رواية في قلب الخديعة ياسين ومنة كاملة جميع الفصول بقلم اميرة انور
رواية في قلب الخديعة ياسين ومنة كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة اميرة انور رواية في قلب الخديعة ياسين ومنة كاملة جميع الفصول صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية في قلب الخديعة ياسين ومنة كاملة جميع الفصول حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية في قلب الخديعة ياسين ومنة كاملة جميع الفصول
رواية في قلب الخديعة ياسين ومنة كاملة جميع الفصول
في حلكةِ هذا الليلِ الدّامس شديدِ الظلام، الطرقُ خاليةٌ من الأشخاص، السيارات مصفوفة بأسفل البنايات، الهررةُ تبدأ في إستغلال الهدوء لتجلبَ طعامها خائفة، تتلفتُ يميناً ويساراً، لولا أنوارُ المصابيح لظلوا نائمين دون عشاء.
وقفتْ في تراس منزلها تستمع لصوت القطط، تنظر في هاتفها وهي غاضبة، يزعجها تطايرُ شعرِها الأسودِ القصير المنسدل، ضغطتْ علي قائمة السجلات لتهاتف أحدهم، لكن لا يجيبُ الجانبُ الآخرُ على الهاتف، بدأتْ تتأففُ وهي تحدث نفسها:
- نفسي أعرف هو مش بيرد ليه؟ نفسي يحس بقلقي دا.
حاولت مرة آخرى لكن هذه المرة سمعت الصوت المعتاد الذي نسمعه عند غلق أحدهم للهاتف:
- (الرقم المطلوب مغلق أو غير متاح ).
أصابها الشكُ وبدأتْ تحكُّ برأسها وتفكر مع نفسها في حوارات خيالية، قائلة:
- يكونشي بيحب واحدة تانية ومن كتر زني ورني قفل فونه أو حظرني من قائمة الأسماء؟ لا يا منة ياسين مش هيعمل كدا بطلي ظلم له، بس أنا قلقانة هعمل إيه عشان أطمن؟
جلست منة على ذاك المقعد الهزاز وبدأت تفكر في إيجاد حل يطمئنها على من دقَّ له قلبها، وفجأة قامتْ من مقعدها واتجهت لغرفة والدتها تتسحّبُ كمجرم دلف ليسرق بيتهم، أخذتْ هاتفَ والدتها وخرجت بسرعة، واتجهتْ نحو غرفتها، نقلت أرقام هاتفه وقلبها يقفز من مكانه يتسائل: هل سيجيب علي الهاتف أم لا؟
ضغطت على زر الإتصال وما هي إلا ثوانٍ معدودة وأجاب على الهاتف:
- ألوو مين؟
تحدثت منة بشغفٍ، نسيتْ كل شيء في هذه اللحظة، قلبها يقفز من مكانه، جعل كلامها يخرج متلعثمًا:
- إحم، أنا منة يا ياسين، مش بترد وقلقت عليك وفونك شوية يديني مغلق وشوية يرن، قومت كلمتك على فون ماما، إنت كويس؟
أجابها ياسين باقتضاب ببعض الكلمات:
- مشغول في الشغل يا منة ومضايق شوية، سلام إنتِ دلوقتي عشان مشغول.
ردت منة بضيق:
- دا ردك؟ هموت من قلقي وإنت تقولي مشغول؟
بدأ يتأفف وحدثها بصرامة قائلاً:
- معايا ناس يا منة، أقفلِ دلوقتي وأبقى أكلامك بعدين سلام.
أنهتْ المكالمةَ معه مُسرعةً، فهي تعشق صرامته وتخاف منها، بدأ قلبها يرتجف ودموعها تعلقت في مقلتيها، ومن ثمّ ذهبتْ إلى غرفةِ والدتها لتضعَ الهاتفَ في موضعه، دلفت الغرفةَ وجدت والدتها مستيقظة، و يبدو علی وجهها الضيق، حدثتها الأخيرة وهي تضع يديها علي الفراش قائلةً:
- اقعدي يا منة عايزاكي.
تقدمتْ نحو أمها، وحاولت أن تخفي حزنها بابتسامة بسيطة قائلةً:
- نعم يا ماما؟
ابتسمت الأم وبدأتْ في الحديث:
- رد عليكي؟
هتفت منة بهمس:
- أيوا يا ماما.
واصلت والدتها حديثها وهي تملس على شعرها:
- أنا شوفتك وإنتِ بتاخدي الموبيل، مرضتش أقولك حاجة عشان ترتاحي، ها مردش و..
قطعتها منة وقالت بتلعثم:
- لا يا ماما، هو كلمني وقالي إنتِ وحشاني، بس عنده شغل ربنا يعينه.
- بصي يا منوش إنتِ بنتي الوحيدة، وهتعب لو حصلك حاجة، انتي كبيرة وعندك23 سنة، وهو كمان مش صغير وواعي وعنده 28 سنة، الله أعلم إن كان بيحبك ولا بيلعب بيكي.
هذا ما قالته والدتها لترد منة عليها بلهفة؛
- لا يا ماما أنا واثقة في حبه، هو بس مشغول، وبعدين مش إنتِ شوفتيه قبل كدا وأتكلمتى معاه، شوفتي قد إيه هو كويس؟
أردفت والدتها حديثها:
- دي كانت مرة واحدة، وساعات بنعاشر ناس وفي الأخر بيكونوا مش كويسين، وفي من أول مرة تحسي براحة معاهم أو العكس، يوم ما كلمته عرفته أنك معاكي حرية هتسخدميها صح، وقولتله هزعل لو حد زعلك.
ابتسمت منة ومن ثم احتضنتْ والدتها وقالت:
- ربنا يخليكي ليا يا ماما تصبحي على الجنة يا غالية..
خرجت من غرفة أمها تفكر فيما قالته لها.
لم تقدر علي مقاومة دموعها فسقطت دمعة يتيمة من عينيها، تركت صديقاتها عالقاتٍ في مقلتيها، دلفت غرفتها الصغيرةَ التي تتميز باللون المووف، وعلى ذاك الحائط ملصق لقطة صغيرة وبجانبها وردة بارزة، يوجد باليمين خزانتها المكونة من ضلفتين، والأرضية يزينها ذلك السجاد المتميز بلون الحائط، تسطحت على فراشها الصغير وبدأت تحدث نفسها:
- أعلم أنكِ كالقطة، خائفة علي صغيرتك، لكني أثق بحبي يا غاليتي، أشعر وكأني في ساحة حرب، الجميع يحولون تفريقنا، لكن نحن نحارب من أجل البقاء معًا، أشتاق إلی محبوبي، أريد إحتواءه الذي يجعلني أشعر بالأمان.
اندفعت دموعها كالشلال، فتحت هاتفها ومن ثمّ دلفت على حسابها لتقوم بفتح الرسائل الخاصة بينهما،ابتسمت عندما تذكرت حديثه قائلاً:
- حبيبتي الجميلة اللي بتوحشني وعيونها وضحكتها، ابتسامتها وحضنها اللي بحس فيه بالأمان، بحس إنه حضن أمي وأختي وحبيبتي وكل حاجة في الدنيا.
في وقتها ردت عليه قائلة:
- طب إيه أكتر حاجة بتحبها فيا؟
أجابها وكأنه يصفها باللغة العاشقة:
- عينيكِ البنية يا معشوقتي يتميزان بالأنوثة، أشعر بالموت إذا وجدتُ الدموعَ بهما، أريد وقتها أن أقبلك بشغف، أحتويكِ، أخبئك من كل شيء يزعجك، لو تحدثت عن ابتسامتك سأقول أنكِ عن دون فتيات العالم تتميزين بابتسامة طفلة صغيرة، حبيبتي جسدك متكامل الأنوثة، أغير من الجميع عليكِ، أنتِ ملك لي ولا أحد يمتلك قلبك غيري، أنا أحبك يا سلطانتي.
في لحظتها الفرحة غمرتها، تركت هاتفها وقامت تتمايلُ بجسدها، أفاقتْ علي صوت ينبها بوصول رسائل جديدة.
رأتها وكان يقول فيها :
طب وأنا بقى؟
طأطأت رأسها بخجلٍ ونظرت لسقف غرفتها بتفكير، وقالت:
- إنت حبيبي الطويل أبو عين بتلون حسب الحالة.
ضحكت بصوتٍ مرتفع وقتها ومن ثم أكملت:
صرامتك وشخصيتك وكل حاجة فيك بحبها.
رد عليها قائلاً:
- كملي.
أردفت باستغرابٍ:
- أكمل أيه؟، خلصت.
بعت لها رده جعل ضحكتها ترتفع أكثر:
- كملي يا بت.
تحدثت مثله:
- أنت شمس تشرق علي فؤادي.
ظهورك يحميني فأنت نور حياتي.
أتنفس من أجلك فأنت نفسي.
أحبك بل أعشقك ياسلطاني.
ظلوا يتكلمون حتي نامت بابتسامة رائعة، وفي صباح يومً جديد لها دلفت والدتها توقظها فسمعتها تقول:
- ياسين كمل.
نهرتها أمها بغضب:
- منة قومي.
