رواية ونسي في قلبي اديم وونس كاملة جميع الفصول بقلم ساره مجدي

رواية ونسي في قلبي اديم وونس كاملة جميع الفصول بقلم ساره مجدي

رواية ونسي في قلبي اديم وونس كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة ساره مجدي رواية ونسي في قلبي اديم وونس كاملة جميع الفصول صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية ونسي في قلبي اديم وونس كاملة جميع الفصول حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية ونسي في قلبي اديم وونس كاملة جميع الفصول

رواية ونسي في قلبي اديم وونس كاملة جميع الفصول

يجلس خلف مكتبه الكبير يراجع كل الأوراق التي أمامه بتركيز شديد … هو المسؤل الأول و الأخير عن أموال العائلة و عليه أن يقرأ كل ورقة و كل حرف
فرغم خلافه الكبير مع والدته و الذي على أثره ترك قصر الصواف لكنه لم يترك مسؤلياته كمدير لشركات الصواف .. و المسؤل الأوحد
هو أديم الصواف إبن عائلة الصواف الأكبر في عامة الخامس والثلاثون لديه أختان أصغر منه …. تزوجت الأولى من إبن عمه حاتم و الأخرى على وشك الخطبه من إبن عمه الأخر طارق
وهو أيضًا يعتبرهم أصدقائه الوحيدين لكن حاتم الأقرب إليه .. بسبب ثرائهم الفاحش لم يستطع أن يكون صداقات .. صدقات حقيقة دون البحث عن المصالح أو أن يحصلون منه على المال بشكل مباشر و غير مباشر
طرقات على باب مكتبه أخرجته من تركيزه و قال بصوت واضح
– أدخل
ليفتح الباب و دلف حاتم و هو يقول
– أنا لو بشتغل في السخره هتّْقدر أكتر من كده
ليبتسم أديم و هو يترك الأوراق من يده ثم وقف و دار حول المكتب ليقف أمام صديقه و إبن عمه و قال
– أنت بتتكلم عن قلة التقدير في مؤسسة الصواف يا حاتم .. يا ابني كل الموظفين متقدرين .. لكن أنت إبن البطه السودا .. أنت من عيله الصواف لازم تتمرمط يا حبيبي
ليرفع حاتم حاجبيه بأندهاش و صدمه .. و ألتفت ينظر إلى أديم الذي جلس على الأريكه الكبيرة و أراح ذراعيه على ظهرها واضعا قدم فوق الأخرى ينظر له بأبتسامه متسليه
وضع حاتم الأوراق التى بين يديه على المكتب بقوة و قال مازحاً
– طيب أنت ولي عهد الأمبراطوريه و لازم يطلع عينك أنا مالي
جلس على الكرسي و هو يقول آخر كلماته ليتنهد أديم و ظهر الضيق على ملامحه لكن حاتم قال سريعاً
– نفسي أعمل زيك و اسيب قلعه الصواف .. أنا بجد تعبت من كم التجمل و عدم التعامل براحه و حريه
أستند بذراعيه على ساقيه و قال بمرح
– يا ابني نفسي أمشي حافي .. ألبس شورت بس .. أدخل أخد دش و مسرحش شعري .. نفسي أكل فول وطعميه بالعيش البلدي .. و أغمس كده بأيدي مش كل حاجه لازم نعملها بالشوكه و السكينه
ليضحك أديم بصوت عالى و هو يقول
– بس كده أهرب يوم من سالي و تعالى عندي الشقه و أنا أخليك تعمل كل إللى نفسك فيه
ليعود حاتم يريح ظهره على الكرسي و قال بضيق مصطنع
– و هي سالي حد يقدر يهرب منها ..و ههرب إزاي من شاهيناز هانم السلحدار
تحولت الإبتسامه على وجه أديم إلى حزن و ضيق و قال
– أنت هتقولي .. المهم أنت كنت جاي عايز أيه ؟
ليقف حاتم سريعاً وهو يقول
– الورق ده محتاج توقيع رئيس مجلس الإدارة .. إللي هو حضرتك.
ليقف أديم و توجه إلى المكتب أمسك الأوراق من حاتم و بدء يطلع عليها بتركيز شديد ثم أبتسم وقال
– هو أنا نفسي أفهم براجع وراك ليه ؟
ثم أمسك القلم و وقع الأوراق و مد يده بها له و هو يقول
– أتفضل .. و سيبني أخلص إللي ورايا عطلتني.
ليضحك حاتم و هو يقول
– أنا مظلوم في العيله دي و الله الوحيد إللى بيعرف ياخد حقه في العيله دي هو طارق و الله
– طارق .. هو فيه زي طارق .. مش عارف إزاي قادر ياكل بعقل شاهيناز هانم حلاوه .. و دماغ نرمين كمان .. و في نفس الوقت بيعمل كل إللى هو عايزه
قال أديم بحيره و هو يجلس على الكرسي من جديد خلف مكتبه ليبتسم حاتم و هو يقول بحقد مصطنع
– أنا بقر عليه كل يوم .. بس القر ده مش جايب نتيجه تفتكر أحسده؟
ليضحك أديم بصوت عالى و قال مازحاً
– طيب ما نعمله عمل .. مالك يا حاتم قلبت على ست الحجه كده ليه؟ أمشي يا ابني شوف وراك إيه يلا خليني أخلص عايز أروح بقى
غادر حاتم الغرفة و هو يتحدث إلى نفسه و من خلفه أديم يضحك .. حاتم الوحيد القادر على إخراجه من إحساس الضيق و القادر على مواساته خلال فترة عمله بالشركه .. بالفعل إذا لم يكن حاتم معه لمرت تلك الساعات كالأعوام
*******
في قصر الصواف .. ذلك القصر الكبير الذي يشبه القلاع بأسواره العاليه و حراسه الذين يؤمنونه من جميع الإتجاهات، وفي بهو هذا القصر الكبير تجلس سيدة، حين تراها من بعيد تظن أنها فتاه صغيرة، ولكنها في حقيقة الأمر، هي كبيرة عائلة الصواف، والمتحكمه الأولى في كل فرد في تلك العائلة، السيدة شاهيناز السلحدار، أمرأة متسلطه من يوم تزوجت من علام الصواف وهي تتحكم بكل شيء، جميلة بشكل مميز، لكن الغرور أيضاً ينضح من كل نظره، وحركه، ويظهر ذلك أيضاً في حركة الخدم بالبيت،الصمت التام، لكن لغه العيون تتحدث بما لا يستطيع اللسان قوله خوفاً. وبعد وفاته كانت الكلمه الأولى و الأخيره لها، ولم يستطع أي فرد من عائله الصواف تكسير كلمتها إلا “أديم” أبنها الأكبر، وريث والده، و كبير العائلة من بعده، الذي كسر كل القواعد و غادر القصر رافضا الزواج من إبنة عمه الوحيدة كاميليا.
رغم أنه يعلم جيداً أنها تعشقه، و يعلم أيضاً أنها إنسانه رائعة ورغم ان والدته طلبت منه الزواج منها من الممكن أن يتزوجها هو بكامل إيرادته، لكن لأنها أوامر شاهيناز هانم السلحدار رفض بشده، و ترك قصر الصواف، لكنه أبداً لم يتخلى عن مسؤلياته تجاه المؤسسة ، وأيضا تجاه أختيه، سالي و نرمين.
سالي متزوجه من حاتم إبن عمه وصديق عمره، و هو دعم زواجهم بكل قوته و ذلك لأنه يرى في حاتم الرجل الحقيقي الذي يطمئن على أخته معه، لكنه معترض تماماً على أمر زواج نرمين من طارق، من الممكن أن تكون نرمين مغرمه به أو معجبه خاصه أن طارق شاب وسيم دنجوان، كثير العلاقات ويستطيع أن يجعل البنات تتعلق به كثيراً، بسبب حلو كلامه، وشخصيته القويه.
لذلك هو لا يراه منساباً ولكن إذا أمرت شاهيناز هانم السلحدار الأمر قد أنتهى.
*******
بداخل المطبخ الكبير لذلك القصر الضخم، تجلس السيده خمسينيه يبدوا على وجهها أثر الزمن و الشقاء، تشرف على عمل الفتيات بأهتمام و تركيز، فالخطئ ممنوع، و الأوامر لابد أن تنفذ دون نقاش أو تأخير
وبين يديها سبحتها الكبيرة التى لا تفارقها أبداً
أقتربت إحدى الفتايات وهي تقول:
– ست مجيدة كنت عايزه أجازه يوم السبت الجاي علشان أودي أمي المستشفى.
لتنظر لها مجيده بهدوء يعتبر جزء من شخصيتها:
– تاني يا نوال،مش كنتي لسه واخده أجازه السبت إللى فات؟
أخفضت الفتاة رأسها بخجل وقالت بصوت مختنق:
– ما أنتِ عارفة يا ست مجيدة أنا وحيدة أمي ، و عارفه كمان أنها مريضه، وأنتِ عارفه أن مفيش أجازات خالص، و كأننا في السخره.
تنهدت مجيدة بتثاقل فهي تعلم جيداً ما تقوله نوال، لكن ماذا تفعل في قواعد هذا البيت، لتقول بعد أن أخذت نفس عميق:
– هحاول يا بنتي، هحاول وربنا يسهل و الهانم توافق.
لتعود نوال إلى عملها وهي تدعوا الله أن يوفق السيدة مجيدة في أقناع شاهيناز هانم.
*******
تنزل درجات السلم بهدوء و بدلال طبيعي، شابه جميلة رقيقة في العشرين من عمرها بأبتسامة رقيقه ترتسم على ملامحها .. شديدة الجمال والفتنه، أقتربت من مكان جلوس شاهيناز وقالت بهدوء وهي تجلس على الأريكة القريبة منها:
– صباح الخير يا طنط، عاملة أيه؟
إبتسمت شاهيناز وهي تغلق الجريدة، ونظرت إليها بحب قائلة:
– أنا كويسة، أنتِ عاملة أيه يا كاميليا؟
لوت الفتاة فمها ببعض الضيق وقالت:
– حاسه بالملل، و نفسي أعمل حاجة جديدة في حياتي، أنا مش بحب قعدة البيت.
ظلت شاهيناز صامتة تنظر إلى وجه الفتاة التي تتمنى أن تكون زوجة إبنها ، وسوف تكون .. فلا أحد يستطيع أن يقف أمام رغباتها حتى أبنها الوحيد و كبير عائلة الصواف بعد والدة، إبتسمت إبتسامة صغيرة وقالت:
– عندنا بدل الشركة مؤسسة كاملة وأنتِ مش عارفة تلاقي حاجة تعمليها، من بكرة تنزلي تشتغلي مع أخوكي وولاد عمك.
إبتسمت كاميليا بسعادة وهي تقول بعدم تصديق:
– بجد يا طنط؟ بس تفتكري أديم، وحاتم هيوافقوا؟
لترفع شاهيناز رأسها بغرور وقالت بكل تأكيد:
– هيوافقوا متخافيش.
أقتربت مجيدة بخطوات ثابته وقفت أمامهم وقالت بأدب:
– شاهيناز هانم كنت عايزك أتكلم مع حضرتك في موضوع لو تسمحي طبعاً.
ظلت شاهيناز صامته تنظر إليها بغرور طبيعي، وكأنه جزء من شخصيتها ولدت به وتأصل في تفاصيل وخلايا جسدها.
لتقف كاميليا وهي تقول بأبتسامه رقيقة:
– أنا هطلع لنرمين، بعد إذنكم.
وغادرت لتقول شاهيناز بغرور:
– عايزة أية يا مجيدة؟
لعدة ثوان كانت تفكر مجيدة في الرد التي تعلمه جيداً والذي لم يتغير يوماً ولكنها لم تيأس يوماً من طلبه، ظفرت بهدوء وقالت بأدب:
– كنت عايزه استأذن حضرتك في أجازة لنوال يوم السبت علشان والدتها عندها جلسه كيماوي.
لترفع شاهيناز هانم حاجبها الأيسر بتعالي وغرور وقالت برفض قاطع:
– مجيدة أنتِ عارفة أن مفيش عندي هنا أجازات، البنت دي عايزة أجازة تصفي حسابها ومش عايزة أشوفها هنا تاني.
وقبل أن تجيبها مجيدة بشيء، وصلهم صوته وهو يقول:
– ليه هو حضرتك كنتي أشترتيهم من سوق العبيد، ده حتى أيام العبودية كان في رحمه، وشفقه، و تقدير للظروف، و أجازات من العبودية دي للراحه، طول عمري شاكك إنك ملكيش قلب، لكن دلوقتي أتأكدت.
تلونت وجنتي شاهيناز بغضب مكتوم، في حين كانت تنظر إليه مجيدة بسعادة، و أرتياح، أقترب أديم من مكان جلوس والدته وقال:
– الناس إللي شغالين في البيت هنا أصحاب فضل يا شاهيناز هانم، من غيرهم أنتوا كنتوا هتتعبوا، من غيرهم كنتوا هتقوموا بكل شغلهم ده بنفسكم، قوانين العمل كلها بتحدد عدد ساعات معينه في اليوم، وبتحدد يوم أو يومين في الأسبوع أجازة، مفيش حد بيشتغل كل يوم ولمدة ٢٤ ساعه ومن غير أجازات كمان.
ظلت شاهيناز صامتة تنظر إليه ثم قالت:
– أنا قولت لو البنت دي عايزة تاخد أجازة تصفي حسابها وتمشي، و أنت مش من حقك تقول أعمل أيه في بيتي، طالما خرجت من الباب ده وقررت تعيش بره أسوارة إللي بيحصل جواه مش مسموح ليك إنك حتى تتكلم فيه.
أبتسم أديم إبتسامة جانبيه وقال بثقة:
– عندك حق، وفي الحقيقة أنا مش جاي لحضرتك، أنا جاي لنرمين بس أهي فرصة علشان أساعد البنت الغلبانه إللي جار عليها الزمن وجبرها تشتغل هنا.
ثم نظر إلى مجيدة وقال بأحترام:
– من فضلك يا دادا لو البنت دي مصرة على الأجازة يبقى صفي حسابها حسب أوامر شاهيناز هانم وأديها عنواني هوفر لها وظيفه.
وغادر من أمامهم غير مبالياً صاعداً إلى غرفة نرمين تاركاً خلفه قلب يدعوا له أن يوفقه الله دائماً … وقلب آخر يحترق غضباً.
نظرت شاهيناز إلى مجيدة وقالت بغضب:
– البنت دي تمشي من هنا فوراً، مش عايزة أشوفها هنا خالص…. مفهوم؟
ودون أن تنتظر رد غادرت متوجهه إلى غرفتها يلحقها غضب شديد، وبركان لو أنفجر سيحرق الجميع دون رحمه، لتعود مجيدة إلى المطبخ وأخبرت نوال بكل ما حدث و كتبت لها عنوان منزل أديم الجديد، وربتت على كتفها وهي تقول بحنان أم:
– يا بنتي ربك كبير ، ومش بينسى حد، روحي مع والدتك الجلسة و بعد ما تطمني عليها روحي لأديم بيه على العنوان ده هيوفر ليكِ شغل أحسن من هنا بكتير.
أنحدرت دموع نوال بقهر، وذل وقلبها يدعوا على شاهيناز تلك السيدة الظالمة المستبدة التي لا يعلم قلبها شيء عن الرحمة أو الرفق.
~~~~~
صعد أديم إلى الطابق العلوي، لا يبدوا على ملامحه أي شيء لكن من داخله نار حارقة لا تنطفىء أبداً، فوالدته قادرة على تكدير يومه وقلبه رأس على عقب
طرق باب غرفة نرمين وفتح الباب حين وصله صوتها يسمح له بالدخول، بأبتسامه واسعه، وبعض المشاغبة قال:
– نيمو وحشتيني.
صمت وأختفت إبتسامته حين وجد كاميليا تجلس جوارها على الأريكه الكبيرة، لكنها إبتسمت برقة وهي تقول بحب واضح:
– إزيك يا أديم؟
دلف إلى الغرفة وأغلق الباب وهو يقول بود حذر:
– الحمدلله يا كاميليا، أنتِ عامله اية؟
– كويسة طالما شوفتك.
أجابته بصدق، ألم قلبه للحظة لكنه أبتسم إبتسامة جانبيه وهو يفتح ذراعيه لأخته التى ركضت إليه سريعاً وهي تقول:
– وحشتني اوى يا آبيه.
أغمض عينيه لثوانِ وهو يقول بشوق:
– وأنتِ كمان يا نيمو وحشتيني اوى.
إبتعدت قليلاً عنه وهي تقول بعدم تصديق:
– أنا مش قادرة أصدق أني شيفاك في القصر هنا؟ بجد وحشتني والقصر وحش أوي من غيرك.
توجه إلى الكرسي الكبير وجلس عليه ببعض الأسترخاء وقال:
– القصر هيفضل زي ما هو بكل إللي موجودين فيه عدم وجودي مش هيأثر فيه، المهم أنا جاي عايز أتكلم معاكي في موضوع مهم.
لتقف كاميليا وتوجهت إلى الباب لكي تغادر الغرفة وهي تقول ببعض الخجل:
– أسيبكم على راحتكم.
وخرجت وأغلقت الباب لتنظر نرمين إلى أديم وقالت ببعض الحزن على حالة إبنة عمها:
– ليه كدة يا أبيه؟ والله كاميليا بتحبك وطيبه أوي.
أعتدل أديم في جلسته وأستند بذراعيه فوق ساقيه وقال:
– أنا مشكلتي مع شاهيناز هانم مش مع كاميليا يا نرمين لكن هي إللي خلتها طرف فيها.
أخذ نفس عميق وأخرجه بقوة وأكمل قائلاً:
– خلينا في المهم، أنا جاي أتكلم معاكي بخصوص خطوبتك من طارق، عايز أقولك رأيِ بصراحه في الموضوع ده والقرار في الأول والآخر ليكي، وخليكي واثقة إني في ظهرك وهدعمك جداً.
قطبت جبينها بحيرة وبعض القلق، وظلت صامته تنظر إليه ولغة العيون هي ما تحكي كل ما بداخلهم حتى قال:
– طارق صحيح إبن عمي، وصديق عمري لكن أنه يكون جوز أختي لأ طارق علاقاته كتير شايف أنها تفاريح ومش مهمه، وشايف أن هو راجل ميعبوش حاجة، عادي يعرف بنت أو أتنين وكمان بتوصل لمراحل محرمه، يمكن يكون بيحبك بس مش هيكون مخلص ليكِ، هيفضل زي ما هو مش هيتغير، هتقدري تعيشي مع شخصيه زي دي ولا لأ ده بقى قرارك.
وقف ينظر إليها بحنان أخوي، وقال:
– فكري كويس وأنا معاكي فأي قرار…. وفي ظهرك وبيتي مفتوح لك في أي وقت
ثم أنحنى قليلاً وقبل أعلى رأسها وغادر الغرفة، تركها تفكر في كل ما قاله، كانت الدموع تتجمع في عيونها
كل ما قاله أخيها كانت تعرفه جيداً، لكن إن تسمعه من أخيها جعلها تقف أمام مرآة الحقيقة لتضرب أجراس الخطر، والتخبط داخل عقلها.
~~~~~
دلف من باب المكتب وهو يتحدث في الهاتف كعادته، ترك حاتم ما بين يديه ونظر إليه بتأمل وهو يتحدث مع إحدى فتياته يتغزل بها و يُسمعها أجمل كلمات الحب والعشق.
أنهى طارق حديثه ونظر إلى حاتم بابتسامة واسعة وقال:
– أيه يا ابني بتبصلي كده ليه؟
ليحرك حاتم رأسه يميناً ويساراً بتعجب وقال مبتسماً:
– يا ابني هو أنت مش بتشبع من البنات، أنت المفروض هتخطب بنت عمك و إللي أنت بتعمله ده مش عاجب أديم و ممكن يرفض إرتباطك بأخته.
جلس طارق على الكرسي المواجهه لمكتب حاتم وقال بأبتسامه جانبيه:
– شاهيناز هانم معايا، ومهما كان منصب أديم في الشركه ومكانته لكن وقوفه قدامها ومعارضته ليها بيضعف موقفه و بيخليه تقريباً ملوش كلمه.
قطب حاتم حاجبيه بضيق وقال:
– أيه إللي أنت بتقوله ده يا طارق، هو ده موقفك ورأيك في إبن عمك، و بعدين خد بالك أن نرمين أقرب أخواته ليه ولو أتكلم معاها هي نفسها هترفضك وكمان هي تقدر تقف قدام شاهيناز هانم عارف ليه؟ لأن عندها بيت أديم و تقدر ببساطة تروح تسكن معاه.
ثم أبتسم إبتسامة إستهزاء وقال:
– بلاش تراهن على الخسارة، نرمين تستحق إنك تكون مخلص ليها، و خليك فاكر حاجة مهمه جداً، نرمين الصواف مش هتقبل أبداً أنها تتخان.
ثم وقف و لملم أغراضه وتحرك في إتجاه الباب وهو يقول
– أنا نصحتك لأنك صديقي و إبن عمي بس أكيد أنت حر، والقرار الأخير طبعاً ليك.
و غادر الغرفة وأغلق الباب خلفه ظل طارق يفكر في كلمات حاتم وهو يشعر بأحاسيس مختلفة و مختلطة لكن ذلك الإحساس الذي خبئه طويلاً بداخله هو ما يغلب على كل أحاسيسه لذلك أخرج الهاتف وأتصل بشخص ما وحين أجابه قال:
– هبعتلك الحاجة النهاردة بس أنا عايز التنفيذ في أسرع وقت.
أبتسم إبتسامة إنتصار حين سمع إجابه محدثه ثم أغلق الهاتف و زفر بأرتياح.
~~~~~
داخل سيارته الفارهه عائداً إلى بيته يفكر في كل ما حدث وكيف أن حديثه مع والدته دائماً يصيبه بحاله من الحزن و الضيق، كم كان يتمنى أن تكون والدته سيدة بسيطه حنون دائماً تضمه و تهتم به و تراعي شئونه
ليست سيدة أعمال كل ما يهمها هو المال و المصلحه
أوقف سيارته أمام البنايه الكبيرة التي يسكن بها و ترجل منها و عيونه ثابته على ما يحدث أمام باب البنايه الكبير فتاه تقف مع حارس العقار تسأله عن عمل ملابسها بسيطه رغم ملامحها شديدة الفتنه أسلوب حديثها يملئه الرجاء و التوسل رغم أن صوتها كأوتار الناى تعزف ألحان شجيه و حزينه … يديها الصغيرة التى ترتفع برجاء أمام صدر الرجل الذي ينظر إليها ببرود، وردوده ثابت على أنه لا يوجد لها عمل هنا.
لم يتحمل فأقترب منهم بطوله الفارع، ووسامته المؤلمه للقلب و سأل الحارس الذى أوضح له الأمر لينظر إليها نظره خاطفه ثم قال
– أنا محتاج حد ينضف الشقه يا عم عبد الصمد
– بجد يا بيه
قالتها بعدم تصديق و سعاده كبيره ليبتسم إليها إبتسامه جانبيه ساحره و هز رأسه بنعم و تحرك و هو يشير لها أن تأتى خلفه لتبتسم هى بسعاده و لمعت عينيها بانتصار كل هذا تحت نظرات عبدالصمد الزاهله فمنذ متى يريد السيد نديم خادمه؟ رفع كتفيه بلا مبالاه وعاد يجلس على الأريكه الخشبيه، يتناول كوب قهوته مع صوت السيدة أم كلثوم.
كانت تقف عند الباب تنظر أرضا حين دلف هو و جلس
على ذلك الكرسي الكبير يتأملها بشكل تفصيلي جسدها النحيل و ملابسها البسيطه … قدميها الصغيرتين دقيقة الأنامل و شعرها المموج بشده و كأنه ليل غاضب، ثائر حول وجهها الدقيق، و كأنه يتمرد على رقة ملامحها بذلك التموج.
– واقفه عندك ليه … قربي.
قال كلماته بهدوء لترفع عيونها تنظر إليه ليعود يشعر بذلك الإحساس حين نظرت إليه بالأسفل و كأن عيونها كانت تحترق و تحولت تلك النيران لرماد لامع
تثير بداخل من ينظر إليها الحذر، الرهبه، والفضول .
تحركت ثلاث خطوات أخرى و قالت بصوت خجول
– تحت أمر حضرتك
وضع قدم فوق الأخرى و قال بأستفهام
– أسمك أيه ؟
– ونس .
أجابت بخفوت دون أن ترفع عيونها لتلمع عينيه بنظره هو نفسه لم يشعر بها فالأسم لمس قلبه و إحساسه القوي بالوحده، و رغبه قتلها منذ زمن في أن يجد الونس في من حوله، ويشعر بالراحه بجانبهم
– أقفلي الباب وتعالي أقعدي علشان نتكلم شويا سوا.
ألتفت إلى الخلف لتغلق الباب وعلى وجهها إبتسامه صغيرة أختفت حين عادت تنظر إليه ليشير إلى الأريكه المجاورة له وقال:
– تعالي أقعدي وقوليلي بقى أنتِ مين؟ و حكايتك إيه؟
أقتربت بخطوات صغيرة عيونها في الأرض … حركاتها تخطف نظراته، وتجعل روحه تهفوا إليها لا يعلم ما هو السبب ولماذا يشعر بهذا إلا أن ذلك الشعور يسيطر على كل حواسه التي لا تترك أي حركه ولو كانت بسيطه دون التمعن بها والأستمتاع بها أيضا
هل يعود هذا لكونه لم يرى سوا تلك الفتايات التي تتغير ملامحها من كثرة مساحيق التجميل، وتتحول أنوثتهم إلى شيء آخر يجعله يشعر بالتقزز من كثرة العري.
أنها ترتدي بنطال واسع وفوقه بلوزة طويله بأكمام وخصلات شعرها المموجه حول وجهها
جلست بهدوء تضم قدميها وفوق ركبتيها تضع يديها المتشابكه وعيونها أرضا لم ترتفع … ليقول هو باستفهام:
– ها بقى أحكيلي.
رفعت عيونها تنظر إليه وقالت باندهاش:
– أحكي أيه يا بيه؟
– أديم … أسمي أديم ومش بحب الألقاب، ولو مصره على الألقاب يبقى قولي يا باشمهندس … أحكيلي حكايتك، و سبب نزولك للشغل.
قال لها بحسم وقوة، رغم أن نظرة عينيه ليس لها علاقه بصوته الحاسم لتعود تنظر أرضًا وهي تقول:
– أبويا مات من سنتين وهو موظف حكومه ولسه موصلش للسن إللي يخلي ليه معاش، وبعد ما مات أمي شالت مسؤليتي أنا وأخواتي لكن من كتر الشغل جسمها متحملش وجه الدور عليا علشان أشيل مسؤلية إخواتي ومسؤليتها هي كمان.
أومىء بنعم وظل صامت يفكر لعدة دقائق كانت هي تنظر إليه دون أن يلاحظ أن ملامحه وهيئته تخطف الأنفاس، ودقات القلوب وكان هو في عالم آخر يفكر في كل ما يحدث حوله ويراه
من ثراء فاحش كحال عائلة الصواف، ومن فقر مُدّْقع كحال عائلة ونس وما يحدث معهم
وسؤال مُلح يدور داخل رأسه… لماذا هذا التوزيع الغير عادل يعلم أن هناك حكمه إلاهيه خلف ذلك هو يتكلم عن أفكار البشر الذين يشبهون والدته في الغرور، والتعالي، وإنعدام الرحمه والشفقه.
عاد من أفكاره ونظر إليها وقال:
– أنا مش محتاج منك غير إنك تنظفي البيت و تعملي أكل و بعد كده تقدري تروحي مش ملزمه بأكثر من كده.
نظرت إليه باندهاش، أين ذلك الغرور الذي يتسم به الأغنياء وكيف يكون بهذا التواضع
قطع أفكارها وهو يغادر الكرسي بكبرياء هو جزء من طبيعتة وأخرج من جيبه بعض الأوراق الماليه ومد يده بهم لها وقال:
– خدي دول وروحي وبكرة الساعه ٧ صباحًا تكوني هنا.
وقفت سريعًا وهي تقول بخجل:
– أنا لسه مشتغلتش علشان أخد فلوس.
أبتسم إبتسامة صغيرة جعلت دقات قلبها تتصارع دون إيراده منها، وقال بأصرار:
– ده جزء من مرتبك وكمان علشان لما ترجعي لوالدتك وأخواتك إيدك متبقاش فاضيه تجيبلهم حاجة حلوة حلاوة الشغل الجديد.
مدت يدها وأخذت المال وهي تتمتم ببعض كلمات الشكر وتحركت لتغادر إلا أنه ناداها لتقف مكانها مصدومه من وقع حروف إسمها على أذنيها بصوته
أقترب ومد يده بمفتاح وقال:
– ده مفتاح الشقه علشان لو جيتي وأنا نايم.
وعيونها معلقه بخاصته أومئت بنعم وهي تمسك المفتاح بأطراف أصابعها لتشعر بكهربه تسري في عروقها حين لمست أصابعه
وكان هو غارق في إحساسه الغريب الذي يشعر به لأول مره، هو لم يشفق عليها حين رأها تقف امام عبد الصمد تتوسله أن يجد لها عمل ولكنه أراد وبقوه أن يراها مجددًا أرادها أن تظل جواره لذلك ورغم رفضه القاطع أن يأتي أحداً إلى بيته ورفضه أيضًا لفكرة الخدم والحشم وعقدته من تسلط شاهيناز هانم على الفقراء ولذلك كان هو يقوم ببعض الأعمال المنزلية البسيطة كل فطره … لكن حين وقعت عينيه عليها بالأسفل حسم قلبه الأمر وقرر أن يجعلها قريبه منه.
حين غادرت وأغلقت الباب شعر لأول مره بالوحدة هو من عاش سنوات بمفرده خلال فترة دراسته، ومنذ ترك قصر الصواف ولم يشعر يومًا بذلك الإحساس الذي يشعر به الأن بعد أن ظلت داخل منزله لعده دقائق نظر إلى الباب وهو يتنهد وقلبه ينتظر على نار غدًا
وقفت هي خلف الباب بعد أن أغلقته تضع يدها فوق مكان خافقها تحاول تهدئة دقاته المتلاحقه كم هو وسيم، وجذاب يخطف القلب والروح والنظر.. أخذت نفس عميق مع إبتسامه صغيرة و تحركت لتغادر البنايه وهي تهمس (( إن غدًا لناظرة قريب))
~~~~~~
حين دلف إلى الغرفة وصلت إليه نغمات هادئه وناعمه جعلته يشعر بالراحه و السكون
(( يا لالا و يالالا يا ليل يا عين
ليلي ليلي يا عيني يا ليلي يا ليل
مغرم مغرم انا بيك على طول
و أنا صابر و صبري في هوايا دليل
ليل ورا ليل ولا دقت النوم
شوق و غرام لا عتاب و لا لوم
داري أنا داري حيرتي و مراري و أنت و لا داري
أنت إللى حبيتو و أنت إللى ناديتو
من بين الناس و أنا قلت خلاص
وأنت بتهواني و في يوم تنساني
وأنا دقت معاك طعم الإحساس))
رغم أن سالي تحمل الكثير من صفات شاهيناز هانم إلا أن بها جانب رومانسي رقيق يجعله يمني نفسه بأمل حتى لو ضعيف أن ينصلح الحال بينهم و تستوى علاقتهم
وحين بدء المطرب يقول
(( آه يا زمان يا زماني آه
آه من العين و اليل و ال آه
الصبر جميل قالوا في المواويل
و القلب يا دوب يا دوب يرتاح ليل
يا شوق مع صبري صباح
قادر تنساني طيب إنساني
صعب أنا أنساك و أنا روحي معاك
و أفضل أنا داري حيرتي و مراري
و أنت و لا داري ))
خرجت سالي من الحمام المرفق بالغرفة وهي بهيئه تخطف الأنفاس ترتدي غلاله حريريه قصيرة بنيه اللون والتي تظهر جسدها بشكل مميز ومثير وخصلات شعرها الذي تخطي ظهرها بالكامل ساقيها الطويلتين وقدميها الرقيقه بأظافرها المطليه باللون النحاسي المميز جعلت جسده يشتعل بنيران الرغبه و الشوق لكنه أبداً لن يظهر لها ذلك خاصه بعد ما حدث بينهم يوم عرسهم ليعود بذاكرته لذلك اليوم الذي يذكر نفسه به دائماً رغم عدم نسيانه بالأساس
حين دلفت إلى غرفتهم بعد عرس كبير حضره الكثير من رجال الدوله، ورجال الأعمال، والصناعه، ليصدم بها تقف أمامه بشموخ، وغرور يراه دائماً في زوجة عمه لكن ما صدمه وجرح رجولته كلماتها
– أوعى تفتكر إننا هيحصل بينا أي حاجة، أنا مش بحبك بس مامي قالت أن مصلحتي في الجواز منك إديني وقت أتعود عليك يا حاتم و على رسميتك و تقل دمك.
وتركته واقف في مكانه مصدوم ودلفت إلى الحمام حتى تبدل ملابسها و بعد عدة دقائق خرجت منه ترتدي منامه حريريه تتكون من بنطال طويل و فوقه قطعه مشابه لخامه البنطال لكن بلا أكمام.
ألقت الفستان على الأريكه و قالت بيرود وكأنها لم تجرحه منذ دقائق
– أنا جعانه أوى، تعالي يلا علشان تاكل.
ليرفع حاجبه بكبرياء وغرور وأقترب منها خطوه واحده وأنحنى ينظر إلى عينيها بأزدراء وقال:
– الملوك عمرها ما تاكل مع الجواري.
لتفتح فمها بصدمه، وعدم أستيعاب ليعتدل في وقفته وأكمل قائلاً:
– أسمعيني كويس يا بنت عمي وخلي الكلام ده حلق في ودانك، بعد الكلام إللي أنتِ قولتيه من شويه ده جوه الأوضة دي بالنسبه ليا أنتِ زيك زي الكرسي إللي أنتِ قاعدة عليه، براها أنتِ مراتي وقسما بالله لو حد عرف طبيعة علاقتنا أو قللتي من إحترامي قدام أي حد مش هرحمك.
جحظت عيونها بصدمه لتلاحظ نظرات الإزدراء، والحقد الذي يوجهها لها لتشعر بالصدمه
ليتركها ودلف إلى الحمام حتى يبدل ملابسه وبعد دقائق خرج وكانت هي على وضعها تفكر لماذا قال لها هذا هي فقط طلبت بعض الوقت حتى تعتاد عليه فهي لم تفكر فيه يومًا كزوج محتمل كانت تتمنى أن تتزوج طارق صاحب الكلام المعسول و النظرات التي تجعل أي أمرأة تشعر بقوة سحرها وأنوثتها … لكن إختيار والدتها كان حاتم وهي لم تستطع الإعتراض لماذا يقول لها هذا الكلام القاسي أليس من حقها طلب بعض الوقت، بعض الوقت فقط حتى تعتاد عليه.
توجه إلى السرير وتمدد عليه وهو يمسك هاتفه يعبث به دون تركيز وكلماتها تتردد داخل أذنه (( أوعى تفتكر إننا هيحصل بينا أي حاجه، أنا مش بحبك بس مامي قالت إن مصلحتي في الجواز منك أديني وقت أتعود عليك يا حاتم و على رسميتك و تقل دمك.)) تشعل ناره وتجعله يود أن يقوم الأن يفتك بها، وبكرامتها، وأنوثتها كما فعلت بفرحته، وقلبه، ورجولته، ومرت الأيام، و الشهور وها هم على وشك إكمال العام، الحياة بينهم على هذا المنوال تجاهل تام داخل الغرفة وكأن كل منهم يعيش بمفرده وخارجها يمثلان جيدًا دور الزوجين المحبين.
عاد من أفكاره ليجدها تقف أمامه و هناك قلق واضح على ملامحها وهي تقول:
– أنتِ كويس يا حاتم؟ مالك واقف كده ليه؟
رمش عدة مرات ثم قال ببرود:
– كويس، مفيش حاجة.
وتركها وتحرك وككل يوم يدلف إلى الحمام يأخذ حمام بارد جدًا حتى يطفىء نار رغبته في قربها خاصه وهي تتفنن كل يوم في إهلاك أعصابه، ومشاعره بكل تلك الأنوثه التي تظهرها بكرم بالغ يجعله يود أن يلقي كرامته، ورجولته، وجرح قلبه خارج باب غرفتهم و يتقرب منها زوجته، حبيبته، حلاله الذي حرم منه.
خرج من الحمام متوقع أنها قد دلفت إلى السرير لكنه صدم بها تجلس أرضًا جوار باب الحمام ليسقط قلبه أرضًا من كثرة الخوف ليجثوا على ركبته أمامها وهو يسأل يخوف:
– مالك يا سالي؟ أنتِ تعبانه؟
لتومىء بنعم و هي تمسك بيده تضعها فوق موقع خافقها وقالت:
– هنا واجعني يا حاتم، واجعني أوى.
لتعود غصه الألم التي لم تختفي يومًا وللحظه كاد قلبه يحن خاصه مع تلك الدموع التي تسكن عيونها ليبعد يده عنها بقوة وكأنه كان يمسك بجمره من النار ووقف سريعًا وكاد أن يبعد عنها لكن جحظت عينيه وهو يجدها تحاوط ساقه بذراعيها وتقول بتوسل
– ما تمشيش يا حاتم أرجوك … ما تمشيش.
لينظر إليها بصدمه، وزهول وكاد ينحني يوقفها على قدميها يضمها إلى صدرة بحنان لكن عادت كلماتها تتردد في أذنه جعلت شيطانه يتحكم بتصرفاته، و الإنتقام هو من يسود الموقف، فقال:
– معقول سالي هانم الصواف راكعه تحت رجلي بتتوسل إني أفضل جمبها، تصدقي عجبتيني ومستعد أسمعك.
إنحدرت دموعها وهي تنظر له بصدمه، وإندهاش رغم وجود نظرة التوسل التي تقطع نياط قلبه، لكنها قالت:
– مبسوط أني راكعه تحت رجلك، وفرحان، وراضي ؟ طيب هتسمعني؟
لم يعد يحتمل ما يحدث ولا يتحمل ذلها وإهانتها لنفسها … صحيح هي أهانته، وجرحت كرامته، ورجولته إلا أنه أبداً لن يقبل بذلها، وهوانها، و إن تتوسله بهذا الشكل ليمد يده لها بيد مرتعشه تركت ساقه و وضعت يديها في يديه وحين وقفت وكأنها كانت آخر قدراتها على التحمل فسقطت بين يديه مغشي عليها لينتفض قلبه خوفًا فحملها ووضعها في منتصف السرير وأتصل بطبيب العائلة وطلب منه الحضور و أتجه إلى الخزانه يحضر شيء أكثر حشمه يضعه فوق جسدها.
و نزل سريعاً يفتح له البوابه فهو لا يريد أن يشعر بهم سكان القصر ليطمئن عليها أولاً و بعد ذلك لا يوجد شيء مهم
كان يتابع الطبيب وهو يرتجف خوفًا ليس جسده ولكن قلبه الذي وسم بحبها منذ أصبح شاب وعرف قلبه ماذا يعني الحب وتلخص ذلك الحب في سالي
رفع الطبيب عينيه ينظر إلى حاتم ثم وضع أغراضه في الحقيبه و أشار له بأن يلحق به إلى الخارج
غادرا الغرفة وأغلق حاتم الباب ثم قال بخوف:
– طمني يا منير سالي عندها أيه؟
– ولا حاجة
أجابه بهدوء ليقطب حاتم حاجبيه وهو يردد خلفه
– ولا حاجة إزاي يعني؟ مش فاهم يعني أيه ؟!
هز منير رأسه بلا معنى وقال:
– يعني أنا لاقيت واحدة نايمة … غرقانه في نوم و مستسلمه ليه تمامًا
صمت ثواني ثم أكمل قائلاً:
– وكأنها بقالها سنين ما نامتش، أو أنها كانت مضغوطه وخايفة وماصدقت تطمن فنامت.
ظل حاتم صامت يحاول أستيعاب كلمات منير وهو ينتبه لما كان يحدث خلال الأيام الماضيه هو لم يلاحظ أبداً أي تغير عليها هل تكذب؟ أم تدعي المرض؟
لكن ما قاله منير يعني أنها كانت تعاني كثيرًا خلال تلك الفترة وغضبه منها وجرح كبريائه، وكرامته جعله لا يرى سوا جرح قلبه فقط
دلف إلى الغرفة ليراها مستسلمه للنوم تمامًا ولأول مره ينتبه لتلك الهالات السوداء التي تحاوط عيونها
لكنه أيضًا إنتبه أنه قد وضعها على الجانب الخاص به في السرير ليتوجه إلى الجانب الخاص بها و تمدد جوارها ينظر إلى وجهها الرقيق الذي يعشقه بجنون و كم حلم به وتمنى أن يكون جواره دائمًا لكن كانت الصفعه منها هي ولذلك كانت مؤلمه جدًا ولم يتحملها كبريائه ورجولته
أخذ نفس عميق وهو يضع يديه أسفل الوساده حتى ينام وقبل أن يتمتع بأستنشاق عطرها العالق بالوساده .. أصطدمت بشيء ليرفع رأسه وأمسك بذلك الشيء وأخرجه من أسفل الوسادة ليجدها مذكرات ورديه اللون يفوح منها رائحة مهلكته ليغمض عينيه وهو يملىء صدرة برائحتها التي أصبحت كالإدمان يذهب عقله و يجعله يطوف في محراب حبها متوسلاً
وبعد عده دقائق إستعاد إداركه ليفتح تلك المذكرات وجحظت عينيه وهو يقرأ ما خطته يديها فوق الأوراق الورديه
~~~~~
في صباح اليوم التالي وفي تمام السابعة صباحًا كانت تقف أمام باب بيته تنظر إليه بصمت تفكر هل عليها فتح الباب مباشرة أم تطرقه و تنتظر أن يفتح لها
لكنه أعطاها المفتاح حتى لا توقظه … أخذت نفس عميق ووضعت المفتاح بالباب وفتحته وطلت برأسها إلى الداخل ليقابلها الهدوء التام أخذت أنفاسها ببعض الراحه
مباشرة دلفت إلى المطبخ وضعت حقيبتها في إحدى الجوانب أرضًا… و بدأت في إعداد الطعام
ووضعته على طاولة الطعام ثم بدأت في تنظيف الصاله وقبل أن تنهيها تمامًا كانت تستمع لصوت خطواته وقفت تنظر إلى الممر بترقب وأنتظار لرؤية ملامحه .. لتشهق بصوت عالي وهي تلتفت إلى الجهه الأخرى سريعا تخبئ عينيها بيديها لينتبه لها وأبتسم بسعادة لكنه تفاجىء من موقفها لينتبه لنفسه وأنه يرتدي سروال قصير فقط وعاري الصدر ليبتسم بمشاغبه وعاد ببطء إلى غرفته .. لتلتفت هي ببطىء حتى تتأكد أنه رحل وحين تأكدت من هذا إبتسمت بخجل وعادت تكمل ما كانت تقوم به … حين عاد أديم وهو يرتدي تيشرت أسود على بنطال رمادي شعره الكثيف مبعثر وغير مرتب يظهر ساعديه حافي القدمين أثار النوم مازلت ظاهره على وجهه .. جعله يبدوا على هيئة رجل همجي خاص مع طوله الفارع وعضلات جسده الواضحه بشكل يخطف الأنفاس ظلت عيونها معلقه به ولاحظ هو هذا فابتسم إبتسامة صغيرة وهو يلقي تحية الصباح ثم جلس على طاولة الطعام يتناول طعامه وبعد عدة لحظات اقتربت منه وهي تقول ببعض التردد
– أستأذن حضرتك أدخل أنظف الأوض جوه.
رفع رأسه ينظر لها وقال بأستفهام
– فطرتي؟
قطبت حاجبيها وهي تتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة ليدفع الكرسي المجاور له قليلاً وأشار لها بالجلوس … لتقول هي ببعض الخجل
– كتر خيرك … أنا فطرت
– أمتى؟
سألها وهو ينظر إليها بتركيز .. لتقول ببعض التوتر
– مع أخواتي في البيت.
وتحركت من فورها لتغادر الصاله ودلفت إلى المطبخ تنتظر هناك حتى ينتهى من تناول طعامه .. أبتسم إبتسامه صافيه وتناول طعامه بشهيه كبيرة .. أنها المره الأولى منذ إنتقل إلى بيته الجديد يتناول وجبه الإفطار وبذلك الجمال أيضًا …أنها طباخة ماهرة
~~~~~~
لم يشعر بنفسه ولا بالساعات التي مرت وهو غارق بين سطور كلماتها
لم يتخيل يومًا أن كل هذة المشاعر بداخل سالي تلك الفتاة التي لا يختلف إثنان على سطحيتها وكم هي فتاة من الطبقة المخملية مئه بالمئه
لكن تلك الدموع الذي شعر بها بين سطورها وكلماتها أنات الألم واليأس في بعض الأوقات أحلامها البسيطة الذي لم يتخيل يومًا أن تكون داخل رأسها المغرور
كان كل دقيقة وأخرى ينظر إلى وجهها الجميل النائم باستسلام ثم يعود ويكمل قرأة حتى توقف على آخر صفحات قد خطتها يداها منذ زواجهم
(( النهاردة هتجوز حاتم مش زعلانه ومش فرحانه هو صحيح حاتم وسيم جداً وشيك جداً لكن تقليدي أوي .. ساكت معظم الوقت رغم أن ضحكته حلوه أوى خصوصًا لما بيهزر مع أديم وطارق … طارق هو ده رمز فارس الأحلام الحقيقي راجل شقي قادر يخطف قلب البنات … بس أنا هتجوز حاتم ))
قطب جبينه وهو يستعيد ذكريات تلك الليله بكل تفاصيلها … وكلماتها الجارحه … اخذ نفس عميق وأكمل قرأة
(( متخيلتش أن ليلة جوازي تكون بالشكل ده … أنا طلع معايا حق … حاتم مش فارس الأحلام ولا الشخص إللي كنت بتمناه أبداً ))
لاحظ أن هناك آثار للدموع فوق الأوراق … باقيه كتلك الكلمات التي ستظل إلى الأبد أغمض عينيه لثوان وهو يحاول الهدوء وتكمله قرأة
(( أكتشفت أنه منظم جداً وذوق جداً … بقيت بحب أوقاتنا في وسط العيله علشان بشوف ضحكته الصافيه وبفرح بحضنه ولمسة إيده لأديا … أول ما بندخل الأوضة بحس بالصمت والوحدة والخوف ليه منفضلش تحت على طول ))
طوى الصفحه سريعًا قلبه يتلهف ليعرف باقي كلماتها … خاصه بعد تلك الكلمات التي أثلجت صدرة وأشعرته ببعض الأمل
بدأت عينيه بأحتضان أحرف كلماتها في نفس اللحظة التي كانت طبول الشوق واللهفه تطرق بقوة داخل قلبه العاشق رغم كل شيء
(( أكتشفت أنه بيبتسم كتير وهو نايم و ديماً بيكشف الغطا عن رجليه … أكتشفت كمان أنه لما بيصحى بيفضل يبص عليا كتير عيونه فيها حب لكن بتتحول بعد كده وبتتملي بالحزن وأكتشفت كمان أنه شبهي في شويه حاجات زي أنه بياخد شاور الصبح وبليل … وبيحب يمشي حافي …. وبيحب اللون العسلي … نفسي أتأكد أنه بيحبني أنا كمان … الإحساس لوحدة والشك بيقتل))
رفع عينيه عن المذكرات وهو يحاول فهم كل ما قرأه وما أكتشفه والحقيقه التي أرتسمت أمامه رغم عدم إكتمالها إلا أنها قلبت موازينه ويحتاج الأن لترتيب أفكاره من جديد أغلق المذكرات وأعادها إلى مكانها .. نظر إليها من جديد ورغم تزاحم الأفكار إلا أنه شعر بحاجته للنوم فأخذ هاتفه وأتصل بأديم وحين أجابه قال
– أنا تعبان شويه يا أديم مش هقدر أجي النهاردة
أبتسم حين وصله رد أديم ليقول له بود
– أيوة يا سيدي عايز أعمل عريس عندك مشكلة
ليضحك بصوت منخفض حتى لا يوقظها حين وصله مزاح أديم ليجيب ببعض المرح
– بحب أختك يا ابني مش عارف أيه إللي مش مفهوم في الجملة دي وبعدين إتكل على الله علشان أختك نايمه
ضحك من جديد وقال بتأكيد
– يا ابني دي مراتي مرااااتي … سلام
أغلق الهاتف ووضعه بجانبه وتمدد جوارها وظل ينظر إليها بعشق حتى تسلل النوم إلى عينيه لتفتح هي عيونها تنظر إليه بأبتسامة رقيقة وقالت بهمس
– وأنا كمان بحبك يا حاتم … بس أصلح إللي بينا إزاي
وأغلقت عيونها من جديد وعلى وجهها إبتسامة رقيقة لكن عقلها لم يتوقف عن التفكير في طريقة لحل الأمر بينهم.
~~~~~~~
أغلق الهاتف مع حاتم و الإبتسامة ترتسم على ملامحه وبقلبه يدعوا الله أن يرزق نرمين أيضًا بزوج كحاتم حتى تكون بيد أمينه تذكر تلك التي تجلس بالمطبخ ليترك الهاتف وبصوت هادىء همس بأسمها
– ونس
سمع همهمة لم يفهما لكن بعد ثوانِ كانت تقف أمامه وهي تقول
– تحت أمرك
رفع عيونه إليها لتشعر بشيء من التوتر خاصة بشكله الغجري شعره المشعث، أكتافه العريضة العاريه وصوته حين ينطق أسمها كل هذا يجعلها تشعر أنها في خطر كبير جوارة … لكن كيف هذا وهي خادمته وهو إبن الصواف تلك العائلة التي تمتلك نصف المدينه وأسمها يتردد على كل لسان واللوحات الإعلانية بأسماء المشاريع الخاصه بهم تملئ الطرقات وأعلانات التلفاز
أخرجها من أفكارها حين قال
– تسلم أيدك تصدقي أن دي أول مرة أفطر فيها من يوم ما سكنت لوحدي
أبتسمت بخجل وقالت برقه
– ألف هنا على قلبك … طيب تحب تاكل أيه على الغدا بقى
أبتسم وهو يقول ببعض الود
– نفسي في طاجن بامية بتعرفي تعمليها
أومأت بنعم وهي تقول
– هترجع ان شاء الله تلاقي أحلى طاجن بامية
طرق بيديه على الطاولة وهو يقول
– ماشي يا ونس هنشوف
وغادر طاولة الطعام متوجهًا إلى غرفته لتلملم هي الطاولة … وهي تبتسم فها هي الفرصة على وشك الحدوث
~~~~~~
مساءً عاد طارق إلى القصر الكبير وهو يشعر بالسعادة لقد بدء أول خطواته للتخلص من أديم ويا له من شعور رائع ومميز
والأكثر تميز حين يراها تجلس بمفردها في حديقة المنزل فوق أرجوحتها المميزة تنظر إلى القمر بشرود
أقترب منها بهدوء وهو موقن من عدم شعورها به أو إحساسها بأقترابه منها لكنه واهم أنها في الأساس تنتظرة لابد أن تحسم الأمر ستواجهه بكل ما لديها من أدله تدينه بعيدًا تمامًا عن كلمات أخيها .. أنها أعقل من أن تقول له عن ما قاله أديم
– مش محتاج تمشي براحه وكأنك بتتسلل يا طارق أنا مستنياك أصلًا
وقف مكانه وأنمحت إبتسامته عن وجهه وهو يشعر بتغير نبرة صوتها، وأيضًا جديتها في الحديث
لكنه أقترب منها بخطوات ثابته حتى وقف أمامها لتقول بهدوء
– محتاجه أتكلم معاك شويه، وكمان محتاجه أسمعك يا طارق
ليقترب بثقه وثبات ويجلس جوارها … وهو يقول
– وهو فيه أحلى من الكلام معاكي يا نيمو.
لتبتسم بسخريه وهي تقول
– اه فيه يا طارق …في حاجات كتير حلوه من وجهة نظرك أنت ديمًا بتعملها .. زي دول مثلاً
ورفعت هاتفها أمام عينيه وهي تقول
– بيتهيئلي كلامك مع البنات دي و اللي بتعمله معاهم كان أحلى؟
كانت عينيه ثابته على صور المحادثات بينه وبين الكثير من الفتايات هو في الإساس لا يتذكر أسمائهم لكن الغضب أرتسم على ملامحه حين وقف وهدر بصوت عالي
– أديم مفبرك الصور دي … متصدقهوش يا نرمين ده عايز يفرق بينا
لتقف أمامه وقالت ببعض الإحتقار
– أولا مش أديم إللى بعتلي الصور دي … دي واحدة من عشيقاتك ووقتها كمان بعتتلي صوره ليك وأنت نايم جمبها عريان، ثانيًا بقى أديم يبقى أخويا الكبير يعني لو حتى حذرني منك أو كشفك ليا فهو بيحافظ على أخته وده من حقه.
صمتت ثوانِ لترى معالم وجهه والغضب يختفي من عليها ويعود وجه البشوش وعينيه التي تنطق بحب أيقنت الأن أنه كاذب .. ليقول بهدوء
– حبيبة قلبي ده طيش و مفيش واحده فيهم ليها مكان في قلبي .. وعلى أيدك أتوب وأمشي على الصراط المستقيم يا نيمو طيب قسمًا..
رفعت يديها توقف سيل كلماته وأبتسمت ببعض السخريه وقالت وهي تنظر له من أعلى لأسفل
– أوعى تقسم بالله كذب .. وبعدين أنا مش مستشفى ولا حتى مؤسسه دينيه علشان أتوبك وأصلح حالك .. أنا إنسانه من حقي أعيش حياتي بهدوء مع شخص يحبني ويكون مخلص ليا ويعيش علشاني مش يعيش علشاني وعلشان كل بنات الكوكب.
أقتربت منه خطوه واحدة وقالت من بين أسنانها وعيونها تنظر إلى خاصته بقوة
– أبعد عني يا طارق .. و إنساني علشان أنا عمري ما هكون واحدة من حريمك .. و أوعى تفكر أن شاهيناز هانم هتجبرني على الجواز منك .. أنا الموت عندي أهون من إني أكون مراتك وعلى أسمك.
وتركته وغادرت صاعدة إلى غرفتها تاركه خلفها طوفان من الغضب قادر على إحراق العالم بأثره
لكن متى خسر طارق الصواف … والأن سيكون هو الرابح الأكبر سوف يحصل على نرمين ويتخلص من أديم ويخفي ذكراه تمامًا ويخلق إسم جديد طارق الصواف
وقفت كاميليا أمام أخيها داخل غرفته بعد أن إستمعت لحديثه مع نزمين وبعد أن ظل بالحديقة لأكثر من نصف ساعة يحاول أن يهدء من نوبة غضبه وإحساس الخسارة والرفض يخنقون قلبه بغصه يرفضها هو شكلاً وموضوعًا …. تنظر له بضيق وهي تقول
-أنت كده خسرت نرمين يا طارق … نرمين محتاجه الحب والإهتمام والإخلاص بلاش تمشي وراى طنط شاهيناز هتخسر نرمين زي ما أنا خسرت أديم
-أنتِ مخسرتيش أديم وحياتك عندي يا كاميليا لجيبه لتحت رجلك هو إللي يترجاكي إنك تتجوزيه
قال كلماته بحقد واضح وغضب لتلمع عيونها بالدموع وهي تقول
-أديم مش شايفني أصلاً و أوامر طنط شاهيناز خليته يكرهني يا طارق … وأنا مش هقبل أبداً إني أتجوزه لا بالأمر ولا بالغصب
تحركت من أمامه ونظرت إلى الليل الذي يشبه حياتها مظلم وموحش وقالت
-أنا حبيت أديم علشان هو أديم الحنين الراجل المسؤل إللي كان بيهتم بيا وبيخاف عليا … لكن هو كان شايفني زي سالي ونرمين وعلشان كده أنا مش زعلانه منه … لأنه مش ذنبه أني صدقت كلام طنط شاهيناز ومأخدتش بالي إن الحب مش بالآمر
كان ينظر إليها بضيق شديد … ولم يعد يحتمل أن يظل صامت فأقترب منها وأمسك ذراعها بقوة وهو يقول من بين أسنانه
-أيه الضعف ده … إزاي تبقى أخت طارق الصواف وتبقى ضعيفه ومستسلمه كده لو عايزة أديم يبقى لازم تعملي كل حاجة وأي حاجة علشان يبقى ليكي ويبقى ملكك مش تستسلمي وتقولي مش ذنبه أنه محبكيش غصب عنه يحبك طالما أنتِ عايزاه يحبك … أنتِ فاهمه
قال آخر كلماته وهو يدفعها إلى الخلف لتشعر بالخوف لأول مره من أخيها ومن أفكارة التى تحمل الكثير من التكبر والغرور والحقد أيضًا أنه يصبح شبيه للسيدة شاهيناز السلحدار في كل شيء
ظل الصمت هو سيد الموقف لعدة ثوانِ حتى تحركت هي في إتجاه الباب لكنها وقبل أن تفتحه ألتفتت إليه وقالت
-الحقد والغضب عمرهم مكانوا بيسببوا السعادة يا طارق بالعكس نهايتهم ديما هي الخسارة … خلي بالك
ثم فتحت الباب وغادرت دون أن تسمع إجابته على حديثه لكن تلك الإجابة وصلت لها حين سمعت صوت تكسير بعض الأغراض في غرفته لتغلق عيونها بقوة وهي تقول بضعف
-ياريتني قادره أعمل زيك يا أديم أسيب البيت ده وأبعد بعيد عن كل الغضب والكره إللي عشش جوه القلوب وأقدر أبني حياة مريحه
نفخت الهواء بضيق وقررت أن تنزل إلى الحديقه بدلا من الذهاب إلى غرفتها .
~~~~~~~~~~
حين عاد أديم إلى البيت مساءً .. من أول خطوه داخل شقته شعر بلمساتها .. حتى أن عطرها كان يملئ أرجاء بيته .. أغمض عينيه وهو يتنفس ذلك العبير الأخاذ بعض من عطرها مختلط بمساحيق التنظيف المعطره بالأزهار المعروفه.. أغلق الباب وهو على نفس الحال .. وظل على وقفته لعدة ثوانِ ثم فتح عينيه ليجدها تقف أمامه تنظر له بأندهاش .. رفع حاجبه الأيسر وقال:
-هو أنتِ لسه هنا؟
أومأت بنعم وهي تقول بصوتها الهادئ
-أسفه يا بيه .. بس أنا لسه مخلصه شغل حالاً.
قطب جبينه من كلماتها .. لكنه أقترب منها عدة خطوات وهو يقول ببعض الضيق على حالها:
-أنا إللي أسف يا ونس .. تعبتك .. أنا عارف أن البيت مكنش نظيف خالص و
قاطعته وهي تقول بخجل
-ده شغلي حضرتك بتعتذر على أيه أنا في خدمتك ديماً .. كفايه معاملة حضرتك الكويسه معايا
أبتسم لها بود وعيونه تنظر في كل مكان وقال يمدح عملها
-بس بصراحه الله ينور .. أنا معرفتش الشقة من النظافة .. تسلم أيدك.
نظرت أرضا بخجل .. ليبتسم هو لذلك الجمال الطبيعي خاصة مع خصلات شعرها المتناثر حول وجهها بشكل غجري .. متمرد لكنه أنتبه من تأملها حين قالت
-أحضر لحضرتك العشا .. ولا أجيب لحضرتك شويه مايه سخنه لرجلك
ظهرت معالم البلاهه على وجه وهو يقول خلفها
-مايه سخنه؟! أيه شغل أمينه وسي السيد ده
وضحك بمرح وهو يكمل كلماته
-مش لايق عليا دور السيد أحمد عبدالجواد ده .. أنا مش مريض نفسي ولا راجل نسوانجي ولا عندي عقدة نقص وبعضوها بقهر الستات
كانت تنظر له بأندهاش .. خاصه من تحليله لشخصية سي السيد بدقه وبتلك الطريقة لكنها خرجت من أفكارها سريعاً وقالت
-يبقى هحضر لحضرتك العشا علشان أغسل المواعين قبل ما أمشي
نظر إلى ساعته وقال برفض
-لا أنتِ كده هتتأخري .. من فضلك بس جهزي الأكل على السفرة وروحي على طول وأنا هبقى أغسلهم
وتحرك من أمامها متوجهاً إلى غرفته ظلت هي واقفه في مكانها تحاول أستيعاب تلك الشخصية .. هل هذا حقا أديم الصواف .. الأبن الأكبر لعائلة الصواف .. من يدير أعمال عائلته .. ويمتلك نصف المدينه .
رفعت كتفيها بعدم إهتمام وتوجهت إلى المطبخ تعد الطعام حتى تعود إلى المنزل فوالدتها ستقابلها بسلاحها الفتاك بسبب تأخرها وفي الحقيقة رأسها لم يعد يحتمل
******************
في صباح اليوم التالي كانت نرمين تقف أمام والدتها بثبات وقوة .. ونظراتها تحمل الكثير من التحدي .. خاصه وهي ترى نظرات الشر المطله من عيون شاهيناز هانم التي لا تقبل الرفض أو الخروج عن طوعها لكن نرمين قد أخذت قرارها ولن تتراجع عنه .. لكنها الأن تشعر بالندم .. كان عليها أن تتصل بأخيها تطلب منه الحضور والوقوف بجانبها .. لكن لا يهم هي قادرة على مواجهة الموقف .. وخوض حربها بمفردها
-أنتِ قولتي أيه يا نرمين؟ قرار أيه إللي أخدتيه؟ ومن أمتى حد غيري بيقرر؟
قالت شاهيناز كلماتها بغرورها المعتاد ..لتقول نرمين بهدوء:
-ده كان زمان يا ماما .. لما كنا صغيرين .. ومصلحتنا حضرتك بس إللي تعرفيها .. لكن دلوقتي إحنا كبرنا وعرفنا مصلحتنا فين .. وأنا مش هتجوز طارق .. ولو كان فيها موتي .. وحضرتك تقدري تقري الفاتحه عليا من دلوقتي.
تتحداها بكل هدوء .. تصرخ في وجه تسلطها دون صوت مرتفع .. أن عدوىٰ تمرد أديم تنتقل إلى نرمين .. وعليها أن توقف كل هذا الأن
وقفت بهدوء وأقتربت من أبنتها وقالت بأقرار:
-بس أنت هتتجوزي طارق يا نرمين
إبتسمت نرمين أبتسامة صغيرة وقالت بهدوء رغم تلك النار المشتعله داخل صدرها
-أنا مش هعيش تعيسه علشان حضرتك قررتي أني أتجوز طارق .. أنا مش الست إللي تقبل تعيش مع راجل خاين .. ولا عمري هقبل بالقرف إللي طارق بيعمله .. أنا لا معيوبه .. ولا فيا نقص رغم أن مفيش حد كامل .. علشان أقبل بحته صغيرة من راجل … راجل قرر أنه يكون مباح لكل واحده رخيصه .. راجل قلبه وجسمه مبقاش فيهم مكان لأثر حد جديد .. أنا مش هتجوز طارق وده قرار نهائي.
وتحركت من أمام والدتها مغادرة البهو الكبير .. أيضاً قاطعه حوار سوف يمتد لوقت طويل .. فهي أكثر من تعرف والدتها .. أنها لن تتراجع عن قرارها .. وكلماتها القادمه سوف تحمل الكثير من التجريح .. وهي لن تتحمل الأن
وبالفعل كانت شاهيناز على وشك فتح القصه القديمة .. وقول ما سيجرح كرامة إبنتها ويكسر كبريائها أمام نفسها لكنها لم تتوقع قوة نرمين ولم تتخيل أن تقف أمامها بتلك الطريقة
وعند باب المكتب كان يقف هو دون أن يراه أحد أو يشعر به .. وأستمع لكل ما حدث .. فلمع الغضب الذي لا يهدء في عينيه .. وأخرج هاتفه وقال بصوت عصبي حين وصله صوت محدثه
-أنا عايز إللي أتفقنا عليه يخلص في أسرع وقت ده لمصلحتك قبل ما يكون لمصحلتي
*********************
في صباح اليوم التالي ومثل الأمس وقفت أمام الباب لعدة ثوانِ ثم أخرجت المفتاح من حقيبتها وفتحت الباب
حين دلفت كان الهدوء يعم المكان .. لكن هناك شيء مختلف عن الأمس .. باب الشرفه مفتوح على إتساعها .. هل أستيقظ؟ أم أنه نسيا الباب مفتوح منذ الأمس ؟ أقتربت من الشرفه بعد أن وضعت حقيبتها على إحدى الكراسي .. لكن صدمه كبيرة كانت تنتظرها حين دلفت من باب الشرفه .. أنه نائم على إحدى الكراسي الموجودة بالشرفه ممدد ساقه على كرسي أخر وفوق ساقه جاهزه اللوحي .. من الواضح أنه كان يعمل وغلبه النعاس فنام طوال الليل على هذا الكرسي .. أقتربت منه برفق وهي تنادي
-باشمهندس أديم .. أديم بيه
ولا حياة لم تنادي .. أنه لا يشعر بها ولم يستمع لها .. رفعت يدها تربت على يديه لكنه أيضا لم يظهر أي إستجابه للمساتها .. رفعت عيونها إلى وجهه وعقلها يخبرها أن هناك كارثه كبيرة قد حدثت .. وضعت يدها على جبينه لتجده كجمرة من النار .. لتلمح شفتيه بلونها الذي تحول إلى الأزرق .. لتشهق بصوت عالي وهي تركض خارج الشرفه ومباشرة لخارج المنزل
لم تستخدم المصعد ولكنها أخذت درجات السلم كلها ركضًا وبسرعه حتى وقفت أمام عبدالصمد وقالت
-أديم بيه
وتلك الكلمات كانت كافيه أن تجعله يتحرك سريعاً إلى المصعد ومباشرة إلى الشقه وهي خلفه
*********************
فتح عينيه ليجدها تجلس على السرير تحاوط ساقيها بذراعيها وعيونها شاخصه تنظر إلى شيء ما .. حرك حدقه عينيه ينظر إلى ما تنظر إليه ليجدها صوره زفافهم .. وكأنها شعرت به قد أستيقظ فقالت دون أن تنظر إليه
-كان يوم جميل جداً
قطب حاجبيه بعدم فهم .. لتكمل هي كلماتها:
-صحباتي كلهم بيحسدوني عليك .. ويوم الفرح كانوا هيموتوا عليك .. حتى أن واحده منهم قالتلي إنك كتير عليا.
