رواية ظلمات حصونه جواد وزينه كاملة جميع الفصول بقلم منه الله ايمن

رواية ظلمات حصونه جواد وزينه كاملة جميع الفصول بقلم منه الله ايمن

رواية ظلمات حصونه جواد وزينه كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة منه الله ايمن في رواية ظلمات حصونه جواد وزينه حيث تختبئ أسرار الحنين وتتشابك الأحلام تبدأ حكاية حب لا تعرف للزمن حدودًا. قصة لقاء قد يبدو عابرًا، لكنه يحمل في طياته وعدا بمشاعر عميقة وتحديات تفيض بالعواطف إنها رحلة تجمع بين الفرح والألم الأمل والخيبة حيث تتأرجح القلوب بين شوق اللقاء وصعوبة الفراق هنا تتداخل أرواح تبحث عن النصف الآخر في صراع بين الحلم والواقع ويظل السؤال هل يكفي الحب وحده ليصمد أمام رياح القدر
رواية ظلمات حصونه جواد وزينه كاملة جميع الفصول بقلم منه الله ايمن

رواية ظلمات حصونه جواد وزينه كاملة جميع الفصول


يقف فى منتصف الغرفة التى لا يوجد بها أية مخرج سوا ذلك الباب المغلق جيدا الذى لا يستطيع فتحه، ليعود ويجلس على ذلك الفراش منتظرا أن ياتي إليه أحد ليخبره لما هو هنا!! وماذا يردون منه!! والأهم لماذا أحضروه تلك الرجال إلى هنا بهذه الطريقة؟!

جلس "خالد" يفكر من الذى يمكن أن يُحضره بتلك الطريقة الإجرامية ولماذا؟! ظل يفكر فى تلك الطريقة التى أحضروه بها، تلك السيارة السواد التى أقتحمت شارعهم وأخذته من بين الناس رغما عنه وفرت به أتية به إلى هذا البيت الغريب عنه!!

كان شاردا الذهن إلى أن قطع تفكيره دخول ذلك الشخص الغريب والغامض والذى يبدو إنه من ذي الطبقة العُليا بصحبة رجاله والذين يبدوا عليهم أنهم حُراس له، ليسرع "خالد" بالنهوض واقفا أمامه مُصيحا بغضب وانزعاج:

- أنت مين وعايز مني أيه؟! وأزاى أصلا تجبني لحد هنا بالطريقة دى و...

لم يُنهى "خالد" جملته بل قاطعته صفعة قوية أسكتته من أحد رجال الحراسة الموجودين بالغرفة، ليرمقة ذلك الشخص الغريب عنه وهو يخلع نظارته بهدوء وكبرياء مردفا ببرود:

- أولا يا خالد لما تيجب تتكلم معايا تتكلم بأدب ده طبعا لو عايز تخرج من هنا على رجليك!! ثانيا بقى أنا أبقى مين!! أو عايز منك أيه!! أو جبتك هنا ليه!! كل الأسئلة دي أنت اللى هتعرف أجابتها لوحدك.

حول "جواد" بنظره بعيدا عنه حتى وصل بنظراته إلى باب الغرفة و"خالد" يتبعه بعينيه، وبمجرد أن وقعت عينيه على هذا الباب حتى فُتح ودلفت منه "سلمى" برعبة وخوف، لينظر لها "خالد" فى صدمة مُدركا إنه أوقع بنفسه فى مأزق كبير جدا، ليغمض عيناهُ بغضب مُمذوج بكثير من القلق، بينما حدثه "جواد" بهدوء مريب بعض الشيء مُبتسما بسخرية:

-؛طبعا يا خالد أنت عارف سلمى عز المعرفة، وعارف كمان أنت عملت معاها أيه بمنتهى الوساخة والندالة، بس أنا بقى مش جيبك هنا عشان أقولك أنت غلط والكلام الفارغ ده لا، أنا جيبك هنا عشان أنت فعلا غلط واللى غلط لازم يدفع تمن غلطته يا خالد.

جلس "جواد" على إحدى الأرائك الموجودة فى تلك الغرفه، وهو يُطالع "خالد" بنفس تلك النظرات الباردة والابتسامة الساخرة مُضيفا:

- أنا طبعا عارف إن مش أنت لوحدك اللى غلط وإنها هى كمان غلطت ولازم هى كمان تتعاقب، بس عقبها هيكون مختلف عنك شويه، وعقبها هو إنها هتنزل الجنين اللى فى بطنها وتتحرم منه وتقريبا كفاية أوى اللى هى عاشته بسببك الفترة اللى فاتت دي، ده لوحده كفيل أنه يربيها ويعرفها غلطها فين، إنما أنت بقى أنا شايف إنك لسه متربتش فقولت لأزم أربيك بنفسي، عشان الغلط ميتقررش تاني.
قال جملته الأخيرة وهو يرمقه بشبح ابتسامة لم تتحرك لها شفتيه كثيرا، بالإضافة إلى ملامحة التى أصبحت قاسية مُضيفا بحدة:

- الراجل يا خالد بيتربط من لسانه، واللى بيقول كلمة لازم يبقى قدها ولو مش قدها يستحمل نتيجة أخطائه وأنت مش راجل وعشان كده لازم تتحاسب وتتربى من أول وجديد وتدفع تمن غلطتك.

رجع "جواد" بظهره إلى الخلف وأكمل حديثه مُعقبا بسخرية:

- سمعت إنك قولت لسملى جملة عجبتني أوى بصراحة قولتلها "أنا لو منك أروح أنزل العيل اللى فى بطني ده وأعمل عملية وأرجع بنت تاني ولا من شاف ولا من درى" وأنا عجبتني فكرتك أوى وهنفذها بس مش فى سلمى لوحدها لا، وفيك أنت كمان.

شعر "خالد" بالتوتر من حديث "جواد" وكاد أن يُصيح به، ليجد بعض الحراس يحملونه ويلقون به على الفراش، ومن ثم أنهالوا عليه وأخذوا يجردونه من ملابسه بالكامل ويثبتونه على ذلك الفراش جيدا، بينما صاح "خالد" بهم فى فزع ورعب وهو يصرخ مستنجدا ب "سلمى" هاتفا:

- أنتوا... أنتوا هتعملوا فيا أيه؟! فيه أيه يا سلمى!!

قال أسمها وهو يصرخ من شدة الرعب الذى شعر به مما يفعلون به هؤلاء الرجال، بينما شعرت "سلمى" بالخجل من رؤيته هكذا يُجرد من كامل ملابسه ولا يستره أية شيء لتُبدأ هى فى البكاء، نعم هى لا تعلم ما الذى سوف يفعله به "جواد" ولكن الذى أستنتجته أنه سيجعله يندم كثيرا وسيظل يُعاني مدة كبيرة مما سيفعله به

لاحظ "جواد" بكاء "سلمى" ليرمقها بنظرة حادة دبت الخوف داخل قلبها، ولم ينقذها من تلك النظرات التحذيرية البصرية سوا دخول ذلك الرجل حاملا بيده تلك الحقيبة، ليُنهض "جواد" ويقف معه أمام الفراش المثبت عليه "خالد" وأخذ يحدثه ببرود غير مكترث لأي شيء:

- أهلا يا دكتور، أظن الموضوع كده بقى سهل خالص، أهو جاهز قدامك يعنى مجرد إبرة بنج موضعي ونخلص الحوار ده.

أومأ له "الطبيب" بالموافقة على حديثه، وكيف له أن لا يوافق فهو يعرف جيدا من يكون "جواد الدمنهورى" ليهتف مُعقبا بإنصياع:

- تحت أمرك يا جواد بيه.

صاح "خالد" بكثير من الزُعر والفزع وهو عارٍ الجسد تماما مُثبت على الفراش من قبل رجال "جواد"، هناك رجلان مُمسكان بيديه الاثنان مفرقان بينهم ورجلان أخران مثبتان قدميه مُباعدان بينهما جدا بإحكام لدرجة أن "خالد" لا يستطيع الحركه مُطلقا، وهذا لفتح المجال لهذا الطبيب كى يقوم بعمله:

- بنج أيه وحوار أيه اللى هيخلص أنت ناوي على أيه؟!

قال "خالد" جملتة تلك بصراخ شديد ويبدو عليه ملامح الرعب والفزع مما يدور فى مخيلته، ليرمقه "جواد" ببرود وهو يتقدم إليه نحو الفراش ليصبح يقف بين ملتقى ساقيه بالظبط ويطالعه باشمئزاز مُعقبا:

- بما إنك طلعت عيل وسخ ملكش كلمة وجبان وقذر كده، فأنا قررت أسمع بنصيحتك وأنهي الحاجة الوحيدة اللى بتربط بينك وبين الرجالة عشان متبقاش وصمة عار عليهم وتتضاف ليهم وأنت مش منهم، اللى بيقول كلمة يبقى قدها ولو طلع عيل خ** زيك كده يستحمل بقى اللى يجراله وبما إنك طلعت خ** فى كلمتك يبقى نخليك كده بجد بقى

فطن "خالد" ما ينوى عليه "جواد" وماذا يريد أن يفعل به، ليصرخ "خالد" بفزع ورعب مما هو مقبل عليه الأن:

- تخليني أيه؟ وتنهي أيه؟ أنت مجنون؟! يا سلمى!!

قال جملته الاخيرة وهو ينظر إليها بتوسل مُستنجدا بها، لتنظر هى أرضا وهى لا تستطيع التوقف عن البكاء، ليدرك حينها أنه قد كسر قلبها وأنهى على كل هذا الحب التى كانت تحمله له فى ذلك اليوم عندما تخلى عنها وطعنها فى شرفها، ليبدأ فى البكاء بقوة من شدة خوفه مما سيحدث له خلال ثوانٍ.

بينما قام "جواد" بالجلوس مرة أخرى على هذا الكرسي بجانب الفراش لكى يُتابع ما أمر به "الطبيب" أن يفعله.

لاحظ "خالد" أقتراب "الطبيب" منه بعد أن أنتهى من إعداد كل ما سيحتاج إليه بجانبه على طاولة صغيرة، ثم رائه وهو ممسكا بإحدى الأبر الطبية بيداه مفرغا ما بداخل ذلك الامبول بتلك الأبرة ومقتربا منه.

كاد قلب "خالد" أن يتوقف من شدة الرعب، هو الأن على وشك أن يفقد رجولته إلى الأبد وهذا بسبب عملته الرخيصة والدنيئة تلك، والتى لم يكن ينوي أن يفعلها مُطلقا والان هو يندم على كل ما فعله، ليصرخ برعب وفزع عندما رأى "الطبيب" يقترب منه:

- أبوس أيدك يا جواد بيه، أبوس رجلك بلاش كده، هعملك اللى أنت عايزه بالحرف، بس كله إلا كده.


توقف الطبيب منتظرا أوامر "جواد" بينما ابتسم هو ابتسامهة لم تلامس عيناه وهو يتابعه بسخرية وهدوء أعصاب مُعقبا:

- أنا أصلا مش عايز منك حاجة يا خالد، أنا بس عايز أربيك وأعلمك درس تحلف بيه طول عمرك، بس أنت عارف إن الواحد عشان يتعلم الدرس لازم يدفع التمن غالي، ورجولتك هى تمن غلطتك وعشان متضحكش على أي بنت تانية بأسم الحب والجواز والشويتين دول، أصل ديل الكلب مبيتعدلش فلازم يتقطع، أما بقى بالنسبة ل سلمى فأنا هعرف أعوضها كويس أوى.

نظر "جواد" نحو "الطبيب" مرة أخرى مُتحدثا بإستفسار:

- وقفت ليه يا دكتور؟! أنا مطلبتش منك توقف!! كمل

تقدم "الطبيب" تجاة "خالد" المُثبت أمامه جيدا والذى لم يتوقف عن الصراخ والبكاء، ليجلس بين قدميه المثبتتان من قبل هذان الرجلان، وأمتدت يده لكى تمسك برجولته حاقننا إياه بذلك المخدر لكى يبدا فى عمله!!

لاحظ "جواد" فزع "سلمى" وبكائها الشديد ليدرك إنها قد رق قلبها لهذا الندل مرة أخرى ليزجرها بحنق:

- أطلعي برا يا سلمى.

نظرت له بضعف وترجي بأن يتوقف عما يفعله ولكنها لا تستطيع أن تطلب منه ذلك، هى تعتبره فرد من عائلتها بل كل عائلتها، هى ترعرعت فى بيتهم وتحت رعايتهم، كادت "سلمى" أن تخرج من الغرفة ليوقفها صوت "خالد" مستنجدا بها صارخا بهستريا موجها حديثه نحوها ونحو "جواد" قائلا:

- لا يا سلمى متسبنيش، أبوس أيدكوا متعملوش فيا كده أبوس أيدك يا جواد بيه، بالله عليكى يا سلمى هعملك كل اللى أنتى عايزه، والله العظيم هتجوزك وهعترف بالطفل وعمرى ما هزعلك، أبوس رجلك يا سلمى ألحقينى، أبوس إيدكوا بلاش كده بالله عليكوااا.

كان يصيح بكل كلمة وهو يصرخ بفزع ورعب، أرتجف قلب "سلمى" من البكاء والحسرة، لتُسرع وتلقي بنفسِها تحت قدمي "جواد" بترجي وضعف متوسلة:

- أبوس رجلك خلاص يا جواد بيه، أنا مش عايزة منه حاجة خلاص، سيبه يمشي أبوس رجلك سيبه خلاص مش عايزة حاجة بالله عليك.

نظر لها "جواد" بغضب شديد من ضعفها هذا أمام ذلك العاهر، ليصيح بها بحدة وحنق:

- أنا مش قولتلك أطلعي برا، يلااا.

أسرعت "سلمى" بالخروج من الغرفة بسبب صراخ "جواد" عليها، بينما "خالد" ظل يصرخ بنهي من أن يفعلوا به هذا الشيء ويبتروا رجولته، وأزداد صراخه عندما راى تلك الاداة الحادة تقترب من رجولته أكثر، ليرتجف قلبه من الخوف ويصرخ نهيا بتلعثم وهسترية:
+

- لا أبوس رجليكوا، بالله عليك يا جواد بيه حرمت والله، والله ما هعمل كده تانى وهصلح غلطتي، بلاش كده، بلاش كده يا جواد بيه، أبوس رجلك لااا.



يُطالعها باستنكار مندهشا من غضبها المبالغ فيه!! هو لم يقل لها شئ لكى تغضب إلى هذه الدرجة! هو فقط طلب منها قليلا من الوقت لكى يكون جاهزا لمثل هذه الخطوة، ليضيف زافرا بتأفف:

- هو أنا ممكن أفهم أنتي متعصبة أوى كده ليه دلوقتى؟ أنا كل اللى طلبته منك شوية وقت مش أكتر! على الاقل أكون جاهز أتقدم لأهلك

رمته بنظرة حادة تدل على ما تحمله له من غضب وأعتراض على كلامه، هى لا تريد أن تستمر معه فى علاقة ليس لها أية مُسمى سوا أنهم أصدقاء!! بالأساس هى لا تعترف بمثل هذة العلاقات بين الشاب والفتاة، لتعلق زاجرة إياه فى حدة وغضب يتطاير من عينها:

- بقولك أيه يا أدهم أنا مش عاجبني الهبل اللى بينا ده، أحنا بقالنا سنه كامله بنقول نفس الكلام، أديك وقت أيه أكتر من كده؟ أنت خلاص دى أخر سنه ليك فى الكليه وهتتخرج وهتشتغل فى شركة باباك، يعنى معندكش حجه! وأنا بقى بصراحة جو الصحبيه اللى بينا ده مبقاش عاجبني، أنا عايزه أرتباط رسمى يا كده يا كل واحد يروح لحاله؟

قالت جملتها الاخيرة وهى تشعر بالغضب الشديد لدرجة إنها كادت أن تلكزه فى صدره، ولكنها تمالكت غضبها لكى لا تفسد الامر بينهم:

لاحظ "أدهم" كل ذلك الغضب ليدرك إنه لا مفر، يجب أن يستمع إليها لكى لا تظن أنه لا يريدها أو يتهرب منها، فهو يريدها أن تكون معه دائما ولكنه كان يريد أن يُكون نفسِه قبل أي شئ، ولكن ما الضرر من أرتباط رسمى لكى يتخلص من ثرثرة تلك العندية:

- يا ديانة أنا كنت عايز أستنى شوية لحد ما أأسس شركة لنفسي، مبقاش شغال عند حد عشان لما أجى أكلم باباكي أقوله أنا أدهم نصار مش أبن بكرى نصار، كنت عايز أعمل أسم لنفسي بس خلاص هعمل أيه؟

نظر لها وهو يبتسم بحب وأكتراث شديد لغضبها مُعقبا:

- أمري لله يا ستي، حدديلي معاد مع باباكي يوم الخميس عشان أجيب بابا وماما ونيجى نشرب الشاى عندكم

أبتسمت بكثير من الراحة لتخلصها من تأنيب الضمير التى كانت تشعر به تجاه  والديها، فهى لطالما لم تخفي عنهما شيء طوال السنوات الماضية، ولكن ذلك الشيء لم تكن تريد أن تحدثهم فيه إلا عندما يكون رسمي، لتحاول أن تلطف الأجواء قليلا مُعقبة بمرح:

- أمممم هفكر

رفع حاجباه بأستنكار على كلمتها، ليجيبها مُعقبا ببعض من المشاكسة:

- هتفكري! خلاص أنا رجعت فى كلامي

لكزته "ديانة" فى صدره بقليل من الأنزعاج قائلة بحنق:

أجابها "أدهم" وهو يطيل النظر داخل زرقاوتيها مبتسما بمشاعر صادقة:

- بس بحبك

صمتت لبعض من الوقت ويبدو عليها شيء من التوتر ثم أبتسمت له بقليل من الحرج وهى تنظر إلى الأسفل مُعقبة بإقتضاب:

- وأنا كمان..

❈-❈-❈

دلف بهيئته المُهيبة بطول قامته وعرض منكبيه ونظرة زرقاوتاه القاتمة التى تقطع أنفاس جميع من حوله، متحركا بخطوات ثابتة متجها نحو مكتبه موجها حديثة إلى أحد الأشخاص عبر جهازه الخلوى مُعقبا بإقتضاب ورسمية شديدة:

- تمام معادنا النهاردة فى الشركة

أنهى مكالمته موجها حديثة نحو مساعدته مُلقيا عليها أومره بصرامة:

- بلغي إياد إني وصلت وفى مكتبي

أومأت له بالموفقة بينما دلف هو مكتبة نازعا سُترته معلقا إياها ومُشمرا أكمامه إلى منتصف ذراعيه، توجه إلى مكتبه وجلس على كرسيه ليضغط على الزر الذى بجانبه محدثا مساعدتة أمرا إياه بحدة:

- خليهم يبعتولي القهوة بتاعتي

أنهى حديثه دون إنتظار أى رد منها، نظر إلى تلك الملفات أمامة مُتفحصا إياها عازما على أن يُلقى بهم نظرة مُتابعا لما يحدث فى شركته! وإذا كان كل شئ على ما يرام؟

وما إن بدا بتفحصهم حتى قاطعه دخول والده إلى المكتب ويبدو عليه الغضب الشديد، وما الجديد فى هذا يبدو إنه قد تعرض كالعادة لواحدة من تلك المناقشات الحادة بينه وبين سيدة القصر

وكيف يصعب عليه إدراك الأمر فهو يُعاني منه منذ سنوات، كلما حدثت بين والدة وزوجته مناقشة حادة حول ذلك الموضوع يأتى والده لينفث فيه عن غضبه ويحمله مسؤلية البحث عن تلك الفتاة، ليزفر "جواد" بملل وصاح وكأنه غير منتبها لتعابير وجه والده:

- صباح الخير يا هاشم بيه

رمقة "هاشم" بنظرة تحمل الكثير من الغضب والنفور مُعقبا بضيق:

- مفيش خير لحد ما تجبلي البت دى وترميها هنا تحت رجلي

أغمض "جواد" عيناه مُحاولا التخلص من كل هذا الغضب الذى شعر به عند التحدث عن تلك الفتاة وعن كل ما يرتبط بها وبذكر إسمها من ماضي أليم لم يُشفى منه أحدا إلى هذا اليوم، ليعقب "جواد" بغرور وثقة:
- واضح إن دى خناقة كل مرة مع المدام، على العموم متقلقش أنا قربت منها أوى وأكيد هجبها المرة دى

ضيق "هاشم" ما بين عيناه متحدث بإستفسار:

- أنت عرفت حاجة جديدة؟

نهض "جواد" متوجها نحو نافذة مكتبة مستنشقا بعضا من الهواء النقي، ليستعيد هدوئه مرة أخرى وأضاف مُفسرا:

- جالى خبر إن فى القاهرة فى كلية إدارة أعمال فى بنت طالبة أسمها "ديانة شرف شمس الدين الدمنهورى" وفى سنه تانيه، يعنى عندها ٢٠ سنة

نهض "هاشم" فى عجل وتوجه ناحية "جواد" ممسكا بذراع مردفا بحدة:

- أبعت هتهالي دلوقتى حالا يا جواد

أبتسم "جواد" بشيء من السخرية مُضيفا بإستهزاء:

- أخطفها يعنى يا هاشم بيه؟! بالعقل وكلها يومين والست هانم هتبقى تحت رجليك فى الفيلا..


❈-❈-❈

دلفت المنزل بسعادة عارمة والبسمة منيرة وجهها الحليبى الملائكى، وقفت تحاول تنظيم أنفاسها قبل الدخول لوالدها لكى تقص عليه ما حدث بينها وبين "أدهم" وتخبره بأنه يود زيارتهم وتأخذ منه ميعاد ليأتي هو وأسرته كى يستعدوا لذلك، طرقت على باب مكتب والدها طرقتين بيدها الصغيرة حتى أستمعت إلى صوت أبيها يسمح لها بالدخول

دلفت "ديانة" الغرفة متوجه نحو والدها مُعانقة إياه من خلف ضهره وهو جالسا على الكرسي يقرأ فى أحد كتبه، لتعقب بكثير من الحب والود:

- حبيبى يا أحلى وأجمل بابا فى الدنيا كلها

رمقها "محمود" بنظرة أستفستار رافعا إحدى حاجباه مُعقبا بنبرة يملأها الشك:

- أيه الحنية والحب المبالغ فيهم دول؟! شكلك عايزة حاجة وحاجه كبيرة كمان!

حمحت "ديانة" بحراج فوالدها دائما ما يُكشفها ويعرف نواياها، أبتسمت له بحب مُضيفة بصدق:

- بصراحة أه فى حاجة وحاجة مهمة أوى كمان

فتح "محمود" عينيه على مصرعها مُصطنعا الدهشة مُعقبا بمرح:

- ياااه بصراحة وحاجة مهمة مع بعض!! أستر يارب

أبتسمت "ديانة" على مشاكسة والدها لها، ثم أضافت بابتسامة هادئة وهى ترمقة على أستحياء مُعقبة:

- بصراحة كده ومن غير لف ودوران فى شاب زميلي فى الكلية عايز يجي هو وأهله يقابلوا حضرتك

أعتلت الصدمة وجهه "محمود" فهو كان يعلم أنه سيأتى يوما مثل هذا اليوم، ولكنه غير مُستعد بعد، فهو متعلق بها كثيرا، ليس من السهل عليه أن يُفارقها بتلك السرعة، رمقها "محمود" بنظرة أستفسارية وكم تمنى أن يكون على خاطئ مُردفا بتسأل:

- عريس؟

أومأت له "ديانة" برأسها بكثير من الحرج والحياء، بينما هو أبتسم لها نصف أبتسامه لم تلامس عيناه وقد أمتلاء قلبه بكثير من الحزن، وأضاف مُستفسرا بقليل من العتاب:

- مستعجلة أوى كده ليه! زهقتى مننا خلاص؟!

رمقته "ديانة" بكثير من الحب ثم أحتضنته بقوة مُعبرة عن مدى حبها الشديد له مردفة بتوضيح:

- يا حبيبى هو أنت شايفنى رايحة أتجوز دلوقتى!! دى هتبقى مجرد خطوبة، ده طبعا بعد أذنك

أومأ لها "محمود" بمزيد من الحزن على رغبتها فى الذهاب والأبتعاد عنهم، ليعقب بإستفسار مُتمنيا أن يجد ما يجعله يرفض تلك الخطبة من بابها:

- وده فى سنه كام!! وأبن مين!! ومن عيلة مين؟!

أبتسمت على طريقة والدها المنزعجة التى لا تلائمه، فهى مدركة جيدا إنه يبحث عن شيء يجعله يتهرب من تلك الخطبة الأن، ولمنها تعلم جيدا أن هذا من حبه الشديد النابع لها، لتجيبه بهدوء:

- أسمه أدهم بكرى نصار، أبن بكرى نصار صاحب شركة نصار للاستراد والتصدير، فى أخر سنة فى الكلية وهيخلص وهيشتغل مع باباه

شعر "محمود" أنه لا مفر ولن يجد مخرج من ذلك المأذق، ليزفر فى حنق مبتسما نصف أبتسامة لكى لا يكسر قلب أبنته مُعقبا:

- أمري لله قوليله يجيب اهله ويشرفنا يوم الخميس الجاي، أما نشوف مجايبك!!

غمرت البسمة وجهها وسريعا ما أحتضنت والدها بحب مُعقبة بلهفة:

- شكرا يا أحلى بابا فى الدنيا كلها

❈-❈-❈

••

يجلس هذا الفتى الذى لم يتخطى العاشرة من عمره بعد بصحبه شقيقته التى تصغره بستة أعوام، يلعبان ويمرحان فى حديقة هذا القصر الذى يصرخ بالثراء والفخامة، كانت أيضا مديرة المنزل تجلس معهم لمراقبتهم وحفظ سلامتهم، نعم فهم مازلوا أطفالا

هتفت الفتاة صاحبة الأربع أعوام بغضب طفولي وبرائة موجة الحديث نحو شقيقها مُعقبة بإنزعاج:

- أيه ده يا جواد أنت بتغث

رمقها هذا "جواد" بغضب طفيف وملامح منزعجه مُعقبا بحنق:

- لا أنا مش بغش، أنتى اللى فاشله وعيب تقوليلي بتغش دى، أنا هروح أقول لماما وأخليها تعاقبك

اسرع "جواد" فى الركض تجاة داخل القصر، بينما أدركت "زينة" إنها أوقعت بنفسها فى مازق كبير وسوف تُعاقب على ما تفوهت به، لتصيح به كى يتوقف ولا يخبر والدتهما هاتفة:

- أثتنى بث يا جواد والله مث قصدى، تعالى بث انا اثفه طيب

كانت تناديه ولكن دون فائده، فهو بالفعل أصبح داخل القصر ولم يلتفت لها قط:

- ماما يا ماما.

دلف "جواد" إلى القصر وهو يُنادى على والدته، بينما أستوقفة صوت الشجار من الطابق العلوى ويبدو أنه صوت والدته!!

كاد "جواد" أن يصعد الى هذا الطابق ليعرف ماذا يجرى!! ولماذا يتشاجرون بهذه الطريقة!!

أوقفه صراخ والدته وهى تسقط من أعلى الدرج لتقع أمام عيُنيه أرضاً مُلقاه على بطنها فاقدة النطق أو الحركة، والدماء تسيل من بين قدميها

صاح "جواد" بكثير من الخوف والفزع صارخا:

- مامااا
•••


فاق من شروده على صوت تلك الفتاة التى جلست فوق ساقيه بدلال وعُهر، لينهض "جواد" بسرعة لتسقط هى أرضا أسفل قدميه، ليرمقها بحدة وأشمئزاز قائلا:

- جرا أيه يا وسخة أنتي! هتنسى نفسك ولا أيه! أنا أمتى سمحتلك تقعدي على رجلي؟

أجابته الفتاة بتوتر وأرتباك شديد من ذلك الغضب الذى سيطر عليه دون سابق إنذار أو تحذير قائلة بتلعثم:

- أنا أسفة يا جواد بيه، أنا بس لاقيت حضرتك سرحان قولت ألفت إنتباهك

أنحنى "جواد" قليلا ليقوم بجذبها من شعرها بكثير من الضيق والغضب راغما إياها على الوقوف، عازما على أن يُخرج كل ما يحمله من ألم وغضب بسبب تلك الذكرة للسيئة التى راودته على تلك العاهرة التى أحضرها مقابل المال، حسنا لتعمل لكى تحلل هذا المال:

- واضح إنك مستعجلة أوى ومش بتحبي تضيعي وقت، حلو أديكي لفتي إنتباهي أهو تعالي بقا عشان تخلصي اللى جيتي عشانه

تقدم وهو لايزال جاذبا خصلاتها وأتجه بها نحو الفراش وسريعا ما ألقى بها عليها، رمقها بإهتمام شديد متفحصا إياها من أعلى رأسها حتى أسفل قدميها بعناية شديدة، نعم تلك ليست أول مرة يراها بها ولكنه دائما ما يهتم بأن يتأكد من نظافة جسد العاهرة التى يستأجرها

تحركت يده نحو سترته نازعا إياها وهو لايزال يرمقها بنظرات حادة أثارت القلق داخل قلبها، ليقطع ذلك الصمت المخيف وهو يفك أزرار قميصه أمرا إياها بحدة وإقتضاب:

- لحظة واحده وملاقيش خيط على جسمك

ليس من الجيد النقاش معه الأن فهو يبدو فى مزاج سيء للغاية وليس من مصلحتها إثارة غضبه الأن، سريعا ما أمتثلت لأوامره وتخلصت من كامل ملابسها دون ترك قطعة قماش واحدة على جسدها

فى تلك الأثناء كان تخلص هو الأخر من كامل ملابسه وألقى بها على الأريكة وعاد إليها مرة أخرى ليجدها مستلقية على ظهرها متوسدة الفراش فى إنتظاره

رمقها باشمئزاز وانزعاج شديد لتصنعها ذلك الغباء مُعقبا بنبرة يُغلفها التهديد:

- أنتي نسيتي بتنامي أزاى ولا عايزه تطلعي عفاريتي عليكي على المساء؟

فطنت جيدا ما يقصده، هى تعلم إنه لم يضاجعها من قبل سوا وظهرها مولى له، ولكن ذلك أكثر ما يثير فضولها فى كل مرة لها معه، لا تكترث لأسلوبه الفظ ولا لمعاملته القاسية ولا حتى لعلاقته العنيفة التى لا تمثل سوا مجرد علاقة جنسية عابرة خالية من أي مشاعر أو حتى لذة، مجرد إفراغ رغبة شهوانية

طالعته بعيون مليئة بالفضول حول ذلك الأمر مُحاولة الاستفسار قائلة:

- ليه دايما بتصمم على الوضع ده!!

- أنتي متسأليش ليه! أنتي تنفذي وبس

قال جملته الأخيرة وهو يرغم جسدها على الالتفاف ليصبح ظهرها فى مقابلته ووجها فى مقابلة الفراش، ليمد يديه ويرفع خصرها ليكون فى مستوى جسدة وسريعا ما قام بفتح ذلك الكيس الذى كان بحوذته منذ البداية وسريعا ما أرتدى ذلك الواقى وأقتحمها دون رحمة أو تمهيد

ليبدأ معها بتلك الممارسة العنيفة الخالية من المشاعر والرحمة والأنسانية، مجرد ممارسة يفرغ بها كل ما يحمله من ألمًا وحسرة داخل تلك العاهرة بمنتهى القسوة والعنف

كانت تصرخ بكثير من الألم مُحاولة أستعطافه لكى يهدأ من حدة دفعاته ولكن دون فائدة، كل مرة تطلب منه أن يقلل من عنفه يزداد أكثر، وكيف له أن يقلل من عنفه وقسوته!! فهو يشعر بالراحه والسلام من سماعه لصوت هذا الصراخ ليُهون عليه ما يشعر به، أو لنكون أكثر وضوحا ليشغل عقله عما يدور بداخله من ذكريات أليمة

كل مرة كانت تصرخ بها تلك العاهرة كان يشعر وكانه هو من يصرخ لكى يتخلص من كل هذا الضعف والإنكسار، كم يتمنى أن يصرخ الان ولكن كيف له أن يصرخ!! لقد صرخ وبكاء كثيرا فى الماضى ولكنه الأن رجلا والرجل لا يصرخ بل يجعل تلك العاهرات هن من يصرخن

أمتدت يده اليسرى لتجزب شعرها مُقربا إياه نحوه بينما يده اليمنى تحاوط خصرها مثبتا إياها أسفل منه، لينحني بجسده ليقترب من أذنيها هامسا لها بفحيح يشبه فحيح الأفاعي قائلا:

- عايزه تعرفي ليه بصمم على الوضع ده؟ عشان مش بحب أبص فى وش اللى زيك وأنا بعمل كده، عشان أحنا مش هنحب فى بعض، أنتي مجرد واحده شمال جايه تعملي اللى أنا عايزه وتأخدي حسابك وتغوري من هنا

لم يكترث لتلك التى تصيح أسفله طالبة لراحمة وكادت أن تفقد وعيها من شدة عنفه معها، حتى إنه لم يلاحظ إنها لم تنتبه إلى حديثه بسبب ما تعانيه أسفله، بل كان كل ما يعنيه هو أن يتخلص من تلك الرغبة ويصل إلى ذروته

بعد دقائق مرت على كلاهما بصعوبة كبيرة، هى تعاني من ألم شديد فى منطقتها بسبب عنفه، وهو يعاني من تفكيره وذكرياته التى كانت تدفعه ليزداد قسوة وحدة إلى أن أنتهى منها، تركها لتسقط بوجهها وجسدها على الفراش تشعر بكثير من الألم

نهض من على الفراش وألتقط تلك الوارقة التى تحمل مبلغ كبيرا من المال لم يسبق وتقاضته عاهرة مثلها من قبل، ليلقيه بجانبها وتوجه بعدها إلى المرحاض

سريعا ما أنتهى من أخذ حمامه وأرتداء ملابسه، وشرع فى الذهاب نحو باب الغرفة موجها حديثه نحوها غير مهتما بما إن كانت تستمع إليه أم فاقدة للوعى مردفا:

- أرجع ملقكيش هنا


❈-❈-❈

دلفت غرفتها بعد أن تناولت العشاء بصحبة عائلتها، بينما لحقت بها تلك المشاكسة الصغيرة ويبدو عليها الكثير من ملامح الفضول والأهتمام، لتجلس فى مقابلتها مُعقبة بنبرة أستفسارية قائلة:

- أنا سمعت بابا وماما بيتكلموا على عريس جي!! العريس ده يخصك صح؟!