أفاقتْ علي صرخات أمها الغاضبة:
- إنتِ عبيطة، لو أبوكِي اللي كان صحاكي كنتي عملتي إيه؟
طأطأتْ رأسها خجلاً من أمها قائلةً:
- أنا أسفة يا ماما.
تركتها أمها لتبتسم، وقبل أن تقوم من فراشها بعثت له رسالة تقول فيها:
- عجبك كدا يا أستاذ؟ أديني كنت بقول اسمك وماما دخلت وزعقتلي.
أفاقت من ذكرياتها وهي تبتسم بسعادة وتضع الهاتف بجانيها وتنام.
بذلك المقهى المشهور بمنطقة المعادي الذي تعود أن يجلس ياسين به كان يضحك مع أصدقائه متحدثاً:
- مش عارف من غيركوا كنت هضحك بالشكل دا إزاي؟
في هذه اللحظة رن هاتفه، نظر باستغراب فكانت إحدى اللواتي يعملن بالشركة معه، أجابها علي الفور:
- إيه يا نورهان؟
أجابته الأخرى بقلق:
- أنا قلقانة عليك إنت كويس.
- آه الحمد لله.
كانت المكالمة نصف ساعة يمزحان فيها وكأنه لم يتذكر تلك المسكينة التي تنام علي ذكرياته بعد انتهاء المكالمة، التفت لأصدقائه فتحدث أحدهم :
- ياسين هو إنت أما تتجوز هتقعد تتكلم مع دي أو دي وهي قاعدة جنبك؟
أجابه ياسين بأقتضاب:
- لأ طبعًا، أنا بتكلم معاهم شغل وصداقة وعشان بعتبرهم أخواتي، لكن لو اتجوزت هتكون المكالمة خمس دقائق على الأقل في الشغل بس.
هتف صديقه بسخرية :
- آه ما أنا عارف دا.
قام ياسين من مكانه غاضباً فهو يكره من يعطون له النصائح، وممكن في ثوانٍ معدودة يقطع علاقته به، دائماً يقول أنه يستقبل النصائح لكنه عكس ذلك.
أشعل سيجارته وسار بطريق منزله.
______________
في صباح يوم جديد مشرق علي الجميع استيقظت منة من نومتها لتدلف إلى المرحاض، أخذت شاور وقامت
بتفريش أسنانها لتلمع من شدة البياض كأنها جوهرة، خرجت تجهز وجبة الإفطار وتذهب لغرفة والدتها توقظها، جلستا على الإفطار تتحدثان معًا، قالت الأم :
- عاملة إيه دلوقتي يا منة؟
ردت منه بابتسامة مشرقة:
- أنا كويسة يا قلبي، يلا هقوم أروح أغير هدومي عشان الشغل.
أومأت والدتها لتقوم منة وتذهب لغرفتها وتقوم بفتح خزانتها، تبدأ تفكر في ملبسها، شردت لبرهة.
- منة النهارده إنتِ جميلة أوي وحجابك لفيتيه حلو أوي.
كان هذا حديث ياسين بحب وعينه عليها.
أفاقت من شرودها واختارت ذلك الفستان الأسود وتلك الطرحة الملونة باللون الموف والسماوي والكاشمير معًا، ارتدت ملابسها وعدلت حجابها وخرجت تلوح لأمها بالسلام، نزلت من البناية لتأخذ تاكسي يوصلها الشركة
______________
في شقة ياسين المكونة من غرفتين وصالة كبيرة وحمام ومطبخ كانت الشقة ملونة بلون موحد وهو اللون البني الفاتح لا غير، لا يعلم الجميع ما السبب، من الممكن أن يكون أخذ الشقة هكذا ولم يفعل بها شيئاً من الديكورات لكونه يجلس بمفرده.
استيقظ من نومته على صوت المنبه، بدأ في السعال ما يقارب النصف ساعة بسبب سيجاره الذي لا يستطيع التخلي عنها كالطفل الرضيع لا يستطيع التخلي عن أمه، قام ودلف إلى مطبخه الذي يتميز بالسيراميك الأسود المنقوش عليه الأدوات المطبخية، شغل غلاية المياه ليعد مشرب ساخن يهدئ صدره من السعال، وبعدما شربه، دلف المرحاض ذات السيراميك الأزرق كلون السماء، قام بغسل وجهه وأخذ الشاور الخاص به وخرج دون أن يغسل أسنانه، لم يتذكر أن يغسلها كالعادة، أتجه نحو غرفته ليخرج بنطاله الجينز الأزرق والتشيرت الأحمر المميز لديه بعدما انتهى من تغيير ملابسه، أخذ علبة السيجار وقداحته ونزل من منزله، واتجه نحو عمله...
___________
وصلت هي أولا إلى (شركة هندسة ياسين للديكور )، دلفت إلى تلك الشركة التي تتميز بالديكورات والألوان الغامقة، ومن ثم ذهبت لمكتبها، وما هي إلا ثوانٍ معدودة ووصل ياسين، رآها تجلس مشغولة بعملها، اتجه نحوها وحدثها بإبتسامة:
- صباحك جميل يا قلبي..
رفعت رأسها وتحدثت بسخرية:
- شكرًا أستاذي.
استغربها فهي دونٍ عن الجميع تناديه باسمه، فلمَ تحدثه برسمية؟ حدثها قائلاً:
- مالك فيه ايه؟
صمتت ولم تتحدث فرد عليها بعصبية:
- بتكلم ردي.
هتفت بعصبية:
- حضرتك مشغول ومخنوق من إمبارح ومضايق، فقولت مردش عليك عشان مش حابة أضايقك.
تكلم بسخرية:
- والله؟
-آه.
واصل حديثه بحب:
- وأنا مضايق مش بحب أكلمك لأني واثق إن البسمة بتترسم على قلبك ووشك وكل حتة في جسمك، فلو كنت متعصب هخليكي تبكي.
حاولت أن تخفي البسمة وتحدثت:
- مش بكلمك مش تضحك عليا، فكرك إني منمتش معيطة؟
كان سيرد عليها لكن دخلت نورهان:
- أستاذ ياسين معاد اجتماعك مع المهندسين الجدد.
رفع حاجبه ومن ثم نظر لمنة:
- دخليهم مكتبي وأنا ومنة هنشوفهم.
خرجت نورهان وهي تهمس مع نفسها:
- مش عارفة ازاي مستحملها دي باردة، في الشغل بتقوله يا ياسين، أصدقاء إيه بس اللي يكونوا مقربين من بعض كدا؟
اتجهت منة وياسين ليختبروا المهندسين الجدد، أخذت المقابلة ما يقارب الساعتين، بعدها ذهبت منة إلى مكتبها، بدأت في العمل حتى جاءتها رسالة على الواتساب الخاص بها، نظرت لها ولم تفتحها، استمرت بالعمل ليدلف ياسين ويقول باستفزاز متعمداً غيظها:
- شوفت البنت اللي جاية تشتغل جديد؟
نظرت له بضيق قائلة:
- مالها؟
ابتسم بخبث وهتف:
- حلوة أوي.
تأففت ولم ترد عليه ودخلت علی حساب الواتساب لتفتح الرسالة لتبدأ بقرائتها لتقوم مرة واحدة من مقعدها بصدمة..
- إية دا ...
↚
الفصل الثاني
انقلبتْ ملامحها للصدمة، لا يعلمُ ياسين ما أصابها، نظر لها باستغرابٍ وتحدث:
- مالك فيه إيه؟
قاومتْ دموعها ولم تتحدث قط، أغلقت هاتفها وشرعت في إكمال عملها دون حديث، تحولتْ ملامح ياسين للاستغراب وقال بغضب:
- مالك؟
ابتسمت قائلةً:
- مفيش يا حبيبي روح كمل شغلك، لو حد شافك هنا هيقعدوا يتكلموا وهما أصلًا مش بيعترفوا بصداقتنا، ومتأكدين إنها حب حتى من قبل ما نحب بعض، وانا مش عارفة ليه مش عاوز تعلن ارتباطنا؟
أجابها باقتضاب:
- عشان هما مش زيك، إنتِ مش بتفكري في حد غلط، إنتِ غيرهم، وهما بقى هيفكروا في علاقتنا غلط، فلازم تكون دبلتي في إيدك، الكلام دا اتقال مليون مرة، كفاية بقى.
واصلت حديثها بعدما أومأت له برأسها:
- تمام.
قام من مقعده متجهاً إلى مكتبه، نظرتْ لتلك الرسالة مرة أخرى، دموعها تنهمر دون توقف، لم تقدر على مقاومتها، وصلت لها رسالة أخرى، نظرت لهاتفها فوجدتها من ياسين يقول فيها:
- ابتسمي وتعالي نخرج نآكل بره النهارده، هروح مشور شغل، استنيني بره هجيلك الساعة 2.
ابتسمت بحب لكنها تذكرت محتوى الرسالة المشؤومة التي جعلتها بهذه الحالة.
بعد ساعات العمل خرجت تنتظره بالخارج، وقفت ما يقارب بالنصف ساعة ولم يأتِ، هاتفته وجدتْ (الرقم المطلوب مغلق أو غير متاح )، أصبح وجهها محمراً من شدة الغضب، قررتْ أن تذهب لمنزلها وجلست في الاستراحة تنتظر الأتوبيس، وفتحت حسابها بالتواصل الإجتماعي ودخلت على الرسائل الخاصة بهما وقالت:
- شكرًا أوي، قفلتلي اليوم، أما أنت مش قد العزومة بتقولي ليه؟ أنا كرهتْ المكان وكرهت كل حاجة، سلام.