أعتدل جالساً ينظر لها بأهتمام … ينتظر أن تكمل كلماتها .. لكن هناك دمعه أنحدرت من جانب عينها صدمته .. لكن كلماتها صدمته أكثر
-طول عمري لعبه في إيد ماما .. عروسه حلاوه زي ما أديم بيقول .. لكن محدش أبداً فهم سالي من جوه عامله إزاي ولا حد سألها مره نفسها في أيه؟
-سالي نفسها في أيه؟
سألها بهدوء لتنظر له بعيونها التى تلمع بسبب الدموع التي تملئها دون أن تغادرها .. وبعد عده ثوانِ قالت بصوت مختنق
-نفسي أتحب يا حاتم .. نفسي أتحب.
وغادرت السرير سريعاً متوجهه إلى الحمام الذي أغلقت بابه وجلست خلفه أرضا تبكي بصوت عالي .. وصله في مكانه ليشعر بالتخبط حقاً .. من هذه التي تبكي طلباً للحب .. ومن هي سالي الذي تزوجها .. هل هي تلك العروس الملونه التي تشبه الدميه والتي تحركها شاهيناز هانم بحركه من أصبعها .. أم هي تلك الفتاة الرقيقة بين طيات مذكراتها …. أم هي تلك الفتاة البريئه التى تتوسل الحب الأن .. من تلك المرأة الذي تزوجها .. وماذا عليه أن يفعل معها ولها الأن
*******************
منذ أمس وهي تغلق باب غرفتها بالمفتاح تبتعد تمامًا عن والدتها أو الأختلاط مع أي شخص ترتب أفكارها وتشحن قوتها .. وحتى لا تسمح لأي شخص بالدخول لها .. جلست على سريرها والهاتف على أذنها تتصل بأخيها تطلب منه العون .. ظل الرنين حتى فصل تماماَ لتقطب جبينها بحيره أن أديم لا يتأخر في الرد عليها أبداً فأعادت الإتصال به وحين شعرت أنه أستجاب إلى أتصالها قالت بلهفه
-أديم أنت فين ؟ مش بترد ليه؟
-أديم بيه تعبان والدكتور عنده.
قالت ونس كلماتها بصوت مختنق .. لتقول نرمين بقلق وخوف واضح
-أخويا ماله أيه إللى حصل؟ هو فين ؟
-في شقته
أجابتها ونس بصوت مختنق بالدموع .. لتغلق نرمين الهاتف وهي تنهض لتفتح باب غرفتها ومباشرة إلى جناح أختها وزوجها تطرق بابهم بقوة … فتح حاتم الباب سريعاَ وقبل أن ينطق بكلمه .. قالت
-الحق أديم يا حاتم .. ألحقه
لم ينتظر ليفهم .. ولكنه دلف إلى الغرفة من جديد ومباشرة أرتدى ملابسه وعاد إليها وهو يقول
-ماله أيه إللي حصل ما أنا كنت مكلمه أمبارح وكان كويس
لكنه أيضاً لم يهتم ليستمع إلى ردها وغادر مباشرة حين خرجت سالي من الحمام ولاحظت الباب المفتوح وخرج حاتم الذي لم يهتم لبكائها أو كلماتها لكن وقوف نرمين عند الباب لفت أنتباهها فأقتربت منها وهي تقول
-في أيه ؟
-أنتِ معيطه؟
سـألتها نرمين بصدمه .. وأقتربت منها وهي تكمل بأستفهام
-أنت متخانقه مع حاتم؟
هزت سالي رأسها بلا .. وقالت بصوت مختنق
-لا دي شويه هرمونات .. أنتِ إللي واقفه كده ليه؟ وحاتم راح فين؟
قصت عليها ما حدث لتقول بهدوء
-ومين البنت دي؟
لترفع نرمين حاجبيها بصدمه ولم تجيب على سؤالها لكنها أتصلت بحاتم وحين أجابها قالت
-أول ما توصل طمني عليه
أغلقت الهاتف بعد أن أستمعت لرده .. والتفتت تنظر إلى أختها بأندهاش ثم غادرت .. لم تهتم بكل ما يحدث ف هي كانت غارقه في أفكارها .. وشكها الذي سكن روحها …حاتم قد زهدها ولم يعد يحبها .. لقد خسرت لتغلق باب الغرفة وجلست خلفه تبكي بقهر وحزن وهي تقول
-أنا خلاص خسرت .. خلاص خسرت.
*******************
كانت تقف أمام باب غرفته تنتظر خروج الطبيب .. والذي يرافقه حارس العقار .. حين سمعت طرقات قويه وعاليه على باب البيت ركضت حتى تفتح لتجد شاب وسيم بشكل يصدم بنظارة طبيه فيه كثيرًا للممدد داخل الغرفه كان ينظر لها باندهاش والقلق يطل من عينيه فهمت أنه أحد أقارب أديم فأشارت إلى الغرفة وهي تقول
-الدكتور معاه جوه
ظل ينظر إليها باندهش لكنه تحرك إلى الداخل يطمئن أولا على أديم ثم يفهم من تلك الفتاة وما هي قصتها .. وماذا تفعل هنا فتح الباب ودلف إلى الغرفة وهو يقول
-خير يا دكتور
نظر إليه الطبيب وقال بهدوء
-دور برد بس شديد شويه.. من الواضح أنه أتعرض لهوا جامد
صمت لثوانِ ثم قال
-مين اللي قاعد معاه هنا علشان أقوله على تعليمات الدوا
كاد أن يقول أنه يسكن بمفرده لكن عبدالصمد قال
-ونس .. هناديها حالاً
وخرج من الغرفة ليقطب حاتم حاجبيه باندهش وهو يردد الإسم .. ثوانِ قليله وعاد عبدالصمد وخلفه تلك الفتاة التي فتحت له الباب .. ليقول الطبيب بهدوء
-أنتِ إللي عايشه معاه هنا
أومأت بنعم ليقترب منها حتى وقف أمامها مباشرة وقال
-الأدوية دي ياخدها في مواعيدها .. ويشرب سوايل كتير وأنا هعدي عليه كمان يومين .. بس لازم يفضل مرتاح ومدفي ودرجة حرارته هترتفع كمادات مع الأدوية هيبقى كويس.
وحيى حاتم بأمائه صغيرة وغادر وخلفه عبدالصمد الذي أخذ الورقه المكتوب فيها الوصفات الطبيه . ليقف حاتم أمامها وهو يقول
-أنتِ مين ؟ وبتعملي أيه هنا؟ وإزاي يعني عايشه معاه؟
رفعت حاجبيها بمكر ولمعت عيونها بدهاء لتجحظ عينيه بصدمه وهو يفهم الأن من هي وأحتدت نظراته لكنها قالت ببرائه:
-أنا بشتغل هنا .. وأديم بيه بيعطف عليا
أبتعد حاتم ينظر إليها بشك حين عاد عبد الصمد وبين يديه حقيبه بلاستيكيه بها الدواء لتأخذ ونس الحقيبه وتحركت في أتجاه أديم وبدأت في أعطائه الدواء .. أمسك حاتم بيد عبدالصمد ..وغادر الغرفة وحين وقف في منتصف صاله بيت أديم قال من بين أسنانه:
-مين البت إللى جوه دي؟ وبتعمل أيه هنا؟
ليخبره عبد الصمد بكل شيء .. ليقطب حاتم حاجبيه بحيره وشك .. لكنه كان يفكر هل من الصواب ترك أديم بمفرده مع تلك الفتاة وهو في تلك الحاله .. نظراتها لم تريحه .. ظل يفكر لعدة ثوانِ .. ثم أشار لبعد الصمد بالرحيل .. وأخرج هاتفه وأتصل بنرمين التي أجابت فوراً .. ليقول مباشرة
-ألبسي وهاتي معاكي هدوم وتعالي بسرعة على شقه أديم .. بسرعه يا نرمين
بدافع خوفها على أخيها .. أحضرت حقيبه صغيره ووضعت بها الملابس .. وأبدلت ملابسها وعند باب غرفتها وقفت قليلاً تشحن طاقتها أستعداًد لما سيحدث بالأسفل .. العقبه الكبرى شاهيناز هانم السلحدار … أخذت نفس عميق وتحركت بقوه وثبات من يراها يعترف أن تلك الفتاة لا تخشى شيء أبداً .. لكن لو تطلعوا إلى عمق عيونها لشعروا برتجاف قلبها بتجويف صدرها .. ولمس خوفها .. لكن لتنتهز الفرصه .. فرصه مرض أديم ولتغادر ذلك البيت الذي يخنقها ولتبتعد فتره عن ضغط والدتها .. وأيضاً بعيداً عن طارق .. طارق التي أصبحت تشعر تجاهه بالأحتقار وتشعر بالغضب من نفسها .. بسبب إحساسها الذي يملئ قلبها وتركض خلفه روحها ويؤكد عليه عقلها التي أكتشفت كم هو خاوي وتحتاج دائماً لمن يوجهها وينصحها ويفتح لها أبواب الحقيقة
كل هذا كانت تفكر فيه وهي تنزل درجات السلم في أتجاه البهو الخاص بقصر الصواف ومن مكان والدتها الثابت
وقفت نرمين أمامها وبهدوء شديد قالت:
-أديم تعبان وأنا رايحه أقعد معاه يومين لحد ما يتحسن.
وقفت شاهيناز عن الكرسي الخاص بها والذي يشبه كرسي العرش يتوسط البهو ولا يجلس عليه غيرها .. وقالت والشرر يتطاير من عينيها
-أنتِ بتلوي دراعي يا نرمين
رفعت نرمين كتفيها وهي تقول
-ليه؟ أنا بقول لحضرتك أديم تعبان وحاتم أتصل بيا وطلب مني أني أروحله علشان هو لوحده
-دي لعبه بتلعبيها أنتِ وأخوكي .. بس خدي بالك أنا مش هقبل أبداً بده .. وإللي قولته هو إللي هيتنفذ
ظلت نرمين تنظر إلى والدتها بيأس من أن تتغير تلك المرأة يوماً … أو تكون أم حقيقية لهم وليست شاهيناز هانم السلحدار كبيرة عائلة الصواف .. أخذت نرمين نفس عميق ثم رفعت يد حقيبة ملابسها وقالت قبل أن تتحرك لتغادر القصر
-حضرتك حره في أفكارك .. وكمان في قرارتك بس قرارتك في إللي يخصك يا أمي مش في إللي يخص حياتنا .. أنا رايحه لأخويا
وتحركت من أمامها لتشتعل عيون شاهيناز بغضب كبير لتمسك بهاتفها وبعد أن ضغطت على زر الإتصال ووصلها صوت محدثها قالت بأمر
-تعلالي حالًا
وأغلقت الهاتف وهي تتوعد الجميع
……………..
ظل حاتم جالس في مكانه على الأريكه في صاله منزل أديم يفكر .. هل هناك شيء خاص بين أديم وتلك الفتاة .. كما شعر من كلماتها ونظرات عينيها .. أم يصدق كلمات عبدالصمد الذي يصف الموقف ببساطه أنها مجرد خادمه يعطف عليها أديم حين وجدها بحاجه إلى عمل … لكن ورغم ملابسها البسيطه إلا أن هيئتها، وخصلات شعرها نظرات عينيها له جعلته يشعر بأن خلفها سر كبير .. أو شيء ما لكن قلبه لم يشعر بالراحه تجاهها
طرقات سريعه على بابا الشقه جعله ينتفض سريعًا حتى يفتح لنرمين التي يرتسم على ملامحها الكثير من القلق والخوف وحين وقعت عيونها على حاتم سألته بلهفه:
-ماله أديم فيه أيه؟!
ألتفت حاتم ينظر إلى الممر المؤدي للغرف ثم عاد بكل أهتمامة وقال:
-متقلقيش دور برد شديد .. بس أنا مطلبتش منك تيجي علشان كده
قطبت حاجبيها بعدم فهم ليقول هو بقلق واضح:
-تعالي معايا
وتوجه إلى ممر الغرف بعد أن أغلق الباب … سارت خلفه وهي تشعر بعدم الفهم .. لكن الصدمه حين وجدت تلك الفتاك المميزة بشعرها الغجري وعيونها الواسعه ترتب ملابس أديم في الخزانه .. لتنظر لحاتم بأستفهام لينظر إليها بأبتسامة صفراء وقال بهمس
-أتصلت علشان كده
ظلت تنظر إليه بصدمه وهي تحاول ترجمة الأمر .. لتنتبه ونس لهم فأغلقت الخزانه ونظرت في إتجاههم ليقول حاتم ببعض الغضب
-أنسه نرمين أخت باشمهندس أديم وهي هتفضل مع أخوها خلال مرضه .. تقدري تروحي
تراجعت ونس خطوتان للخلف بصدمه ثم نظرت في أتجاه أديم لعدة ثوانِ ثم قالت:
-تحت أمر حضرتك
ثم أمسكت حقيبة الأدوية وقالت
-دي الأدوية إللي الدكتور قال عليها وفي دوا هيتاخد بعد ساعه
أخذت نرمين الحقيبة من يدها لتغادر ونس مباشرة ودون أي كلمه لكن حاتم لحق بها ليراها تدلف إلى المطبخ وبعد عدة ثوانِ عادت وبين يديها حقيبة يدها ومباشرة في أتجاه الباب ليقول:
-ثانيه لو سمحتي
وقفت مكانها والتفتت تنظر إليه بهدوء ليقول هو ببعض التعالي رغمًا عنه
-مقولتليش ليكِ كام قبل ما تمشي
لتحتد نظراتها لعدة ثوانِ وأختفت سريعاً قبل أن يراها حاتم وعادت عيونها تنظر إلى الأرض وقالت بصوت مختنق
-خير الباشمهندس سابق .. كثر خيرك
وتركته وغادرت غالقه الباب خلفها .. ليشعر حاتم ببعض الضيق .. والقليل من الذنب لكنه أيضًا شعر بالراحه بعد رحيلها
……………………
عاد حاتم إلى البيت وكانت في إنتظاره شاهيناز الشرر يتطاير من عيونها وبمجرد دخوله من باب القصر وقفت شاهيناز وقالت بغضب
-لا أنت ولا البيه التاني تروحوا الشركه النهاردة وسايبين كل حاجة فوق راس طارق لوحده
أبتسم حاتم بجانب فمه وأخفض رأسه قليلاً ثم قال
-أديم عيان أنا لسه جاي من عنده … وسايب نرمين معاه علشان مش بيقدر يقوم من على السرير
وأقترب عدة خطوات أكمل قائلًا
-وأنا جاي أغير هدومي ورايح على الشركة .. الشركة إللي حضرتك بتنسي أني مش مجرد موظف فيها .. أنا شريك
نفخ الهواء من صدره بقوه … ثم قال
-بعد أذنك
وتركها وصعد إلى الأعلى الغضب يجعله يريد الأنفجار في أي شخص الأن … أن الصدمات تتوالى عليه منذ ما حدث مع سالي وقرأة مذكراتها وكلماتها له صباحًا .. وأديم وتلك الفتاة الغريبه التي أثارت بداخله الشكوك هل صديقه وأبن عمه الذي يعرفه كما يعرف نفسه يستطيع أن يفعل هذا .. أم أن عرق الغرور في عائلة الصواف نبض الأن وعمى بصيرته عن حقيقة الأمر .. وأنها مجرد خادمه تأتي إليه لتهتم ببيته فقط .. ظفر بقوه وهو يفتح باب الغرفة ليصدم بما رائه الغرفة كل شيء بها منقلب رأس على عقب .. وكأن أعصار قوي ضربها دون رحمه … أنقبض قلبه بخوف لا يعلم سببه وتحركت قدميه دون إرادة منه وعيونه تبحث عنها بخوف .. ليقف مكانه بعد أن تخطى السرير إلى الجهه الأخرى ليجدها تجلس أرضاً خصلات شعرها متناثره جوارها وبين قدميها المقص مفتوحًا الدموع تغرق وجهها جلس على ركبتيه أمامها بعد أن أغلق المقص وأبعده
-سالي مالك ؟! أيه إللي عمل فيكي كده؟ أيه إللي حصل؟!
وقال الأخيرة بعصبيه تصل حد الجنون من حالتها التي ألمت قلبه وجعلت جسده ينتفض بحميه ذكوريه من أن تكون شاهيناز قد تحدثت معها بما يسوئها .. لكنها شهقت بصوت عالي ليكتشف أنها كانت تكتم أنفاسها وأرتعشت نظراتها وهي تقول
-كرهتني يا حاتم خلاص … خسرتك … مش.. مش كده
قطب جبينه بصدمه وهو يحاول فهم مقصدها وسبب حالتها وأيضاً تلك الرعشه القويه التي تجتاح جسدها كل دقيقة وأخرى
وقبل أن يسألها سبب قولها لتلك الكلمات وجدها تمسك بيديه بقوه وهي تعتدل جالسه فوق ركبتيها
– يأست مني وزهقت صح … ناوي تطلقني وتسيبني … هو أنت بتحب نرمين؟!
لتجحظ عيونه بصدمه وهو يستمع لكلماتها التي تهزي بها ولكن الغضب سيطر عليه للحظة .. وأقترب منها يمسك ذراعيها بقوة وقال من بين أسنانه
-أيه إللي أنتِ بتقوليه ده ؟! أنتِ أتجننتي؟
-طيب ليه سيبتني وجريت بعد ما أتكلمت معاها .. حتى دموعي وكلامي معاك مهتمتش بيه
قالت كلماتها وهي تشهق من بين كل كلمه وأخرى … وأعتدلت تحاوط وجهه بيديها والدموع تغرق وجهها حتى أنه يشعر بأرتجاف جسدها ويشعر قلبه بالشفقه عليها .. وكلماتها زادت تلك الشفقة والحزن أيضًا
-أنا بحبك يا حاتم .. صدقني بحبك .. أنا أسفه عارفة إنك زعلان مني .. صحيح مش عارفه ليه بس أنت بعيد عني أنت مش معايا .. كلامك نظراتك .. أنا بقيت أتمنى أن العيلة كلها تبقى معانا هنا في الأوضة علشان تفضل تعاملني بحب وتضمني .. وعينك تضحك ليا ديماً … أنا أسفه .. والله أسفه يا حاتم
لم يتحمل قلبه كل ما هي به أكثر من ذلك ليجذبها بشدة إلى حضنه يضمها بقوة حتى كاد يسمع صوت تكسر عظامها بين ذراعيه .. وهمس بصوت هادئ حتى يطمئنها
-شششش أهدي يا سالي .. أهدي يا حبيبتي .. أهدي .. مفيش أي حاجة من إللي أنتِ قولتيها دي .. أنتِ مراتي وحبيبتي وبنت عمي .. أهدي دلوقتي وأوعدك هنتكلم في كل حاجة أنتِ عايزاه.
شعر بحركة رأسها الضعيفة بنعم … رغم صوت بكائها الذي لم يهدء .. لكنه ظل يقبل رأسها ويزيد في ضمها يغمض عيونه بقوه وكأنه يحاول تجاهل الألم الذي يشعر به داخل قلبه … أو أن يختفي فجأة لكن كيف وهو رأها على تلك الحالة هل دمرها كبريائة وكرامته الذكورية .. فتح عينية بعد عدة ثوانِ ثم حملها بين ذراعيه ووضعها على السرير ومازالت تخبئ رأسها في صدرة .. ولم تبتعد عنه ظل جوارها حتى شعر بجسدها يتراخى وتستسلم للنوم لكنه لم يبتعد عنها ظل يضمها بقوه وكأنها إبنته الصغيرة .. الذي يخاف عليها من الهواء
وعقله يفكر في حل لما حدث بينهم … ولكن أديم والشركة ماذا يفعل بهم .. أغمض عينيه من جديد لكن بأرهاق وهو يقول
-يارب .. يارب
……………………
مر يومان كانت نرمين تهتم بأخيها الذي يفيق لعدة دقائق يتناول القليل من الطعام وهو في حاله بين النوم والاستيقاظ ويعود مره أخرى إلى غيبوبته المؤقته التي فرضتها عليه إرتفاع حرارته .. كانت تشعر بالراحه في بيت أخيها بعيدًا تمامًا عن تحكمات شاهيناز هانم السلحدار وأيضا دون أن ترى طارق
طارق لوت فمها بعدم تصديق وهي تتذكر وقفته أمامها قبل مغادرتها لقصر الصواف بنفس إبتسامته المتسليه وتلك الغمزة بعينه اليسرى .. ثم رفع يديه لها بتحيه عسكريه ورحل .. هل يتحداها .. هل ستستطيع الصمود أمامه وأمام والدتها التي تدعمه بقوة ولا تفهم سبب ذلك أيضاً أحيانًا تشعر أن والدتها تحب طارق وتدعمة أكثر من أديم أبنها الوحيد كبير عائلة الصواف
أخذت شرفه من كوب قهوتها ثم أخذت نفس عميق وهي تنظر لذلك المنظر البديع التي تطل علية شرفة منزل أخيها حين جائها همسه ضعيفه من خلفها
-نرمين
التفتت تنظر إلى أخيها بصدمة وتركت الكوب من يدها وأقتربت تدعم وقفته عائده به إلى غرفته وهي تقول
-أيه إللي قومك من على السرير بس يا أبيه؟!
ساعدته ليتمدد على السرير ودثرته جيدًا ليقول
-هو أيه إللي حصل؟ وأنتِ هنا من أمتى؟
أخبرته بكل ما حدث لكنها تجنبت أن تقول أي شيء عن طرد حاتم لتلك الفتاة … لكن أخيها لم يسمح لها بذلك حين قال
-فين ونس؟! هي ماجتش النهاردة؟
صمتت ولم تجيب على سؤاله ليعيده مره أخرى بصوت أعلى جعلها تقول كل شيء ليقطب جبينه بضيق وقال بلهجة صارمة
-نادي عم عبد الصمد وناوليني التليفون بتاعي
أعطته التليفون وغادرت الغرفه حتى تنادي عم عبد الصمد كما طلب
خرجت من الغرفة وهي تشعر بالإندهاش من هذه الفتاة الذي يهتم بها أخيها لتلك الدرجة حتى أنه لم يسأل عن ما حدث معه .. أو سبب وجودها في منزله .. أخرجت هاتفها من جيب بنطالها وحاولت الإتصال بحاتم لكنه لم يجيب على أتصالها لتنفخ الهواء بضيق .. ثم توجهت إلى الباب حتى تنادي على حارس العقار
كان هو الأخر بالغرفة يحاول الإتصال بحاتم لكنه لم يجيبه فاسبه بصوت منخفض وألقى الهاتف جانبه .. وهو يريح رأسه التى عادت تضرب بقوة بألم جعله يآن بصوت منخفض .. أغمض عينيه علها تهدء قليلاً حين وصله صوت طرقات على الباب وبعدها دخول عبدالصمد الذي قال
-ألف سلامه عليك يا أديم باشا
فتح أديم عينيه شديدة الحمره وقال بصوت منخفض ومجهد:
-الله يسلمك يا عم عبدالصمد .. أنت معاك رقم ونس
نظر الرجل إلى نرمين ثم عاد بنظرة لأديم الذي رفع حاجبه بشر .. ثم قال
-لو الرقم معاك ومقولتليش دلوقتي أنا هعرف أجيبه لكن أعمل حسابك أن ده هيكون أخر يوم ليك هنا في العمارة
عاد عبد الصمد ينظر إلى نرمين ثم نظر إلى أديم وقال:
-لأ معايا يا باشا طبعًا .. هي أديتهولي وهي مروحه إمبارح .. كانت بتعيط وقالتلي لو لقيت حد محتاج خدامة أتصل بيها
ليغمض أديم عينيه بقوة والغضب بداخله تجاه حاتم يتضاعف .. لكنه أخذ نفس عميق ثم قال
-قولي الرقم
كتبه خلف عبد الصمد على هاتفه وأشار له بالرحيل .. ظلت نرمين واقفه مكانها تنظر لأخيها الذي يضع الهاتف فوق أذنه تحاول أن تفهم ما أهمية تلك الفتاة لدى أخيها ولماذا كل هذا الغضب بداخله بسبب غيابها وأصبح السؤال الأهم والأخطر يدور في رأسها هل هناك شيء خاص بين أخيها وتلك الفتاة؟ هي لن تنكر أن الفتاة جميلة بشكل مميز شعرها الغجري الذي يحيط وجهها .. وعيونها التي تلمع ببريق قوي يخطف كل من ينظر إليها وملامحها المحددة وكأنها رسمت بريشة فنان موهوب .. لكنها مجرد خادمة آآ من الممكن أن يكون أخيها قد وقع في فخها .. شعرت بالضيق من مجرد التفكير لكن موقف أخيها الأن ليس له تفسير غير هذا
أنتبهت من أفكارها على صوته حين قال:
-ونس
صمت لثوانِ لكن نظرة الغضب في عينيه قد أختفت .. وأختفت عروق وجهه التي كانت تبرز بقوة .. ليقول من جديد:
-انا أديم الصواف
صمت مرة أخرى لعدة ثوانِ ثم قال ببعض الضيق
-أنا عرفت إللي حصل .. وبعتذر جداً ليكي .. ولو معندكيش مانع أنا منتظرك من بكرة علشان ترجعي شغلك
صمت لثوانِ لكن في تلك الثوانِ القليلة تقلبت ملامحة بين الإنتظار والضيق .. ثم الإبتسامة ببعض الإرتياح خاصة حين قال:
-خلاص أتفقنا .. منتظر أفطر من أيدك بكرة .. مع السلامة
أغلق الهاتف ووضعه بجانبة .. ظل الصمت هو سيد الموقف بعد تلك المحادثة الهاتفية لكن نرمين لم تستطع الصمت أكثر من ذلك فأقتربت منه وجلست على السرير أمامة وهي تقول بأستفهام يغلفه بعض العصبية
-أنا ممكن أفهم أيه أهمية البنت دي علشان تديها كل الإهتمام ده يا آبية .. دي مجرد خدامة حاتم حس أنها مش مُريحة فمشاها
كان الغضب يرتسم على ملامحة مع كل كلمة تقولها وحين أنتهت قالت بصوت ضعيف رغم حدته
-هو غرور وجبروت عيلة الصواف ده ملوش حدود .. حتى أنتِ وحاتم
صمت لثوانِ لكن نظراته الحادة لم تهدء لحظة لكنه أكمل قائلاً بقوة
-ثم مين سمح ليكي أو لحاتم أنكم تأمروا وتنهوا في بيتي .. ده مش قصر الصواف .. ده بيت أديم وأنا الوحيد إللي ليا الحق أني أقرر مين يقعد فيه ومين يمشي
تجمعت الدموع في عيون نرمين وهي تقف تنظر إليه بصدمة قائلة
-يعني أنت مش عايزني هنا يا آبية؟!
ظل صامت لعدة ثوانِ حتى شعرت أن قلبها قد سقط في قدميها لكنه قال بهدوء
-ده بيت أخوكي يا نرمين .. يعني بيتك .. وأهلًا بيكي في أي وقت .. لكن
-لكن!
رددت خلفه بصدمه .. ليكمل بنفس الهدوء
-لكن هنا مش قصر الصواف .. هنا مفيش الغرور والتعالي … هنا مفيش التسلط والتجبر .. لازم تبقى عارفه أني مش هقبل منك أي معاملة سيئة ل ونس ومش معنى أن ظروفها حكمت عليها أنها تشتغل في البيوت ده يدينا الحق أننا ندوس عليها بجزمتنا .. بالعكس إحنا لازم نحترمها ونحترم مجهودها وتعبها ده
ظلت تنظر إليه دون أن تتغير تعابير وجهها لكنها كانت تفكر في كلماته … تعلم أنه محق لكنها وبدون إيرادة منها تشعر بالغضب من تلك الفتاة … تلك الذي أخذت تفكير أخيها حتى أنه لم يهتم لسؤالها عن حالها وماذا فعلت في أمر طارق .. أو حتي يهتم لصحته … جحظت عيونها بصدمة وإدراك حين أكمل كلماته قائلاً
-تخيلي كده يا نرمين لو أنك مش من عيله الصواف .. وكنتِ من عيلة فقيرة .. وعندك أخوات محتاجين أكل وشرب وعلاج .. وأب أو أم تعبانين ومحتاجين علاج … كنت هتعملي أيه؟ .. ولو حكمت عليكي الظروف أنك تشتغلي في البيوت أو عند حد .. تحبي الناس تعاملك إزاي
صمت حتى يترك لها المساحة حتى تفكر في كلماته تدرك معناها جيدًا .. ثم أكمل بعد عدة لحظات
-أنا بس كل إللي طالبه منك إنك تحسي بغيرك .. وتعرفي أن كلنا بشر .. مش علشان هما فقرا يبقوا أقل مننا .. في فقرا بس عندهم حاجات أنا وأنتِ ندفع كل إللي نملكه علشان يبقى عندنا زيهم .. عندهم حب الأسرة .. عندهم أب أمان وحماية وأم حنينة وحضن كبير .. عندهم أحساس بالآخرين .. عندهم مشاعر يا نرمين مشاعر خارجة من قلوبهم من غير إنتظار مقابل ولا فيها زيف علشان المال والمصالح.
كانت دموعها تنهمر فوق وجنتيها وهي تستوعب كلمات أخيها وأفكارة .. أخذ هو نفس عميق ثم قال بهدوء
-خليني أرتاح شوية ولما أصحى نقعد مع بعض … علشان تقوليلي عملتي أيه مع طارق
أبتسمت أبتسامة صغيرة وهي تومأ بنعم .. وغادرت الغرفة
………………….
يجلس في مكتبه بالشركة ينفخ بغضب أن كل مخططاته تفشل ولا يفهم السبب أنه يحكم الخطة جيدًا من جميع الجهات ولكن دائمًا يحدث شيء ما .. عليه أن يجد حل جديد .. عليه أن يفكر في خطه جديدة .. هو لن يتنازل عن كل أحلامه أبداً وسيحقق أنتقامة مهما تطلب الأمر .. وإن وصل الأمر إلى القتل فهو لن يتردد لحظة
أنتبه لصوت هاتفه وذلك الأسم المميز الذي ينير شاشته الأن .. هل هناك أخبار جديدة .. أجاب سريعاً ليصله صوتها الأنثوي الجميل .. ليبتسم وهو يسمع ما تخبره به .. ثم أغلق الهاتف وهو يقول
-واضح أن كفة الميزان بدأت تعتدل من جديد
ليقف وتوجه إلى النافذة الزجاجية الكبيرة ينظر أمامة بسعادة وهو يقول لنفسه بتمني
-قريب أوي يا أديم هشوفك مذلول وهشفي غليلي منك … ورحمة أبويا لتجوزك يا نرمين .. وبكره تشوفي طارق الصواف هيعمل فيكي أيه
………………………..
أغلق الحقيبه ووضعها جوار الأخرى بجوار الباب ونظر إليها من جديد … مازالت نائمة .. لقد أتصل بمراد يسأله عن تلك الحاله وأخبره بحتمالية أصباتها بالأكتئاب .. ونصحه بالبعد قليلًا عن القصر .. وأن يذهب بها إلى مكان هادئ ويحاول التحدث معها فيما يضايقها ويحاول أن يجد حلول .. وأذا فشل في ذلك فعليه أن يلجئ لطبيب نفسي لذلك أخذ القرار دون تردد ولو للحظة .. أتصل بأحدى المنتجعات وحجز غرفه هناك .. وجهز الحقائب ولم يتبقى إلا إستيقاظها
أقترب منها وجلس بجانبها وهو يهمس بأسمها يداعب بيدية خصلات شعرها المقصوصه بعشوائية يشعر بغصه قوية بقلبه لكن علية
أن يكون قوي حتى يستطيع أن يحل تلك المسأله وعليه أيضًا أن يجد حل لكل ما حدث بينهم
~~~~~~~~~~~~~
تجلس في مكانها المعتاد تضع قدم فوق الأخرى من يراها يشعر أن تلك السيدة لا تحمل هموم ولا يعمل عقلها الأن ك طبول الحرب بلا هواده … وإن بداخلها براكين من نار … لو خرجت حممها لحرقت الأخضر واليابس ولم تبقي على أحد
أقتربت كاميليا من مكان جلوسها وقالت بصوت هادىء
-هي نرمين لسه مرجعتش من عند أديم
لم تجيبها شاهيناز بأي شيء هي في الأساس لا تعطيها أهميه كبيرة الأن … الأهم نرمين وطارق ووقوف نرمين أمامها بتحدي بل وتحتمي بأخيها وتلجىء لبيته في رساله واضحه يالتهديد وقدرتها على ترك قصر الصواف
قطبت كاميليا حاجبيها باندهاش لكنها أيضًا شعرت بالخوف فصمت شاهيناز السلحدار يعني أن هناك كارثه كبيرة سوف تحدث وإن هناك حرب تدق طبولها الأن
وبدايتها الأن … حين رأت حاتم ينزل درجات السلم يضم سالي التي يبدوا عليها التعب وخلفهم إحدى الخادمات وبين يديها حقائب
لتقف شاهيناز تنظر إليهم باندهاش وقالت باستفهام
-على فين ان شاء الله؟!
-مسافرين يومين
أجابها حاتم بهدوء شديد … لتقول هي بغرور موجهه حديثها للخادمة
-رجعي الشنط دي … مفيش حد مسافر
ليقطب حاتم حاجبيه وأشار للفتاة أن تقف مكانها وقال بغضب
-حضرتك بأي حق بتمنعيني أني اسافر أنا ومراتي
-مراتك دي بنتي .. وليا الحق أني أمنعك تاخدها
أجابته بغرور وأنف مرفوع … ليبتسم إبتسامة متسليه وأجلس سالي على الكرسي القريب ثم أقترب من شاهيناز وقال بقوة
-حضرتك أمها اه … ليكي حق عليها اه … لكن إن يكون ليكي سلطه تقدري بيها تمنعيني أني أخد مراتي أي مكان .. معتقدش
صمت لثوانِ ثم قال بإقرار
-في الحقيقة أنا وهي كنا هنسافر يومين نغير جو ونرجع … بس دلوقتي إحنا هنسافر نغير جو وهنرجع على بيتنا الخاص … ما هو إللي حضرتك متعرفيهوش أن الست مكانها مع جوزها مكان ما يكون
-أنا إللي جوزتهالك يا حاتم ولا نسيت .. هي لا كانت بتحبك ولا بطيقك
واجهته بقوه مشابه وصوت عالي … ليبتسم من جديد وهو يقول
-المهم النتيجة يا شاهيناز هانم … والنتيجة أنها مراتي دلوقتي ومكان أنا ما أكون هي هتكون وحضرتك ملكيش دخل ولا صلاحيه ولا مكان بينا غير إنك والدتها وبس
عدل وضعية الجاكيت وأغلق السحاب الخاص به وعاد يمسك بسالي التي كانت صامته تمامًا وغادر القصر أمام عيون شاهيناز التي تشتعل الأن بنيران الغضب والحقد
لتقترب كاميليا منها تقول بمهادنه بعد إن وضعت يدها فوق يد شاهيناز
-يومين وهيرجعوا شكل سالي تعبانه ومحتاجه تغير جو
لتنفض شاهيناز يد كاميليا عن يدها وهي تقول
-متبقاش آلا أنتِ كمان علشان تديني نصايح وتقولي أعمل أيه ومعملش أيه
وتركتها وصعدت إلى غرفتها لتنحدر دموع كاميليا بقهر وهي تفكر أن لا مكان لها هنا … ذلك القصر لا يريدها وهي أيضًا لا تريده ولا تريد سكانه
~~~~~~~~~~~~
كان يغلي غضبًا من الداخل لكنه هادىء تمامًا من الخارج لكن من داخله نار حارقه تأكل قلبه وتلتهم روحه
يعلم أن صديقه يتصل به من أجل تلك الفتاة فقد أرسلت نرمين رسالة تخبره بما حدث ليفتح أحد تطبيقات التواصل وأرسل رسالة صوتيه وأغلق الهاتف تمامًا بعدها فهو لن يشغل عقله بأي شخص الأن هي فقط المهم والأهم هي كل خطوطه الحمراء التي تخطتها الدنيا معه
منذ أول خيوط النهار وهو مستيقظ ينتظرها … لا يعلم لماذا يشعر بهذا الشعور … أنه يشتاق إليها … نظراتها البريئة وجهها المليح … وخصلات شعرها الغجريه … التي تزين وجهها بشكل يجعل عينيه لا تستطيع النظر لشيء آخر غيره
هل ما طشعر به هو فقط شفقه … أم أن هناك شيء آخر لا يستطيع تفسيره حتى لنفسه
نظر إلى هاتفه للمره الذي لا يعلم عددها حتى يعرف كم الساعه … حين وصلته رسالة من حاتم … قطب جبينه بضيق وهو يفتحها ليصله صوت حاتم يقول
“عرفت إنك عايز تولع فيا بجاز … بس مش مهم أنا عملت إللي شوفته صح وقتها … على العموم أنا سافرت أنا وسالي ومش عارف هرجع أمتى وكمان أتخانقت مع شاهيناز هانم … أنا هقفل تليفوني وتليفون سالي … متقلقش من وقت للتاني هبعتلك أطمنك علينا … وأدعيلي يا أديم لأني محتاج دعواتك حقيقي”
لتزداد تقطيبه حاجبي أديم بقلق لكنه يثق في حاتم
أنشغل عقله بالتفكير في كلمات حاتم حتى أستمع لقرع جرس الباب …. ليغادر سريره بشوق رغم إحساسه بالداور إلا أنه يريد أن يفتح لها الباب
خرجت نرمين من غرفتها حين سمعت جرس الباب ورأت أخيها يغادر الغرفة ليزداد إحساسها أن هناك شيء خاطيء في علاقة أخيها بتلك الفتاة
~~~~~~~~
كانت هي تشعر بتوتر وبعض الخجل لكنها حقًا تشعر بالسعادة لعودتها إلى هنا
ورغم عنها تشتاق بشده لأن تراه .. تطمئن عليه … وتراه بعيونها سليم معافا
كانت تنظر أرضًا في إنتظار أن يفتح لها الباب وكان هو يقف خلف الباب يحاول أخذ عدة أنفاس حتى يهدء من دقاته التي تصم أُذنيه
فتح الباب لترفع عيونها تنظر إليه ورغمًا عنها إبتسمت حين وجدته ينظر إليها بابتسامة واسعه وقال ببعض اللوم
-أتاخرتي أوي يا ونس وأنا جعان أوي
لتدلف إلي الشقه بعد أن أبتعد هو خطوتان للخلف وهي تقول
-أنا آسفه يا باشمهندس حالاً هجهز لحضرتك أحلى فطار
وتوجهت إلى المطبخ ليغلق هو الباب وعاد ينظر إلى مدخل المطبخ وهو يبتسم … وكانت نرمين تتابع ما يحدث من ممر الغرف ببعض الإندهاش والصدمة
ومن داخلها تتأكد أن حاتم كان معه حق حين طردها وعليها أن تبحث خلفها وفي تلك اللحظة أخذت قرارها أنها لن تعود للقصر الأن
~~~~~~~~~~~
طوال الطريق وهي صامته تنظر إلى الأمام تشعر بالاندهاش إلى أين هم ذاهبون … وما حدث مع والدتها وكيف ظلت صامته تنظر إلى حاتم بإعجاب أنه يقف أمام والدتها بتحدي ومن أجلها هل حقًا هو يريد حل كل الأمور العالقه بينهم ولذلك قرر السفر حتى يكونوا بعيدًا عن مشاكل القصر
كان هو يشعر بالضيق من صمتها لكنه تركها على راحتها … لا يريدها أن تناهر من جديد … أو تغضب .. ليصلوا إلى المنتجع وهناك لن يسمح لها بالصمت مره أخرى
لكنها قررت كسر ذلك الصمت حين قالت
-هو أنت وقفت قدام ماما علشاني
نظر إليها باندهاش لكنه أجاب بهدوء وصدق
-علشانا إحنا الإتنين
أخذ نفس عميق وهو يقول بتفكير
-شاهيناز هانم فكرانا لسه الأطفال إللي بنقول حاضر ونعم وبس … مش عارف ليه مش قادرة تشوف إننا كبرنا خلاص وأننا لازم نخرج من البرواز إللي مكتفانا فيه
ظلت صامته لعدة ثوانِ ثم قالت بشرود
-بس أنت مش بتحبني يا حاتم إيه إللي هيختلف في ده لما نسافر ونبعد عن القصر؟!
نظر إليها بصدمة لكنه قال من بين أسنانه
-تعرفي يا سالي آني أكتشفت إنك مش بس مجرد عروسة حلاوه خيوطها كلها في إيد شاهيناز هانم لا يا حبيبتي أنتِ ما شاء الله غبية كمان.
جحظت عيونها بصدمة وتجمعت بها الدموع ليرفع إصبعه أمام وجهها وقال بأمر
-إياكِ تعيطي وياريت تسكتي لحد ما نوصل وهناك هسمعك وهتسمعيني …. بس يارب تفهميني.
قال الأخيرة برجاء يشوبه الكثير من الحزن …. لتمسح هي تلك الدمعه التي سقطت فوق وجنتها سريعًا وقالت بهمهمة لم يفهمها
-نفسي أفهمك وأفهم نفسي
~~~~~~~~~~~~~
بدأت ونس في تحضير طعام الإفطار مباشرة بعد أن تبادلت بعض الكلمات مع أديم الذي أعاد عليها إعتذاره مما قام به إبن عمه ووعدها بأن هذا لن يتكرر لتشعر بالخجل من كلماته وقالت بصوت رغم الخجل الواضح فيه إلا أنها كانت سعيدة وبشده
-يا باشمهندس حضرتك كده بتكسفني أوي … محصلش حاجه خلاص وبعدين الأرزاق دي بتاعه ربنا
ليشعر أديم ببعض الضيق من كلماتها لكنه لم يظهر هذا وقال بهدوء بعد أن شعر ببعض الدوار
-طبعًا كل حاجه بأيد ربنا … أنا هدخل أرتاح شوية في الأوضة
أومأت بنعم ليتحرك هو بهدوء قدر إستطاعته حتى يظل متوازن ودلفت هي إللي المطبخ
عادت من أفكارها وهي تضع الطعام فوق الحامل وقبل أن تتحرك خطوه واحدة وجدت من تقف أمامها تكتف ذراعيها وتنظر لها بغرور متأصل في شخصيتها لتبتسم ونس إبتسامة صغيرة لتقول نرمين بهدوء
-ده فطار أبيه أديم؟!
أومأت ونس بنعم لتقترب نرمين وهي تحمل الحامل وتقول ببرود
-جهزي إتنين عصير
وغادرت المطبخ بخطوات واثقه ثابته لتلوي ونس فمها ببعض الضيق لكنها لم تقف عند هذا الموقف كثيرًا وتحركت تنفذ ما أومرت به
طرقت نرمين على باب غرفة أخيها ليبتسم هو بسعادة في إنتظار صاحبة الشعر الغجري لكن تلك الإبتسامة أختفت لكنه حاول أن لا يُظهر لأخته إحباطه من كون هي من أحضرت الطعام وليس ونس
إقتربت من السرير ووضعت فوق ساقه حامل الطعام وهي تقول بابتسامة رقيقة
-الأكل ده كله يخلص علشان تاخد الدوا وتسترد صحتك بسرعة أنا محتجالك
ربت على يدها المستريحه فوق السرير جوارة وقال بصدق
-وأنا ديماً موجود علشانك وبما إنك صحيتي بدري أفطري معايا وأحكيلي إللي حصل مع طارق
ظلت تنظر إليه بتردد ليشجعها بعينيه لتقص عليه كل شيء منذ البدايه كان يستمع إليها وعيونه تطلق الشرر و الدماء تغلي في عروقه يود لو يذهب إليه الأن يهشم عظام وجهه لكن مع نهاية كلماتها أبتسم لها بتشجيع قائلاً
-ده الصح طارق مينفعكيش يا نيمو للأسف هو أختار طريق غلط من الأول وفاكر أن هو الصح وللأسف شاهيناز هانم بتدعمه بكل قوتها وعلشان كده عايز أقولك متخافيش أنا في ظهرك ومش هسمح أبداً إن الجوازة دي تتم
أقتربت من أخيها تضمه بقوه وهي تقول من بين دموعها وشهقاتها
-ربنا يخليك ليا يا أبيه
ثم أبتعدت عنه قليلًا وقالت ببعض الخجل
-وعايزة أعتذرلك عن إللي حصل
أومأ بنعم مع إبتسامة صغيرة دون أن يعلق على الحديث لتقف وهي تقول
-أنا طلبت من ونس عصير ومش عارفه أيه إللي أخرها كده
أنتبهت تلك الواقفه خلف الباب والتي كانت تستمع لما يقال لتعود سريعًا إلى المطبخ وسريعاً فتحت المبرد لتخرج قوالب الثلج تضعها في أكواب العصير حين دلفت نرمين إلى المطبخ وهي تقول بلوم
-كل ده بتعملي كوبيتن عصير
أجابتها ونس بخجل وأسف
-أنا آسفه بس أصلي حسيت بمغص جامد اوي في بطني ودخلت الحمام
لوت نرمين فمها بضيق لكنها لم تعلق وأنحنت تحمل أكواب العصير وعادت أدارجها
لتنفخ ونس الهواء بضيق .. وهي ترى تلك الفتاة تغلق عليها جميع الأبواب
~~~~~~~~~~~~~~~~
وصلوا أخيراً إلى المكان المنشود كانت تتطلع حولها بشرود وضياع لا تعلم ما سبب مجيئهم إلى ذلك المنتجع لقد حاولت الحديث أكثر من مره معه لكنه في كل مرة يخبرها بأن تصمت وأنتظر حتى يصلوا إلى وجهتهم
وها هم وصلوا وفي طريقهم إلى غرفتهم قلبها يرتجف في تجويف صدرها تشعر أن هنا سينتهي كل شيء هذا شعور قوي يتغلل كل خليه فيها … لكن أي نهاية؟! هل سأم منها وسيتركها؟ أو أن هناك أمل جديد قد يتفتح ها هنا؟ هي حقًا تشعر بالسخف من نفسها …. الأن فقط حتى عرفت قيمة حاتم … الأن فقط قررت أن تحارب من أجل علاقتهم … الأن فقط قررت أن تقترب من تلك المنطقه الخطرة التي أغلقت على نفسها بها بعد ما فعلته معه
نظرت إلى ظهره القريب منها فهو يسبقها بخطوة واحده لكنه أيضًا يمسك بيديها وكأنه يمسك بيد إبنته الصغيرة بقوة حتى لا تترك يده وتركض في إتجاه السيارات … أو كاسجان يجذب خلفه من حكمت عليه محكمه الحياة والقدر أن يكون رفيق دربه دون إرادة منه.
وصلوا إلى باب غرفتهم ساعدهم العامل على فتح الباب ووضع الحقائب في أماكنها ثم غادر بعد أن أعطاه حاتم إكرامية كبيرة شكره عليها بشدة
كانت تنظر إليه بخوف وكأنها ترجوه أن يترأف بحالها ويرحمها وهو لم يتحمل تلك النظرة فقترب منها سريعاً ليضمها بين ذراعيه وأختطف شفتيها في قبله عميقه كان يحلم بها منذ علم معنى الحب … منذ أيقن أن قلبه ملك لجرة العسل تلك وأنه وضعها تاج فوق رأسه ولن يقبل بسواها
قبله كان يبثها فيها شوقه وألمه ورغبته الجامحه بها وشوقه لوصال يطفىء نار قلبه المشتعلة بسبب جفاء علاقتهم منذ خطبتهم .. وهو الذي كان يظن ذلك الجفاء هو فقط خجل طبيعي .. وظل يوصي نفسه بالصبر حتى الزفاف ليُصفع بحقيقة شعورها تجاهه ليبتعد عنها فجأه حين شعر بطعم مالح في فمه ليصدم بدموعها التي تغرق وجهها ليبتعد ببعض العنف لكنها أمسكت بذراعه وهي تقول بصوت هامس … يحمل من الرجاء والتوسل مالا يتحمله قلبه
-أرجوك ما تبعدش أنا محتجاك … أرجوك يا حاتم
ذلك الخائن الذي يسكن صدرة لم يتحمل ذلك الرجاء وبهذا الصوت المتوسل وتلك العيون التي تلمع بدموع الشوق والرغبه ليعود إليها وهو يهمس بخشونه
-إذا قربت مفيش مجال للتراجع أنتِ فاهمة ده معناه أيه؟!
أومأت بنعم وهي تقترب منه أكثر حتى تخبىء وجهها في تجويف عنقه … وكأنها تعطيه صق ملكيتها والذي لم يستطع رفضه بكل تأكيد ليعود يضمها بين ذراعيه من جديد يعتصر عظامها كما كان يعتصر شهد شفاهها ليغرقا سويًا في ذلك العالم الساحر الذي كما كان يتخيل طوال حياته منذ وقع أسير غرامها والذي كان بالنسبه لها باب جنة مغلق في وجهها والأن يفتح على مصرعيه لتشعر بروحها تطفوا والسلام يعم كل خلجاتها
وبعد دقائق كثرت أو قلت كانت تريح رأسها فوق صدره العاري تستمع لدقات قلبه والدموع تنهمر من عيونها دون توقف ليقول بقلق لكن صوته خرج جليدي
-وجعتك؟!
هزت رأسها بلا … ليقول من جديد
-ندمانه
عادت لتهز رأسها بلا … ليسأل مرة أخرى
-طيب ليه الدموع؟!
لم تجيب علي سؤاله لكنها ضمته بقوه … ظل الصمت هو سيد الموقف حتى قالت هي بصوت ضعيف
-هطلقني أمتى؟!
~~~~~~~~~~~~~~~~
عاد إلى القصر ليجد شاهيناز تجلس مكانها لكن يبدوا على ملامحها الضيق ظل واقف في مكانه يتذكر ما حدث معه منذ قليل حين ذهب ليسهر في نفس المكان المعتاد … لكن وقبل أن يبدء في الشرب كالعادة وجد فيصل يجلس أمامه وهو يقول
-طارق الصواف عاش من شافك يا بوص
ليبتسم طارق إبتسامة صفراء وهو يقول
-إزيك يا فيصل عامل أيه ؟
-أنا كويس جدًا لسه راجع من السفر ومعايا قرشين حلوين هفتح بيهم مكتب هندسي كده صغير
أجابه فيصل بفخر حقيقي بمجهوده الذي بذله حتى يحقق حلمه بعد عناء أكثر من خمس سنوات بالخارج
ليبتسم طارق بسخرية وهو يقول
-وليه صغيرة … ملحقتش تعمل فلوس أكثر ولا أيه
شعر فيصل بالسخرية في حديثه وهو غير غافلًا عن أسلوب طارق وطريقته المتعاليه دائمًا… ليبتسم بثقه وهو يقول
-لا طبعًا عملت الحمدلله … وجبت شقه كويسة وفرشتها وجبت عربيه كمان … وبأسس في الشركة دلوقتي … ده غير بقى يا طارق أن كل الفلوس إللي أتعمل بيها كل ده أتعملت في خمس سنين بس … ما أنت عارف يا أبن الأكابر أن أبويا الله يرحمه كان بس سايب لنا الستر والتربية الكويسة
ليلوي طارق فمه باستخفاف ليقف فيصل وهو يقول ببرود
-سلملي على حاتم وأديم … ولا أقولك أنا هبقى أكلمهم سلام يا أبن الصواف
وتركه وغادر ليلعنه طارق من بين أسنانه فقد جعل المكان كئيب وتغيرت الأجواء من حوله ليغادر المكان وقرر العودة إلى البيت علها تكون قد عادت ويحاول أن يجد له طريق جديد معها
عاد من أفكاره حين وصله صوت شاهيناز تسأله بهدوء حذر
-أنت واقف كده ليه يا طارق؟
رسم إبتسامة على وجهه وأقترب منها وهو يقول بدهاء
-نيمو وحشتني أوى القصر وحش أوي من غيرها
-هترجع متقلقش أنا مش هسمح أبداً أن يحصل أي حاجه تانيه عكس إللي أنا عايزاه
قالت كلماتها بقوه وثقه جعلته يتأمل من جديد أن تساعده قوتها وتسلطها
رفعت هي عيونها إليه وقالت بأستفهام
-أديم راح الشركة النهاردة
حرك رأسه يمينًا ويسارًا بلا وقال موضحًا
-إتصلت بيه وصوته كان لسه تعبان وقال أنه محتاج راحه يومين كمان
أومأت بنعم وهي تغادر كرسيها لتقف أمامه وقالت بابتسامة رسمية
-طول عمرك ذوق يا طارق وبتفهم في الأصول
وتحركت لتغادر البهو متوجه إلى غرفتها وهي تقول بهدوء
-تصبح على خير
همم ببعض الكلمات كانت ردًا على كلماتها وعيونه تتابع إبتعادها ثم إختفائها من أمام عينيه بعد أنتهاء صعودها درجات السلم الداخلي ليتحرك هو بهدوء وجلس مكانها واضعا قدم فوق الأخرى وهو يقول بقوه
-قريب أوي كل حاجة هتبقى ملكي وكل عيلة الصواف تحت رجلي ومش هرحم حد فيهم مش هرحمهم
ولمعت عيونه بشرار الغدر والخيانة وهو يتصور ما سيحدث في الغد القريب
~~~~~~~~~~~
غادر فيصل المكان وهو يشعر بالضيق من تلك الصدفه الثقيلة على قلبه … التي جعلته يستجيب لأحد أصدقائه ويقبل دعوته لحضور حفل عيد مولده ورغم عدم أستساغته للأمر إلا أنه قرر الحضور لبضع دقائق فقط ويغادر سريعًا فهو لا يتحمل تلك الأماكن وأيضًا تلك الحفلات … أخذ نفس عميق وأخرجه بقوه نافثاً فيه كل غضبه من لقاء إبن الصواف المتغطرس ولكن رؤيته أعادت له الحنين من جديد لها والأمل البعيد يعود لينير في أفق أحلامه من جديد … هل بعد كل تلك السنوات وبعد ما وصل إليه يستطيع على الأقل المحاوله عله ينجح وينول مراده
رفع عينيه إلى السماء وقال بثقه
-يا رافع السماء بدون عمد … ويا جامع الناس في يوم لا ريب فيه أجمعني بمن سكنت قلبي بحلالك ورضاك يا رب العالمين.
ثم صعد إلى سيارته وهو يردد ذلك الدعاء دون توقف حتى وصل إلى بيته أبدل ملابسه وتوضىء ووقف بين يدي الله يصلي قيام الليل وفي سجوده ظل يردد ذلك الدعاء بيقين في الإجابة
ظل الصمت يخيم عليهم بعد جملتها التي قالتها … هل بعد ما حدث بينهم منذ دقائق؟! … تلك الحرب الذي خاضوها ليثبت كل منهم للآخر أنه يعشقه … ليختم فوق جسده وروحه وقلبه ملكيته الخاصة … تسأله وبكل هدوء متى الطلاق … عن أي طلاق تتحدث تلك المجنونة
أبعدها عنه ببعض العنف و أعتدل يرتدي بنطاله الذي كان ملقى أرضًا بأهمال ونظر إليها وهي تحيط جسدها بشرشف السرير وتلك البقعه الحمراء تلمع أمام عينيه جعلته يغمض عينيه بقوة وهو يفكر لماذا معها دائمًا يتحول كل شيء جميل ومميز إلى مر وعلقم يظل أثره السيء في فمه وفي روحه … بعد غرقهم في بحور العشق وتذوق شهد الوصال وجمال الحب تختتم هي لحظاتهم بتلك الكلمة الغبية
ماذا يفعل معها؟ وماذا يفعل بها؟
فتح عينيه وقال بهدوء قدر إستطاعته
-قومي ألبسي هدومك يا سالي علشان في كلام مهم لازم يتقال
بعيون غارقه في دموعها أومأت بنعم وغادرت السرير ومازال الشرشف يلف جسدها وحين أغلقت باب الحمام نفخ الهواء من
صدره بقوة وهمس
-أهدى يا حاتم … أهدى … أهدى
توجه إلى الشرفة ليفتح الستائر ثم فتحها ليدلف الهواء البارد الآتي من البحر الذي تطل عليه الشرفة ظل يتأمله بعينيه فقط لكن عقله كان شارد في لحظاتهم معها … وكم كانت رائعة ومميزة … كم كانت بين ذراعيه عاشقه محبه … تذوب كقطعة شكولاته لكنها وكالعادة تصفعه دائمًا بما يجعله يعود إلي أرض الواقع على صدمه غير متوقعه
ولم تكن هي بالداخل بأقل منه حيره وألماً .. دموعها تغرق وجهها وقلبها تتصارع دقاته حتى أنها تشعر بألم قوي في تجويف صدرها … هي كانت تشعر بين يديه كعصفور صغير يحلق في سماء صافيه وواسعه … حوله الكثير من الفراشات الملونه ويرى أسفله بحر صافيه مياه … ومرج كبير أخضر
لكنها وحين عادت إلى أرض الواقع عادت إليها أفكارها السوداويه … وتملكها اليأس الذي كانت تعيش وسط أمواجه الهادره لأيام كثيرة لتجد نفسها تنطق تلك الكلمه التي شعرت بها كسكين حاد فوق عنقها
حين رفعت عيونها وجدت إنعكاسها في المرآه ما جعلها تشهق بصدمه … من تلك البائسه التي تقف امامها وما هذه الحاله المزريه التي أصبحت عليها … لتغمض عيونها من جديد … وأخذت عدة أنفاس متلاحقه وبعد عدة ثوانِ فتحت عيونها بقوه وإصرار … تركت الشرشف يسقط أرضًا وفي خلال دقائق أخذت حمام ساخن سريع وأرتدت مأزر الحمام وخرجت إليه عليها الأن المواجهه راضيه بما سيحدث أياً كانت النتائج
حين سمع صوت بأن الحمام يفتح ألتفت ينظر في إتجاهها ليشعر ببعض الراحه … أنه يرى ولو لمحه بسيطة من سالي القديمه تلك المتعجرفه رغم نظرة الحزن والإنكسار التي تحاول موارتها خلف ذلك الغرور
لكنه سوف يتحكم في مجريات الحديث وعليه أن يسير كما يريده هو
-تعالي يا سالي أقعدي خلينا نتكلم
أقتربت بهدوء وجلست بصمت … ليقترب هو الآخر … وجلس بجانبها وقال بهدوء يصل حد البرود
-الكلمه إللي نطقتيها من شويه دي … أنا هعمل نفسي مسمعتهاش … ومش هحاسبك عليها … لأن عندي الأهم إللي أتكلم فيه.
رفعت عيونها إليه زاهله مما قال ليكمل هو كلماته
-خلينا نجيب الحكاية من الأول
ظلت شاخصه ببصرها تجاهه دون رد .. تنتظر أن تستمع لكل ما سيقوله … تريد أن تطمئن قلبها … لكن هو معه حق … لابد أن يتحدثوا في كل شيء من البدايه
لكنها لم تتخيل أبدا أن تكون البدايه هي ما قاله الأن
-من أول يوم وعيت فيه على قلبي … لاقيته ملك لبنت عمرها ما بصت عليا مره بحب … كانت بتتعامل معايا بغرور وفوقيه … كانت ديماً شايفه نفسها أحسن من الكل .
أبتسم إبتسامة صغيره لكن تحمل من الألم الكثير لكنه أكمل بنفس الصوت الهادىء
-لكن غصب عني قلبي بقا ملكها حلمت أنها في يوم تشوفني وتحس بيا لكن ده عمره ما حصل وأكتشفت في أسعد يوم في عمري أن راجل تاني هو حلمها … وإني من وجهة نظرها راجل ممل ومش فارس أحلامها إللي هي بتتمناه
كانت تستمع لكلماته والدموع تغرق وجهها تشعر بكم خطأها وبكم ظلمت نفسها وظلمته … ليكمل هو كلماته
-سنه كاملة بشوف فيها حبيبتي حليلتي في أبهى صوره … نار … نار بتولع في قلبي وفي جسمي وأنا شايفها جميلة … مميزة … زي وردة رقيقة أو فاكهة الجنه المحرمه … مش قادر أقرب منها ولا قادر أنسى كلامها إللي جرح كرامتي ورجولتي … ولا قادر أبعد عنها و أطلقها واريح قلبي من عذابه كل ليله وهي نايمة جمبي ومش قادر أضمها لصدري وأروى عطش قلبي واطفي نار جسمي
شهقت بصوت عالي وهي تغطي وجهها بيديها تبكي بصوت عالي وهي تقول بصوت مبحوح
-أنا آسفه يا حاتم … آسفه … آسفه …آسفه
مد يده يبعد يديها عن وجهها وأكمل كلماته حتى يخرج كل قيح قلبه الذي يؤلمه ويحرم عينيه من النوم … يجعله يتلوى على نيران الخسارة والحسره
-وفي يوم أتفتحت قدامي طاقه … طاقة نور خلت قلبي يحس بشويه أمل وبيبان من الحقايق بتتفتح قدامي وبتخليني أعرف أنا بقيت أيه بالنسبه ليها … دموعها توسلاتها … كلماتها التي جعلت قلبي المجروح يآن بآلم وحسره ورجاء بإنه مش هيقدر يستحمل جرح جديد منها لكن هي فتحت ليه كل الأبواب وسلمته قلبها وبعد ما عاش معاها أجمل لحظات عمره … وحس أنه بقا ليه جناحات قادر يطير بسببها لأبعد سما
كانت تنظر إليه برجاء وتوسل وعدم تصديق … ليقول هو من بين أسنانه
-رمتني في أسفل سافلين … وقعتني على جدور رقبتي وهي بتسألني بمنتهى البراءة إللي في الدنيا هطلقني أمتى؟
أقترب آكثر منها وهو يقول بأستفهام
-تفتكري يا سالي راجل زي أستحمل منك كل ده ومقدرش يبعد … بعد ما داق الشهد بين درعاتك … وفي حضنك هيقدر يبعد
لم تشعر بنفسها وهي تلقي بنفسها بين ذراعيه تبكي بصوت عالي وهي تقبل جانب عنقه وبين كل قبله وأخرى تقول
-أنا آسفه … أنا بحبك … بحبك يا حاتم … آسفه … والله آسفه
ليضمها بقوه وهو يهمس باسمها برجاء وتوسل .. لكنها لم تتوقف عن ما كانت تفعله غير مدركه أنها بتلك الطريقه توقظ ذلك الوحش الكامن بداخل قلبه وروحه … ذاك الوحش المشتاق إليها …. ظل يهمس بأسمها برجاء وتوسل لعدة ثوانِ يحاول كبح جماح قلبه ليحملها بين يديه كعصفور صغير
وضعها على السرير ببعض القوه وظل ينظر إليها بشوق ولهفه وقال بصوت أجش
-أنا بجد مش قادر يا سالي … مش قادر على بعدك ولا قادر مرجعش للراحه إللي بحسها بين درعاتك … قلبي مبقاش قادر يستحمل … ف أرجوكي عيشي معايا وخليني أعيش
لتؤمىء بنعم وبتلك الحركة كأنها فتحت له أبواب الجنه ليغرق فيها بكُلِيتّه يريح قلبه وجسده من عناء ألم الفراق الطويل
وكانت هي تكسر كل تلك الأسوار التي حاوطت بها من قلبها وحياتها وروحها … تترك برجها العاجي العالي التي وضعتها به شاهيناز السلحدار منذ نعومة أظافرها وتغرق في بحور عشق حاتم الذي كان يتعامل معها برقه رغم تطلبه الواضح في طلب الحب منها وإعطائها بالمقابل حب وحنان وراحه وسعادة لم تتخيلها يومًا
~~~~~~~~~~~
تركت أخيها يأخذ قسط من الراحه بعد أن أخذ دوائه وتحدثوا كثيرًا … في كل شيء تقريبًا وكم شعرت بالسعادة والراحه … هنا في بيت أخيها كل شيء هادي … لا يحمل غرور وتحفظ شاهيناز هانم السلحدار … ولا قيود عائلة الصواف
أغلقت باب الغرفه وظلت واقفه عده دقائق ثم قررت أن تتعرف على تلك الفتاة … ف من الممكن ترى شيء مختلف بها عن إحساسها وإحساس حاتم ويكون أخيها معه حق في تمسكة بتلك الفتاة
أقتربت من المطبخ تنظر إليها وإلى ما تفعله … فلم تجد شيء غريب هي فقط تعد الطعام وبعض الموسيقى تخرج من هاتفها
دلفت إلى المطبخ لتنظر إليها ونس بهدوء وقالت بأدب
-حضرتك عايزة حاجه؟!
سحبت نرمين الكرسي وجلست عليه بتعالي هو جزء لا يتجزء من شخصيتها ووضعت قدم فوق الأخرى وقالت
-عرفيني عن نفسك يا ونس
شعرت ونس بالإندهاش من ذلك السؤال ولكنها قالت بهدوء
– هقول أيه يعني … بنت غلبانه حكمت عليها الظروف أنها تشتغل في البيوت علشان تقدر تجيب علاج أمها وأخواتها يكملوا تعليمهم … وتقدر تجيب ليهم لقمه يكلوها وهدمه يلبسوها
ظلت نرمين صامته تنظر إليها بتفحص … وظلت ونس واقفه تنظر إليها لعدة ثوانِ ثم عادت إلى ما تعمله لتقول نرمين من جديد
-أيوه بس ده ميمنعش إنك كان ممكن تشتغلي شغلانه تانيه غير الخدمة في البيوت
لوت ونس فمها بضيق لكنها رسمت الهدوء من جديد ونظرت إلى نرمين وقالت
-أمي خياطة بريمو بس صحتها مابقتش قد قعدة المكنة …. وأنا مش معايا شهادة علشان أتوظف بيها ما أنا مقدرتش أكمل دراستي … وشغل المحلات ذل ومهانه من أصحاب المحلات شوية ووقفه طول النهار على رجليا وفلوسها قليله … على إننا نتحمل رذالة الزباين … أهو خدمة البيوت بنعرف طبع أهل البيت ونقدر نتعود عليه
-أنتِ كنتِ في الجامعة يا ونس؟!
سألتها نرمين باندهاش لتومىء ونس بنعم لتسألها من جديد
-وكنتِ في كليه أيه بقا؟!
-تجارة
أجابتها بهدوء … لتهز نرمين رأسها بنعم ثم وقفت وهي تقول بأمر
-أعمليلي قهوة وهاتيهالي في أوضتي
أومأت ونس بنعم وهي تقول بأدب
-حاضر
غادرت نرمين المطبخ وظلت ونس تنظر في أثرها بضيق ثم غمغمت قائلة
-وبعدين بقا؟!