ضحكت "ديانة" على طريقة تلك الفتاة الفضولية التى لا تسمح لشئ أن يحدث فى هذا المنزل دون علمها، لتجيبها مردفة ببعض من المرح:

- أيوه يا مخابرات البيت، العريس ده يخصني

أعتدلت فى جلستها وقد أعتلت وجهها القليل من ملامح العبث مضيفة بعتاب:

- كده من غير ملوكه حبيبتك ما تعرف

تغيرت ملامح وجهها من العبث إلى الفضول والأهتمام الشديد هاتفة بحماس:

- أبقى أعاتبك بعدين المهم قوليلى بقى مين ده! وعرفتيه أزاى! وقالك أيه! وأنتي قولتيله أيه و...؟!

- حيلك حيلك، يالهوى ده بابا وماما نفسهم مسألونيش الاسئله دى كلها؟!

صاحت بها "ديانة" بصدمة بعد أن شعرت بالتشتت من كثرة أسئلتها وعدم أعطئها الفرصة للرد، أغمضت عينيها للحظه مُحاولة ترتيب الحديث لكى تُجاوبها على كل تلك الاسئلة، لتعقب مردفة بإبتسامة هادئة موضحة:

- أسمة يا ستي أدهم، وكان زميلي فى الكلية وخلاص دى أخر سنه ليه، أتعرفنا على بعض من سنة والعلاقة أتطورت وأصريت عليه إن عشان علاقتنا تستمر لازم يكون فيه أرتباط رسمي وبس

غمزتها "ملك" بقليل من المكر رافعة إحدى حاجبيها مُعقبة:

- من سنة يا نمس أنت من غير ما كوكى حبيبتك تعرف؟!

أبتسمت لها "ديانة" بود موضحة لها الأمر كى لا تنزعج منها قائلة:

- والله يا كوكى الموضع كان زماله مش أكتر، بس فجاة لقيته بيقولى أنه بيحبتي و...

قاطعتها "ملك" بفضول شديد مُردفة بإستفسار:

- طب وأنتي؟ بتحبيه؟؟

صمتت "ديانة" قليل من الوقت لا تعلم ماذا تقول!! فهى لم تسال نفسها هذا السؤال من قبل! أهى حقا تحبه؟ أم أنه الشخص المناسب فقط؟ لتجيبها بتشتت وتردد طغى على ملامحها:

- بصي هو أنا مش عارفة أسمي اللى بينا ده حب ولا لا، بس أنا مرتاحة معاه، يعني تفكيرنا قريب من بعض وكذلك سننا، مستقبله كويس، عنده كرير وبيحلم بإنه يبني نفسه بنفسه، أهله ناس محترمين، هو شخصية طيبة وحنين ومحترم وحاسه أنه فعلا بيحبني و...

قطع حديثها هذا الصوت الرجولي الذى أقتحم خلوتهم وهو يدلف الغرفة مُعلقا ببعض من المرح:

- يعنى نقول مبروك يا عروسه؟!

أبتسمت "ديانة" على جملة أخيها المرحة، لتنهض من مكانه مسرعة فى أحتضانه بحب وأشتياق مردفة بإنزعاج طفيف:

- أنا والله كرهت شغلك اللى حرمنا منك على طول ده

بادلها "مالك" العناق وأحتضن شقيقته الاخرى مردفا بتهكم:

- لا مهو واضح الأشتياق وأخد حدة معاكي، فقولتي تلاقي اللى يعوضك يا أختى!!

لكزته "ديانة" فى صدره مُعنفة إياه عما قاله مُعقبة بقليل من الغضب:

- محدش فى الدنيا كلها يعوضنى عنك، يا مالك أنت ضهري

أبتسم لها "مالك" بحب وحنان وهو يضم كلاهما إلى صدره مره أخرى مُعقبا بمشاعر صادقة:

- ربنا ميحرمنيش منكوا أبدا

رد كلاهما فى انٍ واحد بحب وحنان متبادل قائلتان:

- ولا منك يا حبيبى


❈-❈-❈

صف سيارته بالمرأب الخاص بقصر عائلة "الدمنهوري" ثم تقدم بخطوات ثابتة نحو الداخل، ليلتقي بها أمامه ويبدو عليها ملامح الإنزعاج وعدم الرضا بمجرد أن رأت وجهه مالعادة، لتزجره فى حنق هاتفة بحدة:

- أيه اللى جابك هنا يا جواد؟ مش خلاص أشتريت فيلا جديدة وأستقريت فيها بعيد عننا ونسيتنا! جاي تورينا وشك تانى ليه؟
أغمض عينيه بإنزعاج شديد محاولا أمتصاص غضبهِ، هو لا يسمح لأحد أن يتحدث إليه بتلك الطريقة المتهكمة، ولكنها ليست كأحد، لا يستطيع أن يُعاملها كالاخرين، هى لها مكانة خاصة للغاية لديه، أو بالأحرى لها معاملة خاصة

تقدم إليها "جواد" بهدوء وأنحنى لكى يُقبل جبهتها بإقتضاب وأحترام لا يسطيع أن يظهر عكسه مُعقبا بكلمات ذات مغزى:

- أنا أنسى أي حاجة فى الدنيا إلا إني أنساكوا

رفعت "هناء" أحد حاجبهيا بأستهزاء على حديثه مُضيفة بتهكم:

- وليه لا! زى ما نسيت إنك لازم تجيب بنت لبنى فى أسرع وقت قبل ما تكمل الواحد وعشرين سنة أو على الاقل تتأكد إنها ميتة؟!

زفر بكثير من الغضب والكراهية لتلك الفتاة التى يرغمه الجميع على الوصول إليها وأحضارها، ومن والدتها التى كانت السبب فى كل ما عانه منذ طفولته إلى يومنا هذا، ومن تلك الشيطانة القابعة أمامه والتى لها نصيب الأسد من طفولته المريرة، ليهتف مُجيبا على حديثها مردفا بحدة وحزم:

- هجيبها، وقريب أوى كمان هتكون تحت إيدي

أبتسمت له بأستهزاء شديد كالعادة مُحاوله أستفزازه قائلة:

- أتمنى تكون قد كلمتك المره دى!

ها قد نجحت فى إستفزازه وكاد أن يخبرها أنه بالفعل أوشك على الوصول إليها، لتقاطعة شقيقته متحدثة نحوه وهى تهبط الدرج معقبة بمرح ومشاكسة:

- جواد!! أيه ده أنت هنا بجد!! يا سلام يا ولاد هو النهاردة العيد ولا أيه؟!

لأنت ملامحة قليلا بإبتسامة مقتضبة مجاملا إياها، لطالما كان كالحجارة لا يملك أي إحساس أو مشاعر تجاه أيه أحد، ولكنه معها يُحاول أن يكون ليس ذلك الشخص القاسي الجامد، هى تكاد تكون نقطة ضعفه الوحيدة، نعم هى شقيقته الوحيدة ويعتبرها طفلته بل وأكثر من ذلك، أحتضنها "جواد" متحدثا إليها بإستنكار:

- مكبرين الموضوع أوى أنتوا على فكرة، ده هو شهر اللى غبت فيه عنكوا، أرجع ألقيكوا اللى بتقولي أيه اللى جابك والتانية بتقولى هو العيد النهاردة!!

ضحكت "زينة" بصخب على حديث شقيقها وعلى ملامحه التى تحولت من الجمود إلى الإستنكار والقليل من الإنزعاج مُعقبة بعتاب:

- وأنت يا جواد شايف إن الشهر ده مدة قليلة!! ولا أنت بقى عجبتك العيشة لوحدك؟!

تنهد بقليل من الملل وتحولت ملامحه للبرود وأشاح بعينيه بعيدا عنها مُعقبا بإستسلام:

- أيوه أنا عجبتني العيشة لوحدي أرتحتوا بقى؟! ولو سمحتوا معدش حد يتكلم معايا فى حوار إني عايش لوحدي ده تانى، أنا مرتاح كده اوى

نظرت له "زينة" بكثير من التأثر والعتاب ولكنها فضلت أن تنهي ذلك الحديث خاصة بعد أن شعرت بتوتر العلاقه بين كلا من "جواد" و" هناء"، فعزمت على أن تُغير مجرى ذلك الحديث وتبعد كلاهما عن بعض، لتُعقب موجهة حديثها نحو "جواد" قائلة:

- طب بقولك أيه ما تيجى أرسمك، والله قمر وهطلعك قمرين، تعالى كده معايا

مدت يدها ممسكة بذراعه وهى تبتسم بحماس مصطحبة إياه إلى مرسمها الخاص الموجود بحديقة منزلهم، بينما كانت "هناء" ترمقهم بإنزعاج شديد، تلك الفتاة المدللة التى لم تنجح فى فرد سيطرتها عليها من البداية، ولكنها لن تسمح لأحد أن يجعل ما زرعته داخل "جواد" يروح هبائا ولو حتى كلفها الأمر أكثر مما فعلت

❈-❈-❈

لما منذ أن أتى إلى القصر وهو يراها تبكي هكذا وتحاول إخفاء بكائها عن الجميع وخاصة والدتها!! لماذا تبدو مثل الزهرة الدابلة؟! هو لم يراها تبكي من قبل!! دائما ما كان يراها وبسمتها على وجهها، يجب أن يعلم ماذا يجري بالضبط؟ ماذا فعلت تلك الغبية وتحاول إخفائه!! تقدم إليها ببضع خطوات حتى أصبح يقف امامها مباشرة

كانت "سلمى" شاردة الذهن تبكي على ما فعلته بنفسِها، لتلاحظ ذلك الجسد الماثل أمامها بطول قامته وعرض منكبيه يضع يده بجيبه بغرور وكبرياء، لتهب واقفة مردفة برهبة:

- جواد بيه!

ليقابلها "جواد" بنظرات حادة متفحصة إياها بهدوء شديد مما أثار فزعها مُعقبا بإيتفسار:

- بتعيطي ليه؟

جففت دموعها بسرعة فى لهفه وإرتباك مُعقبة برهبة:

- لا أبدا مفيش حاجة، حضرتك تأمرني بحاجة..؟!

رمقها بنظرة جامدة دبت الرعب داخل قلبها، ثم قبض على ذراعها بحدة وصاح بها بنبرة غير قابلة لنقاش:

- لما أسال على حاجه تردى عليا من غير كدب أحسنلك

أنفجرت "سلمى" فى البكاء عندما تذكرت ما حدث لها وأخذت ترتجف بين يديه، ليزيد من حدة قبضته على ذراعها وهتف بها مُعقبا بنهي:

- من غير عياط، أتكلمي من غير عياط

هبطت راقعة عند قدميه فى توسل وبكاء مُستعطفة إياه مردفة بألحاح وإنكسار:

- أبوس رجلك يا جواد بيه، أبوس رجلك ألحقني، أبوس رجلك ألحقني ومتفضحنيش أو تقول لأمي بالله عليك

أدرك سريعا إنها قد فعلت مصيبة ويبدو إنها تخُص العرض، ليرمقها ببرود ثم توجه ناحية الطاوله لسحب أحد الكراسي ليجلس عليه واضعا قدم فوق الاخرة بإستعلاء مردفا بهدوء مخيف:

- أسحبيلك كرسي وتعالي أترزعي هنا قدامي

فعلت ما أمراها به ليرمقها ببرود مُعقبا بإستفسار:

- هببتي أيه؟

أخفضت رأسها بالارض خجلا مما فعلته، ولكن ليس لديها خيار أخر، عليها أن تستنجد بأحد وإلا ستندم كثيرا، لتعزم على أن تُخبره لكى يُساعدها فى مصببتها تلك، تحدثت بندم وبكاء مُعبر عن حجم كارثتها هاتفة:

- من سنة كده بعد ما خلصت الثانوية العامة أتعرفت على شاب من عندنا من الحي، كان معروف عنه أنه أخلاقة كويسة، قربنا من بعض وحبينا بعض أوى والحب ده أتطور وبقى ..

شعرت بالخجل م نأن تكمل ما حدث، ليزجرها "جواد" راغما إياها على الأستمرار فى الحديث مُعقبا بإهتمام:

- كملي يا سلمى، كملي ومتنسيش حاجه

أبتلعت بمرارة وإرتباك ثم أخذت نفسا طويلا مُكملة:

- بقى يقولي أنه بيحبني وهيتجوزني وإني مراته وربنا شاهد علينا، وأنه عايز يتأكد إني بحبه وبثق فية وأنا كنت مصدقاه وسبته يقرب مني، لحد ما جيه يوم و...

••

- يبقى أنتي مش بتحبيني ولا بتثقي فيا يا سلمى

أتسعت عينيها بصدمة مما صاح به، كيف له أن يقول إنها لا تحبه، هى لم يخفق قلبها لأحد غيره، هى لم تسمح بالأساس لأحد غيره أن يقترب منها ويدلف حياتها، صاحت به هى الأخرى والدموع تملئ عينها مُعقبه بإعتراض عما بدر منه:

- أنت أزاى بتقول كده يا خالد، دا أنا محبتش حد فى الدنيا دى كلها غيرك، بس اللى أنت بتطلبه ده صعب أوى

جذبها إليه مقربا إياها منه مُطالعها ببعض النظرات الحنونة مطمئنا إياها هاتفا بهدوء:

- يا بت أنا بحبك، بس أنا حاليا تعبان ومحتاج الحاجه دى أوى، أنتى حبيبتي ومراتي المستقبليه ولازم تساعديني، يعنى دلوقتي أنا لو روحت عملت كده مع واحده تانية مش هتزعلى؟!

نظرت له بإنزعاج وإستكار من مجرد فكرة أنه سوف يفعل هذا الشيء مع فتاة غيرها لتزداد حيرتها، ليضغط عليها بعد أن لاحظ تشتتها وقرر أن يستغله ضدها، ليعقب مُصطنعا الضيق والأستسلام:

- خلاص يا سلمى مش هنعمل حاجه، بس على فكرة ده معناه إنك مش بتثقي فيا، وبما إن مفيش ثقة بينا يبقى مينفعش يبقى فى جواز بينا، أو حتى ممكن تكوني خايفه إنى أعرف حاجه كده ولا كده!!

قال جملته الاخيرة بنبرة يملئها الشك، ليجن جنونها من سماع تلك الكلمات، لتصيح به بإنفعال شديد هاتفة ببكاء:
- أنت بتقول أيه يا خالد؟ أزاى تفكر فيا كده!! كل ده عشان بقولك إن الموضوع صعب عليا، أنا عمري ما سبت شاب غيرك يمسك إيدي حتى، أكيد هبقى خايفه ومرعوبة من فكرة إننا نعمل كده، ده غير إني خايفه إنك تسيبني أو تتخلى عني أو تقول عليا بنت مش كويسة عشان سبتلك نفسي؟!

نهاها عن ذلك التفكير رافضا إياه مُعقبا بوضوح وإصرار وبعض من الصدق:

- يعنى بردو مش واثقه فيا يا سلمى!! يا بت أفهمي أنا مقدرش أبعد عنك، وبعدين هقول عنك مش كويسة أزاى إذا كان أنا اللى طالب ده منك!! وكمان أنا هتأكد بنفسي دلوقتى إنك كويسة ومحدش لمسك قبلى ولا أيه؟!

أثر على أن يُعيد نفس الحديث حول تلك النقطة ليضيق عليها نطاق التفكير وتستسلم له، أومأت له براسها بالموافقة على ما ينوى فعله، ليبتسم لها بإنتصار مقربا إياها إلى صدره هامسا:

- طب يلا بينا بقى يا حبيبة قلبي

أمسك يداها وتوجه بها إلى الغرفة مُغلقا الباب خلفه، دلفا معا لتذهب وتجلس على الفراش فى تلبك، رمقها كالاسد الذى يكاد ينقض على فريسته، أقرب منها وجلس بجانبها على الفراش، ةسريعا ما بدأ فى مداعبتها وأنهال عليها بالقُبل الحاره ويده تعبث داخل ملابسها إلى أن أصبحت كالغائبة عن الوعى بين يدية لا تعلم متى جردها من ملابسها!

لتصبح أمامه عارية تماما وهو يحاوطها بين ذراعيه، أذابها فى لذة لمساته المتفرقة على ثائر جسدها وشغف ونعومة قُبلاته، لم تفق من تلك اللذة والمتعة إلا عندما أنتهى مما كان يريده وفقدت عذريتها، لتستيقظ على مصيبة كبيرة قد أرتكبتها فى حق نفسها وحق والدتها التى لا تستحق منها ذلك

•••

أنهارت من البكاء ندما على فعلته فى حق نفسها، بينما هو لم يتاثر بشئ مما قصته عليه، بل ناظرا لها منتظرا أن تُكمل ما بدأته، لتضيف بندم ومرارة:

- فضل كل فترة يطلب منى نعيد اللى عملنا ده لحد من أسبوع كده، كان بقالي فترة تعبانة أوى، حتى ماما لاحظت إني تعبانهدة فقالتلي أروح أكشف، وفعلا روحت وأخدت واحده صحبتى معايا وأكتشفت إني حامل، جريت عليه عشان أقوله بس رده وقتها صدمني

••

- ألحقني يا خالد أنا فى مصيبة

شعر بالفزع من هيئتها المروعة وخوفها الشديد والواضح عليا ليهتف مستفسرا:

- مصيبة أيه يا بت! مالك؟

أنهارت فى بكائها مُضيفة بندم:

- أنا حامل يا خالد

صُدم مما قالته وأرتبك لبعض من الوقت، فهذا الشئ لم يكن فى حسبانه مُطلقا، هو لا يستطيع تحمل تلك المسؤلية الان، ليجد أن أسلم حل له هو التخلى عنها، ربما سيكون حينها شخص ندل ولكن هذا سيكون أفضل لكلاهما، أستدعى ثباته ليحدثها بنبرة قاسية:

- من مين يا زباله؟!

صُعقت من هذا السؤال ومن ردة فعله الغير متوقعة، ماذا يقصد بهذا السؤال! هل فقد عقله، لتصيح فيه بحدة وبكاء مُعقبة بهجوم:

- من مين أزاى يعنى!! هو أنا كنت أتهببت مع حد غيرك؟!

رماها بنظرة أحتقار كانت كافية بالنسبة لها أنه قاصدا كل كلمة يقولها، مُعقبا بحدة:

- وأنا أعرف منين يا طاهرة!! اللى تسيب نفسها لواحد قبل الجواز ومفيش بينهم حاجة، تسيب نفسها لأي حد تاني

قبض على ذراعها بقسوة وملامح جامدة وكأنه شخص أخر غير ذلك الذى تعرفه، مُضيفا بتحذير:

- إياكى أشوف وشك تاني ولا حتى بالصدفة صدقيني هفضحك يا سلملى، ومش بس كده أنا كمان هوري الناس كلها صورنا وأحنا مع بعض فى السرير، وساعتها لا أنا ولا غيرى هنعبرك

صمت قليلا وهو يرائ معالم الصدمة على وجهها، ليتنهد بصعوبة حاول جاهدا عدم إظهارها قائلا:

- أنا لو منك أروح أنزل العيل ده وأعمل عمليه وأرجع بنت زى الأول تاني ولا من شاف ولا من دري وأظن أمك معاها فلوس من شغلها عند الناس الأغنية، بس الأهم إني معدتش عايز أشوف وشك تاني، أنسيني أنتي فاهمة؟

دفعها بعيدا عنه ثم أعطاها ظهره تاركا إيها لتتحمل مسؤلية ما حدث بمفردها، لتسقط فى أرضا منهارة بسبب ما أستمعت له، ظلت تبكي وتصفع نفسها على وجهها على ما فعلته بنفسِها، ولكن ما هى فائدة الندم بعد فوات الأوان؟

•••

ظلت تبكي بحرقة وقهر على ما حدث لها وهى تلقي عليه تلك التفاصيل المريرة، لتضيف من بين دموعها فى ضعف وإنكسار:

- سابني ومشى ومن ساعتها بكلمه مش بيرد عليا وأنا مش عارفة أعمل أيه!!

كانت تنتظر من أي شيء أن يصرخ عليها، أو يسبها أو حتى يخبر والدتها بما قصته عليه، ولكن ردة فعله لم تكن تتوقعها على الإطلاق، فاجائها "جواد" بعدة صفاعات ممتالية على وجهها

شعرت بالفزع والرعب الشديد منه ومن فهلته، فهو لم يسبق له أن يفعل هذا الشيء معها أو مع أي شخص يعمل لديه، لتنظر له برهبة وزعر وهو يصيح بها بغضب وإنزعاج:

- دول عشان أنتي واحدة زبالة ورخيصة واللى المفروض أعمله دلوقتي هو إني أقوم أخدك وأطلع على أى مكان تاني غير هنا وأعمل فيكى أوسخ من اللى هو عمله بكتير وأنزلك أنا الجنين ده بطرقتي

طالعته بكثير من الفزع والزعر غير قادرة على التفوه بأية كلمة، بينما هو أكمل حديثة رامقا إياها بإشمئزاز وهجوم صريح منه قائلا:

- مبصتيش لأمك المكسورة عليكي من بعد موت أبوكي عشان تربيكي وتعلمك وتدخلك كلية انتي أصلا متستهليهاش، هو وسخ وأبن ستين كلب بس ميتلامش عشان أنتي اللى رخيصة، عشان كده وساخته طلعت عليكي

أنحنت لتقبل قدمه بضعف وإنكسار مُعقبة ببكاء مرير:

- أبوس رجلك يا جواد بيه، أه أنا زبالة وأستاهل كل اللى يجرالي، أعمل فيا اللى أنت عايزه بس أستر عليا، أمى لو عرفت حاجة هتروح فيها، أبوس أيدك أسترني

لحظات من الصمت وهو يتفرسها بنظرات جعلتها ترتجف من داخلها من شدة خوفها منه، ليكسر هذا الصمت هاتفا بنبرة إشمئزاز:

- اللى أنا هعمله ده مش عشانك أنتي لا ده عشان أمك بس، أنتي هتيجى معايا دلوقتى واللى هقوله هيتنفذ ومش عايز أسمع نفسك مهما حصل وإلا والله هدفنك أنتي وهو فى تربة واحدة صاحين

أومأت له برأسها موافقة إياه عما قاله مُعقبة برعب:
+

- حاضر يا جواد بيه
هتفت والدة "أدهم" بابتسامة ودودة موجهة حديثها نحو "منال" مضيفة بحماس:

- أومال فين العروسة يا مدام منال؟ مش هنشوفها ولا أيه!!

ابتسمت لها "منال" بود مُتبادل وكثير من الترحاب مُعقبه بسعادة:

- أكيد طبعا، مالك أخوها راح يندهلها

بينما غمرت البسمه وجه "ديانة" بعد سماعها صوت أخيها مُعلنها عن موافقة والدها مُعقبا بابتسامة وهو يغمزها ببعض من المرح:

- تعالي يا عروسة كلمي بابا عشان عايزك

ارتسمت السعادة على وجه "ديانة" بينما صاحت "ملك" بقليل من المرح وهى تُقبلها:

- ألف ألف مبروك يا قلبى وأخيرا هنخلص منك الحمدلله

ضحك كلا من "ديانة" و"مالك" على طريقة "ملك" المرحة، لتقوم "ديانة" بضربها بخفه على ذراعها مُعقبة بمرح مشابه يغلفه الكثير من الحب:

- عقبالك يا أم سبعة وسبعين لسان

صاحت "ملك" بكثير من اللهفة والحماس مردفة بتمنى:

- يارب يا أختي

رمقها "مالك" بنظرة صارمة على لهفتها تلك لتتفهما "ملك" وتفضل الصمت بدلا من وقوع نزاع حاد بينهم الأن، بينما أمسك بيد "ديانة" وخرج معا متوجهان إلى غرفة الضيوف، دلفت "ديانة" بصحبة أخيها إلى تلك الغرفة التى يجلسون بها مُتحدثة بخجل:

- مساء الخير

طلت عليهم بزروقاوتيها البارقتان مُرتدية ذلك الفستان الكشميري الحريري تاركة العنان لشعرها المُتدلي منه بعض الخصلات المنسدله على وجهها مما ذادتها جمالا، بالأضافة إلى ذلك الحذاء ذو الكعب المرتفع مما جعلها تبدو فى غاية الجمال والاناقة

نظر جميع من فى الغرفة لها بإعجاب كبير، هى حقا شديدة الجمال حتى أن "أدهم" صُدم حينما رائها، بالتاكيد فهو لم يراها بهذه الأنوثة والأناقة من قبل، ليشعر بالرضا على نفسه إنه قام بتلك الخطوة وتقدم لها بطلب الزواج ولم يُضيع تلك الفرصة من يديه

لفت انتباه الجميع صوت والد "أدهم" بابتسامة فخر بإختيار أبنه مردفا بحماس وسعادة:

- طب يا جماعة أنا بقول مفيش داعى نضيع الوقت أكتر من كده، أحنا نقرا الفاتحة النهاردة والخطوبة زى ما أتفقنا الخميس الجاي

ابتسم "محمود" بسرور لرؤيته البسمة على وجه أبنتة مُجيبا على حديث "بكرى" مردفا بموافقة:

- على خيرة الله

❈-❈-❈

يقف فى منتصف الغرفة التى لا يوجد بها أية مخرج سوا ذلك الباب المغلق جيدا الذى لا يستطيع فتحه، ليعود ويجلس على ذلك الفراش منتظرا أن ياتي إليه أحد ليخبره لما هو هنا!! وماذا يردون منه!! والأهم لماذا أحضروه تلك الرجال إلى هنا بهذه الطريقة؟!
جلس "خالد" يفكر من الذى يمكن أن يُحضره بتلك الطريقة الإجرامية ولماذا؟! ظل يفكر فى تلك الطريقة التى أحضروه بها، تلك السيارة السواد التى أقتحمت شارعهم وأخذته من بين الناس رغما عنه وفرت به أتية به إلى هذا البيت الغريب عنه!!

كان شاردا الذهن إلى أن قطع تفكيره دخول ذلك الشخص الغريب والغامض والذى يبدو إنه من ذي الطبقة العُليا بصحبة رجاله والذين يبدوا عليهم أنهم حُراس له، ليسرع "خالد" بالنهوض واقفا أمامه مُصيحا بغضب وانزعاج:

- أنت مين وعايز مني أيه؟! وأزاى أصلا تجبني لحد هنا بالطريقة دى و...
لم يُنهى "خالد" جملته بل قاطعته صفعة قوية أسكتته من أحد رجال الحراسة الموجودين بالغرفة، ليرمقة ذلك الشخص الغريب عنه وهو يخلع نظارته بهدوء وكبرياء مردفا ببرود:

- أولا يا خالد لما تيجب تتكلم معايا تتكلم بأدب ده طبعا لو عايز تخرج من هنا على رجليك!! ثانيا بقى أنا أبقى مين!! أو عايز منك أيه!! أو جبتك هنا ليه!! كل الأسئلة دي أنت اللى هتعرف أجابتها لوحدك

حول "جواد" بنظره بعيدا عنه حتى وصل بنظراته إلى باب الغرفة و"خالد" يتبعه بعينيه، وبمجرد أن وقعت عينيه على هذا الباب حتى فُتح ودلفت منه "سلمى" برعبة وخوف، لينظر لها "خالد" فى صدمة مُدركا إنه أوقع بنفسه فى مأزق كبير جدا، ليغمض عيناهُ بغضب مُمذوج بكثير من القلق، بينما حدثه "جواد" بهدوء مريب بعض الشيء مُبتسما بسخرية:

-؛طبعا يا خالد أنت عارف سلمى عز المعرفة، وعارف كمان أنت عملت معاها أيه بمنتهى الوساخة والندالة، بس أنا بقى مش جيبك هنا عشان أقولك أنت غلط والكلام الفارغ ده لا، أنا جيبك هنا عشان أنت فعلا غلط واللى غلط لازم يدفع تمن غلطته يا خالد

جلس "جواد" على إحدى الأرائك الموجودة فى تلك الغرفه، وهو يُطالع "خالد" بنفس تلك النظرات الباردة والابتسامة الساخرة مُضيفا:

- أنا طبعا عارف إن مش أنت لوحدك اللى غلط وإنها هى كمان غلطت ولازم هى كمان تتعاقب، بس عقبها هيكون مختلف عنك شويه، وعقبها هو إنها هتنزل الجنين اللى فى بطنها وتتحرم منه وتقريبا كفاية أوى اللى هى عاشته بسببك الفترة اللى فاتت دي، ده لوحده كفيل أنه يربيها ويعرفها غلطها فين، إنما أنت بقى أنا شايف إنك لسه متربتش فقولت لأزم أربيك بنفسي، عشان الغلط ميتقررش تاني

قال جملته الأخيرة وهو يرمقه بشبح ابتسامة لم تتحرك لها شفتيه كثيرا، بالإضافة إلى ملامحة التى أصبحت قاسية مُضيفا بحدة:

- الراجل يا خالد بيتربط من لسانه، واللى بيقول كلمة لازم يبقى قدها ولو مش قدها يستحمل نتيجة أخطائه وأنت مش راجل وعشان كده لازم تتحاسب وتتربى من أول وجديد وتدفع تمن غلطتك

رجع "جواد" بظهره إلى الخلف وأكمل حديثه مُعقبا بسخرية:

- سمعت إنك قولت لسملى جملة عجبتني أوى بصراحة قولتلها "أنا لو منك أروح أنزل العيل اللى فى بطني ده وأعمل عملية وأرجع بنت تاني ولا من شاف ولا من درى" وأنا عجبتني فكرتك أوى وهنفذها بس مش فى سلمى لوحدها لا، وفيك أنت كمان

شعر "خالد" بالتوتر من حديث "جواد" وكاد أن يُصيح به، ليجد بعض الحراس يحملونه ويلقون به على الفراش، ومن ثم أنهالوا عليه وأخذوا يجردونه من ملابسه بالكامل ويثبتونه على ذلك الفراش جيدا، بينما صاح "خالد" بهم فى فزع ورعب وهو يصرخ مستنجدا ب "سلمى" هاتفا:

- أنتوا... أنتوا بتعملوا فيا أيه؟! فيه أيه يا سلمى!!

قال أسمها وهو يصرخ من شدة الرعب الذى شعر به مما يفعلون به هؤلاء الرجال، بينما شعرت "سلمى" بالخجل من رؤيته هكذا يُجرد من كامل ملابسه ولا يستره أية شيء لتُبدأ هى فى البكاء، نعم هى لا تعلم ما الذى سوف يفعله به "جواد" ولكن الذى أستنتجته أنه سيجعله يندم كثيرا وسيظل يُعاني مدة كبيرة مما سيفعله به

لاحظ "جواد" بكاء "سلمى" ليرمقها بنظرة حادة دبت الخوف داخل قلبها، ولم ينقذها من تلك النظرات التحذيرية البصرية سوا دخول ذلك الرجل حاملا بيده تلك الحقيبة، ليُنهض "جواد" ويقف معه أمام الفراش المثبت عليه "خالد" وأخذ يحدثه ببرود غير مكترث لأي شيء:

- أهلا يا دكتور، أظن الموضوع كده بقى سهل خالص، أهو جاهز قدامك يعنى مجرد إبرة بنج موضعي ونخلص الحوار ده

أومأ له "الطبيب" بالموافقة على حديثه، وكيف له أن لا يوافق فهو يعرف جيدا من يكون "جواد الدمنهورى" ليهتف مُعقبا بإنصياع:

- تحت أمرك يا جواد بيه

صاح "خالد" بكثير من الزُعر والفزع وهو عارٍ الجسد تماما مُثبت على الفراش من قبل رجال "جواد"، هناك رجلان مُمسكان بيديه الاثنان مفرقان بينهم ورجلان أخران مثبتان قدميه مُباعدان بينهما جدا بإحكام لدرجة أن "خالد" لا يستطيع الحركه مُطلقا، وهذا لفتح المجال لهذا الطبيب كى يقوم بعمله:

- بنج أيه وحوار أيه اللى هيخلص أنت ناوي على أيه؟!

