ولا يستطيع اخباره انه والده.
وقف خالد في انتظاره بالخارج امام سيارته، اقترب منه رشيد وهو في أشد حالات الغضب. تحدث اليه خالد بدهشة:
– ايه اللي حصل يا رشيد طمني؟!
اجاب رشيد بنبرة حادة:
– كارمن حرمتني من ابني خمس سنين يا خالد!! بحضن ابني ومش قادر اقوله ان انا ابوه.
نظر اليه خالد بصدمة قائلا:
– يعني الولد ابنك فعلا؟
اجاب رشيد بحزن:
– ايوه يا خالد.. ابني.. ابني عنده خمس سنين وانا مكنتش اعرف ان عندي ابني!
نظر خالد اليه بحزن:
– بس ازاي كارمن قدرت تخبي ان انت عندك ابن طول السنين دي؟ وفتحت المكان ده امتى وازاي قدرت تديره لوحدها وهي بتربي ابنها؟! انا مش مصدق ان كارمن قدرت تعمل كل ده لوحدها!!
تحدث رشيد بغضب:
– كارمن اتغيرت يا خالد.. مبقتش هي البنت اللي انا حبتها واتجوزتها زمان!!
أومأ خالد برأسه بالايجاب قائلا:
– معاك حق يا رشيد.. الطبيعي انها كبرت ومرت بظروف صعبه كتير واحنا لسه مش عارفين ايه اللي مرت بيه تاني في الخمس سنين اللي انت سافرت فيهم بعد ما طلقتها!
نظر رشيد امامه وتحدث باصرار:
– انا لازم اعرف كل حاجة عن كارمن من بعد طلاقنا.
تحدث خالد بثقة:
– انا هحاول اساعدك ونجمع معلومات عن حياتها طول الخمس سنين دول وان شاء الله ابنك يعرف ان انت باباه وتقدر تاخده في حضنك وتعوضه عن اللي فات من عمره وانت بعيد عنه.
أومأ رشيد برأسه وهمس بحزن:
– ان شاء الله.
*****
في المساء.
عادت كارمن الي شقتها هي وابنها، ساعدت عمر في تبديل ثيابه ثم اعدت له وجبة العشاء وهي شاردة بالتفكير في رشيد، جلست معه يتناولون الطعام معا، كان عمر يتناول طعامه وهو يشاهد احد افلام الكرتون على التلفاز، وكارمن جالسه بجواره تنظر أمامها بشرود.
بعد انتهاء عمر من تناول طعامه، نظرت اليه كارمن وقررت التحدث معه، اغلقت التلفاز ونظرت اليه تتحدث بهدوء:
– عمر في حاجة مهمة لازم تعرفها.
تحدث عمر بتذمر:
– يا ماما انا عايز اتفرج على الفيلم الاول.
تحدثت كارمن:
– اللي هتكلم معاك فيه دلوقتي اهم من الفيلم..
ثم رسمت ابتسامه مرحة على وجهها واضافة:
– مش انا كنت وعدتك اني هكلم بابا عشان يرجع وتشوفه..
نظر اليها عمر باهتمام وترقب، حاولت إخفاء توترها ثم اضافة:
– بابا خلاص هيرجع من السفر بعد يوم او اتنين بالكتير..
صاح عمر بصوت مرتفع بسعادة، تلألأت اعين كارمن بالدموع وهي ترى هذه السعادة في اعين ابنها وصوته وقفزه المهلل بالاحتفال بعودة والده.
ابتسمت اليه والدموع تنسال من عيناها دون ان تشعر وتحدثت اليه بدهشة:
– كل الفرحة دي عشان هتشوف باباك؟!
تحدث عمر بسعادة وهو مازال يقفز مكانه باحتفال:
– انا فرحان اوي يا ماما.. اخيرا هشوف بابا وهيلعب معايا ونخرج في كل مكان مع بعض.
ابتسمت كارمن وهي ترى سعادة ابنها وعانقته بقوة وتحدثت اليه بحنان:
– انا بحبك اوي يا عمر.. انت اغلى حاجة في حياتي.
تحدث عمر بسعادة:
– وانا كمان بحبك اوي يا ماما وبحب بابا اوي ونفسي اشوفه.
تحدثت كارمن بحزن وهي تعانقه بقوة:
– هتشوفه يا حبيبي ان شاء الله.
*****
صباح اليوم التالي.
بداخل شركة والد رشيد بالقاهرة. كان رشيد يجلس بداخل غرفة مكتب رئيس مجلس الإدارة ويراجع عدد كبير من عقود و اوراق الشركة. اكتشف اختلاس مبالغ هائلة من اموال الشركة من قبل المسؤلين عن إدارة الشركة في غيابه هو ووالده عن الإدارة طوال الخمسة اعوام!
اغلق الملفات والقاها بغضب فوق المكتب بعد ان تأكد من سرقة المسؤولين لأموال الشركة وادعائهم الكاذب بخسارة الشركة طوال السنوات الخمس حتي قرر رشيد ووالده التخلص من هذه الشركة وخسارتها. الان علم السبب الحقيقي لخسارتهم وعليه استرداد اموالهم من هؤلاء اللصوص ومعاقبتهم على خيانتهم للأمانة التي تركها لهم والده.
دلفت السكرتيرة الي غرفة المكتب وقطعت شروده وافكاره وتحدثت اليه باحترام:
– انا بعتذر جدا.. بس في مدام برا مصممة تقابل حضرتك!
تحدث رشيد بستغراب:
– مدام مين؟!
اجابة السكرتيرة:
– مدام كارمن الهواري.
انتفض رشيد من مكانه وخرج سريعا من غرفة مكتبه واقترب من كارمن يتحدث اليها بقلق:
– كارمن ايه اللي حصل انتي كويسه؟.. عمر كويس؟!
أومأت كارمن برأسها بالايجاب واجابة بتوتر:
– اه الحمدلله متقلقش.. انا بس كنت بوصل عمر للمدرسة وجيت اتكلم معاك شويه.
تنهد براحة ثم اشار بيديه الي غرفة المكتب قائلا لها:
– اتفضلي.
أومأت برأسها وهي تنظر اليه بتوتر ثم دلفت الي غرفة المكتب وهو خلفها. وقفت السكرتيرة تتابع ما يحدث باهتمام وانتظرت حتى اغلق رشيد باب غرفة مكتبه ثم اخذت هاتفها واتصلت على شخصاً ما لتخبره بما يحدث بالشركة الآن واخبرته بزيارة كارمن الهواري وحديث رشيد معاها.
بداخل غرفة مكتب رشيد..
جلست كارمن على احد المقاعد وهي تنظر حولها بتوتر. وقف رشيد يتأملها للحظات ثم اقترب منها وجلس مقابلا لها، ارتجف جسد كارمن بتوتر ورشيد يجلس بالقرب منها، لاحظ رشيد توترها وارتباكها مع اقترابه منها وابتسم بداخله ثم تحدثت بهدوء:
– تشربي ايه؟!
اجابة بهدوء:
– شكرا.. انا بس جيت اتكلم معاك في حاجة مهمة.
تحدث رشيد بستغراب:
– انتي ازاي عرفتي ان انا هنا؟!
اجابة بتوتر:
– سألت وعرفت.
أومأ برأسه بالايجاب وهو مازال يتأملها بعيناه بعمق. توترت كثيرا من نظراته وتحدثت اليه بنبرة حادة:
– انت ليه بتبصلي كده؟!
اجاب عليها ببرود:
– عادي يعني.. انتي اللي ليه خايفه كده من نظراتي ليكي؟!
↚
حاولت رسم القوة علي ملامحها امامه وتحدثت بنبره تبدو حادة قليلا:
– انا مش خايفه.. انا جيت اتكلم معاك وماشيه علي طول.
ابتسم لها بثقه وتحدث:
– وانا سامعك.. اتفضلي اتكلمي.
تحدثت بهدوء:
– انا اتكلمت مع عمر امبارح وقولتله ان انت هترجع من السفر بكره.
ابتسم رشيد وتحدث بسعادة:
– يعني هشوف ابني بكره واقدر اخده في حضني.
أومأت برأسها وتحدثت بتردد:
– بس انا مقدرتش اقوله اننا منفصلين..
نظر اليها رشيد باهتمام، خفضت كارمن وجهها واضافة بتوتر:
– بصراحة مقدرتش اقوله واضيع سعادته وفرحته برجوعك.. عمر كان نفسه ترجع ويشوفك ونتجمع عيله واحدة زي ما بيشوف اصحابه مع باباهم ومامتهم.. مقدرتش اقوله ان احنا انفصلنا من زمان.
نظر اليها رشيد وتحدث بغضب:
– ومين كان السبب اننا ننفصل من زمان؟!
نظرت اليه كارمن بدهشة، وقف من مكانه بغضب وارتفعت حدة صوته واضاف بنبرة غاضبه:
– مين كان السبب في تدمير حياتي كلها؟ مين كان السبب اني خسرت شغلي اللي كنت ناجح فيه.. ومين كان السبب اني خسرت قلبي اللي اتوجع كل السنين دي من الفراق.. وخسرت حياتي واجمل سنين كنت بتمنى اعيشهم مع ابني واشوفه وهو بيكبر قدام عيني.