~~~~~~~~~~~~~~
تحاول الإتصال بها منذ رحيلها مع حاتم ولكن الهاتف مغلق … ليزداد غضبها وهي تفكر منذ متى أصبح حاتم يستطيع الوقوف أمامها وتجرأ على أن يقف أمامها يتحداها ويأخذ إبنتها أمامها دون أن تستطيع أن تمنعه
كيف حدث هذا؟ عليها أن تجد حل لكل هذا وهي أبداً لن تترك الأمور تخرج عن سيطرتها
أمسكت هاتفها وأتصلت بشخص ما وحين أجابها قالت بهدوء ولكن كلماتها حملت أمر غير قابل للنقاش
-عايزة حسابات المجموعة كلها … ونسب الشركاء
أغلقت الهاتف ونظرة التحدي و الإنتصار تلمع في عيونها
~~~~~~~~~~~~~~~~
يقف في وسط شركته الجديدة يتابع كل ما يقوم به العمال من التجهيزات الأخيرة على كل شيء بها وترتيب الأثاث … وفي نفس الوقت هو قد حدد مواعيد المقابلات مع المتقدمين للوظائف
أن أحلامه والحمدلله تتحقق الواحد تلو الآخر …. لكن هل حلمه الكبير والبعيد سيأتي يومًا ويصبح حقيقة
إنتبه من أفكاره على صوت أحد العمال يقول
-إحنا خلصنا يا باشمهندس … في أي أوامر تانيه
أبتسم فيصل وقال للرجل شاكرًا
-الله ينور يا رجاله … شكرًا جدا
وأخرج من جيب بنطاله الخلفى ظرف أبيض ومد يده به للرجل الذي أخذه بشكر وأشار للعمال أن يغادروا
حين غادر أخر عامل توجه فيصل إلى غرفة مكتبه وهو يفكر هل يتصل به الأن أم ينتظر حتى يبدء العمل في المكتب … لكن بعيدًا عن مسائل العمل هو أشتاق ل أديم بالفعل ويود أن يحدثه وأن يقابله أيضًا
لذلك أمسك هاتفه وأتصل على صديقه …
فتح أديم عينيه ومد يده يمسك هاتفه ينظر لذلك الرقم باندهاش.. في العادة هو لا يجيب على الأرقام غير المسجله … لكنه فكر أن يكون المتصل حاتم أو سالي فأجاب سريعاً ليأتيه صوت رجل رخيم يقول بهدوء
-أديم الصواف؟!
-أيوه يا فندم مين؟!
أجابه بهدوء شديد ليقول محدثه بسعادة
-وحشتني يا أبن الأكابر
ظل أديم صامت لعدة ثوانِ وتلك الكلمه تعيده لسنوات كثيره قد مضت …. ليبتسم وهو يقول
-فيصل إزيك يا ابني أيه الغيبه الطويله دي ؟! فينك كده وفين أراضيك دلوقتي ؟!
ضحك فيصل بصوت عالي وهو يقول بمرح
-سافرت عملت الأرشينات ورجعت علشان أنافسك يا أبن الأكابر
ليكون الدور على أديم في الضحك وهو يقول
-يبقا تقول على نفسك يا رحمن يا رحيم … مفيش حد يقدر ينافس مؤسسة الصواف
ليبتسم فيصل بهدوء وقال بصدق
-عارف يا باشا … بس أهو أنا قررت أنزل بتقلي … فخافوا مني
ليضحك أديم بسعادة وقال بصدق
-وحشتني جدًا لازم نتقابل بجد الواد حاتم مستحلفلك أصلاً
ظل الأصدقاء يتحدثون بمرح وسعادة وأخبر فيصل أديم بكل شيء … ووعده أديم أن يقدم له كل يد العون حتى يستطيع المنافسة وبقوه …. وحددوا معاً موعدًا حتى يتلاقى الأصدقاء
حين أغلق الهاتف مع فيصل تذكر ونس وأنه لم يراها مره أخرى منذ حضورها صباحًا …. غادر السرير وأخذ ملابس نظيفه من الخزانه ودلف ليأخذ حمام دفىء يستعيد به نشاطة وحين أنتهى غادر الغرفة ووجهته المطبخ
لكنه وجدها تقف في صاله منزله تقوم بالتنظيف بصمت … أصدر صوت خفيف حتى ينبئها لوجوده ف ألتفتت تنظر إليه بابتسامة ناعمة وقالت
-الحمدلله حضرتك النهاردة أحسن مش كده؟!
أومأ بنعم وهو يتحرك ليجلس على المقعد القريب منه وقال
-أحسن كتير … وبكره ان شاء الله هنزل الشغل
خيم الصمت عليهم لثوان ثم قالا معاً
-تحب حضرتك…..
-أنت بتعملي….
ليصمتا وكل منهم ترتسم على وجهه إبتسامة رقيقه ليقول هو
-قولي أنتِ الأول
لتقترب خطوة وهي تقول
-كنت عايزة أسأل حضرتك لو عايز حاجة تشربها أو أجهز لحضرتك الغدا
أبتسم وهو ينظر إلى ساعة يده ثم قال
-لسه بدري على الغدا ممكن أخد فنجان قهوة لو سمحتي
تلونت وجنتيها بخجل ومن داخلها تشعر بالسعادة أن أسلوبه في الحديث معها لا يجعلها تشعر بالدونيه …. أنه شخص متواضع لا يمتلك غرور الأغنياء …. كادت أن تتحرك لتحضر ما طلبه لكنه أوقفها قائلاً
-مش عايزة تعرفي أنا كنت هقول أيه ؟!
وقفت مكانها تنظر إليه بخجل ليقول هو بهدوء رغم تلك الإبتسامة التي ترتسم على ملامحه بأكلمها ونظره عينيه التي تحمل بعض المشاغبه
-كنت عايز أطمن عليكِ … وكنت بسألك أنتِ كنتِ بتعملي أيه؟!
إقتربت خطوه وقالت بأدب يشوبه بعض الخجل
-أنا كويسة شكرًا لسؤال حضرتك … وبعدين يعني هكون بعمل أيه؟! بعمل شغلي بنظف البيت … الهانم أخت حضرتك طلبت مني أهتم بالنظافه علشان حضرتك متتعبش تاني.
لم يعقب على كلماتها ولكنه ظل يردد بداخله (( الهانم أخت حضرتك)) هل مارست نرمين عادات عائلة الصواف في التعالي والغرور على ونس رغم تحذيره لها … لكنه قال بهدوء حذر
-هي نرمين ضايقتك في حاجة يا ونس؟!
-أبداً … ليه حضرتك بتقول كده؟!
أجابت سريعاً حتى أنه قطب جبينه من إندفاع كلماتها لكنه أومأ بنعم وقال بهدوء
-أبداً بطمن بس أن كل الأمور تمام
أبتسمت مره أخرى إبتسامة صغيرة وتحركت لتغادر حتى تصنع له القهوة … وقبل أن تغادر المطبخ سمعت صوت خطوات نرمين تقترب من الصاله … ثم صوتها وهي تقول
-عامل أيه دلوقتي يا أبيه؟
قبل أن يجيب تحركت هي تقترب منه وهي تقول
-القهوة يا باشمهندس
-شكرًا يا ونس تسلم إيدك
وقبل أن تجييه قالت نرمين بأمر
-أعمليلي نسكافيه من غير سكر
-حاضر
أجابتها ونس بصوت هادىء رغم شعورها بالضيق من أسلوب نرمين معها وغادرت دون كلمه أخرى لينظر أديم إلى أخته وقال
-في أيه يا نرمين هو مش أنا قولت ممنوع التعامل مع ونس بطريقة عيله الصواف
لتقطب نرمين بين حاجبيها وقالت بضيق
-وأنا عملت أيه يا أبيه … وبعدين وأنت نايم أنا قعدت معاها وأتكلمنا شويه ولا المطلوب مني أخليها هي تقعد وأقوم أنا أخدمها وأشوفها تشرب أيه؟!
قالت آخر كلماتها بغرور وتكبر … ليرفع أديم حاجبيه بضيق وهو يعيد لنفسه حديثها (( قعدت معاها وأتكلمنا شويه )) (( أخليها هي تقعد وأقوم أنا أخدمها ))
وحين ظل صامتًا أكملت هي كلماتها قالت
-مش علشان أنت قلبك طيب وبتعطف على أي حد ده هينفي كونها مجرد خدامه يا أبيه … وظيفتها أنها تخدمنا وتشوف طلبتنا وتنفذها … وأنا بتعامل معاها على الأساس ده … وده بعيد تمامًا عن أسلوب ماما في التعامل مع الخدامين إللي في القصر وأظن ده واضح ليك.
لم يستطع أن يعلق على كلماتها لكن ذلك الألم الذي يشعر به داخل قلبه كيف يتخلص منه … فقال بهدوء
-كلمه خدامه في حد ذاتها تجرح يا نرمين … كلمه دورها تخدمنا توجع … إنك لما تكلميها بأمر غير لما تطلبي منها بأدب
تشتعل نار بداخلها وهي تقف أمام أديم تقول بصوت عالي
-ما أبوس إيديها بالمره علشان تقبل تعملي النسكافيه
-أنا مقولتش كده … بس بدل ما تقوليلها إعمليلي نسكافيه … ممكن تقوليلها إعمليلي نسكافيه لو سمحت
اجابها بهدوء لتقول برفض
-لو سمحت … وليه أتعبها ما أروح أنا أعمله بنفسي وخلاص
-ممكن برده فيها أيه
كل ذلك الحوار كانت تتابعه ونس من خلف تلك الستارة التي تفصل باب المطبخ على صاله البيت وداخلها شعوران مختلفان …. سعيده بكلمات أديم ووقوفه أمام أخته بسببها وشعور ضيق وأختناق من نظرة نرمين ليها وغرورها وتكبرها
تحركت خطوه واحده ودفعت باب المطبخ حتى يعلموا أنها قادمة وخرجت من خلف الستارة وتقدمت من الطاوله تضع الكوب وهي تقول
-أتفضلي
ثم اعتدلت واقفه وهي تقول
-أوامر تانيه ولا ممكن أدخل أرتب الأوض
ظل الصمت يحاوطهم حتى قالت نرمين وهي تعود جالسه واضعه قدم فوق الأخرى
-لا أدخلي نظفيهم وهوي الأوض كويس وخصوصًا أوضة أديم بيه
لتومأ ونس بنعم وتحركت من فورها تحضر أدوات التنظيف وأختفت داخل إحدى الغرف ليشعر أديم بالإختناق من كل ما حدث فأخذ فنجان قهوته ودلف إلى الشرفة يجلس هناك
لتنفخ نرمين بغضب وهي تغمغم
-أنا لازم أشوف حل في البنت دي
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يقف في نفس المكان الذي يذهب إليه كلما أراد مقابله شخص ما من أعوانه … أو إجراء بعض المكالمات التي لا يريد لأي شخص أن يستمع إليه حتى ولو صدفه … حتى لو كان مجرد شخص يمر من جواره صدفه ولا يعرف حتى من هو
لكنه دائماً يريد أن يكون في الأمان … وهذا المكان يوفر له كل ما يحتاجه … منطقه بعيدة تمامًا عن قصر الصواف وعن المؤسسه … وبعيد أيضا عن أي عمار … مجرد صحراء واسعه … الإضائه بها قليله فلا تستطيع تحديد معالم أي شخص يقف هناك ولذلك يحب ذلك المكان
شعر بحركه خلفه ليلتفت ينظر إلى القادم في إتجاهه وقال
-أتأخرت ليه؟!
-معلش بقا يا كبير … كان في أيدي مصلحه وكان لازم تخلص
أجابه وهو يشعل سيجارة وينفخ دخانها في الهواء وأكمل كلماته قائلاً
-أمرني يا كبير … هو المندوب معملش إللي عليه ولا أيه؟!
-بيعمل بس أنا عايزك في حاجه تانيه
قالها طارق بابتسامة جانبية ليقول الرجل الذي يقف أمامه
-علم وينفذ يا كبير
ليبتسم طارق بشر وهو يقول لنفسه
-هانت … هانت يا عيلة الصواف
تجلس في منتصف سريرها تبحث في هاتفها عن تلك المواقع التي يتم الإعلان فيها عن الشركات والأماكن المختلفه التي تطلب موظفين
هي تعلم جيدًا أن لن تكون لديها فرصه حقيقة أو سهله في الحصول على وظيفه .. بسبب عدم عملها قبل ذلك
لكن ما يشجعها أن مجالها يمكن العمل فيه بسهولة إذا كان هناك إتقان .. لكن الإعلان منذ يومان .. هل من الممكن أن تذهب الأن؟ عادت تقرأ ما كتب في الإعلان من جديد
(مكتب هندسي يطلب موظفين في المجالات التالية ” الهندسة المعماريه، والهندسة المدنية، ديكور، محاسبين، ومترجمين، سكرتيرة، وعامل بوفيه، وفرد أمن … المقابلات بدايه من الغد”
أي منذ الأمس .. هل هناك فرصه؟ ظلت تفكر لكنها لا تجد إجابة لذلك قررت الذهاب .. وسوف تعلم بنفسها
غادرت غرفتها بعد أن أبدلت ملابسها .. وإرتدت بدله كلاسيكيه بعض الشيء لكنها أيضًا عصريه ترسم قدها الرشيق .. كانت تنزل درجات السلم وهي تشجع نفسها على ذلك القرار .. التي ظلت لأيام وأيام تفكر فيه .. أن الخروج من دائرة إبنة عائلة الصواف .. والخروج عن نهج شاهيناز هانم السلحدار أمر صعب .. يصل حد المحال لكنها لن تتراجع مهما حدث .. لن تنتظر أديم أكثر من ذلك .. ولن تتهاون في حق نفسها وقلبها .. هو لا يراها .. وهي سوف تلتفت إلى نفسها .. سوف تصب كامل تركيزها على كاميليا فقط … ف كاميليا هي من تستحق كامل تفكيرها وحبها
أنتبهت من أفكارها حين أنتهت درجات السلم ووجدت نفسها تقف أمام شاهيناز التي قالت بأندهاش
-أنتِ رايحه فين يا كاميليا
ظلت صامته لعدة ثوانِ .. ثم رفعت حقيبتها فوق كتفها وقالت بهدوء
-رايحه مقابلة شغل .. أدعيلي يا أنطي
ضيقت شاهيناز ما بين حاجبيها بصدمه وقالت ببعض الاستهجان
-مقابلة شغل فين؟ أنتِ ناسيه أنتِ مين وبنت مين … وبعدين قولتلك قبل كده أشتغلي في المؤسسة على الأقل يكون ليكي فرصه مع أديم
ظلت صامته تستمع لكلماتها بهدوء فهي كانت متوقعه لتلك الكلمات وبنفس الترتيب حتى .. أقتربت خطوه من مكان جلوس شاهيناز وقالت
-أنطي أديم لا شايفني ولا هيشوفني .. ومليش خلاص فرصه معاه .. وبعدين أنا مش هفضل راهنه نفسي بيه .. أنا أستاهل أني أتحب .. أستاهل أنه يتعمل علشاني المستحيل .. مش أنا إللي أعمل المستحيل علشان حد وكمان مش شايفني
صمتت لثوانِ ترى تأثير كلماتها على وجه شاهيناز ثم قالت
-وبما أني قررت أشتغل فأنا عايزه أنجح بمجهودي .. مش باسم عيله الصواف ولا في مؤسسة عيلة الصواف
خيم الصمت عليهم لكن الغضب كان يرتسم على ملامح شاهيناز بوضوح .. لكن ذلك لم يؤثر في كاميليا ولم يرجعها عن قرارها .. وتصرفات حاتم ونرمين ومن قبلهم أديم أمام عينيها كل منهم أخذ موقف وأصر عليه ولم تستطع من تجلس أمامها الإعتراض أو إيقافهم .. لذلك هي لن تتراجع ..وبدون أن تسمح لشاهيناز بأي كلمه قالت بهدوء يصل حد البرود
-بعد إذنك .. وإدعيلي بالتوفيق
وغادرت من أمامها …دون أن تستطيع منعها أو حتى الحديث والمعارضه .. وكانت شاهيناز من داخلها بركان من غضب .. أن خيوط اللعبه التي كانت تمسكها بيدها تتقطع الواحده تلو الأخرى .. والعقد التي دفعت عمرها بأكمله حتى تحافظ على تماسكه أنفرط أمام عيونها ولم تستطع الحفاظ عليه .. لكن أخر حبات ذلك العقد هو طارق وهي لن تستسلم .. صحيح أديم هو ولدها الوحيد وهو كبير العائلة .. لكن حان الأن موعد كسر شوكته .. وإذا سقط أديم سقط الباقي تباعًا أسفل قدميها
لذلك هي لن تنتظر أكثر من ذلك .. وسوف تنفذ ما قررته دون تردد
……………………..
أنتهت ونس من تنظيف الغرف … لكنها وقبل مغادرتها لغرفة أديم تأكدت من أن الباب مغلق جيداً وأقتربت من الخزانه .. وبدأت في البحث على ما تريده وما جائت إلى هنا من أجله بالأساس .. هي تعلم وحدثها يخبرها إنها تبحث في المكان الخطأ لكن لا تستطيع تفويت تلك الفرصه … فلتتأكد من خلو هذه الغرفة مما تريد .. حتى تستطيع البحث في مكان أخر … شعرت بحركة خارج الغرفة لتُخرج سريعًا بعض الملابس من الخزانه .. ووقفت تعيد ترتيبهم وكأنها تعمل بجد .. أبتسم أديم حين رأها وقال بهدوء
-شكرًا يا ونس بجد على مجهودك في البيت .. من وقت ما أنتِ بقيتي موجودة هنا وكل حاجة في البيت بقا ليها شكل جديد .. وكأني بقيت في الجنة
أبتسمت بخجل لكلماته التي أسعدتها حقًا وجعلتها تكتسب ثقه أكبر أنها أستطاعت تحقيق ما تريد .. وأستطاعت إثبات قدراتها التمثيليه على أكمل وجه
وضعت أخر قطعة ملابس في مكانها وأغلقت الخزانه ثم ألتفتت إليه تقول بخجل
-حضرتك بس إللي ذوق أوي .. ومش بتحب تكسر بخاطري … أنا معملتش حاجة .. شقة حضرتك أصلاً ما شاء الله مميزة وراقيه
كان يستمع إلى كلماتها وهو يشعر من داخله بأن هناك جزء صغير من قلبه تعلق بتلك التي تقف أمامه خاصة مع شعرها الغجري الذي يحيط وجهها بكثافته وتموجاته التي مهما حاولت تجميعها لابد أن تنفلت منها إحدى الشعيرات لتغطي عينيها … وبملامح وجهها التي تسكر روحه من كثرة برائتها .. إنتبه من أفكارة وقال بأبتسامة حلوه بجانب فمه
-أنا مش بقول أي كلام أنا بقول الحقيقة … وبعدين ده بيتي وأنا إللى كنت عايش فيه قبل حضورك وبعده .. وأنا إللي حاسس بالفرق .. مالك أنتِ بقا
لتبتسم بسعادة وهي تتحرك تلملم أغراض التنظيف وكادت أن تخرج حين قال
-ونس
ألتفتت إليه تقول بهدوء
-نعم
-ولا حاجة أنا بس بحب أنطق أسمك بيحسسني أني مابقتش وحيد
لم تتحمل كل هذا لتغادر الغرفة سريعاً تلاحقها ضحكاته
……………………….
وقفت في المطبخ تفكر … أن ما تريدة غير موجود بغرفته .. ولا بغرفة نرمين … ومؤكد ليس في الحمام أو المطبخ … تبقت فقط غرفة المكتب والحاسوب الخاص به … كيف تفعل هذا .. أنتبهت لصوت حركة في الخارج ثم صوت التلفاز .. لوت فمها بضيق من بقاء نرمين في البيت أنها لا تعطيها مجال للحركة بحرية .. لكنها سوف تدخل إلى الغرفة واليوم … غادرت المطبخ والفكرة واضحه في رأسها هي في الأساس أمر طبيعي .. ووارد حدوثه لكن لتضيف إليها بعض البُهارات الحارة حتى يحدث الإشتعال قريبًا
لكن نرمين أوقفت تقدمها وهي تقول
-رايحه فين؟
-كنت هسأل أديم بيه على حاجة
أجابتها ونس بهدوء … لتقول نرمين بغرور وتعالي غير مقصود
-حاجة أيه؟ قوليهالي أنا
أبتسمت ونس إبتسامة صفراء وهي تقول
-عايزه أدخل أنظف أوضه المكتب .. بس لازم أخد إذنه طبعًا علشان لو هو مش عايز يعني
شعرت نرمين بالضيق … أنها لن تستطيع أن تقول لتلك الواقفه أمامها تشعر أنها تتحداها أي شيء بشأن ذلك الأمر ف بالفعل لابد أن تسأل أديم وهو من يقرر
لكنها رفعت أنفها بشموخ وقالت
-أوك
وأعتدلت من جديد في جلستها .. تشاهد التلفاز لتغادر ونس وفق شفتيها أبتسامة إنتصار
………………….
فتحت سالي عيونها بتكاسل وابتسامة رقيقة تزين ثغرها كان هو يتابع كل ذلك بأبتسامة سعادة ف بعد ما حدث بينهم منذ عده ساعات لم يستطع النوم أنه دخل وأخيراً إلى عالمها المميز … تذوق شهد جسدها … ولامس روحها وكسر القشرة السميكة التي كانت تغلق نفسها بها أخذها من عالمها الذي لا يحوى إلا الفراغ … والتساؤلات التي لا تجد لها إيجابه إلى عالم أوسع رحب مليىء بالسعادة
بسماء صافيه وعصافير مغرده … وبحار واسعه سهل الإبحار فيها حتى مع أمواجها العاتيه في بعض الأحيان
تمطئت بتكاسل لتتسع إبتسامته وأقترب من أذنها يهمس
-أصحي بقا يا كسلانه وحشتيني
لتفتح عيونها تنظر إليه لتلمع جرات العسل التي تسكن عيونها أمام عينيه التي تعشق كل تفاصيلها وقالت بصوت ناعس
-صباح الخير ياحبيبي
لم يصدق أذنيه وهو يسمع منها تلك الكلمة صحيح أنها لم تتوقف عن تكرارها في ساعاتهم الماضيه معاً لكن أن تقولها الأن بعد أنتهاء فورة المشاعر إذًا هي صادقه فيها … تشعر بها
أقترب يخطف شفتيها التي نطقت تلك الكلمة بشغف وحب كبير بادلته ذلك الشغف والحب بما يماثله وأكثر
لكنه أبتعد بعد بعض الوقت حتى تستطيع أخذ أنفاسها ولأنه يريد أن ينفذ ما قرره
طبع قبله على جبينها ثم غادر السرير لترى جسده الرجولي بكل تفاصيله وتابعته وهو يمسك بنطاله يرتديه وهو يقول
-قومي يلا علشان عندنا مشوار مهم جدًا وأخرتينا عليه يا كسلانه بكل النوم ده
إعتدلت تستند على ذراعها وهي تلف جسدها بشرشف السرير وقالت
-شكلك منمتش … وبعدين مشوار أيه ده أجله لبكره وتعالى نام شويه وأرتاح
سعادة كبيرة هو ما يشعر بها الأن وتجعله يشعر أن قلبه سيتوقف من كثرة تلك السعادة فحبيبته تفكر فيه … تهتم وهذا ما كان يحتاجه أن يشعر بأهتمامها
لكنه إبتسم بمشاغبه وهو يقترب منها ويقول
-اه يا قليلة الأدب … انت بتفكري في الحاجات دي عيب أنا إبن ناس ومعملش كده أبداً
وأقترب أكثر يقبلها بشغف رغم نظراتها المصدومة والزاهله لكنه إبتعد بعد عدة ثوانِ وهو يهمس أمامها
-وأنا هموت وأبقى قليل الأدب … فقومي يا بنت عمي ربنا يهديكي علشان لو سبت نفسي لأفكارى مش هنخرج من الأوضة لا مش من الأوضة من السرير نفسه
لتضحك بخجل ثم إبتعدت عنه بدلال أنثوي هو طبيعه في شخصيتها الرقيقة
لينفخ الهواء من داخل صدره وهو يقول
-أجمد يا حاتم … أجمد هتعوض الحرمان بس براحه وواحده واحده
أمسك هاتفه وفتحه ليجد رسائل كثيره من نرمين وأديم ورساله من شاهيناز توبخه وتأمره بأن يعود ويعيد إليها إبنتها
تجاهل كل ذلك ولكنه أرسل رساله صوتيه لأديم وعاد ليغلق الهاتف من جديد
~~~~~~~~~~~~~~~
وصلت كاميليا إلى العنوان المذكور في الإعلان ووقفت تتطلع في ذلك المبنى الشاهق والتي تحتل تلك الشركة المقصودة دور كامل فيه … لديها إحساس قوي بأنها تسير على الطريق الصحيح أخذت نفس عميق وأخرجته بهدوء وبخطوات واثقه دلفت إلى المبني
توقف المصعد وفتح بابه لتجد نفسها وجهًا لوجه مع يافطة الشركة الكبيرة والتي كتبت بخط عربي زخرفي مميز
شعرت ببعض التوتر لكنها شجعت نفسها أن ما تقوم به هو الصحيح … لابد أن تكسر دائرة الضحية التي تعيش فيها
بخطوات ثابته أقتربت همن الباب ليزداد إحساسها بالتوتر والقلق حين وجدت المكان خالي … البهو الكبير خالي من أي شخص … هل تأخرت وخسرت الفرصة؟ لوت فمها بحزن لكن صوت حركة في الداخل جعلها تنتبه وتراقب ذلك الخيال الذي يقترب على الأرض الرخاميه حتى ظهر أمامها شاب أسمر البشرة بعيون حاده ينظر إليها بتفحص لتأخذ نفس عميق ثم قالت بثقه
-أنا جايه علشان مقابلة الشغل
أقترب خطوتان وهو يقول بهدوء
-رغم إنك جايه متأخره لكن أتفضلي
رفعت حاجبها بتعالي وغرور يجري في دماء عائلة الصواف دون إيرادتهم وأقتربت من مكان وقوفه قائلة وهي تمد يدها أمامه
-كاميليا حداد
-فيصل زيدان
قدم نفسه في نفس اللحظة التي وضع يده في يديها … وأكمل قائلاً
-صاحب الشركة
ثم أشار لها على المكتب المفتوح والذي يحمل لوحه عليها كلمة “المدير”
لتسير أمامه بثقه وثبات ليدلف خلفها وبداخله إحساس غريب وكأنه قابلها قبل اليوم
جلس خلف مكتبه بعد أن أشار لها بالجلوس
قال بهدوء
-وأنتِ جايه تقدمي على أنهى وظيفه من المطلوبه
-مترجمة
أجابته بهدوء وهي تمد يدها ببعض الأوراق لينظر إليهم باندهاش … من يرى ثقتها في نفسها وغرورها الواضح في كل حركه منها يقول إن معها خبره وشهادات متنوعه وليس شهادة التخرج فقط … رفع عيونه لها وقال
-مشتغلتيش قبل؟!
-ده حقيقي .. لأني مكنتش محتاجة الشغل في وقتها ولا كان تفكيري مهتم أصلاً بمسألة الشغل
-وأيه اللي غير أفكارك؟!
سألها بفضول … لتقول بصدق
-كنت معتمدة على عيلتي .. والأفكار القديمة بأن بنات العائلات الكبيرة مينفعش يشتغلوا .. وكل تفكيري كان منحصر في الزواج والحياة الحلوة المرفهة إللي هعيشها مع جوزي المستقبلي
لمست شيء ما بداخله … عقدة قديمة ربما … أو جعلته يصدق ما كان يعتقده .. إحتمال لكنه قال وقد أتخذ قراره
-ومعاكي كام لغه بقى على كده؟!
أبتسمت بثقه وهي تقول
-إنجليزي وفرنساوي وألماني وتركي وأسباني … وحاليًا بتعلم عبري عن طريق كورسات أونلاين.
لتتسع ابتسامته وهو يقول بسعادة
-أهلاً بيكي يا أستاذه كاميليا معانا في الشركة
لتبتسم هي الأخرى بسعادة … لكنه أكمل كلماته قائلًا
-الشركة لسه في مرحله التأسيس يعني حضرتك المترجمة الوحيدة للشركه بشكل مبدئي
-ان شاء الله هكون عند حُسن ظنك
قالتها بثقه لا يفهم سببها ولا يفهم سبب موافقته من الأساس عليها لكن من داخله يشعر أن هناك شيء خاص بها … شيء يذكره بمن ملكت قلبه لكنها بعيدة بعد السماء عن الأرض
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
طرقات على باب غرفته يعرف صاحبتها تجعل قلبه يتراقص مع تلك الطرقات بسعادة وبصوت هادىء سمح لها بالدخول
وقفت أمامه تبتسم تلك الإبتسامة الحلوه التي تجعل السماء تشرق بشمس لامعه ونجوم ساطعه وتتفتح الأزهار في صحراء قلبه القاحلة وقالت بأدب وخجل
-كنت عايزة أستأذن حضرتك أنظف أوضة المكتب
قطب جبينه بحيرة … وقال باندهاش
-هو أنتِ ليه بتستأذني قبل ما تعملي أي حاجة؟!
أخفضت رأسها وقالت بخجل
-طبعًا لازم أستأذن يمكن حضرتك تكون مش عايزني أدخل المكتب أو في ورق مهم … أو حاجات مينفعش الخدم يشوفوها.
-خدم
ردد خلفها بضيق لترفع عيونها تنظر إليه بابتسامة حزينة وقالت
-حضرتك تسمحلي أنظف المكتب ولا لأ
ظل صامت ينظر إليها بتفحص … ثم قال بهدوء قدر إستطاعته
-البيت كله تحت أمرك يا ونس وأنتِ المسؤله عنه
ثم صمت ثوانِ لتبتسم عينيه وأكمل قائلاً
-أنا بثق فيكي
للحظة شعرت بالندم لما تنتوى فعله … لكن عادت تفكر مره أخرى فيما ينتظرها بعد إتمام المهمه … فقالت بابتسامة خجولة أصبحت تتقنها
-ثقه حضرتك دي فوق راسي و هتلاقيني تحت أمرك ديماً وعند حُسن ظنك
أومأ بنعم مع إبتسامة مشجعه لتغادر الغرفة سعيدة بتلك الخطوه … تاركه خلفها قلب تعلق بها يرسم بداخله أحلام كثيرة … ويشحذ كل طاقته لحرب قوية وكبيرة سوف يخوضها من أجلها
~~~~~~~~~~~~~
يجلس أمامها يشعر بالصدمة … هل ما سمعه الأن حقيقي … بدون أي مجهود منه يحصل على كل هذا … نظر إلى شاهيناز التي تجلس مع المحامي الخاص بمؤسسة الصواف تخبره بقرارتها الجديدة … في نفس اللحظة التي عادت فيها كاميليا من الخارج تقف تشاهد ما يحدث
-بالتوكيل إللي معايا عايزين نحول إسم سالي ونرمين لطارق … والأسهم بتاعتي كمان
ثم نظرت إلى كاميليا وقالت بأمر غير قابل للنقاش
-وكاميليا كمان
لم تعلق الأخيرة بشيء … لتكمل شاهيناز كلماتها
-وعايزه دعوة جمعية عمومية سريعه … علشان نعين مدير جديد لمؤسسة الصواف
خيم الصمت على الجميع حتى قال المحامي بتوضيح
-المؤسسة كانت شراكه بين الأخوات الثلاثه السيد سراج، والسيد حداد، والسيد خطاب …. وبعد وافتهم تم توزيع نسب الأسهم لكل واحد فيهم على حسب الورثه وعلى حسب نسبة كل أخ كمان … أنا حبيت أوضح النقطة دي علشان في إجتماع الجمعية العمومية ميحصلش لبس في الموضوع
أومأت شاهينار لكن طارق كان في عالم آخر يحلم بما سيحدث … ويتخيل هيئة أديم حين يعلم بكل هذا … أخذ نفس عميق وأعتدل في جلسته على الكرسي متخيل لحظة جلوسة على كرسي مكتب رئيس مجموعة الصواف
دلفت إلى غرفة المكتب وبداخلها مشاعر مختلطه … هل ستنتهي مهمتها وتحقق ما تريد؟ … هل ستجد ما تبحث عنه؟ إبتسمت بسعادة وهي تغلق الباب خلفها وهي تضع أدوات التنظيف خلفه مباشرة حتى يعيق دخول أي شخص عليها لبضع ثوانِ تستطيع فيهم أخفاء ما تفعله … وبشكل مباشر بدأت في البحث على ما تريد بدأت بأدراج ورفوف المكتبة .. وبين الكتب .. ثم أنتقلت إلى المكتب … وتلك الملفات الموجودة على سطحه … ومع كل درج لا تجد فيه مبتغاها تشعر بالإحباط … لكنها أستمرت في البحث .. عين على الباب … وعين تبحث فيما أمامها … فتحت الدرج الأخير وأخرجت منه تلك الأوراق والإحباط يتملكها … أنها لم تصل لشيء حتى الأن وتشعر بحركه بالخارج وتخشى أن يدلف أديم أو نرمين قبل أن تصل لما تريد … دقائق مرت وهي تبحث بعينيها بين الأوراق حتى وقعت عيونها على ذلك الملف لتبتسم بسعادة وهي تخرج الأوراق من الملف تطويها وتضعها في جيب بنطالها الخلفي ثم وبسرعة كبيرة أعادت كل شيء لمكانه وبدأت في التنظيف بالفعل لكن عقلها بدء بالفعل برسم صور مختلفة عما يسعده وما حضرت هنا من أجله .. صوره لأديم حين يكتشف حقيقتها وما قامت به وما سيحدث منذ تلك اللحظة… هل ما تريد تحقيقه يستحق أن تصبح خائنه في عينيه؟ ويستحق ذلك الجرح التي سوف تسببه له؟ خاصة وهي شعرت بأختلافه عن تلك الصوره المعروفه عن عائلته … خاصة وهي تشعر بأنجذابه لها .. نفخت بضيق لكنها نفضت عن عقلها تلك الأفكار وهي تعيد على نفسها أهدافها و أحلامها التي ظلت لأيام وأيام تحلم بها وتخطط لها … لترتسم على ملامحها معالم الإصرار والتحدي وبخطوات سريعه دارت في الغرفة حتى تنهي تنظيفها … حتى ترحل من ذلك البيت وإلى الأبد
~~~~
تقف عند مقدمة المركب تنظر إلى المياه الصافيه أمامها والهواء يداعب خصلات شعرها الذهبي فيصنع منها هاله جذابه أمام عينيه العاشقة
لم يستطع أن يظل بعيد عنها أكثر من ذلك … أنهى حديثه مع قبطان المركب وأقترب منها بهدوء لكنه حين وقف خلفها قال ببعض المرح مازحًا
-حبيبتي روز أوعي ترمي نفسك من هنا … أنا ما صدقت لقيتك.. ومش عايز أموت دلوقتي لسة مشبعتش منك
ألتفتت تنظر إليه وارتسمت إبتسامة مشاغبة تشبه إبتسامته وقالت بمرح مشابه
-متقلقش يا چاك أنا كمان ما صدقت لقيتك ومش هقدر أبعد عنك
حاوط كتفيها بذراعه ووقفا الأثنان ينظران إلى ذلك المنظر البديع أمام عيونهم ليقول حاتم من جديد
-عارفه يا سالي إني حلمت بكل لحظة معاكي هتكون إزاي كنت بفضل بالساعات أفكر فيكي وأوقات كتير مكنتش بقدر أنام من شوقي ليكي .. كان عندي أحلام كتير أوي نفسي أحققها معاكي
وصمت لثواني ثم أكمل بمشاغبة خاصه وهو يغمز لها
-ومنهم إننا نعمل زي جاك وروز في مشهد العربية
وضحك بصوت عالي حين لاحظ صدمتها لكنه بعد أن هدأت ضحكاته قال بصدق
-حقيقي يا سالي حلمت كتير بقربك .. وإني أعيش سعيد جوه قلبك .. وأحس بحبك ليا وأملك العالم بأمتلاكي ليكي وأمتلاك قلبك .. أنتِ حلم المراهقه والشباب .. وطموح راجل بيحبك بكل خليه فيه وكل نفس خارج من صدري بيردد أسمك .. وكل دقه في قلبي بتقول بحبك
أقتربت منه وحاوطت وجه بيديها وهي تقول بصدق والدموع في عينيها تشهد على كلماتها
-حاتم أنا هفضل طول عمري أعتذر لك وأعتذر لنفسي على عدم أحساسي بيك .. أعتذر على عمايا وسطحيتي … على قصر نظري .. وعدم نضجي .. أنا أسفة يا حاتم .. أسفه يا حبيبي
-يا سالي أنا قدام كلمه حبيبي دي أنا أبيع عمري كله .. وأسلمك قلبي من غير قيد ولا شرط
قال بصدق وهو يحاوط جسدها بذراعيه لتخبئ وجهها في صدره وهي تهمس له بكلمات الحب والاعتذار … لكنه أبتسم بشقاوة … وبحركه سريعة سقط الأثنان في المياة .. وسط ضحكاته وصراخه بكونه يحبها .. وصرختها المتفاجئه مما قام به .. لكنهم ظلوا يلعبون في المياة والضحكة التي ترتسم في عيونهم تحكي قصص من العشق لن ينضب يومًا .. ووعود أن يظل الأثنان معًا مهما حدث .. فكل منهم وجد ضالته في تلك الحياة
………………………
-بس أنا مش موافقه على إللي حضرتك بتقوليه ده يا طنط شاهيناز .. وأصلا من أمتى التوكيل ده معمول لحضرتك
صرخت بها كاميليا ليقف طارق ينظر إليها بغضب وصدمه هل أخته أيضًا ستكون ضده؟ .. كذلك شاهيناز التي وقفت تقول بهدوء رغم ذلك الغضب الظاهر في عيونها
-أنتِ بتقولي أيه يا كاميليا؟ ومن أمتى أنتِ ليكي رأي أو بتعترضي على كلامي؟
لتدخل كاميليا إلى داخل الغرفة وهي تتجاهل كلمات شاهيناز ونظرات أخيها وقالت موجه حديثها للمحامي
-أنا عايزه ألغى التوكيل إللي معمول لشاهيناز هانم .. ومش موافقه على قرارها .. ولو حصل حاجه عكس إللي أنا قولته هقاضيك وهخرب بيتك
الصدمه ألجمت الجميع .. لكن كاميليا لم تتوقف بل أخرجت هاتفها وأتصلت بنرمين وأخبرتها بكل شيء وطلبت منها أخبار أديم بالأمر وسالي وحاتم أيضًا … وخلال ثوانِ كان هاتف المحامي يعلوا رنينه بأسم أديم لتعود شاهيناز تجلس مكانها وكأنها فقدت كل قدراتها على الحركة أو الكلام كذلك طارق الذي كان يحلق في سمائه بين نجوم أحلامه … سقط الأن في بئر سحيق … لا ضوء فيه ولا أمل من النجاة … حين أغلق المحامي الهاتف مع أديم قال بصوت ضعيف
-أديم بيه قرر عمل جمعية عمومية بكرة وطالب من الكل الحضور وأولهم حضرتك يا شاهيناز هانم
لتغادر كاميليا بخطوات ثابته صاعده إلى غرفتها والغضب من تلك العائلة يزداد .. وكذلك المحامي لم يعد هناك داعي لبقائه فغادر الغرفة وهو يتمتم بسلام غير مفهوم ثم غادر القصر بأكملة .. لكن طارق هو من صرخ بصوت عالي موجهًا حديثه إلى شاهيناز
-أنتِ ساكته ليه؟ هو خلاص كده .. سلمتي مبقاش عندك أي سلاح نواجه بيه أديم .. هتسبيه ينتصر.. ردي عليا خلاص كده .. ردي عليا ساكته ليه؟
كانت تنظر إليه بصدمه .. لكن صدمتها لم تجعلها قادرة على الكلام أو الرد على صرخات طارق المتكررة .. أنها خسرت كل شيء بالفعل .. خسرت مركزها وقوتها .. هل كل هذا بسبب أديم؟ .. بسبب خطأها القديم .. هل هي حقاً السبب في كل ما يحدث الأن؟ .. بسبب موافقتها ذلك اليوم .. ورضوخها لقرار سراج …. ظلت داخل دوامتها التي ترسم أمام عيونها ما حدث لها منذ زواجها من سراج .. سراج الصواف حلم كل الفتايات لكن ورغم معرفتها بكونه رجل متعدد العلاقات .. إلا أنها وافقت على الزواج منه … ورغم تأخر الحمل إلا أنه لم يظهر لها أستيائه .. ولذلك ظلت صامته على خيانته المتكرره …لكن أن تكتشف أن نتيجة خيانته لها .. طفل .. من حرام .. “أديم” التي قبلت أن تعطيه أسمها وأن تصبح أمه حتى يظل الأمر في أطاره الشرعي أمام الناس… حفاظاً على سمعة العائلة … ومن بعده رزقها الله بأبنتين لتشعر من داخلها بالرضا من كونها قبلت بأديم كأبن لها … لكن للقدر دائماً رأي أخر …ف ما حدث لنرمين .. والذي بسببه سقط سراج مصاب بجلطه قلبيه … من كثرة لومه لنفسه بعد فترة قصيرة مات .. فلقد أعتدى سراج على شرف فتاة وإبنته دفعت الثمن .. وطالها مثل ما طال تلك الفتاة … هل عليها الأن أن تستمر في محاولاتها المستميته في الحفاظ على كيان تلك العائلة؟ .. أم عليها الأن أن ترحم نفسها وتترك كل شيء؟ .. هل عليها الأن أن تكشف كل الحقائق؟ .. وكل منهم يعرف حقيقته… أم تظل صامته ويرحل السر معها كما رحل مع سراج .. لكن إلى متى؟
………………………..
تقف تتابع ما يحدث وهي لا تصدق ما حدث .. وكأن القدر يساعدها … ويمهد لها طريق النجاح .. أن تلك المعلومات الجديدة سوف تفيدها حقًا .. أبتسمت بسعادة وهي تتابع ما يحدث وأجلت عودتها إلى المنزل حتى تحصل على كل المعلومات وتصبح الصوره كاملة دون نقصان .. ووقتها ستقوم بما جائت إلى هنا من أجله … لكنها أيضًا تشعر بالشفقه على حال أديم الذي يظهر الغضب على كل ملامحه وأيضًا في كل حركاته
……………………….
الغضب يجعل الدماء تفور في عروقه ويود أن يذهب إلى القصر الأن حتى ينظر في وجه أمه ويصرخ بكل ما بداخله من ألم وحزن … لماذا تفعل هذا به؟ لماذا يشعر دائمًا بكرهها له؟ .. نيران الحقد التي تصر على أشعالها بين أفراد العائلة الأن تشتعل بداخله … وطعم الخيانه مر علقم ولا يستطيع أديم إبتلاعه بسهولة
وكانت نرمين لا تقل عنه فجسدها ينتفض …. وإحساس الخيانه يعود إليها من جديد .. الأن ومره أخرى يعود إليها نفس الشعور القديم.. العجز والضعف … لماذا عليها أن تظل تتجرع نفس هذا الكأس مرارًا وتكرارًا؟ .. الذكرى المؤلمه تعود إليها من جديد .. وتتجسد أمام عينيها الأن وكأنها تحدث الأن بكل تفاصيلها
(كانت عائدة من مدرستها وككل يوم تسير نصف الطريق مع صديقتها وباقي الطريق تسيره بمفردها … صحيح قد وضع والدها لها حارس شخصي بسبب رغبتها في السير ذهابًا وعوده من المدرسة ولا تحبز ركوب السيارة .. وهو لم يرغب في إحزانها فخصص ذلك الحارس من أجل تأمينها .. لكن اليوم لم تحضر صديقتها .. فقررت أن تقوم ببعض المغامره .. علها تشعر ببعض التجديد في حياتها .. وبعض النشاط .. متجاهله ذلك الحارس الذي يسير خلفها وكأنه ظلها .. وصلت إلى مكان قريب من المدرسة به حديقه كبيرة وزهور أشكالها غريبه لفتت نظرها من أول مره مرت عليه هي وصديقتها .. فوجدت في غياب صديقتها فرصه لدخول ذلك المكان وأكتشافه .. لذلك لم تشعر بقدميها وهي تخطوا إلى تلك الحديقة تتجول بين الذهور بسعادة .. تتصور مع تلك الزهرة .. وتنحنى تستنشق عبير زهرة أخرى … تمسك بأوراق تلك الوردة تتحسس نعومتها … وفجأة وجدت شخص ما يحاوطها من الخلف وكفه الكبير يكتم فمها … وحملها وألقاها أرضًا لتصطدم رأسها بالأرض الصلبه .. وتبدء الرؤية بالتشوش … ولم تشعر بشيء أخر سوا صوت بغيض يتغزل في محاسنها .. تشعر بالأشمئزاز والخوف ويده تنتهك حرمة جسدها البريء دون رحمه أو شفقه .. تود أن تصرخ أن تركض أن تبتعد .. لكنها لا تستطيع التحرك أو الأتيان بأي ردة فعل فجسدها بأكمله مخدر بألم وخوف وضعف طفله لم تكمل عامها السادس عشر .. فقط دموعها هي ما تعبر عن حالتها ورفضها هي فقط صرخاتها المكتومه المرتده داخل صدرها خاصه .. أراد عقلها أن يرحمها مما تعاني فأخذها إلى عالم الظلام ومع ذلك كان هذا الشخص ينتظرها هناك أيضًا
صوت صرخات جعلتها تفتح عيونها بتثاقل … عيون حمراء وشهقات ممتاليه تشوش وعدم أدراك لعده لحظات ثم أنتهى عقلها لحالتها لتصدر منها صراخه عالية .. وأستمرت بالصراخ حتى لم يعد يصدر منها أي صوت .. صمت تام وفقط .. كل ما حصل بعد ذلك كان مجرد شعورها بأن الجميع يركض حولها .. أصوات مشاجرات وصراخ وأتهامات بمن المسؤل وصوت أمها تتهم والدها الذي ينتحب بجانبها وهي تخبرة .. بثمن خطأه الذي دفعته نرمين .. ثم صوت صرخات متتاليه لم تفهم منها شيء لكنها تعلم جيدًا أن هناك شيء خطير يحدث
بعد مرور أكثر من ثلاث شهور وبعد ما أستعادت جزء من وعيها رغم صمتها الدائم .. وأستسلامها لكل شيء .. علمت بأن والدها أصيب بجلطه من صدمته لما حدث معها وظل بالرعاية لمدة أسبوعين … والأن هو بالبيت لكن تلك الجلطة قد أثرت على حركته والنطق .. ولا يفارق السرير وبعد مده قليله مات … لم تستطع دخول إمتحاناتها .. وكل من كان يسأل عنها يخبروهم بأنها قد سافرت إلى الخارج .. وظلت الأمور على هذا الوضع حتى بدأت تستعيد نفسها بمساعدة طبيبة نفسية ثقه .. وأتفق الجميع عن إخفاء الأمر … وبعد عودتها إلى الحياة عرفت من والدتها أن طارق قد طلب يدها من والدها قبل وفاته وهو وافق خاصة مع تعهد طارق بحمايتها وأخبرتها بما قاله
-أنا عايز أتقدم لنرمين يا عمي .. أنا أولى حد بيها و أوعدك إني أحافظ عليها وأشيلها جوه عيني.
وهكذا أتفق الجميع بشكل ضمني أن نرمين لطارق … لكن أجل الإعلان الرسمي أجل حتى تتخرج من الجامعة )
عادت من ذكرياتها وهي تأخذ نفس عميق علها توئد تلك الدموع وعلها تعود لوعيها علها تستطيع التفكير في حل وتساعد أديم فيما سيحدث غدًا لكن كل ذلك كثير عليها هي لا تحتمل
………………………
عاد فيصل إلى بيته وهو سعيد بشدة اليوم أخذ عده خطوات مثمره من أجل شركته .. ومن الغد سوف يتم أفتتاح الشركة بشكل رسمي وبها طاقم عمل مميز .. جلس على الأريكة التي تأخذ حيز كبير في صالة منزله الجديد أمام التلفاز .. أشعل التلفاز حتى يكسر ذلك الصمت الذي يملئ المكان .. وخلع حذائه وهو يمسك هاتفه ويتصل بشخص ما وحين وصل إليه صوت محدثه قال بهدوء
-مساء الخير يا باشمهندس.. كنت عايز أبدء الحمله إللي أتفقت معاك عليها من النهاردة لو ينفع
صمت ثواني ثم قال
-أكيد هبعتلك الفلوس على محفظتك الإلكترونيه حالاً
صمت مره أخرى وأبتسم ثم قال
-تمام جدًا .. شكرًا يا باشمهندس.
أغلق الهاتف وأسترخى بهدوء وهو يتذكر كل من قام بتعينهم اليوم في شركته … إن لفظ شركته وحده يثير بداخله الكثير من مشاعر الفرح والسعادة .. لكن تلك الفتاة “كاميليا” … قفزت إلى مخيلته … أنها فتاة غريبة .. ذات كبرياء وعزة نفس .. شعر أنها تشبه حبيبته التي يفتقدها كثيرًا أنها تشببها في طريقة حديثها وهيئتها وذلك الشموخ المتأصل في تكوينها .. أم أن قلبه أشتاق إليها بشدة ف منذ أكثر من خمس سنوات لم يراها … لا يعلم ماذا عليه أن يفعل عله ينول وصالها … هل يتجرء ويطلبها من أديم مباشرة؟ وهل سيوافق عليه أم أنه سيغلق فقط أبواب الأمل بداخل قلبه؟ .. نفخ الهواء ببعض الضيق ثم وقف ليتوجه إلى الحمام حتى يتوضئ ويصلي … وليدعوا الله أن يوفقه ويدله على الصواب
……………………
وقفت أمامة وقالت بتوتر وقلق
-هتعمل أيه يا أبيه؟ تفتكر الموضوع ده هيوصل لأيه؟
نظر إليها وهو يعلم جيدًا ما يدور داخل عقلها … يلاحظ إرتعاش جسدها .. ويدها التي تنتفض بجانبها عيونها التي تلمع بها الدموع .. وصوتها الذي يرتعش خوفًا … ليضمها إلى صدره بحنان وهو يقول بما لا يشعر به
-متقلقيش مفيش حاجة هتحصل ما أنتِ عارفه شاهيناز هانم وتصرفاتها .. كل حاجة هتبقى كويسة متخافيش.
ثم أبعدها عن حضنه وقال بابتسامة لم تصل لعينيه بعد أن قبل جبينها
-أدخلي نامي وأرتاحي يا نرمين ومتقلقيش من حاجة طول ما أنا جمبك … وعلشان كمان بكره تكوني بكامل تركيزك وتقدري تدعميني
أومأت بنعم ليربت على وجنتها وهو يقول
-يلا أدخلي أرتاحي .. وسبيني أحاول أوصل لعصافير الحب إللي قافلين تليفوناتهم دول
أبتسمت أبتسامة صغيرة وهي تومئ بنعم من جديد وتحركت في أتجاه غرفتها ليعاود هو الإتصال بحاتم للمره الذي لم يعرف عددها يأتيه نفس الرد “الهاتف المطلوب مغلقًا أوخارج نطاق الخدمة” … في نفس اللحظه التي خرجت فيها ونس من المطبخ تقول بتردد
-حضرتك عايز مني حاجه يا أديم بيه .. ولا أقدر أروح
نظر إليها بأندهاش وصدمة … ثم نظر إلى ساعته وقال
-أنتِ لسة مروحتيش لحد دلوقتي .. الوقت أتأخر أوي
أبتسمت أبتسامة مهزوزة وهي تقول
-مفيش مشكلة لسة بدري .. بعد إذنك
وتحركت نحو الباب ليقول هو بصوت ضعيف
-ونس
ألتفتت تنظر إليه بأستفهام ليقول هو برجاء
-ممكن تقعدي معايا شويه … عايز أتكلم مع حد ومش عارف أوصل لحاتم ومليش صحاب
ظلت تنظر إليه بصمت لعده ثواني … ثم أومأت بنعم .. ليشير لها على الأريكة حتى تجلس .. تحركت خطوتان وجلست بهدوء ليجلس هو جوارها واستند بذراعيه فوق ساقية واحنى رأسه بهم … أحترمت صمته خاصه وهي تشعر بألم قوي داخل قلبها ولا تفهم سببه …. مرت عده دقائق وهو على نفس الحال ثم قال بهمس
-تعرفي أني بحسدك
قطبت جبينها بأندهاش وهي تنتبه إلى كلماته بتركيز وصدمه … وهو لم يتأخر في باقي كلماته التي كانت تنتظرها بلهفه
-أيوه بحسدك .. صحيح حياتك صعبه .. ومش سهلة على بنت زيك لكن على الأقل أنت عارفه أساسك أولك وأخرك .. عارفه مين عدوك وبتحربيه بكل طاقتك لكن لما تبقي معصوبه العينين .. وفي وسط أهلك لكن مش عارفه الضربه هتيجي منين وإزاي ومين إللي هتخسرية لما تكتشفي خيانته .. إحساس صعب والأصعب منه أن الضربه فعلاً تيجي من أقرب حد ليكي … أمك … متخيله كم الوجع والضياع والأزمه إللي أنتِ بتوجهيها .. متخيلة كم العذاب
كانت تشعر بألم داخل قلبها … قلبها يبكي من أجله لكن عيونها ظلت بلا معنى واضح رغم تعاطفها الشديد الظاهر في معالم وجهها وهو لم يكن يهتم بما يظهر على ملامحها .. أو بما تشعر به داخل قلبها .. هو كان غارق في أفكارة .. ووجعه .. لذلك أكمل كلماته
-من صغري وأنا عايش في صراع العيلة ومسؤلياتها … ومكانتي إللي مينفعش بسببها يكون ليا أصحاب .. مينفعش تعمل ده .. مينفعش تكلم ده .. أنت هتبقى كبير عيلة الصواف ولازم تتصرف على الأساس ده .. أقعد عدل .. كل على حسب الإتيكيت .. مينفعش تقعد القعدة دي .. أنت أديم الصواف فاهم يعني أيه أديم الصواف
صمت يتجرع كاسات الألم مع تلك الذكريات التي كانت تقتله من الداخل بالبطيء … كانت تتابع كل حركة من جسده .. لتقع عيونها على يديه الذي يضمها بقوه حتى أبيضت مفاصلها لتجد يدها تتمرد عليها وتقترب من يده تربت عليها بهدوء وحنان وقالت بصوت مختنق
-أهدى أرجوك .. بلاش تفتكر كل الحاجات المؤلمه دي
نظر إليها لتهولها هيئته .. عيون حمراء تلمع بدموع أبيه ترفض مغادرة مكانها … ووجه محتقن عروقه نافره .. تشعر أنها تكاد تنفجر لتقول من جديد
-أرجوك أهدى يا أديم بيه
وكأنها قالت له أنفجر.. ليصرخ بها حتى أن نرمين غادرت غرفتها تنظر إليه بخوف
-متقوليش يا بيه .. أنا مش أحسن منك علشان تقوليلي يا بيه … أنا أديم أديم وبس … أنا مجرد لعبه خيوطها في أيد شاهيناز هانم السلحدار .. أنتِ حياتك ملكك لكن أنا لا … يبقى إزاي أنتِ تقوليلي يا بيه …
وأقترب منها خطوه وقال بألم
-أنتِ عارفه معنى أسمي يا ونس .. معناه الظاهر .. حتى وهما بيختاروا أسمى أختاروه علشان يكون مميز وواضح وظاهر للكل .. أختاروه علشان يليق على لقب عيلة الصواف … أنا بس أداة علشان عيلة الصواف .. ف منين بتقوليلي يا بيه .
وأقترب منها خطوه أخرى وقال بألم
-عرفتي بقى إني لازم أحسدك.
أومأت بنعم حتى تجعله يهدء … لكنه أقترب منها خطوه وقال برجاء
-أنا محتاجك يا ونس .. أرجوكي خليكي جمبي
لم تستطع أن تجيب بشيء .. لكن الصدمه أرتسمت على وجه نرمين حد الرعب … وظل الموقف ثابت لعدة ثوانِ ظل تواصل العيون بين ونس وأديم دون أنقطاع حتى قال هو بصوت هامس
-عارف أنك مصدومه وخايفة .. ويمكن مش مصدقه.. لكن أنا بتكلم جد .. أنا محتاجك في حياتي
قالت له بهدوء لكن صوتها خرج مرتعش
-حضرتك منفعل بس .. والموقف إللي أنت فيه صدمك علشان كده بتقو….
-أنا بتكلم جد .. أنا من يوم ما شوفتك وأنا أتعلقت بيكي .. عيوني عشقتك .. روحي أرتاحت لقربك ..بفرح لما بشوفك وبطمن لما بسمع صوتك .. ونس أنا بحبك
قاطع سيل كلماتها وهو يقول بصوت عالي يغلفه الصدق والتوسل … لترتسم الصدمة على ملامحها .. وشهقت نرمين بصوت عالي جعلته ينتبه لوقوفها ف ألتفت ينظر إليها … ليتوتر الجو أكثر مما كان لتهمس ونس
-بعد إذن حضرتك أنا هروح
وغادرت سريعًا دون أن تسمح له بقول أي شيء أخر أو يجد الفرصه للقول من الأساس .. ليعود بنظره إلى نرمين التي ظلت تنظر إليه بعدم تصديق .. ثم دلفت إلى غرفتها وأغلقت الباب بقوه أجفلته .. فاليوم بكل تفاصيله لم يعد يحتمل
……………………………….
ظل يلقي بكل شيء في غرفته أرضا وصوت التكسير كان يملئ البيت بأكملة .. حتى صوت صرخاته بكلمات تحمل الكثير من الغضب والحقد والكره الواضح لأديم .. خاصه وهو يتصل بها وهي لا تجيب .. لماذا الأن أنه بحاجة للتحدث معها؟ .. أنه يريد أن يطمئن قلبه أن ما يريده سهل الوصول إليه .. أن حلمه مازال بين يديه ولن يرحل كما رحل عنه كل شيء .. لن يخسر هذه المره .. حتى وأن كتبت عليه الخسارة .. فلن يكون هناك فائز آخر والخسارة ستطول الجميع
……………………………….
تشعر بالإختناق .. أن ذلك القصر أصبح يشعرها وكأنها داخل سجن بأسوار عالية .. مقيده به بقيود من حديد تخنقها وتجرحها بأستمرار
عليها أن تذهب من هنا .. لكن إلى أين؟ وكيف؟ ظلت صامته تحاول التفكير وجسدها ينتفض كل لحظة وأخرى مع صوت أخيها الصارخ بغضب … أو مع صوت تكسير شيء ما .. وشعور بالخوف يتملكها .. وسؤال مهم يضرب ناقوص الخطر داخل عقلها .. هي فقط من وقفت أمام مخطته اليوم فهل سيطولها أذاه؟ .. أمسكت هاتفها تفكر بمن تتصل حتى يساعدها فيما تريد .. فجأة لمعت عيونها بفكره .. صحيح غريبه لكن ليس أمامها غيره .. رغم كل شيء هو الأن فقط من تستطيع اللجوء إليه
بحثت عن أسمه وضغطت أتصال … ليصلها صوت الجرس .. ثم صوته الرخيم يقول
-خير يا كاميليا
حين خرجت من منزل أديم شهقت بصوت عالي فرئتيها يطالبان بالهواء .. لتكتشف أنها توقفت عن التنفس في نفس اللحظة التي صرخ فيها أديم معترفًاً بحبه لها .. ما هذا الذي يحدث الأن؟ .. وكيف حدث؟ .. أديم الصواف وقع في غرامها وهي التي يعرفها بخادمة لديه .. هل ما سمعته حقيقة أم إنها تتخيل .. مؤكد تحلم .. فما حدث لا يستطيع عقلها أدراكه أو تصديقه … وقفت أمام البنايه تنظر إليها والصدمه تتجلى على وجهها .. وكأنها قد شاهدت شبح مخيف لتوها .. نفثت الهواء بهدوء لعدة مرات حتى تعيد نشاط عقلها .. ثم رددت بصوت هامس .. أديم الصواف بيحبني .. وأبتسمت بسعادة وتحركت لتعود إلى البيت
………………..
ظلت واقفه خلف باب الغرفة تضع يدها فوق صدرها تحاول أن تهدئ من خفقات قلبها المتسارعة … أخيها ومثلها الأعلى يحب خادمة .. يتوسل بقائها وحبها .. ما سر هذة الفتاة؟ وما هو المميز فيها؟ حتى يقع في غرامها شخص مثل أخيها … تحركت لتقف أمام المرآة .. وكشفت قليلًا عن نحرها لتظهر أمام عيونها تلك العلمات التي لم تختفي .. تلك التي تركها خلفه المغتصب حتى تظل تذكرها بما فعله بها .. و إن حياتها أنتهت ولن يكون لها يومًا حياة تشبه حتى تلك الخادمة لن تجد من ينظر إليها كما ينظر أديم إلى تلك الفتاة … ولن تستمع لأعتراف مشابه لأعتراف أديم لونس … أنحدرت دموع الحسره والألم من عيونها .. جلست على السرير بحزن وصورة حاتم ونظراته لسالي ترتسم أمام عيونها .. وتلحقها نظرات أديم لونس ودفاعه عنها وأعترافه بحبها .. وصوت جهوري يزيد تلك الصوره قتامه في عيونها ( جسمك حلو أوي .. من زمان وأنا نفسي فيكي .. أنا هخدك دلوقتي .. وهتفضلي ليا العمر كله .. أثري هيفضل على جسمك لحد ما تبقي ليا من جديد)
لم تعد تحتمل لكنها كتمت صرخة قلبها بيدها حتى لا تغادر حنجرتها ثم دفنت وجهها في الوساده وظلت تنتحب حتى خارت قوتها وسقطت في نوم عميق
…………………
عاد حاتم إلى الفندق بعد ذلك اليوم الجميل في وسط البحر .. وحين دلفوا إلى الغرفة دلفت سالي إلى الحمام مباشرة وجلس هو على الأريكة يرتاح حتى تخرج ويأخذ هو الآخر دوره .. أمسك هاتفه وفتحه وبعد ثوانِ قليله وصله الكثير من الإشعارات … لكن هذا متوقع لكن كم الإتصالات التي قام بها أديم جعله يقلق وقبل أن يأخذ أي خطوة .. كان صوت الهاتف يعلو وأسم أديم يظهر أمامه ليجيبه سريعًا والقلق يرتسم على ملامحه .. وأكدت مخاوفه حين وصله صوت أديم الجاد والمرهق بشكل جعل قلبه يسقط أسفل قدميه من الخوف وهو يقول
-عايزك أنت وسالي تكونوا موجودين بكره الصبح في الشركة علشان في جمعيه عمومية
وأغلق الهاتف دون أن يضيف أي شيء .. لتزداد تقطيبة حاجبي حاتم .. لكنه فتح برنامج الرسائل وبدء يستمع لرسائل نرمين … ورسالة كاميليا .. في نفس اللحظة التي خرجت فيها سالي من الحمام وصوت أختها يصل لها وهي منهاره بشكل يؤلم القلب .. وصوت كاميليا المرتعش من الخوف
.. حين أتضحت الصوره أمامهم شهقت سالي بصوت عالي ليرفع عيونه إليها بقلق … لكنه تحرك سريعًا وأتصل بأستقبال الفندق حتى يحجز تذاكر الطيران .. فالأمر لن يحتمل العودة بالسيارة
وبدأت سالي في جمع الأغراض بعد أن أرتدت ملابسها … ألتفتت إليه حين أنهى حديثه ليقول موضحًا
-في طيارة كمان ساعتين
أومأت بنعم .. ليقترب منها يضمها إلى صدره يطمئنها ويحتوي خوفها الساكن في عيونها .. ثم أبعدها قليلًا ونظر في عيونها وقال
-أنتِ فهمتي الموقف صح؟
أومأت بنعم … ليسألها ببعض الخوف
-موقفك أيه يا سالي .. يعني هطاوعي شاهيناز هانم في أذية أديم ولا هتقفي جمب أخوكي؟
أنت موقفك أيه؟!
سألته بهدوء .. ليقول بتأكيد
-موقفي واضح وأنتِ عارفاه
-وأنا كمان .. موقفي زي موقفك .. مش هسمح لمامي أنها تسبب ضرر لأديم وبعدين أنا بثق فيك وفي عقلك وأفكارك وصدقني من النهاردة هتلاقي سالي مختلفة خالص عن إللي كنت تعرفها
ليقبل جبينها وهو يقول بصدق
-مش لازم توافقي على كل إللي أنا عايزه .. ممكن تعترضي وتختلفي معايا ونتناقش ونقنع بعض
وأقترب يقبل وجنتها برقه … وأكمل قائلًا
-وبعدين أنا عايز سالي بكل تفاصيلها .. سالي إللي بحبها من وأنا مراهق وإللى غرقت في عشقها وأنا شاب وإللي أدمنتها وأنا راجل في الثلاثينات
لتحاوط خصره بذراعيها وأراحت رأسها على صدره وهي تقول
-هو أنا إزاي كنت عاميه ومش شايفه حبك ليا .. ولا شايفه جمال قلبك وروحك
-علشان زي ما قولتي يا قلبي .. كنتِ عامية .. بس خلاص عيونك الحلوه فتحت وشافت حقيقة حبي
لتضمه بقوه وفعل هو بالمثل .. لكن عقله سرح في صديقه وأبن عمه .. وما سيحدث غدًا
………………………
ظلت جالسه في مكانها تفكر كيف فعلت ذلك؟ من هذا الشخص حتى تطلب منه أن يبحث لها عن مكان تسكن فيه؟أغمضت عيونها وهي تتذكر المحادثه التي حدثت منذ قليل
-السلام عليكم .. أنسه كاميليا .. خير
أجابها ببعض القلق .. وعقله يفكر هل ستعتذر عن العمل … هل سيعود للبحث من جديد ومقابلات العمل؟ لكنه إنتبه على صوتها وهي تقول
-أنا أسفه إني بتصل بيك دلوقتي بس في الحقيقة معرفش حد غيرك ومحتاجه منك خدمة
أعتدل في جلسته وهو يقول بأهتمام
-تحت أمرك .. خير
أخبرته بهدوء والتوتر والخجل واضحين في أرتعاشة صوتها
-أنا محتاجه شقه ضروري أسكن فيها … مش شرط تكون كبيرة .. بس تكون في مكان كويس وراقي .. علشان أنا هعيش فيها لوحدي .. ودي أول مره وهخاف حقيقي أعمل ده لوحدي
كان يشعر بالإندهاش من حديثها والصدمه وبدء الشك يثاوره .. لكن كلماتها الباكيه والتي صدمته بالفعل جعلت عينيه تجحظ وهو يكذب أذنيه
-أنا عارفه إنك بتفكر في مليون فكرة دلوقتي .. بس أنا هوضح ليك الموضوع .. أنا كاميليا حداد الصواف .. وأكيد أنت عارف مؤسسة الصواف .. يعني أنا لا نصابه ولا محتاله ومش محتاجه أصلا للشغل .. لكن في الحقيقه أنا عايزة أبني نفسي بنفسي .. خارج إطار إسم ولقب الصواف .. وخطوة البيت دي كنت هعملها بس قدام شويه .. لكن الظروف دلوقتي حكمت بكده
ظل صامت يستمع إلى كلماتها وهو لا يعلم ماذا عليه أن يفعل الأن .. هل يخبرها أنه على معرفه بأخيها طارق .. وأبناء عمومتها حاتم وأديم .. أم يصمت ويساعدها ويخبر أديم بالأمر ويرى ماذا سيقول
أرتاح قليلاً للفكرة الثانية .. فأجلى صوته وهو يقول بهدوء قدر أستطاعته
-تمام يا كاميليا .. بكره الصبح لما تيجي الشركة هكون معايا خبر كويس ليكي .. وأن شاء الله خير
صمت لثواني .. يصله صوت أنفاسها المتلاحقه .. ويعرف جيدًا أنها تلوم نفسها الأن … فقال حتى يبعد عنها ذلك الحرج
-وأنا سعيد جدًا إنك لجأتي ليا أنا في موضوع زي ده وان شاء الله مش هخذلك
شكرته ببعض الكلمات المبهمه … وأغلقت الهاتف … وها هي على نفس جلستها تفكر أن تتصل به تعتذر منه وتطلب منه ألا يهتم بالأمر .. وتعود من جديد لتنتفض على صوت صراخ أخيها الغاضب .. تعود لتقول لنفسها إن عليها الرحيل من هنا في أسرع وقت .. ولولا حساسيه موقفها مع أديم للجأت إليه .. أو لو كان حاتم موجود كان سيحميها من بطش أخيها الذي سيطالها دون شك .. غادرت مكانها لتتأكد أن الباب مغلق جيدًا .. ثم أعدت المنبه حتى يوقظها باكرًا .. عليها مغادرة البيت قبل أستيقاظهم .. تحركت نحو الخزانه وأخرجت الحقيبة الكبيرة وبدأت في جمع ملابسها وكل أغراضها … وكل ما تملك من مال وبعض المصوغات .. ووضعت الحقيبه جوار الباب .. وتمددت على السرير … حتى تنال بعض الراحه فما هو قادم ليس بهين .. ولكنها على الأقل ستبقى في إحدى الفنادق حتى تجد شقه مناسبه لها
……………………..