قال "خالد" جملتة تلك بصراخ شديد ويبدو عليه ملامح الرعب والفزع مما يدور فى مخيلته، ليرمقه "جواد" ببرود وهو يتقدم إليه نحو الفراش ليصبح يقف بين ملتقى ساقيه بالظبط ويطالعه باشمئزاز مُعقبا:

- بما إنك طلعت عيل وسخ ملكش كلمة وجبان وقذر كده، فأنا قررت أسمع بنصيحتك وأنهي الحاجة الوحيدة اللى بتربط بينك وبين الرجالة عشان متبقاش وصمة عار عليهم وتتضاف ليهم وأنت مش منهم، اللى بيقول كلمة يبقى قدها ولو طلع عيل خ** زيك كده يستحمل بقى اللى يجراله وبما إنك طلعت خ** فى كلمتك يبقى نخليك كده بجد بقى

فطن "خالد" ما ينوى عليه "جواد" وماذا يريد أن يفعل به، ليصرخ "خالد" بفزع ورعب مما هو مقبل عليه الأن:

- تخليني أيه؟ وتنهي أيه؟ أنت مجنون؟! يا سلمى!!

قال جملته الاخيرة وهو ينظر إليها بتوسل مُستنجدا بها، لتنظر هى أرضا وهى لا تستطيع التوقف عن البكاء، ليدرك حينها أنه قد كسر قلبها وأنهى على كل هذا الحب التى كانت تحمله له فى ذلك اليوم عندما تخلى عنها وطعنها فى شرفها، ليبدأ فى البكاء بقوة من شدة خوفه مما سيحدث له خلال ثوانٍ

بينما قام "جواد" بالجلوس مرة أخرى على هذا الكرسي بجانب الفراش لكى يُتابع ما أمر به "الطبيب" أن يفعله

لاحظ "خالد" أقتراب "الطبيب" منه بعد أن أنتهى من إعداد كل ما سيحتاج إليه بجانبه على طاولة صغيرة، ثم رائه وهو ممسكا بإحدى الأبر الطبية بيداه مفرغا ما بداخل ذلك الامبول بتلك الأبرة ومقتربا منه

كاد قلب "خالد" أن يتوقف من شدة الرعب، هو الأن على وشك أن يفقد رجولته إلى الأبد وهذا بسبب عملته الرخيصة والدنيئة تلك، والتى لم يكن ينوي أن يفعلها مُطلقا والان هو يندم على كل ما فعله، ليصرخ برعب وفزع عندما رأى "الطبيب" يقترب منه:

- أبوس أيدك يا جواد بيه، أبوس رجلك بلاش كده، هعملك اللى أنت عايزه بالحرف، بس كله إلا كده

توقف الطبيب منتظرا أوامر "جواد" بينما ابتسم هو ابتسامهة لم تلامس عيناه وهو يتابعه بسخرية وهدوء أعصاب مُعقبا:

- أنا أصلا مش عايز منك حاجة يا خالد، أنا بس عايز أربيك وأعلمك درس تحلف بيه طول عمرك، بس أنت عارف إن الواحد عشان يتعلم الدرس لازم يدفع التمن غالي، ورجولتك هى تمن غلطتك وعشان متضحكش على أي بنت تانية بأسم الحب والجواز والشويتين دول، أصل ديل الكلب مبيتعدلش فلازم يتقطع، أما بقى بالنسبة ل سلمى فأنا هعرف أعوضها كويس أوى

نظر "جواد" نحو "الطبيب" مرة أخرى مُتحدثا بإستفسار:

- وقفت ليه يا دكتور؟! أنا مطلبتش منك توقف!! كمل

تقدم "الطبيب" تجاة "خالد" المُثبت أمامه جيدا والذى لم يتوقف عن الصراخ والبكاء، ليجلس بين قدميه المثبتتان من قبل هذان الرجلان، وأمتدت يده لكى تمسك برجولته حاقننا إياه بذلك المخدر لكى يبدا فى عمله!!

لاحظ "جواد" فزع "سلمى" وبكائها الشديد ليدرك إنها قد رق قلبها لهذا الندل مرة أخرى ليزجرها بحنق:

- أطلعي برا يا سلمى

نظرت له بضعف وترجي بأن يتوقف عما يفعله ولكنها لا تستطيع أن تطلب منه ذلك، هى تعتبره فرد من عائلتها بل كل عائلتها، هى ترعرعت فى بيتهم وتحت رعايتهم، كادت "سلمى" أن تخرج من الغرفة ليوقفها صوت "خالد" مستنجدا بها صارخا بهستريا موجها حديثه نحوها ونحو "جواد" قائلا:

- لا يا سلمى متسبنيش، أبوس أيدكوا متعملوش فيا كده أبوس أيدك يا جواد بيه، بالله عليكى يا سلمى هعملك كل اللى أنتى عايزه، والله العظيم هتجوزك وهعترف بالطفل وعمرى ما هزعلك، أبوس رجلك يا سلمى ألحقينى، أبوس إيدكوا بلاش كده بالله عليكوااا

كان يصيح بكل كلمة وهو يصرخ بفزع ورعب، أرتجف قلب "سلمى" من البكاء والحسرة، لتُسرع وتلقي بنفسِها تحت قدمي "جواد" بترجي وضعف متوسلة:

- أبوس رجلك خلاص يا جواد بيه، أنا مش عايزة منه حاجة خلاص، سيبه يمشي أبوس رجلك سيبه خلاص مش عايزة حاجة بالله عليك

نظر لها "جواد" بغضب شديد من ضعفها هذا أمام ذلك العاهر، ليصيح بها بحدة وحنق:

- أنا مش قولتلك أطلعي برا، يلااا

أسرعت "سلمى" بالخروج من الغرفة بسبب صراخ "جواد" عليها، بينما "خالد" ظل يصرخ بنهي من أن يفعلوا به هذا الشيء ويبتروا رجولته، وأزداد صراخه عندما راى تلك الاداة الحادة تقترب من رجولته أكثر، ليرتجف قلبه من الخوف ويصرخ نهيا بتلعثم وهسترية:

- لا أبوس رجليكوا، بالله عليك يا جواد بيه حرمت والله، والله ما هعمل كده تانى وهصلح غلطتي، بلاش كده، بلاش كده يا جواد بيه، أبوس رجلك لااا

كاد "الطبيب" أن يفعلها بعد أن أمسك برجولة "خالد" بإحدى يديه وباليد الاخرة ذلك المشرط الطبي، ليوقفه صوت "جواد" نهيا إياه بحدة:

- لحظة يا دكتور

نهض "جواد " من مكانه وأخذ يقترب من الفراش، ثم أنحنى مُلاقيا أعينه بأعين "خالد" الذى كاد أن بتوقف قلبه من الصراخ مُعقبا ببرود:

- هى كلمة واحده ومش هقررها تاني، أبعت أجيب المأذون ونخلص؟ ولا أخلي الدكتور يكمل شغله وبردو هنخلص؟

أومأ له "خالد" برأسه كالمجنون موافقا على حديثه صارخا بلهفة:
- أيوه أيوه هات المأذون والله هعملكوا اللى أنتوا عايزينوا بس بلاش الدكتور أبوس رجلك

ابتسم "جواد" ابتسامة سطحية لم تلامس عيناه ليضيف بهدوء:

- معلش يا دكتور تعبناك معانا بس خليك بردو لو حبينا نغير رأينا ولا حاجة

أعتدل "جواد" فى وقفته ووجه حديثه نحو الرجال الممسكين ب "خالد" مُعقبا برسمية:

- سيبوه يلبس وأبعتوا هاتولي ماذون حالا

❈-❈-❈

كان قلب "سلمى" يرتجف من شدة الرعب بسبب ما تيقنت منه وأن "جواد" لن يتراجع عن قراره، أزداد فزعها عندما توقف "خالد" عن الصراخ، لتُخمن أنه قد تجرد من رجولته أو ربما يكون قد مات؟ شرعت فى البكاء وأخذت تلعنه وتلعن نفسها بداخلها، فهو من أوصل كلاهما الى هذا الحال، هو من فعل بنفسه وبها ذلك الشيء

توقفت "سلمى" عن البكاء عندما رأت "جواد" يخرج من الغرفة هو وكل من كانوا معه بالإضافة إلى ذلك الطبيب، لتبتلع برعب يبدو أن الدور قد جاء عليها وحان وقت أن تُجهض ذلك الجنين، ليقطع تفكيرها صوت "جواد" زافرا بحنق:

- الماذون جي فى السكة، أدخلي أقعدي معاه وشوفي نفسك لسه عايزة يكتب عليكى ولا لا وفى الحالتين أنا هعرف أحميكي

شعرت "سلمى" بالسعادة العارمة بأنها سوف تتزوجه ولن ينفضح أمرها أمام أحد، ولكنها تذكرت ما فعله به "جواد" لتشعر باليأس والحزن مرة أخرى، ولكن يكفيفها الأن أنه سيتزوجها وسيعترف بذلك الطفل، كادت "سلمى" أن تدلف الغرفة ليوقفها "جواد" مستهزا:

- على فكرة أنا معملتلوش حاجة، لسه زى ما هو، موقتا بس لحد ما نعرف ردك أيه!!

فطنت ما يقصده وابتسمت براحة وأمتنان ثم دلفت إلى الغرفة لتُصعق مما رأته، "خالد" جالسا على الفراش مرتديا سرواله الدخلي فقط ولا يتوقف عن البكاء كالاطفال، ألتقطت "سلمى" ملابسه من على الأرض وأقتربت لتجلس بجانبه على الفراش، لكى تُهدى من روعته وبمجرد أن جلست بجانبه أرتمى داخل صدرها وأخذا يبكي بهسترية ويعتذر بندم:
1

- أنا أسف يا سلمى والله العظيم مش هتتقرر تانى سامحيني، أنا بحبك والله بحبك أوى، أنتي عارفة ظروفي عشان كده عملت معاكي كده لكن انا والله العظيم بحبك

أخذت "سلمى" تربط على كتفيه مُهدئة إياه مُتحدثه بحب وتسامح:

- مسمحاك يا خالد، متخفش محدش هيعملك حاجة، بس قوم ألبس عشان المأذون زمانه جي

قطع حديثهم صوت طرقات أحد رجال "جواد" معلنا عن وصل المأذون، لتردف "سلمى" فى حرج مجببة إياه:

- أحنا جاين أهو

❈-❈-❈

- بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى الخير

صاح "المأذون" بتلك الجملة مُعلنا عن إتمام عقد القيران، لتملئ الفرحة قلب كلا من "سلملى" وحمدت ربها على إنهاء ذلك الأمر بتلك الطريقة، ليحطم فرحتها تلك صوت "جواد" مُعقبا بحدة:

- معلش يا عم الشيخ هتستنى شوية عشان هنطلق تاني

تفاجئ "المأذون" من هذا الطلب الغريب وكاد أن يتحدث نهيا عن هذا الأمر، ليقاطعه "خالد" الذى تحدث بخفوت وإنكسار مُوجها حديثه نحو "جواد" قائلا:

- بعد أذنك يا جواد بيه ممكن أتكلم مع حضرتك كلمتين على إنفراد!!

رفع "جواد" حاجباه فى استنكار وأضاف مستهزئا:

- هو البنج أثر عليك ولا أيه!! الدكتور معملش حاجه لسه!!

شعر "خالد" بالحرج الشديد من كلمات "جواد" ذات المغزى المهين له، ليهتف على أستحياء:

- أنا عايز أتكلم مع حضرتك فى حاجة بعد أذنك

زفر "جواد" فى حنق ولكنه وافق على طلبه ليعلم فى ماذا يريد أن يتحدث معه، ليعقب بملل:

- تعالى ورايا

دلف "جواد" إلى إحدى الغرف بصحبة "خالد" مُغلقا الباب خلفه مُعقبا باسهزاء:

- خير يا سيد الرجالة!!

شعر "خالد" بالحرج من كل تلك الأهانات التى يتلقاها من قبل "جواد"، ولكنه يعلم إنه يستحق ذلك ليستجمع شجاعته وعقب بنبرة يغلفها الانكسار:

- أنا مش عايز أطلق

ألتفت إليه "جواد" مبتسما بسخرية قائلا:

- أيه بقيت راجل كده فجاه؟!

يكفى إلى هذا، لما يصمم على إهانة دون معرفة أسبابه لفعل هذا، لقد كان نذل هو لا ينكر ذلك ولكن لمالم يسأله أحد عن سبب نذالة تلك، لتمتلئ العبرات عيني "خالد" مُضيفا بإنكسار:

- متفكرش إني وحش أوى كده، أنا حبيت سلمى بجد وأكتر مما تتخيل كمان، بس اللى حصل ده كان غصب عنى، كنت مستنى منى أيه!! أنا شاب خريج كلية تجارة بتقدير جيد جدا أتخرجت وطلع عيني على وظيفة ملقتش أضطريت أشتغل سواق على عربية عشان يا دوب أقدر أكفي مصاريفي الشخصية، هروح أزاى بقى أخطب وأجيب شبكة وأعمل عفش وأشتري شقة وأعمل فرح منين كل ده؟! من المائة جنية أُجرتي من كفيتي على العربية طول النهار والليل!!

ابتسم بمزيج من الانكسار والاستهزاء أيضا على حالهته المتعسرة تلك، ليكمل حديثه ودموعه تتساقط من عينيه:

- لا وكمان أخلف عشان أجيب عيال أحرمهم!! يبقى الناس بتاكل لحمه وفراخ وأنا أكلهم فول وفلافل عشان ده اللى على قد حالى، ممكن أجبلهم اللحمه مرة فى الشهر لكن مقدرش أجبها كل أسبوع، قولي أنت بقى لو مكانى كنت عملت أيه غير إنك تكون ندل؟!!

كان يطالعه بهدوء شديد منصطا جيدا لكل كلمة يقولها، ليأخذ نفسا عميقا بعد أن أنتهى "خالد" من حديثه، ليهتف بعدة كلمات مقتضبة دون التأثر بكل ما أستمع إليه مستفسرا:

- طب وأيه اللى غير رأيك دلوقتى وخلاك فاجأة كده مش عايز تطلق؟!

مرر يده على وجهه مُزيحا تلك الدموع التى خانتة وتهاوت من عيناه دون إرادة منه مضيفا بحسرة:

- عشان مش ضامن الدنيا هتقابلني فى واحدة تانية تحبنى وأحبها زى سلمى ولا لا!! عشان مش ضامن إن غلطة إني أنام مع واحدة بحبها وتحمل مني دي هتتكر تانى ولا لا!! عشان مش عايز أخسرها أو أخسر اللى فى بطنها.

أغمض عينيه بألم ليُكمل حديثة مُعتقبا بصدق واستسلام:

- ظروفى وحشة!! خلاص أدى الله وأدى حكمته، اللى حصل حصل وأنا مش هضيع الفرصة الحلوة الوحيدة اللى حصلتلي من إيدي، هأخدها ونعيش فى بيت أمى وأبويا واللى ربنا يقسم بيه هنعيش بيه وده اللى ربنا كتبه وأنا موافق بتدبير ربنا

أومأ له "جواد" بالموافقة وهو ينهض مُتوجها ناحية باب الغرفة، ليلتفت إليه قبل أن يخرج من الغرفة مُضيفا بنهى:

- مفيش طلاق، هستناك بكرة فى الشركة عندى، هبعتلك عربية بالسواق تجيبك ولو لعبت بديلك أو مجتش أنت عارف هجيبك أزاى
2

❈-❈-❈

فى أحد الشليهات الخاصة بالطبقة العُليا بمحافظة الأسكندرية، كانت تجلس بهدوء تام وعزلة لا تُحاول الأختلاط بأحد أو الهروب من ذلك المكان، كيف لها أن تهرب من كل هؤلاء الرجال الذين يُحاوطونها وتلك الفتاة التى تجلس معها ولا تفارقها ولو لحظة واحدة، حتى أن تلك الفتاة لا تسطيع القراءة والكتابة، فكيف لها أن تطلب منها المساعدة وهى غير قادرةعلى الكلام، لو كانت فقط قادره على الكلام ما كانت لتكون هنا من البداية

دلف إليها بغروره وغطرسته المعتادة يطالعها باستحقار مثل كل مرة يراها بها، ليلتفت إلى تلك الفتاة أمرا إياها أن تتركهم بمفردهما لبعض الوقت، وبالفعل أمتثلت تلك الفتاة إلى أوامره وغادرت الغرفة على الفور، بينما تقدم هو تجاهها راميا إياها بنظرات التوعد والتشفي قائلا:

- أخيرا يا لبنى بعد عشرين سنة فى عذاب وحيرة ووجع قلب وقلة راحة لناس عايشة وناس ميتة، خلاص كله هيرتاح.

أعتلت وجهها بعض من ملامح الاستنكار وعدم الفهم رامقة إياه باهتمام تحاول أن تستنتج ما يحاول الوصول إليه، بينما أكمل هو متحدثا باستهزاء:

- بصي بقى أنا عندي خبرين والاتنين أحلى من بعض، الخبر الاول هو إننا خلاص لقينا ديانة وهجبهالك عشان تشوفيها

شعرت "لبنى" بالفزع والرعب مما أستمعت إليه وقد أتسعت عينيها بصدمة وأخذ قلبها يرتجف بهلع شديد، لترمقه بنظرات الضعف والانكسار محاولة إستعطافه وأن يخرج أبنتها خارج ذلك الموضوع بينهم، بينمت أدرك هو ما تحاول الوصول إليه، ليبتسم بتشفي على ذلك الألم الذى يراه بعينيها عوضا عن تلك السنوات الذى ظل يتألم فيها بسبب عملتها الحقيرة

تقدم "هاشم" ليقترب منها قليلا وهو يضيف بنبرة يملئها التشفي والراحة مُعقبا بتوعد لا يريد منه فقط سوء جعلها تشعر بألمه ونيران قلبه، ولم يكن متأكدا من تنفيذ ما سوف يتفوه به:

- بس يا خسارة هيبقى ده اللقاء الأول والأخير وهو ده الخبر التاني إنكم انتوا الاتنين هتموتوا فى نفس اليوم اللى هجبهالك فيه، شوفتي أنا حقاني أزاى؟! زى ما قتلتيهم هما الاتنين مع بعض، أنتي وبنتك كمان هتموتوا مع بعض

بكت "لبنى" بقهر شديد وهى تُحاول أن تتحدث ولكن دون فائدة، لتلعن حظها على تلك الصدمة التى حدثت لها بهذا اليوم المشؤم وما نتج عنه فقدانها للنطق
شعرت بالعجز الشديد وما كان أمامها سوا أن تُسرع فى التوجه إليه وترمي بنفسها تحت قدميه مُترجيه إياه بنظرات الانكسار والضعف، لما لم يشعر بالراحة مما تفعله الان!! لما لا يشعر بالإنتشاء على ذلك الألم والدموع التى تفيض من عينيها رعبا وقهرا!!

لا يجب عليه أن يشعر بالضعف الأن ولا يجب أن يتذكر سوا شيء واحد، أن تلك المرأة دمرت أسرته بالكامل بداية من زوجته وطفلهم نهاية بشقيقيه معا، ليركلها بقدميه بعيدا عنه بمنتهى القسوه والجحود صائحا بغضب وألم يحرق قلبه:

- أبعدى عنى يا حقيرة، أوعى تفكري تقربي مني تاني يا زبالة، وحيات غلاوت اللى حرقتي قلبي عليهم لحرق قلبك زى ما عشت عشرين سنة قلبي محروق.

ذهب "هاشم" وتركها تبكي وتنتحب بألم ورعب مما هى مقبلة عليه هى وأبنتها، بل والجميع.

❈-❈-❈

دلفت المساعدة الخاصة به إلى المكتب مُعلنة إياه عن وصول "خالد" إلى الشركة مُعقبة برسمية واحترام:

- مستر جواد الشاب اللى حضرتك بلغتنا بمعاده وصل وفى إنتظار حضرتك برا

ضيق "إياد" ما بين حاجبيه باستنكار ثم حول نظراته نحو "جواد" مردفا باستفسار:

- شاب مين ده؟!

رفع "جواد" عينيه عن حاسوبه موجها حديثه نحو مساعدته هاتفا بهدوء:

- خليه عندك برا لحد ما أقولك تدخليه

أومأت له الفتاة بالموافقة وسريعا ما غادرت مكتبه لإنتظار أوامره، بعد أن عقبت برسمية:

- تحت أمرك يا فندم

حول نظره نحو "إياد" الذى لم يتوقف عن مطالعته بنظرة الاستفسار تلك منتظرا منه أن يُجيبه على سؤاله، أغمض عينيه بإستسلام وعزم على أن يخبرهما حدث وما يريد منه:

- هقولك عشان عايز منك حاجات كتير هتعملهالوا

قص عليه "جواد" كل ما حدث بداية من حديثه مع "سلمى" وعلقتها بهذا الشاب، نهاية بما فعله به وزواجه هو وسلمى وتلك المحادثة التى دارت بينه وبين "خالد"

صُعق "إياد" مما أستمع إليه من صديقه، هو لم يتعجب كثيرا لما فعله "خالد"، بالعكس فهذا يحدث كل يوم بين الشباب القذر والفتيات الساذجة ولكن ما صدمه حقا هو رد فعل "جواد" وما كاد أن يفعل، ليصيح بعدم تصديق:

- أنت طبعا مكنتش هتعمل فى الواد كده!!

مالت شفتايه بابتسامة جانبية مُستهزاً بحديث صديقه مُعقبا بجدية وإصرار:

- لا وحياتك أنا مكنتش هعمل غير كده وبالمرة أشوفله عريس هو كمان قبل ما أشوفلها

ضحك "إياد" بصخب على حديث "جواد" وطريقته الفظة فى التعامل مع تلك الامور الحساسة ليُضيف بمرح:

- دا أنت جاحد يا جدع، يعنى تأخد من الواد أعز ما يملك وكمان تشوفله عريس

- والله كنت هخليه يقعد جمبها زيه زيها، هو زبالة وهى رخيصة ويستاهلوا كل اللى يجرالهم، بس اللى منعني الطفل اللى فى بطنها عشان ملوش ذنب فى حاجة
7

قال جملته تلك وهو لايزال ثابت دون تاثر أو حتى التحرك من مكانه، بينما "إياد" قد تأثر بحديثه مردفا بقليل من الشفقة:

- عندك حق بس بردو يا أخى حرام عليك ده زمان الواد قلبة كان هيقف من كتر الخضة

لم يهتم "جواد" كثيرا لذلك التعاطف ليصلط زرقاوتيه داخل حاسوبه مُضيفا بجدية:

- المهم دلوقتي إن الولد ده خريج كليه تجارة عايزك تشوفله أى حاجه عندنا تكون مناسبة ليه وبمراب كويس وكمان عايزك تشوفله شقة كويسة عندنا وتخصم نص إجارها من مرتبه كل شهر وياريت لو تكون شقه مفروشة كاملة

رفع "إياد" حاجبيه بإندهاش من طلب "جواد"، هو لم يراه لطيفا لهذه الدرجة مع أحدا من قبل، من أين أتى بكل هذا العطف! قطع تفكيره صوت "جواد" مُتحدثا إلى مساعدته أمرا إياها بأن تسمح ل "خالد" بالدخول

دلف "خالد" المكتب بخطواط ثقيلة، هو إلى الأن لا يعلم لماذا طلب "جواد" مقابلته اليوم فى الشركة وماذا يريد منه، ليحمحم مردفا بحرج:

- صباح الخير يا جواد بيه

- أهلا يا سيد الرجالة

قال جملة وهو لايزال ينظر إلى حاسوبه دون إكتراث، بينما شعر "خالد" بالحرج من كلماته خصيصا لأن "إياد" كان يجلس معهم ويصلط نظراته عليه، لينتشله "جواد" من هذا الخجل مشيرا له بالجلوس

بمجرد أن جلس "خالد" أغلق "جواد" الحاسوب الذى أمامه رامقا "خالد" بنظرة جامدة مُضيفا بحزم وإقتضاب:

- أسمعني كويس يا خالد عشان أنا مبحبش أعيد كلامي مرتين، عشان كده أفهمني كويس أوى، أنت هتتعين عندي هنا فى الشركة

أشار بيده تجاه "إياد" مُكملا حديثه مُعقبا بوضوح:

- مستر إياد هو اللى هيبقى المسؤل عنك وليك شقة مفروشة بالكامل، وهيتخصم كل ده من المرتب كل شهر، كده يبقى فاضل الجواز هتتقدم لأمها زيك زي أى عريس وهى هتوافق بعد ما تعرف إنك أتوظفت، أهلك أو أمها محدش فيهم يعرف عن أى حاجه حصلت ولا حتى بالصدفة، المأذون اللى كتب عليكوا هيجي تاني وهتتفق معاه، الفرح يتم وكل حاجه، أظن أنت ممكن تحل مشكله المنديل وولدتها والكلام ده ولا دي كمان عايز حد يحلهالك

شعر "خالد" بالحرج الشديد من كلماته ومن نظرات "إياد" الذى يطالعه بتفحص شديد، بينما رمقه "جواد" باستهزاء مُضيفا:
+

- بعد الجواز بسبع شهور تكون ولدت وتقولوا أنه أبن سبع شهور والكلام ده ويبقى الحوار خلص

لم يستطيع "خالد" التفوه بكلمة واحدة أمام فضل "جواد" عليه، لا يعلم ماذا يقول أو ماذا يفعل!! ليطالعه بامتنان شديد مردفا بكثير من الحرج:

- أنا بجد مش عارف أقولك أيه على كل اللى عملته معانا، بجد شكرا يا جواد بيه
ينظر إليه "إياد" بعدم رضا مُعترضا على ما ينوي "جواد" أن يفعله مُتحدثا بإعتراض:

- لا طبعا يا جواد حرام عليك كده، دي مجرد غلطة صغيرة فى شغل الإدارة وتكاد تكون لا تذكر أصلا، تقوم أنت محول الولد لتحقيق مره واحدة

غضب "جواد" كثير من إعتراض "إياد" على تصرفه ذلك ومن أعتقادة بأن تلك الغلطة صغيرة كما يدعي ليصيح به فى حدة وغضب شديد:

- الغلطة دي مش صغيرة يا بشمهندس إياد، وحتى لو صغيرة اللى غلط لازم يتحاسب على غلطه ده، وإلا هيتمادى فى غلطة واللى حوليه كمان هيعملوا زيه ومش هيخافوا من رد الفعل و...

قاطع حديثه صوت طرقات مساعدته على باب مكتبه، سمح لها بالدخول لتهتف مُعلنة إياه عما جأت من أجله:

- محمد من قسم المراجعة عايز يقابل حضرتك يا مستر جواد

رفع أحد حاجباه بتعجب من جرأة ذلك الشاب، لينهض من مقعده وتوجه ناحية النافذة الخاصه بمكتبه مردفا بجمود وكبرياء:

- خليه يدخل

بعد مرور لحظات دلف ذلك الشاب مكتب "جواد" بتوتر وإرتياب من ردة فعله، ولكن ليس أمامه خيار تخر!! إما أن يطلب منه السماح والغفران على غلطته أو سيضيع مستقبله ويدخل السجن، تقدم "محمد" إليه بتحفظ وإرتباك مُعقبا بأسف:

- أنا أسف جدا يا بشمهندس جواد، والله أنا مش عارفة أزاى غلطت الغلطة دي، والله دى أول وأخر مرة تحصل بس بلاش السجن، أعمل اللى يعجب حضرتك بس أرجوك بلاش السجن

أستدار له "جواد" رامقا إياه بنظرة بارد لم يستطيع الأخر تفسيرها أو الأستنتاج منها ما هى ردة فعله، بينما أدرك جيدا ما يفكر فيه "جواد" من تلقين ذلك الشاب درسا قاسيا سينتج عنه ضياع مستقبله، ليتدخل "إياد" بسرعة قبل أن يلقى صديقه يما فى رأسه مُحاولا إنقاذ الموقف موجها حديثه نحو "محمد" مُعقبا بعتاب شديد الحدة:

- أنت عارف إنك غلطان وتستاهل أكتر من كده ولا لا!!

ابتلع "محمد" بمزيد من التوتر والقلق مرادفا بكثير من الحرج والخزي موضحا سبب ما فعله:

- عارف والله ومعترف بغلطتي بس والله ما كان قصدى، كل اللى حصل إن وأنا براجع على عدد الشحنات اللى أستلمناه جالي تليفون إن والدتي تعبت جدا ونقلوها المستشفى، مضيت على الملفات وقفلتهم بسرعة وأستأذنت ورحتلها على طول ومجاش فى دماغي خالص إني أرجع أبص فيها تانى وأتاكد منها، هو ده كل اللى حصل

شعر "جواد" بالانزعاج الشديد مما تفوه به "محمد" فقد ذكر ذلك الشيء بكثير من الأشياء المؤلمة التى لم تفارقه ولو ليوم واحد، تلك الكلمات فتحت تلك الجروح القديمة التى لم تُداوى بعد، لاحظ "إياد" ما يمر به "جواد" وتغير ملامحه، ليتنهد بشفقة متفهما ما يشعر به صديقه، ولكن حاول أستغلال ذلك الشيء فى أستعطافه تجاه ذلك الشاب، ليتحدث باهتمام موجها حديثه نحو "محمد":
- طيب والدتك عاملة أيه دلوقتي؟

لمعت أعيُن ذلك الشاب بألم وحزن على والدته مطأطئا رأسه إلى الأسفل بانكسار وقد خانته دموعه وانسابت على وجهه مُعقبا بنحيب:

- حالتها صعبة جدا يا مستر إياد

شهق من كثرة بكائه مضيفا بألم ينهش قلبه:

- أكتشفنا إنها عندها كانسر ومحتاجه عملية كبيرة أوى ومش عارف أعمل أيه؟
تاثر "إياد" كثير من حديث "محمد" وكاد أن يتحدث عارضا عليه المساعدة فى علاج والدته، ولكن قاطعه صوت "جواد" الذى نهض من مكانه ويبدو عليه الغضب الشديد هاتفا بحدة وجمود:

- أنا مش عايز أشوف وشك فى الشركة هنا تاني

شعر كلا من "محمد" و"إياد" بالصدمة الشديدة من كل ذلك الجحود لدى هذا "الجواد" وكيف لم يتاثر بذلك الحديث!! كيف له أن يكون بتلك القسوة المُهلكة؟ ولكن "إياد" لكان صدمته أقل فهو يعرف "جواد" جيدا ويعلم إنه لا يتأثر بسهولة، وهذا بفضل ما عناه منذ طفولته

تدخل "إياد" فى الحديث بسرعة معترضا على ما هتف به "جواد" ولكن ضمن حدوده التى لا يجب أن يتخطاها خصيصا مع "جواد الدمنهوري، ليعقب مقترحا:

- بعد إذنك يا بشمهندس جواد أنا عندي حل، أحنا ممكن ننقله فرع صغير من فروع شركاتنا وده هيكون أكبر عقاب ليه ونحط عينا عليه ولو غلط تاني يبقى يستاهل كل اللى يجراله

هذا ما كان "جواد" متأكد منه، كان يعلم أن هذا سيكون رد "إياد" وهو ممتن جدا لذلك الإقتراح الذي لم يكن لينطق به أبدا وهذا بالضبط "جواد الدمنهوري"

ساد الصمت لقليل من الوقت وكلا من "محمد" و"إياد" يرتبان من رد "جواد" على هذا الأقتراح، ليكسر هو هذا الصمت مُعقبا بجدية:

- يتخصم منه شهر ومن أول بكرة ينزل الفرع اللى هتحدده ليه يا إياد وشغله يبقى عندي أول بأول وأنا اللى هتابعه بنفسي

أومأ له "إياد" برأسه موافقا على حديث "جواد"، بينما حمد "محمد" ربه بإنه جعل "إياد" يدافع عنه وينقذه من ضياع مستقبله نهائيا، بينما رماه "جواد" بنظرة حادة مُضيفا بإقتضاب:

- تقدر تتفضل دلوقتى

أومأ "محمد" له بالموافقة وخرج من المكتب شاعر ببعض من الحرج، بينما كاد "إياد" أن يلحق به هو الاخر ولكن أوقفة صوت "جواد" مردفا بحزم:

- إياد أستنى أنا عايزك

جلس "إياد" بمقعدهومرة أخرى وهو يظن أن "جواد" سيوبخه على كثرة اعتراضه على قرراته، ولكنه فاجأه صديقه بما لم يتوقعه منه مطلقا.