نظرت اليه كارمن بغيظ وتحدثت بغضب هي الأخرى:
– والله انت اللي اتسرعت وطلقتني!! اتخليت عني وسبتني في اكتر وقت كنت محتاجاك فيه.
قاطعها رشيد بصوت مرتفع:
– طلقتك عشان تبقي حرة ومتبقيش مسجونه معايا زي ما انتي قولتي!! ولا نسيتي انتي قولتي ايه؟.. لو كنتي نسيتي انا بقا منستش وكلامك لسه بيتردد جوايا كل يوم وكل لحظة.
تحدثت كارمن بصوت مرتفع هي الأخرى:
– المفروض كنت تراعي حالتي النفسيه وتعرف ان كل الكلام اللي انا قولته ده كنت بقوله وانا جوه صدمتي بموت ماما.
تحدث اليها بغضب:
– للاسف الكلام اللي بيطلع وقت الصدمات ده بيكون من القلب لان العقل وقتها مبيبقاش متحكم في اي كلام بنقوله..
تحدثت هي الاخري بغضب:
– لا الكلام اللي بيتقال وقت الصدمات ده مش بيكون من القلب ولا العقل.. بيكون من الصدمة نفسها وانت اتسرعت وطلقتني وسافرت ومفكرتش حتى تسأل عليا.
نظر اليها بدهشة وهو يجيب علي حديثها بنبرة ساخرة مختلطة بالغضب:
– اه فعلا انا اللي غلطان واتسرعت ومكنتش بسأل عليكي!!..
صمت للحظات ثم اضاف:
– اقولك على حاجة.. انا اللي غلطان من اول حكايتنا مع بعض! انا اللي حبيتك من كل قلبي واتحديت اهلي ومامتك واتجوزتك غصب عن الكل عشان مسمحش ان حد فيهم يفرقنا او مامتك تجوزك لراجل قد عمرك تلت او اربع مرات.. انا فعلا اللي غلطان.. وانا كمان اللي غلطان لما وثقت فيكي وكنت مستعد اضحي بعمري عشانك وفجأة لقيت نفسي بيتقبض عليا في بيتي ومخدرات بتطلع من اوضة نومي ومن دولابي وانا معرفش ولا فاهم ايه اللي بيحصل وكل خوفي وقتها كان عليكي انتي وكل لحظة كانت بتفوت عليا وانا في السجن كنت بفكر فيكي وكنت خايف تصدقي ان المخدرات دي بتاعي وبكده اكون خسرت ثقتك فيا..
نظرت اليه بحزن والدموع تنسال من عيناها بندم، لم يتوقف عن الحديث وهو يستعيد ذكرياته المؤلمة واضاف:
– وللأسف اكتشف ان انتي شهادتي عليا وانتي اللي ساعدتي اعدائي عشان ينتقموا مني وانتي شريكه في تدمير
مستقبلي ومع ذالك مكنتش مصدق لاخر لحظة ان انتي تعملي فيا كده! رغم ان كل اللي حواليا أكدو ان انتي السبب في كل اللي حصلي.. اول ما خرجت من السجن جريت علي باب بيتك وكنت بخبط زي المجنون وانا بصرخ بأسمك وبنادي عليكي ومفيش رد منك، لما عرفت انك هربتي وسافرتي بلد تانيه كنت بموت في اللحظة ١٠٠ مرة.. كنت بسأل نفسي كل لحظة انتي ليه عملتي فيا كده؟.. ليه هربتي وسبتيني.. كان جوايا احساس قوي ان انتي مظلومة وكنت خايف عليكي حتى من نفسك ومقدرتش اعيش هنا من غيرك وفضلت عايش في بلد غريبه اربع سنين وانا بدور عليكي واسأل نفسي في اليوم مليون مرة انتي فين وحصلك ايه؟.. ولما عرفت ان انتي رجعتي، رجعت عشانك وللاسف لقيتك زي ما انتي متغيرتيش وفضلتي تصدميني بكل حاجة تعمليها من اول ما كانوا هجوزوكي وانتي لسه على ذمتي لحد ما عرفت ان انتي كنتي حامل وحصلك اجهاض وانا معرفش ولحد ما وقفتي قدامي وقدام اهلي وأهلك وطلبتي مني الطلاق وقولتي كل اللي في قلبك وعرفت انتي بتشوفي حبي ليكي ازاي!!
انهارت في البكاء وهي تستمع لكلماته وهو يواجهها بما فعلته به.
انهيارها امامه وصوت بكاءها كان أقسى عليه من ذكرياته المؤلمة.
أومأت برأسها وتحدثت بصوت حزين وهي تبكي:
– عندك حق.. انا أذيتك كتير.. وندمت بس خلاص.. انا عارفه ان وقت الندم فات واحنا مبقناش ننفع لبعض.
نظر اليها بغضب وتحدث بنبرة حادة:
– فعلا احنا مبقناش ننفع لبعض.
نظرت اليه بحزن وتحدثت:
– بس عمر ملوش ذنب في كل اللي حصل بينا.
تحدث بنبرة غامضه:
– متقلقيش على عمر.. عمر هيسافر معايا ويعيش معايا ومع جده وجدته.
انتفضت من مكانها وتحدثت بصدمة:
– سفر ايه؟! انت بتقول ايه يا رشيد.. عمر مين اللي هيسافر معاك؟!
اجاب عليها ببرود:
– عمر ابني.
تحدثت بصدمة:
– انت اكيد بتهزر صح؟.. مستحيل تكون بتفكر تحرمني من ابني؟!
اجاب عليها بنبرة غامضه:
– اكيد انا مش هحرمك من ابنك يا كارمن زي ما حرمتيني منه خمس سنين.. انا بس هاخده يعيش معايا وانتي لما تحبي تشوفيه تقدري تيجي تشوفيه في اي وقت.
تحدثت بغضب:
– ابني مستحيل يبعد عني يا رشيد.. اكيد مش هسمحلك تيجي تاخده مني بكل السهوله دي وانا اقف اتفرج عليك.
تحدث اليها بنبرة حادة:
– ابني هيعيش معايا انا يا كارمن وهعوضه عن السنين اللي انتي حرمتينا فيها من بعض.
اقتربت من باب الخروج بغضب وتحدثت قبل ان تخرج من غرفة مكتبه:
– مش هتقدر تاخد ابني مني يا رشيد.. القانون في صفي وابني هيفضل معايا ومش هسمحلك تقرب منه.
تحدث اليها بنبرة ساخرة:
– ومين قالك ان انا هاخده منك بالقانون! في طرق كتير اقدر اخده منك بيها.
نظرت اليه بصدمة وتركته وذهبت، ابتسم رشيد بعد خروجها من الغرفة وجلس على مقعده وهمس بداخله:
– هنشوف يا كارمن هتعملي ايه عشان تحافظي على ابنك.
*****
في مكان اخر.
تجمع ثلاثة من المسؤولين عن إدارة شركة وجيه الجبالي بالقاهرة.
تحدث احدهم بنبرة صوت قويه:
– احنا لازم نتحرك بسرعه وخطواتنا تكون اسرع من خطوات رشيد الجبالي.. رشيد اكيد اكتشف دلوقتي سرقتنا للشركة ومعاه اوراق ممكن تودينا في داهية.
تحدث مدير حسابات الشركة بخوف وتوتر:
– الاوراق كلها بقت مع رشيد.. كان لازم نعرف بخبر رجوعه عشان نظبط اوراقنا.. احنا لازم نلاقي حل بسرعه والا هنلاقي الشرطة قدامنا بعد شويه.
تحدث احدهم بدهشة:
– نقطة ضعف ازاي يعني؟! رشيد الجبالي ملوش نقطة ضعف.. عيلته كلهم عايشين برا مصر!
اجاب عليه المدير السابق بثقة:
– فعلا عيلته كلهم برا مصر.. لكن نقطة ضعفه الحقيقيه موجوده هنا في مصر.
↚
– فعلا عيلته كلهم برا مصر.. لكن نقطة ضعفه الحقيقيه موجوده هنا في مصر.
نظروا اليه بدهشة، أومأ لهم برأسه بالايجاب واضاف بثقة:
– في حاجة عرفتها.. لو اتأكدت منها يبقا سهل اوي نقدر نضغط على رشيد.
تحدث مدير الحسابات:
– لازم تتأكد بسرعه.. لو اتأخرنا اكتر من كده هنلاقيه مقدم الاوراق اللي معاه للنيابه بكره الصبح.
أومأ برأسه بالايجاب قائلا بثقة:
– متقلقوش.. ساعة بالكتير وكل المعلومات هتكون عندي.
*****
عادت كارمن الي عملها وحديث رشيد يشغل تفكيرها، تتسأل بداخلها هل سينفذ تهديده لها ويأخذ ابنها رغما عنها. لا يمكنها العيش بدون ابنها، ماذا تفعل الان؟ هل ستهرب منه مجددا! ام عليها مواجهته بكل قوتها!
بعد ساعات قليله دلف عمر غرفة مكتبها وهو يركض اليها بحماس:
– ماما انا جيت.