يجلس على الأريكة عقله سارح في كل ما حدث معه ويحدث .. والدته التي لا تترك فرصه إلا وتظهر له فيها كم هي تبغضه .. ولا يعلم السبب هل فقط لكونه تمرد على قوانينها .. أم هناك شيء أخر هو لا يعلمه .. وونس التي ظهرت في حياته لتجعل منها شيء مميز .. زينتها ببعض الزهور المميزة تجعله يشعر بالراحه والإطمئنان والسكينه التي كان يفتقدها بسبب حياة القصور .. صحيح لم يجمعهم الكثير من الوقت لكن مجرد النظر إلي وجهها وشعرها الغجري بكل تموجاته التي يحيط وجهها يجعلها في عينيه مميزه بشكل لا يصدقه قلبه … أخذ نفس عميق وهو يفكر هل يدخل إلى أخته .. هل يتحدث معها فيما شاهدته وسمعته أم يتركها الأن .. حتى تهدء ويستطيع مخاطبة قلبها وعقلها حتى تفهمه وتشعر به .. أنتهى على صوت هاتفه ليشعر بالإندهاش من ذلك الإتصال لكنه أجاب بهدوء .. ليصله صوت فيصل يقول
-أديني عنوانك يا أديم علشان عايزك في موضوع مهم وميحتملش التأجيل
رغم إندهاشه .. وعدم أستعداده لمقابله أي شخص الأن .. إلا أنه أملاه العنوان وأخبره أنه في أنتظاره ولم تمر سوا خمسه عشر دقيقه إلا ووجده يتصل من جديد ويطلب منه أن ينزل له رافضًا كل محاولات أديم في جعله يصعد إليه
خرج من البنايه ليجد فيصل يستند على سيارته بملابس رياضيه وحذاء رياضي خفيف .. مما يدل على أن هناك شيء مهم وأنه كان في منزله لكن هيئته المتوتره .. أقلقته بشده حين شعر بأقترابه منه رفع رأسه ينظر إليه بأبتسامة حقيقيه ليحتضنا بعضهما فلقد مرت أكثر من خمس سنوات لم يتلاقيا … أبتعد أديم وهو يقول
-لولا أني عارف إن أنت إللي مستنيني تحت مكنتش عرفتك
ومد يده يربت على عضلات ذراع فيصل وهو يقول بمرح
-طلعوا أمتى دول؟!
ليضحك فيصل وهو يجاريه في المزاح
-طلعوا أول أمبارح بليل .. لما حسوا إني ممكن أقابلك يا أبن الأكبار
ليضحك أديم بصوت عالي .. أن فيصل من الأشخاص المريحه في التعامل .. شخص واضح وطيب الأصل صديق حقيقي .. كان يتمنى أن يكونوا أقرب من ذلك .. لولا تحكمات شاهيناز هانم السلحدار.. بعد القليل من الحديث المتبادل عن الأحوال والأخبار .. قال فيصل بهدوء قدر أستطاعته
-في موضوع مهم لازم تعرفه .. بس أسمع الحكاية من الأول علشان تحكم صح
وبدأ في إخبارة من أول مره قابل فيها طارق وما حدث بينهم … ومقابلات العمل .. وتلك الفتاة التي تقدمت للعمل ثم أكتشف أنها إبنة عمه .. وأخبره بطلبها .. كان أديم يشعر بالصدمه من كل ما أخبره به فيصل .. لكنه وبطبعه هادئ في ردود فعله .. وظل صامت يفكر في كل ما عرفه حتى بعد أنتهاء فيصل من الحديث … أنها لم تلجئ إليه .. لم تتصل به .. أتصلت بشخص غريب عنها تماماً تعرفت عليه فقط بالأمس .. هل أخطئ لتلك الدرجه في حقها ؟ وماذا حدث في قصر الصواف حتى تفكر في تركه؟ هل السبب في ذلك أتصالها بنرمين وأخبارها بما حدث من شاهيناز؟ هل تطاولت عليها أمه أو طارق؟ ماذا عليه أن يفعل الأن ؟ وكان فيصل صامتًا تمامًا تارك لصديقه كل الوقت الذي يحتاجه في التفكير وأخذ القرار .. أخذ أديم نفس عميق ثم قال بهدوء
-تمام يا فيصل .. حاول تلاقي ليها حاجه مناسبه لو تقدر .. وأنا بس عندي بكره إجتماع مهم في المؤسسة وقرارات مهمه هتتاخد .. وبعدها هكلمك ونشوف هنعمل أيه؟
أومأ فيصل بنعم .. ليكمل أديم كلماته
-أنا عارف إني مش محتاج أوصيك عليها وأنها زي أختك موقفك دلوقتي وأنك منتظرتش للصبح علشان تعرفني أكبر دليل على حُسن نيتك وأخلاقك إللي مفيش منها
أبتسم فيصل وهو يقول بمرح
-متخافش مش هطلع الشرير في رواية أحدهم
ربت أديم على كتف صديقه وقال بصدق
-أنا بجد مش عارف أقولك أيه .. العيله كلها بتمر بوقت صعب وكويس أنها لجئت ليك أنت يعالم إيه إللي كان ممكن يحصل لو إللي لجئت ليه شخص غيرك.
-متقلقش عليها .. أنا هخلي بالي منها .. وهتبقى على إطلاع بكل جديد
أومأ أديم بنعم ودمدم ببعض كلمات الشكر ليغادر فيصل عائدًا إلى بيته .. وصعد أديم يشعر بثقل الحمل والهم فوق أكتافه .. ليجد نفسه يمسك بهاتفه ويرسل لها رساله لا يعلم لما فعل هذا ولكنه شعر من داخله بأن يقول تلك الكلمات فقالها
…………………..
تجلس فوق سريرها تمسك بتلك الأوراق ترتبها وتعيد قرأتها وتكتب بعض الملاحظات .. حين وصلها صوت رساله .. لتفتح هاتفها لتشعر بالإندهاش .. وأرتسمت على شفتيها أبتسامة عذبه ورقيقه .. فكلماته لمست قلبها وأحساس الأنثى بداخلها
(بكره يوم صعب أتمنى أشوفك قبل ما أنزل علشان أحس ببعض التفائل .. بحبك يا ونس .. ويارب تحبيني)
وضعت الهاتف جانبًا وتركت الأوراق من يدها وهي تفكر .. ماذا عليها أن تفعل الأن؟ تضحى بحلمها في قابل الحب؟ أم تتمسك بالحلم ولا وقت لديها كما كانت تقول دائماً للحب .. هي حقًا تشعر بالحيره ولأول مره في حياتها
……………………..
تجلس في غرفتها منذ ما حصل مع المحامي وكاميليا وطارق .. تشعر أنها قد فقدت كل شيء .. فقدت مكانتها .. فقدت نفسها .. حتى أنها تشعر بأنها قد فقدت كرامتها وأحترامها لنفسها .. وليس من الأن فقط لكن وقت موافقتها على كل ما حدث قديمًا
أغمضت عينيها وهي تتذكر ذلك اليوم الذي فقدت فيه كل شيء .. وبدء فيه التنازل عن بعض من حقوقها .. حتى أنتهى بها الحال خاليه الوفاض من كل شيء لا حب زوج ولا حتى أحترامه .. لا أولادها كما تمنت .. وأبن ليس أبنها وإبنتها تم أغتصابها والأخيره تشبهها كثيراً عديمة الشخصية
تجلس على السرير تنتظره ككل يوم .. يغادر من الشركة ولا يعود إلى البيت مباشرة … كانت تظنه يسهر مع بعض أصدقائه لكنها أكتشفت إنه على علاقه بعدة سيدات .. وكل يوم يذهب لإحداهن .. جدول .. يضع لهم جدول بمواعيد .. وكأنه السلطان الذي يملك من الجواري الكثير فيضع لهم جدول .. وكانت هي من ضمنهن في ذلك الجدول .. فهو لم يكن يقربها إلا في يوم محدد في الأسبوع .. رغم تقبيله لها كل يوم بشوق ولهفه حين عودته .. ويديه التي تجعل جسدها يتمنى قربه وحنانه .. لكنه كان يشعل فيها نيران الشهوه ويتركها تتلوى بألمها وينام
لكن اليوم وبعد أن عرفت كل شيء لن تسكت ولن تقبل أن تظل في هذا المستنقع التي تعيش فيه .. وصل أخيرًا وكما هي عادته .. يمسك الجاكيت بأطراف أصابعه وهو ملقى على كتفه .. رابطة عنقه محلوله والزرائر العلويه كلها مفكوكه … يرسم أبتسامه سعادة على وجهه صادقه بكل ما للكلمه من معنى .. لتقف تواجهه بغضب كبير واضح عليها لكنه تجاهلها ومر من جانبها بعد أن حاول تقبيلها لكنها إبتعدت قليلاً .. لم يتوقف عند تلك الحركة وأكمل سيره إلى السرير ألقى بنفسه فوقه وخلع حذائه وألقى بالجاكيت أرضًا وتمدد ذراعيه مفرودتان بمستوى كتفه .. وساقيه مفتوحان قليلاً .. في هيئه مسترخيه تماماً .. أقتربت منه وقالت بصوت غاضب
-كنت فين يا سراج؟
فتح عين واحده ينظر إليها ثم أغلقها من جديد وهو يقول
-من أمتى أنتِ بتسألي الأسئلة دي يا شاهيناز؟
لتقول بغضب أكبر وبصوت عالي
-من دلوقتي .. عايزه أعرف أنت كنت فين ومع مين؟
ظل صامت ينظر إليها ببرود ثم أخذ نفس عميق وهو يغادر السرير ووقف أمامها يديه في جيبي بنطاله وقال بهدوء يصل حد البرود
-كنت فين كنت في شقه (..) ومع مين .. كنت مع صديقه عزيزة عندها مشكلة وأنا كنت بحلها ليها
-صديقة
قالتها بتهكم .. وهي تقول بصوت أعلى
-صديقه ولا عشيقة يا سراج بيه
ليبتسم أبتسامه بارده وهو يؤكد كلماتها
-أيوه كنت مع عشيقة من عشيقاتي .. ولازم تفهمي أنهم كتير أوي .. وأنتِ كنت هتبقي واحده منهم لولا بس أني شوفت فيكي أنك أنتِ الأم المناسبة لولادي وكمان شوفت أنك أنتِ واجهه مناسبة ومشرفه في المجتمع .. يعني حسيت إنك تستاهلي أنك تكوني في النور قدام الناس
أقتربت منه تضرب صدره بقوه وهي تقول من بين دموعها
-أنت حقير وسافل .. أنت أحط إنسان أنا شوفته في حياتي
أبعدها عنه بقوه ورفع يده يصفعها .. لتسقط أرضًا بسبب فقدانها لإتزانها بسبب أنفعالها الزايد وأيضًا من قوة الصفعة .. لينحني يمسك بخصلات شعرها يرفع وجهها الباكي إليه وقال ببرود
-مفيش واحده ست تهين سراج الصواف .. لو عايزه تطلقي حالاً أرمي عليكي اليمين وأرميكي في الشارع وألف واحده غيرك يتمنوا مكانك .. لكن لو بقيتي هاديه وكويسه أوعدك إني أميزك عن كل عشيقاتي .. وهغرقك دهب وألمظات .. وهعمل ليكي حساب فى البنك ولو عايزه تعملي مشروع هعملك
ظلت صامته تنظر إليه والدموع تغرق وجهها … ليكمل هو كلماته
-أنتِ كده عرفتي الحكاية كلها .. ياريت بقى تلتزمي بيومك في الجدول .. علشان أنا بيتهد حيلي مع كل واحده فيكم
وتركها جالسه أرضًا تبكي بصمت .. تبكي ضعفها .. وتبكي طمعها في الحياة التي تعيشها الأن .. والمكانه الإجتماعيه التي أصبحت فيها وحبها له الذي كان يعذب قلبها منذ رأته لأول مره
وكان هذا اليوم البداية لكرامتها التي سحقها سراج تحت قدميه .. كل يوم يعود من عند إحدى عشيقاته .. ويخبرها بكل وقاحه أنه تعب معها كثيرًا وكم هي أمرأة شغوفه .. وكم جسدها مميز .. ويتركها وينام .. حتى أتى ذلك اليوم الذي دخل فيه إلى الغرفة وبين يديه طفل صغير .. يخبرها بكل برود أنه إبنه .. وأنه أصبح إبنها بالأوراق والقانون .. وأنه غير مقبول أن ترفض أو تعترض أخبرها بكل وقاحه
-أصلا متقدريش تعترضي أحنا بقالنا كام سنه متجوزين ومش عارفه تجبيلي حتى قرد
وترك الصغير بين ذراعيها والدموع تغرق وجهها كالعاده .. عادت من أفكارها .. لتجد نفسها تبكي .. لقد توقفت تلك الدموع منذ عرفت بحملها في سالي .. وقررت أن تعيش الدور المرسوم لها بالكامل .. هي شاهيناز هانم السلحدار .. زوجة سراج الصواف وأم أولاده .. هي سيدة قصر الصواف ..والمتحكمه الأولى والأخيرة فيه حتى بعد زواج أخويه حداد وخطاب .. لكن كلمتها كانت فوق كلمات زوجاتهم .. ولم يجرء أحد على الإعتراض .. خاصه وأن سراج كان يدعمها في كل ذلك
هل حان وقت استسلامها .. أم حانت لحظة الحقيقة
يجلس في غرفته وسط كل ذلك الدمار الذي طال كل شيء بها .. يلهث من شدة غضبه .. عينيه شديدة الحمره .. والعرق يغرق جبينه .. ملابسه غير مهندمه وكأنه خارج الأن من مشاجره كبيرة .. فمن يراه الأن لن يقول عليه أبدًا أنه طارق الصواف إبن الأكابر
كان عقله شارد وعيونه ثابته على شيء وهمي .. بها غضب إذا تركه لأحرق ذلك القصر بكل ساكنيه .. وطالت نيرانه كل شيء..
مرت دقائق أخرى ليبدء يضحك بصوت عالي .. يضحك بهستيريا وكأنه حصل على جائزه كبيره لم يتوقع حصوله عليها ..
ضحك
وضحك
وضحك
ثم بدء يهمس لنفسه قائلاً
-بعد كل إللي عملته ده معقول تكون دي النهاية.. معقول؟!
ليضحك من جديد بصوت عالي وهو يمسك ذلك الإطار الذي يحمي صورة العائلة بأكملها ووضع أصبعه على صورة نرمين وهو يقول
-يعني بعد ما أخدت منك عذريتك .. وعملت فيها الشهم إللي هيتحمل أن يتجوز واحده مغتصبه قدام العيله كلها .. تفلتي من إيدي وتفكري تقولي ليا أنا لأ .. هو أنتِ فاكره إني هسكت .. لا ياحلوه .. لا يا نيمو .. اللعبه لسه مخلصتش وزي ما أخدتك وأنتِ عينك في عيني .. هخليكي تيجي تتوسلي ليا علشان أقبل بيكي والكارت الأخير في أيدي .. والضربه هتكون على الكل
ظل يتأمل صورتها لعدة ثوان .. ثم حول نظره إلى صورة أديم وهو يقول بغضب وغل
-أنت بقى الموت فيك حلال .. وإللي هعمله فيك ده تخليص الدين القديم .. لكن الدين الجديد .. أصبر عليا فيه .. هخده .. وأخد الحق حرفه يا أديم .. يا أبن عمي
ظل ينظر إلى الصورة والوجه .. وأبتسامة سخريه تزين شفتيه .. وفي لحظه خاطفه ألقي بالإطار إلى الحائط المقابل له ليتهشم بالكامل وتناثر زجاجه في كل مكان .. حتى أن إحدى القطع الصغيره جرحت وجنته ليبتسم وهو يرفع سبابته يمسح قطرات الدماء ببرود .. ثم وقف مقرراً أن يأخذ قسط من الراحه حتى يستعد للمرحلة الجديدة .. ليرفع الغطاء بكل ما عليه من أشياء مكسره وألقاه أرضا ثم ألقى بنفسه فوق السرير وأغمض عينيه ونام
…………………
قبالة الفجر وصل حاتم وسالي إلى العاصمة .. لكنه وقبل أن يغادر المطار وقف أمامها وقال
-أحنا مش هينفع نرجع القصر دلوقتي .. أيه رأيك يا نروح عند أديم أو ننزل في أوتيل لحد ما نشوف أيه إللي هيحصل النهاردة في الشركة
لفت ذراعها حول ذراعه وقالت وهي تريح رأسها على أطراف كتفه
-يبقى في أوتيل أحسن أنا محتاجه أنام شوية
ليربت على كفها بكفه الحر ودفع العربه التي تحمل الحقائب .. حتى خرجوا من المطار .. ليشير لأحدى السيارات وأملاه أسم الفندق .. كل ذلك وهي تستند عليه براحه كبيره .. من داخلها تشعر بالخوف مما سيحدث في المؤسسه لكن وجوده يشعرها بأمان لم تشعر به من قبل لم تكن يومًا غير عابئه بأمها وحزنها أو غضبها .. هل لأنها الأن تعلم حقيقتها .. أم لوجوده وحبه والثقه التي يستحقها دون لحظه تفكير
هي معه من الأن وإلى الأبد .. ولن تخذله مره أخرى مهما حدث ومهما كان الثمن خاصه وأن الحق معه .. ورغم الإرهاق كان يشعر بالسعادة أن حركتها البسيطه هذه تجعل قلبه ينتفخ بسعادة ذكوريه لا يستطيع وصفها .. ويشعر أنه أصبح يملك الكون وما عليه .. ليجد يده دون إيراده منه تربت على كفها المستريح على ساقه و الإبتسامه تملئ وجهه الرجولي الوسيم
……………………..
في الصباح الباكر وقبل موعدها بنصف ساعه كانت تقف أمام الباب .. أفكارها الشيطانيه صورت لها آلاف الصور .. ورسمت لها الكثير من الفرص التي ستتاح لها إذا حضرت الأن .. ومن أهمهم ما حضرت من أجله .. وسوف تنفذه .. وستكون الخطوه الأهم
أخرجت المفتاح وفتحت الباب وحين دخلت ظلت واقفه في مكانها تنظر لذلك الممدد على الأريكة بشكل غير مريح .. شعره مشعث .. ووجهه مسترخي ينام على بطنه .. . إحدى ساقيه فوق ذراع الكرسي .. والأخرى مثنيه أسفلها .. وإحدى ذراعيه مستريحه على الأرض
أغلقت الباب بهدوء شديد .. وتقدمت عدة خطوات حتى أصبحت ترى وجهه بوضوح .. كما الأطفال الصغار .. لتبتسم أبتسامة صغيرة.. أختفت حين سمعت صوت من الداخل وتذكرت نرمين .. لتدلف إلى المطبخ وبدأت في إعداد الفطور .. وكانت أيضًا تستعد لأستجواب من نوع خاص من نرمين لكنها لن تهتم … ستكون هادئه كعادتها .. وتجيب بهدوء أنها أتت حتى تباشر عملها كالعاده
خرجت من المطبخ تحمل بين يديها صحون الطعام لتجده قد أستيقظ ويجلس لكنه يضع رأسه بين كفيه .. لتقترب منه ليلاحظ حذائها أمام عينيه ليرفع عيونه لها .. وأبتسم تلقائياً وهو يقول
-أنتِ جيتي أمتى؟!
-من نص ساعه
أجابته بخجل حقيقي ليبتسم وهو يتذكر حاله حين أستيقظ .. ليداعب خصلات شعره بأطراف أصابعه كطفل مشاغب .. يقف أمام والدته التي توبخه .. لتقول هي بهدوء
-أنا جهزت الفطار
أومأ بنعم وقال بهمس
-تسلم أيدك
أبتسمت وغادرت عائده إلى المطبخ ليقف هو حتى يذهب إلى غرفته وطرق في طريقه على باب غرفة أخته ليسمع صوتها فقال من خلف الباب
-أستعدي الفطار جهز
ودلف سريعًا إلى غرفته أخذ حمام وأبدل ملابسه بملابس كلاسيكيه .. تجعل هيئته تخطف الأنفاس .. لمن يراه فكم هو وسيم بشكل يؤلم القلب ظلت تتأمله من عند باب المطبخ حتى أنه لاحظ ذلك لكنه لم يظهر لها أنه يلاحظ وجودها أصلاً .. حتى يظل يستمتع بتلك اللحظه التي تتئمله فيها دون خجل .. لكن لنرمين رأي أخر .. حين خرجت من غرفتها .. لتتحرك ونس سريعاً تضع الأطباق على الطاوله .. وقالت بهدوء وأدب
-هدخل أرتب الأوض على ما تفطروا .. ألف هنا
وغادرت دون أن تنتظر لسماع أي رد .. كانت نرمين تنظر إليهم بضيق .. ما هذه الوقاحه .. أبعد ما حدث بالأمس تأتي اليوم وكأن شيء لم يكن .. وكأنها لم تستمع لاعتراف أديم الصواف بحبه لها .. نظرت لأخيها الذي كان ينظر في أثر ونس بعشق لتقول من بين أسنانها
-صباح الخير يا أبيه … مستعد للي هيحصل النهاردة
أختفت الإبتسامه عن وجهه وجلس على رأس الطاوله وهو يتمتم بصباح الخير .. لكن من داخله يشعر بنار .. نار حارقه تلتهم قلبه .. نار الصدمه .. ونار الحب الذي لا يستطيع الإستمتاع به .. خاصه والأمل بداخله قد أزداد حين رأها في بيته من جديد بعد ما حدث بالأمس .. فقط كان يلوم نفسه على تسرعه في أخبارها بما داخل قلبه .. وغامر بخسارة رؤيتها كل يوم .. لكن الأن يشعر أن الحب متبادل بينهم .. لكن أولا ينتهي مما عليه فعله وحينها ستصبح له إلى الأبد
صمته جعل نرمين تشعر بالغضب من تلك الفتاة .. ولكنها لن تسمح أبداً بأي شيء من هذا .. سوف تجعلها تعرف مكانتها جيدًا .. وترحل دون عوده .. ولكن ليمر اليوم بسلام ولكل حادث حديث
……………..
أغلقت باب الغرفة خلفها وهي تأخذ نفس عميق فعطره يملئ الغرفة بشكل يأسر القلب .. لكن عليها أن تتحرك سريعاً .. أخرجت ذلك الشيء الصغير من جيب بنطالها وأقتربت من الجاكت الخاص بأديم وفي الجيب الداخلي للجاكت وضعت ذلك الشيء .. وثبتته جيدًا ثم همست ببعض كلمات … وأخرجت هاتفها وفتحت إحدى التطبيقات ووضعته على أذنها تستمع إلى صوتها الذي يصل إليها بوضوح برغم أنها كانت تتحدث بهمس .. لتأخذ نفس أخر براحه .. وهي تعيد الجاكيت إلى مكانه .. وبدأت في ترتيب الغرفة بالفعل
……………….
وقفت عند باب المطبخ تنظر إليه وهو يرتدي الجاكت يستمع إلى صوت أبن عمه الذي يخرج من مكبر الصوت الخاص بهاتف نرمين .. يخبره أنه خلال دقائق سيكون في الطريق إلى الشركة .. ليتحدث معه في بعض الأمور .. ثم أغلق الهاتف .. ورفع عينيه ينظر إليها بأبتسامة رقيقه لم تستطع أن تبادله إياها حتى ولو بالكذب .. فهي كانت منشغله في تأمل ملامحه وحفظها في عقلها وقلبها ونقشها فوق عيونها .. فهذه المره الأخيرة التي ستراه فيها .. لقد أنتهت مهمتها .. وقامت بما عليها فعله .. ومؤكد حين يكتشف الأمر لن يريد رؤية وجهها من جديد .. كان من داخله يفكر أنها قلقه من أجله عليه أن يطمئنها .. لكن أخته التي تقف بجانبه تكتف ذراعيها أسفل صدرها بضيق ليشير لأخته حتى تتحرك معه في إتجاه الباب وقبل أن يغلق الباب رفع هاتفه وحركهُ بحركه خفيفه وهو يهمس دون صوت
-هكلمك
وأغلق الباب لتزفر في محاوله لتهدء من ضربات قلبها التي تكاد تصم إذنها من قوتها .. وتؤلم صدرها بسبب سرعتها .. أنتفضت حين سمعت صوت رنين هاتفها لتنظر إلى الأسم لتنفخ الهواء حتى تهدء .. وحين أستقبلت المكالمه وصلها صوته يقول
-متقلقيش عليا .. أنا متعود على مشاكل العيله وهقدر أحلها .. وهرجع لك علشان نكمل كلام إمبارح .. بحبك يا ونس .. بحبك يا ونسي في الحياة
وأغلق الهاتف لتنحدر تلك الدمعه من عينيها وهي تأخذ حقيبتها وتغادر .. للمره الأخيره فهي لن تعود من جديد .. وأسفل البنايه كانت تنظر إليها بألم وحسره لكنها فتحت هاتفها .. وفتحت تطبيق الرسائل وأرسلت رساله لرقم غير مسجل .. من كلمه واحده “تمت” وأغلقت الهاتف .. وبخطوات واسعه تحركت في إتجاه شارع جانبي حتى وقفت أمام سيارة فارهه فتحتها وجلست في مقعد السائق وبكل ما تحمل بداخلها من تناقضات من خوف وحزن وسعاده وأنتصار وخساره فادحه ضغطت على البنزين لتنتطلق بسرعه كبيرة جعلت كل من بالشارع ينظر إليها بأندهاش
…………….
تجلس في سيارتها منذ الصباح البكار .. فلم تغلق عينيها سوا ساعه واحده .. من كثرة الخوف والقلق .. تتوقع أن يدخل طارق إلى غرفتها في أي لحظه حتى ينتقم منها بعد أن دمرت له مخططه الأخير
ظلت في السيارة حتى أصبحت الساعه الثامنه عليها الأن أن تتحرك وتذهب إلى عملها فاليوم هو الأول لها .. وفي جميع الأحوال إذا لم يجد لها فيصل مكان مناسب للسكن فيه خاصه وأن الوقت ضيق جدًا .. فهي حدثته بالأمس فقط .. وكان الوقت قد تأخر كثيرًا .. فهي سوف تذهب إلى إحدى الفنادق المعروفه وتحجز غرفه هناك حتى تجد ما تريد وما يناسبها
شغلت محرك السيارة وتوجهت إلى مقر عملها
أوقفت السيارة في المرأب الخاص بالمبنى .. وترجلت من السيارة بعد أن أخذت حقيبة يدها من على الكرسي المجاور وأغلقت السيارة .. وبرشاقه ورزانه سارت بخطوات واثقه هي جزء لا يتجزء من شخصيتها .. نحو المصعد .. وحين وصلت إلى الدور المطلوب سارت في إتجاه الباب بهدوء .. وبداخلها بدء يرتجف .. فرهبه أول يوم عمل .. مع تركها لبيت العائله لهو أمر صعب ويجعلها تشعر من داخلها ببعض الخوف والتوتر الذي بدء يسيطر عليها خاصه وهي ترى أمامها المكتب الذي كان بالأمس خاليًا تمامًا .. الأن به موظفة أستقبال لبقه .. وهناك أيضاً حارس أمن يجلس عند الباب من الخارج .. وهناك عامل بوفيه يسير في رواق المكتب يحمل أكواب القهوة .. وأصوات باقي الموظفين تأتي إليها واضحه .. تحركت بثقه نحو مكتب الإستقبال وقالت بهدوء
-أنا المترجمه كاميليا حداد
لتبتسم غادة وهي تقول لها بأدب
-أهلا بحضرتك أستاذه كاميليا .. أنا غادة موظفة الإستقبال
لتبتسم لها كاميليا براحه وهي تقول برقه
-أهلا بيكي يا غادة .. ممكن بقا تقوليلي مكتبي فين
تحركت غادة من خلف المكتب وهي تقول
-أه طبعًا أتفضلي .. بس الباشمهندس فيصل طلب مني أخليكي تدخلي له أول ما توصلي
لتنظر إليها بأبتسامة مهزوزه .. لتشير الفتاة إلى مكتب بابه مفتوح يقع أمام مكتب المدير مباشرة وقالت
-ده مكتب حضرتك .. بس الأول أدخلي للباشمهندس
أومأت بنعم وهي تتحرك عكس أتجاه مكتبها .. وقفت أمام مكتب المدير وطرقته بهدوء ليسمح لها بالدخول .. كانت تشعر بالإحراج فما قامت به بالأمس .. أكثر تصرف مجنون قد تقوم به فتاة مثلها .. وكانت تتوقع أن ترى في عينيه نظرة أستخفاف بها .. أو أن يتخيل أنها فتاة لعوب ..لكنه نظر إليها نظرة عاديه كتلك التي كانت في عيونه بالأمس وقال
-أهلا أستاذة كاميليا أتفضلي
أقتربت من المكتب ليشير لها أن تجلس ليقول هو بعمليه
-النهاردة صحيح أول يوم شغل .. لكن أنا من قبل ما أفتح الشركة وأنا براسل شركات كتير علشا أول ما أفتح الشركة يكون فيها شغل ..والإيميلات دي
مد يده لها بملف متوسط الحجم وأكمل
-ودي ردودهم عليا .. عايزك تترجميهم وتطبعي الترجمه وتجبيهم ليا في أسرع وقت
أومأت بنعم وأبتسامة سعادة ترتسم على ملامحها .. ها هي تعمل .. ها هي ستقوم بشيء مفيد في حياتها .. ها هي أمرأة عامله وليست مجرد أمرأة جميلة .. عليها أن تجد عريس مناسب وفقط
وقفت حتى تذهب إلى مكتبها ليقول هو بهدوء
-أنا كلمت كذا شخص علشان موضوع الشقه وخلال ساعات ان شاء الله هيجيلي منهم رد .. أطمني
قال الأخيرة بصوت جعلت القشعريرة تسير في كامل جسدها .. لماذا حين نطقها شعرت بالأمان .. ونسيت تمامًا أفكارها عن كونه يراها الأن بشكل خاطئ .. عادت لتومئ بنعم وهمست ببعض كلمات الشكر غير الواضحه .. وغادرت
ومنذ دخولها إلى مكتبها طلبت كوب قهوة فرنساوي .. وبدأت في العمل .. الذي جعلها تنسى كل شيء .. من هي؟ وإين هي؟ ومن أي عائلة؟
………….
في قاعه الإجتماعات الكبيرة بمؤسسة الصواف يجلس أديم على رأس الطاولة صامت تمامًا يراجع بعض الأوراق الذي طلبها من قسم المحاسبه .. وكذلك أمامه أوراق أخرى من قسم الهندسة والمشتريات .. وكل المشاريع الجديدة التي على وشك دخول الشركة فيها .. كذلك أوراق نسب الأسهم لكل شريك في المؤسسة .. تجلس نرمين على إحدى كراسي الطاولة عقلها سارح في كل ما حدث تلك الأيام .. وذكريات ذلك اليوم القديم .. تعود إليها من وقت لأخر بصور مشوشه وغير واضحه .. لكن نفس الإحساس .. ونفس الشعور يعود إليها .. لينتفض جسدها كما كان ينتفض تحت وطئة لمساته القزره لها .. ذلك الصوت المقزز الذي يتردد داخل أذنها يخبرها بأنها أصبحت ملكه .. وأنها أبداً لن تستطيع الإبتعاد عنه
.. خطوات رجاليه ثابته وكعب نسائي جعلها تنتبه من أفكارها وهي تنظر إلى الخلف لترى سالي تسير جوار حاتم متأبطه ذراعه والسعادة والراحه ترتسم على ملامحها رغم القلق الواضح في عيونها .. إلا أن لغة جسدها تخبر كل من يراها أنها سعيدة جوار ذلك الرجل الذي يسير بجانبها برزانه وهدوء يضع كفه الأخرى فوق كفها التي تحتضن ذراعه .. وبين ثانيه وأخرى يربت عليها برقه
رفع أديم رأسه عن الأوراق ينظر إلى صديقه وأخته وقال
-عصافير الحب الحمدلله ظهروا .. حمدالله على السلامة .. يارب تكونوا قضيتوا شهر عسل سعيد
ليلوي حاتم فمه بضيق مصطنع وهو يقول
-أهو القر ده إللي جايبنا لورى .. واتسبب في قطع رحلتنا ورجوعنا للقرف
كانت سالي تشعر بالخجل حقًا من أخيها .. غير صدمتها بمرحه وأسلوبه البسيط في التعامل مع حاتم … كان ينظر إليها بأبتسامة حزينه .. حين قال
-عاملة أيه يا سالي؟ نسيتي أخوكي علشان الواد ده
لم تشعر بنفسها وهي تترك ذراع حاتم وتقدمت من أخيها حتى وقفت أمامه ليترك كرسيه ويقف هو الآخر .. ليشعر بالصدمه حين حاوطت خصره بذراعيها وهي تقول
-وحشتني أوي يا أبيه .. وحشتني وأنا آسفه .. حقك عليا
كان ينظر لحاتم بصدمه وعينيه تسأله ماذا حدث؟ ليبتسم حاتم إبتسامة صغيره وهو يقول بصوت عالي قليلاً
-الله الله .. أنتِ بتحضني راجل غيري يا هانم والله عال يا عبدالعال
لتضحك نرمين بصوت عالي .. ليضرب حاتم مؤخرة رأسها وهو يقول
-أسكتي أنتِ .. أنا مصدوم وأنتِ بتضحكي
لتعود للضحك من جديد .. ولكن بعيونها كانت هناك نظرة غيره .. فهمها أديم ليفتح لها ذراعه لتركض إليه تشارك سالي ذلك الحضن المميز .. حضن أخ هو الأمان والداعم .. هو الحائط الصد الذي لا بديل عنه مهما كان لك أصدقاء أو أحباب .. حتى إذا وجدت الحب الحقيقي .. يبقى إلا هو له مكانه خاصه وهيبه لا يفهمها إلا من رزقه الله بأخ حقيقي بكل ما للكلمة من معنى
قطع تلك اللحظة .. وفهم أديم لأعتذار أخته الغير المفهوم دخول طارق .. الصامت الذي لم يلقي حتى السلام على أحد وجلس في مكانه وهو ينظر إلى نرمين بنظره لم يفهمها أحد لكنها شعرت بالتقزز بسببها فخبأت وجهها في صدر أخيها الذي ربت على ظهرها ليشعرها بالأمان
.. أجلس سالي في الكرسي المجاور لنرمين وجلس حاتم جواره وجوار زوجته .. وظل الصمت سيد الموقف حتى قال حاتم موجهاً حديثه لطارق
-مفيش سلامو عليكو ولا العواف حتى ؟ أيه يا طارق مش داخل على ناس ولا شايفنا كراسي قدامك؟
لو طارق فمه إلى الجانب قليلاً وقال من بين أسنانه
-لا شايفكم بس مش عايز أسلم أنا حر
ليضع أديم يده على ذراع حاتم يمنعه من أن يدخل في جدال لا طائل منه .. ثوانِ قليله ودخل المحامون .. ثم شاهيناز هانم التي لم يختلف دخولها عن دخول طارق .. لم تنظر لأحد وجلست في مكانها دون أن تنطق بكلمه .. كان أديم يشعر بألم قوي في قلبه .. لما والدته تكره بهذا الشكل؟ سؤال ظل عالقاً في عقله ويتردد صداه في قلبه بألم لا ينتهي .. لكنه لم يظهر شيء من كل ذلك وظل صامت لثوانُ أخرى يحاول أن يتجاهل كل ما بداخله من حزن وألم وحيره .. ثم أخذ نفس عميق وطرق على الطاوله بظهر قلمه وقال
-أجتماع الجمعيه العموميه النهارده أستثنائي .. بناء على إللي حصل أمبارح .. وعلشان كل حاجة تبقى على نور .. قدام كل واحد فيكم ملف فيه نسبة الأسهم لكل واحد فينا .. وطبعاً ده بيبين كل واحد حقه قد أيه في نسبة الأرباح إللي بتوصله كل سنه .. وكمان بيوضح مين إللي له حق إدارة المجموعة
قال طارق مقاطعاً سيل كلمات أديم
-كاميليا مش موجودة .. و
لم يكمل كلماته حين سمعا طرق على الباب لحقه دخول كاميليا وهي تقول بأعتذار
-أسفه أني أتأخرت .. بس أنتوا عارفين أول يوم شغل بقى
وجلست جوار نرمين التي همست لها بأندهاش
-أنتِ بتشتغلي يا كاميليا
أومأت بنعم وهي تهمس
-هبقى أحكيلك
ليقطع أديم حديثهم وهو يقول
-مفيش مشكلة .. أنتِ جيتي في الوقت المناسب .. ومبروك على الشغل .. بس أعملي حسابك بعد الإجتماع ده أنا عايز أتكلم معاكي كلمتين
أومأت بنعم .. ليعود أديم لما كان يقوله
-قبل وفاة بابا كان كاتب ليا بعض أسهم خارج ورثي منه ونسبتي هي الأكبر من بين الجميع
صمت لثواني لتقول نرمين بهدوء
-وأنا موكله أديم بالتصرف في كل الأسهم الخاصه بيا … ومش هستأمن غيره على مالي
أبتسم أديم لها وقال بأمتنان
-دي مسؤلية كبيرة يارب أكون قدها
لتقول سالي بصوت هادئ يكاد يسمع
-أنا كمان أكيد مش هأمن لحد أكثر من أخويا
ثم نظرت لحاتم وقالت بأستفهام
-مش كده
أومأ بنعم وهو يأكد على كلماتها
-من بعد وفاة عمي سراج وقبله بابا .. ومن بعده عمي حداد .. أديم قدر يوصل بالشركة لمكانه مهمه جداً في السوق .. ومؤسسة الصواف بقى ليها شأن كبير والكل بيعملها ألف حساب وبيعمل لمديرها ألف حساب
كانت النظرات ناريه بين طارق وباقي العائلة .. حتى تكلمت كاميليا وقالت بهدوء
-أنا كمان شايفه أن أديم أحق واحد بأدراة المؤسسة .. وأنا مطمنه على نصيبي طول ما هو المسؤل عنه
أبتسم أديم لها وأومأ لها بتحيه شكر ردتها له بأبتسامة صغيره .. لتتحول نظرات طارق لها لكنها تجاهلته تمامًا ولم تنظر حتى إليه منذ دخولها .. أما شاهيناز هانم فقالت بهدوء وبرود
-أنا عايزة أبيع الأسهم بتاعتي .. مش عايزة يبقى ليا أي علاقه بمؤسسة الصواف
صمتت ثوانِ تتابع نظرات الأندهاش والصدمه على وجه الجميع لتكمل هي بنفس البرود
-في الحقيقه أنا كنت ناويه أوزعهم على ولادي بالتساوي .. لكن لقيتهم هبل ومسلمين دقنهم لأديم .. علشان كده
ونظرت لطارق وقالت
-هتشتريهم أنت يا طارق
-دي فلوسك يا شاهيناز هانم ومحدش يقدر يعترض على قرارك
قال أديم بهدوء شديد وبرود واضح على ملامحه
لتقول هي ببرود مشابه
-طبعًا أنا حره .. وفي الأساس أنت ملكش دخل أنا بتكلم عن ولادي .. وأنت مش أبني
ليبتسم بسخريه وهو يقول بألم
-خلاص أتبريتي مني؟
نظرت إلى عمق عينيه وقالت بتحدي
-أتبرى منك ليه؟ أنت فعلا مش أبني أنت أبن سراج من واحده من عشيقاته .. معرفش حتى أسمها أيه؟ وعلشان شكل العيلة وعلشان كلام الناس و لأني وقتها كنت لسه مخلفتش قبلت أن سراج يكتب في شهادة ميلادك أسم الأم شاهيناز السلحدار .. وكنت فاكرة إني هقدر أخليك من العائلات الراقيه .. لكن للأسف دم أمك القذر تغلب على كل شيء وخلى أصلك الواطي يظهر .. وعلشان كده أنا كنت ناوية أسيب نصيبي لبناتي .. لكن هما شايفين أنك أخوهم إللي هيصون فلوسهم .. فمايستهلوش أني أديهم أي حاجه
ثم نظرت إلى المحامي وقالت
-أعمل أجرائات نقل ملكية أسهمي لطارق
ثم نظرت لطارق وقالت بتوضيح
-قبل ما أمضي على الأوراق الفلوس تكون عندي يا طارق
ونظرت إلى بناتها وقالت
-قصر الصواف مفيش واحده فيكم تعتبه .. القصر مكتوب بأسمي من زمان أوى كنوع من التعويض عن إللي شوفته في حياتي مع أبوكم .. ومن النهارده أنا مليش بنات ولا عايزة أعرف عنكم حاجة
ونظرت إلى حاتم وقالت
-بكره بالكتير تيجي تاخد هلاهيلك أنت ومراتك وأي حاجه تخصكم من القصر .. وشوفوا أنتوا هتعيشوا فين
ونظرت إلى نرمين وقالت بغل
-وأنتِ رميتي الإنسان الوحيد إللى كان قابل بيكي بعد ما أغتصبك الكلب إللي هرب ومعرفناش نجيبه .. قبل يتجوزك بعيبك وعقدك .. خليكي في حضن أخوكي يمكن يقدر يلقيلك حمار يلبسك فيه
وتركت الجميع في حالة صدمه وتحركت نحو الباب وقبل أن تفتحه نظرت إلى أديم وقالت
-لو مش مصدق أنا موافقه نعمل تحليل DNA علشان تتأكد
وغادرت وأغلقت الباب بقوة .. تاركه خلفها عيون دامعه وقلب محطم .. وصدمه على جميع الوجوه .. وإبتسامة تشفي على وجه طارق
…………………
وضعت يدها على فمها وهي تستمع لتلك الكلمات .. صدمه أخرى أن تلك الكلمات مسجله وموصوله بجهاز أخر ولن تستطيع أخفاء تلك المعلومات .. ماذا عليها أن تفعل الأن
ظل الصمت هو سيد الموقف والجميع في حالة صدمه وزهول .. وكأن على رؤؤسهم الطير .. الصدمه الجمت ألسنتهم .. رغم إحساسهم بالشفقه على أديم لكن لم يستطع أي منهم قول أي شيء فماذا سيقولون حقًا في موقف كهذا
أما طارق كان يشعر بالسعادة ها هو سر جديد يضاف لقائمة أسراره والذي يستطيع بها تحقيق ما يريد حقًا .. لكنه لم يستطع أخفاء شماتته فوقف وهو يقول
-طيب أقوم أنا بقى وأنتوا حاولوا تلاقوا حل في الموضوع ده
ثم نظر في أتجاه المحامي وقال
-ياريت بقى حضرتك تشوف كده مين هيبقى رئيس مجلس الإدارة ومين هيبقى النائب
وأشار إلى الجميع بسلام و الإبتسامة الشامته تزين ملامحه القبيحه من كثرة الشر
رغم أنه قال الكثير إلا أن لا أحد منهم أستمع لكلماته فجميع الموجودين مشغولين ب صمت أديم .. الذي ظل صامت وكأنه تمثال من شمع ؟؟ ثم وقف يلملم حاجته وغادر دون كلمه .. حاول حاتم اللحاق به لكن أشار له بيده أن يظل مكانه .. وغادر ليعود حاتم يجلس مكانه وهو يضع رأسه بين يديه بهم .. وعقله شُل تمامًا عن التفكير .. وكانت سالي تبكي بصمت .. فحين وجدت أخيها أخيراً يحدث ما حدث ويخسر الجميع
………………..
ظلت جالسه في مكانها تفكر ماذا عليها أن تفعل .. كيف ستحاول منع ما سيحدث خلال ساعات .. هي كانت تبحث عن نجاح بطعم مختلف لكنها لم تقرر أو تعلم أنها ستكتشف كارثه مثل هذة .. وأن تكون هي سبب في فضيحه مدويه له .. أمسكت هاتفها وحاولت أن تتصل بالمسؤل .. لكنه لم يجيب عليها وكأنه يعلم أنها ستطلب منه أن توقف كل شيء
عادت لتجلس مكانها من جديد ولأول مره منذ سنوات تنحدر دموعها بألم ووجع ذكرها بذلك الوجع القديم الذي مازال حيًا بداخل قلبها ولم يندمل حتى الأن
…………………
ظل يقود السيارة في شوارع العاصمة .. لا يفكر في شيء فعقله ظل واقف تمامًا وكأنه لا يعرف كيف يفكر .. هل ما قالته أمه حقيقي؟ .. أمه وهل هي أمه ؟ ألهَذا كانت دائمًا تكرهه … ولذلك لم تعاملة بشكل جيد يومًا ..لماذا الأن إذا؟
أوقف السيارة على جانب الطريق وأغمض عينيه لتنحدر دموعه دون أن يستطيع التوقف وكلمات شاهيناز تتردد في أذنه (أتبرى منك ليه؟ أنت فعلاً مش أبني أنت أبن سراج من واحده من عشيقاته .. معرفش حتى أسمها أيه؟ وعلشان شكل العيلة وعلشان كلام الناس ولأني وقتها كنت لسه مخلفتش قبلت أن سراج يكتب في شهادة ميلادك أسم الأم شاهيناز السلحدار .. وكنت فاكرة أني هقدر أخليك من العائلات الراقيه .. لكن للأسف دم أمك القذر تغلب على كل شيء وخلى أصلك الواطي يظهر .. وعلشان كده أنا كنت ناوية أسيب نصيبي لبناتي .. لكن هما شايفين أنك أخوهم إللي هيصون فلوسهم .. فمايستهلوش أني أديهم أي حاجه)
ضرب المقود بيديه وهو يصرخ بصوت عالي
-ليييييييييييييييييييييه …. ليييييييييييييييييييييييييييه أنا عملت أيه وحش في حياتي علشان أتوجع الوجع ده كله لييييييييييييييييييييييييييييييييه
ظل يصرخ
ويصرخ
ويصرخ
ودموعة تغرق عينيه .. ألم قلبه لا يستطيع أي كلمات أن تصفه أعاد رأسه إلى ظهر الكرسي وأغمض عينيه من جديد … متجاهل كل الإتصالات من أختيه وحاتم … حتى كاميليا أتصلت به أكثر من مرة .. وفيصل ..مؤكد يريد أن يخبره عما وجد من أجل كاميليا .. لكنه ظل متجاهل كل ذلك هو لا يجد كلمات يقولها وأيضًا لا يريد أن يستمع إلى أي حديث لا يفيد .. فبماذا سيخبره أن أمه تكذب أو أن كل هذا بسبب غضبها منه فقط .. تريد منه أن يخضع لها ويقوم بكل ما تريده
ظل صامت ومغمض العينين للكثير من الوقت … لكن آلم قلبه لم يتوقف .. صوت أنينه يصم أذنيه .. أخذ نفس عميق أمسك هاتفه .. أنه بحاجه لبعض الراحه .. هي واحده من تستطيع إخماد نار قلبه هي الوحيدة القادر على البوح أمامها بكل ما بداخل صدره من وجع .. هي وحدها من يريد أن يشعر بأمانه داخل عيونها .. أن يبكي بين يديها .. أمسك هاتفه وأتصل بها
كانت تجلس في غرفتها تشعر بالذنب وبالضيق .. إن ما يحدث الأن لم يكن مخطط له ولم تعمل له حساب .. أن تكون سبب في فضيحه له .. أنتفضت حين علا صوت هاتفها ووجدت أسمه ينير الشاشة .. ظلت صامته لعدة ثوانِ ثم أجابته بصوت مرتعش
-أيوه يا أديم بيه
-أنا محتاجك يا ونس
قالها مباشرة بصوت يقطر ألمًا .. لتنحدر دموعها رغمًا عنها خاصه حين أكمل كلماته
-الدنيا كلها قفلت بيبانها في وشي .. أرجوكي أنا محتاجك
بلعت ريقها لتشعر بألم حاد في حلقها لكنها قالت
-أنت فين؟
-هبعتلك الموقع
وأغلق الهاتف وبعد لحظات رن هاتفها بصوت أحد تطبيق الرسائل ووجدته قد بعث موقعه لها .. أنه قريب منها .. لن تأخذ السيارة بالطبع .. لذلك أتصلت على سائق سيارة الأجرة الذي أخذت رقمه ذات يوم وطلبت منه الحضور .. وحين أنتهت من أرتداء ملابسها كان السائق بالأسفل يتصل بها يخبرها بوصوله
وقفت سيارة الأجرة أمام السيارة السوداء لتترجل منها بعد أن أخبرته أنها ستتصل به مره أخرى حتى يأتي ويعيدها .. كان يتابعها وهي تقترب من السيارة قلقه .. خائفه .. أو خجله هو لا يعلم حقًا لكن حضورها وحده قادر على الربت على قلبه حين جلست على الكرسي وأغلقت الباب قال بأمتنان
-شكرًا إنك جيتي يا ونس .. أنا بجد محتاجك أوي
-أيه إللي حصل؟ مالك يا باشمهندس؟
قالت بصوت مرتعش ليمد يده يمسك يدها ورفعها إلى فمه يقبلها بحب .. ثم أراح يدها على وجنته وهو يقول
-عارف إنك مستغربه ومش فاهمه حاجة .. بس أنا بحس جمبك أن روحي مرتاحه .. بحس إنك شبهي .. أنا بحب البساطة والطيبه وأنتِ كل ده يا ونس .. وأكتر كمان
كانت تشعر بالخجل والتوتر .. لا تعرف ماذا عليها أن تفعل الأن .. أرتعشت يديها ليرأف بحالها وترك يدها لتقول هي بصوت ضعيف
-طيب أحكيلي أيه إللي حصل
سرد لها كل شيء .. لم يترك أي شيء لم يحكيه.. وكانت من داخلها تشعر بالصدمة .. والخزي لكن لقد سبق السيف العزل … ولم يعد بيدها شيء .. كانت الدموع تتجمع في عيونها من كثرة الخزي وكان هو يظنها تعاطف وبسبب رقة قلبها وشفقتها عليه .. حتى إنتهى تمامًا ..من سرد كل التفاصيل منذ كان صغير وحتى ما حدث منذ ساعات
-دنيتي في لحظه أتقلبت .. وبعد ما كنت أبن سراج الصواف وشاهيناز السلحدار .. بقيت أبن العلاقه الغير شرعيه .. من أم معرفش حتى أسمها أيه
قال كلماته وهو يتنهد بأرهق ثم نظر إليها ليجدها تبكي بصمت .. ليعتدل في جلسته وأمسك يدها وقال
-أنتِ أحن قلب في الدنيا .. أنتِ الوحيدة إللي أتكلمت معاها .. أخواتي البنات وحاتم من ساعة ما خرجت من المؤسسة وهما بيتصلوا بيا لكن أنا محبتش أتكلم مع حد غيرك
لم تعلق على كلماته لكنها مسحت دموعها ليعود وأراح ظهره على الكرسي وقال بشرود
-أنا عارف شاهيناز هانم كويس .. عمرها ما هتقول لحد حاجة . والموضوع هيفضل في أطار العيلة .. وهفضل أنا أديم الصواف أبن سراج بيه وشاهيناز هانم .. لكن تصدقي من جوايا ورغم الوجع والحصره إلا إني أرتحت أن سبب عدم حبها ليا وكل إللي عملته معايا قبل كده .. ده كره طبيعي لطفل أتفرض عليها من علاقه غير شرعيه لجوزها .. ومع ذلك أعتنت بيه وربته وكانت ديماً بتتباها بيه قدام الناس
نظر إليها وظل يتأمل ملامحها الرقيقة وخصلات شعرها المجعدة التي تحيط وجهها لتعطيها هيئه غجريه مغرية .. ثم قال
-تتجوزيني يا ونس؟
-أنت بتقول أيه؟!
سألته بأندهاش .. ليبتسم أبتسامة حلوه وقال من جديد
-تقبلي تتجوزيني بعد ما عرفتي حقيقتي؟!
لم ترد على سؤاله ولكنها ظلت تنظر إليه بعدم تصديق .. لتتسع أبتسامته وهو يقول
-حددي ليا معاد مع والدتك .. عايزين نتخطب في أسرع وقت .. أنا محتاجك في حياتي
فتحت فمها حتى تقول أي شيء .. ليشير لها بالصمت وقال من جديد
-أنا هتحدى الدنيا كلها علشانك .. ومش ههتم لرأي حد مهما كان هو مين
كانت تشعر أنها تتضائل أمامه .. كيف تفعل به ما ستفعل كيف تخدعه بتلك الطريقة؟ .. كيف تخسر حب كهذا؟ كيف؟
…………………….
حاول حاتم أحتواء سالي قدر أستطاعته .. وكان لا يعلم ماذا عليه أن يفعل من أجل نرمين .. وأيضًا عقله ظل مشغول على أديم أين هو؟ وكيف حاله؟ وماذا سيفعل؟ ولكن ليس بيده شيء يفعله .. ف أديم لا يرد على أتصالاتهم
لكنه قد قرر أن يذهب لمنزل أديم وينتظره هناك .. فلن يتركه بمفردة على الأقل اليوم
وبالفعل ذهب ثلاثتهم إلى البيت لكنه لم يكن هناك لتجلس نرمين على الكرسي بأنهاك وهي تقول بخوف
-هيكون راح فين بس؟
جلس حاتم جوار سالي وقال بعد تفكير
-ممكن يكون بيلف بالعربية شوية أو يكون راح مكان هادي علشان يفكر
لتنظر إليه سالي بقلق وقالت بصوت حزين
-إللي حصل مش سهل أبدا ومينفعش يكون لوحده دي صدمه مش سهله .. أنا لو كنت لسه سالي القديمة .. كنت مش هبقى عايزة أعرفه تاني لكن دلوقتي أنا بجد خايفه عليه مامي ظلمته هو ملوش ذنب
ليضمها حاتم إلى صدره وهو يقول بصدق وسعادة
-أنا فخور بيكي يا سالي .. هو ده الكلام والصح .. أديم ملوش ذنب في أي حاجة حصلت زمان .. وبرضو هو لسه أخوكم وأبن عمي سراج
-أيوة هو أخونا مهما حصل وأتقال .. بس أنا خايفه عليه .. أنا أكتر واحده عارفه يعني أيه تتصدم وتخسر حاجة مهمه في حياتك
قالت نرمين كلماتها بصوت مختنق .. ثم أمسكت هاتفها تتصل ب أديم مره أخرى وهي تقول برجاء وتوسل
-رد بقى يا أبيه
لكنهم أنتبهوا على صوت الباب وهو يفتح ودخول أديم .. الذي نظر إليهم بأبتسامة صغيرة لتركض الفتاتان إليه يضماه بقوة لتتسع إبتسامته وهو يشد ذراعه عليهم بضمه حانيه قائلاً بصدق
-أنا كويس يا بنات متخافوش
ورفع عينيه لحاتم الذي ينظر إليه بتفحص .. ليومئ له أن يطمئن
بعد بعض الوقت جلس أربعتهم يتحدثون .. وفي نهاية الحديث أكد الجميع على أن شاهيناز لن تخبر أحد بذلك السر حتى لا يشمت بها أحد لكنها أرادت أن تنتقم لكرامتها .. أرادت أن تفعل أي شيء حتى تنفس عن ما كان داخل قلبها منذ سنوات .. لكن ما كان يضايق أديم حقًا موقفها من أختيه .. ولكن لم يكن بحاله جيده ليفكر الأن ماذا عليه أن يفعل … وأيضًا هو لم يعد له الحق في التدخل بينهم .. فموقفه أصبح حساس
ولكن ما كان يشغل عقله حقًا هو .. هل يخبرهم برغبته في خطبة ونس؟ أم ينتظر حتى يتم الأمر ويصبح أمر واقع؟ .. وأختار الأختيار الثاني لأنه الأنسب له و لونس فهو لا يريد أي عرقله في الأمر
………………..
بعد كل حدث في المؤسسة عادت كاميليا إلى عملها لكن بذهن شارد وعقل مشغول .. الصدمات اليوم كانت من العيار الثقيل .. ما هذة العائلة التي أكتشفت أنها تنتمي إليها .. كيف تكون بتلك الصورة والشكل كيف يكون أساسها خرب بذلك الشكل .. وكيف يكون لعمها الكبير الذي كان الجميع يرتعش أمامه تلك الأخلاق وكانت له علاقات نسائية متعدده .. وكيف قبلت شاهيناز هانم بتلك الحياة .. وكيف وافقت أن تكون أم أديم حتى لو لم يكن له ذنب .. ظلت تفكر طوال الطريق .. وهي لا تعرف ماذا عليها أن تفعل .. لكنها أكتشفت أنها قد أخذت القرار الصحيح .. عليها الإبتعاد عن عائلة الصواف .. فأخيها أصبح شخص شرير بكل ما للكلمه من معنى .. وأصبح شخص خطر جدًا ولتعترف لنفسها الأن أنها تشعر بالخوف منه ولا تعلم ماذا عليها أن تفعل
حين جلست خلف مكتبها سمعت طرقات على الباب لترفع عيونها لتجد فيصل يقف هناك بأبتسامة هادئه وقال
-أنتِ كويسة؟!
أومأت بنعم ليقول من جديد
-أصل أنا نديتك وأنتِ داخله من باب الشركة وعديتي من جمبي ومردتيش عليا ولا كأنك شيفاني
وقفت وهي تشعر بالإحراج وقالت بأرتباك
-أنا أسفه كنت سرحانه وبفكر في موضوع كده فمأخدتش بالي .. أنا بجد أس..
رفع يده يوقف سيل كلماتها وقال بمرح
-حصل خير .. عادي جداً .. المهم إنك كويسة
ودلف خطوه إلى داخل المكتب وهو يقول
-أنا قريت كل الإيميلات .. وكتبت بعض الردود من فضلك ترجميهم الأول وبعدين كملي شغل على الإيميلات التانيه
ومد يده بملف به بعض الأوراق لتأخذ الملف وهي تقول بأبتسامة سعادة
-تمام .. هعملهم حالًا
أومأ بنعم وتحرك ليغادر لكنه وقف ونظر لها من جديد وقال بأسف
-الناس إللي كلمتهم بعتولي على كذا حاجة بس مفيهاش حاجة تليق بيكي وممكن الموضوع ياخد كام يوم .. وبصراحه كنت عايز أطمن عليكي أنتِ قاعده فين دلوقتي.
إبتسمت بأحراج وهي تقول
-حجزت أوضه في فندق (..)
ونظرت أرضًا وهي تقول
-أنا تعبتك معايا جدًا .. خلاص أنا هبقى أدور
ليقطب جبينه وهو يقول
-أيه الكلام ده لأ طبعًا أنا هفضل وراهم لحد ما ألاقي إللي يناسبك ويليق بيكي .. وان شاء الله مطّوليش في الفندق
وغادر عائداً إلى مكتبه وجلست هي من جديد .. وعقلها يفكر .. هناك أشخاص يشبهون فيصل وأشخاص ك طارق .. وبعض الناس يشبهون شاهيناز والبعض متواضع وقادر على المساعدة دون مصلحه .. ماذا تخبئ لها الحياة من جديد
……………………….
حين تركت أديم عادت لتتصل بالرقم المسجل على هاتفها .. تحاول أن تمنع ما سيحدث لكنه أصلا لم يرد عليها .. فكرت ماذا عليها أن تفعل الأن .. الأمر خرج عن السيطرة ..ولن تستطيع التراجع
لتجلس على الأريكة بتثاقل وهي تتذكر ما حدث قبل ثلاث شهور
كانت تركض في ممر الجريدة التي تعمل بها منذ سنه .. تريد أن تلحق رئيس التحقيق قبل أن يغادر حتى تطلب منه الأذن في البدء في السبق الصحفي الجديد والتي جمعت خيوطه منذ فتره طويله .. بمساعدة صديقه لها .. تعمل في ذلك المكان
كاد رئيس التحرير أن يغادر مكتبه لتصدم به ثم أعتدلت سريعاً وهي تقول
-أنا آسفه جدًا يا ريس .. بس كنت عايزة حضرتك في حاجة كده قبل ما تروح
ليلوي الرجل فمه وهو يقول بأستسلام
-تعالي يا ونس .. ما أنا مش هخلص من زنك
لتبتسم وهي تسير خلفه حتى دلفوا إلى المكتب وأغلقت الباب وهي تقول
-سبق صحفي هيكسر الدنيا يا ريس
ظل الرجل صامت ينظر إليها أن تكمل كلماتها .. لتقترب خطوتان وقالت
-مؤسسة الصواف الشهيرة وصاحبها أو رئيس مجلس إدارتها أديم الصواف .. عندي معلومات أن في حاجات من تحت الترابيزه بتحصل .. و إن أساس إللي بيحصل كله معاه وإللي بيساعد المؤسسة المافيا
لتلمع عيون رئيس التحرير وهو يقول
-عملتيها إزاي دي يا قردة
لتعدل ياقة قميصها وهي تقول بغرور مصطنع
-ده أقل حاجة عندي يا ريس
ليلوي الرجل فمه من جديد .. لكنه قال
-فين مستنداتك .. والأدله بتاعتك
لتحك رأسها وهي تقول بخجل
-لسه هجيبهم
ليقطب جبينه بعدم فهم .. لتقترب خطوه أخرى وقالت
-أنا عايزة حضرتك توافق على أجازة مفتوحه ليا .. علشان أجمع الأدلة وأجيب كل الأوراق .. ده هيبقى أكبر سبق صحفي يا فندم ومحتاج شغل وتخطيط .. وكل حاجة هنا
قالت كلماتها الأخيرة وهي تشير إلى رأسها .. ليقول
-أنا هوافق يا ونس علشان أنا بثق فيكي وكمان علشان عارف أن لما بتحطي حاجة في دماغك بتعمليها .. خدي وقتك لكن عايز سبق محصلش قبل كده .. ويكون متكامل الأطراف وقانوني يعني كله بالأدله والبراهين مفهوم
أتسعت أبتسامتها وهي تقول بسعادة
-مفهوم جداً جداً جداً
وغادرت المكتب ومباشرة لقسم الصوت طلبت منهم ميكروفون صغير جداً لا يلاحظه أي شخص بسهولة .. وطلبت من المصور أن يحضر إلى مكتبها حتى تحدد معه خطة العمل حتى يكون كل شيء موثق بالصور أيضًا كما سيكون موثق بالصوت
ولمدة شهر كامل كانت تعمل على أدوات خطتها حتى تنفذها دون تأخير .. وشهر أخر تبحث حوله بكل الطرق وتعرف خط سيرة ومواعيدة متى يذهب إلى الشركة ومتى يعود .. من الأقرب إليه .. أين يذهب مساء وكيف يرفه عن نفسه أو أين يسهر .. علمت كل شئ والخطوة الأخيرة كان نزولها لأرض المعركة والتشابك مع الهدف .. وأخذ الخطوات العملية
عادت من أفكارها وهي تهمس لنفسها
-أنا كنت عايزة أفضح فساد مؤسسة الصواف .. مش أفضح أديم
وأنحدرت دموعها لكن وهل يفيد سلخ الشاه بعد ذبحها .. لقد سبق السيف العزل والأمر لم يعد بيدها .. وهي التي ترى أنواع كثيرة من البشر .. لم تستطع التميز أن ما كانت تسعى خلفه لا وجود له وليس له أساس من الصحه .. لكن ماذا عليها أن تفعل؟ أنها تكاد تموت خوفًا
((صباحك ضحكه بتحلي كلامي ويومي .. وعيوني بتحلفلك أني ف الجنة بوجودك .. ده أنا صوتي لو سمع صوتك يحن يرق … صباحك حب يا ونس قلبي وحياتي … بحبك )) “كلمات إسلام علام”
أرسل أديم تلك الرسالة إلى ونس التي كانت تجلس في منتصف سريرها تبكي .. لم يغمض لها جفن .. لقد أرسل إليها مديرها ماكيت الصفحه التي تحمل الخبر الذي سيدمر حياة أديم إلى الأبد .. الذي سينهي أسم عائلة الصواف .. صحيح مقالها لم يذكر الأسماء صريحه لكن الحروف الأولى من كل أسم .. وما أكثرهم الذين يفضلون لعبة الكلمات المتقاطعه .. والجميع قريباً جدًا سيعلم من هم أبطال الخبر… لم تستطع أن تجيب على الرسالة .. هو يرسل لها رسائل حب صباحية .. وهي سوف تقوم بكشف المستور عنه .. كم هي حقيرة وبلا ضمير .. ولكن شيطان عقلها .. والصحفيه التي تسكن روحها كانت تلومها .. هي كانت تقوم بعملها .. ومعلومة النسب لم تكن في الحسبان أو مخطط لها .. وأيضًا هي لم تقول له أن يقع في غرامها .. هي ليست مذنبه .. هي صحفيه ماهرة ومميزة .. وأخبرها مدير التحرير بأنها سيكون لها شئن كبير وأسم رنان مسحت دموعها .. وغادرت السرير حتى تذهب إلى الجريدة اليوم هو عيد لها .. اليوم تحقق أكبر سبق صحفي … اليوم عليها أن تحتفل لا أن تحزن
أخرجت أجمل ملابسها وزينت وجهها جدلت خصلاتها بشكل مميز جعل ملامح وجهها تبرز برقة وجمال .. نظرت إلى نفسها في المرآة نظره شاملة .. وأرسلت لنفسها قبله في الهواء .. أخذت هاتفها من على طاولة الزينه وأغلقته … عليها ألا تعرض نفسها إلي أي ضغط .. لتحتفل بأنتصارها الأول وبعد ذلك لكل حادث حديث
……………………..