نظر إليه "جواد" بصلابة غير مُظهرا أي تأثر أو شفقة مُعقبا بزرقاوتي بارتان مردفا بجمود:

- أنا عايزك تعرف مكان المستشفى اللى فيها والدته وتعرف الأستعلمات إن أنا اللى هتكفل بكل حاجة تخص الست دى لحد ما تبقى كويسة

أتسعت عيني "إياد" بصدمة مما أستمع إليه، هو لم يكن يتخيل قط ان "جواد" سيطلب منن طلب مثل هذا، ليرمقه بعدم تصديق من أن هذا هو صديقه، هل حقا تأثر بما أستمع إليه!! إذا هناك أمل بأن يخرج فكرة الإنتقام تلك من رأسه ويعيش حياته مثل أي شخص طبيعي

كاد أن يتحدث حول ذلك الأمر ليقاطعة صوت رنين هاتف "جواد" مُعلنا عن وجود اتصال له من أحدهم، ليقوم "جواد" بالرد عليه وما إن أستمع لما يواد أن يخبره به المتصل، إلا وهب واقفا ويبدو عليه الغضب الشديد الذى يدب الفزع فى قلب كل من يراه

شعر "إياد" بالقلق من تغير ملامح وجه صديقه بتلك الطريقه ليتدخل مردفا باستفسار:

- فى أيه يا جواد!! حصل أيه؟!

أنهى "جواد" ذلك الاتصال بإنفعال وغل تاركا مكتبه متوجها نحو مكتب والده، بينما أتبعه "إياد" فى صمت مُحاولا أن يدرك ما الذى يحدث بالضبط

دلف "جواد" مكتب والده دون إستأذان بهمجية كبيرة غير مكترثا إلى أحد صائحا بغضب وحنق:

- الهانم إتقرا فاتحتها وخطوبتها بكره

صاح بوجه والده بغضب شديد دون وعي منه، بينما شعر والده بالصدمة من فعلته تلك ولكنه لم يعلق عليها، فهو يعلم أنه لن يجعل "جواد" يصل لتلك الحاله من الغضب والإنفعال سوا كارثه، ليعقب "هاشم" مستفسرا:

- هانم مين اللى أتقرا فاتحتها وخطوبتها بكره؟!

صاح "جواد" بإنفعال وضيق مُضيفا:

- الست ديانة

شعر "هاشم" بكثير من الإنزعاج لدرجة إنه كاد أن ينفجر غيظا، ليخرج ذلك الغضب على أبنه مُعنفا إياه:

- أتخطبت!! صح ماهو أنا لو كنت خلفت راجل بصحيح كان جبهالى من زمان مش خاف يجبها ويقولي هخطفها يعنى، أتفضل يا سيد الرجالة أهى لبستك بدل العيبة عشرة، راحت أتخطبت لواحد برا العيلة خالص ولا كأننا موجودين، والاهم من كل ده تار اللى ماتوا، أنا لو كان عندي راجل كان جبها ورماها تحت رجلي من زمان بس للاسف أنا معنديش رجالة

قال جملته الاخيرة بخزلان بينما أشتعل "جواد" غضبا وصاح به مردفا بإنفعال:

- هجيبها يا هاشم بيه، ويبقى حد يغلطني فى اللى هعمله

❈-❈-❈

جميع من فى المنزل يشعرون بالسعادة العارمة إستعدادا لخطبة "ديانة"، فهى تكون أول فرحة لهم والجميع متحمس لهذا اليوم ويُحضرون استعدادات الحفل الذى سيكون فى منزلهم لإنها ستكون خطبة عائلية

أنتهت من ارتداء فستانها الفضي الذى كان يبرز أنوثتها برقة بالغة، فهو مفسر من عند منطقة الصدر حتى بداية خصرها منسدلها بوسع قليل حتى نهاية قدميها بدون أكمام ظاهرا جمال بشرتها البيضاء الحلبية ورشاقة ذراعيها

أنتهت أيضا من وضع بعض مساحيق التجميل ولكنها لم تستخدم سوا بعض الأداوات القليلة لعمل لمسات فنية بسيطة وليس صاخبة، هى لا تحتاج إلى الكثير من تلك المستحضرات فجمالها الطبيعي يجعلها أكثر من رائعة خاصا تلك الخصلات الملولوة الأمعة

صاحت "منال" بأعين لامعة من شدة جمالها مُعلقة بأعجاب شديد:

- اللهم صلي على النبي ربنا يبارك فيكي ويحفظك يا حبيبتي

ابتسمت "ديانة" على تعليق والدتها ونهضت سريعا لتحتضنها مُردفة بحب متبادل:

- ويباركلي فيكي وميحرمنيش منك أبدا يا أحلى أم فى الدنيا

أضافت "ديانة" بسرعة مستفسرة عنه معقبة بلهفة:

- صحيح يا ماما هو فين مالك! أوعى تقوليلي لسه مجاش؟

توترت ملامح والدتها قليلا لم تكن تريد إخبارها بأنه لا يستطيع الحضور بسبب ظروف عمله ولكنها ضيقت عليها السُبل للفرار وعليها الأن أن تخبرها، لكن لتحاول أن تجلعها لا تشعر بالحزن لتجيبها مستحضرة الهدوء:

- بصراحة يا ديانة مالك شكله مش هيعرف يجي فى المعاد، حصل ظرف عنده فى الشغل وقالي إنه هيضطر يستنى شوية وقالي أقولك متزعليش منه

شعرت "ديانة" بالكثير من الحزن والعبوث، هى تحتاج إليه الأن أكثر من أي وقت مضي، لطالما كانا متعلقان ببعضهم كثيرا لدرجة أن الجميع كان يظنهم تؤئمان من كثرة إرتباطهم ببعض، كاد أن تصيع مُعترضة بحزن على ذلك الشيء ولكن قاطعها دخول "ملك" مُعقبة بلهفة وحماس:

- العريس وصل

❈-❈-❈

••

رمقها بكثير من نظرات الكراهية والغضب لاهدا عليها صافعا إياها وهو يجذبها نحوه بعضب لدرجة أن ملابسها تمزقت من شدة عنفه معها، ليصرخ بها بغيظ شديد:

- أنا مش هرحمك يا لبنى، هخليكى تتمنى الموت كل لحظة ومش هتطوليه غير لما أنا أسمحلك بده يا حقيرة

ظلت تبكي قهرا وانكسار على ما يفعله بها وهى حتى لا تستطيع التفوه بكلمة واحدة تدافع بها عن نفسعا، فعجزها عن الكلام صعب موقفها للغاية، حتى إنها لا تستطيع تفسير شيئا له مما حدث

صاحت صارخة بألم من شدة تلك الضربات التى ينهال عليها بها من حزامه الجلدي على جسدها الحليبي البض طابعًا أثره على جسدها، لتزداد صراختها علوا مع كل جلدة تسقط عليها منه والدموع لا تتوقف عن السيل من عسليتيها

صاح بها "هاشم" بصوت جمهوري مستفسرا للمرة المائة عن مكان أبنتها التى أخفتها عن يده منذ عدة أعوام قليلة:

- وديتيها فين يا لبنى!! وديتي البت فين!! مش هرحمك يا لبنى هطلع روحك فى إيدي يا خاينة يا زبالة

ظل يضربها إلى أن لهث من كثرة تلك الجلدات التى تهاوى عليها بها، ليتوقف لتنظيم أناسه وهو يرمقها بحقارة وأشمئزاز ثم حدث ما لم يتوقع حدوثه مطلقا، رغما عنه وقعت عيناه على جسدها الحليبي الذى لم يعد بذلك البياض، بل تحول لونه إلى الاحمرار الشديد بفضل تلك الجلدات ولم يعد بجسدها مكان واحد يخلو من أثار تلك الضرابات بالأضافة إلى ظهور الكثير من جسدها تحت ذلك القماش الذى لم يعُد يستر بها شيء

استثارت رجولته من ذلك المنظر الذى يراها به ورغما عنه شعر ببعض من الإنتشاء، نعم فهو منذ وفاة زوجته من عدة أعوام لم يرئ جسد إمرأة عارية أمامه، على الرغم من زواجه ولكن هل يُسمى هذا زواج! بلا إنه زواج مع إقاف التنفيذ

تقدم إليها برغبة حارقة وإحتياج شديد لأن يمتلك إمرأة أسفله فى هذا الوقت، ببنما هى تكورت على نفسها وتحولت ملامحها للفزع من إقترابه إليها أعتقادا منها إنه سيضربها مرة أخرى
كاد "هاشم" أن تُسيطر عليه شهوته المتعالية ولكنه سريعا ما أستعاد سيطرته على نفسه وأبتعد عنها على الفور وهو يرميها بنظرة إحتقار وتقذذ مُهمهما بينه وبين نفسه:

- دى لو أخر واحده فى الدنيا عمري ما هفكر أقرب منها مهما حصل، حتى لو على سبيل الإنتقام

بصق عليها باشمئزاز واحتقار وسريعا ما انصرف من أمامها مُغادرا المكان بأكمله عازما على الذهاب لأحد الأماكن المتخصصة بشرب الكحول وتلك هى أول مرة يفكر أن يذهب فيها لمكان كهذا، حتى إنها أول مرة يفكر فيها بتذوق تلك المشروبات المحرمة.

•••

أغمض "هاشم" عينيه بألم وحزن ينهش قلبه وتلك الذكريات السوداء لا ترأف، تلك الذكريات التى لم تفارق خياله ولو لحظه واحده منذ عشرون عاما، ليزفر ببعض من الرراحة الكاذبة التى صورها لنفسه مُردفا بحدة وجمود:

- خلاص يا لبنى، بعد عشرين سنة جيه وقت الحساب، لازم أحرق قلبك زي ما حرقتي قلبي على كل اللى كانوا ليا فى يوم من الأيام، يمكن وقتها أرتاح وهما كمان يرتاحوا.

❈-❈-❈

هتف والدها بأعين لامعة من شدة سعادة بها، ها هى أصبحت عروس جميلة، مر أمام عينيه شريط حياتهم معا طوال العشرون عاما، لطالما كانت أبنته وصديقته وحبيبته وكل شيء، لم يشعر يوما إنها ليست من صُلبه، دائما كانت قطعة من قابه، لهذا يصعب عليه كثيرا فقدانها الان:

- تبارك الخلاق فيما خلق، ربنا يحميكي ويسعدك يا حبيبتي

ترقرقت الدموع فى عينيها وهى ترى لمعة عين والدها لتتعلق فى رقبته مُعانقة إياه بكثير من الحب الصادق، هى أيضا متعلقة به كثيرا مثلما هو متعلق بها، دائما كان لها العوض عن والدها الحقيقي ولم يشعرها يوما إنها ليست أبنته، بل كان يقربها إليه أكثر من أولاده الحقيقين

بأدلها "محمود" العناق ثم أبتعد ووجه نظراته تجاه "أدهم" مُعقبا بنبرة ملحة أكثر ما هى تحذيرية:

- خد بالك منها يا أدهم، أنت واخد أغلى الغالين على قلبي

ابتسم له الاخر بحب وإمتنان مُطئنا:

- دي فى عينيا يا عمي

أمسك "أدهم" يد "ديانة" مُصطحبا إياها للجلوس على أحد الكراسي الخاصة بهم والتى كانت مُزينة بشكل رائع وجميل، التقط خاتم ألماسي براق ولامع مما إنه سديد الرقة والأناقة، وباليد الأخرى أمسك بيدها ليقوم بوضع الخاتم بها

كاد "أدهم" أن يضعه فى إصبعها ولكن قاطعه ذلك الصوت الرجولي الصاخب الذى هتف بصوت عالي مُعاتبًا:

- مش عيب حد يأخد حاجة مش بتاعته

سقط الخاتم من يد "أدهم" من شدة فزعه من صوت ذلك الرجل الذى أقتحم حفلهم دون سابق إنذار! لم يكن يعلم إنه أقتحم حياتهم بأكملها وليس حفلهم فقط

كان الصدمة هى أقل ما يصف حال الجميع، ولكن الجزء الأكبر كان ل"ديانة" التى شعرت بالغرابة من حديث هذا الشخص الذى تراه لأول مرة، ترئ من يكون هذا الشخص وماذا يريد بالضبط؟ والأهم من ذلك ماذا يقصد بكلماته تلك!

تقدم "محمود" تجاه هذا الشخص الغريب عنهم والذى أفتحم منزلهم بصحبة حشد من الرجال الذى يبدو عليهم إنهم طاقم حراسة، ليهتف به مستفسرا:

- أنت مين يا أبنى؟

وضع يديه بجيب بنطاله ببرود وغطرسة مُعقبا بنبرة ثقة غير قابلة للنقاش:

- جواد الدمنهوري، أبن عم ديانة شرف الدمنهوري

❈-❈-❈

••

يُهرولون متجهون نحو هذا القطار الذى أوشك على مُغادرة تلك المحطة متجها إلى محافظة القاهرة، صعدوا على عجل خوفا من أن يتحرك القطار فى غير معاده، ليصيح "محمود" موجها حديثه نحو زوجته:

- تعالي يا منال كرسي جمبه شباك سليم أهو و.....

قطع حديثه رؤيته لهذا الصندوق المتواجد أسفل المقعد، أرتاب لوجوده خصيصا وأنه لا يوجد بحوزته شيئا أخر يدل على إنه ملك لأحد وسوف يعود لإستراده، قام بإلتقاته وفتحه ليشعر بالصدمة والغرابة فى تلك اللحظة، لأحظت زوجته قطع حديثه ونظرتة المرتبكة تلك

نظرت "منال" مُتفحصه ذلك الصندوق لتجدها طفلة رضيعة لم تتم الخمسة أشهر بعد، ولكن سبحان الخالق الذى أبدع فى خلق تلك الرضيعه ذو البشرة الحليبية البيضاء والأعين الزرقاء الصافية والرموش الكثيفة والشفاة الوردية والشعر الحريري الذى يكاد يصل إلى عينيها، لتعلق "منال" بإعجاب شديد:

- اللهم صلي على جمال النبي، أيه ده يا محمود!! دي نونه صغيرة، فين أهلها؟ وأزاى يسبوها كده!! و...

قطع حديثها رؤيتها لذلك الظرف الموضوع بجانب تلك الرضيعة لتنحني وتلتقطه معقبة بفضول وإهتمام:

- أيه ده؟!

أخذه "محمود" من يد زوجته وقام بفتحه ليجد به عدة أوراق منها شهادة ميلاد بأسم "ديانة شرف شمس الدين الدمنهوري" وورقه أخر تشبه رسالة ليبدأ فى قرأئتها بصوت مسموع إلى زوجته:

" أنا عارفة إن مكنش ينفع أعمل كده بس والله العظيم غصب عني، لازم أعمل كده عشان بنتي تعيش، أنا كنت متجوزة رجل محترم جدا ومن عيلة كبيرة، خلفت منه البنت دي وتوفى من يومين وأنا أكتشفت إني عندي مرض وحش وفى المرحلة الأخيرة وخلاص هموت، أهل جوزي كانوا مقاطعينه عشان أتجوزني ولما عرفوا إنه مات خافوا إني أطلب ورث بنتي وعرفت إنهم عايزين يقتلوها بعد ما أنا أموت، بالله عليكوا اللى يلاقي بنتي يحميها ويبعد بيها عن أهلها حتى لو هتودوها لناس مبتخلفش يربوها، شهادة الميلاد دى بس عشان تصدقوا إني بتكلم جد وإنها مش بنت حرام، أرجوكوا أحموا بنتي وابعدوها عن أسكندرية كلها "

تهاوت الدموع من أعين "منال" بتأثر من تلك الرسالة ثم أنحنت والتقطت تلك الفتاة ضاممة إياها إلى صدرها مردفة بعطف:

- يا حبيبتي يا بنتي أتولدتي يتيمة الأب والأم والأهل

نظرت إلى زوجها بتوسل ورجاء شديد مُضيفة:

- بالله عليك يا محمود نأخدها معانا ونربيها مع مالك، دي شبه الملايكة الله يخليك قلبي مش مطوعني أسيبها أو نديها لحد تاني، أنا حبيتها أوى

نظر لها "محمود" بقلة حيله ثم نظر إلى تلك الصغيرة التى لا حول لها ولا قوة، ليتنهد مُجيبا إياها بإستسلام:

- الله المستعان، ربنا يعينا ويقدرنا على تربيتها هى وأخوها

ابتسمت "منال" بساعدة ثم أحتضنت تلك الفتاة الجميلة متمتمة:

- أوعدك يا بنتي طول منا عايشة مفيش حد هيقرب منك ابدا وعمري ما هفرق بينك وبين عيالي أبدا

•••

انتفض قلب "منال" فزعا مما أستمعت إليه لتو، هل هذا حقا أبن عمها!! هل هو أتٍا ليأخذها ويقتلها!! كلا لن تتركه يفعل ذلك بها، لن تسمح لأحد بأذاء أبنتها

كسر ذلك الصمت تقدم "جواد" تجاة "ديانة" ممسكا يدها بقوة راغما إياها على النهود والسير معه، هو يعلم إنه لن يستطيع أن يأخذها من هنا بالقوة، من المؤكد إنها سوف تصرخ وتجمع الناس وسوف يحدث ما لا يحبذه على الأطلاق، لذلك لم يكن هناك حلا سوا أن يأخذها برضائها، أو لنكن منصفين سيأخذها بموافقتها التى حدثت تحت تأثير تهديداته

أما عن "ديانة" فهى كانت مصدومة للغاية مما أستمعت إليه، ماذا قال هذا الشخص؟ هل قال أبن عمها حقا! هل هى لديها أهل وأقارب! أين كانوا طوال تلك السنوات ولماذا لم يسال عنها أحد إلى هذا اليوم؟ لماذا لم يخبراها والديها عن هذا الشي! والسؤال الأهم ماذا يريد منها ذلك الشخص الأن؟

جذبها "جواد" من ذراعيها عازما على التوجه بها إلى إحدى الغرب، بينما "ديانة" ظلت تصرخ فيه بمزيج بين الصدمة والهلع:

- أنت عايز أيه!! سيب أيدي وأبعد عني

قالت كلماتها تلك وهى تُحاول التفلت منه ولكن دون فائدة، ليتدخل "أدهم" جاذبا يدها الأخرى مانعا إياها عن السير معه هاتفا به فى حدة وغضب:

- أنت بتعمل أيه يا مجنون أنت؟ سيب إيدها وكلمني هنا وقولي أنت مين وعايز أيه بالظبط؟

توقف "جواد" للحظة وألتفت له دون أن يترك يد "ديانة" وفى لحظة بأغته بلكمة قوية سقط أثرها على الأرض بعنف شديد، صرخت والدته وكادت أن تتدخل ليحول بينهم رجال جواد مانعين إياهم عن الحركة أو التدخل، ليُعقب "جواد" موجها حديثه نحو "أدهم" مردفا بلهجة شديدة التحذير:

- ده مجرد رد فعل بسيط على أسلوبك فى الكلام معايا، لكن لو قررت أحاسبك على الكلام نفسه هتحتاج سنين عشان تتعالج من اللى هعمله فيك، ده لو فضلت عايش أصلا

حاول "إياد" إنقاذ الوضع قبل أن يسوء من ذلك ويتهور "جواد" ويفتعل جريمة الأن، أمر رجاله بالإمساك ب "أدهم" وجعله يجلس على أحد الكراسي دون حركة منه أو من أحد الحاضرين

بينما سحب "جواد" "ديانة" مرة أخرى من يدها كى يُنهي ما أتي من أجله، ظنت "منال" إنه سيأخذ أبنتها ويرحل، لتُسرع وتقوم بمسك يد "جواد" جاذبة إياها بالقوة معقبة بهجوم:

- أنت واخد بنتي ورايح على فين يا حقير أنت!!

أحدت نظرة "جواد" وسريعا ما أخرج سلاحه الناري وسلطه أمام وجهها بتحدي كبير مما جعل الخوف يسيطر على قلبها، وما زاد رعبها هو صوت الأسلحة التى سُلطت فى أوجه جميع الحاضرين ومن بينهم أفراد أسرتها

انتفض الجميع من شدة الفزع الممذوج بالصدمة وبما فيهم "ديانة" التى شهرت بالقلق الشديد على أسرتها، ليتحدث "جواد" بغضب يتطاير من عيناه موجها حديثه نحو "منال" مردفا بحنق:

- أولا هى مش بنتك ولا تقربلك حاجه، ثانيا متحاوليش تقرري اللى عملتيه ده تاني عشان وقتها هدفعك التمن غالي أوي
2
قال جملته الاخيرة مهددا إياها بطريقة غير مباشرة مُسلط نظراته نحو "ملك"، بينما أدركت "منال" ما يقصده بالضبط بتهديده ذلك، لتبتلع بتوتر وقلق ورغما عنها صمتت كى تعلم ماذا يريد بالضبط؟

تقدم "جواد" بخطوات متسارعة وثابته نحو الغرفة، لتسير معه "ديانة" دون مقاومة لتعرف ماذا يريد منها ولكى لا تسبب فى أي أذى لعائلتها

بمجرد أن أبتعد "جواد" أسرعت "ملك" فى التوجه إلى والدها مختبئة به وقد قاربت على فقد وعيها من شدة التوتر والخوف لتضيف مستفسرة:

- مين ده يا بابا وعايز أيه من ديانة؟

لاحظ "إياد" فزع تلك الفتاة التى يبدو عليها البرائة والضعف والرقة أيضا، لينظر نخو كلا من "منال" "ومحمود" مطمئنا إياهم:

- بجد أنا أسف على طريقة جواد، بس أحنا مش جاين نؤذي حد، الحكاية وما فيها إن جواد يبقى أبن عم ديانة وأحنا جاين نأخدها بهدوء وأتفاجئنا إنها بتتخطب ودي حاجة مش بسيطة، أرجوكم محدش يتدخل عشان محدش فى الدنيا كلها هيقدر يمنع جواد من إنه يعمل حاجه هو صمم عليها، لو خايفين على نفسكوا وولادكوا محدش يتدخل فى اللى هيحصل وساعدونا نمشي من هنا بهدوء

شعر كلا من "منال" و "محمود" بالقلق والتوتر من كلام ذلك الشاب الذى يؤكد على تلك الرسالة التى تركتها والدة "ديانة" منذ سنوات طوال، ولكن ليس بيدهم شئ لفعله الأن، خاصةو إنهم لاحظوا مدى قوة ذلك "الجواد" ليقفوا عاجزين مكتوفين الأيدي خوفا من أن يطول بطشه الجميع

❈-❈-❈

دلف "جواد" إلى تلك الغرفة مُصطحبا "ديانة" التى دفعها بحدة إلى الداخل لكى يتمكن من غلق الباب جيدا، بينما كادت هى أن تسقط أرضا من شدة دفعته لها، لتصيح به بحدة وهجوم:

- أنت مجنون ولا أيه حكايتك بالظبط؟ هات من الأخر وقولي أنت عايز أيه وبلاش جو العصابات اللى أنت بتعمله ده و...

أسكتتها قبضته التى قبضت على خصلات شعرها من الخلف مُمزقة فروة رأسها من شدة جذبه إياها، لتصرخ متألمة وهو يهمث بأذنيها بأسنان مُلتحمة مُعقبا بتحذير:

- لمي لسانك ده وأتلاشي غضبي بدل عفاريتي ما تطلع عليكي، وصدقينى ممكن مستناش لما نروح بيتنا وأكسحك هنا

ضيقت ما بين حاجبيها بإستنكار متناسية ألم رأسها من شدة صدمتها مرددة:

- بيتنا!!

أزاد من شدة جذبه لخصلاتها مُجيبها بثقة وحزم:

- أه بيتنا، مش الحلوة كبرت وجايبه عريس يخطبها ويتجوزها، يبقى الأقربون أولى بالمعروف يا بنت عمي

صاحت به بغضب وصراخ مُحاولة التفلت من بين يده ودفعه بعيدا عنها مردفة بألم:

- آآه أبعد أيدك دي عني يا متخلف، أنت بستهبل بتقول أيه؟ أمشي من هنا بدل ما أصرخ وألم عليك الناس كلها

سريعا ما أدارها إليه ليصبح وجهها فى مواجهة وجههِ مُلاقيا فيروزاتيهِ بفيروزاتِها مُضيفا بتحدي:

- لمي الناس كلها بس قصاد ده وعقبال ما الناس تتلم هكون خلصتلك على الجرابيع اللى أوينك فى بيتهم بقالهم عشرين سنة دول وبردو هأخدك من هنا غصب عنك وعن الناس كلها

صاحت فى وجههِ بغضب وتحدي مماثل له مردفة بإنفعال:

- أنت عايز مني أيه؟

ابتسم لها بشبح ابتسامة لم تلامس عيناه مُجيبا إياها بحدة:

- هتعرفي أنا عايز منك أيه بس مش هنا، أنتي دلوقتي هتنفذي اللى هقولك عليه بالحرف، المحامي جي فى السكة هتطلعي معايا وهيتمضي على قسيمة جوازنا وهتروحي معايا غصب عنك

كادت أن تصرخ به ناهية إياه عما يتفوه به، لمنعها مُقابلا إياها بنبرة تهديد شديدة اللهجة:

- وصدقيني لو سمعت منك حرف عكس اللى أنا قولته ده، ورحمة أمى لحرق قلبك على كل من كان عزيز عليكي فى يوم من الأيام، وأولهم الناس اللى برا دول وحتة العيل أبو شخة اللى جيباه يخطبك ده، ووقتها بردو محدش هيعرف ينجدك من إيدي وهأخدك حتى من غير جواز
4

تلك اللهجة التى يتحدث بها بجانب قتامة زرقاوتيه بالإضافة إلى الحشد الموجود بالخارج وما فعله ما الجميع، كل هذا الأشياء تثبت شيء واحد ففط، إنه لا يهدد فقط وسوف ينفذ تهديده إذا رفضت كلامه الأن، لترمقه بضعف شديد وقلة حيلة أمام قسوته

تحجرت الدموع فى عينيها بعجز شديد وخوفا على عائلتها، ليضغط عليها مرة أخرى بعد أن رأى الدموع فى عينيها مردفا بحدة:

- أجلي الدموع دى دلوقتي وردي عليا، هنطلع وتمضي على القسيمة ونمشي زي الناس العاقلة؟ ولا تحبي تشوفي أنا قد كلامي ولا لا؟
2

الأستسلام هو الحل الوحيد الأن الذى سوف ينقذ عائلتها من بطش ذلك "الجواد"، لا يوجد أمامها الأن سوا الإنصياع لأوامره والموافقة على حديثه، ليس خوفا على نفسها بل على عائلتها، هو الأن يُهددها بحياة الأشخاص الوحدين الذين يمثلون لها نفطة الضعف، هى تعلم إنهم ليسوا بعائلتها الحقيقين ولكن لا يجب أن تكون مكافئتهم على تربيتها طوال تلك السنوات أن تتسبب فى إذائهم أو حدوث مشاكل لهم، عليها أن تُضحى من أجل تلك الأسرة التى لم تقصر معها يوما ولم ترى منهم سوا الحب والحنان حتى ولو كان على حساب حياتها بأكملها، لتتمت بأستسلام:

- همضي على القسيمة

إذا كانت تلك الطريقة تلك هى الطريقة التى ستحميهم من ذلك الشخص الذى يُدعى إبن عمها فعليها فعلها، أهون عليها أن تمُت ولا يمس أسرتها بأي مكروه، يجب الأن عليها حماية عائلتها، أما عن ذلك الحقير فعليها مواجهته ولكن ليس الأن

❈-❈-❈

خرج من تلك الغرفة بصحبتها ولكن تلك المرة بهدوء شديد وكأنهما قد أتفق على ما يريد، كانت تسير بجانبه بأريحية وكأنها تعرفه منذ سنوات طوال، أو لنقول هذا ما كانت تعمل جاهدة على إظهارة لكى تُمهد لما سوف يحدث بعد قليل

كان الجميع يرتاب لهذا الهدوء وخصيصا عائلتها الذين لا يعلمون ماذا دار بينها وبين هذا الشخص وعلى ماذا أتفقوا!! بينما "أدهم" كان يُطالعها محاولا تفسير ما يحدث وعلى ماذا ينوي هذا "الجواد؟

توقف "جواد" أمام "إياد" وعلى وجهه ملامح الجمود مستفسرا:

- المحامي فين!

أجابه صديقه بتفسير:

- عشر دقايق ويبقى هنا

أوما له "جواد" بالمموافقة مُتجاهلا نظرات الاستنكار التى يتلقاها من الجميع، ليحول نظراته نحو "ديانة" مُضيفا بنبرة أمرة:

- هاتي بطاقتك..

أنصاعت "ديانة" لأوامره بهدوء شديد وتوجهت نحو غرفتها وكأنها ألة مبرمجة على تنفيذ الأوامر، ثم عادت له مرة أخرى مناولته إياها

كان الخوف يملئ قلب كلا من "محمود" و"منال" ولا يفهم أحدا منهم لماذا طلب هذا الشخص محامى أن يأتى؟ وماذا سوف يفعل ببطاقة هاويتها! هل يمكن أن تكون أتفقت معه على أن تتنازل له عن ميراث والدها فى مقابل أن بتركها وشأنها؟ ليتها تفعل ذلك حقا، هذا كان كل أملهم فى هذه اللحظة لتخلص من ذلك اللعين

فى تلك اللحظة دلف المحامي الخاص به إلى المنزل مردفا بإحترام:

- مساء الخير يا جواد بيه

لم يعطي إهتمام لرد على تحيته مُعقبا بإقتضاب:

- جبت اللى قولتلك عليه؟

أوما له المحامى بالموافقة مُأكدا على حديثه:

- كل حاجة جاهزة وواقفة على الأمضاء يا باشا

أمسك "جواد" بمعصم "ديانة" وتوجه بها لأقرب طاولة قابلتهم بعد أن رجاله الكراسي حولها بسرعة، ليجلس كلاهما بصحبة ذلك المحامى تحت أنظار الجميع المترقبة والغير مُدركة لما يحدث بالضبط

مد "جواد" يده بتلك الهاوية مُسلما إياها للمحامى أمرا:
1

- شوف شغلك يا متر

ألتقطها المحامي من يده ثم فتح أحد الدفاتر التى كانت بحوذته وبدأ فى تدوين بعض المعلومات الخاصة ب"ديانة" بجانب معلومات "جواد" التى بالفعل بحوذته، فهو المحامى الخاص به على أية حال، ليهتف المحامى موجها حديثه نحو "ديانة" مستفسرا:

- أنسة ديانة شرف الدمنهوري حضرتك موافقة على الجواز من السيد جواد الدمنهوري؟

صدم الجميع مما أستمعوا إليه، ما الذى تفوه به هذا المحامى لتو؟ هل حقا قال زواج!! بينما تحجرت الدموع بأعين "ديانة" متمنية أن تصيح بوجههم ناهية عن موافقتها لهذا الزواج، ولكنها لا تسطيع فعل ذلك، هو يُهددها بحياة أسرتها بأكملها، لا يوجد أمامها خيار أخر، أومات براسها مُعلنه عن موافتها بضيق صدر:

- موافقة
شعر الجميع بالصدمة من ردها الغيى متوقع وخاصة عائلتها، هى لطالما كانت عنيدة حد اللعنة، كيف وافقت بتلك السهولة على هذا الزواج!! هل هددها؟ هل أرغمها؟ كيف ستتزوج ذلك الشخص الذى لا تعرفه ولم ننأكد حتى إذا كان حقا أبن عمها أم لا، مهلا وحتى ولو كان حقا أبن عمها هذا سيكون خطر عليها أكثر من أي شخصا اخر!!