ابتسمت له وعانقته بقوة قائلة له:
– حمدالله على السلامه يا حبيبي.. قولي عملت ايه في المدرسه النهارده.
ابتسم بسعادة واخبرها بكل حماس:
– اليوم كان حلو اوي يا ماما.. تعرفي انا قولت لكل اصحابي ان بابا هيرجع بكره خلاص.
نظرت اليه بحزن وقامت بعناقه مرة أخرى ولكن هذه المرة كانت بقوة اكبر خوفا من ان يأخذه منها رشيد كما اخبرها.
استغرب عمر من عناق والدته له بهذه القوة وتحدث بدهشة:
– ماما هو في ايه.. انتي بتعيطي؟
ابتعدت عنه كارمن وجففت دموعها وتحدثت بصوت حزين:
– لا يا حبيبي مش بعيط.. انت بس بتوحشني.
ابتسم عمر وقبلها علي خدها وتحدث اليها بنبرة مرحة:
– يعني انا هوحشك بكره كتير يا ماما؟
نظرت اليه كارمن بستغراب وخفق قلبها بخوف قائلة:
– اشمعنا بكره يعني يا عمر؟!
اجاب عليها وهو يضحك بمرح:
– انتي نسيتي يا ماما!! مش انا عندي رحلة مع المدرسة بكره.. هنروح عند الأهرامات وهنتصور هناك كلنا.
التقطت انفاسها براحة وتحدثت وهي ترسم ابتسامه على وجهها:
– انا فعلا كنت ناسيه.
تحدث عمر بحماس:
– وانا كمان نسيت لما قولتي ان بابا هيرجع بعد يومين وقولت لاصحابي انا مش هاجي معاكم الرحلة عشان بابا هيرجع من السفر بكره بس هما زعلوا وقالوا لازم اروح معاهم عشان نتصور كلنا مع بعض.
ابتسمت كارمن وتحدثت:
– روح يا حبيبي الرحلة مع اصحابك.. بابا هيرجع من السفر بالليل وهتكون انت رجعت.
ابتسم عمر بسعادة قائلا:
– بكره هيبقا احلى يوم في حياتي.
ابتسمت كارمن وقامت بعناقه مرة أخرى.
*****
في المساء بمنزل عائلة رشيد.
جلس المحامي الخاص بعائلة رشيد امامه وتحدث اليه رشيد بصوت غاضب:
– كل اللي اتورط في سرقة الشركة لازم يتحاسب.. كل الاوراق دي لازم تكون قدام النيابة بكره الصبح.
اخذ المحامي الاوراق من يديه وتحدث اليه بهدوء:
– يعني المتورطين في السرقه هما مدراء الشركة والمسؤولين عن إدارتها في غيابكم؟
تحدث رشيد بغضب:
– خانوا الأمانة وسرقونا وكانوا مفهمينا ان الشركة بتخسر.
تحدث المحامي بثقة:
– اعذرني الغلط الرئيسي للسرقه اللي حصلت كان سفركم .. في مثل قديم بيقول “المال السايب بيعلم السرقه” ووجيه بيه وحضرتك سبتوا كل حاجة هنا وسافرتوا واكيد هما استغلوا سفركم وغيابكم عن الشركة وقدروا يختلسوا كل اللي قدرو عليه.
تحدث رشيد بعصبيه:
– مفيش اي مبررات للسرقه اللي حصلت.. الناس دول خانوا الامانه وسرقونا ولازم كل جنيه سرقوه من الشركة يرجع.
تحدث المحامي:
– يعني حضرتك عايزني اقدم الاوراق دي للنيابه ونتهمهم بالسرقه؟!
تحدث رشيد بتأكيد:
– بالظبط كده.. وياريت يكون بكره الصبح عشان محدش فيهم يلحق يهرب.
وقف المحامي وتحدث بثقة:
– تمام.. انا هاخد الأوراق معايا وهقدم بلاغ فيهم بكره الصبح وهبلغ حضرتك بأي جديد.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب. ذهب المحامي وترك رشيد يجلس بمفرده، كان شاردا في كارمن وابنه، نظر حوله الي المنزل الفارغ وتمني من قلبه لو يمتلئ المنزل بوجود ابنه وحبيبته.
*****
صباح اليوم التالي.
وقفت كارمن امام منزلها تودع ابنها بابتسامه وهو يصعد الي الباص الخاص بالمدرسة والذي سيأخذه هو عدد من زملائه في رحلة ترفيهيه إلى الأهرامات.
تحدث اليها عمر بحماس قبل ان يتحرك الباص:
– ماما لو بابا رجع من السفر قبل ما ارجع من الرحلة قوليله عمر مش هيتأخر وهيرجع بسرعه.
ابتسمت كارمن وأومأت برأسها بالايجاب والدموع تتلألأ بعيناها، تحرك الباص وهي تقف تلوح بيديها الي ابنها. كانت تفكر بقلق في مواجهة رشيد وعمر الليلة وتخشي ان ينفذ رشيد تهديده ويأخذه منها بالقوة كما أخبرها.
*****
في مكان اخر.
تجمع المسؤولين عن إدارة شركة وجيه الجبالي، المتهمين بسرقة اموال الشركة.
تحدث المدير المالي للشركة بتوتر:
– متأكدين انهم هيقدروا يعملوا اللي طلبناه منهم ويخطفوا الولد؟
تحدث المدير المسؤول عن إدارة الشركة:
– متقلقش.. هما متخصصين في المسائل اللي زي دي.
تحدث المدير المالي بقلق:
– ربنا يستر.
*****
بمنتصف طريق الباص، اوقفته سيارتين سوداء اللون وترجل منهم عدد من الملثمين.
حالة من الهلع اصابة الاطفال والمشرفين على الرحلة، توقف اثنان من الملثمين وتحدث واحد منهما الي الاخر:
– مين فيهم الولد اللي احنا عايزينه؟
اجاب عليه الاخر:
– معرفش.. مبعتوش صورة الولد!
تحدث الملثم الاول بصوت غاضب:
– انت غبي! اومال احنا هنعرف الولد ازاي؟!
نظر اليه الاخر وتحدث بقلق:
– هما مبعتوش صورة بس قالوا ان الولد اسمه عمر.
تحدث الملثم الاول وهو ينظر إلى الاطفال:
– مين فيكم عمر؟
اجاب عليه خمسة من الاطفال:
– انا.. انا.. انا.. انا.. انا.
حدق بهم بصدمة ثم تحدث الي الملثم الاخر بغضب:
– قالولك اسمه عمر ايه؟
↚
اجاب بتوتر:
– مش فاكر.. هما قالوا اسمه بس انا مش فاكره.
صرخ به الملثم الاول بغضب:
– احنا كده هنروح في داهية.. في 5 اولاد اسمهم عمر واحنا لازم نتحرك من هنا حالا..
ثم نظر حوله الي الاطفال بعددهم الكبير الذي يقارب الثلاثون طفل واضاف:
– بقولك ايه.. العيال دول شكلهم ولاد ناس تقيله..
نظر اليه الاخر باهتمام، اضاف الملثم الاول بثقة:
– انا بفكر اننا نعمل مصلحة على المصلحه وعلى رأي المثل.. ان خطفت اخطف جمل.
تحدث الاخر بدهشة:
– يعني ايه؟!
اجاب الملثم الاول:
– يعني نخطف الاتوبيس بكل العيال اللي فيه ونطلب فديه من اهاليهم.. يعني العيل الواحد مش اقل من مليون جنيه ودول حوالي ٣٠ عيل.. يعني ٣٠ مليون جنيه.
لمعت اعين الاخر وهو يستمع الي رقم ال ٣٠ مليون جنيه. ابتسم له وتحدث بحماس:
– يبقا نخطف الاتوبيس ونفرقع الباشا اللي طلب مننا نخطف الواد.. والطالعه اللي كانت هتبقا بنص مليون.. تبقا بـ ٣٠ مليون.
ابتسم الملثم الاخر واقترب من السائق وقام بضربه بقوة فوق رأسه حتى فقد الوعي ثم القاه خارج الباص وهدد المشرفين على الرحلة باطلاق النار عليهم اذا لم يترجلوا من الباص ويتركوا الاطفال. ترجل المشرفين من الباص بخوف وتولى واحد من الملثمين مهمة القيادة.
*****
بعد ساعة من اختطاف الباص، بدأ خبر الاختطاف في الانتشار عبر مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائيه.
كان رشيد بداخل منزله يتناول القهوة وهو يشاهد بعض الاخبار ولفت انتباهه خبر عاجل لاختطاف باص لمدرسة خاصة به عدد كبير من الاطفال.
رن هاتفه برقم المحامي الخاص به واخبره المحامي انه في طريقه الان لتقديم الاوراق الي النيابة واتهام مسؤولين الشركة بالاختلاس. طال الحديث بينهما عبر الهاتف ورشيد يؤكد عليه ضرورة الإسراع في إجراءات القبض عليهم قبل هروبهم.
*****
بداخل غرفة مكتب كارمن بالمطعم.