أغلقتْ هاتفها وماهي إلا ثوانٍ معدودة وجاءها الأتوبيس ليحمل الموظفين، دلفتْ هي وكانت أول واحدة تجلس، في هذه اللحظة هاتفها ياسين يعنفها:
- إنتِ فين؟!
ردت عليه تحاول المحافظة على ما تبقى من كرامتها:
- راكبة الباص ومروحة.
واصل حديثه صارخاً:
- والله وإيه اللي بعتهولي دا؟
أردفت بحزن وهي تلعب بحقيبتها، تقوم بفتحها وغلقها من التوتر قائلة:
- إنت السبب أعمل إيه؟
رد عليه ببرود وكأنه لم يفعل خطأً:
- معرفش، براحتك، عاوزة تروحي روحي عاوزة تقعدي اقعدي.
صُدمتْ من حديثه، تيقنت أنه سيعتذر منها وحدث عكس ذلك، تكلمت متلعثمةً:
- أروح بعد ما استنيت؟
كأنه كان يعلم أنها ستجيبُ هكذا فرد عليها:
- ها، هتعملي إيه؟
- هنزل.
↚
هذه الكلمة ألقتها منة مستغربةً نفسها، فكرامتها لا تنكسر إلا معه فقط.
حدثها بهدوء.
- تمام 10دقائق وأكون عندك، استنيني.
هتفت بضيق بعدما قامت من مكانها لتستعد للنزول قائلة:
- حاضر.
لا تعلمُ لمَ فعلت هكذا؟ تفكر هل هي علي صواب أم تنازلت عن كرامتها؟ ظلت تحاور نفسها قائلةً:
- هذه أنا من كانت تكتبُ دائماً أن الحب بدون كرامتك ليس بحب؟ أين كرامتي الآن؟ اختفت، أبحث عنها حتى تعود؟ أم أنهارُ في عشق لا يعلم معنى الكبرياء.
مر نصف ساعة ولم يأتِ، هاتفته فرد عليها قائلاً
- أنا خلاص قربت جهزي نفسك.
ما هي إلا ثوانٍ معدودة وأشار لها لتذهب وتصعد بسيارته الكبيرة التي تتميز باللون الأسود الغامق، رسمت على وجهها علامات الضيق فتحدث بابتسامة:
- يخربيت بوزك إيه دا يا بت اضحكي.
نظرت له وتحدثت بسخرية:
- معليش أصلي من كتر القعدة بقى ليا بوز، إنت غلطان يا ياسين فبلاش تغظني.
أمسك بيديها وقبلها بحب، لا تعلم هل هي معاندة بها أم ماذا؟ شدت يديها في سرعة، فأمسكها وقبلها قائلاً:
- أنا مش غلطان، إحنا الاتنين غلطانين، إنتِ ماقولتيش إنك خلصتي بدري.
- أردفت بصدمة:
- وهو فوني أنا اللي كان مقفول؟ أنا هسكت.
ابتسم ومن ثم قال:
- سيبك، هأكلك بقى حمام إنما إيه.
- لاء مش بحبه ومش عاوزة.
تأفف وأشعل سيجاره وقال:
- مش بتحبي الحمام؟
لا تعلم بماذا تجيب فهي تعشق هذه الأكلة وطلبتها بالفعل من أمها لتصنعها لها، تأكدت أنه يعشقها فهو يشعر بها دون أن تطلب.
أومأتْ برأسها علامةً على موافقتها، دلفا معاً إلى المطعم، وطلب ياسين الطعام، بعد ربع ساعة وضع العامل أمامهم الطعام، بدأ يأكل وهي تتناول القليل من الشبسي، فتوقف عن الطعام قائلاً :
- كلي يابنتي دا عيش وملح ودا عهد بينا.
نظرت له تبتسم فهي عاشقة لمن يقدر أقل التقاليد، فهذا يعني أنه لم ولن يخن ثقتها.
شرعت في الأكل لكنها توقفت بسبب عدم معرفتها كيف تقوم بقطع تلك الحمامة، انتبه لها فقال:
- مش عارفة تأكليها؟
أومأت برأسها توافقه وقالت بطفولة:
- ماما هي اللي بتقطعها ليا.
تكلم بحنية وهو يمسك بطعامها ويقوم بتقطيعه:
- أنا هأكلك.
طأطأت رأسها خجلاً فوجدت يده بها قطعة من الطعام موجه إلى فمها، فرفضت في الأول، فنظر لها بصرامته فابتسمت وأكلتها، بعدما انتهيا أخذها إلى حديقتهما المفضلة، تلك التي تشهد علي حبهما لبعضهما، فمنذ أن أصبحا أصدقاء وهما يجلسان بها، طلب ياسين كأسين من الشاي، تذكرت الرسالة فنظرت له وتحدثت:
- ياسين هو إنت كدبت عليا في حاجة أو في حاجة مش عاوز تقولها ليا خبتها يعني.
نظر لها باستغراب وكان رده:
- لاء بس ليه بتسألي؟
- مجرد سؤال.
نظر لها بعلامات من الشك وقال:
- في إيه؟
أجابته متلعثمة:
- مفيش.
ومن ثم غيرت الحديث قائلة:
- تعرف الجنينة دي مع إنها صغيرة بس بحس أنها للعاشقين، بحسها بتشهد على حبنا لبعض.
التفتَ للحديقة مبتسماً، فهي تتميز بكافتيريا صغيرة وبقالة للحلويات ورجل يصنع القهوة والشاي، تملؤها الأشجارُُ، صنعت لتحفر أسماء المحبين، تحدث بحب:
- وأنا كمان بحبها.
نظرت في ساعتها وقالت:
- طب يالا أتأخرنا.
قاما وذهبا نحو السيارة بعدما دفع الحساب، صعدا معًا، وبدأ في القيادة بعد وقت ليس بقصير وصلت إلى منزلها، وصعدت بعدما ألقت عليه السلام لينطلق بسيارته.
______________
وفي مكان آخر وعلى البعد منهم ما يقارب السنتيمترات
جلست فاتن مع أصدقائها مشغولات البال على صديقتهم، سرحت إحداهما التي تسمى نور تلك الفتاه المتميزة بعينيها الخضراء قصيرة القامة وجسدها النحيف مع نفسها:
- صديقتي، أنا أحبك وأخاف عليكِ فلمَ الغضب؟ تحبينه أعلم، ولكن هو لا يحبك أشعر بهذا، يتلاعب بك، عودي لنا، فأنتِ وطن ولا نعيش بدونك، كنا ككف الحياة خمساً، والآن أنشغلتِ به فقلت قوتنا ..
أفاقت على حديث فاتن تلك الطويلة التي تتميز بالذكاء والحكمة نحيفة جداً بشرتها بيضاء وعيناها بنية اللون قائلة:
- منة مش عارفة مصلحة نفسها، زعل منها لما عرف إنها قالت لينا وقالها فضحتيني، نفس أقوله الحبيب هو اللي بيصرح بالحب مش الحبيبة، بدعي لربنا إنه يكون كويس و..
قاطع حديثها رنين هاتفها لترد بفرحة:
- منة تتصل يا مرحبا يا مرحبا.
ردت منة بابتسامة قائلةً
-وحشاني.
↚
هتفت فاتن بسخرية وهي تشير لأصدقائها أن يتحدثوا معها:
- إحنا لو واحشينك هتيجي لينا كلنا هنا.
ارتفع صوت ضحكتها وقالت:
- مع إني تعبانة بس هجيلكم سلام.
أغلقوا معها الهاتف بفرح وجلسوا ينتظرونها..
_____
وصل ياسين إلى بيته مشغولاً من تلك الرسالة التي تشغل بال منة، أشعل سيجاره وجلس بغرفة الجلوس ماسكاً لدفتره وبدأ يكتب:
- هل أحببتها حقًا؟
أم تتلاعب بها؟
- هل هي تستحق خيانتك لها؟
إنها ملاك أحبتك بصدق.
تخاف عليك.
والله لو قولت لها أيها الكذاب أنك تتنفس آخر أنفاسك لمنحتك أنفاسها وماتت هي.
تعتقد أنك الحامي لها؟
أريد أنا أقول أنك غير ذلك، لا تحبه هكذا فكلما أحببتيه أكثر كره نفسه.
أغلق دفتره وضحك بسخرية وقال:
- أنا لأزم أخلص منك يا منة.....
يُتبع ..
↚
الفصل الثالث
أهكذا يكون الحب؟
من أجل من نبيع حبنا؟
من أجل أنفسنا؟
هل البقاء متعب والفراق يفرح؟
ماذا يعني الحب؟
أنتم من أخبرتموني أنه مقدس، يفعل فيه الحبيبُ أي شيء من أجل محبوبة!
والآن، أصبح الحبيب مجرماً يقتل حبه من أجل اللا شيء.
أهكذا كان تقدير حبك بالخيانة؟ ما أروع قلبك حقًاً!