كسر تلك الصدمة وذلك الصمت الذى حل بالمكان صوت "أدهم" المستنكر عما هتفت به لتو مُعاتبا إياها:

- أيه اللى أنتي بتقوليه ده يا ديانة! قولي لا ومتخافيش أنا هحميكي منه

ابتسم "جواد" مُستهزءًا بحديث ذلك الفتى الغبي الذى يظن نفسه يستطيع حمايتها منه، هو لم يستطيع حماية نفسه قد، بينما أجابته "ديانة" مردفة بحزن ورجاء:

- لو سمحت يا أدهم أمشي

صُدم من طلبها ذلك وهو يعلم جيدا إنها لا تخشى أحد، حتى ولو هددها بحياتها لن تزعن له أو توافقه على شيء هى لا تريده، فكيف إذا وافقت الأن على طلبه هذا؟ لُيضيف مستفسرا:

- أمشي يعنى أيه! أنتي بجد موافقة تتجوزيه؟

كلا كلا هى غير موافقة على ذلك الشيء بل مجبرة على تنفيذ أوامره لإنقاذ عائلتها من بطشه وتهديداته، وعلى الرغم من إنها لم تكن تحب "أدهم" هذا الحب الذى يجعلها تعاني من بعده، إلا إنها أعز عليها كثيرا كسر قلبه وهدم تلك الحياة التى كانوا بخطتان لها معا، ولكن ماذا بإمكانها ان تفعل؟ هذا "الجواد" لن يتردد فى إذائه هو شخصيا وليس عائلتها فقط، كسر قلبه إذا أفضل من إنهاء حياته، لتضيف بحدة:

- أيوه موافقة أتجوز جواد أبن عمى

رمقها بخزلان شديد وغصة شديدة تكون فى حلقه مبتلعا مرارة تلك الصدمة والأهانة التى تلقاها منها الليلة أمام عائلته والحاضرين، بما إنها توافق على الزواج من غيره لما أثرت على قدومه إذا؟ أنسحب مُصطحبا معه عائلته وكرامته التى أصبحت بالأرض وقلبه المحطم على تك العواطف التى ضاعت هبائا
2

صاح المحامى موجها حديثه نحو "جواد" مستفسرا:

- مين هيكون وكيل العروسة يا جواد بيه

رد "جواد" مُوضحا:

- عمها هاشم بيه يا متر، بكره تعدي تأخد إمضته وأنت رايح تسجل القسيمة

أوما له المحامى بالموافقة مُعقبا:

- طب ممكن بطايق الشهود!

أخرج "إياد" بطاقته مُسلمًا إياها إلى المحامى، بينما ابتسم "جواد" باستهزاء مواليا حديثه نحو "محمود":

- مش هتشهد على جوازة بنتك ولا أيه يا أستاذ محمود!!

رمقه "محمود" بغضب شديد من طريقته المستهزئة تلك، وذلك الضعف والخوف البادين على وجه "ديانة" وتلك هى أول مرة يراها بتلك الحالة المزرية، يتمنى لو يستطيع أن ينهال عليه ضربا الان إلى أن يفقد وعيه أو يفقد حياته للأبد

ولكن ما يقيده حقا هى نظرة التهديد الصريحة فى أعين "جواد" وهو يطالع أبنته الصغيرة بتلك الطريقة التحذيرية، لحظة واحدة ف"ديانة" أيضا أبنته ولن يتركها تفعل ذلك ولو ماذا حدث، كاد أن يصرخ بوجهه ويمنعه عما يفعله، ولكن أوقفته "ديانة" بعد أن قرأت فى أعين والدها ما ينوي فعله لتهتف به على عجل:

- هات بطاقتك يا بابا

نظر لها بإستنكار غير موافقا عما تفعله، ولكنها أومأت له بالموافقة وعينيها مليئة بالتوسل والرجاء، نعم هو لا يفهم ما الذى تحاول أن توصله له، ولكن ما أستطاع أن يفهمه إنها تحاول إنقاذهم على حياة نفسها، لم يجد أمامه خيار أخر أمام إصرارها ذلك ليخرج بطاقة هاويته ويسلمها لها على مضض
1

بعد وقت ليس بكثير أنتهى المحامى من تلك الأوراق بعد أن جعل كلا من "جواد" و"ديانة" و"إياد" و"محمود" يوقعون على تلك الأوراق كلا منهم فى المكان المخصص له، صاح موجها حديثه نحو "جواد" مُهنئا:

- ألف مبروك يا باشا

ابتسم "جواد" بغطرسة شديدة وهو ينهض من كرسيه وبرأسه الكثير من الطرق والوسائل التى سينال منها بها، رمقها بنظرة متوعدة مضيفا بتهكم:

- قدامى يا عروسة

نظرت "ديانة" نحو عائلتها بدموعا وقهر مودعتة إياهم، لا تعلم هل ستراهم مرة أخرى أم لا؟ لا تعرف ماذا يريد منها هذا الشخص ولكن نظراته تخبرها إنه لن يكون هناك خير أبدا

نهضت وخرجت من المنزل بصحبته هو ورجاله وما إن غادروا المنزل، حتى أعلنت "منال" عن كامل ألمها وحصرتها على أبنتها التى لم تفارق حضنها لمدة عشرون عاما، لياتى الأن هذا الشخص ويسلبها إياها فى غمضة عين:

- بنتي

صرخت بها بصوت بالكاد سمعه الأشخاص القربين منها وبلحظة واحدة كانت مترنحة أرضا فاقدة للوعي

❈-❈-❈

ثلاث ساعات لا تعرف كيف مروا عليها بصحبة ذلك الشخص المغرور ورجاله ذو الأجساد الضخمة والهيئة المخيفة، بالإضافة إلى تلك الأسلحة النارية التى لم تفارق خاصتهم، لمَ كل هذه الأسلحة! هل تزوجت من زعيم عصابة أم ضابط بأحد الأجهزة الحساسة بالدولة؟

لا تُنكر رعبها الشديد كلما نظر لها بخاصتيه القاتمتين من وقت إلى الآخر وهو يتفحصها من أعلى رأسها لأسفل قدميها، هى أيضا تلك أول مرة تراه فيها ولكنها لم تنظر له بمثل نظراته المريبة تلك، بالأساس هى لم تنظر له منذ أن تركا منزل عائلتها

لم تنظر له جيدا إلا عندما كان يُهددها بتلك الغرفة بحياة أسرتها إذا لم تذعن له، لا تتذكر من ملامحه تلك سوى شعره البني وبشرته البيضاء وزرقاوتيه اللامعتين، وتلك التفاصيل في وجهه كفيلة أن تثبت لها إنه فرد من عائلتها التى لم تلتقِ بأحدٍ منهم من قبل، وعندما تكتشف إنها لديها عائلة حقيقية تجد نفسها تتزوج رغما عنها من شخص حقير مثله، يالا حظها التعس.

كم تمنت أكثر من مرة أن تفتح باب تلك السيارة وتلقي بنفسها خارجها هاربة منه، ولكن إذا حدثت معجزة ما ولم تمت تحت إطارات سيارة ما على هذا الطريق السريع واستطاعت الفرار منه، أين سوف تذهب وسط هذا الظلام الكاحل الذى يحاوطهم، عليها أن تنتظر لتعلم ما الذى يريده منها بالضبط ولماذا أخذها بهذه الطريقة!! والسؤال الأهم ما هو سبب إصراره على هذا الزواج؟

وصل "جواد" وهي بحوزته إلى منزله الخاص به بعيدا عن الجميع حتى ينفرد بها دون تدخل من أي أحد أو محاولة استنجادها بأحد، لقد عزم على أن يجعل حياتها معه جحيمًا حتى يحصل على ما يريد، دلف بها إلى الداخل ساحبا إياها خلفه بحدة

بينما صدمت "ديانة" من تلك القتامة المُميتة المسيطرة على هذا البيت، فجميع أثاث ذلك المنزل محصورا بين الاسود والرمادى، ولكن قتامته تلك لم تفقده رونقه فهو يبدو عليه الكثير من الفخامة والرقي، ولكن لمَ كل هذا الظلام الذى ينبعث من جمبع الأركان؟ هل هى الآن مُحاصرة بين ظلمات حصونه!!

توجه راغما إياها على السير معه إلى إحدى الغرف بالطابق العلوي بخطوات سريعة لدرجة إنها كادت أن تسقط أرضا، ولأول مرة تخاطبه بعدما خرجت معه من منزل أسرتها هاتفة به بحدة وإنفعال:

- براحة يا بني أدم أنت، أيه الغشومية دي؟

لم يعطيها إهتمام ولن يحاسبها الآن على ما تفوهت به، فهو منشغل الآن بشيء أهم عليه أن يذهب ليُنهيه وبعدها سياتي ليتحاسبان على كل ما تفوهت به منذ أن رأى وجهها، دلف الغرفة وسريعا ما ألقى بها أرضا بقسوة وجمود وكأنه يعاقبها على ما تفوهت له لتو، لتصرخ متألمة:

- آآآه لا دا أنت طلعت غبي كمان.

رمقها بنظرات حادة وغاضبة جعلتها حقا تشعر بالخوف من مجرد النظر له، ولكنها عملت على عدم إظهار هذا، بينما هو أصر على جعلها ترتعب حتى فى غيابه، ليهتف بها متوعدا:

- ساعة زمن واحدة بس ولما أجي هتعرفي إنك لسه معرفتيش يعنى أيه غباء

تركها وخرج مرة أخرى صافعا الباب خلفه بشدة، ومن ثم استمعت إلى صوت حرك  المفتاح بباب الغرفة مُعلنة عن إغلاقه للباب عليها.

نهضت "ديانة" من مكانها وهى تشعر بالضعف أمام ذلك الحقير الذى يستغل قوته البدنية أمامها لكى يؤلمها ويشعرها بالعجز أمامه، تُرى ما الذي يريده منها؟ ولماذا تشعر بالاسترابة ممَ هو مقبل عليه؟

على الرغم من إنها تُظهر له عدم الخوف والرهبة منه وتُحاول أن تبدو أمامه تلك الفتاة العنيدة القوية التى لا تخشى أحدا، إلا إنها بداخلها تموت رعبا من هذا الغريب الذى بمجرد النظر فى وجههِ تشعر بالرعب والقلق الشديد

نظرت إلى تلك الغرفة الموجودة بها متفحصة إياها، هى تشبه جميع أركان ذلك المنزل قاتمة جدا ولكنها تصرخ بالذوق الرفيع، لم تكن مثل تلك القصور المليئة بالثراء والغنى بل كان هادئا جدا باستثناء تلك القتامة فى كل ركن به.
2

جلست على الاريكة وأمتلئت عينيها بالدموع قهرا على ما حدث لها فى هذا اليوم، هذا اليوم كان خطبتها وفجأة تحولت تلك الخطبة إلى زواج، ولكن ليس من الشخص الذى أختارته بل من شخص آخر لم ترَه من قبل، شخص يبث الرعب فى قلبها منذ الوهلة الأولى، شخصا لا يبدو إنه سيتركها تحيا فى سلام

كيف عليها أن تتعامل معه الآن؟ هى إلى الأن راهبة الموقف ومُشتته تماما لا تستطيع التفكير بشكل صحيح، تشعر وكانها مُحاصرة بين قبضة شخص لا تعرفه ولا تعرف حتى على ماذا ينوي أن يفعل معها؟!

❈-❈-❈

رمقه والده بنظرة غضب وحنق مُضيقا ما بين حاجبيه باستنكار ويبدو عليه عدم الرضا والنفور الشديد مما فعل أبنه:

- اتجوزتها!! يعنى أيه أتجوزتها يا سي جواد؟ أنت أتجننت ولا دماغك ضربت؟ ولا تكونشي البت حليت فى عنيك فقولت ترضي نفسك من جميع الجهات!!

أغمض عينيه بإنزعاج وملل من ثرثرة والده ثم نظر نحوه ببروده المعتاد مُعلقا باستهزاء:

- هاا.. خلصت!!

رفع "هاشم" حاجبيه بتعجب من كل هذا البرود الذى يتعامل به أبنه المجرد من التهذيب وكأنه لم يفعل مصيبة، حتى إنه لا يكترث لغضب وإنفعال والده، ليعتدل "جواد" فى جلسته مُضيفا بهدوء:
2

- أتفضل أقعد هنا وأنا هفهك أنا عملت كده ليه؟

توجه والده إليه بإنفعال أكبر غاضبا من قرار أبنه الذى نفذه دون الرجوع له، يبدو أن الأمور ستخرج عن السيطرة من بين يديه والتشتيت الذى يُعاني منه منذ سنوات، الآن سوف يصبح أكبر من ذي قبل، جلس أمامه رمقا إياه باستفسار مُعقبا:

- فهمني يا سي جواد يمكن الجواز دلوقتي بقى طريقة جديدة فى الانتقام وأنا معرفش!!

- طبعا.. وأحسن طريقة للأنتقام كمان

قالها وهو يبتسم بشر على ما ينوي فعله بها مُضيفا بتفسير:
- لما تبقى مراتى هقدر أعمل فيها كل اللى أنا عايزه وانتقم منها بالطريقة اللى تعجبني من غير ما أى حد يتدخل أو يقولى حتى أنت بتعمل أيه؟ هخليها خدامة تحت رجلي هذلها وههينها وهقطع من لحمها وفى الاخر هخيرها طلاقنا قصاد التنازل على كل املكها وورثها من أبوها، وبعد كده هقتلها وأديهالك تدفنها جمب أمها
2

للحظة أنقبض قلب "هاشم" ولا يعرف حقا سبب هذا، هل هذا خوفا ممَ هم مقبلين عليه؟ أم فرحا بسبب أخذ ثأرهم من تلك المرأة وأبنتها؟ أم ألما لأن من يريد أن يفعل بها تلك الأشياء هى أبنة أخيه!! كلا عليه أن يقتل ذلك الضعف بداخله، تلك هى أبنة المرأة التى حرقت قلبه لكثير من السنوات وقد حان الوقت لحرق قلبها هى الأخرى، حتى ولو كان التمن سيكون أبنة أخيه

بينما رمقه "جواد" بهدوء وهو ينفث دخان سجارته مُردفا:

- عرفت بقى أنا أتجوزتها ليه؟

- انا كده أقدر أقول قدام الدنيا كلها إني ربيت راجل بجد عرف يأخد حق أمه وعمته وعمه وإن عمرى اللى فات ده كله مرحش هدر

هتفت "هناء" بتلك الكلمات وهى تهبط الدرج ويبدو عليها السعادى والفخر بما أستمعت له، يبدو إنها كانت تستمع إلى حديثهم من أعلى الدرج وعلمت بما فعله "جواد"، ليغمض "جواد" عينيه ببعض من الغضب والإنزعاج لما تفوهت به لتو
2

بينما هتف "هاشم" موجها حديثه نحو أبنه مستفسرا:

- الجوازة دي هتخلص أمتى؟!

نهض "جواد" من مقعده أخذا خطواط واسعة مُتجها نحو باب القصر مبتسما بمكر وتوعد قائلا:

- هى لسه بدات عشان تخلص!! دا أنا لسه بقول يا هادي

يتبع...
جلست بصحبة والدتها ويبدو عليها الكثير من ملامح الضيق والانزعاج، هى إلى الأن لم تجد ردا على سؤالها الذى حيرها لكثير من الوقت، ليأتيها قول "منال" بحب وحنان مُعلقة باستفسار:

- أيه يا حبيبتي مالك زعلانه ليه؟ وأيه هى الحاجة المهمة اللى عايزاني فيها!!

نظرت لها بضيق ممزوج بالحزن والحسرة على هذا السؤال الذى لطالما تمنت أن تجد له إجابة مُقنعة تستطيع أن تصدقها:

- أنا بقالي سنين بسألكوا عن أهلى الحققين وكل مرة بتضحكوا عليا بكلمتين يهدوني وتقولولي لما تكبري هنفهمك الباقي، أظن دلوقتي إنى كبرت بما فيه الكفاية وبقيت فى ثانوية عامة وحقي أعرف الحقيقة

صمتت لاهثة مُحاولة استنشاق بعض الهواء الذى شعرت وكانه انقطع عنها مرة واحدة بفعل ذلك الثوران التى تملكها، وما زاد من ألمها هو صمت والدتها وهى تتبادل معاها النظرات الغير مفهومة بالنسبة لها، لترمقها والدموع ملئت عينيها مُضيفة بشك:

- هو أنا لقيطة؟

صاحت "منال" بحرقة نافية هذا الكلام ببكاء:

- لا يا ديانة مش لقيطة ومتقوليش كده تاني، أنتي عندك أب وأم وكانوا ناس طيبين أوى بس الله يرحمهم ماتوا ومكنش عندهم أهل، أحنا كنا نعرفهم ولما ماتوا أخدناكي تعيشي معانا عشان حبناكي أوى وعشان كان نفسنا يبقى عندنا بنت قمر زيك كده

انهارت "ديانة" من البكاء وكم شعرت بالراحة من هذا الحديث، وهذا يعني أن ذلك الرجل الموجود إسمه خلف أسمها فى شهادة الميلاد هو والدها الحقيقي وليس مجرد أسم مزيف وضعته الحكومة خلف إسمها لتكون لديها إثبات شخصية مثل باقي الناس

ارتمت بين أحضان والدتها ممتنة جدا لها على ذلك الحب الذى قدمته لها عوضا عن أهلها الحقيقين، هى لم تشعر يوما بتفريق بينها وبين أخويها بل بالعكس كانت تشعر وكأنها أقرب لوديهم منهم هما نفسهم وخصيصا والدها، لتعقب بحب وامتنان:

- أنا بحبك أوى يا ماما أنتي وبابا ومالك وملك

بادلتها "منال" العناق مردفة بصدق:

- وأحنا كمان بنحبك أوى يا قلب ماما

•••

كيف بعد كل تلك السنوات يظهر لها عائلة فجأة هكذا؟لماذا لم يبحثوا عنها من قبل؟ لماذا تخلوا عنها منذ عشرون عاما؟ لماذا لم يخبرها والديها إنها لديها عائلة حقيقة! أم إنهم حقا لم يكونوا يعلموا بوجود ذلك الشقيق لودها؟
كانت لتظن أن ذلك الشاب يكذب وإنه ليس من عائلتها، ولكن لو كان حقا يكذب، فكيف علم إنها تنتمي لتلك العائلة المعروفة بإسم "الدمنهورى"! ولكن هذا يثبت صدق حديث والدتها فى هذا اليوم عن كونها لديها أبوين وعائلة حقا

ابتسمت بتهكم وهى تُفكر فى تلك الطريقة التى أخبروها بها إنها لديها عائلة! أرسلوا لها ذلك المغرور الوقح الذى أجبرها على الزواج منه وإلا سيقتل كل أفراد أسرتها التى تبنتها، يا له من شخصا حقير حقا

أجهشت فى البكاء عندما تذكرت ما فعله ب "أدهم"، هى لم تكن تتخيل أن يحدث لهم هكذا أبدا، نعم هى لم تكن تحب "أدهم" بعد وما كان بينهم فقط إنجذاب بسيط تطور بمرور الوقت وأصبحت تشعر تجاه بالراحة والتفاهم وإنه سيكون الشخص المناسب لها

ظلت تبكى بشدة على ما يحدث لها، لماذا دائما تواجه العواقب فى حياتها؟ لماذا لم تكن حياتها هادئة كباقي الفتايات؟ لماذا دائما تقع فى تلك الصعوبات بداية من نشأتها مع أسرتة ليست بأسرتها نهاية بزوجها من شخص لم تختاره ولم تكن تراه من قبل؟

قطع بكائها دخول ذلك الوقح إلى الغرفة بتلك الطريقة الهمجية دون أية إستأذان، جففت دموعها بسرعة كى لا تكون ضعيفة أمامه، بينما دلف "جواد" إلى الغرفة بصمت ودون النظر نحوها حتى، ليبدأ فى خلع سترته وقميصه دون الدخول إلى غرفة تبديل الملابس

ابتلعت "ديانة" ريقها بتوتر أثر فعلته تلك، ولا تعلم ما الذى ينوي فعله؟ لماذا يخلع ملابسه هنا؟ تُرى لماذا يخطط! والسؤال الأهم إلى أين يريد أن يصل بأفعاله تلك؟ هبت واقفة وهى تصيح فيه بغضب زاجرة أياه بحنق:

- أنت بتعمل أيه يا بني أدم أنت؟

رفع "جواد" كتفيه بلامُبلاة وكأن لا يفهم ما ترمي له مُصطنعا التلقائية:

- أيه بقلع هدومي! أنتي عامية ولا ايه؟

تنهدت وهى تفرق جبهتها مُحاولة إستدعاء الهدوء والتقليل من غضبها مُضيفة:

- أنا عايزه أفهم دلوقتى حالا أنت عايز مني أيه بالظبط؟

أنتهى من فتح أخر زرار بقميصه ليرفع نظره نحوها متفحصا ردود أفعالها بشدة وغضبها الذى تحاول تحجيمه بالإضافة إلى ذلك التوتر البادي على حركات جسدها الغير منتظمة، ليبتسم بسخرية وهو يخلع قميصه مجيبها بغير إكترث لسؤالها عاملا على إستفزازها:

- أنتي مش هتقلعي ولا أيه!! هتفضلي أعدالي بالفستان كده كتير، دا أنتي عروسة حتى وأنا مش حد غريب عليكي، أنا جوزك ومن حقي أشوفك زي أي واحد ما بيشوف مراته فى ليلة زي دي

قال جملته الاخيرة وهو يغمزها بوقاحة ومكر، عازما على إغضابها وإيقاعها فى الأخطاء معه، بينما أدركت هى ما يعنيه بكلماته تلك ووقعت فى مصيدته مُصيحة فيه بغضب شديد وهى تتقدم نحوه بإندفاع لا إرادي:

- ليلة أيه يا أبو ليلة؟ أنت مصدق نفسك ولا أيه؟ أوعى تكون مفكر إني عشان جيت معاك هنا ووافقت على الفيلم اللى مثلنا هناك ده تبقى خلاص جوزي بجد، أنا جيت معاك هنا وطاوعتك على الهبل اللى عملناه ده بس عشان أمنع المشاكل وأحمي الناس اللى ربوني منك، وكمان عشان أعرف أنت عايز مني أيه بالظبط؟ لكن هتسوق فيها وتقولي جوزك وحقي والتخاريف، أنا مش مراتك وأنت ملكش أي حقوق عندي فاهم ولا لا؟

تقدم "جواد" عدة خطوات هو الاخر نحوها ليصبح لا يفصل بينهم سوا خطوة واحدة، لتشعر "ديانة بالإرتباك من هذا الاقتراب الشديد بينهم وأخذت فى الرجوع إلى الخلف لكى تحافظ على مسافة بينهم حتى أرتطمت فى الجدار خلفها

ولكن دون فائدة فهو لا يتوقف عن الاقترب منها إلى أن أصبح قريبا منها للغاية لدرجة إنها شعرت إنه سوف يلتصق بها عما قريب، لتتعالى أنفاسها من شدة التوتر والارتباك، سريعا ما أشاحت بوجهها إلى الجهة الأخرى وهى يهتف بها فى تحدي:

- لا مش فاهم وصوتك ده ميعلاش عليا تانى وإلا هتدفعي تمن ده غالي أوى، اتفقنا يا مراتي؟

قال جملته مُهددا إياها كى تكُف عن هذا العناد الذى لا يُطيقه، بينما هى فقد شعرت بالريبة مما قاله ولكنها لم تُبين هذا أمامه وتظاهرت بالقوة والثبات، أبتعد عنها قليلا لتشعر هى بالراحة وأخذت نفسا عميقا وكانه كان يستحوز على كافة الهواء الموجود بالغرفة

أبتعد عنها ليذهب ويتناول تلك الحقيبة الصغيرة التى أحضرها معه منذ دخوله إلى الغرفة، ترى ما الذى يوجد بتلك الحقيبة التى تشبه حقيبة الهداية، ليعود لها مرة أخرى مُلقيا بها لها مُردفا بحزم:

- ألبسي ده

ضيقت ما بين عينيها فى عدم تصديق من تصرفاته تلك التى لا تسطيع وصفها أو تفسير أيا منها إلا بأن هذا الشخص بالتأكيد مخُتل، هى لم ترَ ما الموجود بتلك الحقيبة ولكنها أندهشت من طريقته، لتهتف بطلقائية مُستفسرة:

- هو أيه ده؟

- أنتي متسأليش، أنتي تنفذي اللى بقول عليه وبس

قال جملته الاخيرة بصياح محدقا إياها بغضب وتوعد بعد أن ألقى بتلك الحقيبة فى وجهها، بينما كاد قلبها أن يتوقف من شدة الفزع من ملامحه التى تحولت فى أقل من ثانية من ابتسامة استهزاء إلى صراخا كاشفا عن حدة أنيابه وقتامة زرقاواتيه

لا تعلم ما بداخل تلك الحقيبة ولكنها أومأت برأسها باستسلام ظننا منها إنها قد تتخلص منه لتنتهى تلك الليلة البائسة، ولكنها لا تعلم أن تلك اليلة لم تبدأ بعد، أخذت تلك الحقيبة وأسرعت فى التوجه إلى غرفة تبديل الملابس الخاصة بهذه الغرفة موصدة الباب خلفها بإحكام

❈-❈-❈

••
- صباح الخير يا عمي

قالتها بعد أن دلفت إلى هذا البيت الكبير الملئ بالدفئ والأمان، فهو من أكبر بيوت صعيد مصر ويعود إمتلاكه إلى أكبر عائلات الصعيد "عائلة الدمنهوري" المعروفة بالحب والتماسك والأرتباط العائلي

صاح بترحاب كبير مُعانقا إياها مردفا بحب:

- صباح الفل والعسل عليكي يا جلب عمك، أيه يا بت شمس الواحد معيشوفكيش واصل غير كل فين وفين ولا أيه

ابتسمت له "ماجدة" بحب واحترام مردفة بأدب:

- ما أنت عارف يا عمى أبوى مبيخرجناش من البيت غير كل فين وفين، بيجولى عشان أنتي لسه صغيرة وأخاف يحصلك حاجة

ابتسم لها بحب مُعقبا:

- شمس عنديه حج يا ماجدة يا بتي، أنتي فعلا صغيرة، وكمان عشان أنتي البت الوحيدة على الولدين يعني أنتي الفاكهة بتاعته، أني كمان بترعب على تهانى وهناء بس اللى مطمني إن تهانى كبرت وخلصت مدرسة، إنما هناء مُتعبة وعايزه تكمل علامها وأني الصراحة مفياش دماغ عاد

تغيرت ملامح وجهها من البسمه للعبوث من حديث عمها مُعلقه بمضض:

- لا يا عمى أنا وهناء عايزين نكمل علامنا وندخل الجامعة مع بعض، ده الحلم الوحيد اللى بنحلم بيه

ابتسم لها بإعجاب على إصرارها وتعلقها الشديد بأبنته فهو يشعر بالسعادة عندما يرى حبهما لبعضهما، فهما سوف يصبحان بيوم من الأيام فى بيت واحد كما أتفق هو وشقيقه أن يأخذ فتاتيه لولديه، ليعقب بحب:

- لو أنتي هتبجي معاها يا ماجدة أنا هبجى مطمن

ابتسمت له بسعادة وكادت أن تتحدث ليقاطعها هبوط "هناء" درجات السلم مُهرولة لها بسعادة مُتوجه لتعانقها بإشتياق مردفة بحب:

- أيه ده!! ماجدة عندينا!! وحشتيني يا جلبى

بادلتها "ماجدة" العناق بحب مردفه بحب مماثل:

- وأنتى كمان يا هناء وحشتيني جوى

أقتربت من أذنها هامسة لها دون أن يلاحظ عمها مردفة بحماس:

- عندي ليكي خبر حلوو جوي

حمحمت "هناء" بتوتر موجة الحديث نحو والدها:

- طب يا أبوى أحنا هنطلع فوج أحنا بجى

أومأ لها بالموافقة هاتفا:

- طب يا حبيبتي بس أجهزي عشان أحنا معزومين عند عمك شمس على الغدا النهاردة

شعرت "هناء" بالكثير من الفرحة بعد ما خمنت تلك المفاجأة التى تُقصدها "ماجدة"، أسرعت الفتاتان فى الصعود إلى غرفة "هناء" كى لا يستمع إليهما أحد:

- خبر أيه طمنيني، اللى جيه فى دماغي صُح

ابتسمت لها "ماجدة" بإعجاب على ذكائها وسرعة بديهتها فى اكتشاف الأمر قبل أن تخبرها، لتردف بتهكم:

- أه يا أختي اللى جيه فى دماغم، هاشم وشرف جاين النهاردة البلد وسمعت كمان أبوى بيتكلم معاهم فى التليفون وهيتكلموا فى جواز

اتسعت أعيُن "هناء" بصدمة بينما توسع ثغرها من كثرة الفرحة والسعادة التى شعرت بها، فهى منذ زمن متيمة بحب شرف  وتعد الأشهر والليالى منتظرة هذا اليوم بفارغ الصبر، لتصيح بساعدة كبيرة:

- صُح يا ماجدة!! شرف هياجي يطلبني لجواز؟

زجرتها "ماجدة" مُعقبة:

- يا بت أتجلي شوية أنتي مدلوجه إكده ليه، وبعدين أنا معَرِفش مين فيهم اللى جاي يتجوز، وكمان أنتي ناسية إن شرف لسه بيدرس وهاشم هو اللي خلص علام من زمان يعني الأحج بالجواز دلوجت هو هاشم مش شرف.

امتعضت ملامحها "هناء" فى ضيق وحنق مُعقبة:

- أنتي مبتكمليش حاجة حلوة للاخر أبدا؟ ولو بردو شرف يعتبر خلص، هو فى أخر سنة ليه فى الجامعة يعنى زماناته خلص وممكن يكون جاى يطلب يدى هو كمان.

رمقتها بتحذير كى لا تبني أمال وينكسر قلبها بالنهاية:

- بردو متعشميش نفسك بحاجة لسه فى علم الغيب والله أعلم أيه اللى هيحصل النهاردة على الغدا

لم تكترث "هناء" بحديث "ماجدة" هى بالفعل شيدت أمالها على أن "شرف" أتٍ تلك المرة كى يطلب يدها، لتنهض بحماس وسعادة كبيرة وأخذت تستعد لمقابلة هذا الحبيب الغائب لتُملى عينيها من رؤية وجهه المُحبب إلى قلبها

لاحظت "ماجدة" فرط سعادتها لترمقها بحب وعاطفة مردفه بتمني:

- يارب لو ليهم خير فى بعض أجعلهم من نصيب بعض

•••

قطع تفكير "ماجدة" دخول "زينة" إلى غرفتها مبتسمة لها بحب وسعادة، فهى أعتادت أن تاتي لرؤيتها كل ليلة لتتحدث معها قليلا، وحتى وإن لم تجد منها رد هى تكتفى بتلك النظرات الحنونة التى تعطها لها مُعوضتها عن فراق والدتها:

- عمتو القمر الجميلة ست الكل عاملة أيه؟

رمقتها "ماجدة" بكثير من الحب تلك الفتاة الجميلة تُشابه والدتها كثيرا ،حتى فى طيبة قلبها وكانها نسخة مُصغره عنها

أكتفت "زينة" بتلك الابتسامة مُدركة ما تود "ماجدة" قوله دون كلام، فهى تتعرف على ردها من مجرد النظر إلى تعبيرات وجهها لتردف بحب وعاطفة:

- وحشتيني أوى يا روخ قلبي، تعالي بقى أما أصدعك زى كل يوم وأحكيلك عملت أيه فى يومي

هذة هى العلاقة ببن "ماجدة" و "زينة" كلا منهما يُعوض الأخر بما ينقصه، "ماجدة" تُعوضها مكان والدتها ولو فقط بالاستماع لهاومشاركتها تفاصيل يومها، هذا فقط ما بوسعها أن تفعله، أن تجلس أمامها وتستمع للحديث فقط وهى لا تستيطع الحركة لو الكلام منذ هذا اليوم المشؤم، هذا اليوم الذى تدمر فيه كيان هذا البيت بأكمله، فتُحاول على قدر الإمكان أن تتقرب من تلك الفتاة الوحيدة التى تهتم بها وكأنها والدتها

بينما على الجانب الأخر "زينة" التى تقوم بتعويض "ماجدة" عن الكثير من الأشياء التى حُرمت منها بسبب هذا الحادث التى تعرضت له، ومن أهم الأشياء التى تُحاول أن تُعوضها عنها هو غياب أبنتها التى تقيم بالخارج مع والدها لتُكمل دراستها وتاتي إليهم فى الاجازات، أو لربما تُعوض نفسها، لتصبح "ماجدة" هى الشخص الوحيد المقرب لها، هى الوحيدة التى تشعر بالرحه عند التحدث إليها على عكس "هناء" التى لم تشعر تجاهها بأي مشاعر قط، لربما حقا القلب يشعر بمن هو الحبيب ومن هو الغريب

❈-❈-❈

جلست بغرفة تبديل الملابس مُشتتة التفكير مما يحدث معها، كيف له أن يُعاملها بتلك المُعاملة الرخيصة ويسمح لنفسه أن يُملي بأوامره عليها ويصنها ستنصاع له، أيظنها بتلك السذاجة وسيغويها بفستانِ أو حذاء أو حتى بعض الألماس، أم يريدها أن ترتدي ما فى تلك الحقيبة لكي يأخذها إلى باقي أسرته لكى يُعلمهم إنه يستطيع أن يتحكم بها من الأن؟

إلى الأن لم تكن تعلم ما فى داخل هذه الحقيبة، لتعزم أمرها على أن تفتحها وتعلم ما الموجود بداخلها، وبالفعل فعلت ذلك وما إن رأت ما تحتوي عليها شعرت بالغضب الشديد وألقتها أرضا بعيدا عنها، كما شعرت أيضا بالتوتر من مجرد أن رأت تلك الصورة

هو كان عبارة عن ثوب نوم أسود اللون قصير يصل إلى نهاية المؤخرة يشف ما تحته من مفاتن الجسد، ملحق معه سروالا رفيعا لا يُمكنه حجب شيء يُبرز الخصر والمؤخرة ولا يحتوى على حمالة صدر

ما هذا الشيء الذى أحضره ذلك الحقير؟ كيف صور له عقله القذر إنها يمكن أن ترتدي له شيء كهذا! كيف يراها هذا الوقح وماذا يريد منها بالضبط؟ يبدو إنه فسر هدوئها معه وكأنه ضعف أو انكسار، يجب أن توقفه عند حدهِ الان قبل أن يتمادى

التقت هذا الرداء من على الارض مرة أخرى، وسريعا ما خرجت له ويبدو عليها الغضب والتمرض رافضة تلك الصورة التى يراها بها، وجدته جالسا على إحدى الأرائك عارى الصدر ولا يرتدى سوء بنطالا جينز

تسارعت خطواتها فى التوجه نحوه ووقفت أمامه غير متوازنة من شدة انفعالها، ألقت ذلك الثوب بوجه صارخة بحنق:

- دا تلبسه أنت.