أرسل الرسالة ووضع الهاتف جانبًا وغادر السرير ودلف إلى الحمام حتى يأخذ حمام دافئ ليستعيد نشاطه .. يريد اليوم أن يقضيه معها .. أن يسعدها كما هي تسعده لمجرد وجودها بجانبه … تهون عليه كل شيء تجعله يشعر أن لا وجع أو ألم في هذه الحياة هي الونس الذي كان يبحث عنه طوال حياته .. هي الحب الذي تمنى أن يجربه يومًا ويملئ قلبه .. حين غادر الحمام وصله صوت حاتم وهو ينادي على سالي .. ثم صوت ضحكات .. ليبتسم براحه وهو يرى أخته تتحول للأفضل … تخرج من عبائة شاهيناز هانم السلحدار .. وتصبح سالي .. سالي فقط الذي يعشقها حاتم منذ كان صغير .. يتمنى أن يطمئن على نرمين أيضًا حتى يعيش قصة حبه مع ونس دون مشاكل أو هموم
قبل أن يغادر الغرفة .. سمع صوت هاتفه ليعود إلى وحدة الإدراج جوار السرير ليجده فيصل .. جلس على السرير وأجابه قائلاً
-إزيك يا فصيل .. أسف أني مردتش عليك أمبارح بس كنت مشغول أوي
ضحك فيصل وهو يقول بمرح
-يا ابني هو أنا مراتك علشان تديني كل المبررات دي .. المهم أنك بخير
ليضحك أديم وهو يقول بمشاغبة
-بقى أنا مراتي هتبقى بالوحاشه دي .. عايز أيه يا ابني أنت؟!
أخبره بكل ما حدث بالأمس .. ثم قال
-لسه سمسار مكلمني دلوقتي ولقيت مكان مناسب للأنسه كاميليا وكنت لسه هعرفها .. بس قولت أقولك الأول
ظل أديم صامت لعده ثوان يفكر في كاميليا وما قامت به من كشفها لمخطط أخيها مع شاهيناز هانم .. وما قالته في الإجتماع .. وتركها لقصر الصواف ولجؤها لشخص غريب .. لماذا لم تلجأ له .. أو حاتم .. ليبتسم بسخريه وهو يقول لنفسه ( هتلجأ ليك أنت أزاي بعد إللي أنت عملته معاها .. وحاتم كان مسافر )) أخذ نفس عميق وقال لفيصل
-أنا واثق فيك يا فيصل .. وكاميليا زي أختك من فضلك خلي بالك منها .. وبعد ما تستقر في بيتها أنا هجيلها
وافق فيصل على كلمات أديم وأيده ثم قال
-على فكره أنا كسبت موظفه ممتازة من عيله الصواف .. بجد هدية
ليبتسم أديم بسعادة حقيقة .. أن كاميليا حقًا تفاجئه .. وعليه أنهاء الخلاف بينهم حتى يستطيع الوقوف جوارها وعدم تركها بمفردها .. قال لفيصل فخرً
-طبعا يا أبني هو أنت كنت تطول أصلاً
ليضحك فيصل بمرح وقال بصدق
-لأ يا أبن الأكابر مكنتش أطول بس ربك بقى لما يحب يكرم عبده .. يرزقه من وسع .. وأديني طولت
ضحك أديم وشاركه فيصل الضحك .. ثم ألقى السلام وأغلق الهاتف .. ليقف أديم حتى يخرج إلي أخوته بالخارج
………………………..
وقف عند بداية الممر يتابع ما يفعله حاتم مع سالي .. التي تقف بتحفز وعيونها تملئها الشقاوة جوار إحدى زوايا طاولة الطعام وهو يقف في الجهه الأخرى .. ليقول حاتم بمشاغبة
-هاتي بوسه بقى قبل أخوكي ما يصحى .. أعتبريني جوزك
-تؤ تؤ تؤ
أجابته بدلال أنثوي وهي تحرك كتفها للأعلى .. ليحاول الوصول إليها لتركض إلى الجهه الأخرى وهي تضحك بصوت هادئ .. ليقول هو بتهديد
-لما أمسكك هبوسك حتى لو قدام أخوكي .. علشان تبقى تجري مني كويس
-وأخوها واقف بيتفرج على مسخرة بتحصل في بيته بين أخته وأبن عمه
قال أديم بصوت غليظ .. ليتخشب الإثنان بخجل .. وقال حاتم بصوت متقطع
-أيه إللي أنت بتقوله ده يا راجل ده هي بس كانت زعلانه وكنت بصالحها .. أحنا ناس متربيه وأمور السفاله دي مش بتحصل عندنا
لتضحك سالي لكنها كتمت الضحك بيدها كذلك أديم الذي قال بتسليه
-يالهوي يعني أنا مش هبقى خالو أبدا .. لا أحنا نطلق بنتنا وتشوف نصيبها مع حد تاني يجبلنا إللي يقولي يا خالو
كشر حاتم حين فهم مغزى حديث أديم لينفخ صدره وهو يقول بأقرار
-لا … أنت تقصد أيه أنا راجل أوي .. وان شاء الله ولي العهد يشرف قريبًا ويبقى محتار يقولك يا خالو ولا يعمو
أبتسم أديم لمجرد التخيل .. وقال وهو يقترب من أخته .. يقبل أعلى رأسها
-ربنا يفرحك يا حبيبتي ويسعدك .. ولو الواد ده زعلك في يوم عرفيني بس .. وأنا أربيه من أول وجديد وأعيدلك ترتيب وشه كمان لو عايزة
ألتفتوا جميعًا على صوت نرمين وهي تقول بغضب مصطنع
-الله الله .. خيانه بتحبوا بعض من غيري
ليفتح لها أديم ذراعه لتركض إليه وتلقي بنفسها بين ذراعه .. ليقول حاتم بمرح
-طيب وأنا مليش في الأحضان الحلوه دي
ثم فتح ذراعه لسالي وقال بتوسل
-مين إللي هيجي في حضن بابي
لتضحك سالي وهي ترفع عينيها لأخيها .. الذي أومأ لها بنعم .. ليقترب حاتم يجذبها من ذراعها ويزرعها في حضنه وهو يقول
-أنتِ هتستأذني .. يا بت أنتِ مراتي
ليضحك الجميع على كلمات حاتم وأسلوبه في نطق الكلمه خاصه وهو أضاف إليها حرف الشين.. ليجلسوا بعدها جميعا على طاولة الطعام ليتناولوا فطارهم بين مرح ومزاح .. وكأنهم جميعًا أتفقوا بدون أتفاق على أن يغلقوا صفحة الماضي وما حدث بالأمس وكأنه لم يحدث .. لكن القدر كان يحمل لهم صفعه ستقلب حياتهم رأساً على عقب
…………………………
هاتفه بداخل الغرفة لم يتوقف رنينه .. والرسائل التي تصل إليه كثيرة بشكل كبير فالجميع مصدوم من تلك الأخبار .. التي تداولها إحدى المواقع الإخبارية الخاصه بجريدة كبيرة ومشهورة
رن هاتف حاتم لينظر إلى الإسم بأندهاش لعدة ثوانِ ثم أجاب قائلاً
-أيوه يا جمال خير؟ هو مش أنا بلغت إني مش جاي النهاردة؟
صمت لثوانِ ثم قال
-طيب يا جمال هشوفه حالاً
صمت مرة ثانيه ثم قال
-أديم بيه معايا . خلاص تمام
وأغلق الهاتف وفتح إحدى تطبيقات الرسائل ليجد الكثير من الرسائل وكلها تحمل لينك واحد فقال وهو ينظر لأديم بقلق
-تعالى شوف الموضوع ده
ترك أديم مكانه وأقترب من مكان جلوس حاتم ونظر إلى الهاتف بتركيز .. لتمسك كلا الفتاتان هواتفهم ليجدوا أن هناك الكثير من الرسائل وصلت لهم أيضًا .. وبدأت الصدمة ترتسم على وجوه الجميع .. وهم يقرأون ما كتب على ذلك الموقع .. صحيح الأسماء لم تذكر لكن كل شيء يشير إليهم وهذا ما جعل الجميع يرسل لهم ذلك التقرير الصفحي الذي يكشف كل شيء عن عائلة الصواف .. كما يراها أديم ومن وجهة نظره .. خاصه وأن هناك جمل كتبت كما كتبها هو في مذكراته .. والأوراق التي كانت تخص صفقة قديمة مع إحدى الشركات الأجنبية وأوقفها أديم قبل إتمامها حين أكتشف أن المافيا خلف تلك الشركة .. والأمر الأكثر صدمه هو الخبر الذي صدم الجميع بالأمس .. أن أديم أبن غير شرعي لعائلة الصواف وأمه ليست شاهيناز السلحدار سيدة المجتمع الراقي .. و إن والدته مجهوله بسبب كثره علاقات والده النسائية
الدموع كانت تغرق وجوه الفتايات .. والصدمه ترتسم على وجه حاتم الذي أحتقن من كثرة ضخ الدماء به .. وأديم وجهه كان بارد حد الخوف والشحوب وعيونه ثابته على شيء واحد فقط .. وهو أسم محرر الخبر … (( ونس سليم نصار))
والدموع تلمع في عينيه .. وقلبه يأن بألم .. يصرخ داخل قفصه الصدري يود أن يخرج من مكانه .. لقد تحطم وتناثرت شظاياه في كل مكان .. هو ينزف من الداخل .. ولا يظهر عليه أي شيء .. مجروح لكنه من الخارج سليم .. من ينظر إليه يجد رجل يقف بشموخ وبعيون باردة .. ومن نظر إلى داخله وجده محطم .. ينزف وقلبه توقف عن النبض .. لقد قتلته الخيانه .. قتله الحب .. هل كان مغفل إلى هذه الدرجة؟ .. هل هو غر صغير أستطاعت تلك الماكرة الضحك عليه؟ هل سقط أديم الصواف وتحطم؟ وكانت الإجابة على كل تلك الأسئلة هي _نعم_ دون تردد
أعتدل في وقفته ونظر إلى أختيه وقال بصوت لا روح فيه
-أقفلوا تليفوناتكم علشان محدش يضايقكم.
ثم نظر إلى حاتم وقال بهدوء أقلق من يقف أمامه ويعرفه أكثر من نفسه
-روح المؤسسة علشان تقدر تحتوي الموقف … طارق هيستغل إللي حصل ده وأنا عندي مشوار وهجيلك على هناك.
ولم يسمح لأي منهم أن يتحدث معه .. توجه إلى غرفته ومباشرة أبدل ملابسة .. وبحث عن عنوان تلك الجريدة عن طريق تطبيق تحديد المواقع .. ثم غادر غرفته ومباشرة غادر المنزل .. تارك خلفه قلوب تتألم من أجله .. ومن أجل نفسها ولا يعلمون كيف يواجهون تلك الفضيحة.
…………………………
تقف وسط زملائها تبتسم بسعادة وهي تتلقى التهاني والمباركات على ذلك التحقيق الصفحي الكبير الذي وضع جريدتهم في مكانه خاصه جدًا ورفع نسبة المبيعات في الجرائد الورقية .. وأيضًا عدد المشاهدات على فديوهات صفحة الجريدة … وعدد المشاهدات أيضا على الموقع الإخبارى
أنها خبطة صحفيه من النوع الثقيل .. والتي لا تتكرر كثيرًا .. وتحتاج لتنفيذها مجهود كبير .. طرق مدير التحرير على كوبه الزجاجي بالقلم وقال بأبتسامة واسعه وسعادة
-النهاردة يوم مميز جدًا للجريدة بتاعتنا .. وزميلتكم حققت نجاح ملوش وصف ولا مثيل .. تعبت وفكرت وخططت ونفذت .. وحقيقي أنا مبهور من ذكائها .. وعلشان كده تم ترقيتها لنائب مدير التحرير.
يقف في نهاية الرواق ينظر إلى ما يحدث أمامة بوجه خالي من التعبير .. لكن من يرى قلبه الأن يراه ينتفض كطفل صغير تائه في صحراء قاحله وتحيطه الذئاب من كل أتجاه .. من يرى عيونه ثلجية النظره .. لا يستطيع أن يصدق أنه يبكي من الداخل بدل من الدموع دم .. من كان يرى سعادته صباحاً .. لا يستطيع تخيل كم الحزن الذي يشعر به الأن
بدأ الجوء يهدء من حولها وزملائها يعودون إلى مكاتبهم وبين يديهم صحون بها قطع حلوى وأكواب من العصير .. الجميع يحتفل بذبحه .. الجميع يسير فوق جسدة المُلقى أرضًا مذبوح من الوريد إلى الوريد والدماء تغطيه .. حتى هي من ظنها أمله في الحياة بوابة الجنة .. وطوق النجاة .. هي من ذبحته بيدها .. وتقف الأن فوق قلبه النازف تضحك بسعادة وتحتفل بموته
لمحته من مكانها لينتفض قلبها بخوف .. وتشنج جسدها للحظة .. لكن عقلها نبهها لضرورة تحركها حتى لا يلاحظ زملائها وقوفه .. فأجبرت قدميها على التحرك في أتجاهه .. كان يراقب تقدمها منه وهو يسأل نفسه .. هل هذة الفتاة الجاحدة هي نفسها تلك الفتاة الرقيقة التي كانت تتوسل عمل لديه في بيته ؟ وترجوا أن تكون مجرد خادمه له؟ هل كانت تدعي كل تلك البرائه حتى تحصل على مبتغاها وتضربه الضربه القاتله .. أستطاعت تلك القصيرة المكيرة أن تفعل ما لم يستطع رجال المافيا وحيتان السوق فعله .. هي ببرائه مصطنعه أستطاعت الغدر به .. وتحطيم تمثال أديم سراج الصواف المخيف
وقفت أمامه تنظر إليه بعيون تتوسله أن يفهمها ويقدر موقفها .. وقلبها يأن بألم .. وعقلها يتحدى عيونها وقلبها ويخبرها بكل جرئه أنتِ لم تخطئي في شيء أنتِ كنتي تقومين بعملك فقط
ظلت صامته تنظر إليه بهدوء قدر أستطاعتها .. لتشعر بالصدمة حين رأته يبتسم أبتسامة جانبيه وقال
-مبروك يا حضرة الصحفيه الهمامة .. مبروك التحقيق الصحفي إللي كسر الدنيا .. وذبح أنسان من غير ذنب
-أديم أنا….
حاولت قول أي شيء ليقول من بين أسنانه
-أنتِ أيه؟ أنتِ شيطانه فيهيئة ملاك .. أنتِ أقبح أنسانه أنا عرفتها في حياتي .. أنا بقيت بحتقرك يا ونس بحتقرك
فتحت فمها لتقول شيء أخر لكنه قال بغلظه
– أنا يا ونس أنا تعملى فيا كده؟ … أنا إللى كنت مستعد أحارب عيلتي و ظروفك و عادات المجتمع و أتجوزك أطلع فى الأخر سبق صحفى ليكى
– ده شغلى يا أديم … مكنتش أتخيل أنى هعجبك و تحبنى
قالت سريعاً تدافع عن نفسها .. لكن الصدمة التي أرتسمت على ملامحه جعلتها تصمت أقترب منها حتى لم يعد يفصل بينهم سوا خطوه واحده و أبتسم بسخريه و قال
– شغلك؟! ومقولتليش أعجب بيكي وأحبك!
لتتسع أبتسامته الساخره وهو يقول بألم
-من وقت ما شوفتك وأنا قلبي فتح ليكي بابه .. من أول ما سمعت صوتك وحسيت أني محتاجك في حياتي وإني عايز أسقيكى من حبى و حنانى و أعوضك عن كل الجحيم إللى كنتى مصورالى نفسك عايشه فيه .. لكن في الأخر أنا كنت مجرد شغل
ضحك بصوت عالي نسبيًا .. وهو ينظر إليها نظره تحمل الكثير بين غضب وكره وحقد وغل وتوسل بأن يكون كل هذا مجرد كابوس .. كابوس فقط يستيقظ منه ويجدها كما هي بريئه طاهرة .. وكانت هي تنظر إليه بعيون باكيه لكن نظرتها قويه ثابته رغم الألم الواضح فيها … ليقترب تلك الخطوه الفاصله و هو يقول
– لكن أوعدك من النهارده مش هتوشفي منى غير نار أديم الصواف و بدل نعيم قربى هتشوفى جحيم فراقى وأكيد بعد كل إللى عرفتيه عني عرفتي شكل جحيمي بيكون إزاي .. و إن غضبي إللي كنت بمنع ظهوره أنتِ حررتيه .. والبداية
طرق على ساعته بأصبعه
-هتبدء من دلوقتي .. والبادئ أظلم يا ونس
وتركها وغادر بعد أن أهداها نظره مستهزئه وأبتسامة سخريه .. لتشعر أن قلبها تحطم ولن تبالغ أن قالت أنها سمعت صوت تحطمة .. وكان هو يسير بثقه وثبات .. عكس تماماً كل ما يشعر به من الداخل .. لكن أبواب الجحيم قد فتحت وليقف أمامها من يستطيع
منذ الوهله الأولى شعر حاتم أن الجو مشحون جداً داخل المؤسسة ..لكنه سار بخطى واثقه حتى وصل إلى مكتبه .. وبعدها أمر بحضور القسم الخاص بالدعاية والإعلانات .. لقد إتصل به أديم وطلب منه .. أن يقوم بحمله إعلانيه ضخمه عن المشروعات الجديدة التي تم التعاقد عليها .. منها وضع أصحابها أمام الأمر الواقع وعدم المحاوله في إلغاء الإتفاق .. وأيضا أستغلال إيجابي لكل ما حدث .. وبالفعل تم الإتفاق خلال ساعه على شكل الدعايه المطلوب .. لكن ما أقلق حاتم فعلاً هو عدم وجود طارق في المؤسسة .. بماذا يفكر؟ وما هي خطوته القادمة؟ هذا ما يقلقه حقاً .. لكنه كان معه حق حين لم يطمئن قلبه لتلك الفتاة .. ها هي من طعنت أديم من خلف ظهرة .. وهي من سددت السهم القاتل له .. دلفت السكرتيرة الخاصه به وأخبرته بصوت يرتجف أن أديم بيه يريده .. لم يهتم لحالها وغادر سريعاً متوجها لمكتب رئيس مؤسسة الصواف ودخل دون طرق ليجد أديم يجلس خلف مكتبه وأمامة كل المحامين
-أنا عايزكم ترفعوا مجموعه قضايا على الجريدة والصحفية .. ومدير التحرير .. والموقع الإخباري
أومأ المحامون بنعم .. ليرفع أديم سماعه الهاتف وقال بأمر
-أبعتيلي رئيس قسم التكنولوجيا والإنترنت
وأغلق الهاتف ثم أشار للمحامين أن يغادروا .. وهو يقول بأمر
-عايز شغل من نار .. عايز أسمع أخبار كويسة خلال أيام وإلا قسماً بربي لهتكون نهايتكم أنتوا
كان حاتم يشعر بالإندهاش من تصرفات أديم لكنه لم يعلق .. طرقات على باب المكتب لحقها دخول رئيس قسم التكنولوجيا ليقول أديم مباشرة
-الموقع إللي نشر الخبر النهارة .. وصفحه الجريدة .. مش عايز يبقى ليهم وجود .. وأي حد يبحث عنهم تظهر قدامة حاجه واحدة بس أنه موقع مزيف وأنتحالي .. مفهوم
ليومئ الرجل بنعم وغادر دون كلمه أخرى .. أقترب حاتم وجلس على الكرسي المواجه لأديم وقال
-ما تفهمني أنت ناوي على أية؟
نظر إليه أديم نظره أرعبته حقاً .. أول مرة يرى كل ذلك الشر على وجه صديقه .. لكن أديم مد يده بالهاتف تجاه حاتم وقال
-شوف البورصة كده
جحظت عيون حاتم وهو يرى التراجع الكارثي في البورصة للمؤسسة .. ليقول أديم بهدء رغم الغضب الواضح على وجهه
-لازم نلحق الكارثه دي .. طالما أتلعب بينا لعبه قذره أحنا كمان نرد أعتبرنا بلعبه قذره برده
-بس يا أديم من الواضح أنهم عندهم دليل .. دي عرفت إللي حصل هنا في المؤسسة
قال حاتم بتفكير .. ليمد أديم يده بجهاز أسود صغير وقال موضحاً
-كانت بتتصنت عليا .. لقيته الصبح وأنا بلبس وقع من جيب الجاكت
وقف حاتم والقلق يرتسم على ملامحه .. ليقول أديم بهدوء
-متقلقش كل التسجيلات دي هتكون معايا خلال ساعات
قطب حاتم حاجبيه بأندهاش وهو يقول
-أزاي؟!
أبتسم أديم أبتسامة صغيرة .. وهو يتذكر ما حدث بعد أن ترك ونس
“يسير بخطوات واثقه وقوية .. غير مهتم بالعيون التي تنظر إليه بين رهبه .. وأعجاب .. وبين تشفي وشماته .. لكنه توقف حين سمع صوت رجل يقول
-يا فندم أحنا معانا تسجيلات بكل حاجة بأصواتهم يا فندم ..
صمت الرجل ثوانِ ثم أكمل
-التسجيلات على تليفون ونس وتليفوني وفلاشه محتفظ بيها في خزنة مكتبي
ليلتفت أديم ينظر إلى الرجل ثم أخرج هاتفه وألتقت صوره له .. وأكمل سيره لكن عقله كان يعمل دون توقف .. حين صعد إلى سيارته كان كل تفكيرة كيف يحصل على تلك التسجيلات .. حين مرت من أمام سيارته ونس دون أن تنتبه إليه وصعدت إلى سيارتها ليلتقط صوره لسيارتها .. والفكرة ترتسم أمام عينيه .. أخرج هاتفه وأتصل بفيصل الذي أجابه سريعاً .. ليقول له أديم
-عايز أشوفك حالاً .. مستنيك في (…)
وأغلق الهاتف وتحرك بسيارته مصدرا صوتاً عاليا يشبه ذلك الصوت العالي داخل روحه وقلبه
وصل المكان الذي حدده وبعد ثوانِ توقفت سيارة فيصل خلف سيارته وترجل منها وهو يقول بقلق
-أيه إللى حصل ده يا أديم؟ أنت كويس يا صاحبي؟
أومأ أديم بنعم وقال بجديه بعد أن أخذ نفس عميق
-أنت فاكر صلاح سرنجة؟
قطب فيصل حاجبيه بأندهاش وقال بقلق
-أه فاكرة .. بس أنت أيه إللي فكرك بيه؟
-تقدر توصله؟
سأله أديم متجاهل سؤاله .. ظل فيصل صامت لعده ثوانِ ثم قال
-أعتقد أقدر .. ثواني
أخرج هاتفه وبدء يبحث في الأرقام حتى وجد الرقم الذي يريده وأتصل به .. وبعد عدة ثوانِ من حديث متبادل لم يهتم به أديم أقترب منه فيصل وهو يقول
-هيجبولي رقمه .. ثواني وهيكون معاك
أومأ أديم بنعم دون أن يعلق .. وأعتدل يستند على سيارته بهم ليضع فيصل يده على كتف صديقة بدعم وقال
-كان الله في عونك يا صاحبي .. حملك تقيل
نظر إليه أديم لعدة ثوانِ بصمت ثم قال
-مش شايف شماته في عينك يا فيصل
ليقطب فيصل جبينه بضيق وقال بغضب
-شماته ! .. أنت تعرف عني أني ممكن أشمت فيك يا أديم .. وبعدين أشمت في أيه؟ أنت ذنبك أيه أصلاً؟ للأسف أنت بتدفع تمن غلط والدك رحمه الله .. مكنتش فاكر إنك بتفكر فيا بالشكل ده يا صاحبي
قال الأخيرة بلوم وعتاب .. ليبتسم أديم بحزن وقال بصدق
-أنا عارف ومتأكد أنك مش كده .. لكن الوجع إللى جوايا مش قادر أتكلم عنه يمكن يخف ويقل .. قولت يمكن لو لقيتك شمتان فيا أضربك فخرج فيك شويه من غضبي
ليبتسم فيصل وهو يقرب وجه من صديقة وقال بمرح
-لو يرضيك تشوه الوسامه المفرطه دي أتفضل
ليربت أديم على كتف صديقه بشكر ليرتفع صوت هاتف فيصل فأجاب سريعاً وهو يملي الرقم لأديم .. وحين أغلق فيصل الهاتف قال أديم برجاء
-ممكن تفضل معايا
وافق فيصل فوراً .. وأتصل بالشركة يبلغهم بعدم عودته وإلغاء كل مواعيده
.. أتصل أديم بالرقم ليجيبه صلاح بصوته الخشن ليقول له أديم مباشرة
-معاك أديم الصواف أنا منتظرك في العنوان (…) .. لو لسه على شغلتك القديمة إللي أنا عارفها كويس .. ولو عايز تكسب قرشين حلوين يعيشوك ملك
أجابه صلاح أنه في الطريق من الأن وأنه في الخدمه دائماً
أغلق أديم الهاتف .. ليجد نظرات فيصل كلها أندهاش وصدمه وعدم فهم ليقول بهدوء
-لما صلاح يوصل هتفهم كل حاجة
أومأ فيصل بعدم فهم وخيم الصمت على الأصدقاء لعدة دقائق حتى قال أديم بأستفهام
-عملت أيه مع كاميليا؟
-قولتلها على الشقة .. وشافت الصور إللي السمسار بعتها وعجبتها .. والمفروض هنروح بعد الشغل علشان تشوفها
إجابه بهدوء موضح كل شيء .. وأكمل قائلاً
-كويس أنك فكرتني
وعاد يتصل بالشركة من جديد وطلب تحول المكالمة لمكتب كاميليا .. وحين أجابته قال بهدوء
-أستاذه كاميليا أنا بعتذر جداً بس جالي شغل ضروري ويمكن أتأخر شويه .. ينفع نشوف الشقة بعد المغرب
صمت يستمع إليها ثم قال
-متقلقيش أنا هكلم السمسار وأعرفه
صمت من جديد ثم قال
-تمام ان شاء الله .. سجلي بقا رقمي .. ورني عليا علشان أسجل رقمك وأقدر أكلمك
وأخبرها برقمه ليجدها ترن عليه في نفس اللحظة ليقو لها أخر أرقام هاتفها كنوع من التأكد ثم أغلق .. ليجد أديم ينظر إليه بحاجبين مرفوعين .. ثم قال بغضب مصطنع
-بتاخد رقم بنت عمي وأنا واقف قدامك طرطور أنا؟!
ظل فيصل صامت ينظر أرضا بأدب مصطنع قائلاً
-بس بقى متكسفيش يأ أديم
ليضحكوا سوياً .. ببعض المرح القديم الذي كان يغلف حياتهم قبل كل تلك الهموم التي وضعت فوق أكتافهم قهراً
بعد نصف ساعه كان يقف جوار دراجة بخارية وترجل منها صلاح بنفس هيئته القديمة شعر مشعث .. وبنطال أسود وقميص مفتوح تحته تيشيرت أبيض اللون بين أصابعه سجارة غير بريئة .. حين وقف أمامهم قال بسعادة مبالغ فيها
-أديم باشا .. وفيصل باشا والله زمان يا رجاله .. ياااه رجعتوني لأيام زمان والله
كان فيصل ينظر إليه وهو يتذكر كيف تعرفوا عليه ..” ذات يوم كانوا يجلسون في إحدى أركان الجامعه الهادئه نسبياً هو وأديم وحاتم وطارق يتحدثون عن أحد المواد ثم تطرق طارق للحديث عن إحدى الفتايات .. وبدء في وصفها بشكل مبتزل .. ليخرج فجأة شخص من الواضح أنه غير متزن وأمسك طارق من ملابسه وبدء يوجه له لكمات يحاول طارق تجنبها وأيضا الدفاع عن نفسه بتسديد لكمات مشابه .. لكنهم تدخلوا أبعدوا ذلك الشخص عن طارق الذي أتضح أنها صديقته .. وأنتهى الأمر ورحل ذلك الشخص .. لكن بعدها تمت سرقتهم جميعاً .. هواتفهم .. ومحافظهم الشخصية .. وسيارة طارق .. وأتضح بعدها أن من فعل هذا كان ذلك الشخص الذي ضرب طارق .. وتم التواصل معه وبطريقه أديم وسياسته ولباقته أستطاع إعادة كل شيء .. ومن وقتها أصبح صلاح بشكل ما صديق لأديم وفيصل الذي كان مع أديم وهو يتحدث مع صلاح حتى يعيد إليهم أشيائهم”
أنتبه فيصل من ذكرياته على صوت أديم وهو يقول
-أزيك يا صلاح عامل أيه دلوقتي؟
-عندي عمارتين يا باشا وأجانس عربيات
لبتسم أديم خاصه حين فتح فيصل فمه بصدمة .. ليقول صلاح وهو ينظر في أتجاهه رافع كفه في وجهه
-قول ماشاء الله في سرك يا فيصل باشا .. العين فلقت الحجر
ليضحك أديم بصوت عالي ليغلق فيصل فمه وهو يقول
-ماشاء الله يا سيدي .. ده سرقه بتكسب كتير بقى
-أوي يا باشا
وعاد يفرد كف يده أمام وجهه .. وهو يتمتم بشيء ما حتى يحميه الله من عين فيصل .. لكنه نظر لأديم وقال
-آآمر أمر يا باشا .. خدامك
أعتدل أديم واقفاً وفتح هاتفه قال
-شايف الراجل ده؟
أومأ صلاح بنعم .. ليكمل أديم
-شغال مدير تحرير جريدة (…) عايز التليفون بتاعة .. وفي فلاشه في خزنة مكتبه كمان عايزها
ليشير صلاح إلى عينيه الأثنان .. ليكمل أديم وهو يظهر صورة ونس
-والبنت دي .. ودي عربيتها .. وبتشتغل في نفس الجريدة لكن أنا معرفش عنوان بيتها .. عايز كمان تليفونها
ليحنى صلاح رأسه قليلاً بمعنى أوامرك مجابه .. ليقول أديم من جديد
-النهاردة يا صلاح .. عايز الحاجة دي النهارة .. ولو دلوقتي حالاً يبقى كويس
-الرقم إللي كلمتني منه رقمك يا باشا
قال صلاح سريعاً ليوما أديم بنعم … لينظر صلاح إلى ساعته وقال
-أديني ساعتين زمن وهرد عليك يا باشا .. والموضوع برقبتي
وتحرك ليغادر ليوقفه أديم حين قال
-ومكفأتك هتبقى كمان كبيرة لو صدقت معايا
.. ليلتفت إليه صلاح وأبتسم وهو يشير له بتحيه السلام وصعد إلى درجاته البخارية وغادر .. لينظر فيصل لأديم ليقص عليه كل شيء بهدوء شديد.. ليومئ فيصل بنعم وقال بقوة
-هما اللي بدئوا بالغدر .. وأنت لازم تاخد تارك يا صاحبي
عاد أديم من ذكرياته ليبتسم حاتم وهو يقول
-أنا حاسس أني أول مرة أعرفك يا أديم .. لكن نخلص من الموضوع ده وبعدين نتكلم
أومأ أديم بنعم ولم يكد حاتم يغادر حتى أرتفع صوت هاتف أديم وأسم صلاح ينير الشاشه ليجيبه أديم سريعاً .. وأتسعت أبتسامته مع كل كلمه يسمعها وقال بأمر
-أستناني في (… ) أنا جايلك حالاً ومكفأتك معايا
وأغلق الهاتف ثم فتح الخزنة وأخرج بعض رزم المال ووضعهم في حقيبة صغيرة يحتفظ بها في مكتبه وغادر ليقول حاتم وهو يلحق به
-أستنى أنا جاي معاك
………………….
وصلت ونس إلى بيتها في حالة أنهيار ألقت كل شيء بيدها على أقرب كرسي ودلفت إلى غرفتها وألقت بنفسها فوق السرير تبكي بصوت عالي .. هي لا تشعر بأي أنتصار منذ اللحظة الأولى .. وأكمل أديم عليها بكلماته .. أنه كان يحبها بصدق .. وهي من حولت حبها بقلبه إلى ذلك الوحش الذي لن يهدء حتى ينتقم .. لكن عقلها عاد من جديد يقول لها بتحدي
(( مش هيقدر يعمل حاجة في معاكي الدلائل )) .. لكن يعود قلبها ويؤلمها من جديد ويلومها على خسارة حب كحب أديم شخص قادر .. خلق عالم لم تحلم يوما أن تعيش فيه .. لكنها أضاعت كل ذلك من أجل سبق صحفي .. وذلك السبق أضر بسمعته .. وبمؤسسته .. كيف تتحدث دائماً عن شرف الصحافه وميثاقها .. وهي قامت بذلك العمل المشين .. وشجعها عليه من كان يتشدق بتلك الشعارات .. لكن حين وجد أن هناك سبق صحفي سيجعل جريدته تثير الجدل وترتفع مبيعاتها .. لم يتردد أو يفكر للحظة .. حتى حين طلبت منه أن يجنب السبق جزئيه نسب أديم رفض وبشدة
عادت تبكي من جديد حتى ثقل جفنيها ونامت وهي من وقت لأخر تشهق بقوة .. وذلك سمح لصلاح بأداء مهمته بسهولة بعد أن عرف عنوانها من الجريدة عن طريق إحدى الفتايات التي تكرهها بشدة
…………………..
حين علمت شاهيناز بما حدث شعرت بالصدمة .. كيف هذا ومن هذة الفتاة التي تتحدث عن عائلتها بتلك الطريقة .. لكن ماذا عليها أن تفعل الأن .. هل تقف جوارهم وتنفي كل هذا أم تترك الزمن ينتقم لها .. لكن هي لن تقبل بذلك .. ذلك الإنتقام سيطول سمعتها ويعلم الجميع ما كانت تخبئه طوال تلك السنوات وما تحملت العذاب حتى تخفيه .. أمسكت هاتفها وقررت الإتصال بأديم الذي كان يقود سيارته متوجهاً إلى صلاح وجواره حاتم الذي لم يتوقف عن طرح الأسئلة وهو يتجاهله .. لكنه أوقف السيارة على جانب الطريق وهو يجب
-أهلا شاهيناز هانم
لينظر إليه حاتم بصدمه .. وتقطيبه جبين أديم تقلقه .. خاصه حين قال
-حضرتك متصله علشان تشمتي وتشوفي أنتصارك
لم يكمل كلماته حين وصله صوتها تقول
-أعمل مؤتمر صحفي يا أديم .. وأنا هحضره وننفي كل الكلام ده .. والبنت إللي عملت المقال ده والجريدة لازم يتحاسبوا
نظر إلى حاتم وعيونه يرتسم بها عدم التصديق
-حضرتك بتقولي أيه؟ يعني أنتِ عايزة تساعديني؟
شعر حاتم بالزهول .. لكنه ظل صامت يستمع إلى ما يحدث حين قال أديم
-تمام .. هنفذ فوراً وسالي ونرمين كمان هيحضروا
أغلق الهاتف وعاد يدير السيارة ويتحرك بها وهو يقول
-أنت مصدق أن شاهيناز هانم عايزة تساعدني
-مش عايزة تساعدك يا أديم هي عايزة تساعد نفسها .. مش عايزة فضيحتها تبقى على كل لسان .. وكل الناس تعرف أن عمي كان بيخونها ومكنش مخلص ليها
قال حاتم كلماته ليهز أديم رأسه بنعم وهو يفكر في كلمات صديقة .. لكنه قال بهدوء
-كفايه أن فكرتها هتوفر علينا حاجات كتير .. مؤتمر صحفي ننفي فيه كل حاجة .. والجريدة التانيه مفيش معاهم دليل .. ونرفع القضايه .. والحملة الإعلانيه .. كمان غلق الموقع الخاص بيهم وصفحتهم وتوصيفهم بأنهم موقع أنتحالي .. كل ده هيفيدنا صحيح مش هيوقف كل الألسن عنا .. والموضوع مش هيتنسي بسهولة .. لكن على الأقل .. هنرجع هيبتنا تاني
صمت لثوانِ وشاركة حاتم الصمت .. لكنه بعد ثوانِ قال
-أتصل بالمؤسسة وخلي قسم الدعاية يجهز للمؤتمر النهاردة
بدء حاتم في تنفيذ ما قاله أديم .. حين أوقف أديم السيارة وترجل منها سريعاً .. ليبتسم صلاح وهو يمد يده بالأغراض وقال
-أوامرك أتنفذت بالحرف يا باشا .. بس أنا كمان لقيت الملف ده مع الفلاشة ولقيت عليه أسم عيله الصواف .. قولت يبقى يخصك فجبته
فتح أديم الملف وعرف ما هو ونظر إلى صلاح وقال
-أنت المفروض مكفأتك تتضاعف .. لكن على العموم .. خد دول .. وقولي حسابك البنكي وأنا هبعتلك قدهم
ليمسك صلاح المال بين يديه وقال
-أبدا ما يحصل يا باشا .. كفايه إني رجعت شوفتك من جديد .. وشوفت الحلوين
قال أخر كلماته وهو ينظر إلى حاتم الذي ينظر إليه بأبتسامة صغيرة .. ثم أومئ له بتحيه ليردها له صلاح لكن برفع يديه أمام رأسه … وعاد بتركيزه إلى أديم وقال
-رقمي معاك يا باشا لو أحتجتني في أي حاجة .. سلام
وغادر سريعاً .. ليعود أديم إلى سيارته .. عائدون إلى المؤسسة لكنه نظر إلى حاتم وقال
-محدش يعرف أن الحاجة دي معانا .. ولا أي حد يا حاتم مفهوم
-مفهوم .. متقلقش
…………………
حين وصلوا إلى الشركة كانت القاعة الكبيرة تستعد لأستقبال الصحفيين وعلم من السكرتيرة أن شاهيناز بالداخل وأيضا سالي ونرمين .. دلف إلى غرفة المكتب لتركض الفتاتان إلى حضنه فقد كان القلق يقتلهم خاصةً وأنه لا يجيب على الهاتف .. وحاتم أيضا لم يطمئنهم
بعد أن ظل يضمهم لعدة ثوانِ ويطمئنهم ببعض الكلمات .. أقترب من مكان شاهيناز ومد يده قائلاً بأدب
-شكراً لحضرتك على حضورك وأستعدادك للمساعدة .. مهما كانت دوافعك .. شكرًا
مدت يدها بكبرياء وقالت بأنف مرفوع
-أسم الصواف لازم يفضل كبير وعالي .. ومينفعش فضايحنا تتنشر قدام الناس
أومأ بنعم وتوجه إلى خلف مكتبه ونظر إلى حاتم وقال
-طارق فين؟
-مظهرش النهاردة خالص
أجابه حاتم بهدوء حذر ليقطب جبينه وهو يتذكر أخر موقف لطارق .. وما حدث منه ليؤلمه قلبه كثيرًا حين شعر بأن تكون ونس قد أتفقت مع طارق وتكون هي اليد التي قرر طارق أن يقتله بها .. ليغمض عينيه بقوه وهو يود أن يصرخ بصوت عالي .. حتى يهدئ تلك النار التي تحرق قلبه.
بداخل شقته الخاصة .. يجلس طارق فوق الأريكة الكبيرة عاري الصدر .. وجواره فتاة ترتدي ملابس مكشوفه وبين شفتيها سيجارة غير بريئة .. وبيدها كوب من الخمر تنظر إلى ما يفعله بتركيز .. لكنها لم تفهم ما هذة الأوراق الذي يقوم بقص حروف منها .. فقالت بصوتها المائع
-أنت بتعمل أيه؟ وأيه شغل kg1 ده؟
لم ينظر إليها ولم يجيبها أيضاً لكنه بدء في تجميع تلك الحروف فوق ورقه بيضاء .. حتى بدء يكون كلمات .. كانت تحاول قرأة الكلمات لكنها كانت بالإنجليزية وهي ليست ضليعه في تلك اللغة .. لتقول بضحكه هستيرية
-أهو ده عيب المثقفين بزيادة وولاد الناس … كلامهم بالإنجليزي وأنا ثقافتي ألماني
ليضحك طارق على كلماتها وقال بسخرية
-خليكي بقى في الألماني بتاعك وسيبيني أخلص شغلي
لتمد يدها تداعب فقرات ظهره العاري وهي تقول
-طيب مش قبل شغلك ده نشوف أنا وأنت شغلنا .. أنت وحشني جداً يا طروق
لم يجيب على كلماتها .. وظل تركيزه على ما يفعل .. حتى أنتهى من كل الحروف التي أمامه وأعتدل في جلسته واضعًا تلك الورقة داخل ظرف أبيض .. وألقاه فوق الطاولة .. وألتفت إلى الفتاة وقال
-خلصت وفضيتلك .. تعالي بقى أما أشوف إتقانك للغة الألمانية
لتضحك بصوت عالي وهي تقول
-of course
ليضحك طارق بصوت عالي وهو يقول
-ألماني ألماني
……………..
أستيقظت من نومها على صوت إتصالات ملحه على هاتف المنزل الأرضي .. من هذا الشخص الذي يتصل بها على الهاتف الأرضي؟ أنها لم تسمع رنينه منذ سنوات .. فالجميع يتعامل بالهواتف المحمولة .. وأصبح أستعمال ذلك الهاتف من الأثريات .. لكنها تحاملت على ذلك الألم الذي يضرب رأسها بقوه .. وتوجهت لصالة منزلها وأجابت على الهاتف بعد أن جلست على الأريكة … ليصلها صوت رئيس التحرير هلعاً وهو يقول
-تليفونك فين يا ونس؟
لم تستوعب سؤاله وسببه ولكنها قالت
-يمكن رميته في أي حته وفصل شحن .. خير يا أستاذ علاء
ليعود يصرخ بصوت عالي
-أتأكدي أن تليفونك موجود .. تليفوني أتسرق والفلاشة مش لاقيها وكمان الملف إللي أنت كنتي جبتيه .. أحنا كده هنروح في داهيه
جحظت عيونها بصدمه .. لكنها تركت سماعه الهاتف وتحركت تبحث في كل مكان عن هاتفها الذي لم يكن موجود في أي مكان .. وحين عادت لتمسك الهاتف وقبل أن تقول أي شيء صرخ بها من جديد وهو يقول
-أفتحي التلفزيون بسرعة .. أديم الصواف وعيلته عاملين مؤتمر صحفي .. أحنا ضعنا
أغلقت الهاتف وفتحت التلفاز سريعاً وعادت لتجلس مكانها من جديد .. وهي تستمع لما يقال بقلب يرتعش خوفًا
قبل ذلك بقليل
وقف أديم الصواف وجواره شاهيناز هانم السلحدار التي تتئبط ذراعه وترفع رأسها بشموخها المعتاد .. وجوارها نرمين .. ومن الناحية الأخرى تقف سالي وجوارها حاتم .. في صوره عائلية مميزة دون أي نقصان .. وأمام جميع الصحفيين ومصورين البرامج الإخبارية والحوارية الذين يتلهفون لمعرفة حقيقة الأمر والحصول على بعض الأخبار التي ترفع أسهم قنواتهم وصحفهم ..قال بهدوء
-من فضلكم عايز هدوء .. أنا هقول إللي عندي وممنوع الأسئلة
ثم نظر إلى شاهيناز وأومأ لها حتى تستريح فوق أحد الكراسي وجلس الباقي وظل هو على وقفته .. الهدوء كان يرتسم على ملامح الجميع لكن القلوب لا يعلم بحالها إلا الله .. وبحركه لم يلاحظها حد ربت بيده فوق صدره ليتأكد من وجود كل الأشياء التي أحضرها له صلاح وأبتسم وهو يقول
-حضارتكم قريتوا الخبر إللي أتنشر النهاردة في إحدى المواقع الإنتحالية .. وإللي تابع لأحد الجرائد .. والخبر ده عاري تماما من الصحه .. وتشهير بعيلة الصواف وبوالدى سارج الصواف رحمه الله .. والمحامين الخاصين بيا وبالعائلة حالياً بيتخذوا كل الإجراءات القانونيه تجاه الجريدة والموقع والصحفية ورئيس التحرير .. ولن أتنازل عن حقي وحق أسرتي وحق أسم عائلة الصواف إللي أتكتب من نور بعد تعب و مجهود كبير من والدى رحمه الله و أعمامي رحمهم الله .. ومن بعدهم أنا وأولاد عمي حاتم وطارق الصواف .. وحق والدتي شاهيناز هانم السلحدار .. لن أتهاون أبداً .. ده بخصوص ما يخص قضية النسب إللي أثرها ذلك الموقع وتلك الصحفيه إللي كانت عايزة تتشهر بتشويه سمعة والدي رحمه الله وأسم عيلتي .. والموضوع التاني هو أتهامي أن كان ليا تعاون مع المافيا
مد يده داخل جيب الجاكيت وأخرج الملف وقال
-هنا في كل الوثائق إللي تثبت أني أتعرض علينا مشروع كبير تبع شركة كبيرة .. ولما أكتشفت أن إللي وراها المافيا وقفت المشروع تماما غير مهتم بالأضرار المادية .. أو خطورة معاداة المافيا .. لكن أسم الصواف ملوش في الشغل الشمال .. وسنوات شغلنا في السوق أكبر دليل والورق ده هيتسلم للنيابة النهاردة كمان.
لم تكن ونس أو مدير التحرير أو حتى كل العاصمة هم من يشاهدون ذلك المؤتمر لكن أيضًا كان هناك شخص يجلس في غرفة مكتب فخمة .. يختبئ وجهه خلف دخان سيجارته .. يشاهد ويستمع لكل كلمه يقولها أديم .. وبداخله يستعيد ذلك الموقف وما حدث بعدها .. والخسائر التي تكبدها .. والعقاب الذي طاله .. لتنخفض عينيه تنظر إلى ساقة الصناعيه التي ركبها بعد أن قامت المافيا ببتر ساقة عقاباً له على غبائه في التعامل مع أديم الصواف وأنه قد أكتشف عمله مع المافيا .. ليطفئ سيجارته وهو يقول بلغته
-حان موعد تسديد ديونك لي يا أبن الصواف
…………………..
أغلقت التلفاز وهي تبتسم أبتسامة حزينة .. كيف فكرت أنها قادرة على الوقوف في وجه أديم سراج الصواف .. كيف أستطاعت أن تتخيل أنها قادرة على كسر شوكته وكسب شهرة على حسابة؟ الأن ستدفع الثمن وليس بمفردها .. فالجريدة ورئيس التحرير الطماع أيضًا سيدفع الثمن .. لكن هل سيكتفي أديم بمقاضتها فقط أم هناك إنتقام آخر عليها أن تتحمله .. وتتقبلة .. أراحت ظهرها على ظهر الأريكة متجاهله رنين الهاتف الأرضي فهي تعرف جيداً أنه رئيس التحرير .. لكن ماذا يريد أن يقول .. وماذا عليهم أن يفعلوا .. إن أديم أستطاع وخلال ساعات إنهاء ما ظلت لأكثر من ثلاث أشهر تحاول تحقيقة .. لقد أنتهت
ضحكت بصوت عالي وهي تقول لنفسها
-أنتهيتي من قبل ما تبتدي .. مشوارك الصحفي خلص من قبل ما يبدء
وعادت تضحك من جديد وهي تعود إلى غرفتها تتمدد على السرير تنظر إلى السقف بهدوء … تنتظر طرقات الشرطة على باب منزلها.. لقد إنتهت .. ظلمت نفسها وظلمت أديم وخسرت حبه وخسرت حياتها .. فماذا بقا لها .. لا شيء .. أعتدلت في نومتها حتى أصبحت في وضعية الجنين وأنحدرت دموعها بصمت
…………………….
عادوا إلى غرفة مكتب أديم لتقول شاهيناز بأمر
-من النهاردة ولحد الموضوع ده ما يخلص كلكم لازم تكونوا موجودين في قصر الصواف .. العيون كلها علينا .. ومش عايزين أي حد يمسك أي غلطة من أي نوع
أومأ الجميع بنعم .. وخيم الصمت على الجميع .. لم يكن عند أحد منهم قول أي شيء .. لكن بداخل قلوبهم الكثير والكثير من الحديث الصامت .. كسرة صوت هاتف نرمين التي قالت بصوت ضعيف
-دي كاميليا
وقبل أن تجيب قالت شاهيناز
-قوليلها ترجع القصر.. إللي هي بتعمله ده غلط مش تصرفات بنات أصول وعائلات كبيرة
-سبيها على راحتها .. أنا متابع كل تصرفاتها .. سبيها تكسر الشرنئه إللي كانت عايشة جواها
قال أديم بصوت صارم لم يسمح لأحد بالإعتراض .. لتجيب نرمين عليها بصوتها الذي يرتعش
-أيوه يا كاميليا .. إحنا كويسين
صمتت لثوانِ ثم قالت
-اه ثانيه واحدة
وتحركت في أتجاه أخيها وقالت
-عايزاك يا أبيه
أخذ الهاتف وهو يقول بهدوء شديد وأهتمام أيضًا
-أزيك يا كاميليا عامله إيه؟
صمت يستمع إلى كلماتها .. ليقول باهتمام حقيقي
-أنا عايز أتكلم معاكي .. خلينا النهاردة نتقابل في (…) أيه رأيك؟
أبتسمت شاهيناز وهي تفكر أن أخيراً أديم وضع عقله برأسة وقرر أن يحقق رغبتها في أقترانه بكاميليا .. وأنتبهت له حين قال
-تمام هنتظرك الساعه 8م .. سلام
وأعاد الهاتف إلى نرمين وقال بأمر
-يلا أتفضلوا روحوا وأنا وحاتم هنخلص شغل ونرجع على البيت .. وتتعاملوا عادي جداً .. وارموا كل إللي حصل ورى ظهركم .. ومتقلقوش أحنا هنتصرف في كل حاجة.
وبالفعل غادرت نرمين وسالي مع شاهيناز هانم أمام أنظار الجميع في سيارة واحده تاركين سيارتهم في جراج المؤسسة وسوف يعيدها سائقين الشركة .. وألتقطت عدسات الكاميرات المترصدة بهم أمام المؤسسة كل هذا
……………….
جلس حاتم أمام أديم وقال بقلق
-أديم أنت كويس؟
لم يجيب أديم على سؤال صديقة … كيف يشرح له ذلك الألم الذي يجعل جسدة كله يآن ويود لو يصرخ بصوت عالي .. أن قلبه قد تحطم إلى أشلاء .. وأن روحه قد شاخت .. إن شياطينه التي كان دائم التحكم بها .. الأن تصور له كل أنواع الصور لتعذيب ونس .. كما هو يتعذب .. لكنه قال بهدوء عكس كل ما يعتريه
-روح على مكتبك وباشر كل حاجة .. أنا محتاج أقعد لوحدي شوية .. مش عايز أشوف ولا أسمع أي حاجة
أشفق عليه حاتم وأومأ بنعم وغادر ينفذ ما قاله صديقة وأبن عمه .. تاركًا خلفه شخص يتنفس لكنه ليس على قيد الحياة
…………….
أنتهى اليوم أخيراً .. وقبل أن يرحل من المؤسسة وصله أتصال أنه تم القبض على رئيس تحرير الجريدة لكنهم لم يجدوا ونس حتى الأن .. كان أديم يشعر بالإندهاش إلى أين ذهبت .. وماذا حدث لها أو معها لكنه أدعى عدم الإهتمام وخرج مع صديقة من المصعد في الجراج الخاص بالمؤسسة وقبل أن يصعد إلى سيارته قال
-أنا هروح على شقتي أجيب شوية حاجات وهقابل كاميليا .. وهرجع على القصر
ليقول حاتم بضيق .
-الصحافه برة يا أديم .. رأيِّ تعالى معايا على القصر وأخرج من الباب الخلفي بعربيه غير عربيتك .. علشان الكلام ميكترش
ظل أديم صامت لعده ثوانِ ثم أومأ بنعم .. وبالفعل نفذ ما قاله حاتم وهو الأن داخل المصعد متوجه إلى شقته .. شقته التي كانت تضمها لبعض الوقت .. الشقه التي شهدت لمساتها الرقيقة .. وبداية حبه لها .. وقوفه في وجه أخته وأبن عمه .. كسره لقواعد شاهيناز الأخيرة .. قراره بأن يحارب العادات من أجل خادمة .. لم تكن يومًا خادمة … حبيبة لكنها لم تكن أبداً .. هي الأن عدو خطير .. خطيرة على كل شيء يتعلق به .. لكن قلبه العصي يرفض عدم الإهتمام بها .. أنه قلق عليها أين هي؟ وهل حقًا كان يريد أن يتم القبض عليها ووضعها في السجن؟ السجن .. وسط المجرمين وأصحاب السوابق .. والقتله وفتايات الليل .. لا هو لا يريد ذلك .. لكن أين هي؟
توقف المصعد أمام باب شقته .. ليغادره .. هو أتى فقط ليحضر بعض الملابس .. وجهازه اللوحي .. وبعض الأغراض التي لا يستطيع الإستغناء عنها ويعود إلى القصر بعد مقابلة كاميليا فرغم كل ما يمر به لا يستطيع تركها أكثر من ذلك .. لكن القدر كان يخبئ له مفاجئات عديدة .. عند باب الشقه وجد ظرف أبيض ومكتوب عليه هام وخاص .. شعر بالإندهاش والقلق هو لن ينكر ذلك .. ظل ممسك بالظرف ينظر إليه لعدة ثوانِ ثم فتح الباب ودلف لكنه وقف دون أن يكمل خطواته .. توقف مكانه وأغلق عينيه يستنشق عبيرها الذي يملئ شقته .. هل مازال أثرها هنا .. هل ظل ليعذبه .. ويعيد إليه ألم وجودها وحبها وفراقها الذي حدث كله في وقت واحد .. فتح عينيه ليصدم بوقوفها أمامه .. تنظر إليه والدموع تغرق عينيها .. تفرك يديها كتلميذة لم تؤدي فروضها المنزلية وتنتظر عقاب معلمها .. تجمد الموقف لعدة ثوانِ .. حتى أنتبهت كل حواسه وعاد غضبه من جديد يظهر على ملامح وجهه لكن بهدوء أرستقراطي .. حين قالت
-البوليس كان على باب شقتي .. خوفت أوي ومحستش بنفسي غير وأنا بنط مش شباك أوضتي … ورجلي بتجبني على هنا
ظل صامت ينظر إليها دون تعبير واضح .. لتقترب خطوه واحده وهي تقول برجاء
-ممكن بس تقفل الباب لحسن حد يشوفني
ودون إيرادة منه أغلق الباب .. لكنه كتف ذراعيه أسفل صدره وقال ببرود
-ومش خايفه أنا أبلغ عنك دلوقتي؟
هزت رأسها بلا .. وأقتربت خطوه أخرى وهي تشير لموضع خافقه وقالت بصدق
-قلبك مش هيطاوعك تعمل كده .. رغم أني عارفه أني أستحق ده .. لكن أنت مش هتعمل كده يا أديم
ليضحك بصوت عالي .. وظل يضحك حتى أنه أنحنى قليلاً واضعًا يده فوق قلبه .. ثم قال من بين ضحكاته
-ضحكتيني وأنا كنت هموت من كتر التعب والزهق والقرف إللي كان طول اليوم
ثم أقترب منها وقال بشر
-هو أنتِ فاكرة أن قلبي لسه بيحبك … ولا قلبي هيفضل متعلق بواحدة خاينة زيك لأ وكمان فاكرة إني هخاف عليكي .. إيه الجبروت ده
تراجعت إلى الخلف خطوتان للخلف .. وعيونها معلقه بعيونه .. لكن دموعها التي تملئ عيونها جعلت … قلبه الخائن يآن بألم من أجلها لكنه لن يسامحها .. تركها واقفه مكانها وتحرك خطوتان .. ليقف خلفها وهو يقول
-عايزة تفضلي هنا علشان خايفة من البوليس خليكي .. ولو عايزة تفضلي هنا علشان جاية تدوري على أي حاجه تنجي من المشكلة إللي وقعتي نفسك فيها كمان خليكي .. لأنك مش هتلاقي حاجة أصلا
وتركها واقفه في مكانها .. ودلف إلى غرفته أبدل ملابسه وجهز حقيبته ووضع بداخلها كل الأشياء التي أحضرها له صلاح ووضع باقي الأغراض الذي لا يريد أن تقع يد ونس عليها … وخرج ليجدها على نفس وقفتها … ليقف أمامها وقال
-الشقه تحت أمرك … أنا مش هبلغ عنك متقلقيش
قال أخر كلماته وهو يقرب وجهه من وجهها .. وداخل عينيه .. نظره جرحت قلبها بل نحرته دون رحمه .. حتى لو مازال داخل قلب أديم حب لها هو أبداً لن يسامحها …
وأكمل كلماته
-هجيلك كل يوم علشان أجبلك أكل .. علشان متنزليش من البيت ويتقبض عليكي .. وده مش معناه إني بساعدك لكن أنا بسيبلك الحبل لحد ما تلفي بيه رقبتك
أبعد وجهه عنها ونظر إليها نظره شامله من أخمص قدميها حتى رأسها .. وغادر لينتفض جسدها على أثر أغلاقه للباب بقوه … لتجلس أرضًا على ركبتيها تبكي بصوت عالي ووصله صوت بكائها وهو يقف أمام المصعد .. ليغمض عينيه بقوه .. وألقى بنفسه داخله حتى لا يعود إليها يضمها إلى صدره ويهشم عظمها داخل صدره .. من كثرة شوقه وغضبة
………………….
ظل جالس في سيارته .. ينظر إلى الطابق الذي به شقته .. وأخذ نفس عميق حتى يتحرك لتقع عينه على الظرف الذي وضعه على الكرسي بجانبه ..مد يده حتى يفتحه .. وكانت الصدمة التي ألجمته جعلت الدماء تفور داخل رأسه دون رحمة ..وهو يقرأ تلك الكلمات .. ولكنه سيذهب عليه أن يعرف من ذلك القذر ويلقنه درساً لن ينساه طوال حياته .. ويأخذ هو بثأر العائلة ولو كان أخر شيء يقوم به
ظل على جلسته بالسيارة لا يعلم ماذا عليه أن يفعل … ما قرأه في تلك الرسالة قلب عليه كل الذكريات المؤلمة القديمة .. الحادث التي أثرت على الجميع وأغلق الجميع أبوابه ووضعوا أقفال وأقفال حتى لا يفتح من جديد .. لكن القدر أراد له أن يفتح .. ولكن من هذا الشخص الذي يعلم كل شيء وشاهد أيضًا. أمن الممكن أن يكون الحارس الذي أختفى بعد الحادث بعدة أيام وقبل أن يستطيعوا أستجوابه
ماذا عليه أن يفعل الأن .. أن ذلك الخطاب لم يوضح أي شيء سوا أنه يعلم ما حدث لنرمين ويعلم من فعل ذلك .. وأن ينتظر رساله أخرى منه .. نفخ بضيق .. وهو ينتبه للوقت وأن عليه الذهاب لمقابلة كاميليا .. وضع الخطاب جانبا وتحرك إلى المكان الذي أتفق عليه معها
…………………………
وقفت أمام سيارتها تنظر إلى فيصل بشكر وقالت بأمتنان
-أنا مش عارفه أشكرك أزاي يا أستاذ فيصل
أجابها بأبتسامة صادقة قائلاً
-الحقيقة مش محتاجة تشكريني .. أنتِ زي أختي وأكيد مكنش ينفع أسيبك لوحدك في ظرف زي ده خصوصًا وأنك لجأتي ليا .. ولازم أكون قد ثقتك دي.. وعايز أقولك أني موجود ديماً وفي خدمتك في أي وقت.
كانت نظرات الإعجاب واضحه في عيونها لكنه لم ينتبه لها .. ف حبه لنرمين يغلب كل شيء .. فأكمل سألاً
-أمتى هتنقلي؟!
-بكره ان شاء الله
أجابته بأبتسامة واسعه .. ليقول هو بصدق
-لو أحتجتي أي حاجة أرجوكي متتردديش في أنك تكلميني .. في أي وقت
توردت وجنتيها بخجل أنثوي فطري وقالت بهمس
-شكرًا
وصعدت إلى سيارتها وقبل أن تغادر رفعت يدها بسلام .. وفعل هو الأخر مثلها .. وبعد أن أختفت من أمامة أتصل بأديم يخبره بكل شيء ليخبره أديم أنه قادم إليه حتى يرى المكان والشقه .. حتى يطمئن بنفسه فوقف فيصل جوار سيارته ينتظره
………………….
جلس حاتم على الجانب الخاص به في سريرهم الذي تركوه منذ أيام بحال وعادوا إليه بحال أخر .. أبتسم وهو ينظر إلى باب الحمام المغلق والذي يخبئ خلفه حبيبته .. قطعة من روحه ..اليوم وها هنا سوف يمحوا ذكريات قديمة مؤلمة ويخلق معها ذكريات جديدة حلوه مثلها وتشبه جمال روحها الذي أكتشفها .. كم هي هشه ورقيقة .. خرج من أفكاره حين سمع صوت الباب وهو يفتح وتخرج منه .. ملكة قلبه .. بهيئة مهلكه .. لم يتحملها قلبه ليغادر السرير وأقترب منها وعينيه تتأمل تفاصيلها … من رأسها إلى أخمص قدميها المكشوفه .. مروراً بمنامتها الحريرية عسلية اللون التي تشبه لون عيونها … قدها المغوي دون أي مجهود منها .. عطرها الذي ملئ صدره وجعله يشعر بفقدان عقله .. شفتيها المكتنزتان المطلية بلون وردي رقيق .. عيونها التي تنظر إليه بحب صادق مخلوط بخجل فطري .. وأكتملت الصوره بخصلات شعرها التي تحيط وجهها وكتفيها ليقول بصدق
-طوال حياتي قلبي كان عاشق تفاصيلك .. ومسلملك أمره .. قربك نار وبعدك نار .. ولما بقيتي حلالي .. بقيتي هلاك قلبي وأنا شايفك قدام عيني وكل مشاعري بتنهار من جمالك إللي بيوجع قلبي وأنتِ حلالي وبعيد عني .. ومش قادر أقرب علشان كرامتي .. وبعد ما قربت ودوقت العسل المصفى من عيونك … مبقتش قادر أقاوم حُسنك ودلالك وجمالك المهلك ده
كانت تستمع لكلماته بسعادة لا تستطيع وصفها .. أقتربت منه تلك الخطوه الفاصلة بينهم وحاوطت رقبته بذراعيها وهي تقول بصدق جعل قلبه ومشاعره الرجولية تثور بكل قوه
-أنا إللي بقيت مش قادرة أقاوم حبك ولا كلامك .. وقربك هو كل إللي بتمناه
مع أخر حرف نطقته أقترب منها يقبلها بعشق ولهفه .. أبتعد عنها يحاول إلتقات أنفاسه وحتى يسمح لها هي الأخرى بألتقاط أنفاسها وهمس بأسمها لتنظر إليه بعيون مليئه بالحب ليحملها بين ذراعيه ووضعها على السرير وهو يقول بهمس
-عايز أمحي ذكريات السنه إللي فاتت دي كلها يا سالي .. عايز بس يبقى مفيش لينا في الأوضة دي غير الذكريات الحلوة .. واللحظات الحلوة .. إللي كلها حب ولهفه .. إللي كلها مشاعر صادقة من قلبي وقلبك يا نن عين قلبي
أومأت بنعم وهي ترفع رأسها تقبله بحب وبين كل قبله وأخرى تهمس بأسمه .. ليشتعل جسده بالرغبه .. والسعادة .. وترك نفسه ليغرق في بحور عشقها الناعمة الرقيقة
…………………..