دلفت اليها احدى الموظفات وهي تتحدث اليها بفزع:
– مدام كارمن هو عمر ابن حضرتك في رحلة تبع المدرسه بتاعه النهارده؟
خفق قلب كارمن بقوة واجابة عليها بقلق:
– اه.. بتسألي ليه؟
اجابة الموظفه:
– اصل انا شوفت اسم المدرسة اللي فيها عمر ابن حضرتك دلوقتي على النت وبيقولوا ان اتوبيس الرحلة بتاع المدرسه اتخطف!
صرخت بها كارمن بصدمة وجذبت الهاتف من يديها تطلع الي الخبر وتقرأه بصدمة، بدأ قلبها في الخفق بقوة شديدة وتشعر ان الهواء يختفي من حولها، تركت هاتف الموظفه سريعا واخذت هاتفها الشخصي وقامت بالاتصال على مشرفة الرحلة التي اخذت منها عمر في الصباح.
اجابة عليها المشرفه وهي تبكي واخبرتها انها تجلس الان بداخل قسم الشرطه هي وكل مشرفين الرحلة بعد اختطاف الباص وبه الاطفال.
صرخت بها كارمن بجنون وسألتها عن عمر:
– وابني.. عمر.. عمر معاهم؟
بكت المشرفه واجابة:
– للاسف خطفوا الباص وفيه كل الاطفال.
بكت كارمن واغلقت الهاتف سريعا. وسرعان ما تذكرت تهديد رشيد لها بأخذ عمر منها بطريقه غير قانونيه! قامت بالاتصال على رشيد. كان هاتف رشيد مشغول بالحديث مع المحامي. لم تنتظر كارمن واخذت هاتفها وركضت وهي تبكي.
*****
علي جانبي احد الطرق الصحراوية.
توقف الباص وبداخله الاطفال والخاطفين.
لم يتوقف بكاء الاطفال منذ اختطاف الباص وهم بداخله. صرخ بهم احد الخاطفين وتحدث اليهم بصوت مرتفع:
– اللي هسمع صوته فيكم هقتله دلوقتي بالمسدس اللي في ايدي ده فاهمين..
أومأ الاطفال بالايجاب وهم يكتمون انفاسهم بيديهم من شدة الخوف.
خرج الملثم الاول من الباص ولحق به الملثم الثاني وتحدث اليه بقلق:
– هنعمل ايه دلوقتي وازاي هنوصل للاهل العيال دول ونطلب منهم الفلوس؟
اجاب الملثم الاول بثقة:
– اهدى بس انا مش عايزك تقلق.. طول ما العيال دول معانا احنا في امان..
نظر اليه الثاني بقلق. اتجه الملثم الاول الي الباص وتحدث الي الاطفال بصوت قوي:
– اللي معاه موبيل فيكم يجيبه هنا حالا واللي هيخبي تليفونه انا هخلص عليه.
اخرج كل الاطفال هواتفهم واعطوها له، اخذ منهم الهواتف وقام بأغلاقها الا هاتف واحد امسك به وهو ينظر الي الملثم الثاني وتحدث اليه بثقة:
– التليفون ده هو اللي هيجيب لنا ال٣٠ مليون.
نظر اليه الملثم الثاني بدهشة وانتظر يرى ماذا سيفعل.
*****
وصلت كارمن بسيارتها الي منزل رشيد وترجلت من السيارة وهي تبكي وركضت إلى منزله. وقفت أمام المنزل وهي تضغط على زر الجرس وتطرق على الباب بقوة وتنادي رشيد بصراخ.
فتح لها رشيد الباب بصدمة، صرخت به وهي تبكي:
– عمر فين؟
حدق بها بصدمة وذهول:
– عمر فين يعني ايه؟!
دلفت الي منزله وهي تبكي وتصرخ بأسم ابنها، دلف رشيد خلفها وامسك بذراعها وتحدث اليها بصوت قوي:
– تعالي هنا ردي عليا.. الولد فين؟!
اجابة عليه كارمن بصراخ:
– انت خطفته..
حدق بها بصدمة:
– خطفته مين.. انتي اكيد اتجننتي؟!
تحدثت وهي تبكي:
– الباص بتاع المدرسه اتخطف وانت هددتني ان انت هتاخده مني بالقوة.
حدق بها بصدمة ثم نظر الي شاشة التلفاز وتذكر الخبر الذي رآه منذ قليل عن اختطاف باص مدرسة خاصة، ثم عاد ببصره اليها وتحدث بصدمة:
– عمر كان في الباص اللي اتخطف النهارده الصبح؟
اجابة وهي تبكي:
– رجعهولي يارشيد وانا هعملك كل اللي انت عايزه بس ارجوك انا مقدرش اعيش من غير ابني.
نظر اليها بصدمة قائلا:
– انتي فاكره ان انا خطفت ابني؟! انتي اكيد اتجننتي يا كارمن!
تحدثت وهي تبكي:
– رجعلي ابني يا رشيد.. انا هموت لو ابني جراله حاجة.
رن هاتف كارمن واوقف حديثهما، حدقت كارمن بهاتفها وتحدثت بلهفة:
– دا عمر..
جذب رشيد الهاتف من يديها قبل ان ترد واجاب هو على الهاتف:
– الو.. عمر..
جاءه الرد بصوت غليظ:
– ايوه يا باشا.. ابنك معانا هو وكل الولاد اللي كانوا معاه في الاتوبيس.
تحدث رشيد:
↚
– انتو مين؟
أجاب الاخر:
– احنا اللي معانا العيال وعايزين على كل عيل فيهم مليون جنيه.
نظر رشيد الي كارمن وهي تتابع حديثه بالهاتف بلهفة ثم تحدث:
– فديه يعني؟
اجاب الاخر:
– بالظبط كده يا باشا.. دا لو عايزين عيالكم يرجعولكم تاني؟
تحدث رشيد بخوف مزيف:
– لا طبعا كل طلباتكم هتتنفذ زي ما انتوا عايزين وهنجبلكم الفلوس لحد عندكم بس بلاش تقربوا من الاولاد.
شعر الخاطف بالثقه وتحدث بقوة:
– يبقا تبلغ كل اهالي الاولاد اللي معانا وتقولهم كل واحد فيهم يجهز المليون جنيه واحنا هنكلمك تاني.
تحدث رشيد وهو مازال يدعي الخوف منهم:
– حاضر بس خليني اطمني على ابني الاول.
تحدث الخاطف:
– ابنك اسمه ايه؟
اجاب رشيد:
– اسمه عمر رشيد الجبالي.
وقف الخاطف بداخل الباص وتحدث بصوت مرتفع:
– عمر رشيد الجبالي يجي هنا بسرعه.
في هذه الاثناء قام رشيد بأدخال كود سري على الهاتف ليستطيع من خلاله معرفة موقع المتصل.
تحدثت كارمن مع رشيد وهي تبكي وسألته عن عمر، اشار اليها بأن تصمت واستمع الي الاصوات على الجانب الاخر بتركيز.
اقترب عمر من الخاطف وهو يبكي من شدة الخوف، أعطاه الخاطف هاتفه وتحدث اليه بنبرة حادة:
– خد كلم باباك.
اخذ عمر الهاتف بخوف وتحدث وهو يبكي:
– الو..
خفق قلب رشيد بقوة عندما استمع الي صوت ابنه وهو يبكي، تحدث اليه رشيد بلهفة:
– عمر حبيبي انا بابا متخفش.
تحدث عمر بسعادة وهو يجفف دموعه:
– بابا.. انت رجعت؟ .. انا كنت عايز ارجع من الرحلة بسرعه عشان اشوفك بس هما خطفوني..
ثم بدأ في البكاء مرة أخرى واضاف:
– بابا انا خايف اوي وكان نفسي اشوفك اول ماترجع من السفر..
تحدث اليه رشيد بقوة:
– انا رجعت خلاص يا حبيبي متخفش ابدا..
جذب احد الخاطفين الهاتف من يد عمر وتحدث الي رشيد:
– خلاص يا باشا اطمنت على ابنك.. جهز فلوسك وبلغ اهل باقي العيال يجهزو فلوسهم وانتظر مني مكالمة..
اغلق الهاتف وقام بتحطيمه أمام اعين عمر الذي بكى مرة أخرى بخوف.
وقف رشيد ينظر امامه بصدمة وصوت ابنه الباكي يتردد علي سمعه. تحدثت اليه كارمن وهي تبكي:
– ايه اللي حصل يا رشيد؟ مين دول وعايزين ايه من عمر؟
نظر اليها ثم نظر الي الهاتف وتحدث وهو في طريقه لمغادرة المنزل:
– انا لازم اتحرك حالا..
امسكت كارمن بيديه وهي تتحدث ببكاء:
– هتروح فين يا رشيد انا هاجي معاك.
نظر الي يديها الممسكه بيديه ثم نظر الي عيناها الباكيه وتحدث:
– اتعلمي تثقي فيا ولو مرة واحدة يا كارمن.
خفضت وجهها وتحدثت وهي تبكي:
– انا خايفه على عمر اوي يا رشيد.. عمر لو جراله حاجة انا هموت.
رفع يديه وضم وجهها بين يديه وهو ينظر بداخل عيناها وتحدث بثقة:
– اطمني يا كارمن وحاولي تثقي فيا.. وانا بوعدك اني هنقذ عمر حتى لو هضحي بحياتي.. المهم انتي وهو تبقوا بخير.