رفع زرقاوتيه نحوها والنيران تتطاير من كلاهما، لتواجه هى الأخرى بنظرات الغضب والنفور من فعلته مُصيحة بحزم وإنفعال:

- اسمع بقى يا زفت أنت متفكرش إني ضعيفة أو خايفة منك عشان سكتالك لحد دلوقتي، أنا مبخفش من حد، ولو أنا وافقت على العبط اللى أنت جيت عملته عندنا فى البيت ده، فأنا عملت كده عشان خفت على الناس اللى ربوني زي بنتهم ومحبتش أتسببلهم فى أب مشاكل أو ضرر، وعشان كده وافقت على إني أمضي على القسيمة، لكن ده ميعتبرش جواز لأني مش موافقه عليه، أما بقى القرف اللى أنت جايبه ده يا تلبسه أنت، يا تروح تديه لواحدة زبالة من اللى أنت تعرفهم، إنما أنا لا.

أخذت نفسا عميقا حتى تهدا بعد الشيء ولكن دون فائدة لتكمل بنفس الغضب:

- أزاي عقلك القذر صورلك إني هوافق ألبس القرف ده؟

شعر بالغضب الشديد من تطاولها عليه ولكنه سريعا ما تحكم فى غضبهِ قبل أن يُكسر عظام وجهها، فقد راقت له هذه اللعبة مع قطته المتمردة تلك، نهض "جواد" من فوق الأريكة رامقا إياها بتحدي وثقة مُجيبا إياها بحدة:

- هتلبسيه ورجلك فوق رقبتك ولو ملبستهوش بمزاجك هلبسهولك أنا بمزاجي

رمقها من أعلى رأسها لأسفل قدميها بمكر ووقاحة مضيفا:
- وأنا بصراحة مايل أوي للحل التاني

لكزته فى صدره بقوة مصيحة فى وجهه بغضب شديد:

- أنت قليل الادب وقذر وأبن ك...

كادت أن تضربه مرة أخرى وتُكمل سُبابها، ليقاطعها هو ممسكا يديها محاوطا خصرها بهم ومن ثم فى حركة سريعة أدارها وعكس يديها ممسكا بكفيها من الخلف وضغط عليهما بقوة كى يشعرها بالعجز لاصقا ظهرها بصدرهِ العاري، ليهمس لها بانفاسه الحارقة فى عنقها مُعقبا بمزيد من وقاحته:

- أنا لحد دلوقتى مورتكيش أى حاجة من قلة أدبي وقذارتي، بس لو تحبي تجربيها أن معنديش أي مانع لده

ألقى بها فوق الفراش ثم التقط ذلك الثوب من على تلك الأريكه متوجها نخوها مُعقبا بتوعد ومكر:

- أنا لحد أخر لحظة كنت بتعامل معاكي بأدب، بس أنتي اللى حبيتي تشوفي قلة أدب ووقاحة جوزك عاملة أزاى؟

تقدم نحوها بخطوات ثابتة ونظرات حادة دبت الرعب والفزع بقلبها ولأول مرة لا تستطيع أن تخفي خوفها وتوترها منه، لتصيح به بتأهب وزعر:
1

- أنت هتعمل أيه يا ح...

لم تُكمل جملتها لتجده أخذ يجردها من ذلك الفستان التى كانت ترتديه الحريري، ولكنه لم ينحج فى نزعه بسبب مقاومتها الشديدة له وهى تدفعه فى صدره بعيدا عنها صارخة بهلع:

- أبعد عني، هصوت وألم عليك الناس كلها يا كلب

قبض على كفيها الصغيرين التى كانت تدفعه بهم مُعقبا بغضب وحزم:

- مهما تعملي أو تصرخي محدش هيفكر ينجدك من إيدي، أنتي مراتي وفى بيتي وفى أوضة نومى وعلى سريري، واضح كده إنك متربتيش كويس بس هعيد تربيتك من أول وجديد، وإيدك دى لو أترفعت عليا مرة تانية هكسرهالك

قال جملته الأخير وهو يزيد من شدة قبضته على يدها، لتصرخ هى متألمة، حتى شعر إنها كادت أن تنكسر فى يديه ليخفف من قبضته بعض الشيء رامقا إياها فى بتحذير مُعقبا:

- اللى أنا أأمر بيه يحصل سواء بمزاجك أو غصب عنك، قدامك خمس دقايق بس لو ملبستهوش فيهم، أقسملك بالله أنا اللى هقلعك هدومك ملط وألبسهولك بإيدي، بس تقريبا لو أنا اللى قلعتك مش عارف هنحتاج تلبسبه أصلا ولا لا؟

قال جملته الاخيرة بنبرة لاعوبة جعلت جسدها يرتجف مش شدة التوتر، أومأت له برأسها موافقة إياه على طلبه، وسريعا ما التقطت ذلك الثوب وفرت نحو الغرفة متهربة منه

أغلقت الباب ثم سقطت أرضا تبكي بصمت على ما تمر بهمنذ عدة ساعات متمنية أن يكون هذا كابوس وسوف تستيقظ منه عما قريب، هى بحياتها لم تقع فى مثل هذا المأزق، ماذا عليها أن تفعل الأن؟ كيف لها أن ترتدي مثل هذا الشيء أمام ذلك الحقير وماذا سيفعل بها بعد ذلك؟ أجهشت فى البكاء بحرقة تأهبا منا هى مُقبلة عليه

تذكرت أن الوقت الذى حدده لها أقترب على الإنتهاء، وإن لم تنفذ ما طلبه سوف ينفذ تهديده، نهضت سريعا بعد أن استمعت إلى صوته مُصيحا بتحذير:

- فاضل دقيقتين لو خلصوا قبل ما تطلعي أنا اللى هدخلك وساعتها مش هيحصل كويس

مر الوقت بسرعة وأنتهت الدقيقتان ولم تخرج بعد، بينما نهض "جواد" مُتوجها نحو الغرفة عازما على أن ينفذ ما قاله لها، كاد أن يفتح الباب ليمنعه خروجها مرتدية ذلك الثوب

وقفت أمامه ونظرت له بحدة وجمود وكأنها لم تكن منهارة منذ ثواني معدودة، هى حقا أرتدت ذلك الثوب ولكنها أرتدته فوق ملابسها المُجوده أسفل الفستان، هذه الملابس المُكونه من تلك الحماله وذلك البنطال الخفيف التى ترتديه الفتايات أسفل ملابسهن ليُخفى جسدهن

بينما "جواد" شعر بالغيظ الشديد من فعلتها تلك، وأخذ يتفحصها بشدة ليحدث شيء لم يكن يتوقعه مطلقا، فقد شعر بقليل من الاثارة نحوها، هو حقا لا يستطيع رويتها عارية ولكن تلك الملابس برزت جميع انحاء جسدها، ثديِها الممشوقان المرتفعان لأعلى وتلك المؤخرة البارزةالتى تُثير أي رجل مهما كانت قوة تحكمة بنفسه

أشتعلت بداخله نيران الانتقام من جديد، يريد أن ينتقم منها بأخذ كامل حقوقه بأبشع الطرق المهينة والمؤلمة ولكن ليس الان، لن يفعلها الان لابد أن يُهينها ويذيقها شتىء أنواع العذاب بكل الطرق الممكنة كى يبرد ناره من تلك اللعينة، ليعقب بملامح مشمئزة من منظرها:

- ايه ده؟

رفعت حاجبيها بإستنكار مصطنع وكأنها لا تعي ما يقصدة مردفة بهدوء:

- اللى أنت طلبته!

رماها بنظرات إحتقار وتقليل من شأنها وكأنه ينظر إلى عبدة تعمل لديه وأنحنى ليلتقط قميصة ليرتديه مرة أخرى يليه سترته، رمقها بإستخفاف وإستهزاء بها قائلا:

- كان عندك حق، القميص ده المفروض أروح أديه لواحدة ست بتفهم، جتك القرف

قال كلماتة الاخيرة باشمئزاز ثم تركها وذهب من الغرفة بل من المنزل بأكمله، لتأخذ هى نفسا عميقا مردفة بتمني وكراهية:

- روح إلهي ما ترجع.
4

❈-❈-❈

يوما شاق جدا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ذهابه لإحضار تلك الفتاة وكل تلك الأشياء التى حدثت دون التخطيط لها، هو لم يكن مُخططا لزواج منها، كان سوف يحضرها رغما عنها من وسط ذلك المنزل ولكنه وجد أن تلك الطريقة سوف تلفت الأنظار له وتتسبب فى مشاكل كثيرة، ليجد أن أنسب حل أن يتزوجها لتكون ملكا له ولا يستطيع أحد إنقاذها من بين يديه
1

لا يعلم لماذا يشعر بالغضب منذ أن رأها بذلك الثوب الذى أمرها أن ترتديه! هو لم يريد أن يفعل معا شيء حتى إنه لم تكن لديه رغبة فى ممارسة الجنس وظن إنه سوف يذهب لنوم بمجرد أن يشعرها ببعض من الإهانة وهو يقلل من أنوثتها وإنها ليست مثيرة بالنسبة له، ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماما

لقد شعر بالرغبة الشديدة فى تملكها لا يعلم من أين أتّ أو حتى كيف؟ هى لم تكن عارية على كل حال، ولكن بمجرد أن صور له عقله إرتدائها لهذا الثوب دون ملابس أشعره بكثير من الإثارة، خصيصا بعد أن رائ إنحائات جسدها بوضوح بفضل تلك الملابس الضيقة التى كانت ترتديها أسفل الثوب

توقف بسيارتة فى المرأب الخاص بأحد منازله الذي أبتعاها لإحضار العاهرات بها والتنفيث عن تلك الرغبات المرهقة جدا بالنسبة له، فرجل مثله شره جنسيا لا يستطيع منع نفسه من إخراج ذلك الكبت خصيصا بعد ما رأه منها، حتى ولو كان بطريقة مُحرمة مثل هذه، ويا لا غباء فعلته تلك
1

ترجل من سيارته سايرًا نحو الدخل، وبمجرد أن دلف المنزل صاحت تلك المرأة بكثير من الدلال والعُهر مرحبة به:

- جواد بيه أنا بجد مصدقتش نفسي لما كلمتني وقولتلي إنك عايزيني، كنت فاكره إنك زعلت مني أخر مره، بس الظاهر كده إني كنت غلطانة وإني وحشتك

قالت جملتها الأخيرة بسعادة كبيرة وهى ترفع كتفها بدلال، لطالما تمنت بداخلها أن تكون مميزه بالنسبة له حتى ولو كانت ستحمل لقب العاهرة المفضلة، فهو بالنسبة لها مثل خاتم سليمان الذى يحقق كافة الأمنيات، وكيف لا يكون هكذا وهو فى كل مرة يحضرها بعد إنتهائه منها يعطيها مبلغ لم تكن لتحلم به

بينما فى نفس اللحظة اندفعت يد "جواد" لجذبها من خصلاتها الصفراء الملولوة بعنف شديد، هو لا يشتاق لاحد خصيصا هؤلاء العاهرات الذى يستاجرهن بالمال وتلك العاهرة يجب ألا تتخطى حدودها معه، جذبها نحوه بحدة راميا إياها ببعض من الكلمات المتتقزة:

- جواد الدمنهورى مبيوحشهوش حد وخصوصا اللى زيك، أنتي مجرد ساعة نجسه بقضيها وأديكي تمنها على الجذمة

اشتدت جذبته لخصلاتها لتتاوه هى بألم شديد وهو يكمل حديثه بحزم:

- متنسيش نفسك مره تانيةوتفكريني عشقك فى الضلمة ولا حاجة، عشان مضطرش كل مره أفكرك إنتي أيه وشغلك أيه؟

كادت أن تبكي بين يديه من شدة ألم جذب شعرها وألم حدة كلماته التى يذكرها لها فى كل مرة يحضرها بها، تركها مُلقيا إياها أرضا بنفور شديد وكأن رغبته بها تلاشت وشعر بالإشمئزاز منها

هدأت قليلا تلك الألام التى كان تشعر بها وأقنعت نفسها أن تثير غضبه تلك الليلة كى لا ترفضها وينفرها، لتقترب من قداميه مُحاولة إكتساب رضائه مرة أخرى محتضنة إياها بطريقة أثارته مرة أخرى مضيفة بعُهر:

- عندك حق يا جواد بيه، أنا مينفعش أنسى نفسي، أنا عارفه كويس أنا أبقى أبه، أنا خدامة مزاجك واللى تأمر بيه أعملهولك، واللى متأمرش بيه كمان

أردفت بتلك الجمله وهى تنظر إليه برغبة وإثارة شديدة ثم دفعت يدها إلى ما بين مُلتقى ساقيه متحسسة إياه، وبمجرد أن شعرت بإستجابته لها وهو يثقبها بخاصتيه دون كلام أتجهت أصابعها نحو سحاب بنطاله مُحاولة تحرير رجُلاته

بينما شعر "جواد" برغبة شديدة فى وضعها أسفله ولن يتركها سوا وهى تصرخ مستغيثة بمن ينجدها من بين يديه، سوف يخرج فيها غضب كل ما عناه اليوم بسبب تلك الفتاة التى لم يقرر بعد ما سوف يفعله بها، ليجذب هذه المرأة من شعرها موقفا إياها مرة أخرى وتوجه بها نحو الغرفة مُلقيا بها على الفراش وبدأ فى التخلص من ثيابه ولتفعل هى ما تعود عليه معه

❈-❈-❈

جلست بجانبها كالمعتاد تتحدث معها فى كل شيء يحدث وقلبها مطمئن بإنها لن تنطق بحرف، يا لها من مزحة! بالطبع لن تنطق بحرف واحد، وكيف لها أن تنطق وهى منذ اكثر من عشرون عاما وهى لا تتكلم ولا تتحرك حتى

هى تُشابه جدا جُملة جسد بدون روح، ليس إلا قليلا من الهواء يتحرك بداخلها، ذلك الحادث المؤلم يترك أثاره عليها إلى هذا اليوم

ابتسمت لها "هناء" بحماس وسعادة كبيرة زاففة ليها تلك الأخبار السارة جدا بالنسبة لها بحماس شديد:

- عندي ليكي حتة خبر بمليون جنيه يا ماجدة، بس طبعا أحلى من أخبارك

أدركت "ماجدة" ما تحاول أن ترمي له بجملتها الأخيرة رمقة إيها بقلق، هى تعلم أن "هناء" لن تكون بتلك السعادة إلا عندما تحدث مصيبة كبيرة، بينما أكملت الاخرى بابتسامة مكر:

- مش جواد لاقى ديانة.
شحب وجه "ماجدة" بشدة وأزدادت ضربات قلب بشكل كبير من شدة فزعها من ذلك الخبر، هى لطالما تعلم نوايا "هناء" تجاه "ديانة" وما زراعته بداخل "جواد" كل تلك السنوات من إنتقام، بينما صدع صوت ضحكة "هناء" المليئه بالخبث والمكر مُعلقة على ملامح "ماجدة":

- متخافيش أوى كده لسه مموتهاش، ده كمان أتجوزها

صعقت "ماجدة" من تلك الكلمات التى لم يستطيع عقلها أن يفسرها، كيف ل"جواد" أن يتزوجها؟ هو أكثر شخصا يود قتلها بدم بارد بل وبأبشع الطرق المُمكنة بسبب ما عانه لسنوات طوال بسبب والدتها، كيف له فى ليلة وضُحاها أن يتزوجها!!

ظلت "ماجدة" تفكر ويبدو عليها الاستنكار مما يحدث لترمقها "هناء" باستهزاء مُعقبة:

- لا لا خيالك ميروحش لبعيد أوي كده، جواد أتجوزها عشان يذلها أكتر ويكسرها ويتلذذ بتعذيبها عن إنه يقتلها بسهولة كده ويريحها، وأنا بقى يا ماجدة أوعدك إنى هفضل أقويه عليها لحد ما روحها تطلع فى إيده، هخليه يعذبها أكتر من عذابي اللى أنا اتعذبته فى حب أبوها، فاكرة؟

••

انتهى الجميع من تناول الطعام واجتمعوا فى تلك الغرفة بعد أن أخبرهم "شمس" إنه يريهم فى شيء هام، لينصاعوا إلى طلبه مُهتمين بما يريد التحدث فيه

هتف "جابر" بحب واحترام لشقيقه الكبير مستفسرا:

- خير يا شمس يا اخوي! حاجة أيه اللى مهمة وعايز تجولهالنا

ابتسم "شمس" بحب وإمتنان لشقيقة الصغير مُعقبا:

- هو اأنت يا جابر يا أخوي ولد سبع شهور ولا أيه؟ مستعجل على رزقك على طول إكده!! عايزين نتحدد فى جواز يا أخوي

اعتلت السعادة وجه "هناء" وقد استعدت لسماع أكثر شئ تمنت أن تستمع إليه فى حياتها، بينما ابتسم "جابر" بسعادة لأخيه فهو بدأ فى تنفيذ إتفافه معه بأن يأخذ بناته لولديه، ولكنه لم يُظهر إنه قد فهم الامر مضيفا بإستفسار مُصطنع:

- يا أخوي ألف بركة، بس جواز مين عاد؟

ابتسم "شمس" على مُراوغة أخاه له ولكنه لم يريد أن يبادله المراوغة أمام بتاته، ليتدخل "هاشم" مُجها حديثه نحو الده بإحترام:

- بعد إذنك يا أبوي أنا اللى هجوله

أومأ له والده بالموافقة بينما شرع "هاشم" فى الحديث نحو عمه بود شديد:

- صلي على النبي بجا يا عمي، أنت خابر أنا بحبك جد أيه وأبوي كمان هيحبك جد إيه، وعشان أنت وهو مش إخوات وبس انتوا كمان إصحاب وجريبين لبعض جوى، وعشان إكده أنا اقترحت على أبوي إن الاخوة والحب ده مش لازم يخرج برانا، وعشان إكده أحنا عايزين نجوي حبنا لبعض وطالبين يد بتك تهانى تكون مرتي وشريكة حياتي طول العمر

كادت تهانى أن يُغشى عليها من فرط سعادتها، هى منذ طفولتها وهى تحلم أن تكون زوجة ل "هاشم"، فهى لا ترا أية رجل أخر سواه ولم يدق قلبها لأحد غيره

ابتسم "جابر" بعد سماع تلك الكلمات من "هاشم" وبعد أن رائ البسمة والسعادة على وجه أبنته، ليعقب بهدوء موجها حديثه نحو "هاشم":

- شوف يا هاشم يا ولدي أني البتين دول هما اللى طلعت بيهم من الدنيا ومش طالب حاجه غير إني أشوفهم مرتاحين وعشان إكده عايز أسألك سؤال يا ولد أخوي، هتخلى بالك من بتى وتخافظ عليها زيي إكده يا هاشم؟

ابتسم له "هاشم" بحب وأحترام مجيبا بصدق:

- بتك هتكون هديتي يا عمي والهدية يتحافظ عليها وتتصان جوا العين، بتك فى عني وفى جلبي يا عمي

بادله "جابر" الابتسامة مُعبا براحة:

- مبروك عليك تهانى يا ولدي

شرع كلا من والدة "هاشم" ووالدة "تهانى" بتناول التهاليل وأمتلئت الفرحة أرجاء المنزل، بينما وقفت "هناء" موجهة نظرها نحو "شرف" منظرة منه أن يتحدث هو الاخر ولكن دون فائدة، هو أكتفى بإحتضان شقيقه مُهنئن إياه وأحتضن عمه هو الاخر، ليقابله عمه مُعقبا بحب:

- عجبالك يا شرف يا ولدي

ابتسم له "شرف" بحب واحترام مُضيفا:

- الله يبركلنا فى عمرك يا عمري، بس أنا لسه جدامى شويه على ما أخلص الجامعة بتاعتي واجف على أرض صلبه زي هاشم إكده، أدعيلي أنت بس

ربط "جابر" على كتفه مُعقبا بتمني:

- ربنا يوفجك ويعطيك كل اللى هتحلم بيه يا ولدي

استمعت "هناء" إلى تلك الكلمات وفى لمح البصر انصرفت بعيدا عنهم وأخذت تبكى بحرقة وخيبة أمل على ذلك الحلم التى لم تصل إليه بعد، لتلاحظ "ماجدة" ابتعادها لتُسرع فى الذهاب إليها لكى تواسيها:

- متزعليش يا هناء أنا جولتلك بلاش تعشمي نفسك بحاجة لسه منعرفش هتحصل ولا لا يا حبيبتي، خصوصا إن شرف أخوي متكلمش معاكي جبل إكده فى حاجة ولا بان عليه حاجة أبدا

انزعجت "هناء" من حديث "ماجدة" المُحطم لأملها التى لا تسمح لشيء أن يُحطمها مُقابلة إياها بعضب وضيق:

- ما هاشم أهاه مكنش بيتكلم مع تهانى فى حاجة أبدا وفجاة طلب يدها وواضح إنه هيحبها جوي، ليه شرف ميكونش هو كمان هيحبني بس هيستحي يجول؟ أني مش هستسلم يا ماجدة وأنتى لازم تدخلي تجوللهم إننا عايزين نكمل تعليمنا وندخل جامعه فى إسكندرية ونروح إنعيش معاهم

اتسعت عينين "ماجدة" بصدمة مما تتفوه به "هناء" مُصيحة:

- يالهوي يا هناء وتفتكري هيوافجوا، ده ممكن يكسرونا لو جولنا إكده

- لا يا أختي متخفيش هيوافجوا مش تهانى هتتجوز هى وهاشم وهيروحوا يعيشوا فى إسكندرية، أحنا كمان نروح إنعيش معاهم وأهو نبجى مع أخواتنا وتحت عنيهم

اقنتعت "ماجدة" بحديث "هناء" ثم دخلت لكى تعرض الفكرة على أهلهم، فى البداية لم يرحبوا بالفكرة أبدا، ولكن وافقوا فى النهاية بعد إلحاح كبير من قبل "هناء" و "ماجدة" والذى ساعدهم تدخل "شرف" الذى حل الموضوع بإنه سيعيش بشقته الخاصه ويترك لهم المنزل ليكى يكونوا على راحتهم مع "هاشم" و"تهانى" وإنه سيزورهم دوما.

•••

ابتسمت "هناء" بألم وقد تهاوت إحدى دموعها دون إرادتها وهى تتذكر تلك الأشياء التى لو كانت سارت مثل ما أرادت لكان لم يحدث كل ما حدث من ألم وحسرة لهذة العائلة بأكملها

نهضت "هناء" مُتوجة نحو باب الغرفة مردفة بتوعد:

- تصبحي على خير يا ماجدة، ولا أقولك معدش فيه خير أبدا، كل اللى جى سواد يا بنت عمي

❈-❈-❈

صباح اليوم التالي..

فركت عينيها بقليل من أثار النعاس التى لم تفارقها بعد وهى تستيقظ من نومها مُدركة إنها شعرت بالتعب الشديد ليلة أمس ولم تستطيع مُقاومة هذا النعاس فاستسلمت له، تنقلت بعينيها فى أنحاء الغرفة متُفحصة إياها بإنزعاج، هذا المكان مازال غريبا عليها

وقعت عيناها على الجانب الاخر لفراشها الذى كان كبيرا جدا على كل حال، لتصرخ بزُعر وصوت عالٍ وهى تنتفض من مكانها مُعتدلة فى جلستها، لدرجة إنها أيقظته من نومه العميق

هى لم تشعر به عندما عاد ليلة أمس، متي جاء؟ وكيف سمح لنفسه أن ينام بجانبها وبتلك الطريقة المغزية، هو مُجرد من جميع ملابسه ولا يستره سوا ذلك السروال الداخلى القصير الذى لا يصل سوا لمنتصف فخذيه

بينما شعر "جواد" بالفزع من صراخها ليفتح عينيه مرة واحدة رافعا راسه ليعلم ما الذى يحدث، ولكنه سريعا ما زفر براحة وضع راسه على الوسادة مرة أخرى بعد أن تأكد إنه لا يُجد شئ خطر سوا صوتها المزعج، تمتم بين نعاسة ببرودة المعتاد:

- بتنوحي ليه على الصبح؟ أنا لسه جيت جمبك!!

صاحت به ويبدو عليها ملامح الغضب والانزعاج وهى تسحب هذا الغطاء واضعة إياه عليها مرة أخرى:

- أنت بتعمل أيه هنا؟ وأزاى تنام جمبي وبالمظر ده؟

فتح إحدى عينيه رامقا إياها باستنكار ثم أغمضها مرة أخرى مُضيفا بهدوء وبرود قاتل:

- شكلك من النوع اللى بينسى بسرعة، بس أنا مش من النوع اللى بيحب يقرر كلامه فهقولهالك للمرة الاخيرة، ده بيتي وأنتي مراتي وحقي أعمل اللى أنا عايزه فى بيتي مع مراتي

تأففت بضيق وغضب وهى تضرب كف بأخر مُقبة بحدة:

- تاني هيقولي مراته! أنت يا بني أدم أنت مبتفهمش؟ ما تقولي عايز مني أيه وتخلصنى بقى!!

جذبها فى لحظة واحدة لتستقر أسفل بعد أن أعتلها رامقا إياها بحدة كبيرة لاهثا من بين اسنانة، وفى أقل من الثانية تحولت ملامحه من الهدوء القاتل إلى الغضب والضيق الكفافيان لحرق مدينه بأكملها:

- عايز أذلك وأكسرك وأوجعك، عايز كل حته فى جسمك تصرخ وتترجاني إني أرحمها وأنا مش هرحمها، عايز أشوفك بتبكي بدل الدموع دم وأنا بنتقم منك على كل اللى أنا عنيته بسببك أنتي وأمك، عرفتي أنا عايز منك أيه!!

لم تكن يوما ممن يهابوا أحد أو تخيفهم بعض كلمات، ولكن ما فعله وتفوه به حقا جعلها ترتجف من الداخل، وجودها أسفل منه فى ذلك الوضع وهو عاري الجسد بالإضافة إلى تلك الكلمات التى تفوه بها أفزع ما مرت به يوما
لا تعلم لماذا يفعل معها كل هذا ولماذا يريد الانتقام منها؟ هى لم تفعل له شيء بل هى لم تراه قبل ليلة أمس! لماذا إذا يريد الانتقام منها بتلك الطريقة

دفعها بغضب وقسوة راغما إياها على الابتعاد عنه وقد تحولت ملامحه للهدوء مرة أخرى بعد أن سيطر على غضبه، لتسرع هى فى الفرار بعيدا خوفا من أن يعيد ما فعله مرة أخرى، ليهتف بها بنبرة أمرة لا تقبل النقاش:

- تقومي دلوقتي زى الكلبة تحضريلي الحمام والفطار

رمقته بنظرة تمرد أدرك هو معناها جيدا، ولكنها سريعا ما نهضت تاركة الفراش مُستغلة ذلك لكى تبتعد عنه ولو قليلا من الوقت

توجهت إلى المرحاض وأغلقت الباب خلفها بإحكام خوفا من أن يقوم بفعل وقح من أفعاله، بينما رمقها هو بكثير من الحقد والكراهية مُعقبا بتوعد:

- ورحمة أمى لعيشك أيام أسود من اللى أنا عشتها بكتير

❈-❈-❈

خرجت من الحمام  بعد أن أنتهت من تجهيزه له وكادت أن تفر من الغرفة بأكملها، ليسرع هو بالإمساك بها قابضا على ذراعها وجذبها إليه لتكون فى مواجهته:

- رايحة فين؟

سعرت بالقلق والتوتر أثر قبضته وطريقته الغير مريحة تلك، ولكنها سيطرت على نفسها وهى تسحب يدها منه بتحدٍ وقوة نجحت فى إظهارها:

- رايحة أحضرلك الطفح زى ما طلبت، وسيب إيدي

تملكه الغضب الشديد من طريقتها وجرائتها فى الحديث معه، تلك الغبيه تدفعه لقتلها الان ولكن هو لا يحبذ هذه الفكرة حاليا، كل ما يفكر به الان هو أن ينتقم منها ويريها كيف يكون العذاب حقا

رمقها بحدة وتوعد وسريعا ما جذب خصلاتها بيديه، لتتأوه هى بألم كبير لدرجة إنها شعرت وكانه اقتلع شعرها فى يديه، بينما أقترب هو من أذنيها هامسا لها ببرود وهدوء يخطف الأنفاس:

- قصدك زي ما أمرت، أنا مبطلبش أنا بأمر بس، وبعدين مسمهوش طفح أسمه أكل، وكمان الفطار بيكون بعد الحمام يا عروسة

رمقها بنظرة ماكره ثم أكمل:

- وأنا بقى مش جايلي مزاج أستحمى لوحدي

توسعت زرقاوتِها من شدة الصدمة مما تفوه به، لقد أدركت جيدا ما يفكر فيه، لتبتلع ريقها بتوتر مُحاولة الفرار من بين يديه، ولكنه أحكم قبضته عليها جيدا، لتصرخ به بهلع أخرجته فى صورة غضب وهى تزجره بحدة:

- وأنا مالي تستحمى ولا تولع، سيب إيدي بقولك وأبعد عني

ضيق زرقاوتيه وهو يرمقها بالكثير من الخبث والمكر وسريعا ما أنحنى ليحملها وصار متوجها نحو المرحاض لتصبح كالعصفورة بين يديه:

- فى بلد أبويا وأبوكى الراجل لما بيأمر مراته بحاجة بتنفذها بمزجها أو غصب عنها

أوصد الباب جيدا بعد أن دلف بها إلى الداخل ومازال حاملا إياها، ثم أنزلها تحت المياة بقسوة لدرجة إنها كادت أن تنزلق قدميها وتسقط أرضا لولا تشبثها فى صنبور المياه، لترمقه بكثير من الغضب الممذج بالقلق والتوتر صارخة فيه بحدة:

- أفتح الباب وسيبنى أطلع

رمقها بلامبلاة مُعقبا بهدوء:

- أنتي هبلة يا بت ولا أيه؟ مسمعتيش عن المثل اللى بيقول هو دخول الحمام زي خروجه!