وصل أديم إلى مكان فيصل وترجل من السيارة وهو يقول
-المكان ممتاز .. الشقة في أنهي دور
قال أخر كلماته وهو ينظر إلى البناية التي يقفون أمامها .. شعر فيصل أن أديم به شيء غريب .. كان صباح اليوم ورغم الأزمة الكبيرة التي يمر بها هو وعائلته هادئ .. لكن الأن يبدوا عصبياً أو خائف .. أو مصدوم
أعتدل في وقفته واضعاً يديه فوق كتف صديقة وهو يقول بقلق
-مالك يا أديم؟ أنت فيك حاجة مش طبيعية؟
نظر إليه أديم بتشتت وعيونه بها ضياع أستشعره فيصل حد الرعب فقال بصدق
-أحكيلي يا صاحبي أيه إللي تاعبك أوي كدة
-تعالى نقعد في العربية .. أنا حاسس أن رجلي مش شيلاني
قال أديم بأرهاق واضح .. صحيح هو لن يخبر فيصل بقصة نرمين لكنه بحاجة للحديث عن قصة ونس .. عن حقيقته التي أكتشفها ولم يستطع حتى أخذ بعض الوقت لأستيعاب الأمر … جلس فيصل جواره بالسيارة وهو يقول
-الشقة في الدور الثالث وجمبها شقة مستشار .. ودكتور جراحة بس معظم الوقت مسافر
نظر إليه أديم للحظات بعدم أستيعاب ثم أومأ بنعم بعد أدراكة أنه يتحدث عن شقة كاميليا وبالأساس كان يجيب على سؤاله الذي سأله في البداية
خيم الصمت عليهم لعدة دقائق .. ظل فيصل صامت تماماً تارك المساحة الكافية لأديم حتى يستجمع نفسه ويقرر الحديث
نفخ أديم الهواء من صدره .. ليشعر فيصل أن ما بداخل صدر صديقة حين يخرج من الممكن أن يحرق الأرض ومن عليها
-عارف يا فيصل أحساس أن الدنيا كلها تتهد فوق دماغك مره واحدة .. كل الثوابت إللي في حياتك تكتشف أنها ولا ليها أساس من الصحه .. تكتشف أن أنت الشخص الغلط في المكان الغلط كمان .. ويوم ما تلاقي المكان إللي ترتاح فيه وتحس فيه بالأمان والسعادة والراحه يكون أول مكان يطردك من غير رحمة .. ولا شفقة .. يجرح فيك بكل الوسائل .. يدبحك من غير ما يسمي حتى عليك .. أنا أتعمل فيا كده .. أخدت مقلب حراميه في ثوابت أصولي .. وقلبي لما دق دق للي قربت مني علشان تفضحني .. وتركب ترند على قفايا وتحقق سبق صحفي .. من إمبارح باخد كل قلم وقلم على وشي والمفروض إني لا أتأثر ولا أزعل ولا أضعف .. وأفضل جبل ثابت .. كأن معنديش مشاعر ولا أحاسيس
أخرج كل ما بقلبه مره واحده وكأنه يتقيئ الألم الذي بداخله .. وقبل أن يقول فيصل أي شيء علا صوت هاتف أديم ليضرب مقدمه رأسة وهو يقول أزاي نسيتها
وخرج من السيارة حتى يجيب عليها وأغلق الباب بقوة ليشعر فيصل بألم قوي على صديقه لكنه لا يعلم ماذا عليه أن يفعل حتى يخفف عن صديقه لفت نظره تلك الورقة المطوية أمامه على “طابلوه السيارة” خاصه وما عليه من حروف متفرقه وكأنها مقصوصه
مد يده بعد أن نظر إلى ظهر أديم المنشغل في محادثته الهاتفيه .. وبدء يقرأ ما كتب لتجحظ عيونه والحقيقة تضرب عقله كصاعقة رعديه أن لم تقتله سوف تسبب له عاهه مستديمة …. لكنه وضع الورقة مره أخرى في مكانها قبل أن يصعد أديم إلى السيارة وقال ببعض الحرج
-لازم أمشي كاميليا مستنياني وأتأخرت عليها .. هبقى أكلمك تاني ونتقابل
أومأ بنعم غير قادر على النطق بكلمه وغادر السيارة بصمت .. ومباشرة إلى سيارته جلس بداخلها .. يشعر أن جسده منهك .. وروحه محطمة .. وقلبه يتألم .. حبيبته طوال حياتها تتألم تصرخ روحها طالبه للنجده .. وهو كان يظن نظراتها غضب وتعالي .. لكنها كانت تريد المساعدة .. لكن ماذا عليه أن يفعل الأن؟
…………………..
وصل أديم المكان المتفق عليه .. وترجل من السيارة ودلف إلى المكان يبحث بعينه عنها ليجدها تجلس على إحدى الطاولات البعيدة نسبياً تنظر إلى هاتفها وبين يدها كوب قهوة .. جلس أمامها وهو يقول
-أسف جداً على التأخير لكن زي ما قولتلك كان غصب عني والله.
وضعت الهاتف جانبا وهي تقول بأبتسامة رقيقة
-ولا يهمك يا أديم المكان أصلاً مريح للأعصاب جداً .. وأنت متأخرتش كتير
قبل أن يقول أي شيء أقترب النادل يسأل أديم عن ما يرغب في تناولة .. لينظر أديم إلي كاميليا وقال
-أنا مأكلتش حاجة طول اليوم تتعشي معايا؟
أبتسامتها الرقيقة أتسعت وهي تقول
-الحقيقة أنا كمان جعانه جداً
ليبتسم وهو يملي على النادل ما يريدون .. ثم نظر إليها وهو يقول
-ها بقى يا ست كاميليا .. هتفهميني إيه إللي حصل
أومأت بنعم وبدأت في سرد كل ما حدث منذ قرارها العمل حتى تخرج بره دائرة أوامر شاهيناز السلحدار .. وبره الدائرة المفرغه التي تعيش فيها بأسم عائلة الصواف .. ثم ما حدث منها حين علمت ما تنتويه شاهيناز وطارق .. وأخبارهم بكل شيء وخوفها من طارق ورد فعله الذي مازال يقلقها .. فهدؤه وصمته يقلق أكثر من كلامه .. وعصبيته .. وأخبرته عن موقف فيصل معها وما قام به كله وأخبرته عن عنوان بيتها الجديد .. وختمت كلماتها
-لما تفوق من كل إللي أنت فيه أبقى هات نرمين وسالي وحاتم وتعالوا قضوا يوم معايا
أومأ بنعم ثم قال
-أسمعيني كويس يا كاميليا .. للقدر الغريب .. أنك من بين كل أصحاب الشركات تختاري صديق الدراسة والشخص الأكثر ثقة بالنسبة ليا ومن أول ما عرف أنتِ مين كلمني فوراً وكنت متابع معاه كل حاجة تخصك خطوة بخطوة .. ما أكيد مش هسيب أختي الصغيرة وبنت عمي لوحدها كده من غير حماية .. لكن كمان حبيت أسيب ليكي المساحه إللى تحسي فيها بالإعتماد على النفس .. وأنك قادرة على كل حاجة
أتسعت عينها بصدمة وهي تستمع لكلماته .. وقالت بصدمة
-يعني هو شغلني لما عرف إني بنت عمك؟!
-لأ .. هو عرف لما طلبتي منه الشقة يعني بعد ما عينك
أجابها بهدوء ليخيم الصمت عليهم لعدة ثوانِ حين حضر النادل بالطعام .. وحين غادر أكمل قائلاً
-في الحقيقة يا كاميليا أنا أحترمتك جداً بعد الموقف الأخير .. وكل إللي حصل منك كبرك في عيني جداً .. وعايز أعتذرلك لو في أي وقت من الأوقات زعلتك أو ضايقتك .. أو جرحتك بأي شكل.. وعايزك تعرفي أنك عندي زي نرمين وسالي وده غصب عني مش بأيدي .. قلبي مش ملكي للأسف .. و والله لو كان قلبي بأيديا مكنتش هحب حد غيرك لأنك بجد تستاهلي كل خير.
تجمعت الدموع في عيونها لكنها قالت بصدق
-أنت مش غلطان في حاجة يا أديم علشان تعتذرلي .. أنا إللي سلمت وداني لطنط شاهيناز وصدقتها .. أنا إللي عشمت نفسي بالوهم .. وأفتكرت إنه ممكن يبقى حقيقة .. لكن أنا دلوقتي فهمت وأدركت .. وأخدت خطوة إجابية في طريق جديد .. وأكيد سعيدة جدًا بوقوف أبن عمي معايا .
أبتسم براحه ها هو حمل من فوق أكتافه يسقط ويرتاح منه .. أخذ نفس عميق وقال
-ناكل بقى؟
-ناكل بقى
ليبتسم الأثنان براحه وهدوء وعادوا إلى الثرثرة في أشياء كثيرة أثناء تناولهم للطعام ..حتى أنهم تناقشوا في الخطوات التي أخذها أديم بخصوص ما نشر .. وأخبرها عن ما سيحدث في الأيام المقبلة
ظلت على جلستها أرضًا لوقت لا تعلمه .. لكن جسدها الذي يؤلمها من تلك الجلسة غير المريحه نبهها لمرور وقت طويل عليها .. آنت بألم وهي تعتدل واقفه وظلت تنظر حولها بتشتت .. وعقلها يسأل دون توقف كيف أمتلكت القدرة على القدوم إلى هنا؟ وكيف أستطاعت التنفيذ بعد التفكير؟ والإجابة واضحة هي تثق في أديم أكثر مما تثق في نفسها … هي تشعر جواره بالأمان .. هو الشخص الوحيد الذي شعرت تجاهه بهذا الشعور من بعد خسارتها لوالديها .. ولكن بغبائها خسرته .. اليوم ولأول مرة تشعر أنها فتاة شديدة الغباء .. وليس كما كانت تفتخر بنفسها تمتلك ذكاء ودهاء كبير .. لقد خسرت شيء ثمين مقابل شيء لا قيمة له .. وبعد عدة سنوات لن يذكره أي شخص سوى أنه فعل غير أنساني .. حقير .. أنحدرت دموعها من جديد .. لكن ما الفائدة .. الخسارة كبيرة ولو ظلت طوال حياتها .. تزرف الدموع لن يكفي . جلست على الأريكة الكبيرة التي شاهدته نائم عليها أخر مرة بشكل طفولي وفوضوي .. وتمددت عليها تتلمس رائحته بين طياتها .. حتى أستسلمت للنوم .. لكن وفي أحلامها كانت عينيه التي تنظر قديماً لها بحب الأن تنظر لها بغضب وكره .. ولم ترى حتى شفقه فيهم على حالها الأن ودموعها .. لتنحدر من عيونها المغلقة عدة دمعات .. وصدرت عنها شهقه خافته تحطم القلب.
………………
دلف فيصل إلى شقته والهموم فوق كتفيه كالجبال .. قلبه الذي سمع صوت تحطمه مازال يصم أذنيه حتى تلك اللحظة .. يريد أن يفهم .. يريد أن يعرف كل شيء .. يريد أن يضمها إلي حضنه ويخبئها بين ضلوعه .. يريد أن يأخذ ثأرها .. أن يلقن ذلك القذر درساً بيده … أن يقتلع عينيه التي نظرت إليها بشهوه… ويقطع يديه التي تجرأت عليها .. ويشوه وجهه كما شوهَّ قلبها بندوب الألم .. والحصرة .. جلس بتهالك على أقرب كرسي واضعا رأسه بين كفيه .. والأفكار داخل عقله لا تهدء أبدًا .. ماذا عليه أن يفعل؟ عليه التفكير جيدًا والتحرك سريعاً هو لن يتحمل أكثر من ذلك
……………………….
عاد أديم إلى قصر الصواف بنفس الطريقة الذي غادر بها .. بعد أن أطمئن على كاميليا .. وأتفقوا على الكثير من الأمور .. عند أول خطوه له بعد البوابه الداخلية وصله صوت طارق يقول
-وبعد كل الفضايح دي حضرتك سمحتيله يرجع القصر تاني .. أزاي يا طنط ؟
-علشان بتفكر في مصلحه كيان وأسم العيلة .. مش زيك مش بتفكر غير في نفسك وبس
لم تكن تلك أجابه شاهيناز لكنها كانت أجابه حاتم الذي يقف عند السلم .. ليقول أديم ببعض الغرور
-وبعدين أنت مالك أصلاً .. أي حاجه داخل عيلة سراج الصواف محدش مسموح ليه يدخل فيها .. المعنيين بالأمر بس هما إللي ليهم الحق .. وأقصد هنا بكلامي حاتم .. لأنه جوز سالي .. لكن أنت يا طارق تدخل ليه؟ ومحموق أوي كده ليه؟
وقف طارق ينظر إليه بغضب مكتوم وبداخله نار تشتعل .. معنى وجود أديم هنا أنه لم يرى رسالته .. وأن مخططه سوف يأجل .. وذلك يثير غضبه .. خاصةً بعد موقف شاهيناز الذي شعر به مائع .. وليس له معنى .. هو كان يريد أن تستغل فرصه الفضيحه وتأكدها حتى يقضىَ على أديم تمامًا لكن وكما العادة الظروف جميعها تتحالف ضد رغبته ودائماً ينجح أديم في التغلب على كل شيء ويحصل على كل شيء .. لكنه لن يظل صامت أكثر من ذلك .. ولو كان ما تبقى أمامه فضيحه أكبر أو حتى سفك الدماء
أبتسم لأديم أبتسامة صفراء يملئها التحدي وغادر دون أن يضيف أي شيء .. ليُلقي أديم التحيه على شاهيناز وأقترب من حاتم وقال
-تعالى ورايا على أوضتي .. ضروري ولوحدك
وصعد درجات السلالم وأكتافه مهدله من كثرة الحمل التي وضع فوقها دون رحمه
ليتوجه حاتم إلى المطبخ يخبرهم بما غادر غرفته من أجله وعاد إلى الطابق العلوي ولكن إلى غرفة أديم .. لكن حين مر من أمام غرفته تذكر كلمات سالي الأخيرة
-نفسي في أكل شعبي يا حاتم .. فول وطعمية .. وجبنه قديمة وجرجير
ليبتسم رغماً عنه وهو يتذكر رد فعله حين ظل ينظر إليها بصمت وكأنها لم تقل شيء .. ثم قال بهمس مستفهم
-هو أنتِ قولتي أيه يا سالي؟
-قولت عايزة فول وطعمية وجبنه قديمة وجرجير
أجابته بنفس الهمس .. ليرفع حاجبه بأندهاش ثم رفع كفه يتحسس جبينها قائلاً بقلق
-أنتِ سخنه يا حبيبتي؟ وبعدين أنتِ مين؟ فين سالي
وأبتعد عنها قليلاً ينادي بصوت عالي
-سااااالي .. ساااااالي
لتضحك هي بدلال وأقتربت منه أكثر وكأنها سوف تبلغه بسر نووي
-أصل ماما لو عرفت إني طلبت الحاجات دي ممكن ترميني من الشباك عادي .. وأنا نفسي فيهم أوي
ليضمها إلى صدره بحنان وقال بصدق
-طول ما أنا موجود مفيش حد ممكن يأذيكي حتى والدتك .. وكل إللي نفسك فيه يتحقق في التو واللحظة
وغادر الغرفة حتى يطلب من العاملين بالمطبخ تحضير كل ما طلبته سالي ووضع هو لمسته السحرية المميزة
لكن ما حدث بالأسفل جعله يشعر بالضيق وهيئة أديم وصوته زاد من قلقه .. وخوفه
طرق على باب غرفة أديم وسمعه يسمح له بالدخول .. ليسقط قلبه أسفل قديمة حين وجده يجلس أرضًا يستند إلى الحائط ويخبئ رأسه بين ذراعيه المستريحين فوق ركبتيه .. ليدلف إلى الغرفة وأغلق الباب بسرعه وأقترب يجلس أمامه وهو يقول بقلق وتوتر
-في أيه يا أديم أيه إللي حصل؟
لم يتحرك .. أو يتكلم ولكنه حرك يده حركه بسيطة لينتبه حاتم للظرف الأبيض الذي بين يدي أديم ليأخذه وفتحه بلهفه .. لتجحظ عيناه وهو يقرأ ما كُتب بتلك الطريقة الغريبة التي تشبه أفلام العصابات الأجنبية
(( لو قدرت تداري على الفضيحة الأولى فأنا بقى عارف الفضيحة التانية .. وكنت شاهد على أغتصاب أختك وعارف إللي عملها ودور الشرف إللي كلكوا عايشين فيه بكلمة مني هيتفضح .. أستعد علشان إللي جاي مش هيبقى سهل أبدا .. ليا شروط وأنت هتنفذها .. وإلا المرة دي عيلة الصواف مش هيقوملها قومة ))
-مين إللي بعت الكلام ده؟
سأل حاتم بصدمة وعدم إدراك .. لينظر إليه أديم بعيون زائغه وقال
-معرفش لا في عنوان ولا أسم ولقيت الجواب ده قدام باب شقتي .. خيم الصمت عليهم والصدمه لا تزال ترتسم على ملامح حاتم الذي يشعر أنه فقد النطق والمنطق .. ولم يعد لديه عقل يفكر به .. وظل أديم ينظر إليه والحزن ينطق من عينيه خاصة مع تلك الدمعات التي التمعت داخل عينيه دون أن تغادرها
………………………
في صباح اليوم التالي كان الجميع في حاله عدم توازن لكنهم أبداً لم يتخيلوا المفاجأت التي تنتظرهم وأولهم طارق الذي كان يجلس على طاولة الطعام وبداخله أحساس بالأنتشاء .. رغم فشل أستغلاله لما حدث بالأمس .. لكن مازال لديه الكارت الرابح الذي سيستطيع به أن يضع الجميع أسفل قدمية يتوسلوا له أن ينقذهم جميعاً وأولهم تلك المغرورة التي لم تلقي عليه حتى الصباح .. ولم تنظر إليه ولو لمرة
لكنه إنتبه لغياب كاميليا عن التجمع فقال لإحدى الفتايات العاملات
-أطلعي نادي كاميليا علشان الفطار
ليبتسم أديم بسخريه وهو يقول
-هو أنت متعرفش أختك فين يا طارق باشا .. صحيح هتعرف أزاي وأنت مش شاغل نفسك غير بيا أنا بس .. وأزاي تكسرني وتاخد كل إللي ليا ويبقى ليك
أحتقن وجه طارق بغضب كبير وهو يضرب سطح الطاولة قائلاً بصوت عالي
-هو أنت عايز تعمل بطل حتى بيني وبين أختي .. كاميليا هتكون فين يعني .. يا في أوضتها أو في البيسين بتتمرن
ليضحك أديم بصوت عالي أمام نظرات الجميع بين المندهش .. وبين السعيد بموقف طارق المخجل .. وبين الجاهل المنتظر أن يعلم .. ليضرب طارق الطاولة مرة أخرى وقال
-أنت بتضحك على أيه؟
وترك الطاوله وهو ينادي على كاميليا بصوت عالي .. ولو كانت كاميليا موجودة بالبيت لأنتفض جسدها رعباً بسبب صوت أخيها الجهوري .. لكن أديم تحرك من خلف الطاولة بهدوء وقال ببرود
-كاميليا سابت قصر الصواف من أكثر من ثلاث أيام يا طارق .. من اليوم إللي كشفت لعبة شاهيناز هانم معاك .. ومن نهار الإجتماع إللي الحقايق كلها بانت فيه.
زاد إحتقان وجه طارق وهجم على أديم حتى يضربه لكن حاتم وقف بينهم يحول بين وصول طارق لأديم الذي قال ببرود
-عايز تعمل عليا أنا راجل .. وأنت كنت السبب الأول إللي خلا أختك تخرج برى القصر ده .. خوفها منك ومن غضبك إللي عامي عنيك .. الغل والغضب إللي بيحركك خلاها تعتقد أنك ممكن تأذيها وعلشان كمان تخرج بره دايرة التفاهه والعالم المخملي إللي مبقاش له أي داعي في أيامنا دي وإللي شاهيناز هانم كانت بتحاول تفرضه عليها.
ظل طارق ينظر إليه بغضب مكتوم وقال من بين أسنانه
-هي فين؟
-وهو أنت فاكر أني هقولك يا طارق .. كاميليا زيها زي نرمين وسالي عندي .. وزي ما عمري ما هسمح حد يفكر يأذيهم عمري ما هسمح ليك أنك تقرب منها
أجابه أديم بهدوء شديد وهو يضع يديه في جيب بنطاله .. تحرك طارق مغادراً بعد أن دفع حاتم بقوه ولكنه قبل أن يغادر قال بغضب
-صدقني إللي حصل ده مش هيعدي بالساهل وهدفع عيلة الصواف كلها الثمن وصدقني من النهاردة مش هيقوملكم قومة
لينظر كل من حاتم وأديم لبعضهم بعضاً بشك .. لكن كل منهم لم يستطع البوح بما يظن
…………………..
لم يستطع الأنتظار سوف يذهب إليه الأن .. وينهي الأمر .. هو لن يقف يشاهد من يحاول أذيتها للمره الثانية دون رحمه .. ويظل هو في مكانه مكتف الأيدي .. تلك المره سيكون بالمرصاد لمن يفكر في ذلك وبعمره سيفديها .. كان ينظر إلى هيئته في المرآة .. وهو يتذكر كل الأفكار التي كانت تدور في عقله بالأمس .. لكن حبه الكبير تغلب عليها جميعأ .. وجملة واحدة تتردد داخل عقله .. هي ليست مذنبه .. هي ضحيه .. والضحايا لا يدفعون الثمن .. الضحايا يجب تعويضهم ومداوة جروحهم .. والأعتذار لهم إذا لزم الأمر .. وهذا ما سيقوم به .. سيقبل بين عينيها .. ويديها .. ويرجوها أن تغفر له غيابه وبعده وتأخره عليها .. سوف يتوسل لها حتى يمحوا ذنبه في التخلي عنها خلال تلك السنوات التي مرت .. وتركه لها في تلك المعانة بمفردها
وصل أمام قصر الصواف ليوقفه الحارس يسأله من هو وماذا يريد .. وبعد عدة دقائق أشار لباقي الحراس أن يفتحوا البوابه وسمح له بالدخول .. بعد أن أخذ أذن أديم
الذي أندهش بشده لحضور صديقة في هذا الوقت .. ماذا يريد الأن؟ هل حدث شيء ما لكاميليا؟
.. هذا ما كان يفكر فيه طوال فترة أنتظاره لفيصل .. الذي دلف إلى غرفة المكتب بهيئة تخطف الأنفاس حقاً .. يرتدي بدله رسميه مميزة .. وعطره فاح في كل أرجاء القصر حتى أن الفتايات علقوا عليه .. وملامح وجه الوسيمة تبدوا عليها الجديه .. لكن القلق مازال يملئ قلب أديم فقال بخوف
-هو حصل حاجة لكاميليا يا فيصل؟
وقف فيصل مكانه مصدوم من سؤال أديم وقال ببلاهه
-هو أنا هشوف كاميليا فين دلوقتي .. أنا جاي علشان في موضوع شخصي عايز أكلمك فيه
ألتف أديم حول المكتب حتى أصبح يقف أمام صديقه وقال
-خير يا أبني قلقتني
-أديم أنا جاي أطلب أيد أختك الأنسه نرمين على سنة الله ورسوله .. وقبل حتى ما تفكر أذا كنت هتوافق أو ترفض .. أنا عارف كل حاجه وموافق ,, تارها بقى تاري
لتجحظ عيون أديم بصدمه وزهول وعقد لسانه ولم يستطع الرد خصوصاً وهو ينظر لمن يقف خلف فيصل ووصله كل ما قيل
-أديم أنا جاي أطلب أيد أختك الأنسه نرمين على سنة الله ورسوله .. وقبل حتى ما تفكر أذا كنت هتوافق أو ترفض .. أنا عارف كل حاجه وموافق ,, تارها بقى تاري
لتجحظ عيون أديم وهو ينظر إلى ما خلف فيصل .. نرمين التي تقف عند باب المكتب تنهمر الدموع من عيونها .. وجسدها ينتفض بقوه .. هي لا تستطيع تحمل كل هذا .. فيصل ذلك الشاب الأسمر الوسيم صديق أديم التي كانت تراهم دائماً معًا … التي كانت تشعر بهيبته .. وكم هو مميز .. يعلم كل ما مرت به .. يريد أن يتزوجها .. يريد أن ينتقم من مَن أذاها .. يخبر أخيها بكل قوة وثبات أن ثأرها هو ثأره
قبل أن يقترب منها أديم ركض إليها فيصل ودعم وقفتها دون أن يلمسها .. لكن قدميها لم تعد تحملانها ف سقطت على ركبتيها ليجلس هو الأخر أمامها ويديه تحاوطها لكن دون لمس .. وقال وهو ينظر إلى عيونها التي تذرف الدموع دون توقف
-أيوة يا نرمين تارك هو تاري .. أنتِ تخصيني أنا بس .. من أول يوم شوفتك فيه قلبي خرج من صدري وبقى بين أيديكي .. طول عمري بدعي بيكي في كل ركعه سافرت وأشتغلت وجمعت فلوس علشان أفتح شركة وأليق بيكي وبعيلة الصواف .. أنت يا نرمين ملكة عاليه أوي وغاليه .. حلمت بيها في كل لحظة .. وقلبي محبش ولا هيحب غيرك .. تقبلي تتجوزيني
كان أديم يستمع لكلمات صديقة والدموع تتجمع في عيونه .. قلبه يأن من الألم على أخته وعلى الحب الذي يحمله صديقه له .. يشعر أن بداخله أطمئنان وراحه فأخته ستكون في يد أمينة مع من يصونها .. يحفظ سرها .. سرها؟! من أين عرف فيصل بسر نرمين وما حدث معها؟ ظل السؤال يدور في رأسه دون أجابه
بينما كانت نرمين تبكي بصوت عالي .. تريد أن تصرخ .. حتى يسمع كل العالم صوت صراخها الذي كتم بداخلها لسنوات وسنوات .. لكن لم يكن في أمكانها سوا البكاء الذي شاركها فيه فيصل .. رغم كبريائه ورغبته في أن يدعمها لا يضعفها لكنه لم يتحمل دموعها وآلمها .. ليقول بقوه وصدق
-أوعدك أجبلك حقك .. أوعدك أنتقملك .. أوعدك أخليكي تبكي من السعادة وأنتِ بتشوفي حقك بيرجعلك .. وده وعد مني .. وأنا عمري ما خلفت وعد.
ليقترب أديم منهم وربت على كتف صديقه وهو يقول ببعض المرح حتى يهدء الوضع
-يا أستاذ مينفعش كده أخوها واقف
ليرفع فيصل عيونه لأديم وقال برجاء
-هتجوزهالي ؟!
ظل أديم صامت لعدة ثواني وعقله يخبره أن هذا أفضل حل .. أولا فيصل يحب نرمين بشده وهذا واضح ولا يستطيع أحد إنكاره .. ثانيا أذا كان من أرسل الرساله ينوي عمل فضيحه بأي شكل فزواجها ينفي أي شيء ويهدم تلك الأشاعه في مهدها .. والأهم من كل هذا أنه سيطمئن عليها مع فيصل كما يطمئن على سالي مع حاتم .. لكن العقبه الوحيدة الأن هي شاهيناز هانم لكنه نظر إلى صديقه وأومأ بنعم وقال موضحًا
-لو هي وافقت عليك
كل هذا ونرمين تتابع حديثهم بصمت رغم بكائها التي تحاول كتمانه بيديها .. لينظر إليها فيصل من جديد وقال برجاء
-موافقه؟!
نظرت إلى أخوها الذي شجعها بعينيه .. لتعود وتنظر إلى فيصل وأومأت بنعم ليبتسم وحرك قبضتيه في الهواء قائلاً
‏-yes
ليضحك أديم وهو يقول بمرح موجه حديثه لأخته
-ده طلع أهبل
لتضحك من بين دموعها ليمد أديم يده لها .. لتضع يدها في حضن يد أخيها وألقت بحملها كله عليه حتى تستطيع الوقوف .. ليضمها إلى صدره بحنان .. وظل فيصل على جلسته أرضًا .. ينظر إليهم بضيق ثم قال
-طيب وأنا مش هتمد أيدك تساعدني يا صاحبي .. لينظر له أديم بتقزز وقال
-أنت مين أصلًا
ليضحكوا ثلاثتهم .. وبعد عدة دقائق وبعد أن هدأت نرمين تمامًا قال أديم
-ممكن تطلعي وتنادي حاتم وياريت محدش يعرف أي حاجه من إللي حصلت هنا دلوقتي .. ماشي
قال كلمته الأخيرة وهو يربت على وجنتها بحنان .. لتومأ بنعم .. وغادرت غرفة المكتب بعد أن نظرت إلى فيصل بخجل .. وبادلها هو النظرات بحب .. وبعد أن أغلقت الباب أرتسمت الجديدة على ملامحهم لكن فيصل سبق أديم وقال موضحًا
-أكيد عايز تعرف عرفت منين .. مش كده؟
أوماء أديم برأسه إيمائه صغيرة ليقول فيصل موضحًا
-أنا قريت الرسالة إللي وصلتك .. بالصدفه في عربيتك إمبارح لما نزلت ترد على كاميليا
لم يعقب أديم لكنه قال مستفهماً
-ليه متقدمتش لنرمين من أول ما حسيت إنك بتحبها .. في كلامك معاها دلوقتي أنت تقريباً بتحبها من وأحنا في الجامعة؟
أبتسم فيصل بحزن وقال بصدق
-كنت محتاج أكون أستحقها .. وأليق بيها يا صاحبي .. لأنها تستحق كل حاجة حلوه في الدنيا وتستاهل أحسن راجل في الدنيا
-وأنت أحسن راجل في الدنيا يا فيصل
قال أديم بصدق وفخر .. ليبتسم فيصل وهو يشكر صديقه بكلمات غير مفهومه .. حين دلف حاتم وهو يقول بمرح
-يا أهلاً يا أهلاً أستاذ فيصل ليك وحشه والله يا راجل .. هو أنت أصلاً لسه فاكرنا يا واطي
ليضحك فيصل وهو ينظر إلى أديم وقال بزهول
-أيه الهجوم ده في أيه؟!
-أصله ميعرفش حاجة يا ابني أصبر لما يعرف وأوعدك أنه هيضربك
ليضحكوا جميعاً بمرح الأصدقاء القدماء .. حين لم يكن أي منهم يحمل هم سوا أن ينجح في دراسته ويحقق حلمه بالتخرج
جلسوا جميعًا وقص أديم كل ما حدث .. ليبتسم حاتم بفخر وربت على كتف فيصل ببعض القوه هو يقول بسعادة
-ألف مبروك يا فيصل .. بجد مش هتلاقي زي نرمين .. ولازم تعرف أن إللي حصل ده كان غصب عنها وكانت صغيرة و..
لم يدعه فيصل يكمل حديثه وقال بغضب وقوة
-أنا مش محتاج منك تبرير يا حاتم وإلا مكنتش جيت أطلب أيدها من غير ما أسأل أصلا عن تفاصيل
ونظر إلى الأثنان بتحذير وقال
-والموضوع ده ما يتفتحش غير لما نلاقي إللي عمل كدة .. علشان أخد تارها
-ناخد يا فيصل .. ناخد .. أختي أنا لازم أجيب ليها حقها .. حتى لو أنت بحبك ليها وبما إنها هتبقى مراتك ليك حق أنا كأخ ليا كمان حق وهي ليها حق عندي.
ليقف حاتم وقال بأقرار
-أنا كما ليا حق .. نرمين بنت عمي وزي أختي وأخت مراتي وخالة ولادي ان شاء الله وليا أنا كمان حق
ليقول أديم بمرح
-الله يكون في عون إللي عملها .. ثلاث ثيران هينتقموا منه .. أنا لو منه أموت نفسي قبل ما نوصله
-بس نوصله
قالها فيصل بغل وغضب مكتوم .. ليقول أديم بأقرار
-هنوصله .. هو بدء يكشف نفسه
…………………
فتحت عيونها رغم عدم رغبتها في ذلك .. أن جسدها يآن بألم .. فتلك الأريكة غير مريحه أبداً كيف كان ينام عليها .. فرغم جسدها الضئيل لم تشعر بدقيقة راحه على تلك الأريكة لكنها لم يكن عندها طاقه أو قدره على التحرك والمغادرة وكأنها تتلذذ بالألم .. حتى يغلب ألم جسدها ألم قلبها وروحها .. ظلت جالسة تفكر ماذا عليها أن تفعل .. وما سيؤل إليه حالها فما عرفته عما ينتظرها من عقاب قانوني يكفي أن يقضي على حياتها بالكامل .. نفخت بضيق وهي تفكر هل حقًا سيستمر أديم في تلك القضية .. هل سيزج بها في السجن؟ .. ومن أين ستأتي له بالتعويض الذي سيطالب به فمؤكد عائلة الصواف لن تتهاون في أظهار قدراتها .. وإثبات عكس كل ما كتبته في المقال .. أنحدرت دموعها وقلبها يذكرها بالأهم وهو خسارتها لأديم نفسه .. هل حقاً خسرته وللأبد؟ أم أن مازال أمامها فرصه لكسب حبه وقلبه من جديد .. هل تذهب وتسلم نفسها للشرطة .. هل سيثبت له هذا أنها تحبه حقًا .. وتريده دون أي مصلحه .. وأنها أدركت صحيح مؤخراً لكنها أدركت أنها تحبه.
شعرت فجأة باليأس فعادت تتمدد على الأريكة من جديد والدموع تغرق عينيها .. لكن عقلها ظل يلاعبها وهو يقول لها
أين ونس القوية القادرة على كل شيء .. ونس التي ظلت تخطط لشهور كيف تقتحم حياة أديم الصواف وتكسر تلك الهالة التي تحيط به .. ونس التي تحولت من الفتاة القوية لتلك الخانعه حتى تقنع أبن الصواف بكونها فتاة فقيرة ومسكينه وليس لها أحد سواه .. تلك الفتاه التي تغلبت على أسطورة عائلة الصواف وكشفت دواخلهم وحقيقتهم .. ليناطح قلبها عقلها وهو يصرخ حتى كاد يغادر تجويف صدرها .. كيف تتباهين بخيانتك .. وكذبك .. كيف تصفين كل هذا وكأنه إنتصارات تستحق أن تحصلي لها على وسام .. لابد أن تشعري بالخجل مما فعلتِ وخطتِ .. لقد جرحت قلب أحبك بصدق .. وجد فيكي أمان وحياة .. واحه خضراء وسط صحراء حياته .. شربه ماء وسط الجفاف العاطفي الذي عاش فيه طوال حياتك .. مع من شعر بنفسه وبحريته .. وكان مستعد لكسر كل القيود وتحطيم تمثال العادات .. لكنكِ وبكل قوة ذبحتي وريده بسكين بارد .. حطمتي قلبه أسفل قدميكي ودعستي فوقه دون رحمه .. والان تفتخرين .. عار عليك
لتشهق من كثرة البكاء .. وهي تصرخ بصوت مكتوم
-خاينه .. خاينه يا ونس .. متستحقيش أي حاجة .. تستحقي بس إنك تاخدي جزائك .. تستحقي العقاب وبس
وخبئت وجهها في وسادة الأريكة تكتم صراخات روحها وقلبها وكذلك دموعها.
…………………….
صعدت نرمين إلى غرفتها مباشرة بعد أن أخبرت حاتم بطلب أديم له .. لم تكن في حالة تسمح لها بالجلوس مع أحد أو التحدث .. هي فقط تريد الصمت والتفكير .. تتذكر كل ما قاله فيصل .. كلماته أفعاله .. الحزن المرتسم على ملامحه بسبب ألمها .. وأيضا قوته في التمسك بها .. رغم رقته المفرطة والتي ظهرت في التوسل لها بأن تقبل به .. ولا ترفض وصاله .. وحبه .. وأن تعطيه فرصة للأقتراب منها .. وتحقيق حلمه الذي ظل يدعوا به طوال حياته .. هي لا تصدق حتى تلك اللحظة أن هناك من يحبها بتلك الطريقة المميزة .. كيف كانت ترى أن طارق ما يحمله لها هو الحب الذي تتمنى .. أين كان فيصل هذا الذي رسم لها طريق جديد .. ورغم صعوبه السير فيه إلا أنه ممهد ببعض الورود ..وقفت أمام المرآة تنظر إلى وجهها وأثار الدموع التي مازالت عالقه فوق رموشها .. لكن أرتسمت فوق شفتيها ضحكة بسيطة أنارت عيونها .. لكنها أنتبهت لنفسها حين سمعت طرقات على باب غرفتها وأديم الذي أطل من الباب ينظر إليها بحب .. وقال ينفع نتكلم شويه .. اومأت بنعم .. ليدلف ويغلق الباب خلفه وجلس على الأريكة وأشار لها أن تجلس جواره .. أقتربت منه بخجل هي تعلم جيداً ما سيقوله ورغم خجلها إلا أنها حقاً تشعر بالسعادة .. ظل ينظر إليها وعلى وجهه أبتسامة ناعمة ثم قال بعد ان أمسك يدها يضمها بين يديه
-عايز أعرف رأيك في طلب فيصل .. علشان أشوف هفاتح شاهيناز هانم ولا لأ.
أسبلت عيونها بخجل فطري .. ليمد يده أسفل ذقنها يجبرها على النظر إليه وقال بهدوء
-لوعايزة رأي أخوكي .. هقولك أنا بثق في فيصل جداً .. راجل حقيقي .. محترم و قد كلمته .. مخلص ودُغري .. متربي وعلى خلق .. بيصلي .. ملتزم بدينه .. بيحبك .. ومش شايفك مذنبه .. الغريب أنه شايف هو المذنب
نظرت إليه بأندهاش ليقول موضحًا
-شايف أنه كان لازم يكون جمبك ويحميكي بعمره .. ولا كان يطولك أذى
لمعت الدموع في عيونها ليربت على وجنتها وقال بصدق
-أنا هبقى مطمن عليكي وأنتِ معاه .. زي ما أنا مطمن على سالي مع حاتم
عاد يربت على يديها وهو يكمل كلماته
-الجواز مش بالفلوس ولا بالمركز الإجتماعي .. صحيح دي كلها حاجات مطلوبه .. لكن الأهم هما الأشخاص نفسهم .. الراجل إللي بجد هو إللي حتى لو ظروفه صعبه عمره ما يهين مراته ولا يتعبها .. قدر أستطاعته .. وهي علشان هو راجل حقيقي معاها هتتحمل أي صعب يمر عليهم .. علشان هتلاقيه يستحق ده .. زي كده ما حاتم بيدعم سالي في كل إللي بنمر بيه .. رغم أن هو كمان محتاج إللي يدعمه .. لكن بالنسبه ليه هي رقم واحد حتى قبل منه وقبل أي حد في الدنيا .. وفيصل هيكون كده .. نظرة عينيه ليكي النهارده بتقول كده وأكثر كمان
ظلت صامته تنظر إليه بعيون تلمع .. لا يعلم هل هي دموع أم سعادة لم يراها في عيون أخته منذ سنوات .. ليقول مره أخرى
-ها أيه رأيك بقى .. عندك أستعداد تديله فرصه
أومأت بنعم ليبتسم وهو يقترب يقبل جبينها قائلاً بسعادة
-مبروك يا حبيبتي .. بس عايزك تستعدي لمواجهة شاهيناز هانم
-مستعده .. مش أنت معايا يبقى خلاص
قالت بصدق وقوه ليضمها بحنان إلى صدره وقال بأقرار
-ديماً معاكي وجمبك.
……………………
كان علاء يقف أمام وكيل النيابة في حاله يرثى لها .. ووكيل النيابه لا يتوقف عن إلقاء الأسئلة ليقترب علاء من المكتب وقال بصوت باكي
-يا سعادة الباشا أنا قولت لحضرتك كل حاجة .. ونس إللي عرضت عليا الفكرة إنها تكشف تعاملات مؤسسة الصواف مع المافيا وده على أساس المعلومات إللي وصلت لينا من رساله من مجهول .. وهي إللي فكرت في كل حاجة والخطه هي إللي فكرت فيها هي إللي قررت تمثل إنها بنت غلبانه وتروح تشتغل عنده خدامة .. وهناك تدور براحتها وتجيب كل الأدله إللي تخليها تعمل مقال صحفي يكسر الدنيا .. وفعلاً وصلت لورق بيقول أن كان في تعامل بين مؤسسة الصواف والمافيا وقف على آخر لحظة .. لكن ده إللي مُعلن .. ياعالم في حاجات في السر ولا لأ .. ومعلومة النسب جت بالصدفه لكن كان في تسجيل صوتي بصوت السيدة شاهيناز السلحدار بالكلام ده .. والتسجيل ده كان على فوني وفون ونس وعلى فلاشه والمستندات والفلاشة كانوا في خزنة الجريدة .. وتليفوني وتليفون ونس والفلاشة والورق كله أتسرق .. والله العظيم ما أعرف ونس فين .. هخبيها ليه؟ علشان أفضل في العذاب ده لوحدي .. هي عشيقتي علشان أحميها دي مجرد صحفيه كانت هترفع أسم الجريدة لسابع سما وأهي جابتها أسفل سافلين.
ظل وكيل النيابة صامت ينظر إلى علاء بتركيز وتفحص .. ثم قال للكاتب
-أمرنا نحن .. همام يزيد المصري وكيل النائب العام بحبس المتهم علاء الصفتي 15 يوم على زمة التحقيق .. ويراعه التجديد في الميعاد
ثم نادا بصوت عالي
-يا عسكري
دلف العسكري يلقي التحيه العسكرية وهو يقول
-تمام يا فندم
-خد المتهم رجعه على الحجز
ليغادر علاء مع العسكري وهو يقول
-حسبي الله ونعم الوكيل فيكي يا ونس
ظل همام صامت يفكر في كل ما قاله علاء .. إنه ومنذ الأمس وهو على نفس الكلمات لم يغير حرف واحد .. أذاً عليه أن يجد تلك الفتاة المدعوه ونس .. وعليه أيضاً أن يتحدث مع أديم الصواف .. عله يفيده بمعلومه عنها .
غادر أديم غرفة نرمين ليجد سالي تقف أمامه كادت أن تطرق الباب .. ظل أديم ينظر إلى أخته ثم قال بحب يحمل الكثير من الأسف
-ممكن نقعد نتكلم شوية أنا وأنتِ
أومأت سالي بنعم مع أبتسامة رقيقة وهي تشير له أن يسير معها .. ليحاوط كتفها وهو يقول
-تعرفي أنك وحشاني أوي
نظرت له بعدم تصديق .. ليقول بأسف
-عارف أني مقصر معاكي
لتريح رأسها على كتفه وهي تقول
-نرمين كويسة أنا كنت عايزة أطمن عليها .. قبل ما تطلع أوضتها كان شكلها غريب؟
ليقبل أعلى رأسها وقال موضحًا
-نرمين جالها عريس .. وعلشان كده متلغبطة .. وحبت تقعد لوحدها علشان تفكر
أبتسمت بسعادة.. لكنها قالت بشك
-طيب وطارق
فتح باب الغرفة ودلفوا وهو يقول
-ده موضوع يطول شرحه .. خليني أطمن عليكي أنتِ الأول .. وبعدين أحكيلك كل حاجة
جلست على الأريكة وجلس بجانبها ليقول مباشرة
-قوليلي بقى أخبارك أيه؟ والواد حاتم عامل معاكي أيه؟ قوليلي لو مزعلك أجيبه
لتقاطعه وهي تقول
-حاتم مفيش منه .. أنا إللي كنت مزعلاه .. ولولا عقله وقلبه الكبير إللي بيحبني هو إللي رجعني لعقلي وأنقذ علاقتنا من الضياع والفشل
شعر بالقلق وظهر على ملامحه .. لتقول حتى تطمئنه
-أطمن أحنا كويسين أوي .. حتى أني بعيش أجمل أيام حياتي معاه .. أتغيرت وبقيت أشوف الدنيا بشكل مختلف .. وأكيد أنت لاحظت التغير الواضح في مواقفي وأسلوبي
أومأ بنعم لتكمل كلماتها
-أنا كنت لعبه في إيد مامي .. كنت بحكم على كل حاجة بسطحيه وميهمنيش الا المظاهر وبس .. لكن حاتم قدر يخليني أفهم أن كل حاجه ليها أكثر من شكل وأني مينفعش أحكم على حاجة من وجهة نظري بس .. كمان عرفت أن الحب أعمق وأكبر كتير من كل المظاهر الكذابه إللي بيعملها الولاد للبنات علشان يكسبوا قلوبهم بالكلام المعسول مش هو ده الحب .. الحب الحقيقي إنك تقبل شريكك بكل عيوبه قبل مميزاته .. إنك تحفظ تفاصيله .. بيحب أيه .. بيكره أيه .. بيخاف من أيه .. بيطمن أمتى .. أنك تحس جمبه بالأمان والراحه وأنك جوه بيتك .. هو ده الحب يا أبيه
يستمع إلى كلماتها وهو يتذكر أحساسه مع ونس .. ذلك الشعور الذي كان يتمناه .. ويحلم به .. ولم يجده مع أحد سواها لكنها وبكل قسوة جرحت قلبه .. شوهت أحساسه وألمت روحه .. حاول الخروج من أفكارة وأبتسم أبتسامة صغيرة وقال بسعادة
-الحمدلله أنك فهمتي .. حاتم راجل مميز .. عمري ما كنت هطمن عليكي مع حد غيره .. راجل من كل قلبه بيحبك .. ومستعد يعمل كل حاجة علشان خاطرك .. حافظي عليه يا سالي .. وحافظي على حبكم وحياتكم
أومأت بنعم وهي تقول بتأكيد
-أنا مقدرش أعيش من غير حاتم .. متقلقش
كان يستمع لحديثهم منذ البدايه .. وكم أسعده كلماتها التي خرجت من قلبها بصدق .. ليطرق بقوة على الباب وقال بأبتسامة مرحه
-خيانه مراتي وأخوها في أوضتي وعلى سريري
ليضحكا سويا وهي تقول مشاركه في المرح
-أيوه .. لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
ليضمها حاتم بقوة وقبل رأسها بحنان قائلاً يكمل كلماتها
-حتى يراق على جوانبه دمي
لتضمه بقوة وهي تقول
-بعد الشر عنك
ليلوي أديم شفتيه بمتعاض قائلاً وهو يغادر
-قرف .. ايه المحُن ده
ليضحكوا جميعاً .. حين نظر إليهم بتقزز وغادر الغرفة .. ليقبلها حاتم من جديد .. وهو يهمس لها بكلمات العشق والغزل .. لتقول من جديد
-جبت الفول
-بالليل هنتعشى منه .. وعاملك مفجأة
أجابها بهمس أيضًا وكأنهم يتحدثون عن ممنوعات .. وليس طعام عادي وبسيط .. لتصفق بسعادة وهي تقول
-ربنا يخليك ليا يارب
………………………..
قرر أديم الذهاب إلى المؤسسة أولا .. وفي المساء يتحدث مع شاهيناز في أمر فيصل .. حتى يكون ترك وقت كافي لنرمين تفكر جيداً
حين وصل إلى هناك شعر ببعض القلق الواضح على وجه السكرتيرة التي قالت وهي تشير لغرفة مكتبه
-في ظابط مستني حضرتك جوه
أومأ أديم بنعم وهو يتحرك في إتجاه غرفته بثبات لكنه كان يفكر في سبب تلك الزيارة .. أغلق الباب خلفه وهو يقول بترحيب
-أهلاً وسهلاً حضرة الظابط
ليقف همام ينظر إلى أديم وبادله التحية وهو يقول
-أهلاً بيك أديم باشا .. أسف على الزيارة الغير متوقعه .. وآسف كمان على أني أصريت أستناك هنا في مكتبك.
أبتسم أديم وهو يجلس على الكرسي الخاص به خلف مكتبه وقال
-مفيش داعي للأعتذار همام باشا .. حضرتك تشرف المؤسسة في أي وقت
جلس همام واضعاً قدم فوق الأخرى وهو يتأمل أديم عن قرب أن هيئته مميزة وله هيبه طبيعيه دون أدعاء .. صحيح يبدوا أقرب إلى النفس غير إحساسه به حين شاهدة في المؤتمر الصحفي .. وذلك جعله يقول
-أنا جاي هنا بخصوص البلاغ إللي أنت قدمته .. في الحقيقة في شوية تفاصيل عايز أعرفها منك بوضوح وبالتفصيل
ليؤمئ أديم بنعم .. ليقول همام من جديد
-حضرتك تفتكر الصحفية مختفيه فين؟
قطب أديم بين حاجبية وقال ببعض الأستخفاف
-أعتقد أنا آخر واحد ممكن يتسأل السؤال ده
-صحيح لكن قولت ممكن يكون عندك خلفية بما إنها فضلت شغاله عندك لفترة
وضح همام وجهة نظره ليقول اديم ببعض الأسترسال
-هي مشتغلتش مده طويلة .. هي أفتكرت أنها خلصت مهمتها ومشيت .. ومشفتهاش من وقتها وكل إللي كانت بتقوله أنها عايشة مع والدتها وأخواتها بس طبعاً ده كله ممكن يكون كذب
هز همام رأسة بنعم ثم قال
-مدير الجريدة قال إن كان هناك أدله تثبت كل كلمة قالوها في المقال الصحفي
-تمام يظهر الأدله دي ونشوف
قال أديم كلماته بهدوء شديد لكن بقوه أيضًا أظهرت ثباته .. غادر مقعده ودار حول المكتب وجلس على الكرسي المواجه لهمام وقال
-أنا معنديش حاجة أخاف منها .. وإللي عنده أي حاجة تديني يواجهني بيها .. مؤسسة الصواف ليها أسمها وسمعتها ووزنها في السوق من زمان .. مش لسه جديدة .. وبالنسبة للكلام إللي يخص النسب ده شيء ميخصش حد أبداً ويعتبر تشهير واضح وصريح
أبتسم همام أبتسامة وقوره قائلاً بمرح
-حضرتك طبعاً معاك حق لكن للأسف في الزمن إللي أحنا فيه ده كل شيء بقى مشاع .. السوشيال ميديا خلت حياتنا كلها على الملئ .. والترند لحس مخ الناس .. حتى لو بالفضايح والتشهير
أنزل قدمة ثم وقف وأكمل قائلاً
-أنا كنت محتاج أتكلم معاك وش لوش .. وده فادني جداً .. وان شاء الله نلاقي الصحفية .. ونرجع لكل واحد حقه.
أبتسم أديم ووقف حتى يودع همام .. لكن أوقفهم طرقات على الباب ودخول كاميليا وهي تقول بخوف
-ألحقني يا أديم
أقترب منها أديم سريعاً وقال بقلق
-مالك يا كاميليا أيه إللي حصل
لتنتبه لوجود همام فحركت عيونها بينه وبين أديم ليستعيد أديم هدوئه وقال معرفاً
-حضرة الظابط همام إللي ماسك القضية
ثم أشار على كاميليا وقال
-الآنسة كاميليا الصواف بنت عمي
حياها همام بأبتسامة صغيرة ثم مد يده لأديم وقال
-فرصة سعيدة جداً يا باشمهندس أديم سعيد أني قابلتك
ليمد أديم يدية يحيه وقال بصدق
-أنا أسعد … شرفت
ليغادر همام المكتب لكنه نسي قلبه بالداخل .. حين دلفت كاميليا إلى الغرفة بعيون خائفة لمست قلبه .. وشعر بحمئه رجولية تريد أن تضمها إلى صدره تطمئنها وتحميها … يريد أن يعرف ما سبب هذا الخوف
لكنه أخذ نفس عميق عله يهدء من إحساسه ورغبته القوية في العوده إلى الداخل ومعرفة ما يحدث
~~~~~~~~~~~~~~
-في أيه يا كاميليا؟!
-طارق
كلمه واحدة كفيله تجيب على كل التساؤلات التي تدور في رأسه … لكنه قال بهدوء قدر إستطاعته
-عمل إيه؟! هو عرف يوصلك؟!
هزت رأسها بلا وقالت وهي تتوجه إلى أقرب كرسي والذي كان يجلس عليه همام منذ قليل وقالت بصوت باكي مرتعش
-أتصل بيا وقعد يزعق ويهدد .. وفي آخر المكالمة قالي لو مرجعتيش القصر النهاردة هقتلك وهقتل أديم بتاعك إللي أنتِ متحامية فيه وإللي عامل حامي الحما.
جلس أديم على الكرسي المواجه لها وقال بأبتسامة
-طارق جبان ومش هيقدر يعمل حاجة
ثم رفع سماع الهاتف وقال بصرامة
-طارق باشا وصل ولا لسه
صمت يستمع إلى رد السكرتيرة ثم قال
-طيب تمام … أول ما يوصل عرفوني
أغلق الهاتف ونظر إلى كاميليا وقال بصوت هادىء حتى يطمئنها
-هتنزلي دلوقتي تروحي شغلك ومنه على البيت وأنا هوصي فيصل عليكي .. ما هو مش هيبقى غريب خلاص
ظهر الإندهاش وعدم الفهم على ملامحها ليقول بابتسامة واسعه
-فيصل طلب إيد نرمين النهاردة .. بس لسه مفتحناش الموضوع مع شاهيناز هانم
لتتسع إبتسامتها وهي تقول بسعادة
-الله بجد الأتنين يستاهلوا كل خير … وبجد لايقين على بعض جداً … ربنا يتمم لهم بخير
ليقف أديم وهو يقول
-عقبالك أنتِ كمان .. علشان أبقى مطمن عليكي.
ظهر الحزن على ملامحها لكنها قالت بابتسامة صغيرة
-ان شاء الله … الحق أروح أنا قبل ما طارق يوصل
حين غادرت ظل أديم واقف خلف الباب والغضب يرتسم على ملامحه وهو يقول
-لازم أحطلك حد يا طارق … لازم
~~~~~~~~~~~~~
مر اليوم وطارق لم يظهر وذلك أقلق أديم بشدة
ف حركات طارق الهوجاء تطمئنه لكن ذلك الصمت والإختفاء يجعله يشعر أن طارق يدبر شيء ما ولن يكون سهلًا أبداً
أخذ مفاتيح سيارته وهاتفه وغادر الشركة مقرراً الذهاب إلى الشقة أولاً حتى يرى ونس هينزل ثم يعود إلى القصر ويواجه شاهيناز بطلب فيصل
وصل إلى البنايه ليقابل الحارس الذي قال له ببعض الخوف
-كويس إنك جيت يا بيه … الشقة بتاعه حضرتك فيها حاجات غريبة .. أنا كنت بحاول أتصل بيك طول اليوم بس حضرتك مردتش عليا .. وكنت خلاص هتصل بالبوليس
لتجحظ عيون أديم وهو يستمع لكلمات عبد الصمت وقال سريعًا
-بوليس ليه إيه إللي حصل
-النور يا بيه أشتغل لوحده … وفي صوت حركة جوه أنا خوفت ليكون في حرامي ولا حاجة … ولا يكون اللهم أما أحفظنا الشقة بقت مسكونه أو البت أللي جات أشتغلت فيها دي عملتلك عمل ولا حاجة
أجابه عبدالصمد بصوت مرتعش وكان مع كل كلمه يرتفع حاجب أديم بصدمة
تركه وتحرك ليركض خلفه عبدالصمد وهو يقول
-أطلع معاك يا بيه؟!
-لأ
أجابه أديم دون أن يتوقف أو ينظر إليه … ليقول عبدالصمد من جديد
-خطر تطلع لوحدك يا بيه … لو في حرامي أو لو الشقة ملبوسة
وقف أديم مكانه ينظر إلى الرجل بصدمة وهو يردد بعدم تصديق
-ملبوسة
أخذ نفس عميق وأخرجه بقوة … ثم قال
-الشقة مش ملبوسة زرار النور عندي معلق علشان كده ممكن يشغل النور لوحده أو يطفيه فهمت
ظل عبدالصمد واقف مكانه وفمه مفتوح بعدم فهم ليتركه أديم ودلف إلى المصعد
يوبخ نفسه على نسيانه لفكرة الإضاءة والجيران وعبدالصمد .. لكنه سيجد الحل أكيد
وقف أمام باب الشقه لعدة ثوانِ … و طرقه عدة طرقات خافته ثم فتح الباب بمفتاحه
وحين دخل وجد الصاله فارغه ولم يسمع أي صوت … أغلق الباب خلفه وخطى إلى الداخل … يبحث عنها … لم يجدها في المطبخ وغرفة المكتب مغلقة … توجه إلى ممر الغرف وطرق باب الغرفة التي كانت لنرمين لم يتلقى رد ففتح الباب ولكنه وجدها فارغه
مر من أمام الحمام ليجد بابه موارب ومظلم أنها ليست بالداخل
لم يتبقى سوا غرفته … بخطوات ثابته أقترب من غرفة نومه وفتح الباب بهدوء
ليقف مكانه مشدوه من ذلك المنظر … كانت نائمة في منتصف سريره … وفوقها الشرشف شعرها الغجري مبعثر حول وجهها يعطي لهيئتها إغراء من نوع خاص ولكن ما أدهشه هو ما تضم بين ذراعيها وتريح رأسها فوقة … أنها ثيابه الذي أبدلها آخر مرة قبل أن يغادر البيت بعد إكتشافه لما فعلته …. وليس هذا فقط … أن صورته أيضًا تتوسد الوسادة بجانبها … أقترب بخطوات هادئة من السرير ليصدم بخط الدموع الحي الذي يسيل فوق وجنتها
ظل يتأمل ملامحها الذي يعشقها بجنون وعقله يلوم قلبه الذي مازال يحن لها ويشفق عليها … والأكثر من ذلك أنها مازالت تأثر على روحه التي تهفوا لوصالها ….
ظل يتأملها لعدة دقائق … يحاول أن يروي عطش روحه لها دون أن تشعر به أو تراه … لا يريد أن يخسر كبريائه أمامها … هو ورغم حبه لها الذي وللأسف لم يتأثر بما فعلت إلا أنه لن يستطيع أن يكون معها أبداً أبداً
شعر بتململها فغادر سريعًا وجلس ف الصاله يحاول لملمة شتات نفسه قبل أن تخرح إليه
~~~~~~~~~~~~~
فتحت عيونها بتثاقل … فكلما غفت حلمت به ينظر إليها بكره كبير … ولم تتوقف دموعها بسبب ذلك حتى أنها تشعر بدوار حاد … فمنذ ما حدث في الجريدة هي لم تأكل شيء ضمت ملابسه إلى صدرها وأستنشقت عبيرة المميز … وعيونها تناظر صورته من خلف غيمة دموعها ثم تركت كل شيء في مكانه وقررت أن تذهب إلى المطبخ تأكل أي شيء حتى تستطيع الصمود والتفكير بشكل عقلاني
وبخطوات مترنحه سارت في الممر .. حتى نهايته ومرت في الصالة دون أن تنتبه لوجوده …. كان يتابعها بقلق
ليقف بلهفه حين أصطدمت بباب المطبخ وسقطت أرضًا تتأوه بألم
ليقترب منها وهو يقول
-مش تركزي
نظرت إليه بصدمة وهي تقول بضعف
-أنت هنا فعلاً … ولا أنا لسه بحلم
لم يعلق على كلماتها وساعدها في النهوض … لتسير معه بهدوء والرؤية مشوشة بالكامل … ليقول هو
-أنتِ تعبانه؟!
أومأت بنعم وصوتها يكاد يصل لأذنه
-مأكلتش حاجة من ساعه إللي حصل
ليرفع حاجبه بصدمة وأجلسها على الأريكة وقال بهدوء يصل حد البرود عكس تمامًا من يشعر به من ألم في قلبه
-أقعدي وأنا هجبلك حاجة تكليها … ولا أنتِ عاملة حسابك تموتي هنا علشان تجبيلي مصيبه
نظرت له بانكسار … ليزداد ألم قلبه لكنه غادر من أمامها سريعاً … لتنحدر دموعها وهي تهمس لنفسها
-تستاهلي يا ونس تستاهلي
يقف في منتصف المطبخ وضع يديه على خصره ويحاول التنفس بانتظام حتى يهدء من ضربات قلبه السريعة ألماً عليها وعلى تلك النظرة التي ذبحته … لكن ليس بيده شيء … هي من حطمت تمثال الحب … وهي من أختارت ذلك الطريق
نفخ الهواء من صدره وبدء في تحضير شيء خفيف لها … وخرج بين يدية صحن من الشطائر وكوب عصير
ووضعهم أمامها بصمت وجلس على الكرسي الجانبي
ظلت تنظر إليه لعدة ثوانِ ثم إلى الصحن والعصير والدموع تتجمع في عيونها لكنها بصمت أيضًا أخذت الصحن وبدأت في الأكل .. كان من يراه يظنه ينظر إلى هاتفه لكنه كان يتابعها هي .. يدها التي تمسك الشطيرة … فمها الصغير الذي يلوك الطعام وكم يبدوا شهياً أمام عينيه … لكنه ورغم صدره الذي كان يرتفع وينخفض بقوة إلا أن وجهه خالي من أي تعبير
مرت عدة دقائق على نفس الوضع … لتقطعه وهي تقول
-أنا هروح أسلم نفسي
نظر إليها بعيون غاضبة لكنه لم يظهر ذلك الغضب على ملامح وجهه وقال بهدوء
-أيه إللي غير رأيك؟ مش كنتي خايفة يتقبض عليكي؟!
أومأت بنعم وهي تكمل كلماتها موضحه
-عايزة أكفر عن غلطي في حقك .. لو سجني هيردلك حقك أنا موافقه
من داخله يشعر بالسعادة أنها تفكر فيه … لكنه قال ببرود
-الحكايه مش بس سجن … ده فيه كمان غرامة مادية وأنا المحامين بتوعي مش هيطلبوا أقل من مليون
أخفضت رأسها وهي تقول
-ما أنا بتكلم عن الحبس بس علشان أنا مش معايا فلوس الغرامة دي وهيبقى يا الدفع يا الحبس
أومأ بنعم رغم أن بداخله نار تحترق بمجرد تخيلها داخل الأسوار الحديدة بين القتلة واللصوص وفتيات الليل … ليأخذ نفس عميق وهو يغادر المقعد ويقف أمامها لا يفصل بينهم سوا تلك الطاوله الصغيرة وقال
-أعملي إللي أنتِ عايزاه يا ونس .. لكن لازم تعرفي حاجة مهمه جداً .. أنا مش هوايتي أذية الناس ولا إني أشوف ألامهم ووجعهم ده إللي بيفرح قلبي … قرارك ده بتاعك .. والبيت هنا مفتوح أهو مقفلش بابه في وشك
وتحرك في إتجاه الباب لكنه وقبل أن يفتحه
-الأضواء إللي شغاله دلوقتي متطفيهاش علشان الناس متلحظش وجود حد في الشقة وأنا مش فيها … عبدالصمد كان هيبلغ البوليس أصله فاكر أن الشقة مسكون
وفتح الباب وخرج ظلت تنظر إلى الباب بالدموع .. هو لم يشجعها ولا ينهاها عن تنفيذ فكرتها … هو لم يتمسك بها ولم يظهر أنه قد باعها
لكن من الواضح أنه قد زهدها
وذلك ألمها أكثر لتعود إلى البكاء من جديد وهي تقول لنفسها بتوبيخ
-من أمتى وأنتِ ضعيفة كدة؟ … من أمتى وأنتِ سلاحك بس الدموع والأستسلام؟ … من أمتى يا ونس؟ من أمتى؟
وكان هو يقف خلف الباب يشعر بالأختناق كل ما يحدث حوله حقًا يجعله يشعر أن روحه تختنق
لكنه غادر سريعًا حين وصله صوت بكائها وهمهمات لم يفهم منها شيء … لكن قلبه يؤلمه
خرج من المصعد وكأن عفاريت العالم تطارده .. ليتأكد عبد الصمد أن الشقه الأن مسكونه … ليغلق الأغنيه التي لا يتوقف عن أستماعها للست وأدار محول الراديو على إذاعة القرآن الكريم وهو يقول
-السماح يا أهل السماح لا تأذوني ولا أذيكم
~~~~~~~~~~~~~~~~~
إنتهى من عمله وغادر مكتبه متوجهًا إلى مكتبها … طرق على الباب برفق ثم فتح الباب حين سمع صوتها يسمح له بالدخول وحين تقابلت عيونهم قال
-أنا خلصت … خلصتي علشان أوصلك ولا لسه عندك شغل
لتقول بابتسامة شاكرة
-هو أديم كلمك؟!
أومأ بنعم وقال بصدق
-متقلقيش أنا جمبك .. وأصلاً بيتي قريب من بيتك جدًا … لو حصل أي حاجة مجرد رنه منك خلال دقيقة هكون عندك
لتحمل حقيبتها وهي تغادر مقعدها خلف المكتب وقالت بمحبه
-نرمين محظوظة بيك بجد ربنا يوفقكم
ليقول بابتسامة عاشقة
-أدعيلي توافق عليا.
سارت بجواره وهي تقول بمرح
-وهي هتلاقي زيك فين … ولو هي موافقتش هشوفلك ست ستها
-هي ست الستات وست البنات وست قلبي وروحي
قال بحب حقيقي لتضحك بصوت عالي وهي تقول
-ده أنت واقع واقع يعني … يلا يا عم يارب توافق علشان نرحم عذاب قلبك
ثم قربت وجهها من وجهه قليلاً وقالت بهمس
-هكلمها ليك علشان ترحم عذاب قلبك
ليضحك وهو يقول
-يبقى جميل ونرده في الأفراح ان شاء الله
أرتسمت إبتسامة رقيقة على ملامحها وكل منهم يصعد إلى سيارته حتى يعودوا إلى بيوتهم
وقبل أن تغادر السيارة وجدت إسمه ينير شاشة هاتفها فأجابته وهي تنظر لإنعكاس صورة سيارته في المرآة
-أيوه يا فيصل
-خليني معاكي على الفون لحد ما تطلعي الشقه علشان أبقى مطمن عليكي
أتسعت إبتسامتها وإحساس الأمان الذي أصبح يحاوطها إذا كان من أديم الذي يهتم بها بصدق … وفيصل الذي لا يعرفها سوا من أيام فقط لكنه رجل حقيقي ونرمين محظوظة بحبه
غادرت السيارة وصعدت إلى شقتها وهو كان يحدثها كل عدة ثوانِ ليعرف إلى أين وصلت … وحين دلفت إلى الشقه أغلقت الباب و قالت بمرح
-وصلت بسلام والشقة خالية سيدي الضابط
ليضحك فيصل بصوت عالي وهو يقول
-تمت المهمه بنجاح … أروح أنام بقى … ده لو عرفت
صمت لثوانِ ثم قال
-كاميليا إدعيلي نرمين توافق
لتضحك وهي تقول
-صحيح الحب بهدله … بس علشان أنت جدع معايا أنا كمان هبقى جدعة وهكلمها دلوقتي … وأجس نبضها وهتصل بيك أطمنك
شكرها كثيراً ثم تحرك بسيارته وهو يدعوا الله أن يرزقه بها
أغلقت الهاتف الإبتسامة تزين وجهها بصدق ومحبه … ولكنها لم تترك الهاتف بل إتصلت بنرمين حتى تنفذ وعدها
~~~~~~~~~~~~~~~~~
ظل جالس داخل السيارة ينظر إلى نافذة الشقة يريد أن يعود إليها يضمها إلى صدره بحنان … يضربها بقوه حتى يخرج كل الغضب بداخل صدره
وكان هناك من يراقب كل شيء ينتظر رحيله حتى يكتشف السر .. ويصبح لديه بدل السر الواحد إثنان وبدل الضربه إثنان وبذلك يضمن نهاية أديم الصواف
وقف همام وهو يقول للضابط الذي يتابع معه القضية بعد الكثير من التفكير .. ومن أجل القضيه ظاهريًا ومن أجل قلبه في حقيقة الأمر قرر ما قاله
-أنا عايز مراقبه دقيقة ل أديم الصواف .. عايز تقرير يومي بخطواته .. قابل مين راح فين . حتى بيكلم مين في التليفون .. كل حاجة
ودار حول المكتب وأكمل قائلاً
-وعايز أسماء العيلة كلها وأرقام تليفوناتهم ومعلومات كامله عنهم
ليشعر الضابط بالإندهاش من كل هذا ما سببه …. ف عائلة الصواف هي من قدمت البلاغ .. وهي من لها الحق وكل الأدله تثبت ذلك .. حتى بدون بحث .. أو عمل تحريات
لكنه أومأ بنعم وقال بأستسلام
-تمام يا فندم
ليغادر همام المكتب .. ثم مركز الشرطة وعقله مشتت بين كاميليا .. وبين قلقه من أختفاء تلك الصحفية .. أن البحث عنها شمل كل الأماكن المحتمل وجودها فيها لكن لا أثر لها وكأنها “فص ملح وداب” .. صعد إلى سيارته وهو يفكر .. هل هناك من كان يساعدها .. من داخل عائلة الصواف نفسها … أم أن الأمر كما وصفه علاء هي من فكرت وقررت ونفذت
نفخ الهواء من صدره بضيق شديد .. وعقله لا يريد التوقف عن التفكير والإحتمالات ومن وسط كل هذا يرتسم أمامة ملامح وجهها الخائف .. لينغزه قلبه من جديد و يتمنى لو ظل بالغرفة معهم وفهم ما يحدث معها .. وما سبب خوفها
-أيه يا همام .. من أمتى وأنت قلبك حنين كدة وحساس … بقيت سوما العاشق في نفسك الله يرحمك يا رجولة
وضحك على نفسه فهو من أعداء الأرتباط وكان قد أخذ قرار بعد الألتفات إلى تلك الأمور لكن بنظرة واحدة لها نسي قلبه كل تلك الوعود والعهود وغادر صدره وركض إليها .. همس لنفسه حتى يخرج من تلك الحاله
-أصبر يا همام أصبر .. خلص بس القضية وان شاء الله
صمت لثوان ثم قال بتعجب
-أن شاء الله أيه يا همام .. هي عملت فيا أيه بنت الصواف
وظل يضحك على نفسه وحاله .. وما حصل له من مجرد نظره واحده منه
……………………..