هاتف أحدهم محاولاً أن يرسم على ثغره ابتسامة السخرية أو الفرح، لكن بداخله نيران لا يعلم سببها، ردّ الطرف الآخر عليه، فقام من مجلسه وتكلم في التراس قائلاً:
- ألوو أنا عاوز أعمل.....
تحدث الطرفُ الآخر بفرح:
- اعتبره حصل يا برنس..
أغلقَ الهاتفَ وأشعل سيجاره، ومن ثمّ دلف ليغير ملابسه.
_________
وصلت منزل صديقتها، لتجلس معهم بعدما احتضنتهم جميعا بحب، جلسوا يتشاورون في أمورهن، شردت قليلاً وظلت تحاور نفسها:
- أشعر بالخوف!
- هل يوجد مجهول يريد كسر حبي؟
- لن أسمح، لكن هل حقًا يكذب؟
- لاء.
- ثقتي بحبي أكبر من كل تلك الأفعال.
إنني أحبه بالعقل قبل القلب.
أفاقت علي صرخات فاتن قائلة:
- سرحتي في إيه؟
نظرت لها منة ولم تتحدث، بل تكلمت نور قائلة بغضب:
- أكيد فيه سي ياسين.
نظرت لها منة وقاومت دموعها التي تعلقُ في مقلتيها، شعرنَ بها فاحتضنتها فاتن قائلة:
- احكي يا منة حاسة إنك مخبية حاجة عننا.
رفعت منة رأسها وبدات تسرد لهم ما يزعجها:
- كنت زعلانة من ياسين شوية و...
قاطعتها نور ونظرات الاستحقار التي تحملها لهذا الذي يسمى ياسين في عينيها قائلة:
- عمل إيه اللي يارب أ....
صرخت منة وعنفتها قائلة لها:
- متكمليش يا نور من غير زعل، دا حبيبي اللي إنتِ عاوزة تدعي عليه، إنتوا أخواتي وبحبكم أكتر من أي حد، لأنكم كنزي، لكن هو حبيبي بيمتلك قلبي وأكيد بيمتلك حبكم اللي في قلبي، سبيني أكمل كلامي...
- أنتم أصدقائي، كنز حياتي أعلم، لكنه من يدق قلبي له!
أعيش بأنفاسه، وأموت بدونه.
أشعر كأنني في غابة، الجميع كالحيوانات المفترسة، يفترسون حبي...
أكملت حديثها وهي تمسك هاتفها قائلة:
- الرسالة دي وصلتلي ومكتوب فيها:
بدأت في قراءة محتوى الرسالة...
- هلا أنا نورسين من كايرو هههه طبعا إنتِ عاوزة تعرفي أنا مين؟ أنا مرات ياسين حبيبك وانفصلت عنه، نصيحة مني ابعدي لأنه شخص مش كويس سلام.
صمتت نور ولم تتحدث قط لكي لا تزعجها، تحدثت فاتن بهدوء:
- بصي يا منوش أنا عارفة إنك بتحبي ياسين، بس دا مش بيعني إنك ترمي نفسك في الهلاك، ابعدي عن الشخص دا عشان نفسك، هو بيلعب بيكي، احنا بنخاف عليكي..
فكرت منة بحديثها، أصيبت جمجمتها بالآلم، فالعقل يصرخ ويتمرد ويقول كفى والقلب جريح منهم، يدافع عن حبيبه كمن يدافع عن وطنه حتي يفوز..
- ماذا يحدث؟ هل بيدي ما يحل لغز حبي؟
كانت تطرح علي نفسها أسئلة وتبحث عن إجابتها حتي صرخت بهم قائلة...
- لقيتها، أنا هسأل الناس اللي ملهاش صلة بيه، وهعمل كدا عشان أطمنكم لآني واثقة بحبيبي..
دخلت بعض الحسابات الخاصة التي يعرفها ياسين، وهم لن ولم يكذبوا، فهم يخافون الله، تركت لهم رسالة تقول فيها: (أهلا وسهلا، أسفة أولاً لكن سؤالي يهم، تعلم من يكون ياسين محمود المشهور في هندسة الديكورات؟ سمعت أنه يفعل أشياء مخادعة، يخدع بكلمات الحب، وسبق له الزواج، فهل هو كما نسمع ويقول عكس ذلك ليخدع الجميع؟).
تركت هاتفها بخوف ومن ثم نظرت لأصدقائها قائلة لهم:
- سبت رسالة موحدة للكل، أهو تعالوا نلعب ولا نعمل أي حاجة لحد ما الناس ترد.
أومأت فاتن توافقها، لكن نور كان مشغولاً بالها، فإذا كان هذا ياسين كما يقولون فصديقتها ستتدهور صحتها، نظرت لهم وقالت:
- أنا هدخل أعمل فشار عن إذنكم.
خرجت من الغرفة ودموعها على وجنتيها، تريد الصراخ بها وتقول لها:
- كفاكي من هذا الحب.
بداخل الغرفة تحدثت فاتن في بعض الأمور ومنة تهز برأسها وتنظر في هاتفها، حتى سمعت رنين وصول رسالة بهاتفها، فتحتها على الفور فكان الرد من أحدهم علي سؤالها..
- إنه من الشخصيات المحترمة، لا تقلقي، الأغبياء فقط من يقولون هكذا، لا تسمعي لأحد..
ابتسمت بسعادة وتحدثت بصراخ:
- شوفتوا أنا كنت عارفة أنه غير أي حد، هو كويس.
جاءت نور مسرعة من المطبخ وأمسكت الهاتف وقالت:
- لسة الباقي.
فرحتها قلت وتلاشت ابتسامتها، فنظرت لها فاتن ومن ثم نظرت لنور بعتاب وتحدثت:
- اطمني يا منة حطي إيدك على قلبك وشوفي هيقولك إيه؟
نظرت لها والدموع تنزل من عينيها، احتضنتها وقالت:
↚
- بيقولي هو كويس، ولو الدنيا كلها قالت إنه وحش متصدقيش، بس عقلي قلقان أنا تعبت.
وضعت نور يدها علي رأسها وقالت:
- خير يا عمري إهدي.
جلسوا معًا بعدما صنعت نور تسالي لهم يتناولونها، أصبحت الرسائل تأتيها واحدة تلو الآخرى، وجميعهم يشكرون في ياسين، اطمأن قلبها بل قلوب الجميع، انتفضت مرة واحدة وقالت:
- عيد ميلاد ياسين الأسبوع الجاي، لازم أجيبله هدية، يالا منك ليها هننزل دلوقتي..
هتفت نور بصدمة:
- لاء مش قادرة وبعدين هتجبيله إيه؟
فكرت منة كثيرًا وأصبحت في حيرة، ارتسمتْ على ثغرها علامات الضيق وقالت:
- أجيبله بوكس وفيه تيشرت و...
قاطعتها فاتن قائلة:
- هتجيبي مقاسه منين؟ وبعدين ممكن ما يعجبوهوش!
أجابتها والابتسامة تزين ثغرها:
- مقاسه وقلبي عارفه، اللي بيحب حد بيدقق في أدق التفاصيل بتاعته، وهكون متأكدة أنه هيحبه ودي ثقة.
ابتسمت فاتن لها بحب ومن ثم قالت:
- بس أنصحك تجيبي حاجة يفضل فاكرك بيها، التشيرت ممكن يتخن ويترمي.
همست بحب:
- عرفت هجيب إيه يالا ننزل بقى.
جهزوا أنفسهن وخرجن معًا إلى ذلك المول المحبب على قلوبهم، دلفوا لمحل الفضة، ومن ثمّ تحدثت منة قائلةً:
- أنا عاوزة خاتم يكون راقي.
أومأ البائع برأسه وجلب لها مجموعة من الخواتم، لم يحوزوا على إعجابها، نظرت لمجموعة أخرى فحاز على إعجابها أحدهم، يتميز بفصه البني الفاتح والنقش الأسود، وضعته بيدها لتقيسه ومن ثم قالت:
-هاخد دا.
نظروا أصدقاؤها وتحدثت نور بحيرة:
- منة دا خاتم ازاي عرفتي مقاسه، افرضي مجاش على إيده.
- هاييجي، عندي ثقة لأن إيده رفيعة أتخن من صوابعي بحاجات بسيطة.
- يالا بقى عاوزة أجيب البوكس والزينة وهروح أعمل مج ليه.
وبالفعل اتجهت نحو أستديو التصوير ودلفت إلى الداخل، نظرت يميناً ويساراً، رحب بهم صاحب الأستديو قائلاً:
- أهلا وسهلا بحضراتكم.
نظروا جميعهم وابتسموا له ومن ثم تحدثت بلهفة:
- أنا عاوزة أعمل مج سحري وأكتب عليه إهداء.
هز الرجل رأسه وأعطى لها ورقة وقلم، فنظرت قليلًا لتفكر فيما ستكتب، أمسكت بالورقة وكتبت:
- كل عام وأنت مبدع القلب والروح..
تركت الورقة مبتسمة وخرجت لتجلب البوكس الأحمر ومعه تلك الزجاجة المليئة بورق رسائل، وبعد وقت طويل ذهبت لمنزلها أخيراً، وانفردت بالهدية، رتبتها جيدًا وفتحت أوراق الرسائل وكتبت كل الأورق بكلمات الحب والعشق..