كادت أن تصيح به مرة أخرى بينما قاطعها وهو ينحني متخلصا من سرواله الداخلي بمنتهى الوقاحة وكأنها ليست موجودة

بينما شهقت هى بصدمة مما فعله وسريعا ما وضعت يدها فوق عينيها وهى تلتفت موالية له ظهرها بكثير من الخجل، هى لم يسبق لها أن ترى رجلا فى هذا الوضع من قبل، أو مرة ترى فيها جسد رجل عاري من قبل

شعر بالانتصار الشديد وهو يراها بهذا التوتر ولم يستطيع أن يخفي ابتسامته المتشفية بها، ولكنه أراد أن يزيد من غضبها أيضا ليضيف بإستهزاء:

- لا صدقت إنك وش كسوف

جذب يديها باعدا إياها عن عينيها مقربها نحوه بجرأة كبيرة، حينها لاحظ ثقل أنفاسها وصدرها الذى يعلو ويهبط من شدة الارتباك، أزداد شعوره بالرضا من نفسه ورمقها بهدوء على عكس ما بداخلة من كراهية نحوها

اقترب منها بشدة إلى أن أستطاع أن يستنشق رحيق أنفاسها، لا ينكر إنه شعر بقليل من الإثارة لفكرة تواجدها معه فى مرحاض واحد وهو عاري الجسد هكذا، لو لم تكن ألد أعدائه لكان أخذها أسفله على تلك الأرضية ليفعل بها ما يشاء

ولكن سريعا ما تحكم فى نفسه متوقفا عن تلك التخيلات الحميمة التى لا يجب أن يفكر فيها، خاصة تجاه تلك الفتاة فهو لا يريد أن يفعل معها ذلك الشيء، فمن المفترض إنه يشمئز منها ولا يجمعه بها سوا الإنتقام، اقترب من أذنها هامسا لها بهدوء مُضيفا بثبات:

- تروحي تجيبي الشاور والشامبو من على الرف وتيجي هنا عشان تكملي باقى أوامري

لا تدري لماذا إنصاعت لما قاله! هل خافت منه أم تستغل كل فرصة ممكنة للابتعاد عنه حتى لا يقوم معها باي فعل حقير مثله؟

توجهت لإحضار ما طلبه وقامت بوضعه على حافة المغطس الخاص به ثم أدارت وجهها لكى تبتعد عنه، ولكن منعتها قبضته التى حاوطت يديها:

- رايحة فين؟

رمقته بنفاذ صبر من أفعاله تلم صائحة بحدة:

- جبتلك اللى أنت عايزه أهو، عايز مني أيه تانى؟

أجابها بهدوء قاتل وكأن ما سيقوله شيء عادي هاتفا:

- زي أي ست فى حمام واحد مع جوزها، حميني يا مراتي

ضيقت ما بين حاجبيها باستنكار لا تعلم ماذا يقصد ذلك الغبى المغرور! أهو حقا يظن إنها ستلمس جسده وتمرر يدها على جميع أنحائه؟، كلا فهى شعرت بالخجل الشديد من مجرد التفكير فى هذا الأمر

كان التعجب والإندهاش كل ما يظر على تعبير وجهها بالأضافة إلى تلك الحمرة، بينما هو كان مازال محتفظا ببروده وهدوء أعصابه، لتشعر بالغضب تجاهه مدركة ما يفعله، هو يتلذذ بإهنتها وشعورها بذلك الخجل والتوتر أمامه

ييدو أن توترها وصدمتها من كل ما عانته منذ ليلة أمس جعلوه يظن إنها تخاف منه، حسنا إذا لتريه من تكون هى وإنها لا تخشى أحد، رفعت حاجبيها باستنكار مُعقبة:

- ليه! أنت مشلول ولا مكسح؟

جذبها من ذراعها بقسوة وغضب مما تفوهت به مُتحدثا إليها بأسنان ملتحمة مُعقبا:

- لا دي ولا دي بس مزاجى كده، ولو مبتعرفيش أنا ممكن أقلعك هدومك وأعلمك، أيه رأيك؟

توسعت زرقاوتيها بصدمة كبيرة من وقاحته الغير متناهية، لا تعلم ماذا تفعل بهذا المأذق التى تورطت به؟ لماذا يفعل بها هذه الاشياء؟ إلى ماذا يريد أن يصل بتلك الأفعال الحقيرة

ماذا لو رفضت هذا الطلب؟ ماذا سيفعل؟ أحقا سينفذ ما تفوه به؟ ماذا لو أن نفذه حقا! ماذا ستفعل؟ ليس أمامها خيارا أخر، يجب أن تُطيعه وإلا لا تعلم ماذا سيفعل ذلك الوغد

وضعت من هذا المستحضر على يديها وفركته بغيظ شديد وأخذت تمرر يدها على جسده  بغضب وإحتقار وهى تتحاشى النظر إليه

بينما شعر هو بقشعريرة لم يجربها من قبل، لينتابه التعجب مما حدث، هذه ليست المرة الأولى له أن تلمسه إمرأة بل إنه يعتاد هذا الامر، ولكن لماذا شعر بهذا الاحساس الان؟

كانت يدها تتنقل على جسده بسرعة وغضب ولكنه يستمتع بكل لمسة منها، يشعر بالارتخاء بين أصابعها وهى تتنقل بداية من أكتافه هابطة نحو صدره ثم إلى بطنه وتعلو مرة أخرى ليشعر بإعادة الكرة من جديد

ظلت تتلمس جسدة واضعه ذلك السائل عليه مُتحاشية النزول إلى منطقتة رجولته أو مجرد النظر إليها، بينما لاحظ هو هذا الامر ولكنه لم يود أن يجعلها تتقرب منه أكثر حتى لا يفقض السيطرة على نفسه ويأخذها أسفله الان

رمقتة باشمئزاز بعد أن أنتهت من ذلك الامر ومن تجفيفة أيضا بعد أن أمرها بفعل ذلك، أبتعدت عنه وخرجت من هذا المكان قبل أن تقتله، أخذت نفسا عميقا وكانها كانت مُحاصرة بأحد الأماكن وينقطع عنها الهواء

بينما ذهب ليجلس هو على الفراش بمنتهى الغرور والكبر وهو لايزال بتلك المنشفه الملتفه حول خصرة أمرا إياها بمزيد من المكر:

- الهدوم اللى هلبسها عندك على الكنبه هاتيها وتعالي أقعدي تحت رجلي وساعديني ألبس

لقد طفح الكيل، لا تستطيع السيطرة على نفسها بعد الان، يجب أن تريه من يكون أيا كان ما سوف يحدث

اسرعت فى التوجه إلى الأريكة ملتقطة ملابسه ثم عادت إليه مرة أخرى ويبدو عليها التمرض والنفور لتقف أمامة بغيظ شديد مردفة بحدة:

- بقولك أيه أنا فاض بيا وأستحملتك كتير يا زفت أنت، غسلتك أخر تغسيلتك ونشفتك وكمان عايزني أقعد تحت رجلك ألبسك؟ لبسك جن ينططك أنت وأهلك كلهم
1

قالت جملتها الاخيرة وهى تلقي الملابس بوجهه بطريقة مُهينة له، وفى خلال لحظات كانت تشعر بالإرتجاف والفزع من تلك النظرة التى رمقها بها وتحول زرقاوتيه إلى تلك القتامة المُفزعة..
يتبع...
طرق الباب بحماس ولهفة كى يرى عروسته الصغيرة ويعتذر منها على عدم حضوره حفل خطبتها، دلف المنزل مُناديا إياها بحب وإشتياق:

- يا عروسة، أنتى فين يا حبيبة قلبي؟

لاحظ هدوء المنزل الغير مُعتاد عليه وعدم وجود أحدًا مما أثار قلقه، وبلحظة فتح باب المنزل ودلفت منه شقيقته الصغيرة التى كانت يبدوء عليها أثار البكاء وبمجرد أن رأته أمامها شرعت فى البكاء مرة أخرى دون توقف

اسرعت "ملك" بالركض نحوه لتدفن وجهها داخل صدره ولا تستيع أن تقف عن ذلك الإنهيار والإرتجاف، بينما شعر "مالك" بالقلق والرهبة مما فعلته شقيقته ليربط على كتفيها مُحاولا تهدئتها:

- مالك يا حبيبتي بتعيطي كده ليه؟ وفين بابا وماما وديانة!

أجابته بصعوبة من بين شهقاتها وبكائها المرير:

- في فى واحد جيه إمبارح وقال إنه أبن عم ديانة وهددنا بمسدسات وناس كانت معاه وضرب أدهم وأتجوز ديانة وخدها ومشى، بعدها ماما إنهارت وأغمى عليها وبابا أخدها المستشفى وأنا لسه جايه من هناك

توسعت أعيُن "مالك" بصدمة كبيرة، كيف حدث كل هذا خلال ليلة واحدة؟ ترى من يكون هذا الشخص الذى جاء إلى منتصف بيتهم وأختطف شقيقته من منتصف منزلهم؟ هو لا يعترف إنها لديها عائلة سواهم، مهما كان ذلك الشخص سيذهب ويأخذها منه رغما عنه

رمقها بكثير من الغضب الممذج بالقلق من أن يحدث ل"ديانة" شيء مُتسائلا:

- أسمه أيه أبن عمها ده؟

رفرفت بأهدابها بتوتر وهى ترتجف من أثر بكائها مٌعقبة:

- جواد، جواد الدمنهورى

❈-❈-❈

تحذير هام..
هذا المشهد قد يحتوي على ألفاظ ومشاهد عنيفة للبالغين فقط وقد لا تروق للبعض، إذا كنت لا تُحبذ هذا النوع من المشاهد أرجو عدم القراءة..

توسعت زرقاوتاه بكثير من الغضب الذى أعتلى ملامحه التى تصرخ بالجمود والحدة، ليرمقها بضيق ولم يستطع التحكم بنفسه بعد تلك اللحظة، لقد تخطت كل الحدود التى لم يتخطها أحد معه من قبل.

الثوران الشديد هو أقل ما يصف حالته بعد وقاحتها معه، هى بالنسبة له ليست إلا عاهرة مثل تلك العاهرات التى يستأجرهن ليفرغ معهن شهوته بأحقر الطرق المُمكنة والمؤلمة أيضا، وهي واحدة من تلك العاهرات الاتي يجب أن يتعلمن كيف تكون المُعاملة مع أسيادهم.
رماها بنظرة مليئة بالتوعد وقد أمتلأت مُخيلته بأفكار كثيرة لن تتركها سوا وهى تتوسل له أن يرحمها ولن يفعل، هذه الحقيرة ستُحاسب على وقاحتها معه وستتعلم كيف تتحدث إليه مرة أخرى.

كادت "ديانة" أن تُكمل حديثها لتمنعها صفعة قوية أسقطتها أرضا من شدتها ونتج عن أثرها تلك الدماء المُنسدلة من فمها، وتلك ليست إلا البداية بالنسبة له.

اقترب منها جاذبا إياها من خصلاتها البنية بقوة حتى شعرت إنه سيقتلعها من مكانها، كانت كالعصفورة بين يديه بسبب ضخامة جسده مقارنة بها وقوته البدنية أيضا، بينما كانت هي تتأكلها النيران من شدة الغضب والكراهية تجاهه.

كم ودت أن ترد له تلك الصفعة ولكن جذبه لخصلاتها جعلتها عاجزة لا تقوى على فعل شيء بين يديه، لتصرخ به متألمة:

- سيب شعري يا زبالة يا حيوان.

لم تكن كلماتها سوء حافز له لكي ينفذ ما خطر بباله منذ البداية، هي لا تفعل شيء سوا إنها تزيد من حجم غضبه الذى سيفتك بها الأن ويجعلها تصرخ مستنجدة بأحد ينقذها من بين يديه.

بينما هو فقد أصبح كحمم البركان الذى على وشك الإنفجار ولن تسلم من بين يديه إلا عندما ينتهي من تلقينها درسً قاسً يجعلها ترتعب كلما سمعت صوته أو رأته، بينما أخذ يتقدم نحوها بمكر شديد لتصيح هى بقلق:

- لو قربت مني خطوة كمان هقتلك يا كلب يا حقير

انهال عليها مُمسكا قميصه الذي أنتشله من وسك ملابسه التي كانت موجودة فوق الفراش، وذلك لكي يُحكم به يديها حتى يتمكن من تأديبها دون حركة منها لدفاع عن نفسها، أنتهى من تكبيل يدها ثم جذبها مرة أخرى من شعرها مُعقبا بأسنان ملتحمة من شدة غيظه:

- أنا هوريكي الحقير ده هيعمل فيكي أيه يا بنت الكلب.

دفعها بشدة على الفراش وصعبت عليها الحركة جدا بسبب يديها المُكبلة، بينما ازداد حقدها وكراهيتها الشديدة تجاهه.

لم يكن يرتدي بعد سوا تلك المنشفة الملفوفة حول خسره بينما باقي جسده كان عاري تماما، أمتدت يده لنزعها بعيدا عنه، ليصبح عاري تماما أمامها.

شهقت بخجل وفزع فى نفس الوقت، ولديها كامل الحق فى هذا، بسبب ذلك الوضع الذى هي فيه، نائمة فى فراشه مُكبلة الأيدي، بينما هو عارى تماما هكذا، يبدو وضع غير مريح بالمرة! لتصرخ فيه بريبة وقلق:

- أنت بتعمل إيه يا مجنون أنت؟

رمقها بنظرة حادة وثاقبة جعلتها تبتلع من شدة إرتباكها مُضيفا:

- أنا هوريكي الجنان اللى على أصوله دلوقتي

التقط سرواله الداخلي من بين كومة الهدوم التي قذفتها في وجهه منذ برهة، بينما شعرت هى بالحرج من تفكيرها وإندفاعها فيما قالته.

أستغلت إنشغاله بإرتداء ذلك السروال وعافرت عازمة على النهوض من هذا الفراش قبل أن ينتهي، بينما لم يسعفها الوقت وكان قد أنتهى بالفعل من إرتدائه تلك القطعة فقط.

اقترب منها بهدوء دون التفوه بكلمة رامقا إياها بنظرة ثاقبة لم تستطيع أن تُفسرها أو تُدرك معناها، ودفعها مرة أخرى لتستقر على الفراش، ليزداد توترها ولم تستطع التماسك أكثر من ذلك وهي تراه بهذا الشكل لتصرخ فيه بإنفعال شديد:

- فكني حالا وبطل شغل المجرمين بتاعك ده.

لاول مرة ترى تلك البسمة المبهمة على وجهه والتي لم تلامس عيناه حتى إنها لم تعي معناها، ليأتها صوته الرخيم مردفا بحدة بعد أن تلاشت البسمة من على شفتيه:

- هو أنتي لسه شفتي حاجة من شغل المجرمين!!

أخذ يدور حول الفراش ليزيد من توترها وإربكاها، ولطالما كان الضغط النفسي والشعور بالرهبة أبشع بكثير من العذاب الجسدي والشعور بالألم، أستقر أمام زرقاوتيها مباشرة ليرى نظرة التحدي لم تفارق خاصتيها

تلك الفتاة تبدو قوية حقا بالرغم من الارتباك والقلق الوضحان على حركة جسدها، إلا أن عنيها لم تفقد نظرة التحدي والجمود تلك، حسنا لنلعب يا صغيرتي، أضاف مبتسما باستهزاء:

- تعرفي، أنا كنت ناوي أقتلك أول ما ألقيكي، بس بعد ما شوفتك وشوفت نظرة التحدي والكبرياء دي فى عنيكي فكرت فى فكرة أحسن بكتير، قولت لازم أكسر غرورك وكبريائك دول وأذلك وأخليكي تنزلي تحت رجلي وتترجيني عشان أرحمك وأموتك، ولما أبقى أمِل من اللعبة دي أبقى أموتك.

رمته بكثير من الحقد والكراهية ولا يزال العند والكبرياء مُلازمين ملامح وجهها، لتقابله بإشمئزاز شديد قائلة:

- أنا مش هقولك أنت عايز تنتقم مني أو تقتلني ليه؟ ولا هخاف منك ومن تهديداتك دي، أنا هقولك جملة واحدة بس، أنت بتحلم، أنا عمرى ما هكسر نفسي لحد، ولو عايز تقتلني متضيعش وقتك وأقتلني دلوقتى، عشان أنا مش هعمل اللى أنت مستنيه ده.

ابتسم بمكر وشر وأصبحت نظرة عيناه حادة تجعل من يراها يشعر بالرهبة والفزع، ولكنها تماسكت وحافظت على ثباتها أمامه، ليعقب هو بتحدي:

- هنشوف!!

أثنى ركبته فوق الفراش وهو يتجه نحوها بينما يديه الأثنان يعبثان بكومة الملابس بجانبه، لتشعر بالفزع من محاولته لتقرب منها وهى لا تدرك ماذا يدور فى رأسه؟ زجرته بحدة وإنفعال:

- أنت بتعمل إيه يا حيوان يا زبالة أنت؟ أبعد عني بدل مع أبهدلك

- تبهدلي مين يا واطية يا بنت الواطية، طب وريني بقى هتبهدليني أزاى وأنا بعيد تربيتك من أول وجديد عشان أنتي ملاقتيش راجل يربيكي.

تفوه بتلك الكلمات وهو يسحب حزامه الجليدي من جانب بنطاله بغيظ كبير مما جعل قلبها يرتعب مما أستمعت إليه، لماذا يمسك بذلك الحزام!! ماذا ينوي أن يفعل بها!!

- أبعد عني بقولك.

قالتها بصراخ بينما قام هو بثني حزامه لكي يُزيد من شدة وقوة ضربته رامقا إياها بنظرة توعد وغضب قائلا:

- اللي يغلط يتحاسب وأنتي غلطتي بدل الغلطة عشرة، عشان كده هحاسبك ومش هسيبك غير وأنتي بتبوسي رجلي عشان أرحمك.
1

ارتفعت يده بهذا الحزام لأعلى ما أمكنه ثم تهاوى به فوق جسدها بقوة شديدة، لتصرخ هى بألم لم تشعر به من قبل وظنت أن لحمها قد تمزق من شدة تلك الضربة

لم يترك لها هُدنة حتى تأخذ نفسها ليُفاجئها بالجلدة الثانية التى أشعرتها بلهيب النيران فى ثائر جسدها، لتصرخ به مُحاولة إيقافه عما يفعل:

- آآآه  كفاية  أنت بتعمل كده ليه؟

لم يكترث لصرخاتها التى تكاد تصل إلى خارج المنزل ولا لسؤالها الذى لم يُجيبهاوعليه إلى الأن، ليزداد من حدة ضرباته لها، ليتهاوى عليها بالجلدة الثالثة مُضيفا:

- بعلمك الأدب اللي محدش علمهولك، ومش هبطل ضرب فيكي لحد ما تتأسفي وتترجيني إنى أرحمك
على الرغم من أن تلك الجلدات لا ترأف بها وتشعرها بكثير من الألم الذى تجربه لأول مرة فى حياتها، إلا أن ألم كبريائها وكرامتها سيؤلماها أكثر إذا أستمعت لما يقوله، لن تذعن له حتى لو ضربها بالرصاص:

- نجوم السما أقربلك، عمرك ما هتسمع أي حاجه من دول مني حتى لو هتموتني.

شعر بالكثير من الغضب ليُناولها الجلدة الرابعة بقسوة تفوق هؤلاء الذين سبقوها، ليتمزق حلقها من شدة الصراخ من تلك الضربة التى توزعت على ثائر جسدها، مما يجعل أى شخص مكانها يصرخ بطلب الرحمه والعفو، ولكنها ليست بهذا الضعف خصيصا عندما يصل الأمر إلى كبريائها، لم تكن ضعيفة يوما ولذلك لن تضعف أمام قسوة وجبروت هذا الشخص، ستُحارب فى سبيل الحفاظ على كبريائها حتى ولو كان أخر يوم فى حياتها.

ظلت تصرخ بألم على أثر تلك الجلدات التى تتهاوى عليها تاركة تلك العلامة الحمراء على جسدها الحليبى، بينما هو لم يعد يحتمل ذلك الغضب وأخذ يجلدها بغضب وقسوة أكبر لدرجة أن بعض الأماكن بجسدها أوشكت على الإنفجار بالدماء.

بينما ظلت هى تصرخ ببكاء وألم مُنهالة عليه بالشتائم ولكن دون فائدة، هى وقعت بين يديه الان ولن يتركها سوى بخروج روح أحدهما!

تصرخ بكل ما بها من قوة إلى أن تمزق حلقها من شدة الصراخ وأخذت تصيح به فى بصراخًا وبكاء مرير:

- كفاية بقى  أبعد عني  يا كااافر  أنا بكرهك.

لم يكترت لتلك الكلمات أو لهذا الصراخ الذى كان يصدع بالمنزل بأكمله، بل أزداد غضبة أكثر وأزاد من شدة ضربه لها لاهثا بحدة:

- ولسه هخليكي تكرهيني أكتر وهوريكي يا بنت لبنى الوسخة وهفضل أبهدلك لحد ما روحك النجسة تطلع فى أيدي يا واطية.

لم تتبين تلك الكلمات التى تفوه بها لتو، هي لم تعد تستمع إلا لتلك الضربات المُتهاوية على جسدها وصُراخها الذي مزق حنجرتها وذلك الدوار الذي تملكها حتى قاربت على فقدان وعيها من كثرت الألم والصراخ:

- سبني بقى معتش قادرة أستحمل، كفاية بق...

ثقلت رأسها بشدة وفى لحظة سقطت هي الأخرى وانقطع صوتها مرة واحدة بعد أن فقدت وعيها من كثرة الألم وتلك الدماء التى تخرج من بعض الأمكان فى جسدها.

توقف رامقا إياها بأشمئزاز وأحتقار وسريعا ما ألقى بالحزام بعيدا عنه وهو يزفر ببعض من الراحة.

ابتعد عنها ملتقطا هاتفه المحمول ثم بدأ بالبحث عن رقم ما وأتصل به غير مكترثا لما فعله بها، وبمجرد أن أتاه الرد صاح بحدة وتصلط:

- هاتلي دكتور وتعالى على فيلا برج العرب دلوقتي حالا.
2

أنهى إتصاله دون الإنتظار لسماع رد "إياد" الذى صُعق من طلب "جواد"، بينما هو نظر لها بكثير من الغضب والتوعد هاتفا بعد أن ألقى الهاتف بجانبها:

- مش هسسيك تموتي بالسهوله دي، أنا لسه ببدأ معاكي ولسه محسستكيش بربع اللى أنا حسيت بيه بسببك أنتي وأمك.

❈-❈-❈

يجلس الجميع حول طاولة الطعام يتناولون الافطار وكلا منهم منشغلا فى ما يخصه، فهم ليسوا بالاسرة المحبة للمناقشة وتبادل الأحاديث والأقوال، كل منهم لديه عالمه الخاص به الذى يشغلة ويروق لهم أيضا حوار أنهم لا يتبادلوا الاراء، فكل منهم لديه وجهة نظره الخاصة التى تبعد كل البعد عن وجهة نظر الأخرين..

كانت "زينة" ممسكه بهاتفها منشغلة فى الحديث مع صديقتها عبر أحد مواقع التواصل الإجتماعى، هى لا تكترث لهذا الحديث بين والدها وزوجته التى تكون خالتها شقيقة والدتها المتوفية، بل تتجنب التعامل معها على قدر المستطاع

هى لا تجد بينهم لغة حوار على عكس "ماجدة" تماما، فهى عندما توجه الحديث إليها فيما يخصها تشعر بالتأثر والأهتمام للاستماع إليها، على الرغم من كونها لا تستطيع الكلام ولا الحركه، إلا إنها حنونة وذو قلب طاهر ونقى

أما بالنسبة لتلك المرأه المغرورة "هناء" فهى لا تتاثر بشيء، لطالما كانت قاسية كالحجارة لم يرها أحدا تبتسم سوا مرات معدودة تكاد تكون مرة كل عدة اعوام، هى جافة المشاعر،حادة الطباع وهكذا ربت "جواد" على ان يكون مثلها، حاد الطباع، قاسي القلب، جاف المشاعر، مغرور لا يحب ولا يحن ولا يكترث لمن حوله، ماذا تنتظر من طفل كبُر وترعرع على يد امرأة كهذه

بينما "هاشم" كان يتفقد حسابه على أحد المواقع مُتابعا أخر الأخبار فى مجال عمله وهل مازالت شركته تتصدر المركز الاول بين شركات العقارت فى الوطن العربي؟ ومن أهن المراكز الاولى عالميا فى هذا المجال أم تغير شيء!!

انتهى الجميع من تناول الطعام وشرعوا فى النهوض مستعدون لبدء يومهم، بينما انتبهى الجميع لصوت جرس باب القصر يصدع بقوة وكل هذه الطرفات التى كادت أن تخترق هذا الزجاج، ليفزع الجميع من تلك الهمجيه، بينما أسرعت العاملة فى الذهاب لفتح الباب

دلف "مالك" بكثير من الغضب والتوعد لهذا الحقير الذى أقتحم منزله ليلة أمس وأخطتف أخته، عازما على أن يُكسر عظام راسه وأخذ أخته والعودة بها إلى منزلهم، ليصيح بصوتٍ عالٍ مناديا إياه بتوعد:

- أنت ياللى أسمك جواد، أنزلي هنا زي الرجالة

صُدم الجميع من كلمات هذا الشاب الغريب الذى لم يسبق لهم أن يروا من قبل، على أية حال هذا إما هو مجنون وفقد عقلة تماما ليأتي ويقول مثل هذا الحديث ل"جواد الدمنهورى"؟ أو إنه لا يعرف جيدا من يكون هو الشخص الذى يناديه، والذى بالمناسبة هو محظوظ جدا لعدم وجوده بالمنزل والإستماع لما قاله، وإلا لما كان أستطاع أن يخرج مرة أخرى على قدميه

رمقة "هاشم" بحدة وإنزعاج مما تفوه به، من هذا الذى يتجرأ ويدخل إلى قصرِه بتلك الهمجية ويتحدث عن إبنه بتلك الطريقة، صاح زاجرا إياه بإنفعال شديد مستفسرا:

- أنت مين؟ وأزاى تدخل بيتي بالطريقة دي؟ وعايز أيه بالظبط من جواد؟

أجابه "مالك" بكثير من الغضب والنيران تطاير من بُنيتيه بإنفعال شديد:

- زى ما أبنك دخل بيتي فى غيابي وخطف أختي وضرب خطيبها وهدد أهلي بالسلاح.

خمن "هاشم" أن هذا الشاب قد يكون أبن تلك العائلة التى كانت تمكث عندهم أبنة أخيه، ليغمض عينيه مُحاولا إستدعاء الهدوء السيطرة على أنفاسه الغاضبة، بينما هتفت "زينة" بصدمة مما أستمعت إليه مستفسرة:

- جواد خطف أختك أزاى يعني! وهيخطفها ليه أصلا هو زعيم عصابة؟ وبعدين مين هى أختك دي؟!

كاد "مالك" أن يزجرها بها بحدة بسبب طريقتها التى تتحدث بها إليه، ليوقفه صوت "هاشم" الذى صاح بثقة وكان ما حدث شيء عادي:

- أولا هو مخطفهاش هو أتجوزها، ثانيا هى مش أختك هى بنت أخويا، ثالثا هى ملهاش خطيب غير جواد من وهى فى بطن أمها، رابعا أطلع برا بدل ما أخلى الامن يجى يشيلك ويرميك برا

أزداد غضب "مالك" مما تفوه به ذلك الرجل، وكم تمنى أن يُلكمه فى وجهه ردا على ما ثرثر به، متى تذكر إنها تكون أبنة أخيه؟ أين كانوا طوال تلك السنوات؟ أليست تلك الفتاة التى لم يريدوا أن يعترفول بها وكانوا يخططون لقتلها؟ لن يتركهم ليفعلوا بها شيء

بينما "زينة" قد شعرت بالصدمة مما أستمع إليه، عند من يتحدث والدها وذلك الشاب! أية أبنة عم يتحدثون عنها! هل لديها أبنة عم سوا هذه ديا..، كلا هل حقا تزوج "جواد" من هذه الفتاة الذى تدعو "ديانة"؟ كيف له أن يفعل هذا! أليست هذه أبنة المراة التى أدخلت الحزن والتعاسة إلى هذا البيت وكسرت قلوب جميع من فيه وتركت لهم جرح لن يُنسى قبل وفاتها؟

كيف تزوجها وهو لطالما كان يود أن يقتلها؟ هى بالطبع ترفض تلك الفكرة وتعرف أن "ديانة" ليس لها أية ذنب فيما فعلته والدتها، ولكن كيف تغير رأى "جواد" هكذا وتزوجها! أم إنه تزوجها حتى ينتقم منها ويُذيقها شتى أنواع العذاب؟ كانت شارده تفكر فيما أستمعت إليه، بينما أفاقها صوت "مالك" الصارخ بغضب فى وجه "هاشم":

- بقولك أيه الكلام ده ميدخلش عليا، دلوقتي بقت بنت أخوك؟ ولا عايزين تخلصوا عليها؟ أنا مش همشي من هنا إلا وأختي معايا وإلا هبلغ عنكوا وأوديكوا فى ستين داهية

ابتسم "هاشم" على كلماته بسخرية قائلا:

- وهتبلغ تقولهم أيه بقى! أنا عايز أختي اللى هى مش أختي عشان عمها وأبن عمها اللى هو جوزها خدوها مننا

كاد "مالك" أن يفقد أعصابه وينهال على هذا الرجل المغرور ويجذبه من رقبته إلى أن يخبره أين "ديانة"، ولكن سريعا ما تدخل رجال الأمن ممسكين به دافعين إياه لخارج المنزل بعدما أن أخضرتهم "هناء"، بينما صاح "مالك" بغضب مُهددا إياهم:

- أنا مش هسكت وهبلغ عنكوا وهفضحكوا قدام الدنيا كلها وهعرفة أخدها غصب عنكم

أسرع "هاشم" فى التوجه الى مكتبه مغلقا الباب خلفه بحدة هاربا من إبنته التى لن تجعل هذا الموضوع يمر مرور الكرام، بينما نظرت هى إلى والدها وهو يسير نحو مكتبه بعتاب حتى أختفى من أمامها، لتحول نظراتها تجاه "هناء" التى يبدو عليها الرضا الشديد مما يحدث، لترمقها بغضب ثم التقطت حقيبتها وأسرعت فى الخروج من هذا المنزل الذى لم تعد تفهم به شيء

❈-❈-❈

أنتهى الطبيب من فحصها بعانية لمعرفة إن كانت تعاني من أية نزيف داخلي أو أية مشكلة تستدعي نقلها إلى المشفى، ومن المؤكد أن هذا الطبيب الخاص ب"جواد" والذى يُحضرة كلما لُزم الامر

بالطبع لاحظ الطبيب علامات أصابع يده على وجهها أثر صفعات كثيرة تهاوت على وجهها، بالإضافة إلى تلك الجلدات التى من الواضح إنها نالت جزء كبير جسدها إن لم يكن جسدها بأكمله، يبدو إنها تعرضت للكثير من العنف إلى أن فقدت وعيها، يالها من مسكينة حقا

رمق الطبيب "جواد" ببعض من العتاب وكم تمنى لو يستطيع أن يصرخ به عما فعله بتلك المسكينة، ولكنه سريعا ما تذكر من يكون هو "جواد" وما يمكن أن يفعله به لو صدر منه ما لا يقبل به

عمل جاهدا على أن لا تظهر نبرة العتاب ولا الملامح المنزعجة عليه وهو يتحدث إليه مستفسرا عما حدث، حتى يكسب الوقت إذا كان هناك شيء يستدعي ذهابهم إلى المشفى، شيء كاغتصابه لها مثلا وإلا لما ليفعل بها هذا؟
- جواد بيه بعد إذنك ممكن أعرف أيه اللى حصل بالظبط عشان لو فيه حاجه ألحق أتصرف؟

رمقة "جواد" بهدوئه المعتاد عاكسا تلك الضجة الكبيرة التى تحدث بدخله، ماذا يقول له؟ أيخبره إنه أخذ يصفعها ثم كبل يديها وانهال عليها بكثير من الجلدات إلى أن فقدت وعيها وكل هذا دون مبرر؟

أم يخبره إنه كان ينتظر فرصة صغيرة كى يبدأ معها بلعبة الجلاد والضحية؟ بالطبع لن يقُل هذا الهراء، ليس من حق أحدا أن يتدخل بينه وبينها، هى ملكه وله كامل الحق ان يفعل بها ما يشاء، هذه الفتاة أبنة المرأة التى أفقدته والدته وطفولته وحياته بالكامل، وقد حان الان موعد الانتقام

زفر "جواد" بعمق مُحاولا إستعادة هدوئه وثباته مُجيبا إياه بإستهزاء:

- وأنت مستنيني أعرفك شغلك بيتعمل أزاى؟

حمحم الطبيب بحرج من إستهزاء "جواد" به وأضاف موضحا ما يود أن الإستفسار مستحضرا شجاعته، وها قد تناسى خوفه لان إذا كان ما يفكر به حدث بالفعل فتلك الفتاة تحتاج النقل إلى المشفى فى الحال:

- يا جواد بيه البنت اللى قدامي واضح جدا عليها أثار الضرب والعنف، وواضح إنها كانت متكتفه، وأظن كل ده بيوحى لشئ واحد بس، إن دى مُحاولة اغتصاب ولو كان ده فعلا حصل لازم تتنقل للمستشفى حالا و..