يقود سيارته خلف أديم يراقب كل خطواته .. فبعد خروجه من قصر الصواف كان في حالة غضب كبيرة ولو ترك نفسه لهذا الغضب لقتل أديم في قلب قصر الصواف .. لكنه لكنه بأخر خيوط العقل وغادر .. حتى يفرغ كل ما بداخله من غضب في مكان بعيد .. ولم يكن له سوا فتاته التي تتحمله في كل حالته .. تحتفل معه حين يريد الإحتفال .. تواسيه حين يكون حزين وتنسيه حزنه بين ذراعيها … وتتحمل غضبه وصراخه حتى أنه أحيانًا كثيرة يضربها بعنف كبير ورغم ذلك تتحمله بصبر وحب .. فهي تحبه بشدة وهو يعلم ذلك جيدًا لكنها أبدًا لم تكن لديه إلا مجرد فتاة ليل رخيصة لا تساوي سوى بعض المال وبعض الهدايا الرخيصه والتي ويالا العجب هي تفرح بهم كثيراً.. وبالفعل ذهب إليها وأخرج بها كل غضبه .. ضربها .. وقام بتكسير بعض الأغراض .. ثم بادلها الحب ولكن بعنف شديد حتى أن الكدمات الزرقاء كانت تنتشر في جسدها بكثرة …. ولكنها ورغم كل هذا كانت سعيدة .. هو أحيانًا لا يفهمها ولا يفهم مما تتكون هل الحب هو السبب أم هي بطبيعتها تحب العنف وتتلذذ بالألم .. المهم إنها قد هدأت من غضبه بالفعل .. وظل أكثر من ثلاث ساعات معها وقام بالتفكير بعمق وقرر ما سيقوم به خلال الفترة القادمة .. ومن ضمن تلك القرارات بقائة في شقته الخاصة ومراقبة أديم عن كثب .. وبنفسة .. عله يجد ما يستطيع ضربه به .. أو معرفة مكان كاميليا وحينها سيقتلها بيده
لكن مراقبته له لم تفيده بشيء .. فلم يقوم أديم بأي حركة غريبة أو غير مألوفة .. صحيح هو يسكن في قصر الصواف الأن لكن كل أغراضه مازالت في شقته الخاصة ..فمن الطبيعي أن يقوم بزيارة الشقة .. وحينما لاحظ أنه على طريق القصر .. غير إتجاه سيره وذهب إلى شقته بعد أن أتصل .. بشادية يأمرها بالحضور إليه وهي لم تتردد لحظه وسبقته إلى هناك .. وها هو بعد حرب قوية كان يخوضها مع نفسه .. ومعها .. يتمدد الأن بأسترخاء وقد قرر اللعب من جديد على قصة نرمين ولكن تلك المرة .. اللعب سيضرب في الهدف الأساسي .. وسوف يحقق عدة أهداف والجميع سيكون خاسر إلا هو .. لذلك عليه في الصباح الباكر من تجهيز أدوات الخطة .. والتنفيذ
………………..
حين عاد أديم إلى القصر كان الجميع على طاولة السفرة .. لكن شاهيناز هانم كانت غاضبه بشدة .. عكس وجه حاتم وأختيه الذين ينظرون إلى الطعام بحماس .. أقترب من الطاولة ليتضح له أنواع الطعام والذي لم يكن سوا وجبة شعبية دسمة (فول، طعمية، بتنجان مخلل، وفلفل مقلي .. وبطاطس محمرة، ومخلل وسلطة، وخس، وبصل أخضر).. ليهتف بحماس
-يا ولاد الأيه .. أنا نفسي في الأكلة دي من زمان
ليضحك حاتم وهو يقول
-زورونا تجدوا ما يسركم
لتقول نرمين وهي تتأمل الأصناف
-الأكل ده حلو بجد يا آبيه
ليرفع أديم عينيه وهو يقول بسعادة واضحة
-حلو بس .. ده تحفه يا بنتي .. بصي الأكل ده أدمان
لتلمع عيون نرمين بحماس .. ليكمل أديم مستفهمًا
-بس دي فكرة مين؟
-سالي
قالها حاتم بتلقائيه .. ليرفع الجميع عيونه ينظر إلى سالي التي تلونت وجنتيها بخجل .. وقالت بصوت متردد
-نفسي فيهم أوي .. وحاسه أني هيجرالي حاجة لو مكلتهمش
وأمام صدمه الجميع وقف حاتم سريعًا يضع لها الأكل في صحنها وهو يقول
-بعيد الشر عنك يا حبيبتي .. كُلي بالف هنا على قلبك
لكن أنتفض الجميع حين ضربت شاهيناز الطاولة بيديها وهي تقول بغضب
-دي مهزله إللي حصل ده يا حاتم مرفوض .. وغير مقبول بتكراره
ليقف حاتم أمامها وقال
-حضرتك أكيد حرة في بيتك .. وأنا من بكرة هشوف مكان مناسب نسكن فيه أنا وسالي ونعمل فيه كل إللي نفسنا فيه
ثم عاد ليجلس جوار زوجته وهو يضع الطعام في فمها ويسألها بابتسامة واسعه
-حلو
لتؤمئ له بنعم .. وعادت شاهيناز تجلس مكانها ولكن شرر الغضب في عيونها ظاهر للجميع .. ليبتسم أديم وغمز لنرمين وقال بهمس
-بنت محظوظة .. حاتم قرر يضرب ضربته في نفس الوقت إللي عايزين نفتح فيه موضوع فيصل
لتبتسم ولكنها رسمت وجه حزين على وجهها وقالت
-المنحوس منحوس
ليضحك بصوت عالي .. لتزمجر شاهيناز من جديد ليكتم الجميع ضحكاته وبدأو في الأكل .. لتقترب نرمين من أديم وقالت
-البتنجان ده أختراع يا آبيه .. وسبايسي أوووي
-البتنجان سبايسي .. البتنجان بيشكرك
لتبتسم بخجل وأكملت طعامها .. وكان أديم يأكل بأستمتاع شديد .. أنه أشتاق لتلك الوجبات .. تقريباً من أيام الجامعة لم يأكلها سوا مره أو مرتين فقط .. يتمنى أن يجتمع هو وأصدقائة ويتناولون أفطارهم على عربة فول .. كما أيام الجامعة .. لينتهي من كل المشاكل المتراكمة فوق كتفيه ويذهب هو وحاتم وفيصل
مر الوقت بين سعادة البعض وضيق البعض .. وبعد الإنتهاء وقف أديم يقول لشاهيناز
-في موضوع مهم عايز أتكلم فيه مع حضرتك
ألتفتت إليه شاهيناز بنظرات تحمل الكثير من التسائل .. ليقول هو موضحًا
-ممكن نقعد كلنا في الصالون علشان نتكلم
شعرت أن هناك ما سيعكر عليها ليلها أكثر مما قام به أديم فقالت
-لو في موضوع يحرق الدم ياريت نأجله لبكرة علشان إللي عمله حاتم كفى ووفى الحقيقة.
نظر أديم إلى حاتم الذي كان يضم زوجته وحين تلاقت عيونهم رفع كتفيه بأنه ليس له دخل .. ليعود أديم ينظر إلى شاهيناز وقال
-للأسف مينفعش الموضوع يتأجل
ثم أشار لها على الصالون وقال
-بعد حضرتك
شعرت بالضيق أكثر لكنها سارت بخيلاء إلى الصالون وجلست على كرسي فردي .. واضعه ساق فوق الأخرى وجلس حاتم وسالي على إحدى الأرئك وأديم ونرمين على الأريكة الأخرى .. كانت سالي ترتسم على وجهها أبتسامة واسعه فالطعام كان مميز جداً و.. وشعرت بشعور مميز حين هدأت تلك الرغبة المُلحه في تناول تلك الأطعمة .. وكذلك حاتم الذي يرى الرضا يرتسم على وجه زوجته .. وذلك أسعده بشدة
ونرمين تشعر بالتوتر .. هي تشعر بالسعادة من تمسك فيصل بها رغم معرفته بكل ما حدث .. لكن ما هي تلك الرسالة التي تحدث عنها مع أديم ذلك السؤال يشغل عقلها منذ سمعت حديثه .. لكن سوف تنتظر حتى تحصل على موافقة والدتها .. وبعدها سوف تسأل أديم عن الأمر
صحيح يشعر بالتوتر لكن ليس من حديثه مع شاهيناز .. بل من ردة فعلها .. هو لا يريد أن يحدث أي شيء يضايق نرمين .. أو يحزنها .. ولن يقبل لها بغير فيصل زوج .. لذلك المواجهه واجبه ودون تأخير
أجلى صوته وقال بهدوء
-في عريس متقدم لنرمين
قطبت شاهيناز حاجبيها باندهاش وقالت ببرود
-عريس أيه؟ نرمين مخطوبه لأبن عمها طارق .. أزاي ..
-أنا مش مخطوبه لطارق ولا عمري هتخطب ليه
قاطعتها نرمين قائله بقوة
لتقف شاهيناز وقد أستفزها أن الجميع مازلوا يتعمدون أغضابها والخروج عن طوعها
-طارق عارف أنك مش بنت بنوت وقابل بيكي .. العريس إللي أخوكي بيتكلم عنه ده أول ما يعرف حقيقتك هيهرب منك
أنحدرت دموع نرمين وهي تستمع لكلمات أمها الجارحة .. وتقارنها بكلمات فيصل ((تارك هو تاري .. أنتِ تخصيني أنا بس .. من أول يوم شوفتك فيه قلبي خرج من صدري وبقى بين أيديك .. طول عمري بدعي بيكي في كل ركعه سافرت وأشتغلت وجمعت فلوس علشان أفتح شركة وأليق بيكي وبعيلة الصواف .. أنتِ يا نرمين ملكة عالية أوي وغالية .. حلمت بيها في كل لحظة .. وقلبي محبش ولا هيحب غيرك .. تقبلي تتجوزيني)) ((أوعدك أجبلك حقك .. أوعدك أنتقملك .. أوعدك أخليكي تبكي من السعادة وأنتِ بتشوفي حقك بيرجعلك .. وده وعد مني .. وأنا عمري ما خلفت وعد.))
ليقف أديم أمام أخته يخفيها عن والدتها وقال بغضب
-إللي متقدم لها عارف كل حاجة .. وحلف قدامي أن حقها هو إللي هيرجعه بأيده .. أختي هتتجوز من راجل شافها ملكة وتستحق كل حاجة حلوة في الدنيا .. مش عايز يتجوزها علشان كاسر عينها وهيسيطر عليها .. لأنها في الأساس ضحيه مش جاني .. هي المظلومة مش الظالمة يا شاهيناز هانم
لتصرخ شاهيناز بغضب لأول مرة يظهر بهذا الشكل
-أنت مين أصلا علشان تدخل في الأمور دي .. أنت أبن حرام .. أبن نزوه من نزوات أبوك وخياناته المتكررة .. أنت مين علشان تتحكم في مصاير بناتي .. أنت ولا حاجه .. فاهم ولا حاجة.
خرجت نرمين من خلف ظهر أديم وأمسكت ذراعه بقوة ووقف حاتم وسالي وأقتربوا منه لكنه كان يبتسم أبتسامة شاحبه وقال بصوت يقطر ألما
-صحيح أنا أبن حرام .. ومن علاقه من علاقات كتير لأبويا .. ومش عارف أمي مين لكن ده كله مينفيش أني أخوهم الكبير .. وإن ليا مكانه في حياتهم أكبر من مكانتك وأنتِ أمهم .. عارفه ليه يا شاهيناز هانم .. لأنك عمرك ما فكرتي فيهم .. أنتِ كل إللي كان شاغلك هو مكانتك في المجتمع .. عمرك ما كنتِ بتخافي على بناتك .. أنتِ كنت بتخافي من كلام الناس ونظراتهم وده إللي خلاكي تقبلي بكل خيانات بابا ليكي .. واللي أي ست محترمة غيرك عمرها ما كانت هتقبل بيه
الصدمة مرسومه على كل الوجوه .. أن تلك المواجهه ليس وقتها وقد تضر أديم .. أذا قررت شاهيناز العند وفضح كل شيء .. لكن ما حدث لم يتوقعه أحد .. رفعت شاهيناز هانم رأسها بشموخ تنظر إلى أديم بتحدي .. وفي لحظة خاطفه صفعته على وجهه وهي تقول
-صحيح أبن حرام .. هستنى أيه من واحد أمه فتاة ليل كانت من حضن راجل للتاني
لتعلو الشهقات المصدومه من الصفعة ومن الكلمات التي تذبح .. لكن أديم ظل ثابت ولم يظهر على ملامحه أي شيء .. ومرت عدة ثواني الموقف متجمد تماماً .. حتى قال أديم
-فيصل هيجي بكرة علشان يخطب نرمين .. وكان أقترح أنه يكتب الكتاب على طول .. وأنا وافقت ونرمين موافقه.
ثم أقترب خطوه واحده فقط ونظر في عمق عين شاهيناز .. وقال ببرود وعيونه بها من الغضب ما هو قادر أن يحرق العالم بما فيه
-أنا واثق أن حضرتك هتعملي حفله ممتازة تليق بعيلة الصواف .. وتخلي المجتمع المخملي كله يتكلم عننا لشهور قدام .. ده كتب كتاب أخر العنقود
ثم نظر إلى نرمين بأبتسامة مجروحه وقال
-مش كده يا عروسة
لتومأ بنعم رغم دموعها التي تغرق وجهها .. وحتى يأكد الأمر ولا يدع مجال للتراجع ندا بصوت عالي
-داده مجيدة .. داده مجيدة
لتقترب مجيدة بسرعه قدر أستطاعتها ووقفت أمامه هي تقول
-تحت أمرك يا أديم باشا
أقترب منها وبصوت عالي قال
-بكرة حفلة خطوبة نرمين وكتب كتابها عايز القصر يتزين بأجمل صوره وشكل .. دي أخر العنقود وفرحتها لازم تكون مضاعفه
لتقترب منه سالي وقالت بقوة تعجب لها أديم وأسعدت حاتم بشدة
-متقلقش يا أديم .. كل حاجه هتبقى زي ما أنت عايز وأكثر وان شاء الله نعمل كل إللي يرضي نرمين
ونظرت إلى أختها وغمزت لها بشقاوة
ليربت أديم على وجنت أخته وقال
-أنا معتمد عليكي يا سالي .. نسّْقي كل حاجة مع دادة مجيدة .. ومن بكرة الصبح هتلاقي أكبر منظم حفلات عندكم هنا
ثم نظر إلى نرمين وقال
-وفستان العروسة هديه مني ليها
لتركض نرمين تلقي بنفسها بين ذراعيه لا تعلم هل تضمه حتى تواسيه .. وتعتذر منه .. أم حتى تشكره .. ليقبل أعلى رأسها ثم قال بصوت مختنق
-تصبحوا على خير
وغادر الصالون .. بعد أن ذبحت كرامته .. ورجولته .. ودهست عليها شاهيناز وقبلها والده ووالدته التي لا يعرفها
لكن اليوم هو اليوم الأخير له هنا .. هذا ليس بيته .. ليطمئن فقط أن نرمين أصبحت زوجة فيصل وبعدها فليحدث ما يحدث
وبداخل الصالون كان الجميع وكأن على رؤسِهم الطير لكن حاتم قرر أن يكمل في صفع شاهيناز بالحقيقة .. إن لم يعد لها دور في حياة بناتها .. فأقترب من نرمين وقال ببعض المرح حتى يخرج الفتايات من كل ذلك التوتر
-حضرتك عايزة هديه أيه بقى
لتضع يدها أسفل ذقنها تفكر ثم قالت
-تعزمني أروح أكل على عربية فول
قالتها بمرح مصطنع لكن الأمنيه كانت حقيقيه .. ليقول هو ببعض الغضب المصطنع
-فيصل هو المتخصص في حوارات عربيات الفول دي .. أبقي أطلبي منه هو لكن أنا بقى عارف هجبلك هديه أيه
وضرب وجنتها بأصبعه وغادر الصالون لكنه لم يذهب بعيداً لقد جلس في البهو يتابع زوجته التي تتحدث مع مجيدة حتى يستعدوا للغد .. و حتى لا يترك الفتايات مع شاهيناز بمفردهم .. لكن عقله كان مع أديم الذي تأذى اليوم بقوة .. وما حدث اليوم لن يُمحىَ أبداً
جلست شاهيناز بتثاقل فوق الكرسي من جديد تنظر لما يحدث حولها بعيون زائغه .. روحها جريحة .. لقد سُحِبت السجادة التي ظلت تحارب من أجلها طوال حياتها من أسفل قدميها .. ولم يعد لها مكان في حياة بناتها .. ولا رأي وخسرت كل شيء حتى أديم ربيبها خسرته وللأبد .. خسرت كل شيء .. ولن ينفعها أحد .. أذاً لتؤدي الدور التي أختارته لنفسها .. مجرد واجهه أجتماعية مميزة .. سيدة مجتمع مخملي من الدرجة الأولى وفقط
يا لها من ليلة ثقيلة على الجميع ورغم أدعاء الجميع السعادة من أجل نرمين وهم حقاً سعداء .. لكن الحزن يطل من العيون بلا رحمه
……………..
يجلس في الزنزانه طوال الوقت يدعوا على ونس أن مستقبله أنتهى .. ركض خلف شهرة و”تريند” يرفع أسم الجريدة ..في أعلى مكانه .. وفي نفس الوقت يجعل أسمه وأسم جريدته على كل الألسون .. ويرتفع نجمه في السماء .. لكن ما حدث العكس تماماً وأصبح في أسفل سافلين
لهمس من جديد
-حسبي الله ونعم الوكيل فيكي يا ونس .. ربنا ينتقم منك
………………..
كلماته ظلت تتردد في عقلها طوال اليوم ((أنتِ عاملة حسابك تموتي هنا علشان تجبيلي مصيبة ….أعملي إللي أنتِ عايزاه يا ونس .. لكن لازم تعرفي حاجه مهمه جداً .. أنا مش هوايتي أذية الناس ولا إني أشوف ألمهم ووجعهم ده إللي بيفرح قلبي … قرارك ده بتاعك .. والبيت هنا مفتوح أهو مقفلش بابه في وشك))
.. لكن منذ أكثر من ساعه وهي تشعر بألم في قلبها .. تريد أن تتحدث معه .. تريد أن تطمئن قلبها بصوته .. ولا تعرف هل السبب هو أنها خائفة .. أم أنها تفتقده .. لكنها لو قالت أنها تريد أن تراه حتى لو كانت نظراته كلها تحمل الكره .. تريد أن تطمئن في أمانه
هل هناك شخص مثله في هذة الأيام ؟ الإجابه بكل تأكيد لا … أذا حدث ما حدث مع شخص أخر غيره هل كان سيقبل ببقائها في بيته ؟ الإجابة أيضاً بكل تأكيد لا .. أن أديم شخص أستثنائي بكل ما تحمل الكلمة من معنى
أنتفضت واقفه حين شعرت بمحاوله لفتح الباب .. وجحظت عيونها حين فتح الباب ودخل منه أخر شخص تتخيل أنها قد تراه الأن.
ان شاء الفصل الجديد يوم الاتنين اول ما استلم الفون
لم تكن تتوقع أن يأتي إليها الأن وكأنه خرج من أفكارها … ظل الموقف ثابت لعدة لحظات كل منهم يتأمل الأخر والأفكار تدور في رأسه
لكنه كان يفكر لماذا حضر إلى هنا … أنه لم يستطع البقاء في القصر كان يشعر أن القصر يجثم على صدره وكأنه قبر صغير بلا نوافذ أو أبواب ولا يوجد به هواء … إحساسه أن هذا المكان لم يعد مكانه … كان يخنق روحه … ورغم إنها من المفترض أن تكون آخر شخص يلجىء إليها إلا أنه لم يستطع فأخذ مفاتيح سيارته وهاتفه وغادر سريعًا … لم يكن يعي إلى أين سيذهب حتى وقف أمام البناية لم يفكر كثيرًا وصعد إليها … عله يجد معها بعض الراحه أو الهدوء … عله يستطيع أن يغمض عينيه لبضع ساعات براحه
خرج من ذكرياته على صوتها القلق وهي تقول
-أديم أنت كويس؟
رفع حاجبيه وحرك كتفيه عدة مرات … ثم أجلى صوته وقال
-أنا كويس بس القصر هناك بيتجهز علشان كتب كتاب أختي نرمين .. ومش عارف أنام فقولت أجي أقعد هنا شوية
شعرت بالتوتر والقلق … ومن داخل قلبها صوت يهمس بأنه ليس بخير لكنها قالت بأبتسامة مرتعشة
-مبارك .. ربنا يتمم لها على خير
ثم تراجعت خطوه للخلف وقالت بحزن فاليوم لن تستطيع أن تنام في سريرة ولن تستطيع أخذ منامته بين ذراعيها حتى تملىء صدرها برائحته
-طبعًا ده بيتك … وتيجي وقت ما تحب
نظرت في إتجاه المطبخ وقالت
-أنا هنام في المطبخ
ليقطب جبينه وهو يقول بغضب مكتوم فهو لم يعد يحتمل أي شيء
-مطبخ أيه إللي تنامي فيه؟ ما في أوض جوه
وخطى عدة خطوات حتى أصبح في منتصف الصالة … ثم وقف ونظر إليها وقال بألم
-ليه غدرتي بيا يا ونس … أنا كنت شايفك بر أمان … كنت شايفك الراحه بعد كتير من التعب … كنت شايفك البيت إللي مكنش ليا في يوم … ليه غدرتي … ليه … لو تعرفي أنا محتاجك دلوقتي قد أيه؟ لو تعرفي أنا مدمر من جوايا إزاي مكنتيش عملتي إللي أنتِ عملتيه ده أبداً … ومهما قولتي من مبررات هيفضل نفس السؤال … ليه عملتي فيا كده؟ أذيتك في أيه علشان تدبحيني بسكينه تلمه كده؟ ليه؟
وظل سؤاله معلق في الهواء دون إجابه … لكن دموعها كانت تغرق وجهها وتجعلها تريد أن ترتمي بين ذراعيه تعتذر منه … تتوسله أن يغفر لها ذنبها و خطيئتها لكنها تعلم جيدًا أن ذلك الإعتذار لا يفيد بشيء ولن يغير من الآمر شيء بل بالعكس … قد يفتح الجرح من جديد … عندما أعطاها قلبه دون تردد وهي أخذته ووضعته أسفل قدميها ودعست عليه بحذائها دون مبالاه حتى أدمته ظل ينظر إليها والألم يتجلى على ملامحه بوضوح … لكنه تركها ودلف إلى غرفته وأغلق الباب خلفه بالمفتاح … وكأنه يريد أن يخبرها ألا تقترب …
ألقى بأغراضه فوق الطاولة الصغيرة … وخلع الجاكيت وحذائه وألقى بنفسه في وسط السرير يبغى بعض الراحه ….. لكن عطرها كان ينتظره هناك بين وسادته والشرشف
ليغمض عينيه بقوة .. وهو يروي شوقه إليها .. بأستنشاقه عبيرها الذي يسكن ألام روحه وقلبه … ورغم عن كبريائه وكرامته أنحدرت دموعه .. وكأنها شلال لا يتوقف .. وصوت بداخله يقول بألم
“الكل لفظك .. الكل لا يريدك .. الكل لا يراك ..أنت نكره يا أبن الصواف .. نكره”
ويبكي كطفل صغير تائه من أمه في مولد كبير مزدحم … ولا أمل له في أن يجدها أو يعود إلى بيته يومًا ما.
حتى غلب النوم همه .. وأغمضت عينيه رغم أنها لم تتوقف عن البكاء
وبالخارج كانت تجلس ونس على الأريكة هي الأخرى تبكي وكلماته تترد بداخل أذنها ((ليه غدرتي بيا يا ونس … أنا كنت شايفك بر أمان … كنت شايفك الراحه بعد كتير من التعب … كنت شايفك البيت إللي مكنش ليا في يوم … ليه غدرتي … ليه … لو تعرفي أنا محتاجك دلوقتي قد أيه؟ لو تعرفي أنا مدمر من جوايا إزاي مكنتيش عملتي إللي أنتِ عملتيه ده أبداً … ومهما قولتي من مبررات هيفضل نفس السؤال … ليه عملتي فيا كده؟ أذيتك في أيه علشان تدبحيني بسكينه تلمه كده؟ ليه؟))
وظلت هي بينها وبين نفسها تكرر نفس السؤال .. ليه؟ ماذا أستفادت الأن .. لا شهرة ولا مجد ولا ترند .. والشرطة تبحث عنها .. وخسرت القلب الكبير الملقب ب “أديم الصواف” لكن بماذا يفيد كثرة الأسئلة .. وما حدث قد حدث .. ولن يتغير شيء .. وليس بيدها إعادة الزمن والتوقف قبل كل هذا … وظلت هي الأخرى تبكي حتى غلبها النوم على الأريكة.
…………………..
يشعر بغضب شديد أن ما قالته شاهيناز لأديم مؤلم ولا يتحمله أي رجل .. وخاصه أنه قيل أمام الجميع .. أنها لم تهتم للفضيحه أو لجرح الكرامه والرجوله التي سوف تسببه له .. كم هي سيدة أنانية لا تفكر إلا بنفسها فقط .. هل حفاظها على لقب عائلة الصواف يستحق كل هذا الألم التي سببته لنفسها ولبناتها و لأديم .. لماذا أذًا هو من أجل سالي مستعد أن يضحي بأسمه .. وماله وعمره؟ .. لماذا دائماً المظاهر الخداعة وحديث المجتمع عنا هو ما يفرق معنا أكثر ممن نحب حتى وأكثر من أنفسنا
دلفت سالي إلى الغرفة بعد أن أفتقدت وجودة بالأسفل .. هي تعلم أنه لم يتركها إلا بعد أن أطمئن لصعود والدتها إلى الغرفة لكنها أصبحت تشتاق لوجوده .. لا تشعر بالأمان إلا وهي ترى عينيه .. وألا تريد أن تعرف هل نجحت في أختبار اليوم؟ هل أحسنت التصرف ؟ خاصه بعد حديثها مع والدتها
ظلت واقفه في مكانها تتذكر ما حدث بعد أن أنهت حديثها مع دادة مجيدة .. وأتفقا على كل شيء.. أقتربت سالي من والدتها وقالت بهدوء
-مامي من فضلك .. إحنا محتاجين إننا نعمل كل حاجة على الأصول .. نرمين تستحق ده .. حضرتك فكري في الموضوع زي ما ديماً بتفكري فيه أسم الصواف مش عايزين حد يتكلم علينا خصوصاً بعد الأخبار إللى أتنشرت في الجرايد ومواقع التواصل .
نظرت إليها شاهيناز بعيون حزينه لكنها تحمل الكثير من الغضب .. ثم وقفت تنظر إليها وهي تقول
-أنا مبقاش عندي بنات .. وعمري إللي ضاع .. ضاع هدر .. سراج خسرني كرامتي .. وأنتو ضيعتوا كل تعبي ومكنتوش دوى لجروحي … أعملوا إللي أنتوا عايزينه ومتقلقوش أنا هكمل لكم الصورة ولأخر مرة .. ومن بعد جواز نرمين مش عايزة أي حد منكم
وغادرت بعد أن ألقت على نرمين نظرة جعلت دموع الأخيرة تنحدر بحسرة لتضمها سالي إلى صدرها وهي تقول
-متعيطيش أنتِ عروسة ولازم تبقي أسعد بنت في الدنيا
-بنت
قالتها نرمين ببعض السخرية .. لتقول سالي بتأكيد
-أيوة طبعًا وأحلى بنوته في الدنيا
ثم دفعتها حتى تصعد إلى الأعلى وهي تقول
-يلا أطلعي بقى مسكاتك وأملي البانيو كده وأسترخي
أومأت بنعم وصعدت إلى غرفتها وحين ألتفتت إلى الخلف لم تجد حاتم فصعدت إلى غرفتها
عادت من ذكرياتها على لمسة يده لوجنتها وهو يقول
-مالك يا حبيبتي؟
أبتسمت إبتسامة صغيرة وقالت بأستفهام
-أخد كام من عشرة النهاردة
-100 من عشرة … أنتِ النهاردة كنت الأخت الكبيرة إللي نرمين محتاجها .. ودعمتي أديم إللي والدتك ظلمته بدون سبب .
أومأت بنعم وهي تقول
-أنا خايفة عليه جداً ومن ساعة ما دخل الأوضة مخرجش وبجد نفسي أروح أطمن عليه .. بس مش عارفة هيبقى تصرف صح ولا لأ.
ربت على كتفها وهو يسير بجانبها حتى يجلسها على السرير وقال بعد عدة ثوانِ من التفكير
-سِبيه لوحده وبكرة كلنا نطمن عليه
ثم دفعها برفق حتى تذهب إلى الحمام وقال برفق
-خدي دش سريع وتعالي نامي شوية علشان وراكي يوم طويل بكرة
أومأت بنعم ونفذت ما قاله بصمت … وحين غادرت الحمام بهيئتها المهلكة التي تجعل جسده يستجيب لتلك الأنوثة دون أي مجهود منه… تمددت جواره في السرير وهي تقول
-أنا حاسة بتعب جامد أوي في بطني يا حاتم تفتكر من الفول
ليضمها إلى صدره بحنان وقال بمرح
-أكيد يا حبيبتي … الفول ده قاهر للمعدة الرقيقة إللي زي معدتك إللي متعودة على الكرواسون والباتونساليه … والخضار السوتيه.
كانت تنظر إليه بتكشيرة طفولية ليضحك وهو يقول من جديد
-معلش يا قلبي لو فضلت توجعك لحد الصبح نروح للدكتور … ماشي
أومأت بنعم وهي تخبىء وجهها في صدره وهي تقول بصوت ناعس
-تصبح على خير
-وأنتِ أهل الخير يا حبيبتي
أجابها وهو يقبل رأسها وأغمض عينيه مستسلم لسلطان النوم رغم عقله المشغول بأديم
~~~~~~~~~~~~~~
فتح عينيه بتثاقل … وكأنه ينتزع نفسه من أحضان السعادة والراحه بين رائحتها … والتي بسببها كانت هي بطلة أحلامه الوردية طوال الليل … كان يتنعم بين ذراعيها بالحب والراحه والأمان … والأن يفتح عينيه على الواقع المرير … المؤلم … أخد نفس عميق محمل برائحتها وأعتدل جالسًا … يفكر فيما سيقوم به اليوم … عليه اليوم أن يقوم بواجبه نحو أخته وبعد ذلك سوف يبتعد تماماً هو لم يعد له مكان هنا .. لا يريد تلك الحياة المليئه بالأكاذيب والخداع .. لا يريد ما يذكره بمن هو ومن أين أتى أو يعايره أحد مره أخرى بوالدته الذي لا يعرف حتى أسمها .. غادر السرير ومباشرة إلى الحمام .. أخذ حمام ساخن .. فتح الخزانه ليخرج طقم جديد يرتديه من الملابس التي تركها هنا ولم يأخذها معه إلى قصر الصواف
صفف خصلات شعره ووضع العطر وظل ينظر إلى نفسه عبر المرآة لعدة ثوانِ ثم غادر الغرفة . كان قلبه يسابق خطواته حتى يراها ويا ليته لم يفعل .. وجدها نائمة على الأريكة بوضع غير مريح والدموع مازالت فوق وجنتيها وكأنها كانت تبكي في نومها .. لم يعد يحتمل .. لا البقاء جوارها يريح قلبه ولا الإبتعاد عنها يهدء غضبه .. أطلق ساقيه للريح وغادر الشقه . غير منتبه إنها كانت تتابع خطواته المسرعه وتتمنى أن تتشبث بقدميه ترجوه ألا يرحل لكن لم يعد من حقها سوا الدموع فقط ولذلك هي أخذت القرار سوف تذهب اليوم إلى حفل الخطبه .. وتعترف أمام الجميع بخطأها .. أغمضت عيونها لعدة ثوانِ ثم فتحتها والإصرار والثقه مما ستفعل يطل من عينيها بوضح .. سوف ترد له أعتبارة أمام الجميع كما ذبحته أمام الجميع
……………………
لم يعد طارق إلى القصر ولم يعلم حتى الأن ما يحدث هناك .. هو منشغل بالبحث عن ذلك الرجل الذي أتفق معه على تنفيذ الخطة ولكنه لم يجده في أي مكان .. لذلك قرر التنفيذ بنفسه سوف ينتظره في مكانه المعتاد ويتمم ما يريد .. وتلك المرة لن يتراجع أبداً .. سوف ينتهى منه ويعود بقوة حتى يقتنص ما كان له من البداية .. “نرمين” .. أبتسم بأنتصار وثقة ونظر إلى من تغط في نوم عميق بعد حرب قوية بينهم وعاد إليها يضمها إلى صدره وهو يهمس
-تعالي أحقق أنتصار تاني فوق جسمك قبل ما أحقق أنتصاري الكبير في الواقع
وأستجابت هي بكل ذرة في جسدها وروحها
……………………………
قامت سالي بالإعداد للحفل وعلى أكمل وجه بمفردها .. حتى أن أديم حين عاد إلى القصر وجدها تكتب الأسماء على الدعوات .. وترسل بها الحرس الشخصي للقصر .. حتى تصل الدعوات إلى أصحابها في وقت مبكر فيستطيعوا الإستعداد .. رفعت عيونها إليه حين قال
-تعبتي يا سالي
-بالعكس أنا مبسوطة أوي وأنا بجهز فرح نرمين .. مش قادرة أوصفلك يا أديم أحساسي .. خصوصاً وأني بعمل كل حاجة بنفسي
أجابته بأبتسامة واسعه .. ثم رفعت يدها له ببعض الدعوات وقالت
-حاتم راح يوصل لفيصل الدعوات علشان لو عايز يبعت لحد .. وأنت شوف عايز تبعت لمين دعوات
أخذ من يدها الدعوات وظل ينظر إليها لعدة ثوان ثم أبتسم بسخريه وهو يكتشف أن ليس له أحد يرسل له دعوة لكنه أخذ واحدة فقط وأعاد لها الباقي وكتب على الظرف … ” السيد\ همام يزيد المصري” .. ومد يده بها لأحد الحرص وأخبره بعنوان قسم الشرطة وأمره بالذهاب مباشرة دون تأخير
عاد بعينيه إلى أخته التي يظهر على وجهها معالم الألم لكنها تحاول أخفاء الأمر .. فأقترب منها وهو يقول
-سالي مالك؟ إنتِ تعبانه؟
رفعت عيونها له وقالت بألم
-بطني وجعاني أوي من أمبارح .. تقريباً معدتي مستحملتش الفول والطعمية
أبتسم لها بحب أخوي وقال
-هتصل بالصيدليه تبعت ليكي دوى حلو أوي هيريحك جداً
أومأت بنعم .. ليتركها وتحرك في إتجاه السلم لكنه وقف حين سمع همسها بالشكر لينظر إليها بحب وغمز لها بشقاوة … ثم قال بأستفهام
-نرمين فين؟
-في مركز التجميل .. عروسة بقى
أومأ بنعم وصعد إلى غرفته .. تتابعه بعيونها وبداخلها تود أن تركض إليه تضمه بحنان وتربت على قلبه وتعتذر منه على كل هذا الوجع الذي أصبح يسكن عينيه وأثقل روحه.. لكنها عادت تكمل عملها وهي تتذكر كلمات حاتم لها قبل خروجه “بلاش تفتحي مع أديم أي كلام عن إللي حصل أمبارح ..نخلص ليلة نرمين وبعدين نقعد ونتكلم معاه” و ها هي نفذت ما قاله وتجاهلت ما حدث بالأمس وكأنه لم يحدث وساعدها في ذلك أعتكاف والدتها داخل غرفتها منذ الأمس
أنهت ما كنت تفعله وسلمت الدفعه الأخيرة من الدعوات للحارس وتحركت حتى ترى ما قامت به دادة مجيدة وباقي الفتايات .. حتى وصول منظمة الحفل .. والتي لم تتأخر وباشرت في عملها بسرعة وأحتراف هي وكل فريق العمل.
……………………
جلس حاتم أمام فيصل الذي يرتسم على وجهه إبتسامة بلهاء تملئها السعادة جعلته هو الأخر يبتسم وهو يقول
-أيه يا ابني مالك عامل كدة ليه؟
أخذ فيصل نفس عميق وقال بصدق
-إنت عارف الحلم إللي بيتحقق النهاردة ده بقالي كام سنه بحلمه 8سنين .. إنت قادر تفهم أنا حاسس بأيه دلوقتي
أبعد عينيه عنه ونظر إلى الفراغ وأكمل
-أول مرة شوفتها فيها كانت شبه الأطفال .. أول يوم ليها في الجامعة .. وماسكة في أيد أديم كأنه أبوها .. وخايفه يسيب إيدها ويتوه منها في وسط الزحمة .. نظرة عيونها لما عرفها علينا واحنا وقفين كلنا مع بعض وقالها حاتم، وطارق، وفيصل .. لو أنا مش موجود هما موجودين ولو احتجتي أي حاجة تعالي ليهم وأطلبي منهم إللي إنتِ عايزاه .. وقتها حسيت أني محتاج أحضنها .. أحميها أو أخبيها جوايا .. أبعد عينك وعين طارق عنها .. إيدي أنا إللي تبقى حاضنه إيدها مش إيد أديم
أبتسم أبتسامة صغيرة وهو يقول بأقرار
-أنا سافرت علشان أكون نفسي وأرجع معايا فلوس تخليني أقدر أفتح شركة .. وأشتري شقه فخمه علشان خاطرها هي بس .. كنت كل يوم بصلي وأقف بين إيدين ربنا علشان أدعيه يحفظها ليا ولما أرجع ملقيهاش أتجوزت .. أنت متخيل أحساسي .. عايزني أكون عامل أزاي دلوقتي وبعد كام ساعه نرمين هتبقى مراتي .. حلالي هيبقى من حقي أبص في عنيها .. وأمسك أديها .. أحميها من الناس والزمن .. وعمري كله أعيشه ليها يستمع إلى كلماته وهو يشعر بكم المعناه التي عاشها صديقه طوال ثماني سنوات .. ويفكر لماذا دائماً الحب مؤلم .. لماذا علينا دائما أن نشعر بالألم .. أن تبكي قلوبنا وتسجن أرواحنا داخل أروقة صعوبه الحب .. لكنه أبتسم وقال بصوت مسموع
-إللي بيخلي لحبنا قيمة كبيرة جوانا هو كم الألم إللي بنحس بيه علشان نوصل ليه .. كل ندبه بتترسم فوق قلوبنا .. بتكون ذكرى جميلة لما نوصل للحلم
رفع عينيه ينظر إلى صديقة وقال
-نرمين محظوظة بيك يا فيصل .. وأتمنى منك أنك تحافظ عليها فعلاً .. ولو في يوم حسيت أن إللي حصل زمان عبئ فوق قلبك وروحك ورجولتك .. أرجوك متجرحهاش حتى بنظرة .. رجعها لينا من غير
أ-نت أهبل يا حاتم .. بقولك دي دعوة 8 سنين في كل سجدة .. وأنت تقولي تجرحها
لم يدعه يكمل كلماته وقال بصوت قوي أخرس حاتم لكنه جعله يبتسم براحه .. ثم وقف وهو يقول
-ماشي يا عريس .. أنا هروح بقى .. علشان أشوف لو في حاجة ناقصه في القصر وأنت متتأخرش
وربت على كتفه وغادر ترافقه عيون فيصل السعيدة .. وحين أغلق حاتم الباب .. همس فيصل برجاء وتوسل ” اللهم إني أسألك بأسمك الأعظم الذي إذا سألك به أحد اجبته وإذا أستغاثك به أحد أغثته وإذا أستنصرك به أحد أستنصرته أن تيسر كل عسير وتكمل ساعدتي اليوم بزواجي من نرمين وتجعلها قرة عين لي .. وتقر عينها بي .. وترزقنا السعادة والفرح وتجعل بيننا مودة ورحمة .. وترزقنا من فضلك بالذرية الصالحه .. يا ذا الجلال والإكرام”
…………………….
طرقات على باب مكتبه سمحا لصاحبها بالدخول .. ليقدم العسكري التحيه وهو يقول
-في واحد برة من قصر الصواف عايز حضرتك يا فندم
بلهفة قلبه قال
-دخله يا ابني بسرعه
دلف الحارس إلى المكتب وقال
-أديم باشا باعت لحضرتك الدعوة دي
ومد يده بالدعوة ليأخذها همام بلهفه وهو يقول
-طيب شكرًا
ليغادر الحارس دون كلمه أخرى .. وأبتسم همام وهو يقرأ الدعوة ها هي الفرصة تأتي إليه دون مجهود منه .. سوف يراها اليوم .. ولن يضيع الفرصه سوف يتقرب منها دون تردد .. هو قد كسر كل قواعده القديمة .. ولن يعود إليها من جديد .. سوف يحارب حتى نفسه حتى يصل إليها .. حتى الأن لا يعرف سبب تلك الحالة التي تلبسته منذ رأها لكنه أبداً لا يريد أن يتخطاها ويريد أن يظل داخل هذا الإحساس .. إحساس أنه مسحور وفي عالم وردي سعيد
……………………..
في المساء كان قصر الصواف وكأنه نجمة تتلئلئ في السماء بالأضواء التي تشع منه ..وكذلك الموسيقى … كان الجميع يتوافد على القصر ليس فقط من أجل الحضور لحفل زواج نرمين الصواف .. لكن الفضول هو السبب الأول .. الكل يبحث عن هوية العريس .. وأيضا يتسألون عن سبب السرعه والمفاجئة .. لذلك الجميع حضر رغم ضيق الوقت
كان أديم يقف في بداية البهو بحله سوداء مميزة .. تزيد من وسامته وتجعل جميع الفتايات لا يستطيعوا أبعاد عيونهم عنه .. والشباب يشعرون بالغيرة .. كذلك حاتم الذي إنضم إليه بعد أن ترك سالي تكمل أرتداء ملابسها .. وقف بجانب أديم وهو يقول
-حاولت أوصل لطارق ومعرفتش
لينظر إليه أديم بقلق .. وقال بهدوء رغم كل شيء
-أنا مش مرتاح لطارق يا حاتم .. وغيابه ده بيقلقني أكثر من حضوره .. والشك جوايا مش عارف أعمل فيه أيه
رفع حاتم عيونه إليه .. وقال بقلق
-من وقت أخر مرة وكلامه إللي قاله وأنا عندي نفس الشك .. بس قسماً بالله لو طلع إللي بنفكر فيه حقيقة لَخليه عبره لمن يعتبر
أخذ أديم نفس عميق حاول فيه أخماد تلك النيران التي أشتعلت داخل قلبه من التصور والإحتمال .. لكنه شمخ برأسه وهو يستقبل الضيوف الذين يهنئونه .. ويجيب بدبلوماسية على تسألاتهم عن كُنية العريس .. أو سبب السرعة في أتمام الزواج
نزلت شاهيناز دراجات السلم بشموخ كعادتها تحي الجميع بأنف مرفوع .. وتبتسم في وجه كل من يسألها عن العريس .. ولا تجيب
وصلت كاميليا إلى الحفل متألقه في ثوب أحمر ناري مميز أظهر قدها الممشوق وجمالها الخلاب .. وقفت أمام حاتم وأديم وهي تقول
-أنا فرحانه أوي لنرمين .. ألف مبروك يا أديم وعقبالك
مد أديم يده لها وهو يقول بود
-الله يبارك فيكِ يا كاميليا .. أطمن عليكِ الأول
أقترب حاتم خطوة وهو يقول
-أيه الجمال دة .. انتِ كدة جاية تنافسي العروسة ولا أيه؟!
ضحكت بدلال أُنثوي هو جزء من طبيعتها وقالت
-نرمين مفيش حد ينافسها في الجمال .. وبعدين الليله ليلتها ..أنا مليش دعوة
في تلك اللحظة دلف همام وعينيه تبحث عنها هي .. وكأن قلبه كان يشعر بوجودها .. وحين وقع نظره عليها قفز قلبه داخل صدرة دون هواده .. وبأقدام من هلام من تأثير جمالها عليه .. أقترب من مكان وقفوها .. وقدم التهاني لأديم وحاتم .. ثم مد يده لها وهو يقول
-أزيك يأ أنسه كاميليا .. عقبالك قريب أن شاء الله
كان حاتم وأديم يتابعوا ما يحدث بعيون متفحصة وخبيرة .. وحدثهم يخبرهم أن هناك عرس جديد على الأبواب
بخجلها الأنثوي مدت يدها وهي تقول
-الله يبارك فيك … ميرسي
ثم نظرت لحاتم وقالت
-سالي فين؟
-فوق في أوضه نرمين .. أطلعي ليهم
أومأت بنعم وتحركت وهي تقول
-بعد أذنكم
وغادرت المكان ليقول همام مباشرة
-أنا طالب أيد الأنسه كاميليا
ليضحك أديم وحاتم بصوت عالي ليشعر همام ببعض الحرج .. لكن أديم قال بصدق
-أنا عن نفسي معنديش مانع .. بس القرار قرارها … أوعدك بعد الفرح هكلمها في الموضوع
ليبتسم همام بسعادة ليقترب منه حاتم وقال بشر مصطنع
-أوعى تفتكر علشان أنت ظابط أننا مش هنعمل عنك تحريات ونسأل عليك .. اه أحنا بنتنا غالية أوي وإللي هياخدها لازم يكون يستاهلها بجد
أبتسم همام بثقة وقال بثبات
-أسال زي ما تحب .. الحمدلله السيرة طيبه .. والأصل طيب .. والشرف والأمانه هما عنوان حياتي .. ومكنش في حياتي قبلها غير شغلي ومش هيكون بعدها برده غير شغلي
ليقول أديم بمرح
-الكتاب بيبان من عنوانه يا همام باشا .. لكن الأصول أصول .. وده جواز ولازم نسال اه لحسن تكون ظابط كده وكده
ليضحك الجميع بمرح
لينتبه الجميع لبعض الهرج حين حضر فيصل ومعه بعض من أقاربه .. وسبب الهرج هو ترحيب أديم وحاتم به على طريقتهم أيام الجامعة .. وبعد ثوانِ صدحت موسيقى ناعمة تدل على وصول العروس ليقف الجميع ينظر إلى تلك الملاك التي تقف أعلى السلم بفستان من الستان يلف جسدها بشكل مميز يظهر جمالها ورقتها دون مبالغه وجوارها سالي التي ترتدي فستان ذهبي يشبه خصلاتها التي تجعل قلب حاتم يقفز من مكانه بعشق يتجدد كل لحظة لتلك الرقيقة التي تزهله كل يوم أكثر من اليوم الذي يسبقة … ومن الجهه الأخرى تقف كاميليا برقتها وأنوثتها الطاغية في عيون همام .. والذي لم يستطع رفع عينيه عنها
ليصعد أديم سريعاً درجات السلم ووقف جوراها بعد أن قبل جبينها وقال بحب أخوي
-مبارك يا حبيبتي .. ربنا يسعدك .. حطي فيصل في عينك لأنه يستاهل
أومأت بنعم ليرفع لها ذراعه لتضع يدها عليه وبدأت في نزول السلم بهدوء .. وهي ترسم أبتسامة رقيقة .. أرتسمت حين وقعت عيونها على فيصل الذي ينظر إليها وكأنها كل نساء الأرض وحين وصلوا أمامه ضمه أديم بقوة وهو يقول
-نرمين أمانه في رقبتك يا فيصل ويوم ما تزعلها هطيرها
ضرب فيصل على رقبته وصدره وهو يقول
-بعمري وحياتي ودمي يا صاحبي .. أختك في عيني وفوق راسي
ليربت أديم على كتفه بتشجيع لينظر إليها فيصل ومد يده أمامها لتضع يدها في حضن يده لينحني بحب يقبل ظهر يدها ثم باطنها وهو يقول
-مبروك عليا السعادة والفرح وكل الخير .. يا حب عمري
لمعت عينيها بدموع السعادة .. ليقترب وقبل جبينها وأكمل قائلاً
-أوعدك من النهاردة مفيش دموع .. إلا دموع الفرح
وسار بها حتى وصل إلى منتصف البهو الخالي تماما أمام أنظار الجميع وخلفهم سالي تتأبط ذراع حاتم وجوارهم أديم وكاميليا وخلفهم همام .. والجميع منهم المنبهر .. ومنهم المصدوم .. ومنهم الحاقد .. ومنهم من لم يستوعب بعد كل تلك الصدمات .. لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن هيناً أبداً لكن لم يستطع أديم وحاتم إلا ان يشاركوا فيه .. وسالي التي رغم شعورها بالصدمة إلا أنها كانت سعيدة جداً .. وكاميليا كانت لا تصدق ما يحدث داخل قصر الصواف العريق أرتسمت الصدمة على وجه شاهيناز حين أشار أديم لمشغل الموسيقى الذي أومأ بنعم وبعدها صدحت نغمات شعبية لحكيم ((بحبك بحبك .. بحبك بحبك))
وبدء فيصل في الحركات الرقصة الشعبية
((الليله ليلتك يا معلم .. يلا بقى يا قلبى أتعلم الليله ليلتك يا معلم أتعلم يا قلبى تحب .. ده إللي مبيعرفش يحب ويشوف جماله ده هيتعلم))
كان فيصل يشير إلى نرمين وهو يردد كلمات الأغنيه ويحرك كتفيه بحركاته المميزة الذي زادته وسامة في عيونها .. وجعلتها هي الأخرى تتمايل معه في محاوله لتقليد حركاته
((يلا قوله على إللي فيها .. كل حاجه قوله عليها يلا قوله متخبيش .. وان رضي رضي مرضيش مرضيش المهم أن أنت تقوله ))
كان حاتم وأديم يرقصون كما فيصل وشاركهم الرقص همام .. حتى أن بعض الشباب الذي في الحفل شارك معهم في تلك الرقصه التي من وجه نظر البعض ضرب من الجنون
((قوله وأنا عيني شايفه عنيه .. بيوحشنى أوي أبن الأيه بحبه … هو وفى قلبى جوه .. ده حبيبى هو أنشاالله حتى ميحبنيش .. أحبه تاني ..تاااااني .. اه منه ياني .. يااااني لو غاب ثواني ياني .. ومشوفتهوش مبعرش أعيش قوله قوله قوله .. لازم أروح أقول على كله بما أنه مفيش منه .. مبعرفش أبعد عنه جماله مش زي العادي .. لما بيعدي قصادي أنا بنسى الكلام كله بحبك بحبك .. بحبك بحبك مليش غيره ده من غيره .. حالتي متبقاش تمام ده أدى كله لازم أقوله .. ده أنا مبعرفش أنام وكل إللي أنا شايله فى قلبي .. لازم أروحله وأقوله عليه))
أنتهت الأغنيه ووقف الجميع بين ضحك وسعادة لتعود الموسيقى الهادئة مرى أخرى وبدء فيصل ونرمين بتمايل عليها بأرستقراطية .. جعلت بعض التوازن يعود إلى شاهيناز التي كادت أن تصاب بنوبه قلبيه مما يحدث أمامها
بعد عدة دقائق كانت نرمين وفيصل بين الغيوم الورديه يحلقون في سعادة وفرح .. أقترب أديم منهم وقال
-نكتب الكتاب الأول يا حلوين
أومأت نرمين بسعادة وقال فيصل
-ياريت بقى لقد هرمت من أجل تلك اللحظة
ليضحك الجميع على ذلك العريس العاشق .. وجلس أديم في إحدى الجهات جوار المأذون ومن الجهه الأخرى جلس فيصل وجواره نرمين وبدء مراسم عقد القران وحين قال الشيخ
-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكم في خير
وقف فيصل سريعاً يضم نرمين بقوة وهو يقول
-وأخيراً وأخيراً يا حب عمري يا كل دنيتي
كان الجميع يتابعهم بين نظرات محبه ودعوات صادقه وبين حقد وكره .. وبين لا مبالاه
لكن الصمت خيم على المكان فجأة … حين أقتربت فتاه مميزة الشكل بشعر غجري وملابس راقيه لكنها لا تناسب المناسبه التي تقف في منتصفها … قطب أديم حاجبية وهو ينظر إلى ونس تقف أمام مشغل الموسيقي تمسك بالميكرفون .. وهي تقول
-بعتذر عن مقاطعتي للحفله ومبروك طبعاً للعروسين لكن عندي كلام مهم لازم أقوله .. وعلشان كده أنا جيت النهاردة
تحرك أديم ليقترب منها يمنعها مما تفعل لكنها أشارت له بيدها وهي تقول
-خليك مكانك يا أديم أنا أخدت قراري ومش هرجع فيه … أنت تستحق رد الإعتبار ده .. ودي أقل حاجه أقدر أقدمها ليك .. قبل ما أسلم نفسي للبوليس
كان الجميع ينظر إليها بصدمة بين من يعرف تلك الفتاة جيداً ويشعر بالكره تجاهها .. وبين من لا يفهم كل ما يحدث .. لكن تحفزت كل خليه في همام حين قالت جملتها الأخيرة … لتكمل كلماتها بهدوء
-أنا ونس .. الصحفية إللي كتبت الخبر الكاذب عن عيلة الصواف .. وعن حقيقة نسب أديم الصواف .. أنا ونس إللي مثلت دور البنت الغلبانه إللي محتاجة شغل ومساعدة علشان تدخل بيت أديم ..وتكشف أسراره .. من غير ما تهتم بمشاعره الإنسانيه .. وأنه أنسان بكل ما تحمل الكلمة من معنى .. فضلت أتمسكن علشان أكسب تعاطفه معايا خصوصاً بعد ما أكتشفت طيبه قلبه .. وأنه عكس تماما ما كنت متخيلاه شاب متعجرف ومغرور .. لكن الحقيقة كانت صدمة .. لاقيت شاب متواضع بسيط .. وعنده حنيه قلب ورحمة مشفتهاش في حد .. لكن شيطاني فضل يوزني وغروري الصحفي والتريند يزينوا ليا لحظة نزول الخبر إللي هيخلي الكل يشاور عليا ويقول دي إللي كشفت حقيقة أديم الصواف .. مختش بالي وقتها أنه حبني وشاف فيها باب أمل وونس حقيقي يشبه أسمي إللي مستحقوش .. ومخدتش بالي برضو أن قلبي سلم كل حصونه ليه من غير قيد أو شرط لكن غروري برده رفض يعترف بمشاعري دي .. وأرتكبت الغلط إللي مينفعش معاه لا رحمه ولا شفقة
صمتت ثواني لكن دموعها لم تتوقف .. ظلت تنهمر على وجنتيها وهي تنظر إليه بأعتذار .. وكان هو ينظر إليها بنظره لم تستطع تفسيرها هل هي لوم وعتاب؟ أم غضب؟ لكنها أكملت كلماتها
-أنا جاية النهاردة علشان أعتذر عن الغلط إللي إرتكبته في حقك يا أديم .. وفي حق عيلة الصواف .. كل إللي كتبته كذب وملوش أي أساس من الحقيقة .. أنا ونس الصحفية الهربانه بعترف قدام الجميع أني كذبت ولفقت الحقايق .. علشان أكسب تريند وشهرة .. أنا أسفه يا أديم رغم أن الإعتذار مش هيغير حاجة من حقيقة جرحي ليك .. ولا هيداوي كسرة قلبك .. وأحساسك بالخذلان
تركت الميكرفون لمشغل الموسيقى وأقتربت منه حتى أصبحت أمامه مباشرة وقالت بصوت ضعيف من أثر البكاء
-أنا كما حبيتك يا أديم .. أنا كما خذلت نفسي .. أنا دلوقتي بتألم جربت شعورك وأحساسك .. عارفه أن كلمة أسفه مش هتغير حاجة .. لكن أنا أسفه .. ولو بأيدي أرجع الزمن والله ما كنت عملت كده … أنا عرفت دلوقتي .. بعني أيه جنة قربك وحبك .. ويعني سقر عشقك .. وجحيم فراقك .. أنت فضلت جنتل مان حتى في خصومتك معايا ولو تعرف ده وجعني قد أيه
كان الألم يرتسم على ملامح أديم وهو لا يستطيع قول شيء أمام كل ما تقوم به الأن .. لكنها أقتربت منه أكثر وهمست جوار أذنه
-أنا بحبك يا أديم .. بجبك أوي
وأبتعدت تنظر إلى عينيه التي تلمع بها الدموع .. كما دموعها .. لكن صوت تصفيق جعل الجميع يلتفت إلى مصدره ليجدوا طارق يقف عن باب البهو ينظر إلى الجميع بشر .. خاصه فيصل الذي يحاوط خصر نرمين بتملك .. لتشتعل نيران الغيرة والتملك في عينيه
جعلت الجميع يشعر بالصدمة .. إن هذا اليوم الذي بدء مميز ومليء بالفرحه إلى يوم مليئ بالمفاجئات والصدمات
-ما شاء الله ده فيه فرح هنا فعلاً .. وفي كمان ناس بتحب وتتحب وإعتذرات من القلب
أقترب حاتم خطوه وهو يقول
-في أيه يا طارق ؟ أيه الداخله دي؟
لينظر إليه طارق وهو يقول بأستهزاء
-داخلة أيه .. ده لسه الداخله جايه يا حاتم باشا أصبر بس
تحرك أديم خطوه لكن أخراج طارق لمسدسه جعله يعود للخلف وأوقف ونس خلف ظهره وركض حاتم يحمي سالي التي تشبثت بقميصه بخوف .. ونفس الموقف قام به فيصل الذي تصدر المشهد جوار أديم وحاتم .. وخلفه نرمين
أقترب همام عده خطوات لم يلاحظها طارق .. لكن مع أخر خطوه إنتبه له فأخرج مسدس أخر ووجهه في أتجاه وقال
-أقف مكانك وبلاش تخليني أزعل منك .. متعملش ناصح
وقف همام مكانه لكنه بدون أيرادة منه مد يده يسحب كاميليا حتى تقف خلفه والتي أستجابت له من كثرة الخوف
-أيه إللي أنت بتعمله ده يا طارق أعقل
قال أديم بغضب ليضحك طارق بصوت عالي وهو يقول
-أعقل .. هو أنتوا خليتوا فيا عقل .. يعني أنا زمان أغتصبها علشان تكون ليا .. ودلوقتي إسمه أيه ده يخدها مني .. عايزني أزاي أفضل بعقلي
لتعلوا الشهقات وأرتسمت الصدمه على وجه الجميع وأنحدرت دموع نرمين التي عادت إليها ذكريات ذلك اليوم وذلك الصوت البغيض الذي كان يخبرها أنها أصبحت ملكه الأن وأنها أصبحت دميته .. أنتفخت أوداج فيصل من الغضب وتحرك خطوه واحده ليطلق طارق رصاصه في الهواء وهو يقول
-أقف مكانك يا عريس .. وبلاش تتهور .. هو أنت كده كده ميت لكن أصبر شويه لسه في كلام كتير لازم تسمعه … صحيح هي بقت مراتك بس أنا إللي قطفت أول قطفه .. ومش قادر أقولك كانت طعمه أزاي
صرخ الثلاث رجال في صوت واحد وكأنهم أسود عملاقه حبيسة أقفاص حديدية .. ليضحك طارق بصوت عالي وهو يقول
-أهدوا شويه .. متقلقوش محدش فيكم هيعيش علشان يقدر ينتقم أنا نويت أخلص منكم كلكم … وتركة الصواف كلها تبقى ليا .. لوحدي .. أبقى أنا إمبراطور عيلة الصواف .. مش الجبان إللي إسمه أديم
تحركت كاميليا خطوه واحده من خلف همام وقالت
-أيه إللي أنت بتعمله ده يا طارق أرجع لعقلك .. هو أنت بعد إللي أنت بتعمله ده هيكون مصيرك حاجه تانيه غير السجن
ليطلق مره أخرى طلقه مرت من جوارها وأستقرت في أحدى المزهريات التي تحولت إلى قطع صغيرة جداً لتصرخ بخوف وتعالت الصرخات والشهقات المصدومة .. ليقول همام بغضب
-إللي أنت بتعمله ده مش هيفيدك بحاجه يا طارق .. أنا بعدت رساله للشرطة وفي دقايق هيكونوا هنا
-يبقا أخلص إللي أنا جاي علشانه
ورفع سلاحه وبدء في الضرب حتى أنتهت طلقاته .. وسقطت تلك الأجساد التي طالتها الرصاصات .. والتي كانت مقصودة .. وأيضا أجساد لم يكن لها ذنب سوا إنها تحب
كان الموقف صعب تخيله ووصفه والجميع يشعر بالخوف والتجمد أيضاً فلم يستطع أي شخص التحرك وأخذ أي موقف أمام جنون طارق خوفاً من تهوره وأصابة أي شخص .. لكن الغضب بالفعل قد أعماه وأنتفض الجميع حين بدء طارق في أطلاق النار بعشوائية ..وبدأ الرجال في حماية النساء قدر أستطاعتهم .. وأخذ ساتر وأرتفعت الأصوات تصم الأذان بصرخات الخوف والهلع تخبر العالم أجمع أن هناك خساره كبيرة تحدث خاصه وأن طلقات طارق كانت تعرف جيداً من تصيب .. حاول حاتم أن يحمي سالي لكن حركته كانت غير موفقه فحين ألتفت حتى يحميها بين ذراعيه .. وصلت إليها أحدى الطلقات لتصرخ من الألم وصرخ هو الأخر بخوف ورعب بأسمها وجحظت عينيه وهو يرى الدماء تغرق ثوبها ليضمها إلى صدره وهو يصرخ بأسمها دون توقف لكن الموقف بأكمله كان عبثي .. فالطلقات كانت كثيرة وصوت الصرخات عاليه كذلك نرمين وكاميليا فأصوات صرخاتهم كانت مليئه بخوف ينفطر له القلب .. أما ونس فكانت تضم أديم بذراعيها وكأنها تحاول إبعاد الطلقات عنه .. لكن حين أنتهى الأمر بأنتهاء الطلقات من مسدسات طارق أكتشف حاتم أن تلك الطلقات أصابت أيضا أديم الساقط أرضا ورأسه على قدم ونس التي يغطيها الدماء وأسفله بركة دماء كبيرة ولا يصدر عنه أي حركة .. وكذلك فيصل الذي كان ممداً أرضا جوار نرمين الشاخصه ببصرها في الفراغ والدموع تغرق عينيها .. لكن الذي كان أسرع من الجميع في أستعادة وعيه ورباطة جئشه هو همام الذي أقترب سريعاً من طارق وكيِّل له اللكمات .. حتى سقط أرضاً لينزع همام حزام بنطاله وقيد يد طارق بها خلف ظهره وكذلك نزع حزام بنطال طارق وقيد قدمية .. وأخرج هاتفه يطلب الدعم من الشرطة وسيارات أسعاف فالاصابات كثيرة .. لكن كل هذا حدث بعد أن أطمئن أن كاميليا بخير
كان المشهد عبثي لدرجة عدم التصديق فبدء جميع الموجودين في الخروج من قصر الصواف بسرعه وخوف ورغبه في النجاه بأرواحهم .. وكانت شاهيناز تقف في إحدى الأركان تنظر لكل ما حدث بعيون جاحظة غير مستوعبه وهي ترى كم الدماء التي تُغرق الأرض والأجساد لتسقط بعدها فاقدة للوعي .. كيف كان اليوم مليئ بالسعادة والفرح .. والرقص وتحول إلى فضيحه مدوية وكارثه لا وصف لها .. والخسائر لا أحد يستطيع وصفها .. نظرات الجميع تحمل دموع وخوف .. وخسارة .. وكأن ما مروا به قديماً لم يكن شيء حتى تؤلمهم الحياة بتلك الطريقة
كان حاتم ينظر إلى الجميع بصدمه وقلة حيله وبين يديه سالي التي قد غابت عن الوعي
……………………….
وصل الجميع إلى المستشفى بين مصاب وبين المصدوم .. دخلت سالي وأديم وفيصل إلى غرفة العمليات مباشرة .. ونرمين أخذها الأطباء فقد كانت في حالة صدمة عصبية وأنهيار رغم صمتها وكذلك شاهيناز التي لم تستجيب لإفاقة المسعفين لها .. أما ونس فكانت تبكي بصمت .. لاحظه الجميع لكن ما لفت إنتباه حاتم هي كلماتها التي تقولها لنفسها منذ سقط أديم مصاب بمعظم طلقات طارق وكأنه كان يقصده هو بالتحديد . . ولم يكن يعرف ماذا يشعر تجاهها .. هل يشعر بالشفقه أم بالغضب؟ خاصة وهي لم تترك أديم لحظه وكانت معه في سيارة الإسعاف.