جلبت ذلك المج من الأستديو، بعد يومين كانت سعيدة، كل يوم تنظر للهدية بحب، كانت تتمنى أن تعجبه..
____________
مر أسبوع وها هو يوم مولده، هاتفته الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، لم يجبها مع العلم أنه يجيب على أي أتصالات آخرى، حزنت كثيرًا، فكانت تريد أن تكون أول من يهنئه بهذا اليوم، الجميع كتبوا له تهنئة، لكنها كانت تريد أن تكون مختلفة فكتبت...
- يا من تملك فؤادي!
يوم ميلادك أجمل ما في حياتي..
كل عام وأنت حبيبي..
يا سلطان قلبي هل أخبرتك أنك الأفضل، مع العلم إنك الأفضل..
أرسلتها له ولكن لم يرها، صنعت له فيديو وأرسلته على الواتساب ولكن لا تعليق منه.
هل يعاندها؟ أرسلت له علي الماسينجر قائلة:
- ياسين، ياسين، ياسين، ياسين... رد.. رد!
أخيرًا رد وقال:
- نعم؟
كتبت له بحب:
شوفت الرسالة وعاوزة أكلمك مش بترد.
أجابها في سرعة:
- مشغول هشوفها وهرد.
أرسلت له ملصقاً يوحي أنها توافقه.
ابتسمت بسخرية حزينة بداخلها، لكن أعطت له عذراً، نامت حزينة، مر الليل ببطءٍ شديد، استيقظت من نومتها صباح يوم جديد لتغير ملابسها وتجهز لتذهب له محتفلة بعيد مولده، فكرت في جلب جاتوه له، فهي تعتبر نفسها عائلته وحبيبته وكل شيء، تريد أن تراه سعيدًا.
خطر في بالها سؤال كيف ستقابله؟
في هذا اللحظة رن هاتفها وكان المتصل ياسين ردت عليه بسرعة:
- كنت عارفة إنك هتتصل بيا عشان عيد ميلادك، كل سنة وأنت حبيبي يا نور عيني.
رد عليه بحب وقال:
- حبيبة قلبي يا ناس وإنتِ طيبة.
السعادة غمرتها، تناست كل شيء، تحدثت بحب:
- أنا لابسة وهنزل أهو، تعرف أنك لو مكنتش اتصلت كنت هنزل وأركب وأجيلك وأسأل على بيتك في المنطقة اللي انت ساكن فيها وأسيبها مع البقال، المهم يكون عارفك، أو أروح الجنينة بتاعتنا وأسيبها مع الأمن.
↚
رد عليها بهدوء وقال:
- عشان كنت قطعت رقبتك.
تحدثت بحزنٍ طفولي، فقال:
- عشان مينفعشي ما يصحش عيب.
هتفت وهي تقفز من مكانها:
- طب هنتقابل فين؟
رد عليه بأسف:
- أنا مسافر يا منة أمي تعبانة.
- ألف سلامة ياحبيبي مالها؟
هذا ماقالته منة بقلق.
أجابها ياسين قائلاً:
- تعبانة شوية..
أردفت بحب:
- تمام يا حبيبي خلي بالك من نفسك، طمني على طنط وخلي بالك منها، هي ملهاش غيرك، يالا سلام يا عمري.
أغلقت معه الهاتف، وقامت لتجلس بغرفة الجلوس لتشاهد فلمها المفضل.
_________
مر أسبوع ولم يهاتفها، أصبحت ضعيفة من التفكير في حبها، علمت أنه جاء من السفر، قابلته في الشركة يضحك مع الجميع ويتجاهلها، سألته في موضوع خاص بالعمل وكانت تتحدث معه برسمية ولم يجيبها، ينظر لها بغيظ ويتركها.
- أهذا حب؟
- هل العشق قاتل؟
لمَ لأ نشعر بالتنفس؟
هل أنفاسنا تتعلق بمن نحب؟
كيف ذلك؟!
بعد يومين جلست بغرفتها تفكر في ياسين، أخذت قراراً بالبعد عنه، سمعت رنين هاتفها وكان المتصل ياسين، قفز قلبها، تسارعت دقاته، لم تقاوم وردت بضيق.
- ألوو نعم؟
رد عليها بضيق:
- مالك فيه حد جنبك؟
هتفت باقتضاب:
- لاء.
تحدث بغضب:
- أُمال أقفل يعني؟
تحدثت في سرعة:
- لاء بس أنا زعلانة منك، كنت متحمسة لعيد ميلادك وإنت..
قاطعها بحب قائلاً:
- بس أنا كنت مشغول ومسافر.
فعلت حركة بفمها كالأطفال وقالت:
- وأما كلمتك في الشغل زعقتلي.
أجابها على الفور:
- وإنتِ من إمتى بتقوليلي أستاذ؟ طول ماهتقوليلي كدا مش هرد.
ابتسمت وقالت:
- طيوب هنتقابل إمتى؟
- بكرة يا ست الساعة 2 الظهر في الجنينة، خدي أجازة وأنا مش هروح الشغل.
أومأت براسها فرحاً، أغلقت معه الهاتف وفتحت خزانة ملابسها واختارت بنطالاً وچاكت جينز وتشيرت منقوش برسمة فتاة وطرحة باللون الموف الغامق، جهزت كل شيء، ابتسمت كالطفلة الصغيرة، سعيدة بأول يوم مدرسة، نامت وهي تحلم بمقابلته..
_______
في صباح يوم جديد قامت وارتدت ملابسها، أخذت أجازة من عملها، هاتفته ليقابلها، ولكن لم يجب على الهاتف كعادته كما يعدها فقط، لم تفكر، نزلت من المنزل وركبت تاكسي واتجهت نحو الحديقة.
________
في منزل ياسين ظل هاتفه يرن، وهو نائم لم يسمعه بسبب أنه وضع الهاتف على عدم الإزعاج، رن أكثر من ساعتين حتى أفاق ووجد ثلاثين مكالمة منها، هاتفها لتجيب بصراخ:
- إنت فين؟ مش كل مرة بجد تعمل فيا كدا؟
تحدث بسعال جعل قلبها يتمزق:
- نص ساعة وهكون عندك سلام...
أغلقت معه الهاتف وجلست تنتظر ساعة آخرى، وجدته أمام الحديقة، دلف، وجدها تتحدث في الهاتف جلس بالمقعد وقال:
- بتكلمي مين؟
هتفت بحب:
- صحبتي وحشني جدًا جدًا.
- طيب.
هتفت بضيق...
- مش بكلم واحد يعني.
رد عليها بثقة:
- عارفة دا ولو بتكلميه مش هتكلم، لأني مش هحرجك، بس بعد ما تقفلي هتلقي حاجة مش هتعجبك.
ابتسمت بحب دون تعليق، ظلا يتشاوران بحب، صوت ضحكتهما يجوب أرجاء المكان، كلما نظرت في عينيه وضحت بحور العشق الصادقة...
______
مر شهر آخر، كان شهر المفأجات على الجميع، اتصلت إحداهن بها وكانت المتصلة ما هي إلا نورهان زميلتها تدعوها لحفل خطوبتها على ياسين قائلة لها بتخابث:
- مش تقوليلي مبروك، أنا وياسين بنحب بعض وخلاص خطوبتنا بعد شهر.
لم تقوم ما تسمعه، قلبها صرخ، دموعها حبيسة بعينيها، قالت لها بصوت متلعثم:
- مبروك.
أغلقت معها الهاتف لتسقط على أرضية غرفتها وتصرخ..
- لاء إنت أستحالة تعمل كدا واثقة في حبي...
↚
الفصل الرابع
الفراقُ عذابٌ يكسرُ القلوب.
والحب خدعة، تنهي العقول.
والبعد عقاب للعاشقين، فالروح تموتُ دون حبيب.
تتبخر الذكريات، ينهار كل شيء.
ترحل الثقة، ويأتي الشك.
وتتبدل السعادة بالحزن المكتوب..
انحفر القلب بالمحبوب، لكنه خائن لجميع الوعود، وأصبحنا في كذبة حب، وأنت سبب الخلافات، وأنا من يتحمل الانكسارات، أشكرك على هذه الخدعة، وأكرمك على جراح القلب...
قامت من مكانها وأمسكت هاتفها لتقوم، تضغط على قائمة الإتصال وتهاتفه، انتظرت بعض الثواني بعدم صبر، فكل برهة من الزمن تمر عليها بعذاب لا يقاومه غير العاشق، رد على هاتفه ليهدئ من توترها.
- ألووو إيه يا قلبي؟
سألته متلعثمةً:
- إنت هتتجوز نورهان؟
أجابها بثقة قائلاً:
- إنتِ هبلة صح، أتجوز مين؟ دي واحدة صايعة.
ردت ودموعها على وجنتيها تندفع كالشلالات، أصبحت عيناها حمراوان كأنهما تنزفان وكأن أسداً افترسهما.
- هي اتصلت وقالت ليا إن جوازكم بعد شهر.
ابتسم بسخرية وكأنه يطمئنها:
- دي كدابة، وهو أنا لو هتجوزها مش كُنت هقول للناس، منا محدد بقى، هي متغاظة منك عشان إنتِ أقرب صديقة ليا.