نظرت اليه وهي تبكي، قبّل جبينها وذهب وتركها. وقفت تبكي بخوف وتدعي الله من قلبها ان يحفظهما.
*****
تحدث رشيد بهاتفه أثناء قيادته للسيارة مع مجموعه من زملائه القداما في الداخليه. وصل الي مدرية الأمن وتقابل مع عدد من الضباط وكان كثيرا منهم زملائه واخبرهم بالمكالمة التي جائته من الخاطفين وبالكود السري الذي ادخله على الهاتف أثناء المكالمة.
تعاون معه فريق من رجال الشرطة المختصين واستطاعوا تحديد موقع الخاطفين عن طريق الكود الذي ادخله رشيد.
تشكل فريق اخر من رجال الشرطة للتفاوض مع هؤلاء الخاطفين وفريق اخر للتعامل معاهم.
تقابل رشيد أثناء تواجده بمديرية الأمن مع مساعد وزير الداخليه والذي رحب برشيد عند مقابلته وتفاجئ ان ابن رشيد الجبالي من ضمن الاطفال المخطوفين.
تحدث مساعد وزير الداخليه مع رشيد وهو يتذكر حادثة خطف مماثلة حدثت منذ عشرة اعوام تقريبا:
– انا فاكر ان كان في حادثة خطف زي دي لأتوبيس رحلات برضه من حوالي 10 سنين ومفيش ظابط قدر يتفاوض مع الخاطفين ويقفل القضيه بنجاح غيرك يا رشيد.. حقيقي وزارة الداخلية خسرتك.
تحدث رشيد باصرار:
– المرادي ابني اللي مخطوف وانا وعدته اني هرجعه.
نظر اليه مساعد وزير الداخليه باهتمام، تحدث رشيد باصرار:
– اسمحلي اكون مع القوة اللي هتتحرك للمكان اللي فيه الاولاد.
نظر اليه مساعد وزير الداخليه وتحدث بثقة:
– انت ساعدتنا نعرف مكانهم بسهوله يا رشيد.. وانا متأكد ان انت هتساعدنا في تحرير الاطفال والقبض على المجرمين بدون خساير.
↚
– انت ساعدتنا نعرف مكانهم بسهوله يا رشيد.. وانا متأكد ان انت هتساعدنا في تحرير الاطفال والقبض على المجرمين بدون خساير.
تحدث رشيد باصرار:
– انا لازم اتحرك مع القوة دلوقتي.. بعد إذن حضرتك.
نظر اليه مساعد وزير الداخلية بتفكير. تحدث رشيد مرة أخرى باصرار:
– لو سمحت يا فندم.. ابني مع الاولاد المخطوفين وحضرتك عارف ان انا اكتر واحد هقدر انقذ الاطفال دول.
تحدث مساعد وزير الداخلية بثقة:
– تمام يا رشيد.. ربنا معاكم.
ذهب رشيد ولحق بالقوة المكلفه بتحرير الاطفال.
*****
في مكان اخر جمع مدراء الشركة وهم ينتظرون معا مكالمة الخاطفين.
تحدث المدير المالي بتوتر:
– كده الموضوع طول اوي واحنا لازم نلاقي طريقه تانيه ننقذ بيها نفسنا.
نظر المدير التنفيذي الي هاتفه وتحدث بغضب:
– الاغبيه قافلين تليفونتهم ومش عارف اوصلهم.
تحدث واحد اخر بخوف:
– يا جماعه الوقت اللي احنا بنضيعه ده مش في صالحنا.. احنا لازم نتحرك بسرعه قبل ما رشيد يقدم الورق للنيابه.
تحدث المدير المالي هو الاخر:
– فعلا.. احنا لازم نتحرك اسرع من كده ودلوقتي مفيش قدامنا غير الخطه التانيه.
تحدث المدير التنفيذي بغضب:
– تقريبا مقدمناش دلوقتي غير الحل ده.
*****
جلست كارمن بداخل منزل رشيد تنتظر عودته اليه هو وابنها، لم تتوقف عن البكاء منذ ذهابه. لم تجد شئ بيدها يمكنها فعله غير الدعاء لهما. استعدات للصلاة بالوضوء وهي تبكي وتدعي الله من قلبها ان يحفظهما ويعديهما اليها بخير.
*****
بعد غروب الشمس.
بداخل الباص المخطوف.
وقف اثنان من الخاطفين بداخل الباص وهما ينظران بملل إلى الاطفال وهم يبكون بخوف، ثم ترجل الاثنان من الباص وذهبوا إلى زعيمهم وتحدث احدهم بملل:
– وبعدين في العيال الزنانه اللي مبيفصلوش عياط دول.. احنا دماغنا وجعتنا.
نظر زعيمهم الي زميله الثاني وتحدث:
– هنفتح تليفون ولد تاني ونكلم اهله ونهددهم لو مبعتوش الفلوس دلوقتي هنفجر الاتوبيس بعيالهم.
تحدث احد الخاطفين:
– بس الخوف ليكونوا بلغوا البوليس؟
تحدث زعيمهم بنبرة ساخرة:
– وانت فاكر ان لسه البوليس معرفش لحد دلوقتي!!
نظروا جميعا الي بعض بقلق وتحدث أحدهم:
– شكل الموضوع هيكبر واحنا مش قده.. كنا خطفنا الولد اللي الجماعه قالو عليه وخلاص.
تحدث زعيمهم بغضب:
– خطف بخطف ونطلع كسبانين كام مليون، مش احسن من الكام الف اللي كانوا الجماعه دول هيدهملنا وفي النهايه هتبقى قضية خطف برضه!
صمتوا جميعا للحظات ثم تحدث احدهم:
– عندك حق بس كده الموضوع كبر والليل دخل علينا واحنا لسه مش عارفين هنعمل ايه!
اجاب زعيمهم بثقة:
– انا عندي خطه متقلقوش.. اكيد ابو الولد اللي كلمناه الصبح كلم باقي اهل العيال عشان يجهزوا فلوسهم.. انا دلوقتي هفتح تليفون عيل تاني وهكلم ابوه واحددله المكان اللي هيسلمني فيه ال٣٠ مليون وانا هروح اقابله وافهمه انكم جوه الاتوبيس وممكن تفجروه لو انا مرجعتش بالفلوس واول لما اتصل عليكم اطمنكم ان الفلوس معايا وكل حاجة تمام تتحركوا وتسيبوا المكان هنا وانا هجيلكم على المكان بتاعنا ومعايا الفلوس.
نظروا اليه بتفكير واعينهم تلمع بلهفة لرؤية النقود، أومأ احدهم بالايجاب قائلا:
– اتفقنا.. هجبلك تليفون من بتوع العيال وافتحه نعمل المكالمة واتفق مع ابو الولد على المكان وحاول تستعجله عشان نخلص.
وبعد لحظات قليله عاد اليه بأحد الهواتف وقام بفتحه واعطاه الي زعيمهم وتحدث الي والد الطفل وطلب منه ان يقابله بعد ساعتين ومعه ال30 مليون جنيه.
*****
قبل اقتراب سيارات الشرطة من موقع الباص توقفت السيارات بأمر من رشيد وتحدث رشيد الي زملاءه:
– احنا مش هنقرب اكتر من كده عشان ميشوفوش العربيات.. لازم نكمل الطريق على رجلينا وكويس اننا في الليل دلوقتي عشان نقدر نتحرك ونقرب منهم من غير ما يشوفونا.
اوقفه احد الضباط وهو يستمع الي الإشارة التي اتته من مديرة الأمن الان:
– لحظة يا رشيد.. في إشارة جات من مدرية الامن دلوقتي.. الخاطفين كلموا واحد من الاباء وطلبوا منه يجهز الفلوس في خلال ساعتين ويقابلهم.. وهددوه ان الباص فيه متفجرات واي تدخل مننا هيفجروا الباص بالاولاد.
توقف رشيد بصدمة بعد ان ارتجف قلبه قليلاً بخوف على ابنه الوحيد، شعر بالغضب الشديد من هؤلاء ومن حالة الرعب والفزع التي تسببوا فيها لهؤلاء الاطفال الصغار.
فكر للحظات ثم تحدث اليه بثقه:
– وصلني بالمديرية دلوقتي حالا.. لازم اتواصل مع والد الطفل اللي كلموه.. عايزينه يطلب منهم ان تسليم الفلوس يكون في موقع الباص بهدف انه يطمن على الأولاد الاول.
أَومأ له الضابط بالايجاب واعطاه اللاسلكي ليتواصل مع الضباط بمديرية الامن ليخبروا والد الطفل ماذا عليه ان يفعل الان.
*****
في موقع الباص بعد دقائق قليله.
تحدث زعيم الخاطفين بحيره:
– والد الطفل كلمني دلوقتي وقالي ان الفلوس جاهزة معاه بس أهالي الاطفال عايزينه يسلمني الفلوس هنا بعد ما يطمن على الأولاد الاول عشان يتأكد ان الاولاد فعلا معانا.
تحدث احد الخاطفين:
– كلامهم منطقي.. اكيد عايزين يطمنوا اننا فعلا اللي خاطفين الاولاد مش حد بيشتغلهم وبيستغل اللي حصل.