أقترب منها خطوه واحدة ليتضح له همسها وعيونها معلقه بباب غرفة العمليات المغلق “أنت قولتلي أنك زي ما كان نفسك تدوقني نعيم حبك .. وتعيشني في جنة عشقك .. هتوريني سقر عشقك .. وجحيم فراقك .. بس بلاش يكون الفراق ده يا أديم .. بلاش ”
أغمض عينيه بقوه فهو يشعر بالعجز .. حبيبته وصديقه وأبن عمه الثلاثه في غرفة العمليات .. ونرمين في حالة صدمة بعد ما تم كشفه اليوم و أمام الجميع .. فضيحه مدوية لا يعلم كيف ستتعامل معها نرمين وتواجه المجتمع .. وكذلك فيصل .. لكن ليطمئن عليهم أولاً وبعدها لكل حادث حديث .. طارق هو من أغتصبها يا له من حقير يستحق الذبح دون رحمه .. كيف لم ينتبه أي منهم لتلك الحقيقة .. أختفاء الحارس .. وسهولة الأمر ..أصرار طارق على الزواج منها رغم كل شيء ورغم ذلك كان متعدد العلاقات .. كيف أستطاع أنتهاك حرمة أبنة عمه بتلك السهولة وبدم بارد .. كيف لم يفكر أي منهم في إحتمالية أن من فعل بها هذا الشيء هو من دمائها .. أحد الأشخاص المفترض أن يكون حامي لها .. أقترب من باب غرفة العمليات ووقف ينظر من تلك النافذة الصغيرة يحاول أن يرى أي شيء .. يريد أن يطمئن .. قلبه يتمزق من الخوف .. مرت ساعات وساعات ولم يخرج أحد من غرفة العمليات يطمئنهم .. والإنتظار في تلك الأوقات قاتل لو تعلمون .. تمر الثوانِ وكأنها سنوات .. وبالداخل أغلى الناس .. وخسارتهم بخسارة الحياة .. ومع مرور الدقائق يزداد الخوف .. خرج حاتم عن طوره وصرخ بصوت عالي يطالب أن يخرج أحد ويخبره بما يحدث بالداخل .. ليتجمع بعض الأطباء وحاولوا السيطره على حاتم .. لكن التوتر والقلق وصل إلى أشده على الجميع .. وكانت ونس تتابع ما يحدث وهي تتمتم بالكلمات منذ وصولها .. وكاميليا تجلس على إحدى الكراسي لا تعرف ماذا عليها أن تفعل الأن .. أخيها دمر الجميع .. لم يترك لها أحد .. أغلق لها أبواب الرحمة من الجميع .. أذا حدث شيء لأي منهم كيف ستواجه باقي العائلة .. كيف ترفع عيونها في وجه أديم الذي وقف بجانبها وساعدها وأحترمها .. كيف تتعامل مع فيصل وتعمل معه بعد معرفة حقيقة ما قام به أخوها مع نرمين .. وسالي كيف تتوقع أن يساعدها حاتم أو يشفق عليها إذا خسر زوجته .. كانت تنحدر دموعها بصمت ليقترب منها همام وجلس بجانبها وقال
-أنا حاسس بيكي .. لكن من معرفتي الصغيرة بأديم وحاتم محدش فيهم هيشيلك ذنب أخوكي
لم يظهر عليها أنها أستمعت إليه .. ليشعر بألم حاد داخل قلبه .. لكن ذلك الألم لم يكن شيء بجانب الألم الذي يشعر به الأن من أثر كلماتها
-طارق قفل أبواب الرحمه كلها في وشي .. وبعدني عن عيلتي .. حتى لو هما بكرم أخلاق ميحملونيش تمن غلطه أخويا .. لكن أنا أزاي ممكن أتعامل مع نرمين وجوزها بعد إللي عمله أخويا فيها .. والدم بقى في بينا دم .. أنا مبقاش ليا حد خلاص .. ولا بقى ليا مكان بينهم أصلاً.
لم يستطع قول أي شيء .. فهو من لا يعرف أبعاد القصه بالكامل .. لكن مجرد تخيل أن طارق قد أغتصب إبنة عمه تجعل الدماء تفور في عروقه ويشتعل الغضب به .. فما بال أخوها. وزوج نرمين.
عاد حاتم يصرخ من جديد حتى يطمئنه أحد عن من بداخل غرفة العمليات منذ ساعات ..
وبعد دقائق فتح الباب ليخيم الصمت على الجميع وركض همام يقف جوار حاتم الذي كان في حاله يرثى لها وقفت الممرضه تقول بهدوء
-الحاله هتتنقل العناية .. والحمدلله قدر الدكتور يخرج الرصاصه
-راجل ولا ست
سأل حاتم بقلق وخوف .. لتجيبه الممرضه وهي تعود إلى الداخل
-راجل
ليردد خلفها بشرود
-راجل يعني أديم ولا فيصل .. طيب وسالي
رفع يديه يجذب خصلات شعره بقوه .. لكن همس ونس جعله يشهق بصدمه
-أديم أخد أكثر من خمس طلقات .. حسيت بيهم طلقه طلقه وكأنهم دخلوا جسمي أنا
لم يستطع أي من الرجلين النطق بكلمه .. وهم يتخيلوا المنظر .. فتح باب غرفة العمليات مره أخرى وخرج الطبيب ليقترب منه حاتم سريعاً وهو يقول
-أنتوا قرايب المدام إلى في العمليات؟
-سالي أيوه مراتي
قال حاتم بلهفه وخوف ليقول الطبيب بحزن واضح
-المدام أخدت طلقه في البطن .. وللأسف كانت حامل .. أحنى قدرنا نخرج الرصاصه لكن للأسف مقدرناش ننقذ الجنين
ترنح حاتم في وقفته ليدعمه همام سريعاً قبل أن يسقط أرضاً وشهقت كاميليا بصوت عالي .. وأغمضت ونس عينيها بقوه … ورغماً عنه أنحدرت دموعه وهو يقول
-إنا لله وإنا إليه راجعون .. لله ما أعطى ولله ما أخذ
ثم نظر إلى الطبيب وقال بصوت ضعيف
-المهم سالي .. طمني عليها
ليأخذ الطبيب نفساً عميقاً وهو يقول بتوضيح
-للأسف الحاله مش مستقره وممكن بسبب المضاعفات نضطر نشيل الرحم لكن لحد دلوقتي أحنا بنحاول أن الأمر يعدي على خير وكفايه الخساير إللي حصلت
ليغمض عينيه من جديد بقوة .. وتحرك حتى يجلس على أقرب كرسي ليكمل الطبيب كلماته
-هي هتتنقل العناية دلوقتي .. وان شاء الله خير .. بعد إذنكم
وعاد إلى الداخل من جديد .. لتهمس كاميليا لكن بصوت وصل إلى الجميع
-دم جديد في رقبتك يا طارق .. دم جديد
لم يستطع أن يعلق على كلماتها فماذا سيقال في موقف كهذا .. مرت عدة ساعات أخرى صعد خلالها حاتم إلى غرفة الرعاية وأطمئن على وضع فيصل وسالي .. وذهب أيضاً ليعرف ماذا حدث مع نرمين وشاهيناز .. وقال الطبيب له موضحاً
-مدام نرمين في حالة أنهيار عصبي حاد .. هي دلوقتي نايمة بسبب المهدئات .. لكن مدام شاهيناز عندها صدمه عصبيه وعقلها الباطن هو إللي فارض عليها حاله النوم دي .. هي إللي رافضه تصحى
ماذا ينتظرهم بعد كل هذا .. هل هناك ما هو أصعب من ذلك وأقسى؟ أهل أكتفى القدر السيء منهم أم مازال هناك ألم لم يتذوقوه
عاد حاتم إلى مكان غرفة العمليات ووقف أمام همام يسأله
-لسه مفيش أخبار؟
هز همام رأسه بلا .. ليلقي حاتم نظره لكاميليا التي تنظر أرضاً .. لكنه لم يكن في وضع يجعله يشعر بشيء أو يفكر في أحد .. ليطمئن على أديم الذي مازال داخل غرفة العمليات رغم مرور أكثر من ست ساعات
وقف أمام ونس التي مازالت على جلستها منذ حضورهم إلى المستشفى .. تلاقت عيونهم لثوانِ قليله لكنه لم يحتمل نظرتها التي تخبره بشيء يرفضه تماماً
بعد مرور نصف ساعه أخرى فتح الباب وخرج الطبيب وجه غير مفسر .. لتقف ونس وأقتربت منه وقالت قبل حاتم
-أديم كويس؟
ظل الطبيب صامت ينظر إلى الوجوه التي تتوسله أن يطمئنهم .. .. فرك ذقنه وهو يقول
-أنا أسف .. البقاء لله
صمت كل ما تلقاه هو الصمت وكأنه لم يقل شيء ولم يسمعه أحد .. وبعد مرور دقيقه قال حاتم
-أديم كويس مش كده
ظل الطبيب صامت لا يجد كلمات يقولها .. ليمسك حاتم مقدمه قميصه وهو يقول بصوت عالي
-أديم كويس .. وأتنقل العنايه مش كدة .. أنطق
-أنا أسف والله إحنا عملنا إللي علينا لكن الحالة كانت مصابه بخمس طلقات نارية ..كان صعب أنقاذه لكن إحنا حاولنا نعمل إللي علينا .. أنا أسف ربنا يصبركم
لتصرخ ونس بصوت عالي
-لاااااااااااااااااااااا أدييييييييييييييييييييييم لاااااااااااااااا ..ااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه أديييييييييييييييييييم
تراجعت كاميليا عدة خطوات إلى الخلف وهي تقول
-لا لا مش ممكن .. أديم لا .. أديم لا .. لا .. لا يا طارق لا .. مش أديم لا ميستحقش منك كده لا .. حرااااام … حرام
سقط حاتم أرضاً على ركبتيه ينظر إلى الباب المغلق أمامه دموعه تغرق عينيه .. يبكي بصمت .. لكن قلبه يصرخ .. يصرخ بحصره فقدان أخ وصديق .. سند كان يوم كبير العائلة .. الداعم للجميع .. الأخ الذي لم يأتي به أباه وأمه .
عقله يرفض تصديق ما يحدث .. فلم يعد يحتمل صوت الصراخ من حوله
ليقف وأقتحم الغرفة يبحث عنه .. سوف يتحدث معه .. يخبره أن يعود أن الجميع بحاجه له .. حين وقعت عينيه على جسد ممدد فوق السرير مغطى بشرشر أبيض بغيض مليئ بالدماء .. ركض إليه يرفع الغطاء عن وجهه ويدفع جسده بقوه وهو يقول والدموع لا تتوقف عن الهطول
-قوم يا أديم .. قوم .. قوم بلاش هزار تقيل قووووم .. قوم يا أديم بقولك .. قوم علشان ننتقم من طارق .. علشان ناخد تار نرمين منه … علشان نربيه من أول وجديد .. طيب قوم علشان خاطر ونس .. ونس بره بتصرخ سامعها يا أديم سامعها
وعاد يهز جسده بقوه وهو يقول
-قوم يا صاحبي مش هقدر أعيش من غيرك .. هعمل أيه من بعدك .. سالى ونرمين وطنط شاهيناز .. طيب المؤسسة .. أديم قوووووم .. قوم يا أديم
لم تعد قدماه تحملانه ليسقط أرضاً وهو يبكي
-اااااااااااااااااااااه يا وجع القلب .. وجع قلبي عليك يا صاحبي .. يوجع قلبي عليك
طان همام يقف عند الباب ينظر الي حاتم بشفقه ودموعه تسيل من عينيه دون توقف .. والأطباء يبكون من هول ما يرونه أمامهم
وكأن الألم لا يريد أن ينتهي دلفت ونس تسير بصمت رغم أن شهقاتها عاليه ودموعها تغرق وجهها .. أقتربت من السرير ووقفت أمامه تنظر إلى وجه أديم الذي أصبح خالي من الحياة .. والدماء التي تغطي جسده والجروح الظاهرة لعيونها وقالت
-هو ده إنتقامك مني يا أديم .. هو ده عقابك أنك تسيب ليا الدنيا الغدارة دي وتمشي .. هو ده الجحيم إللي وعدتني بيه .. قوم .. قوم موتني أنا بأيدك .. أنا موافقه .. أنا راضيه بالسجن أنا راضيه ببعدك عني وأشوفك بتتجوز غيري .. لكن تبقى موجود و أشوفك حتى لو من بعيد .
مدت يدها تهز قدمه بقوة .. وتضربه عليها وهي تقول
-قوم .. يلا قوم بلاش تمثيل .. خلاص وجعت قلبي أوي .. أوي وجعتني أوي العقاب ده صعب أوي يا أديم قوم بقى .. قووووم .. قووووم
وأنفجرت في البكاء من جديد … أقتربت كاميليا منه تنظر إلى ملامحه المحببه .. وقالت بصمت مختنق
-عمرك ما أذيت حد … عمرك ما فكرت تجرح حد .. حتى لما محبتنيش عمرك ما جرحتني .. أديم أنا أسفه .. أسفه على إللي عملوا طارق .. والله لو كنت أعرف كنت قتلته بأيدي .. أديم
لم تستطع أن تكمل كلماتها فالغصه التي بحلقها مؤلمه حد الموت كما هي لدى حاتم وونس
((يا وجع القلب يا دنيا و واخذة مني كثير وسايبة لي جرح وجعه كبير أشوف وشك خلاص على خير يا فرحة في قلبي مكسورة يا حلم حلمته وما طولتوش كلام جوايا ما نطقتوش يا بر أمان وما وصلتوش حياتي ع الهم مجبورة وزيد ع الهم هم كمان وع الدمعة بحور أحزان أنا فيَّ ما عادش مكان يتحمل فراق غاليين يا وجع القلب ملازمني وقاطم ظهري وكاسرني في مين في الحزن يقاسمني يشيل عني اللي حاسس بيه يا واخذ مني أغلى الناس وكاسر فيَّ أنا الإحساس هموم الدنيا لو تتقاس هتبقى أقل من اللي أنا فيه يا وجع القلب إيه مالك ما فيش غيري يعني قدامك عليّ حلفت حلفانك ما شوفش الراحة لو ليومين))
……………
لم يكن حاتم في حاله تسمح له بعمل الأجرائات اللازمه .. وأخر شيء يستطيع تقديمه لصديقه .. لذلك قام همام بكل شيء .. أبلغ الشرطة بما حدث .. وبالتهمه الجديدة .. وطلب سرعة أرسال الطب الشرعي حتى يتم الدفن .. وسأل أيضا عن سير التحقيق مع طارق .. وصدم حين عرف أنه أعترف بكل شيء .. لكنه شعر ببعض الراحه فهكذا سينال أقصى عقوبه .. وهو لن يتخاذل عن تقديم كل الأدله
نظر إلى حاتم الذي يجلس صامت … بعد سقوط ونس مغشي عليها بعد كل ما حدث والطبيب أخبرهم أنها في حالة أنهيار حاده .. وتم وضعها في غرفه أخرى جوار غرفة نرمين وشاهيناز .. وكاميليا لا يعلم أين أختفت من بعد حديثها لأديم و إنشغالهم مع ونس حين عاد إليها لم يجدها ولا يعلم ماذا عليه أن يفعل؟ يذهب للبحث عنها .. أم يظل جوار حاتم الذي يشعر بالخوف الشديد عليه
أقترب من مكان جلوسه أمام غرفة الرعاية التي تضم زوجته .. وجلس جواره لعدة لحظات صامت ثم قال
-حاتم تعالى أرتاح شويه .. أنت محتاج ترتاح علشان تقدر تواصل للي جاي
لم يرد عليه .. وكأنه لم يستمع إليه من الأساس .. ليقول من جديد
-أديم مش هيدفن قبل بكره الصبح .. لسه الطب الشرعي
-هيتشرح
قاطعه حاتم قائلاً بصدمه … ليصمت همام غير قادر على الإجابة بالنفي أو بالإيجاب ليصرخ فيه حاتم من جديد
-مش كافيه الخمس رصاصات إلى في جسمه والجروح .. كمان تشريح حرام عليكم حرام
نفخ همام الهواء من صدره وقال
-لازم تقرير الصفحه التشريحيه في القضيه يا حاتم علشان المحكمه تاخد بيه .. ويتحكم على طارق بأشد عقوبه
ظهر الغضب جلياً على ملامح حاتم الذي ظل صامت تتأرجح مشاعره بين غضب شديد وحصره .. وألم .. وخوف من فقدان جديد .. أنه من شدة المصائب لم يستطع الحزن على طفله الذي خسره .. ولم يستطع أمام حزنه على خساره أديم … أن يشعر بالخوف لخسارة سالي
أن كل هذا لشديد وبلاء عظيم .. لكنه نظر للسماء عبر النافذة الصغيرة وقال
-لله الأمر من قبل ومن بعد … إنا لله وإنا إليه راجعون
……………………..
في صباح اليوم التالي كان همام قد أنهي كل شيء .. توجه إلى مكان وقوف حاتم الذي غفى رغماً عنه لعدة ساعات ليستيقظ بعدها وهو في حاله من الهلع والخوف … وكان يبحث عن أديم وهو يتخيل أن كل ما حدث مجرد حلم
لكنه عاد لصمت مقبض بعد أن تأكد أن كل هذا حقيقة لم ولن تتغير .. وقف بجانبه ينظر لتلك الأجساد الممدده بالداخل .. لا تعلم عن ما حدث شيء .. وقال
-كل حاجه بقت جاهزة يا حاتم .. وقت ما تحب نتحرك .. نتحرك علشان نوصل الأمانة
-من غير ما أودعه .. ولا أخواته يودعوه
قال حاتم بشرود ليربت همام على كتفه وقال
-حاتم أسمعني أرجوك أنا عارف أن إللي بتمر بيه مش سهل .. لكن رغم كل الألم إللي جواك لازم تتماسك .. مراتك وأختها ووالدتهم مبقاش ليهم حد غيرك لحد ما فيصل يقوم بالسلامة .. ويسند معاك
صمت لثواني ثم قال
-فيه حاجه كمان عايز أقولك عليها .. ومش عارف
نظر إليه حاتم بأستفهام ليقول همام بقلق واضح
-كاميليا مش عارف هي فين مختفيه من أمبارح
لينتفض حاتم واقفاً وهو يقول
-يعني إيه مختفيه من أمبارح؟ راحت فين؟
-مش عارف .. لو في مكان ممكن ندور فيه .. بس بعد يعني ما نخلص موضوع أديم
أومأ حاتم بنعم وهو يقول
-هلاحقها منين ولا منين بس يارب
التفتوا الأثنان حين سمعوا صوت واهن يقول
-عايزه أشوف أديم
كانت تستند على الحائط وجهها أصفر وعيونها دامعه .. قال همام بصوت مختنق
-مبقاش ينفع يا أنسه ونس .. مبقاش ينفع
لتغمض عيونها وهي تصرخ بصوت ضعيف
-اااااااااااااااااااه يا وجع قلبي .. الصبر يارب .. الصبر يارب
أقترب منها حاتم وهو يقول
-تمَّسكي أرجوكي وأرجعي أوضتك ولو قادرة خلي بالك من إللي هنا على ما نوصل الأمانة ونرجع
ظلت تنظر إليه بعدم تصديق ورفض ثم أومأت بنعم ليغادرا وفوق كتفي كل منهم هم ثقيل ثقل الجبال .. لتجلس أرضاً على ركبتيها وهي تبكي بقهر وحسرة حتى سمعت صوت سيارة الإسعاف تدوي تخبر الجميع عن أخر رحله لجسد رجل كان ونعم الرجال ..أبن بار رغم كل شيء .. و أخ حاني وسند لأخوته.. وصديق مخلص .. وحبيب نادر الوجود … ورجل ندر وجودة .. لتصرخ بكل ما أستطاعت
-أأأأأأأأأأأأأأأأأأأأادييييييييييييييييييييييييييييييييييم
………………………………………….
تجلس في شقتها الذي ساعدها في تأجيرها فيصل .. فيصل الذي أصبح الأن بين الحياة والموت بسبب أخيها .. ظلت تبكي وهي تفكر في أديم الذي لم يرتكب ذنب يستحق عليه كل ما حدث له … ماذا فعل لأخيها حتى يقتله بتلك الطريقة البشعه؟ ونرمين كيف أستطاع الإعتداء عليها .. أغتصبها وهي مجرد فتاة صغيرة لا تفقه شيء .. خان ثقة عمه وصلة الدم وأعتدى عليها حتى تصبح له .. أي حب هذا .. أنه مرض .. طارق مريض بحب التملك … بالأنانيه … ليتها ماتت ك أديم .. لأستراحت من عذاب الضمير الذي سيرافقها من الأن فصاعداً وطوال حياتها
…………………
في ذلك الوقت كان حاتم و همام يبحثون عن كاميليا في كل مكان قد تكون فيه .. فهو لم يعرف من أديم عنوان البيت التي أستأجرته وكم شعر بغبائه في التغافل عن ذلك الأمر .. حاول الإتصال بشركة فيصل ولكن من سيسأل وعلاما سيسأل .. ظلوا يبحثون في الفنادق حتى أنهم ذهبوا إلى القصر وشقه طارق لكنهم لم يجدوها .. ليخبره همام أن يعود إلى المستشفى وسيذهب هو إلي قسم الشرطة وسيكمل بحث عنها بطريقته … وأذا وصل لشيء سيخبره
فأومأ بنعم وبالفعل صعد إلى سيارته عائداً إلى المستشفى .. وأخذ همام سيارة أجره إلى قسم الشرطة
……………….
بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات
فتح باب المنزل وطل منه حاتم يسير بهدوء وبطئ شديد وحذر .. ويغلق الباب خلفه بهدوء ودون أن يصدر ضجة .. وحين صعد إلى سيارته زفر الهواء من صدره بقوه من أثر كتمه لأنفاسه حتى يستطيع الهرب من أبنته ..ضحك براحه … أن أبنته متعلقه به بشدة ..ودائمة البكاء كلما غادر المنزل متوجهاً لعمله .. ورغم أنه دائم الجلوس معها ولا يذهب إلى أي مكان دونها .. وأنه متعلق بها حتى أكثر من تعلقها به وخصوصاً بعد ما حدث قديماً .. إلا أنه لا يستطيع أخذها معه إلى الشركة فذلك مستحيل .. أدار محرك السيارة وأنطلق بها لكنه أبتسم حين سمع النغمه المخصصه لحبيبة قلبه وزهرة حياته
أجاب الإبتسامة تزين ثغره
-حبيبة قلبي صباح الفل
-بتهرب زي كل يوم وتسيب لي بنتك وزنها
قالت سالي بمرح ليضحك بصوت عالي وهو يقول
-طيب أعمل أيه بس .. تعرفي أنا بفكر أعمل لها ركن كده مخصوص في مكتبي وأخدها كل يوم معايا
ليكون الدور عليها هي في الضحك .. وقالت بسعادة
-ربنا يباركلي فيك وفيها
-ويباركلنا فيكي يأم حياة
صمتت لثواني ثم قالت
-هتعمل أيه النهاردة؟
ليجيبها بهدوء وهو يأخذ طريقه للعمل
-على معادنا هو منتظرنا كلنا
أغلقت الهاتف وعادت أدراجها حتى غرفة أبنتها.. وقفت أمام سرير صغيرتها التي لم تكمل عامها الأول بعد .. تنظر إليها بحب وهي تتذكر ما حدث قديماً
حين فتحت عيونها أول مره بعد ما حدث لم تستوعب أين هي أو ماذا حدث .. لكن وبعد عدة لحظات .. بدأت الذكريات تعود إليها بقوة لتصرخ بصوت عالي بأسم حاتم
لتركض إليها الممرضه وضغطت على ذر أستدعاء الأطباء ليركض إلى هناك الطبيب سريعاً .. في ذلك الوقت كل هذا وحاتم يقف خلف الزجاج ينظر إليها بقلب ملتاع يود أن يقتحم الغرفة ويأخذها بين ذراعيه يضمها إلى صدره بحنان … يحميها من كل شيء .. يمحو عن ذاكرتها ما حدث وما سيحدث …. لكنه ظل واقف مكانه لا يعرف ماذا عليه أن يفعل .. لم تهدء إلا حين وقعت عيونها عليه عبر الزجاج لتمد يدها له وهي تصرخ بأسمه .. لم يعد يحتمل ليقتحم الغرفه ودلف إليها .. أبعد الطبيب وضمها إلى صدره بقوه لتبكي بحرقه وبكائها يحمل الكثير من الصرخات .. صدمة كلمات طارق .. وصوت طلقات الرصاص الذي يصم أذنيها حتى الأن .. ألم ذلك الجرح في معدتها .. وأيضاً ذلك الشعور بالخواء التي تشعر به .. رغم عدم عرفتها بسببه
ظل الموقف متجمد لعده لحظات .. تبكي وتصرخ بين ذراعيه ويشاركها هو الدموع بصمت .. لكن يده لم تتوقف عن الربت على ظهرها .. وصوته المختنق بالبكاء يهمس لها بأن تهدء وأنه جوارها.. مرت عدة دقائق ثم أبتعد عنها قليلاً حتى يستطيع رؤية وجهها وقال بألم
-عارف أن كل ده صعب .. أختبار شديد من ربنا يا سالي .. لكن لازم نكون قده يا سالي .. أنا وأنتِ علينا مسؤليه كبيرة .. رغم مصيبتنا
كانت تنظر له بتشتت وضياع والدموع تغرق عينيها .. زهرته ذبلت .. وأوراقها النديه يبست .. لكنه لن يسمح بذلك .. سوف يخفي حزنه ويدفنه داخل قلبه من أجلها ومن أجل الباقين
لكنها أغمضت عيونها وذهبت في إغمائه جعلته ينتفض ينظر إلى الطبيب الذي أقترب سريعاً يتفقدها .. ليخبره إنها في غيبوبه .. لكن الأمور مستقره وتلك الغيبوبه .. متوقعه
كان حاتم يتذكر كل هذا أيضاً وهو يقود سيارته متوجها إلى شركته .. وأكملت الذكريات تنهمر على عقله .. حين خرج من الغرفة متهدل الأكتاف بعد أن أطمئن عليها إنها نائمه ولن تستيقظ الأن .. ما يحدث معهم الأن شديد وصعب .. مؤلم حد الموت .. كيف يتحمل ذلك .. موت صديقه وأبن عمه الذي دفنه بيده .. وقف وسط جمع غفير من الناس .. موظفين المؤسسه .. عمال القصر .. عمال المستشفى .. وبعض المارة بالشارع الذين سمعوا في مكبرات الصوت الخاصه بالمسجد الذي يجاور المستشفى أن هناك حالة وفاة وسوف يتم الصلاة عليها الأن .. عدد كبير وقف خلفه الجثمان يصلي من يعرفه ومن لا يعرفه .. كان حاتم يبكي طول صلاته على صديقه الوحيد المقرب والغالي .. وحين حمل النعش حتى يوصله إلى مثواه الأخير لم يكن يستطيع التحكم في دموعه .. ولا حديثه الذي لم يكن أحد يفهم منه شيء سوا همام أقربهم له
-رايح فين وسايبني يا أديم .. هُنا عليك تسيبنا وتمشي .. هان عليك تسيب تار نرمين .. طيب ونس هتسيبها كده وتمشي من غير كلمه وداع ولا لوم ولا حتى حب .. طيب وأنا يا أديم أعمل أيه من بعد يا صاحبي .. قولي . أعمل أيه من غيرك .. المسؤليه تقيله أوي يا أديم أوي .. اااااه يا صاحب العمر والأخ والسند .. اااااه يا كل حاجة حلوه في حياتي مرتبطه بيك
صمت لثواني يحاول أيجاد صوت من بين شهقاته أكمل قائلاً
-متخفش يا صاحبي أخواتك أمانة في رقبتي .. هشيل سالي جوه قلبي وراسي وجوه عيني .. ونرمين أختي وفي ظهرها ومش هسيبها أبداً .. وهجيب تارك من طارق وتارها .. أطمن يا صاحبي أطمن أنا موجود وهسد في غيابك .. غيابك إللي دبحنى .. وهيموتنا كلنا من بعدك
كان همام يبكي على كلمات حاتم .. هو لم يتعرف على أديم من وقت طويل لكنه حقاً شخص مميز وذلك الحزن الظاهر على حاتم قليل على خسارة شخص مثله
حين فتح النعش وحملوا الجسد من داخله أنهار حاتم في البكاء وهو يتشبث به بقوه ويصرخ بكل ألم قلبه
-هتوحشني يا صاحبي .. هتوحشني يا أديم هتوحشني أوي أوي يا صاحبي
ليربت همام على كتفه وقال
-مينفعش كده يا حاتم حرام عليك متعذبوش
ليبتعد حاتم منتفضاً وهو يقول
-حقك عليا يا صاحبي
وضمه للمره الأخيرة وهو يقول
-في أمان الله ورحمته يا صاحبي
وبدء العمال في عملهم .. وكان صوت تحطم قلب حاتم مع كل لحظه تمر .. وتلك الحفره تغلق على أبن عمه تصم أذنه وتجعله يود أن يكون معه الأن … داخل تلك الحفره .. أو يعود الزمن ولا يحدث كل هذا
و على جلوس همام جواره بوجه لا يفسر خرج هو من أفكارة .. ليغمض عينيه بقوه هو لا يتحمل كل هذا .. لا يتحمل كل تلك المصائب
لكن همام قال
-حاتم أنا محتاج منك تيجي معايا علشان تتعرف على جثة كاميليا
لينظر إليه حاتم بصدمه .. لتنحدر دموع همام وهو يقول بوجه حاد
-في واحده بلغت عن حدوث حالة وفاة .. روحنا الشقه وعرفنا أنها بتشتغل عندها من أسبوع واحد بس .. وأن ده معاد حضورها كل يوم الصبح .. وبعد ما بدأت في ترتيب البيت حست أن صحبة الشقه في أوضتها .. فسابت تنظيف الأوضة أخر حاجه .. لكن لما فات أكثر من ساعتين وهي مخرجتش خبطت عليها ولم مسمعتش رد .. دخلت ولقتها واقعه على الأرض وغرقانه في بركة دم .. وأنها قاطعه شاريين أيديها الاتنين
صمت يحاول تمالك نفسه .. كل هذا وحاتم ينظر إليه بصدمه ألجمته .. لا يعرف ماذا عليه أن يفعل أو يشعر الأن .. ليكمل همام
-لما روحنا المكان عرفتها على طول وأتاكدت من البطاقه كمان .. لكن لازم حد من أهلها يأكد إنها هي .. ويستلمها
ماذا فعلت عائلة الصواف لتعاقب بكل تلك العواقب؟ ما هذا الذنب الذي يجب التكفير عنه بكل هذا الألم؟ كل هذا كان يدور داخل عقل حاتم الذي يسير جوار همام جسد بلا روح .. حتى وصل إلى المشرحه التي وضعوا بها الجثمان .. وحين رفعت الممرض الغطاء عن وجه كاميليا .. أنحدرت دموعه وهو يقول
-ليه يا كاميليا ليه؟ ذنبك دلوقتي في رقبة مين؟ في رقبة أخوكي إللي دمر العيله كلها؟ ولا في رقبتي أنا ؟ ليه يا كاميليا ليه؟ الله يرحمك ويغفرلك ذنبك الكبير ده
والمشهد يتجدد من جديد .. الصلاة والجنازة والدفن . والدموع والحصره والألم .. كل ذلك كيف يتحمله قلبه .. كيف .. لم يعد هناك مكان لجرح جديد وصدمه جديدة .. عاد إلى المستشفى لكنه لم يستطع الصعود توجه إلى المسجد توضئ ووقف بين يدي الله يتوسله الرحمه والمغفره والمواسه والقدره على التحمل .. طلب الدعم والرحمه .. طلب السند وأن يربط على قلبه بالصبر والسلوان
حين عاد إلى المستشفى جلس مكانه من جديد أمام غرفة الرعايه ينتظر أن يطمئن علي الباقين من عائلته .. خرجت الممرضه ووقفت أمامه تقول
-مدام سالي عايزه حضرتك
لم ينتظر أن تكمل كلماتها ودلف سريعاً إليها .. ليجدها مغمضه العينين واضعه يديها فوق بطنها ودموعها تنحدر من عيونها دون توقف
فهمس بأسمها لتنفتح عيونها تنظر إليه بحزن وقالت
-كنت حامل .. أبني مات يا حاتم .. ثمره حبنا .. ونتيجة تحسن علاقتنا مات و راح
أقترب منها وجلس على السرير جوارها وقال
-قولي الحمدلله .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. لله ما أعطى ولله ما أخذ .. اللهم أأجرني في مصيبتي وأخلفني خيراً منها
رددت خلفه ودموعها لا تتوقف .. ليقول من جديد
-أحنا لسه مع بعض والحياة قدامنا ونجيب بدل العيل عشرة … المهم أنت يا سالي .. المهم أنتِ تبقي بخير .. المهم أنك معايا
ظلت تبكي بين ذراعيه وهي تومئ بنعم .. وبسبب حالتها لم يستطع أن يخبرها عن أديم وكاميليا .. وكذب عليها وقال إن الجميع بخير لكن كله في حالة صدمه .. و إللي متنيم بسبب الأدوية و إللي في غرفة الرعاية علشان العمليات إللي خضعوا ليها .. لتدعوا لهم جميعاً بالشفاء وغفت بين ذراعيه
وحين علمت بالخبر بعد فتره كانت هي الأخرى على موعد مع الأنهيار العصبي الذي ظلت نائمه بسبب مفعول الأدوية لعده ايام أخرى
كانت الذكريات تتولى على رأس حاتم دون توقف خاصه مما حدث مع كاميليا حين مر من أمام المبني التي كانت تسكن به .. والذي حدثت به الحادثه .. خاصه ما حدث بعد ذلك بعدة أيام لم يَقِل ألم عما سبقه وكأن هناك في قدر تلك العائلة مكان لجرح جديد .. أو مصيبه جديدة .. أو فضيحه جديدة
بعد أربع أيام من يوم الحادث .. وحين فاقت شاهيناز كانت في حالة هياج شديدة .. أستطاع الأطباء السيطرة عليها بشق الأنفس لكن ذكاء ودهاء شاهيناز هانم السلحدار كان حاضراً أيضاً حتى بعد أن فقدت عقلها بالكامل .. من أثر الصدمة .. فاقت بعد يوم كامل من نومها بالمهدئات بسبب هياجها الشديد .. علم الجميع أنها خرجت من المستشفى ولم يكن أحد يعلم إلى اين ذهبت وكاميرات المستشفى .. جعلتهم يرونها وهي تغادر غرفتها بحزر شديد ثم المستشفى .. والغريب في الأمر أنها أكملت طريقها على قدميها الحافيتان من حذائها الغالي الذي تركته في المستشفى …. لكن ولأن أكتشاف غيابها حدث بعد ساعات من حدوثه الأصلي .. كان من الصعب معرفة طريقها .. لكنه تم أبلاغ الشرطه بذلك ليتم البحث عنها .. وهل أصبح هناك فضيحه أكبر من فضيحة أغتصاب نرمين الصواف من أبن عمها .. وزوجها الذي صدم من هذا لأنه لم يكن يعلم كما أنتشر … وتوقع طلاقهم القريب .. إذا نجى رجل الأعمال الشاب من أصابته بطلق ناري على يد المغتصب
.. أسهم الشركات التي سقط أرضا .. الخسائر التي أصبحت بالملايين .. فهل هناك شيء أصعب من هذا .. فماذا سيحدث أذا أنتشر خبر هرب شاهيناز السلحدار حافية القدمين من المستشفى وهي في حالة انهيار تامه .. تصل حد الجنون
عاد من ذكرياته وهو يتنهد بهم .. أنهم حتى الان لم يستطيعوا الوصول إلى شاهيناز .. لقد فقدوا أثرها بالكامل والشرطة لم تستطع العثور عليها رغم أن هناك بعض الأخبار وصلت لهم أن أكثر من شخص شاهدها تشحث في الإشارات في أحدى الأماكن الراقيه .. ولكن حين يصلون إلى المكان لا يجدون لها أي أثر .. والذي أكد لهم الأمر أن هناك رقم غريب أرسل لهم فيديو لها .. بملابس متسخه وشعر مشعث .. تقف جوار أحد السيارت تحاول أخذ شيء ما من سائق السيارة والذي في نهايه الأمر ألقاه لها أرضاً لتسقط على ركبتيها تأخذه وبدأت في ألتهامه بشراهه.. وذلك ما يسبب حزناً حاداً لسالي وكذلك نرمين .. اااه نرمين جرح كبير لم يطيب بعد .. وسيظل هو الجرح النازف الأكبر رغم خساير الموت والفضائح فحالتها كانت صعبه لدرجة كبيرة .. أخذ نفس عميق وهو يتذكر يوم حضر الطبيب إليه يخبره أن فيصل قد عاد إليه وعيه ويطلب لقائه .. حمد الله على أنه أستعاد وعيه قبل نرمين .. حتى يعرف موقفه من كل ما حدث .. وقراره
دلف إلى الغرفة ليجده يجلس بشكل جيد ونظراته سارحه .. أقترب منه وجلس على الكرسي الموجود بجانب السرير وهو يقول
-حمدلله على سلامتك يا فيصل عامل إيه دلوقتي؟
نظر له فيصل ببعض التشتت وقال بحزن
-الحمدلله .. نرمين عامله أيه؟ وأديم .. والكل
أخفض حاتم رأسه أرضاً وذلك أقلق فيصل بشده وقال ببعض الخوف
-فيه أيه؟
-البقاء لله في أديم وكاميليا
ليشهق فيصل بصدمه وهو يقول بحزن
-لا حول ولا قوة إلا بالله .. إنا لله وإنا إليه راجعون
ثم رفع عينيه إليه قائلاً بخوف
-نرمين
-إنهيار عصبي حاد والدكاترة منيمنها بالأدوية
أبعد الغطاء عن جسده وبدء في فك الأسلاك الموصوله بجسدة وهو يقول
-عايز أشوفها
أوقفه حاتم وهو يقول
-أهدى يا فيصل .. هنادي الدكتور وأسأله لو ينفع تقوم ولا لأ .. وبعدين في كلام مهم لازم نقوله قبل ما تشوف نرمين
-حاجة أيه؟
قالها فيصل بنفاذ صبر .. ليأخذ حاتم نفس عميق وأخرجه بهدوء عله يهدء من قلقه وتوتره .. وقال
-إللي حصل يوم الفرح صدمه للكل .. موت أديم وأنتحار كاميليا .. وأجهاض سالي وجنون شاهيناز هانم وهروبها من المستشفى ومش عارفين نلاقيها لحد دلوقتي .. كل ده في كوم وأعتراف طارق بأنه الندل إللي أذى نرمين كوم لوحده
كانت نظرات فيصل تزداد جحوظاً مع كل كلمه يقولها حاتم وتحولت لغضب مع آخرها .. لكنه قرب وجهه من وجه حاتم وقال
-هقتله بأيدي .. هخليه يندم على كل لحظة عاشها بعد ما فكر يعمل فيها كده
ليعتدل حاتم ونظر إليه بتفحص وهو يقول بتوضيح
-فيصل أنا عارف إنك راجل حقيقي وموقفك إللي عملته مع نرمين يشهد عليك .. لكن الموضوع كان في أطار العيلة ومحدش غريب كان يعرف بيه لكن دلوقتي العالم كله عرف بيه واتكتب في الصحافه .. وطارق اتقبض عليه .. وبقى
ليوقف فيصل سيل كلمات حاتم وقال بحسم
-نرمين مراتي .. شرفي وعرضي وإللي هيجيب سيرتها بحرف واحد هقتله بأيدي
– يا حاتم
ليسحب السلك العالق بسرعة وكذلك المغذي في يده .. وهو يقول
-أنا رايح أشوف مراتي
وقف حاتم لثواني يتابع سيره المتخبط وعلى وجهه أبتسامة سعادة .. لقد وجد من يحمل معه بعض من المسؤليه .. وذلك جعله يشعر بالراحه .. ليتحرك يساعدة ويسنده
أوصله حتى الغرفة ووقف عند الباب ينظر إليه وهو يتقدم منها حتى جلس بجانبها وأمسك بيدها ليتحرك حاتم حتى يبحث عن الطبيب ويخبره بما قام به فيصل ويطمئن عليه ويسأله إذا كان في أمكانهم أعادتها إلى وعيها
ذهب الطبيب معه ليطمئن على فيصل أولاً الذي كان يجلس صامتاً تماماً جوار نرمين لكن يده ظلت تضم يدها بقوه رافضاً أن يتركها وقبل أن يغادر الطبيب سأله فيصل بقلق
-هتفضل نايمه كتير؟
-المدام عندها حاله أنهيار عصبي حاد .. أحنى منيامنها علشان نهدي أعصابها علشان لما تفوق نقدر نكشف عليها ونحدد خطة العلاج . لكن من الأفضل أنكم تتكلموا مع دكتور نفسي عن الحاجة إللي حصلت معاها ووصلتها للي هي فيه ده .. علشان أول ما تفوق يبدء العلاج فوراً
شرح الطبيب الأمر بكل وضوح وتفصيل .. ليعود فيصل ينظر إلى وجه نرمين الشاحب .. وشكر حاتم الطبيب ليرحل وأقترب حاتم من فيصل وقال
-قرارك
-تعرف دكتور أو دكتورة نفسيه كويسين
ربت حاتم على كتفه بدعم وغادر وهو يقول
-أنا هتصرف
…………………..
بعد ثلاث شهور قرر حاتم عمل أجتماع طارق للجميع حتى يخبرهم بالوضع المالي الجديد للمؤسسه ويطلب منهم تنفيذ وصية أديم في أنهاء قضية ونس والجميع وافق على عمل توكيل له حتى يتنازل عن القضية … وطلب من المحامي عمل الازم
ثم قال
-بعد إللي حصل أسهم المؤسسة نزلت للأرض ودلوقتي إللي قدمنا إننا نبيع المؤسسه والقصر ونوزع الفلوس على الجميع .. وبكده كل واحد فينا يقدر يعمل مشروع لنفسه .. أو لو حابين نفتح شركه واحده مع بعض .. شوفوا إللي يريحكوا بس عرفوني قراركم في أسرع وقت علشان نلحق لأن كل لحظة بتمر علينا أحنا الخسرانين
ظل الصمت يخيم على الجميع لعدة دقائق .. حتى قالت سالي
-أنا معاك في أي قرار يا حاتم
ليبتسم لها وهو يمسك يدها يقبلها بحب
وقالت نرمين موجهه حديثها لفيصل
-رأيك أيه؟
ظل فيصل صامت يفكر في حال شركته الذي توقف تماماً منذ ما حدث ورحل معظم الموظفين .. فقال بهدوء
-أنا كمان هصفي شركتي وممكن يكون موقعها بدايه لينا نغير الأسم ونعمل أوراق جديدة لشركة جديدة ونشتغل فيها كلنا .
ليبتسم حاتم وهو يقول بتشجيع للجميع
-على بركه الله
ليقف كل من فيصل ونرمين التي قالت
-خليهم كمان يجهزوا توكيل عام علشان يسهلك البيع يا حاتم .. وبعد ما تخلص نقعد ونتفق على كل حاجة
أبتسم حاتم على الثقه التي منحتها له نرمين دون قيد أو شرط وأيدها بها فيصل دون حديث
وبالفعل خلال أيام كانت التوكيلات جاهزة .. وبدء حاتم في التحرك السريع
………………….
كان يجلس في مكتب الضابط ينتظر حضورها .. فبعد رحيل همام تم تحويل القضية لضابط أخر والمميز في الأمر أنه لا يختلف كثيراَ عن همام .. ضابط بدرجة إنسان ومتفهم لأقصى درجه … همام الذي لم يستطع تحمل الحياة بعد أنتحار كاميليا فقرر ترك وظيفته والعودة إلى بلده والمكوث هنا
أنتبه من أفكاره على صوت فتح الباب .. ودخول ونس منه .. بوجه شاحب .. نحلت بشكل كبير .. نظراتها الكسيرة ألمت قلبه .. رغم غضبه الذي لم ينتهي بعد إلا أنه أشفق عليها لذلك وقف سريعاً يدعمها في مشيتها وهو يقول
-عاملة إيه يا ونس؟
نظرت له وأبتسمت أبتسامة حزينه وقالت
-ميته رغم أني بتنفس
أجلسها على أحد الكرسي وجلس أمامها على الكرسي الأخر وهو يقول
-مينفعش إللي أنت عملاه في نفسك ده يا ونس .. الحياة مش بتقف على حد
نظرت له بألم ليكمل كلماته
-صحيح أديم يتحزن عليه العمر كله .. لكن الحياة لازم تستمر وعلشان كده أنا قدمت طلب تنازل عن القضية جنائياً ومدنياً .. وان شاء الله الطلب هيتقبل والإجرائات تخلص بسرعه
-أنا مش عايزاك تتنازل عن القضيه .. سيبني أخذ جزائي
قالت بألم وتوسل والدموع تجرى فوق وجنتيها .. ظل حاتم صامت ينظر إليها بنظره هادئه لا يتضح معنى لها ثم قال:
-أنا بنفذ وصية أديم يا ونس .. يوم فرح نرمين الصبح قالي أنه ناوي يتنازل عن القضية ويعلن للصحافه أنه تم التراضي والأعتذار وعلشان ميضيعش مستقبلك كبنت يعني .. وأظهار المستندات إللى تثبت عدم تورطه مع المافيا .. وتحليل Dna يثبت نسبه لعيلة الصواف وشاهيناز تكون أمه .. لكن طارق مسمحلوش يعمل إللي كان عايزه
صمت لثواني يتابع نظرات عيونها ودموعها التي تسيل فوق وجنتيها .. ثم قال بصدق
-وبعدين هنحاسبك ليه وأنت في الأول والأخر واحدة غريبة عن عيلة الصواف .. بعد إللي طارق عمله أنتِ طلعتي ملاك يا ونس و كفاية حب أديم ليكي ده لوحده يشفعلك
شهقت بصوت عالي وهي تقول
-وأنا بحبه بحبه أوي .. مش قادرة أتخيل حياتي من غيره .. مكنش يستحق يموت .. أنا أنا إللي كان لازم أموت .. هو يستحق يعيش ويفرح ويحب ويتحب .. يستاهل أنه يلاقي العوض عن كل إللي حصل له
وقف وظل ينظر إليها بشفقه .. وبداخله شخصان يتنازعان أحدهم متمسك بالصمت والآخر يريد أن يخبرها بما داخل قلبه
لكنه قال بأستفهام
-قررتي هتعملي أيه بعد ما تخرجي من هنا؟
هزت رأسها بلا .. ليقول هو بأقرار
-الشركة عندي محتاج فيها مدير علاقات عامه مميز ذو خبره .. بس بيشتغل بضمير
رفعت عيونها إليه ليقول هو بأبتسامة صغيرة
-مستنيكي
وتركها وغادر بعد أن وضع الكارت الخاص بشركته أمامها .. لتبتسم أبتسامة حزينه وهي تقول بصدق
-لسه حنانك بيحاوطني يا أديم .. وحشتني .. وأنا اسفه يا حبيبي .. أسفة
………………….
خرج من الغرفة وهو يبتسم .. ها هو كل شيء يتم كما يريد .. لذلك ألحت ذكرى المحكمه على عقله ليبتسم وهو يتذكر ما حدث
يجلس في قاعة المحكمه ينظر إليه بغضب .. ينتظر النطق بالحكم .. إن تلك الجلسه كانت دواء لبعض الجروح … كان يجلس بجانب سالي التي تحاوط كتف أختها والتي يمسك يدها من الجهه الأخرى فيصل .. جميعهم حاضرين حتى يروا القصاص في من تجبر وطغى
صرخ الحاجب تنبيها لدخول القاضي
-محكمه
ليقف الجميع أحتراماً وحين جلس القاضي في مكانه جلس الجميع ليقول القاضي مباشرة
” بعد سماع مرافعة النيابة . والدفاع وسماع الشهود وأعتراف المتهم .. حكمت المحكمه حضوريا على المتهم طارق حداد الصواف .. أولاً في قضية أغتصاب أبنة عمه والتي كانت في ذلك الوقت قاصراً .. وبأثبات أنه واقع أنثى بدون رضاها .. بالأشغال الشاقه لمده خمسة عشر سنه
ثانياً في قضية الشروع في قتل كل من سالي سراج الصواف وفيصل زيدان بالسجن عشر سنوات مع الشغل
ثالثاً قضية القتل العمد للمجنى عليه أديم سراج الصواف مع سبق الإصرار والترصد حكمت المحكمه بالإعدام شنقاً ..و قد رأت المحكمة تنفيذ لمبدأ توقيع العقوبة الأشد على المتهم عند تعدد الجرائم .. لذلك حكمت المحكمه بتحويل أوراق المتهم إلى فضيلة المفتي .. رفعت الجلسة”
لتنحدر دموع نرمين وهي تضحك بهستيريا ثم سقطت مغشي عليها .. لكن طارق كان يصرخ بصوت عالي
-خرجوني أنا مكاني مش هنا .. أنا إللي لازم أكون كبير أمبراطوريه الصواف .. أنا مكاني برة على كرسي مجلس الإدارة .. أنا قتلت أديم علشان أنا أبقى مكانه .. ده مش مكاني .. خرجوني خرجوني
كان فيصل قد حمل نرمين وخرج من القاعة ولحقت به سالي .. لكن حاتم ظل واقف في مكانه يشاهد كل ما يقوم به طارق ويستمع إلى حديثه الذي كان ينزل على قلبه برداً وسلاماً .. الأن أخذت الحقوق … وتم دفع الثمن
…………………….
بعد مرور أكثر من عامين .. كانت نرمين تنزل درجات سلم عمارة الطبيبه وهي تقول ببعض الخجل
-مزهقتش بقا يا فيصل أحنا بقالنا سنين .. أنا بتعالج وأنت صابر عليا .. بالأسم بس مراتك
ليقف أمامها وقال
–عمري كله فداكي يا نيمو .. أيامي وسنيني من غيرك ميسوش حاجة .. وبعدين كفاية وجودك في حياتي .. أنا بحبك .. وأنتِ بتحبيني يبقى أيه إللي فاضل بقى .. العلاقة الجسديه هتحصل بس لما أنتِ تبقي جاهزة ومستعده وحابه وراضيه .. وإلا مش عايزها .. كفايه أني بصحى كل يوم الصبح على عيونك الحلوين دول
أقتربت منه خطوه و أمسكت يده وهي تقول
-خلينا نجرب يا فيصل .. أقتحم حصوني .. حطم خوفي .. علمني الصح .. صحح مفاهيمي .. خليني أشوف جمالها بين أيديك
ليبتسم بسعادة وضمها إلى صدره بحب
وقال بصدق
-أنا بحبك أوي .. بحبك …. بحبببببببك
لتضحك بسعادة رغم الخوف بداخلها لكنها لن تتراجع ستحارب أشباحها من أجله .. وستصل معه لبر السعادة والأمان
………………
تجلس في مكتبها تقوم بعملها .. اليوم تكمل عامها الثاني هنا .. منذ خروجها من السجن وهي لا تقوم إلا بالعمل في شركة حاتم وتذهب لزيارة قبر أديم وأخراج صدقات من أجله .. والنوم .. هذه هي حياتها بلا أي تجديد أو خلل
حتى أنها أصبحت تخبئ خصلات شعرها تحت حجاب صغير .. لا يوصف بالحجاب بالشكل الطبيعي لكن لأنه كان يعشق خصلاتها الغجريه أصبحت تلمها دائماً وتخبئها عن العيون .. رفعت عيونها عما كانت تفعله حين وصلها صوت مميز لتنظر للواقف أمامها شاب طويل أسمر البشرة بشكل مميزه وكأنه كان يعمل تحت أشعه الشمس لفترات طويله حليق اللحيه لكن له شارب مميز وخصلات شعره قصيرة بشكل واضح يقول
-الأنسه ونس .. أنا المهندس إسلام علي الدين علام
ظلت تنظر إليه وعيونها تلتمع بها الدموع .. وضربات قلبها داخل صدرها تشبه طبول الحرب .. التي توشك على الإندلاع .. وتنذر الجميع أن هناك خسائر كثيرة .. لكن أبتسامته جعلتها تقول بصوت مرتعش
-أهلا بحضرتك … أتفضل
وأشارت على الكرسي الموجود بجانب المكتب ليجلس بشموخ هو في طبعه منذ كان صغير .. وقال بهدوء
-الباشمهندس حاتم طلب مني أتواصل معاكي علشان نتفق على شكل الإعلانات إللي ٠هتم بخصوص المشروع الخاص بشركتي ADWA للمعمار والهندسة
أرتعشت يدها وسقط القلم من يدها وهي تهمس
-أديم
ليبتسم أبتسامته الجانبيه الجذابه وقال بحب
-وحشتيني يا ونس
لتنحدر دموعها وأرتعشت شفتيها وهي تلتهم كل أنش فيه وجهه وجسده بشوق وألم وقالت بصوت ضعيف
-طيب ليه؟ كنت فين؟ أنت…
لم يدعها تكمل أسئلتها وقال بهدوء بعد أن وضع ورقه صغيره أمامها
-هستناكي في العنوان ده وهناك هشرحلك كل حاجة
ووقف حتى يغادر لتهمس بأسمه بلوعه
-أديم
ألتفت ينظر إليها بأبتسامة حانيه .. لتقول بشك
-أنت حقيقي؟!
ليعود إليها ووقف أمامها مباشرة ينزع عن رأسها ذلك المنديل الذي يحجب خصلاتها عن عينيه وقال وهو يرفعه أمام عيونها
-هتخديه مني لما تيجي .. يمكن كده تصدقي أني حقيقي
وأهداها أجمل أبتسامة ممكن أن تراها في العالم .. وغادر .. لتلملم أغراضها وغادرت خلفه لكن حاتم كان في إنتظارها وهو يقول
-أصبري شويه علشان متثريش الشكوك حوليه
نظرت له بغضب ليقول موضحاً
-هو هيفهمك كل حاجة ولازم تعرفي أني أتعذبت زيك لشهور لحد ما أكتشفت كل حاجة
تنهد ببعض الراحه وأكمل قائلاً
-المهم أنه بخير
أومأت بنعم والدموع تنحدر من عيونها لكن ترافقها أبتسامه رقيقه تملئها السعادة .. نظر حاتم في ساعته وقال
-تقدري تخرجي
دون كلمه تحركت سريعاً يسبقها قلبها
لتقترب نرمين منه والتي أصرت على حضور هذا الموقف وقالت
-لميت الشمل؟
لينظر إليها بنصف عين وقال بشك
-هو أنتِ بتغيري على أديم؟
نظرت له بفم ملوي وعيون مقلوبه وغادرت .. ليقول بمرح
-هقول لفيصل على فكره
رفعت له يدها تشير بالسلام دون أن تنظر إليه .. ليبتسم بسعادة وأخذ نفس عميق فلقد عادت الحياة إلى طبيعتها من جديد ولولا الخسائر التي حدثت .. لكانت السعادة أكبر
………………
في فيلا مميزة في إحدى الشوارع الراقيه .. يزينها لوحه كُتب عليها بوضوح(( إسلام علي الدين علام)) وقفت أمامها تبتسم .. أنها أحبت أسم أديم .. وذابت في عشق إسم إسلام
دفعت الباب الخارجي الذي كان مفتوح بالفعل ودلفت إلى الداخل لتجد حديقه متوسطة مميزة بزهور خلابه ورائحتها ربتت على قلبها بحنان .. وفي أحد الأركان أرجوحه كبيرة .. وبالجهه الأخرى حديقة أطفال بألعابهم المميزة … قطبت جبينها بحيرة وقلق .. والسؤال يضرب عقلها بلا رحمه .. جعل روحها تتألم .. هل تزوج أديم وأصبح لديه أطفال أيضاً؟ .. لتغمض عيونها وهي تحاول أبتلاع تلك الغصه .. لكنها قالت لنفسها بأقرار .. حقه بعد إللي أنتِ عملتيه.
سارت الباقي من الخطوات حتى الباب الداخلي للفيلا ..بأقدام من هلام وقلب كسير .. رغم سعادتها بعودته التي لن يضاهيها شيء في هذا الكون
وقبل أن تطرق الباب فُتح أمامها .. وطل أديم بجسده الضخم الذي أكتسب بعض الوزن والعضلات أيضاً .. ينظر إليها بشوق .. لتعود إبتسامتها تزين وجهها من جديد
أشار لها بالدخول .. خطت إلى الداخل خطوتان فقط .. أغلق هو الباب ولم يعد يتحمل ليجذبها بقوه يضمها بين ذراعيه .. يزرعها بين ضلوعه .. يستنشق عطرها المميز الذي رافقه لأيام وأيام بين أحلامه ويقظته .. وكانت تلك اللحظة هي الأمل الوحيد الذي يجعله يتحمل كل ما حدث له
ظلت بين ذراعيه لا تريد أن تغادر ولتذهب كل أفكارها وأسئلتها إلى الجحيم إنها بين ذراعيه يضمها بشوق وحب .. لقد عاد إليها أديم .. ولا يهم أن أصبح إسلام .. يكفي أنه هو .. جسده، وجهه، .. عطره، نظرات عينيه، .. أنفاسة، وحبه .. حتى لو تزوج يكفي أنه حي .. يتنفس .. تستطيع أن تراه أن تلمسه .. أن تشعر به
ظلوا هكذا عدة دقائق لم يحسبها أي منهم .. ولم تفرق معهم يكفي انه وأخيراً وبعد أكثر من عامين يراها بعينه يضمها إلى صدره يستنشق عبيرها .. يلامس خصلاتها الغجرية التي لم تفارق خياله لحظة
أبتعد عنها ينظر إلى عيونها وقال بصدق
-وحشتيني .. وحشتيني أوي يا ونس .. وحشتيني يا حبيبتي
-وأنت كمان وحشتني ووجعتني وعاقبتني
قالت كلماتها بلوعه ودموع .. ليضع يده فوق فمها يسكت سيل كلماتها وقال
-هحكيلك كل حاجة .. وبعدها نتحاسب .. ونشوف هنعاقب بعض أزاي
أمسك يدها وسار بها إلي أحد أركان المنزل وأجلسها على كرسي ثنائي حين يجلسون عليه يجعل كل شخص منهم مواجه للأخر .. يصبح بسبب مكان جلوسة ينظر إلى الأخر رغماً عنه
-أنا جبت الكرسي ده مخصوص علشان يبقى هو الركن الخاص بينا وقت ما تحبي تلوميني تتكلمي معايا .. تتخانقي معايا تعملي معايا إللي أنتِ عايزاه
أومات بنعم وهي تنظر إلى الكرسي بأبتسامة صغيرة .. لكنها أسعدته .. وبدء في سرد كل ما حدث
-شوفي يا حبيبتي .. اليوم إللي حصل فيه الحادثه يوم فرح نرمين .. طارق فجر قنابل كرهه ليا إللي كنت عارفه لكن مكنتش متخيله وأنها توصل للقتل حاجه كانت فوق الخيال .. كمان صدمتي في أن هو إللي خان الثقه والأمانة وأغتصب نرمين .. أختي وبنت عمه أنتِ متخيله قادرة تتصوري كل ده
صمت لثواني وكانت هي تنظر إليه بشفقه ليكمل كلماته
-ضيفي على ده صدمتي أني أبن حرام .. أمي الحقيقة معرفهاش .. وكل إللي أعرفه عنها أنها كانت من حضن راجل للتاني .. وأنها بالنسبه لأبويا مكنتش أكثر من نزوه زيها زي غيرها حتى مفرقش معاه أنه يكرمها علشان خاطري .. وقبل ده كله صدمتي فيكي
لتخفض عيونها أرضا بخجل وحزن وحرج .. ليكمل كلماته
-أنا فعلاً قلبي وقف في العمليات والدكاتره كانوا فعلاَ أستسلموا لفكرة موتي لكن بعد خروجك أنتِ وحاتم من الأوضة حصلت المعجزة .. أن قلبي رجع يدق .. وصدمه الدكاتره خليتهم ميتكلموش ولا يعرفوا أهلي أي حاجة لحد ما يتأكدوا من حالتي علشان ميرجعوش ليكم الأمل وبعدين أموت تاني والوجع يبقى وجعين
-بعد الشر عليك
قالت سريعاً وبلهفه.. ليبتسم بسعادة وأكمل كلماتها بعد أن ربت على يدها المستريحه فوق يد الكرسي .. وأكمل قائلاً
-نقلوني لغرفة رعاية غير اإللي أتنقل ليها فيصل وسالي .. علشان أبقى بعيد عن عيونكم لحد ما يزول الخطر أو يطمنوا أن فيه أمل بنسبه كويسه .. لكن المشكله أن همام كان عايز ينهي الموضوع بسرعه عشان حاتم يفوق للي وراه .. مراته وفيصل ونرمين .. حتى شاهيناز هانم .. وعلشان كده الدكتور كان مطر يعرفه .. لكن إللي حصل شيء ورى الخيال .. قلبي وقف .. للمره التانية والدكاترة حاولوا ينعشوه بكل الطرق .. وقبل ما يفقدوا الأمل صرخ فيهم واحد وقال ” زود شحنه الكهربا طلاما هو كده كده ميت زود شحنه الكهربا وفعلاً زودوها ورجع قلبي يدق من تاني .. ولما أستقرت الحاله خرجوا كلهم إلا الدكتور إللي كان مسؤل عن حالتي ساعتها فتحت عيني .. والدكتور حكالي كل إللي حصل .. والقرار طلع في ساعتها .. أنا هفضل ميت في حسابات الجميع .. وساعدني بقى في كل ده همام ومن غير ما يقصد أو يعرف .. لأن كان لازم يحصل تشريح للجثه لكن هو طلب منهم الرئفه بحالي
صمت لثواني ينظر إلى ملامحها المصدومه وفمها المفتوح وعيونها الجاحظه وأبتسم أبتسامه صغيرة وهو يكمل كلماته
-وفعلاً إللى حصل أنه تم فصلي عن الأجهزة ودخلوني ثلاجة الموتي .. وحصل فحص شامل للجسد والجروح وأطلعوا على تقرير المستشفى وسبب الوفاة ووافقوا على الدفن .. وكأن القدر كان كاتب ليا أن أديم الصواف فعلاً يموت .. ويولد من جديد شخص أتوفى بالفعل أسمه إسلام علي الدين علام .. شاب أتوفي قبل الحادثه بتاعتنا بيوم .. وللأسف وحيد وملوش أي حد في البلد وملقوش حد يستلم الجثه ولا حد يدفع حساب المستشفى .. ووقتها الدكتور أدخل وسلم همام جثه إسلام .. والأوراق أختفت .. خصوصاً بعد ما الدكتور أخد كل الفلوس إللي كانت معايا .. وإللي كانت مبلغ مش قليل
صمت قليلاً يأخذ نفس عميق عده مرات ثم قال
-فضلت في المستشفى تقريباً ثلاث شهور وبعدها كنت محتاج فلوس ووقتها أتصلت بحاتم
ظهر الإهتمام على ملامحها من جديد .. وقالت
-أنت عارف أنت عملت كام جريمة وأنت في المستشفى؟
-عارف .. بس قدام أن طارق ياخد أعدام .. ونرمين تشوفه وهو بيتحاكم وبيدفع ثمن كل إللي عمله وترجع لحياتها الطبيعيه .. كنت مستعد أقتله بـأيدي
صمتت تطلع في ملامحه بتعابير غير واضحه ليتجاهل هو كل ذلك وأكمل قائلاً
-حاتم دفع فلوس المستشفى وخرجت منها وأكتشفت كل إللي حصل .. عرفت أن طارق أتحكم عليه بالإعدام وإن التنفيذ تم من شهر .. وإن نرمين في حالة صدمه من وقت أكتشاف الحقيقة وأنها بتتعالج نفسياً وأحتمالية دخوله المصحه وارده .. لكن إللي طمني وقوف فيصل جمبها وتمسكه بيها .. واهو دلوقتي بقوا زي الفل .. وأتصدمت لما عرفت إللي حصل لشاهيناز وإللي حكهولي حاتم عنها وجعلي قلبي .. لكن من جوايا ورغم غضبي منها إلا أني مقدرش غير إني أشفق عليها .. أتصدمت طبعاً لما عرفت أن سالي أجهضت لكن كمان كنت مطمن عليها مع حاتم وعارف كويس جداً أنه هيصونها ويحافظ عليها .. وأنه هيقدر يظبط حياتهم .. لكن الصدمه إللي بجد كان أنتحار كاميليا .. مش قادر أقولك أتوجعت عليها قد أيه … وحاسس أن ذنبها مش في رقبة طارق بس .. لا ده في رقبتي أنا كمان .. الشخص الوحيد إللي كنت مشغول بيه هو أنتِ يا ونس .. طلبت من حاتم يعمل توكيل من أخواتي ويقدم طلب تنازل عن الحق الجنائي والمدني في القضية ويخرجك ويشوفلك شغل .. علشان تبقى جمبه ومعاه .. ومبقاش خايف عليكي
صمت لثواني .. ثم أخذ نفس عميق وأكمل أخر تفاصيل قصته قائلاً
-وبأوراق إسلام سافرت كان ليا صديق في أحد الدول العربية وأشتغلت معاه .. ولما جمعت شويه فلوس .. رجعت .. ووقتها كان حاتم أتأكد أن همام إللي من صدمته على كاميليا مقدرش يكمل شغل في البوليس قدم أستقالته وسافر .. راح هو وسالي بيت فيصل وقدام نرمين حكلهم كل حاجة .. وأني لسه عايش والخبر ده كان أول بشاير بدايه علاج نرمين وتحسُنها وأتكلمنا فيديو .. ولما رجعت .. أجتمعنا كذا مره لكن بطريقه متثيرش إنتباه حد .. علشان الصفحات القديمه إللي أنطوت مترجعش تتفتح تاني .
صمت ينتظر رأيها في كل ما قاله .. لكنها صدمته حين قالت
-أنت أتجوزت وخلفت؟!
ليقطب جبينه بعدم أستيعاب لعده ثواني ثم ضحك بصوت عالي .. لتكمل قائلة
-أصل بره في الجنينه في ركن أطفال و..
-أنا عملته علشان حياة بنت سالي .. وفي الأساس علشان ولادنا .. أنا وأنتِ .. أنتِ ناسيه إنك لازم تتعاقبي عن إللي عملتيه فيا وتتجوزيني
لتضحك بخجل لكنها قالت بمشاغبه
-طيب وأنت هتتعاقب إزاي على اللي عملته فيا كل السنين إللي فاتت دي؟
-هتجوزك .. هو فيه عقاب أكثر من كده
لتضحك بصوت عالي وشاركها هو الأخر الضحك
لكنه صمت وظل ينظر إليها بحب وقال بصدق
-بحبك يا ونس .. بحبك أوي
-وأنا كمان بحبك يا أديم .. أقصد بحبك يا إسلام
*لحظة قبل ما نقول تمت .. عارفه أنكم زعلتوا على إللي حصل لأديم ورغم أن القصه دي النهاية إللي كنت مفكره فيها من أول لحظه من قبل حتى ما أكتب القصتين الأولى قدر والثانيه حلم .. لكن أنا نفسي تعبت نفسياً وأنا بكتب كل إللي فات ده وعلشان كده حبيت أعوضكم .. والمشهد الأخير ده هديه صلح .. يارب تكون الروايه عجبتكم
تمت بحمدالله
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-