مسحت دموعها واطمأنّ قلبها وكأنها كانت تريد أن تسمع منه هذا الحديث، أغلقت معه الهاتف وهي مسرورة.
________
في منزل ياسين بعدما أغلق معها الهاتف.
كاد أن يموت، فدموعها غالية، لكن لم يفعل كل تلك الأشياء، تحدث مع نفسه قائلاً:
- أنا أسف يا منة، بس لازم أعمل كدا، هكرهك فيا بس مش بإيدي.
أمسك بمفكرته كالعادة وبدأ يكتب فيها لعل قلبه يشفى.
حبيبتي وبعد..
جرحتك لأنك ملاك أخاف عليها من الجميع...
أنا ذئب وأنتِ طفلة، أحببتيني أعلم.
ولكني كالوحش من الممكن أن أخونك.
أعلم أني وضعت على عينك الجميلة شريطاً أسود، ووضعتك في خدعة، تبحثين عن الحقيقة، لكني حولتها لعذاب، وكأني وضعتك في الهلاك وأنتِ كما أنتِ، ملاك، أطلب منك السماح، فأنا الحبيب الخبيث، غيرك لا تعلم للخبث عنوان...
________
في صباح يوم جديد على الجميع ذهبت منة للعمل، وجدت نورهان تجلس على مكتبها، استغربت وتحدثت لها:
- صباح الخير
ردت عليها ببرود قائلة:
- يسعد صباحك.
هتفت بحيرة وهي تضع حقيبتها على المكتب.
- عاوزة حاجة أصلي عاوزة أقعد؟
- لاء بس حبيت أوريكي حبي أنا وياسين والفستان اللي ادهوني، أصلك اتصلتي تتأكدي منه.
صدمة يليها عذاب، كيف يقول لها ما قالته؟ هل هذا حبيبها هو نفسه من دافع عنها؟ ذاك الذي يغير عليها من نفسه؟ من قال لها أنها سلطانة قلبه...
أخرجت نورهان هاتفها وفتحت الأستديو ودخلت على ألبوم صورهما هي وياسين وهما يضحكان معاً، صمتت منة ولم تتحدث لمدة كبيرة، وعندما تغلبت على حزنها قالت بسخرية وسرعة:
- تمام ربنا يخليكوا لبعض، أنا أكتشفت حاجة عن ياسين بس هخليكي إنتِ تعرفيها لوحدك، مبروك يا مرات أخويا، خلي بالك منه لأنه غالي عندي، يالا بقى عاوزة أشتغل.
ردت نورهان باستفزاز:
- يا ريت متقوميش بينا تاني، أنا مش عارفة إنتِ عملتيله إيه خليتيه مش عاوز يشوف وشك، بس لو بتحبيه أوي كدا و عاوزاني أقوله حبها أقوله وأسيبه ليكي.
نظرت لها بصدمة وأصبح وجهها أحمر من خجلها، ردت عليها بآخر ما تبقى من كرامتها:
- أنا قولتلك دا أخويا، وهو مش من النوعية اللي ممكن أحب أتجوزها.
ابتسمت نورهان وتركتها دون أن تعلق على حديثها، بينما منة فانهارت على مقعدها، لم تقاوم ما يحدث، أمسكت بورقة وقلم وبدأت تكتب إستقالتها، ومن ثم أخذتها إلى مكتبه وتركتها له بداخل ملف ليجدها عندما يصل، خرجت من الشركة وذهبت إلى بيتها منهارة من البكاء، هل هذه ذاتها صاحبة الابتسامة الرائعة؟ هل هي من تكره البكاء والحزن؟
وصلت أخيراً، دلفت إلى غرفتها وبكت كمن خسر وطنه وعائلته وكل شيء، دموعها تنزف بحرقة، عقلها توقف عن التفكير، أمسكت بهاتفها وكتبت رسالة لترسلها له وكان محتوها:
↚
- إنت أحقر إنسان شوفته في حياتي، عديم الرجولة بجد، إنت حيوان، متتجوزشي يا ياسين لآنه قاعد كله، سلف ودين، هيبقى في مراتك بنتك أختك قاعد، إنت بجد مت بالنسبة ليا، ليه تعمل كدا؟ أنا بكرهك، أنا يتقالي عاوزني أقوله حبها، لاء بص لنفسك وبصلي أوي، شوف إنت إيه وأنا إيه؟ إنت أناني، عشمتني بحبك، بتجري وراء مصلحتك، وكمان أنا بقيت خايفة على نورهان هي مخدوعة فيك..
تركت له الرسالة على الواتساب وعملت له حظراً على التواصل الأجتماعي، قامت لغرفة والدتها وارتمت بحضنها تريد الاحتواء والأمان، فالآن خسرت من كانت تشعر معه بالراحة والأمان، فهو كان خائناً ويرسم على وجهه علامات البراءة والوفاء، تذكرت كلمته عندما قال:
- أنا بكره المنافقين والكذابين، أصل هما مش هيموتونا، لاء لازم نقول الحقيقة دايما.
هل هو حقاً من قال هذا؟ يا الله! كيف أصبح هكذا يحب النساء ويفعل علاقات معهنّ ويكرههنّ في بعضهن؟ هل هو مريض نفسي وينتقم من جميعهنّ؟ تذكرت عندما كان حزيناً وقال:
- ازاي واحدة متجوزة وتيجي تقولي بحبك؟ يعني لو مطلقة هقول ماشي، لو أرملة ولا بنت هقول انها عاوزة تحس بالأمان، بس ازاي تخون؟
إنه من يكره الخيانة، كيف أصبح هكذا؟ أما أن كل تلك الأشياء كانت أوجه مصطنعة..
تحدثت والدتها المنفعلة على حزن ابنتها قائلة:
- منه لله، يحزن زي ما حزنك، قولتلك يا منة بلاش من دا، حب يكسر مش يقوي، دا أناني، هو عمل دا كله عشان من شهر كنت عاوزة أتكلم معاه وهو اعتذر بأعذار ملهاش لزمة، من ساعتها عرفت إنه بيلعب بيكي، قولتلك من ساعة ما حبيتي أكلمه تاني، قولت لا أما ييجي يخطوبني.
ودي كانت النهاية، الخيانة خانك وإنتِ مفكرتش تعملي زيه، منه لله حسبي الله ونعم الوكيل.
بكت منة أكثر دون حديث، تركت أمها ودلفت غرفتها، فتحت هاتفه، وجدت رسالة من رقمه الآخر يقول فيها بمسجل صوتي:
- أنا مش هغلط فيكي وأشتمك زي ما عملتي يا بنت الناس المحترمة، ومش هعمل زي ما إنتِ عملتي، مش هقولك غير شكرًا، دي تكفى، يالا أعملي بلوك من هنا كمان بس يا ريت متذكريش اسمي ولا تتكلمي عني تاني.
ردت عليه وكأنها تريد استفزازه قائلة:
- متخافشي، لأني مش هجيب سيرتك، إنت كنت مراهقة متأخرة وخلاص اتمسحت من العقل والقلب، إنت خنت الأمانة ورحت قولتلها على مكالمتي معاك.
بعت لها مسجل أخر وكأنه يريدها تُعد له:
- آه بعت أنا مش هنكر، بس شوفي إنتِ عملتي ايه؟ دا أنا قولتلك دي صايعة متصدقهاش، مش قولتلك ابعدي عنها؟ اشربي بقى.
أرسلت له عدة رسائل جميعها تحمل العتاب، لكنه لم يرد عليها، مر شهر شهران أو ثلاثة والخصام حليفهم، هو فتح شركة أخرى، علمت ذلك، وهي اشتغلت بشركة تعمل مع شركته، وكأن القدر يجمعهما ببعضهما، وكأن الحياة لا تريد تفرقتهما، لكن حدث عكس ذلك، كانت تجلس بغرفتها تتصفح صفحته كعادتها، استمرت في البحث سنة وراءها الأخرى ماضية، حتى وصلت لمنشور معين كتب فيه:
- سنة جواز كأنها سجن وسنة طلاق ومفيش فرق بينهم الأتنين سجن، حريتي مش واخدها، سنة حاليا في الشارع بلف فيه يمكن أحس بالحرية.
صدمات وراء بعضها، والحب أعمى والقلب لا يختار غير القاسي الذي يجرحه، كذبة أخرى، أصبحت تستقبل الجروح كمن يستقبل ملك الموت ليقبض روحه.
لم تعلق فهي ليس لها الحق فيه، خرجت من الصفحة ولم تبكِ ، أصبحت تلعن في نفسها.
_______
في منزل ياسين جلس ينظر في صورها، اشتاق إليها وإلى جنونها، حنيتها شغفها طفولتها، كل شيء.
- طفلتي كبرت وما عدت أنا حبيبها.
- تمردت بعد تركي لها.
- هل هي من كانت أحلامها اقتراب والآن أحلامها البعد عني؟
- أريدها، أشتاق إليها، أحبها، لا أعلم كيف جرحتها؟ بل جرحت نفسي.
سعل بشدة ولا يعلم ما أصابه، تذكر عندما مرض كيف كانت تبكي؟ كان لا يحدثها وهو مريض، لا يريد أن يضعف أمامها، فهو قوتها، وإن ضعفت قوته ضعفت وانهارت هي..