فكر زعيمهم بقلق ثم تحدث:
– يعني ارد عليه واقوله موافقين؟
اجاب احدهم:
– ايوه كلمه وهو لما يوصل هنا احنا هنكون عاملين حسابنا وهنعرفه اننا حاطين متفجرات في الباص واي غدر منه هيفجر الباص بالاطفال.
تحدث واحد اخر:
– يا جماعه ولا هيحصل غدر ولا حاجة.. الناس دول عندهم الملاين كتير ومليون من كل واحد فيهم قصاد حياة ابنه مش هتفرق معاه في حاجة.
تحدث اخر بتأكد:
– بالظبط كده.. خلينا نخلص بقا من العمليه اللي دبسنا نفسنا فيها دي.. الليل دخل علينا والعيال خلصوا الاكل اللي كان معاهم ومش عارفين لو طلع علينا النهار هيحصل ايه!
أومأ زعيمهم بالايجاب وتحدث بالهاتف مرة أخرى واخبر والد الطفل بموافقته وأخبره بالموقع الذي يقف به وينتظره وهدده بوجود متفجرات بالباص كما اتفقوا.
*****
استمع رشيد الي الإشارة التي اتتهم الان من مدرية الأمن واخبروهم بموافقة الخاطفين على استلام النقود بموقع اختطاف الباص.
توقف رشيد ومعه قوة كبيرة من رجال الشرطة ساعة اخري في انتظار وصول حقيبة النقود.
وصل والد الطفل بسيارته الي الموقع الذي يقف به رجال الشرطة في انتظاره. اقترب منه رشيد وتحدث اليه:
– هستأذنك اخد عربيتك عشان اوصلهم انا الفلوس.
تحدث والد الطفل بقلق:
– انا خايف ينفذوا تهديدهم ويفجروا الباص بالاولاد لو حاسوا بأي قلق.. الفلوس مش مهم خليهم ياخدوها المهم الاولاد.
تحدث اليه رشيد باصرار:
– لازم تعرف ان ابني الوحيد في الباص مع اولادكم واكيد انا مش هعرض حياتهم للخطر عشان الفلوس! بس برضه لازم المجرمين دول يكونوا عبره لغيرهم والا كل يوم هنلاقي حالات اختطاف زي دي كتير.
نظر اليه والد الطفل بتفكير ثم أومأ برأسه بالايجاب:
– حضرتك معاك حق.. اتفضل العربيه والفلوس.
تحدث اليه رشيد بثقه:
– ان شاء الله الاولاد هيكونوا بخير صدقني.
أومأ والد الطفل برأسه وترجل من السيارة بقلق، تحدث رشيد الي الضباط واخبرهم بخطته في القبض على هؤلاء المجرمين والحفاظ على حياة الاطفال.
صعد رشيد الي داخل السيارة وتحرك بها في الطريق الي موقع الباص ووقف والد الطفل مع رجال الشرطة في انتظار اشارته.
*****
تحدث احد الخاطفين وهو يشير الي السيارة التي تقترب منهم:
– في عربيه بتقرب مننا.. شكله ابو الولد اللي كلمناه ومعاه الفلوس.
نظر زعيمهم الي السيارة وتحدث اليهم بسرعة:
– اتحركوا كلكوا واركبوا الاتوبيس.. مش لازم يعرف احنا عددنا كام.
تحركوا بسرعه الي الباص ووقف زعيمهم في انتظار سيارة والد الطفل وهو يرسم على ملامحه القوة والشر.
اقترب منه رشيد بالسياره وحاول اتقان دور الاب الخائف على ابنه وترجل من السيارة وهو يحمل بيديه الحقيبه.
اقترب منه زعيم الخاطفين وهو ينظر اليه بتركيز، نظر رشيد الي الباص وتحدث بتوتر تعمد اظهاره:
– الاولاد كويسين.. عايز اطمن عليهم.
تحدث اليه الاخر بصوت قوي:
– الفلوس جاهزة؟
اجاب عليه رشيد وهو يتعمد إظهار التوتر والقلق:
– اه جاهزين زي ما طلبت.. المهم اشوف الاولاد واطمن عليهم.
تحدث الاخر بقوة:
– بلغت البوليس؟
اجاب رشيد وهو يدعي الخوف:
– بوليس ايه بس.. احنا اللي يهمنا الاولاد ومش مهم اي فلوس.
شعر الاخر بالراحة وتحدث بثقة:
– هتطمن على الأولاد.. بس المهم اطمن انا على الفلوس الاول.
اخذ منه الحقيبه وقام بفتحها وتأكد من وجود النقود بداخلها بالكامل ولمعت عيناه بسعادة وهو يلمس بيديه هذا المبلغ الكبير من المال. تابعه رشيد بتركيز وتحدث الخاطف بسعادة وهو يمسك بحقيبة النقود:
– احنا هناخد الفلوس ونتحرك دلوقتي وهنسيبلك الاتوبيس وفيه العيال.. بس لو حاسينا بأي غدر هنفجر الاتوبيس والعيال فيه.
هذا المشهد ذكره بمشهد مشابه منذ عشرة اعوام، عندما أتى لتحرير باص مدرسه به عدد كبير من الفتيات. تذكر عندما رأى كارمن لأول مرة. ابتسم بداخله ثم نظر الي الخاطف بثقه وتحدث:
– متقلقش.. انا اللي يهمني ان الاولاد يكونوا بخير.
↚
شعر الخاطف بالأمان وتحرك بخطوات مسرعه الي الباص وتحدث الي زملاءه وتحركوا بخطوات مسرعه الي سيارتهم وصعدوا بداخلها وانطلقوا بها بسرعه.
تابع رشيد تحركهم بالسياره بثبات ثم ركض الي الباص وهو يتحدث الي زملاءه عن طريق اللاسلكي:
– اتحركوا في الطريق اللي قولتلكم عليه.. عايزكم تكونوا في استقابلهم وابعتولي عربيات اسعاف هنا بسرعه.
صعد بداخل الباص وتفاجئ بنوم عدد من الأطفال، تحرك بداخل الباص وهو يبحث بعينيه عن ابنه.
كان عمر يجلس بمنتصف الباص مستيقظا ويظهر على وجهه اثار الدموع. اقترب منه رشيد وهو ينظر اليه بلهفة:
– عمر انت كويس؟!
ثم جذبه من مقعده وعانقه بقوة. شعر عمر بالخوف وارتجف بداخل حضن والده. ابتعد عنه رشيد وهو يتأمله باهتمام وتحدث اليه بقلق:
– حبيبي انت كويس؟
نظر اليه عمر بخوف وأومأ برأسه بالايجاب، تحدث اليه رشيد وهو يمسك بيديه وينظر اليه بحنان:
– عمر انت مش عارفني.. انا بابا.. انا رجعت من السفر النهارده وكلمتك في التليفون.
ابتعد عنه عمر بخوف وتحدث بصوت منخفض:
– بس انت مش بابا.. انت اللي كنت مع الظابط عند الالعاب بتاعنا.
نظر اليه رشيد بصدمة واستغرب من ذكاء ابنه وذاكرته القويه. استمع الي أصوات سيارات الشرطة والاسعاف وصعود عدد من رجال الشرطة الي الباص وتحدث احدهم الي رشيد:
– عربيات الإسعاف وصلت.. خلينا نخرج الاطفال من هنا بسرعه.
نظر رشيد الي ابنه ثم نظر الي الاطفال وتحدث الي رجال الشرطه:
– براحة على الاطفال اللي نايمين عشان ميخافوش..
ثم عاد ببصره الي ابنه وتحدث اليه:
– تعالى معايا يا عمر..
ابتعد عنه عمر بخوف وتحدث ببكاء:
– انا عايز اروح لماما.
حزن رشيد من خوف ابنه منه وتحدث اليه بهدوء:
– حاضر يا عمر.. انا هرجع لمامتك.
اقرب منهم احد الضباط وهم يأخذون الاطفال خارج الباص. اراد رشيد الإمساك بيد ابنه لكن عمر جذب يديه من يد رشيد بخوف وذهب مع احد الضابط.
وقف رشيد يتابع ما فعله ابنه بحزن، اقترب احد الضباط من رشيد وتحدث اليه:
– في خبر وحش يا رشيد.. للأسف الخاطفين قدرو يهربوا من رجالتنا.
نظر اليه رشيد بصدمة ثم نظر الي ساعة يديه وتحدث باصرار:
– مش لازم يهربوا..
تحرك رشيد وترجل من الباص واقترب من احد سيارات الاسعاف ووقف ينظر الي ابنه بداخل سيارة الاسعاف والطبيب يطمئن عليه بالكشف الطبي، صعد رشيد الي داخل سيارة الاسعاف وتحدث الي الطبيب بقلق:
– طمني يا دكتور الولد كويس؟
تحدث الطبيب بثقة:
– اطمن يا فندم الاولاد كلهم بخير.
نظر رشيد الي ابنه، نظر عمر اليه بخوف وابتعد بعينيه عن رؤيته، اقترب منه رشيد وقبل أعلى رأسه وتحدث اليه بحنان:
– عايزك تعرف ان انا بحبك اوي.