______
مر شهر آخر، علمت من مديرها أنها ستعود لشركة ياسين كضيف بعض الأيام لأسباب بالعمل، كيف؟ ذاك سيضعف قلبها، إذا كان تصفحها بآخر أخباره يجعلها تموت وتضعف، بالفعل ذهبت لشركته وكأن كل شيء عاد، ضحكتها تتذكرها، حزنها صدماتها، ماذا تفعل؟ هل تهرب؟ ها هو هناك يراها وينظر إليها لكنه لا يريد أن يتحدث معها، هذا هو رابط حبهم الفراق، ذهبت دون حديث معه، عملت بجد وتواصل حتى حصلت على مكانة أفضل الجميع، باركوا لها، انتظرت مباركته وقلبها يدق، تيقنت أنه لن يقول لكن عكس ذلك جاءها وقال لها:
- مبروك يا منة.
أجابت وقلبها يرفرف من السعادة، نعم سعيدة برغم كل شيء، تحبه وتشعر معه بالأمان حتى بعدما حدثُها أصدقاؤها ونصحوها، لكنها لا تتقبل كرامتها، تحافظ عليها، ولكنها تعهدت إذا اعتذر ستسامحه وكأن لا شيء حدث، قالت له متلعثمة:
- الله يبارك فيك شكرًا، عن إذن حضرتك.
تركته وذهبت لكنها وقفت عندما سمعت موظفتين تتحدثان مع بعضهما عن زواج نورهان، دلفت مكتبهما، سألت إحداهن قائلة:
- نورهان اتجوزت مين ياليلى؟
أجابتها ليلى بابتسامة تزين ثغرها:
- واحد زميلها كانت بتحبه من زمان!
ابتسمت بحزن وكأنها تجاملها ومن ثم قالت:
- سلمي عليها وبلغيها مباركتي.
ذهبت بصدمة أخرى، هل هي كذبت؟ ومن أجل من تجعل سمعتها وشرفها في التهلكة؟ لمَ كذبت؟ صداع يفتك برأسها، جمجمتها تتآلم، رآها من بعيد مريضة، قلبه تقطع عليها، يعلم ما يزعجها، ولكنه توقف وذهب لمكتبه.
بعد مرور أسبوع سمعت من الجميع أنه مريض وبالمشفى، أصبحت في هلاك بين معركة القلب والعقل، فأحدهما يحن والأخر يطالب بكرامته، هل ستذهب بالفعل؟
هاتفت صديقتها فاتن تأخذ رأيها قائلة لها والدموع بعينيها كأم تفقد والدها وبنت تفقد أباها:
- إيه يافاتن عاملة إيه؟
أجابتها صديقتها بقلق:
- الحمدلله يا قلبي مالك؟
هتفت بهسترية:
- ياسين تعبان يا فاتن، أنا هروح بس قولت آخد رأيك، قلبي بيحن وعقلي بيقول لاء، هموت لو حصله حاجة إديني الحل...
يُتبع ..
↚
الفصل الخامس (الأخيرة )
أنتَ قاسٍ، ولكني بريئة، برغم كل شيء أحن إليك، وأمرض لمرضك، أخبرني، كيف لي نسيانك والحب مليء في عينيّ؟ كيف أشفى من هذا المرض؟ أخبرني ،كن طبيباً وامنحني دواءً ليمحي فيروس حبك.
فأنا لم ولن أنساك، وستظل مكانتك في القلب تزيد، لم كل ذاك وأنت تكذب؟ ويوجد تضاد يبرز معنى حبنا، فأنا أكره الكذب وأنت تحبه!
وقفتْ تستمع لرد فاتن قائلة لها:
- متروحيش لأنك لو روحتي هتحني وهتنسي كل حاجة، هتضعفي قدام تعبه.
تساقطت الدموعُ من مقلتيها كالدماء، عيناها أصبحتا حمراوين، توترت من أجله، فلا يوجد رفيق له، عائلته سافرت، نورهان تزوجت، وكل تلك الأفعال التي فعلتها كانت مؤامرات لا تعلم سببها.
أين الأصدقاء هل هم متواجدون؟ وهل سيطمئنها؟ ردت وقلبها المتحدث كأنه تغلب على الجميع ،عقلها وأصدقائها :
- أنا هتعب لو مرحتش، هموت من القلق، مش إنتِ بتقولي أحط إيدي على قلبي وأشوف هيقولي إيه؟ حطيتها وقالي روحي إطمني على روحك عشان متندميش، أنا بعشقه أكتر من الحياة، ودايما كنت بقول لو أخر نفس ليا وهو محتاجه هديهوله، دا وعد له من ساعة ما جده وأغلى إنسان عنده مات، كان محتاجني ودا كان وعدي، إنتِ خايفة لحن صح؟ بس أنا بحن من زمان وأنا بشوفه قدامي لمجرد أنه يعلق على منشور لحد أنا علقتله ويجي ليا أشعار بإنه علق بحن، بحن لوجوده في الشغل، بحن لذكرايتنا، بحن لما بسمع ريكورداته اللي قايل فيها مش عاوز أعرفك تاني.
تحدثت فاتن بحزن قائلة:
- روحي يا منة، أنا بتمنى أنه يشفى ويشوف هو ضيع إيه من الغباء بتاعه.
أغلقت معها وابتسامتها تخفي حزنها، اتجهت للخارج في سرعة، ركبت تاكسي وذهبت إلى المستشفى التي أخبروها عنها، دلفت تسأل بهستيرية:
- ياسين اللي جالكم بتعب في صدره، فين الأوضة بتاعته؟
أجابها أحد موظفي الاستقبال قائلاً:
- ياسين مين يا فندم؟
تحدثت بتوتر، تناست كل شيء ولم تتذكر غير اسمه، قالت دون وعي:
- صاحب شركة الديكورات المشهور أكيد تعرفه.
رد عليها ببرود:
- في الرعاية يا فندم.
جلست على أقرب مقعد، دقات قلبها تتسارع وتصرخ، ليس بهذه السهولة، بدونك لا أعيش فأنت الحياة، أسرعت إلى غرفة العناية تصرخ بأن تتدخل، ولكنهم لا يسمحون، قال الطبيب لها:
- دا غلط يا آنسة ومينفعشي.
تحدثت بصراخ وهستيرية:
- هو محتاجني جنبه، محتاج يشوفني، بيصرخ باسمي، دخلني وهو هيقوم.
هتف بهدوء:
- مش هينفع دا خطر عليكي.
بكت بحرقة كمن يبكي على فراش الموت ويصارع مرضه:
- إنت لو مش دخلتني هتخسر روحين روحه وروحي، هو متعلق بيا وأنا متعلقة بيه، هو ممكن بدخولي تكسب روحه.
نظر لها متأثراً بحالتها، تحدث يطمئنها:
- إهدي، هو هيكون كويس، أنا هدخلك له 10 دقائق بس!
أومأت برأسها وتابعت الممرضة التي أشار لها الطبيب بأن تأخذها، دلفت لتجده نائماً بفراشه لاحول له ولا قوة، الأجهزة تحيط به وكأنه لا يريد الحياة، اقتربت منه لتسمعه يناديها:
- منة...منة..منة.
الدموع تساقطت أكثر، اقتربت منه، وربتت على يده وبدأت تتحدث:
↚
- أنا معاك اطمن، قولتلك إني عمري ماهسيبك طول ما انت محتاجني جنبك، أنا معاك، إنت سمعني؟ قوم عشاني وعشان أنا مش هقدر أعيش من غيرك، أنا ضعيفة من غيرك، إنت قوتي وضعفي.
وكأنه يسمعها ويريد أن يقوم ولكن المرض أكبر من الجميع، أغلق يده على يديها فابتسمت، وأردفت:
- كويس يالا فوق ليا يالا يا حبيبي قوم أنا عاوزاك، الأمان ميعرفش ليا عنوان في غيابك، قوم أتعصب عليا اضربني عقبني خاصمني بس مش تسبني، و...
في هذه اللحظة دلف الطبيب ليقطع حديثها قائلاً:
- حضرتك لازم تخرجي عشان مناعتك، هو هيكون كويس وهيحس بيكي لو قاعدة بره برده.
نظرت له دون أن تعلق على حديثه ونظرت لحبيبها وقالت:
- أنا هخرج بس معاك، إنت حاسس صح؟ قوم عشاني.
اتجهت لتخرج من الغرفة ولكن أوقفها صوته يقول بتعب:
- منة؟
إلتفت بسرعة لتجده يغمض عينيه ويقاوم ليفتحهما، أسرعت عنده وقالت :
- قلب وروح وحياة منة، إنت كويس؟
ابتسم بتعب وقال:
- الوحيدة اللي المفروض ماتجيش جت اللي وجعتها.
- ششش ماتتكلمش كتير، أسكت دلوقتي، هخرج وأخلي الدكتور يشوفك وهرجع تاني.
تحدثت مع الطبيب قائلة:
- طمني عليه أنا هخرج لحد ماتشوفه.
ابتسم مجاملة لها، خرجت هي ليبدأ بفحصه الطبيب، وبعد دقائق من هذا الروتين خرج مبتسمًا لها وهو يقول:
- حاليا هو بقى كويس، هنحطه تحت الملاحظة ساعتين لو فاق من الغيبوبة هنقله غرفة عادية.