نظر اليه عمر بدهشة، ابتسم له رشيد وتحدث مرة أخرى:
– وماما كمان بتحبك اوي.. خلي بالك منها.
شعر عمر بشئ بداخله يجذبه اليه، لكنه لا يصدق انه والده حقا. ابتعد عنه رشيد وهو يبتسم اليه وترجل من سيارة الاسعاف ووقف ينظر الي ابنه وينظر اليه عمر، حتى اغلق الطبيب باب سيارة الاسعاف وانقطعت نظراتهم، وتحركت سيارة الاسعاف مبتعده عنه.
جاء صوت من خلفه قطع تركيزه مع ابتعاد سيارة الاسعاف التي تحمل ابنه:
– كل الأطفال بخير الحمدلله يا رشيد.. كده نص مهمتنا نجحت.. باقي نجاح النص التاني من المهمة والقبض على العصابه اللي خطفوا الباص.
نظر رشيد الي ساعة يديه مرة أخرى وتحدث بثقة:
– هنقبض عليهم متقلقش.
نظر الضابط الي ساعة يد رشيد بدهشة قائلا:
– ايه حكاية الساعة كل ما اكلمك تبص فيها؟!
اجاب عليه رشيد وهو ينظر الي ساعة يديه باهتمام:
– دلوقتي هنعرف مكان المجرمين دول.
عقد الضابط ما بين حاجبيه بستغراب قائلا:
– ازاي يعني؟!
ابتسم رشيد وهو يشير الي ساعة يديه:
– شنطة الفلوس اللي العصابه خدوها فيها جهاز تتبع متوصل بساعة ايدي.
حدق به الضابط بصدمة، ابتسم رشيد بثقة وتحدث وهو ينظر الي ساعة يديه:
– قدرت احدد مكانهم فين دلوقتي.. لازك نتحرك بسرعه والقضيه دي تتقفل قبل بكره الصبح.
ابتسم الضابط وتحدث اليه:
– حقيقي وزارة الداخلية خسرتك يا رشيد.
تحدث رشيد بثقة:
– كل شئ نصيب وانا راضي بلي وصلتله في شغلي.
ابتسم الضابط وتحدث بفضول:
– هنعمل ايه دلوقتي وازاي هنقبض على المجرمين دول؟!
نظر رشيد امامه بتفكير للحظات ثم تحدث:
– خلينا نتحرك على المكان اللي حدده جهاز التتبع.
أومأ الضابط برأسه بالايجاب وذهب مع رشيد.
*****
بعد ساعة بداخل منزل عائلة رشيد.
مازلت كارمن تنتظر عودته هو وابنها وتبكي وتدعي الله من قلبها ان يعودا اليها بخير.
دقائق قليلة ورن جرس الباب، ركضت كارمن بلهفة وفتحت الباب، ابتسمت بسعادة عندما رأت عمر ابنها يقف امامها وخالد صديق رشيد يقف خلفه.
عانقت ابنها بقوة وحملته عن الأرض وهي تقبل فيه بكل سعادة والدموع تنسال من عيناها. بكى عمر بداخل حضن والدته وتحدث اليه بخوف:
– انا مش هروح رحلة تاني عمري يا ماما.
بكت كارمن وتحدثت اليه وهي تعانقه بقوة:
– وانا مش هبعدك عني تاني يا حبيبي.. اي مكان تروحه لازم اكون معاك.. مش هسيبك تبعد عني تاني ابدا.
تحدث اليها خالد وهو يقف أمام الباب:
– رشيد كلمني وقالي اجيب عمر لعندك، ومتقلقيش على عمر في دكتور شافه واطمن عليه قبل ما اجيبه لهنا.
نظرت اليه كارمن وتحدثت بقلق:
– وفين رشيد؟
نظر خالد الي عمر بحزن ثم اجاب عليها:
– رشيد لسه مهمته في القبض على الخاطفين مخلصتش.. ادعي ربنا يرجع بالسلامة.
خفق قلبها بقوة وتحدثت بقلق:
– يعني ايه؟.. قصدك ان حياة رشيد في خطر؟!
تحدث خالد بحزن:
– رشيد كل اللي يهمه انه يحافظ علي حياتك وحياة ابنه وعمره ما فكر في حياته.. رشيد ضيع من عمره عشر سنين في حبك.. مقدرش يحب غيرك ومقدرش يكمل حياته هنا من غيرك.. رشيد محزنش على خسارته لشغله قد ما حزن على خسارته ليكي.. رشيد حبك بجد وكان مستعد يضحي بحياته كلها عشانك ولما جات فرصه انه يضحي بحياته عشانك انتي وابنه مترددش لحظة.
لمعت عيناها بالدموع وشعرت بألم قوي بقلبها وتحدثت بخوف:
– كلامك ده معناه ايه؟ رشيد جراله حاجة؟
ابتسم خالد بداخله عندما شعر بخوف كارمن على رشيد وتحدث بثقة:
– الله اعلم ايه اللي جراله.. بس كل اللي اقدر اقولهولك ان رشيد حياته في خطر دلوقتي.
بكت كارمن وتحدثت بهلع:
– انت بتقول ايه! انا عايزة اروح لرشيد دلوقتي حالا.
تحدث خالد برفض:
– للاسف مش هينفع تتحركي من هنا دلوقتي.. رشيد طلب مني احميكي انتي وابنه لحد مايرجع.
بكت كارمن بخوف وتحدثت بحزن:
– قلبي بيوجعني.. حاسه ان رشيد جراله حاجة وانت مش عايز تقولي الحقيقة.
تحدث خالد:
↚
– ادعيله يا كارمن.. ادعيله ربنا يحفظه ويقدر يقبض على المجرمين دول بأقل الخساير.
*****
بداخل مكان شبه مهجور.
كان هناك مبنى مكون من طابق واحد فقط. هذا المكان الذي اشار اليه جهاز التتبع بوجود حقيبة النقود فيه.
وصل رشيد بداخل سيارة الشرطة وخلفه العديد من سيارات الشرطه واقتحموا المبنى الذي اجتمع به الخاطفين.
تفاجئ الخاطفين من وجود رجال الشرطة خلفهم بهذه السرعه وسرعان ما حدث تبادل لضربات النار بين رجال الشرطة والخاطفين.
*****
بداخل منزل عائلة رشيد:
كانت كارمن تجلس وهي تضم ابنها اليها وتبكي وتدعي الله من قلبها ان يحفظ رشيد.
نظر اليها ابنها وتحدث اليها بخوف:
– ماما هو الظابط اللي جه معايا ده يبقا صاحب بابا؟
اجابة عليه كارمن بحزن:
– اه يا حبيبي.
تحدث عمر بدهشة:
– مش الظابط ده يبقا بابا الولد اللي ضربته واحنا بنلعب؟
أومأت برأسها بالايجاب وهي تبكي.
كان خالد يجلس في منزل عائلة رشيد ويقوم بحماية كارمن وابنها كما طلب منه رشيد. تحدث خالد الي عمر:
– وباباك اللي كان معايا يا عمر وهو اللي انقذك النهارده.
نظر عمر الي والدته، أومأت له والدته وهي تبكي وتحدثت:
– اه يا عمر.. بابا رشيد هو اللي انقذك النهارده.. بابا بيحبك اوي يا عمر.
ابتسم عمر وتحدثت اليها:
– بابا قالي كده النهارده وقالي كمان ان انتي كمان بتحبيني اوي.. انا اسف يا ماما عشان كنت خايف من بابا.. انا فرحان اوي عشان شوفته النهارده وخايف يكون زعل مني.
تحدث اليه خالد:
– باباك عمره ما يزعل منك يا عمر.. باباك اكتر انسان بيحبك في الدنيا كلها.
تحدثت كارمن هي الأخرى:
– لما بابا يرجع هيفرح اوي لما تقوله ان انت بتحبه يا عمر..
ابتسم عمر بسعادة، قطع حديثهم صوت رنين هاتف خالد، نظر خالد الي الهاتف بتوتر واجاب بتردد. تابعته كارمن بعيناها بقلق. انتفض خالد من مكانه بفزع قائلا:
– ازاي ده حصل! ورشيد عامل ايه دلوقتي؟
انتفضت كارمن من مكانها هي الاخري وخفق قلبها بقوة كبيرة قائلة:
– رشيد جراله ايه يا خالد؟!
اجاب عليها خالد بحزن:
– رشيد اتصاب وحالته خطيره.
صرخت كارمن بانهيار، بكى عمر وهو ينظر الي والدته، لم تتوقف كارمن عن الصراخ حتى تحدث اليها خالد مرة أخرى:
– انا هروح المستشفى بسرعه اطمن عليه.
اوقفته كارمن وهي تبكي:
– خدني معاك يا خالد.. انا لازم اطمن على رشيد.
تحدث عمر ببكاء هو الاخر:
– وانا كمان عايز اشوف بابا يا ماما.
تحدث اليهم خالد وهو يتجه الي الخارج بخطوات مسرعة:
– تعالوا معايا بسرعه.
خرجت كارمن وابنها بيديها وهم يبكون بخوف على رشيد، صعدوا بداخل سيارة خالد وانطلق خالد بسيارته سريعا الي المشفى.