هتفت بفرحة:
- شكرا لحضرتك تعبتك.
نظر لها وقال:
- حبك أوي وصادق وهيعيش عشانك إنتِ جميلة أوي.
ابتسمت له تجامله، جلست على مقعد الاستراحة تنتظر إنتهاء الساعتين.
_________
بداخل غرفته ظل يفكر بدموعها ولهفتها، كره نفسه أكثر، هل هي بالفعل ملاك من السماء وهو شيطان؟ مرت الساعتان كسنتين، يريد أن يراها، انتهى الوقت بالفعل وانتقل إلى غرفة عادية، دخلت وجلست معه، نظر لها وصمت وهي لم تنظر له وكأنها عادت لعقلها لتعدل بين القلب والعقل، ارتسم على ثغرها علامات الضيق من نفسها، قاطع صمتهم دخول الطبيب قائلاً:
- إحنا هنحطك يومين تحت الملاحظة، روتين عادي وتطلع، والف سلامة عليك، وياريت تبطل السجاير لآنها خلت صدرك بايظ خالص، ربنا مديك أمانة حافظ عليها لأنك هتحاسب عليها.
أومأ برأسه وابتسم له، خرج الطبيب لتتكلم منة قائلة:
- الحمد لله على سلامتك يا ياسين عن إذنك.
هتف بصدمة قائلاً:
- إنتِ وعديني انك مش هتسيبيني أنا محتاجك.
يذكرها بوعدها ولم يذكر نفسه بوعده، جلست دون حديث لكنه تحدث وقال:
- منة أنا أسف أنا....
هتفت وهي تقاوم دموعها وتضع كرامتها أمام قلبها قائلة:
- على إيه؟
- على حبك اللي راح، على عدم محفظتي عليكي بس غصب عني...
ابتسمت بسخرية وقالت:
- عذر أقبح من ذنبك اللي عملته، برافواا كام غصب عنك، بجد ضحكتني، أنا مش عاوزة أتكلم ولا أعاتب لآن العتاب للي بيقدروا، وغير كل دا إنت تعبان.
نظر لها وتحدث بعند:
- لأ لازم نعاتب بعض لو ليا خاطر عندك.
صرخت به بهستيرية وقالت:
- عاوز تعرف إيه يا ياسين؟ عاوز تعرف اني صحيت لقيت حبيبي كداب ومخادع؟ حب واحدة غيري وكان بيمثل عليا؟ طب عاوز تعرف إنه عمره ما صارحني إنه كان متجوز؟ عاوز تبني علاقة بكذبة؟ أي علاقة بيكون فيها ثقة وتكتشف مرة واحدة إن كان فيها كذبة عمر ما الثقة هترجع، لأن صفاء حبنا بقى فيه سم بيقتله، دا إنت خونت الثقة بعد ما قولتلك أنا عكس الناس، دا أنا بثق فيك زي ما بثق في أبويا وأخويا، دا أنا اعتبرتك أهلي وعزوتي وسندي وأبويا وأخويا وكل الناس، كنت مستعدة أبيع الدنيا كلها عشانك في الوقت اللي إنت كنت عاوز تبعني عشان مصلحتك، قدرت ليا حاجات كتير من اللي عملتها؟ لأ، كنت بتكذب وبتقول بقدر.
لديك جميع الحق محبوبتي، ماذا فعلت بكِ؟ أنهيت ابتسامتك، رد عليها بحزن على ما فعله:
- أنا خبيت عليكي عشان كنت خايف أخسرك ومرضتش أقولك قبل ما نحب بعض عشان كنت خايف لتبعدي ولما بعت نورهان كان عشان مخليش حياتنا وحشة، عشان خايف عليكي من نفسي، بس اكتشفت إني مش هقدر أعيش من غيرك.
هتفت من بين دموعها قائلة:
↚
- فكرني هضعف مثلا أو هصدقك؟ خلاص منة القديمة ماتت واتولدت واحدة متعرفش للحب عنوان، لآنه قاسي زيك ولآنك ممكن تبعني عشان إنت أناني، الحب إنت متعرفهوش مع إنك اللي علمتني معنى الحب، طب أقولك معنى الحب بطريقتك في الشعر والخواطر؟ كنت فاكرة إن قصتنا رواية قلبنا هو البطل الوحيد فيها، حاضر هقولهلك بطريقتك.
الحُب ياسيدي له معانٍ كثيرة.
أولها الثقة وعدم الكذب.
تعلم أن الحبيب يشعر بحبيبه.
هل رأيت حب العظماء؟
هل شهدت على جنون قيس؟
الحب أن تحارب من أجل محبوبتك، كما حارب عنترة من أجل عبلة.
واصلت كلامها وانتهت عما تقول:
- تحب أكملك ولا مش فاهمني؟ الحب أن أصرخ بحبي مش أخلي سر بينا، بس.
- محقة حبيبتي، أنا أعتذر لكِ عم فعلت.
- عد لقلبي فأنا بدونك كالميت.
نظر بالأرض لم يقدر أن ينظر لها، تحدث قائلاً:
- لو بتحبيني بجد سامحيني.
- سامحتك من زمان، الحبيب عمره ما يذل حبيبه زي ما إنت عملت، إنت قولت مش عاوز أعرفك تاني وأنا بنفذ طلبك، عن إذنك بتمنى ليك الشفاء العاجل.
خرجت من غرفته سريعا لا تعلم من أين جاءتها الشجاعة؟ لكن قلبها يريده، كانت تريد احتواءه، تريد أن ترتمي بأحضانه لكن عقلها من فاز بهذه الجولة.
بداخل غرفته ظل يكلم نفسه قائلاً:
- عارف يا منة إني السبب في كل دا، بس هرجعك ليا بعد ما شوفت خوفك عليا، هيكون سهل أرجعك.
________
مر أسبوع وخرج ياسين من المشفى، هاتف أحدهم واتفق معه على شيء ما..
ومن ثم ذهب إلى الحديقة المميزة لديهما وجهز بها عدة أشياء لتأتي هي ومعها صديقتها بالعمل التي طلب منهم ياسين أن يجلبها، عندما دلفت تذكرت كل شيء، ولكن استغربت من الزينة الموضوعة بالحديقة والبلالين واللوحات المكتوب عليها (بحبك يا معشوقتي) وأخرى (آسف) نظرت لهم والدموع تنزل من عينيها، وجدته في تلك اللحظة واقفاً أمامها وجميع الموظفين وأمها وأصدقاؤها معه، كان يحمل باقة ورد لها، نزل على قدميه أمامها وأخرج خاتماً من بذلته وتحدث بحنو:
- تقبلي تتجوزيني، أنا أسف لحاجات كتير، وبقولك قدامهم كلهم أني والله ماحبتش غيرك، سامحيني.
صرخ الجميع وقالوا بنفس واحد:
- سامحي ياسين يا منوش.
ابتسمت بفرحة، لم تقاوم أكثر، ستقف بجانب حبها لأنها تمت بدونه، أمسكت بالخاتم وقالت:
- موافقة لأني مليش غيرك ولآني مش هسمح لحد يلمسني غيرك، ومش هقبل أخون أي شخص لمجرد التفكير فيك، ولأني قولتلك قبل ما أنفصلنا إستحالة أتجوز غيرك الا إذا قدر حد يملك قلبي ويطلعك منه.
هتف بفرح يمزجها صدمة:
- كل دا حب ليا أنا أكثر إنسان غبي لآني كنت هخسرك.
ارتمت بأحضانه وتناست أن الجميع متواجدون وأمها تراها، لا يهمها غير الشعور بالأمان، فهو أصبح ملكها فقط.
ابتسم أصدقاؤها بفرح.
أمسك ياسين بالمكروفون وبدأ في الحديث:
- ياجماعة أنا بحب منة عشان هي أجمل حاجة حصلت ليا، يمكن عذبتها في حبي ليها وزعلتها مني وخبيت حبنا بس عشان كنت فاكر أنها زي أي بنت ألعب بيها، بس كنت بلعب بنفسي لدرجة أني خلتها بعيد عني خايف عليها، بس مقدرتش لآني بدونها بموت بحبك يا منة.
دموعها على وجنتيها تتراقص من الفرح واصل ياسين حديثه قائلاً:
-حبنا قوي..
لا يقدر أحد يفرقنا.
فالقدر حاول.
ولكن قلوبنا قاومت.
فالآن بطلة قصتي وأحلامي ستكون بجانبي، فهي الأم وأنا الابن، هي الابنة وأنا الأب، هي الأخت وأنا الأخ، هي كل شيء، عائلتي وجيراني وأصدقائي، لو خيروني في حياتي الثانية والله سأختارها فأنا لم أجد مثل عينيها وجمال ابتسامتها وطعم شفتيها وأحتواء حضنها، أصبحت ملكاً لي سأقبلها كل يوم بل كل ثانية لأشعر بالأمان ، لأني أجد نفسي معها فهي كالوطن تحتويني كالأم تحميني كالابنة، تفرحني، أنحني إليكِ وأقول لكِ أنتِ أجمل ما في الكون، عظيمة أنتِ كالملوك، تحياتي يا سلطانتي.
************النهاية**********