*****
بداخل المشفى.
وقف الطبيب يتحدث اليه بابتسامه:
– حمدلله على السلامه يا بطل.. نحمد ربنا الاصابه كانت سطحيه.. بس دراعك لازم يفضل في الجبس شهر على الاقل.
أومأ برأسه بالايجاب.
دلف خالد الي الغرفة وخلفه كارمن وابنها. انهارت كارمن وهي تركض اليه وتتحدث اليه ببكاء:
– رشيد ايه اللي حصل؟ رشيد انت كويس.. طمني عليكي.. لو جرالك حاجة انا هموت من غيرك.
تحدث عمر ايضا وهو يبكي:
– بابا انا اسف متزعلش مني.. انا بحبك اوي يا بابا.
نظر اليهما رشيد بدهشة، وقف خالد يبتسم من بعيد، تحدث الطبيب الي كارمن بهدوء:
– اطمني يا مدام جوز حضرتك بخير.. ده مجرد اصابه بسيطه جدا.
حدقت كارمن برشيد وتحدثت وهي تدقق النظر بذراعه المصاب:
– اصابه بسيطه !!
أومأ الطبيب برأسه وتركهم وذهب من الغرفة، ابتسم خالد وخرج من الغرفة خلف الطبيب.
شعرت كارمن بالخجل ووقفت بعيدا عنه، ابتسم رشيد وفتح ذراعه الي ابنه وتحدث اليه بلطف:
– طمني يا عمر انت كويس دلوقتي؟
ابتسم عمر واجاب عليه بسعادة:
– اه يا بابا كويس.. عمو قال لماما ان انت تعبان اوي وخوفنا عليك.
نظر رشيد الي كارمن وتحدث الي ابنه:
– وماما خافت عليا؟
اجاب عمر بصوته الطفولي:
– انا وماما كنا خايفين عليك اوي يا بابا.. احنا بنحبك اوي وعايزنك تبقا معانا على طول.. عشان خاطري يا بابا مش تسافر وتسبنا تاني.
ابتسم اليه رشيد وقبل مقدمة رأسه وهو يتحدث اليه:
– وانا بحبك انت وماما اوي ونفسي اعيش معاكم على طول.
خفق قلب كارمن بقوة ونظرت الي رشيد بخجل، وقف رشيد واقترب منها وهو يمسك بيد ابنه وتحدث اليها بصوت هادئ:
– الحمدلله قدرت ارجعلك عمر بالسلامة زي ما وعدتك.
نظرت اليه كارمن بخجل وتحدثت بصوتها الرقيق:
– انا اسفه.
ابتسم رشيد وتحدث اليها بمراوغة:
– وانا كمان اسف.
تحدثت بخجل:
– اسف على ايه؟!
اجاب عليها وهو يتعمق بالنظر إلى عيناها:
– اسف عشان سافرت وسبتك انتي وعمر كل السنين دي لوحدكم.
تحدثت بخجل:
– يعني مش هتسافر وتسبنا تاني؟
اجاب عليها وهو يبتسم اليها بعشق:
– انا جربت كتير اعيش من غيرك ومقدرتش.. وبفكر لو ناخد فرصة تانيه يمكن ننجح المرادي.
نظرت اليه كارمن بخجل وابتسمت. تحدث عمر بحماس:
– بابا احنا هنرجع بيتنا امتى؟
تحدث اليه رشيد بمكر:
– أسأل ماما..
نظر عمر الي والدته قائلا لها:
– ماما احنا هنرجع بيتنا امتى؟
اجابة عليه كارمن وهي تنظر الي رشيد بخجل:
– لما بابا يخف يا حبيبي هنرجع بيتنا مع بعض.
تحدث عمر الي والده:
– خف بسرعه يا بابا عشان نرجع بيتنا.
تحدث رشيد وهو ينظر إلى كارمن:
– هنرجع يا حبيبي ان شاء الله.
خجلت كارمن وخفضت وجهها ارضا. اقترب رشيد من ابنه وتحدث اليه بنبرة مرحة:
– عمر ينفع تطلع تقول لعمو خالد يخلص إجراءات خروجي من المستشفى.
تحدث عمر بحماس:
↚
– اه يا بابا هطلع اقوله بسرعه.
تحدثت كارمن وهي تتجه للخروج من الغرفة:
– متقلقش هطلع اقوله انا.
امسك بيديها سريعا ومنعها من الحركة، ركض عمر خارج الغرفة بحماس واغلق الباب خلفه. توترت كارمن كثيرا وارتجف جسدها بقوة مع لمسة يديه ليدها، ابتسم رشيد وتحدث اليها بهدوء:
– لسه جسمك بيرتجف اول لما بلمس ايديكي زي زمان.
خجلت كارمن وتحدثت بتوتر:
– رشيد انت بتوترني على فكرة.
اقترب منها اكثر وهو يتأملها بنظرات عاشقه:
– كارمن موافقه نبدأ حياتنا مع بعض من جديد؟
نظرت اليه بعمق وتحدثت بتوتر:
– خايفه منقدرش نكمل تاني.
تحدث اليها بثقة:
– احنا دلوقتي اتنين غير اللي اتقابلوا من عشر سنين وانا واثق اننا هنقدر نكمل المرادي.. المهم الصراحة والثقه يا كارمن.. الصراحة والثقة اهم اسباب نجاح اي علاقه.
تحدثت كارمن بالايجاب:
– بس انا اتغيرت كتير عن الاول يا رشيد.. مبقتش البنت اللي انت حبيتها زمان.
تحدث اليها بفضول:
– المهم لسه ليا مكان في قلبك ولا لأ؟
اجابة بدون تردد:
– قلبي كله ملكك من اول ما عرفت ايه هو الحب ومشاعري اتجاهك عمرها ما تغيرت.
ابتسم بسعادة قائلا:
– يعني موافقه؟
أومأت برأسها بالايجاب وهي تخفض وجهها بخجل.
*****
بعد مرور ستة أشهر.
بداخل شركة وجيه الجبالي بمصر.
جلس رشيد امام مكتبه يتحدث الي والده بالهاتف:
– متقلقش يا بابا كل الفلوس رجعت والحمدلله الشركة رجعت تنافس بقوة تاني وقدرنا نقف علي رجلينا.
تحدث والده عبر الهاتف:
– كويس ان الحراميه دول خدوا عقابهم واتحكم عليهم بالسجن.
تحدث رشيد بثقة:
– اطمن يا بابا مفيش حق بيضيع والحمدلله ربنا عوضنا عن كل الخساير اللي اتسببوا فيها.
دلف عمر وهو يركض الي غرفة مكتب والده في شركة جده بحماس. استقبله رشيد بسعادة وهو يتحدث بالهاتف:
– البطل بتاعنا وصل اهو..
تحدث وجيه الجبالي بسعادة:
– عمر عندك؟
اجاب رشيد:
– اه لسه واصل حالا..
ثم تحدث الي عمر:
– تعالى يا عمر كلم جدو..
ركض عمر الي والده واخذ منه الهاتف وتحدث الي جده بسعادة.
دلفت كارمن الي غرفة المكتب، وقف رشيد واستقبلها وهو يعانقها بحب قائلا:
– ايه المفاجأة الحلوة دي.
تحدثت كارمن بابتسامه:
– عمر مصمم انك تعزمنا على الغدا برا النهارده.
تحدث رشيد بحنان وهو يغازلها بنظراته:
– انا عيوني لعمر ومامت عمر.
ارتجف جسد كارمن بخجل وخفضت وجهها أرضا، اغلق عمر الهاتف بعد انتهاء المكالمة مع جده واقترب من والدته ووالده وتحدث اليهما بحماس:
– يلا عشان نتغدا برا يا بابا.
انحنى رشيد قليلا وقام بحمله بيديه وتحدث اليه بمزاح:
– والباشا عايز يتغدا فين النهارده؟
تحدث رشيد وهو يبتسم:
– انت مصمم على بدلة الظابط دي اوي يعني؟
اجاب عمر بحماس:
– اه يا بابا مصمم عشان انا عايز اكون ظابط لما اكبر.
ابتسم رشيد وهو ينظر الي كارمن وتحدث بنبرة مرحة:
– تقريبا كده اسم عيلة الجبالي هيفضل في الداخليه العمر كله.
تحدثت كارمن وهي تبتسم بسعادة:
– عمر رشيد الجبالي.. ان شاء الله هيكون احسن ظابط في وزارة الداخلية.
تحدث رشيد وهو يبتسم ويغمز لـ ابنه بمرح:
– اهم حاجة لو في يوم عرفت ان في باص مدرسة بنات اتخطف اوعا تنقذهم.. هتلاقي فجأة حياتك كلها اتقلبت.
تحدثت كارمن بغيظ:
– وحياتك اتقلبت للأحسن ولا الاسوء؟
اجاب عليها وهو ينظر اليها بعشق:
– للأجمل.. كانت اجمل حاجة حصلت في حياتي لما قابلتك وبدأتنا حكايتنا والحمدلله انها انتهت بالسعادة وان شاء الله نفضل مع بعض لاخر العمر❤️ كارمن ورشيد❤️
النهاية.
تمت بحمد الله ❤️