أسكتته لكمة شديدة من "جواد" ليسقط أرضا مرطتما بتلك الزهرية الموضوعة فوق هذه المنضدة لتسقط هى الأخرى أيضا، لينحني "جواد" ممسكا إياه من عنقه بحدة

كان ليلفظ أنفاسه الأخيرة بين يديه، ولكن من حسن حظه أن "إياد" كان يقف بالخارج واستمع إلى تلك الضجة وتدخل بالوقت المناسب وإلا كان قتله "جواد" بين يديه

فصل "إياد" بين "جواد" وهذا الطبيب مُحاولا تهدئة صديقه إلى أن نحج فى التفرقة بينهم، أيتعد الطبيب وهو يلهث مُحاولا تنظيم أنفاسه بعد ما فعله به الأخر

صاح "إياد" موجها حديثه نحو الطبيب مستفسرا عما حدث وما الامر الذى جعل"جواد" ينهال عليه هكذا؟

- ممكن أفهم أيه اللى حصل يا دكتور؟

مسح الطبيب على عنقه محاولا فك تشنج عضلات رقيته إثر شدة قبضته "جواد" مُحاولا تفسير الأمر له:

- يا إياد بيه أنا قدامي حاله واضح إنها تعرضت للضرب والعنف الشديد وإيدها الأتنين واضح عليهم إنها كانت مربوطة ده غير حالة الإغماء اللى هى فيها، وده بيثير الشكوك حول إن دى مُحاولة اغتصاب، ولو كان ده فعلا حصل لازم تتنقل المستشفى فورا لان وارد يكون حصل نزيف أو تهتك فى الرحم وده خطر جدا، هو ده كان سؤالي لجواد بيه؟

رمي "إياد" صديقه بنظرات من الغضب والعتاب قبل أن يوجه حديثه نحو الطبيب مُعتذرا:

- أنا أسف جدا يا دكتور، بس ممكن حضرتك تستنى برا دقيقة واحدة

تفهم الطبيب حديث "إياد" وإنه سوف يستفسر منه عما حدث؟ ليخرج الطبيب من الغرفة منتظرا بالخارج، بينما توجه "إياد" بنظرات العتاب نحو "جواد" الذى أدرك ما يدور بعقل صديقه، ليصيح به هو الأخر بغضب:

- أيه عايز تعرف أنت كمان إذا كنت نمت مع مراتى ولا لا؟

زفر "إياد" بيأس من طريقة صديقه، بينما حاول إنتقاء كلماته كى لا يغضبه أكثر:

- جواد أنا وأنت صحاب من زمان وعمرى ما فكرت أدخل فى أمور عيلتك والتطفل عليكم ولا عمرى هعمل كده، بس البنت دى لو حصلها حاجه هتقع فى مشكلة كبيرة خصوصا بعد اللى حصل إمبارح، ولو فعلا عملت كده لازم نعرف الدكتور عشان يلحق يتصرف!

رمقة "جواد" بنظرة منزعجة ولكنه أقنع نفسه بحديث "إياد"، ليزفر بملل من ظنهم فيه بإنه سوف يمارس معها شيئا، هو يشمئز منها فكيف له أيمارس معها شيء؟

أغمض "جواد" عينيه مردفا بهدوء مُصطنع:

- لا، مقربتش منها، خلاص كده!!

شعر "إياد" بالغضب من مراوغة صديقه معه فى الحديث ليعقب بإستفسار:

- أومال أيه اللى حصل يا جواد؟

تنهد "جواد" بملل من كثرة أسئلة "إياد" له وإنه لا يترك له مفر، ليشعر بإنزعاج من تلك الثرثرة عازما على أن يخبره ما حدث حتى يتخلص من تلك المسرحية:

- ضربتها يا إياد اتكلمت معايا بأسلوب وحش فضربتها، أرتحت؟

رمقه الاخر بنظرات شك مردفا باستفسار:

- طب وربط إيدها ليه وضربتها أزاى عشان يغمى عليها كده

إنزعج "جواد" كثيرا من ذلك الحديث ليقرر أن ينهيه مُفصحا بالأمر لصديقه، الذى لاول مرة يراه غاضبا بهذه الدرجة:

- بالحذام يا إياد، ضربتها بالحذام، قلت أدبها عليا بنت الكلب قطعت هدومها وربط إيدها بيها وجبت حذامي ونزلت عليها بيه لحد ما أغمى عليها، وكان نفسى أفضل أضربها لحد ما روحها تطلع فى ايدى بس لسه مش هموتها دلوقتى، لما أخلص انتقامي كامل منها وأحس إني شفيت غليلي وقتها بس هموتها وأريحها.

فزع "إياد" من هيئة صديقه المفزعة والتى لم يرَه بها من قبل، بالإضافة لتلك الطريقة التى ضرها بها، لولا إنه صديقه منذ الطفولة وأنه يعلم حقيقة الأمر ويلتمس له العذر، لكان صفعه بقوة وأخذ تلك المسكينة ورحل الأن، ما ذنبها فيما فعلته والدتها! لما يجعلها تدفع تمن أخطاء غيرها وهى لم تفعل شئ؟
1

لم يرِد "إياد" أن يفتح معه مجال للمناقشة الان، فعليه أن يخرج لطبيب ليخبره ما عليه فعله بالضبط.

❈-❈-❈

- لو سمحت

التفت إليها وهو لايزال يشعر بالكثير من الغضب عازما على أن يعرف مكان شقيقته ويخلصها من بين يدي ذلك الحقير الذى أرغمها على الزواج منه ولا يعرف ما هى نوياه تحاهها، حول عينيه نحو مصدر الصوت وبمجرد ما تقابلت عينيهما صاح فيها بحدة وتوعد:

- أعرفي إني مش هسكت ومش هسيبكوا فى حالكوا وهعرف أجيب اختى وأوديكوا فى ستين داهية

حاولت "زينة" تهدئته كى تفهم ما الذى حدث بالضبط؟ وإذا كان هناك طريقة تستطيع أن تنقذ بها شقيقها وتلك الفتاة قبل أن يفعل بها شيء ويدمر مستقبله، لتضيف بهدوء:

- طب ممكن تهدى وترد على أسألتي اللى هسألهالك دي وبعدها أوعدم هاخدك وأخليك تشوفها، أنا عارفة جواد ممكن يكون أخدها على فين

صمت قليلا كي يفكر هل عليه أن يثق بها وبحديثها! أم هي تُعطله حتى يستطيعون فعل شئ ب"ديانة" قبل أن يصل لها؟ ولكنه أستشعر صدقها عندما نظر إلى أعماق زرقاوتيها الصافيتان، زفر بقليل من الاطمئنان فعلى ما يبدو إنها فتاة بريئة ولم تكن تعرف شيئا عما حدث.

تنهد باستسلام لفكرة أن يثق بها ويستمع لما قالته، ليس أمامه خيار أخر ليضيف بإيقتضاب:

- عايزة تسألي عن أيه؟

هتفت ببعض من الذوق والإحترام:

- طب ممكن نروح نقعد فى مكان هادي عشان اللي عايزة أسالك فيه كتير أوي!!

شعر بالتشتت لقليل مما تطلبه منه، ماذا تريد تلك الفتاة! وهل حقا ستأخذه إلى مكان "ديانة" كي يطمئن عليها! أم إنها تكذب عليه وتخاول أن تقع به فى فخً ما، ولكنه قرر أن يثق بها وإن لم تكن جديرة بالثقة تلك! سوف يجعلها تندم أشد ندمًا.

أومأ لها بالموفقة وسريعا ما توجها إلى أحد المقاهي لتناول الحديث فيما بينهم، كان الكثير والكثير من الأسئلة تدور برأسها لا تعلم من أين تبدأ؟ أو حتى ماذا تفعل؟ أهى تُحاول أن تجد أجوبة لأسئلتها عن الفتاة أبنة المرأة التي قتلت والدتها!! أم إنها تُحاول حماية شقيقها من أن يفعل شيء ما يُقع به فى أحد المصائب؟

رمقها "مالك" بنفاذ صبر بعد أن وصلَ إلى هذا المقهى منتظرا منها أن تبدأ فى حدثها بعد أن طلب كلا منها القهوة المميزة له، ليبدأ الحديث مستفيرا:

- ها! أتفضلي، عايزة تسألي عن أيه؟!

أغمضت عينيها مُحاولة أن تتناسى إنها تُحاول أن تسأل عن أبنة المرأة التى قتلت والدتها، بل إنها تسأل عن أبنة عمها، تلك الفتاة الصغيرة الغائبة منذ أكثر من عشرون عاما، لتزفر مستفسرة:

- هو أنتوا لقيتهوها أزاي؟ أو أصلا تعرفوا لبنى منين وجاتلكوا أمتى!!

ضيق ما بين حاجبيه بإستنكار مضيفابإستفسار:

- لبنى مين؟

أجابته مُعقبة بتوضيح:

- لبنى مامة ديانة.

هز رأسه بالإنكار هاتفا:

- أحنا إن مامة ديانة اسمها لبنى، أحنا أصلا مشوفناش مامتها دي أبدا.

أخذ نفسًا عميقًا بعد أن قرر إخبارها ما تريد أن تعرفه حتى ينتهي من هذا الحديث ويذهب كي يعرف مكان "ديانة" ليضيف موضحًا:
- كان بابا وماما راجعين من إسكندرية على القاهرة وكانوا مسافرين فى القطر، كنت أنا وقتها عندي تمن سنين، بابا وقتها لقى مكان كويس فى القطر نقدر نقعد فيه، قبل ما نقعد لقينا شنطة كبيرة وفيها بيبي، ماما فتحتها لاقتها ديانة وكان معاها ظرف، الظرف ده كان فيه ورقتين بس، شهادة ميلادها ورسالة من ولدتها بتقول:

" أنا عارفة إن مكنش ينفع أعمل كده بس والله العظيم غصب عني، لازم أعمل كده عشان بنتي تعيش، أنا كنت متجوزة رجل محترم جدا ومن عيلة كبيرة، خلفت منه البنت دي وتوفى من يومين وأنا أكتشفت إني عندي مرض وحش وفى المرحلة الأخيرة وخلاص هموت، أهل جوزي كانوا مقاطعينه عشان أتجوزني ولما عرفوا إنه مات خافوا إني أطلب ورث بنتي وعرفت إنهم عايزين يقتلوها بعد ما أنا أموت، بالله عليكوا اللى يلاقي بنتي يحميها ويبعد بيها عن أهلها حتى لو هتودوها لناس مبتخلفش يربوها، شهادة الميلاد دى بس عشان تصدقوا إني بتكلم جد وإنها مش بنت حرام، أرجوكوا أحموا بنتي وابعدوها عن أسكندرية كلها. "

- كدابة وظالمة وزبالة

صاحت "زينة" بتلك الكلمات بعد أن انهمرت الدموع من عينيها وشرعت فى البكاء بهستريا كبيرة عند تذكرها لهذا الحادث الأليم الذي حول منزلهم من ذلك المنزل السعيد إلى واحد أخر ملئ بالتعاسة والألم

بينما صُدم "مالك" من تلك الكلمات التى صرخت بها "زينة" ومن كل هذا البكاء الذي لم يستيع تفسيره! ليُخرج بعض المحارم الورقية من جيب بناله وأعطاها لها لكي تجفف دموعها.

لا يعلم لماذا بكائها شعره بالحزن والإكتراث؟ لماذا تأثر بها هكذا وهو لا يعرفها أو حتى  سبق له رؤيتها سوى من بضع ساعات! لماذا إذا يشعر بذلك الضيق من رؤيتها تبكى!! ليضيف مُحاولا تهدئتها:

- طب أهدي طيب، فهميني كدابة فى أيه؟!

صرخت "زينة" فى وجهه بحرقة ولاتزال دموعها تنهمر دون توقف مُعقبة بألم:

- عشان هي اللي قتلت ماما.

••

- ماما يا ماما.

دلف "جواد" إلى القصر وهو يُنادى على والدته، بينما أستوقفة صوت الشجار من الطابق العلوى ويبدو أنه صوت والدته!!

كاد "جواد" أن يصعد الى هذا الطابق ليعرف ماذا يجرى!! ولماذا يتشاجرون بهذه الطريقة!!

أوقفه صراخ والدته وهى تسقط من أعلى الدرج لتقع أمام عيُنيه أرضاً مُلقاه على بطنها فاقدة النطق أو الحركة، والدماء تسيل من بين قدميها، بينما تقف "لبنى" فى الأعلى ويبدو عليها الصدمة والفزع، لتنظر خلفها وترجع إلى الوراء بسرغة بمزيد من الفزع والذُعر.

صاح "جواد" بكثير من الخوف والفزع صارخا:

- مامااا.

أسرع "جواد" فى الركض نحو والدته، بينما وجد "ماجدة" تسقط هي الاخرة ولكن ليست من الدرج، بينما تهاوت من فوق درابزين السُلم من الطابق العلوى مُلقاة على رأسها، ليصرخ هذا الطفل الصغير بكثير من الفزع والهلع مُستنجدا باحد متأثر ببركة الدم الذي أقتحمت ساحة القصر.

- خالتو هنااء الحقيني يا خالتو.

صرخت "هناء" بكامل صوتها بكثير من الذُعر والهلع:

- أيه ده!

بينما لبنى وقفت مُصعقة مما حدث فى لحظة واحدة، لتُسرع فى هبوط الدرج راكضة نحو "ماجدة" التي بدت وكأنها فارقت الحياة من كثرة الدماء التي سالت من رأسها، بينما "تهانى" كانت لاتزال تتمتم ببعض الكلمات حتى غابت عن الوعي تماما.

صرخت "هناء" بوجه "لبنى" والدموع تنهمر من عينيها:
1

- حرام عليكى يا لبنى ليه تعملى فيهم كده؟ عشان لعب عيال صغيرين تعملى فى أختي وبنت عمي كده، منك لله يا لبنى أختي بتموت

أتسعت عيني "لبنى" بمزيد من الصدمة التى لاتزال تسيطر عليها وحاولت أن تتحدث مُجيبة إياها مُدافعة عن نغسها، ليقاطعها صراخ "زينة" التي دلفت القصر بصحبة والدها "هاشم" الذى صُعق من ذلك المنظر الذي يراه، زوجته وشقيقته مُلقاتان أرضا وكلا منهما تنزف الكثير من الدماء وما صدمه أكثر ما تفوهت به "هناء"، ولكنه أسرع فى الركض تجاههم صارخًا فى "هناء" أن تتصل بالاسعاف وب "شرف" على الفور.

أسرعت "هناء" فى التوجه نحو الهاتف وطبعت أحد الأرقام ليأتها صوته لتصرخ بألم وحرقة:

- الحقنا يا شرف، مراتك قتلت أختي وأختك يا شرف.

•••

أزداد بكائها ونحيبها عند تذكر ذلك الحادث المرير الذي ترك لهم الكثير من الجروح التي مذقت أرواحهم جميعا

بينما صُعق "مالك" من هذا الحديث الذي يستمع إليه لأول مرة وأخذ صراعًا بداخله من كثرة الأسئلة، هل حقا والدة "ديانة" فعلت كل ذلك!! حقا قتلت شقيقة زوجها وزوجة شقيق زوجها!! ولكن لماذا؟ أيُعقل تن يتسبب شجار بين النساء داخل منزل عائلي فى وقوع كارثة مثل هذه ينتج عنها مقتل أحدهم؟ كيف سيُخبر "ديانة" بهذا الامر!!

"ديانة"!! كيف ستعيش "ديانة" مع ذلك الشخص الذى رأى والدته تُقتل على يد والدتها!! هل تزوجها لكي ينتقم منها على ما فعلته والدتها؟ ولكن ما ذنبها؟

بعد الكثير من التفكير والتساؤلات فى عقل "مالك" ومُحاولاته الكثيرة فى تهدئة "زينة"، أخيرا توقفت عن البكاء ليسألها بهدوء مُقدرا حالتها وألمها:

- وبعدين حصل أيه؟

ابتلعت "زينة" بكثير من الألم ثم مررت يهدها على وجهها مٌحاوله تجفيف وجهها مُجيبة إياه:

- الإسعاف جت وخدت ماما وعمتوا ماجدة وبابا وخالتو هناء ولبنى راحوا معاهم بس بردو المصايب مخلصتش لحد هنا.

هتف مستفسرا بفضول لمعرفة المزيد عما حدث فى هذا اليوم:

- ليه! أيه اللي حصل تاني؟

أجابته متأثرة ولاتزال بعض الدموع تسقط من عينيها رغما عنها متأثرة بما ستقوله:

- وأحنا فى المستشفى السواق بتاع بابا جيه وبلغة بموت عمي شرف، عمل حادثة على الطريق وهو جي بسرعة وأتوفى

ظهرت ملامح الأسى والحزن الشديد على وجه "مالك"، بينما أكملت "زينة" بتوضيح:

- بابا إنهار ومستحملش الصدمة لا هو ولا خالتو هناء ولا حتى لبنى اللى أغمى عليها من الصدمة

مسحت دموعها للمرة المئة مُحاولة إستعادة ثباتها مُضيفة:

- وبعدها ماما ماتت هى واللى كان فى بطنها، وعمتو ماجدة جالها جلطة فى المخ أتسببتلها فى شلل كلي وعجزت عن الكلام ومن وقتها وهي قاعدة على كرسي متحرك لا بتتكلم ولا يتحرك.

أغمضت "زينة" عينيها بألم وحسرة كبيرة على ما أصاب أسرتها، بينما حاول "مالك" الأستفسار عن المزيد من التفاصيل هاتفا:

- طب ولبنى عملوا معاها أيه؟!

رمقته محاولة التماسك وإستعاد ثباتها مرة أخرى مجيبة إياه:

- بعد موت عمو شرف جتلها صدمة خلتها مبتقدرش تتكلم، وبعد موت ماما خدت ديانة وأختفت وبعدها بمدة قصيرة جلنا خبر وفاتها بس مكناش عارفين مكان ديانة، ومن وقتها بابا فضل يدور على ديانة، وجواد كمان لما كبر فضل يدور عليها عشان ياخدوا طارهم فى ديانة من اللي عملته لبنى.

تبدلت ملامح "مالك" فى لحظة من التعاطف والأسى إلى الغضب والإنزعاج مما أستمع إليه، وقبل أن يصرخ بها مُهاجما إياها صاحت هي مُعقبة بتوضيح بعد أن لاحظت ما حدث له:

- قبل ما تقول أي حاجة وتتعصب، أنا عارفة إنها ملهاش ذنب فى كل اللي حصل بس بابا وجواد وخالتو هناء مش شايفين كده، عشان كده أنا قاعدة معاك هنا، هي ملهاش ذنب تدفع تمن حاجة معملتهاش، وجواد كمان ملوش ذنب يقتلها ويدمر حياته عشان ينتقم من واحدة ماتت أصلا، كلهم ماتوا سواء ماما أو لبنى أو عمو شرف وربنا هو اللي هيجبلهم حقهم مش موت ديانة هو اللي هيريح ماما أو يرجعها.
كلمات "زينة" هدأت من إنزعاج "مالك" ولكنه مازال يشعر بالقلق على "ديانة"، ليحاول أن لا يكون وقح معها مرة أخرى مُعقبا باكتراث:

- طب ممكن تنفذي وعدك وتاخديني أطمن على ديانة دلوقتي.

أومأت له بالموافقة ثم نهض كلاهما بعد أن ترك "مالك" بعض النقود فى تلك الفتورة أمامه، وتوجه كلاهما نحو المنزل الخاض ب"جواد".

❈-❈-❈

••

- خير يا سي شرف؟ أيه هي الحاجة المهمة دي اللي مجمعنا كلنا علشانها!

هتف "هاشم" كلماته بنبرة تهكم مُوجهًا حديثه نحو شقيقة الذى وأخير تخرج من جامعته وأصبح ذراعه اليُمينى وشريكه فى كل أملاكهم، ها قد أصبح راجلًا ناضج يُعتمد عليه، ليُجيبه "شرف" بمشاكسة:

- يعني الحق عليا إني عايز أفرحكوا بيا! خلاص يا عم مش مفرحكوا.

أعتدلت "هناء" فى جلستها بسرعة بعد سماعها هذه الكلمات  لتضيف بلهفة وإندفاع:

- لا لا يا هاشم متزعلش شرف وسيبه يفرحنا بقى، متزعلش يا شرف وكمل.

رمقها "شرف" بإبتسامة ود وإمتنان مُردفا:

- تسلميلي يا بنت عمى.

عاد بنظرته نحو "هاشم" مرة أخرى وشرع فى متابعة حديثه:

- شوف بقى يا عم هاشم أنت أخويا الكبير وأبويا وصحبي وحبيبي وكل حاجة ليا فى الدنيا، عشان كده أنا معتمد على ربنا ثم عليك أنت فى الموضوع ده وتقنع أبوك، دلوقتي أنا خلصت الجامعة بقالي سنين الحمدلله ومن وقتها وإحنا كتفنا فى كتف بعض وإسمنا بيكبر ما شاء الله، جيه الوقت بقى اللي أكمل فيه نص ديني.

ابتسم "هاشم" بسعادة بألغة وقد أدرك ما يريد أن يصل إليه سقيقه، وأول من خطر بباله هي "هناء" ليقابله ببعض المرح والمشاكسة:

- عايز تتجوز!! ودي مين دي اللي أمها داعيه عليها؟ الله يكون فى عونها والله.

تهلل وجه "هناء" بسعادة عارمة مما تستمع إليه، فهى ظنت أن حلم حياتها سيتحقق الأن وأن اللحظة التي كانت تنتظرها منذ سنوات طوال ستلقاها الأن، ابتسمت "هناء" مُستعدة أن تستمع له وهو يلقي بطلبه للزواج منها.

ليأتيهم رد "شرف" مُعقبة بمرح على حديث أخيه:

- يا عم هي قابلة، المهم أبوك هو اللي يقبل.

ابتسم له "هاشم" بقليل من التشفي على لهفة شقيقه هاتفًا باستفسار مُصطنعا عدم المعرفة:

- دي مين دي اللي موقعاك على بوزك كده!

ابتسم "شرف" مٌجيبًا أخيه بسعادة بالغة:

- بنت كانت زميلتي فى الجامعة، حبيتها وأنا فى سنة تالتة بس هي كانت لسه فى سنة أولى واتفقنا إنها بعد ما تخلص نروح نُطلبها من عمها عشان والدها متوفي

صُعق الجميع من مما تفوه به وهذا لأنهم كانوا يظنون إنه سيتقدم بطلب الزواج من "هناء"، ولكن خاب ظنهم جميعا وخصيصا "هناء" التي تتغيرت ملامح وجهها ولم تتحمل تلك الصدمة وسريعًا ما شرعت فى الركض إلى خارج المنزل، بينما لحقتها "ماجدة" كى تواسيها وتخفف عنها وتابعتهم "تهانى"

شعر "شرف" وكأنه تفوه بشيء خاطئ! لماذا تغيرت أوجه الجميع فجأة؟ ولماذا خرجت "هناء" هكذا! ما الذي يحدث بالضبط؟ حول نظرات نحو شفيقة مستفسرا:

- هو فى أيه يا هاشم؟ هو أنا قولت حاجة غلط!

أغمض "هاشم" عينيه بهدوء كى لا يكسر قلب شقيقه هو الأخر، ولكنه لا يعلم ماذا يفعل فى مثل تلك اللحظات، ليجيبه بهدوء لعله يستطيع جعله يُعيد التفكير فى الأمر مرة أخرى:

- لا يا حبيبي مقولتش حاجة غلط، بس بصراحة كلنا كنا فكرينك هتطلب إيد هناء، عشان هى بنت عمك ومتربية قدامك وكده.

تبدلت ملامح وجه "شرف" للإنزعاج والتفور من تلك الفكرة، ليس تقليلا من "هناء" ولكنه لم ينجذب لها من البداية ولهذا هو لم يرحب بالفكرة، ليجيبه بالرفض مُحافظًا على الحدود بينهم:

- هناء!! هناء أختي يا هاشم، عندي زيها زي ماجدة وتهانى، مقدرش أشوفها غير كده وعمرى ما تخيلتها أصلا ولا هتخيلها فى يوم من الأيام غير أخت وبس.

•••

فتح "هاشم" عينيه بعد أن فاق من تلك الذكرى التي عادت به خمسة وعشرون عامًا إلى الماضي، ليزفر بألم والدموع ترقرقت فى عينيه متمتما:

- يا ريتك كنت تخيلتها يا شرف، مكنش زمان كل ده حصل يا أبن أبويا وأمي.

❈-❈-❈

صف كلا من "زينة" و "مالك" سيارتهم بالمرأب الخاص بمنزل "جواد"، بينما توجها بالسير إلى داخل المنزل

دلفا معا إلى الداخل وفى تلك الأثناء كان الطبيب يهبط الدرج  بصحبة "إياد" الذي تفاجأ من مجئ "زينة" وذلك الشاب الذي لم يرَه من قبل، ليوجه حديثه نحو الطبيب مُدعا إياه:

- طيب يا دكتور شكرا على تعبك وياريت متزعلش من جواد هو بس كانت أعصابه مشدودة شوية.

- ولا يهمك يا إياد بيه، أهم حاجه متنساش اللي قولتلك عليه، بعد إذنك.

أومأ له "إياد" بالموافقة وسريًا ما رحل الطبيب، بينما شعر كلا من "زينة" و"مالك" بالقلق من تواجد ذلك الطبيب، ليقترب منهم "إياد" بهدوء مُعقبا:

- أزيك يا زينة!

أجابته والقلق والإستفسار عما يحدث مُسيطرين على ملامحها قائلة:

- الحمدلله يا إياد، أومال فين جواد؟ والدكتور ده كان هنا بيعمل أيه؟!

كاد "إياد" أن يُجيبها ولكن قاطعه صوت "مالك" الذي صاح به فى غضب وحنق مستفسرا:

- أختي فين؟

سيطرت ملامح الدهشة وعدم الأستعاب على ملامح "إياد" وكاد أن يستفسر منه عن من تكون شقيقته تلك؟ ولكن سبقه ذلك الصوت الرجولي الذى ملأ صداه المنزل بأكمله وهو يهبط الدرج واضعًا يده بجيب بنطاله بغطرسته وبروده المعتاد مُعقبا:
+

- أختك مين دي يا روح أختك؟

يتبع ...

أعتلت ملامح البغضاء والكراهية وجه "مالك" عندما رأى "جواد" الذي تعرف عليه فور الإستماع إلى نبرة الغرور تلك في حديثه وهو يقف أمامه بمنتهى الكبر والاستعلاء، بينا أضاف "جواد" وهو يطالعه بنظرت إستهزاء مُعقبا:

- أنت عندك أخوات تايه وجي تدور عليهم هنا!

- فين ديانة يا جواد؟

هتف "مالك" بتلك الكلمات وهو يُطالعه بحدة وأستعداد تام للهجوم عليه فى أية لحظة إن لم يطمئن عليها الأن، بينما أستطاع "جواد" أن يستنتج أن هذا الشاب بالتأكيد إبن تلك العائلة التي كانت تأوي هذه الفتاة فى منزلهم، ليشعر بالغضب الشديد من فكرة تواجدها بذلك المنزل طوال تلك السنوات مع شاب غريب تحت سقفًا واحد، سوف يشرب من دماء تلك العاهرة لا محال.
1

أستطاع "جواد" أن يخفي غضبه ذاك عن الظهور أمام الجميع مُضيفا بنبرة ساخرة:

- أنت شكلك كدبت الكدبة وصدقتها، أنت ملكش أخوات هنا، أختك هناك فى بيتكوا مش عندي.

أندفع "مالك" بمنتهى الغضب نخو "جواد" مُمسكا به من تلابين قميصه ساحبًا إياه إليه بكراهية كازّا ما بين أسنانه الملتحمة قائلا:

- بقولك ديانة فين؟

صُعق كلا من "زينة" و "إياد" مما فعله "مالك" خوفا من ردة فعل "جواد" الذى لم يستطع أحدًا إلى يومنا هذا أن يتحدث معه بمثل هذه الطريقة من قبل.

بينما اشتعلت نيران الغضب فى أعين "جواد"، ليست فقط من طريقة هذا الحقير وما يفعله معه، بل أيضا لأنه تجرأ وزكر أسم زوجة "جواد الدمنهورى" على لسانه لأكثر من مرة، ويظن إنه يستطيع أن يأخذها منه، على كلا هو لن يمرر كونها كانت تجلس طوال تلك السنوات بجوار ذلك المتعجرف.

لم يستطع "جواد" أن يُسيطر على نفسه أكثر من ذلك ليباغته بلكمة قوية كادت أن تُسقطه أرضا، ولكن فاجئه "مالك" الذي بادله هو الأخر بلكمة مماثلة له، لتشتعل النيران فيما بينهم وبدأ ذلك الشجار القوي الذي لم يستطع أيا من "إياد" أو "زينة" إنهائه أو الفصل بينهم.
تدخلت بينهما بسرعة مُتحملة تلك الآلام التى تملكت جسدها بمجرد لمس كلاهما جسدها وهما يتشاجران، تلك الجلدات لم تكن هينة أبدا وكان من الضروري أن لا تنهض من الفراش لبعض الوقت حتى لا تتأذى أكثر، ولكنها أتت عندما استمعت لصوت ذلك الشجار بين ذلك الذى يُدعى زوجها وشقيقها الذى كانت تتمنى لو أن يكون شقيقها حقا.

فرقت "ديانة" بين "جواد" و "مالك" اللذان صُدما من تدخلها بينهما، والجزء الأكبر من الصدمة كان من نصيب "جواد" الذي تفاجئ من جرأتها التي جعلتها تتدخل بينهما وتجعل يدين ذلك الحقير تتلمس جسدها، أتظنه شقيقها حقا تلك العاهرة! هو لا يفهم فى الأساس من أين جاءت بتلك القوة التي جعلتها تتحمل تلك اللمسات!!
بينما "مالك" قد صُدم من وجودها وتدخلها فيما بينهم، فهو ظن أن ذلك الحقير قد يكون حبسها أو فعل بها شئ، ولكنه أدرك انه فعل بها الأسوء عندما لاحظ علمات الصفع على وجهها بجانب ملامح الألم والمعانة، ليشتعل غضبا وكراهية لذلك "الجواد" عديم الرحمة وتوعد بداخله أن يقتله بأبشع الطرق الممكنة.

سريعا ما تدخل كلا من "زينة" و"إياد" لمُعاونة "ديانة" فى الإيحال بين "جواد" و"مالك" حتى لا يشتبكان مرة ثانية، بينما أبعدت "ديانة" "مالك" مردفة بصوت يملئه الضعف ويبدو عليه الألم والمعانة موجهة الحديث نحوه بترجي:

- عشان خاطري أمشى يا مالك،  أنا كويسة متقلقش

امتعضت ملامح "مالك" بالرفض متحدثا بحزن وأسئ على صغيرته التى تربت بين يديه، ليُحاوط وجهها بين كفيه وهو يشعر بالعجز والضعف لإدراكه إنها تتألم ولكنها لا تستطيع أن تتحدث ليصيح قائلا:

- أمشي أزاى وأسيك كده!! عمل فيكي أيه الحيوان ده؟

تحجرت الدموع فى عينيها تتمنى لو تستطيع أن تختبئ بين أحضانه وتجعله يأخذ لها حقها من ذلك الوحش عديم الرحمة، هى تراه شقيقها حقا وليس مجرد أخ بالتبني، لكنها أدركت ما يستطيع ذلك "الجواد" فعله وإنه يستطيع إذائه بمنتهى السهولة، لتعزم على أن تُبعد شقيقها عن ذلك الخطر ولو على حساب نفسها:

- عشان خاطري يا مالك أمشي، لو أنا بجد غالية عندك أمشي، وأنا هبقى أطمنك عليا بس عشان خاطري أمشي دلوقتي.

كاد أن يرفض ولكن أوقفة تلك النظرة المُلحة فى زرقاوتيها والتي أكدت له إنها لن تستطيع أن تأتي معه، بالإضافة إلى إنه لن يستطيع أن يتخذ ضد ذلك الحقير أية إجراء قانوني، ولهذا لم يكن يريد أن يضعها معه فى المشاكل، عليه أن يتراجع ولو لقليل من الوقت.

استسلم "مالك" لرغبتها بينما توجه بنظراته تجاه "جواد" الذى مازال ينظرة له بغضبًا وكراهية مُعقبا بتوعد:

- أنا همشي دلوقتي بس مش هسيبك يا جواد، ولو فكرت تأذيها بس والله العظيم هقتلك بإيدي.

حاول "جواد" التملص من بين يدي شقيقته وصديقه ولكنهم منعوه عن فعل ذلك، بينما توجه "مالك" نحو الباب وفى لحظات كان رحل من المنزل باكلمه، لتلتفت "ديانة" نحو "جواد" بعد أن تأكدت من رحيل شقيقها رامقة إياه بنظرات الكراهية والغضب ثم توجهت لتقف فى مقابلته بكل غرور وتحدي هاتفة:

- أيًا كان سبب كرهك ليا، مشكلتك معايا أنا بس، حذاري تقرب من أخويا أو أي حد من عيلتي أو حتى تفكر تأذيهم، لأني أنا اللى وقتها مش هرحمك.

وفى لحظه كانت توجهت لذلك الدرج صاعدة إلى تلك الغرفة غير مُهتمة لوجود أيًا من "إياد" أو "زينة" بينما شعر "جواد" بغليان دمائه من طريقتها تلك أمامهم وكاد أن يذهب خلفها ليُلقنها درسًا ليوقفه صوت شقيقتة مُستفسرة:

- أنا بقى عايزة أعرف أيه اللى بيحصل ده يا جواد؟ أنت أتجوزتها عشان تنتقم منها! طب هي ذنبها أيه؟

رمقها "جواد" بنظرات تصرخ بالغضب والإنزعاج ولكنه لا يُريد ان يُري شقيقتة كيف يكون الجانب المظلم له، يكفي أن الجميع يراه إنسان قاسي القلب حاد الطباع وأيضا جاف المشاعر، لا يريد أن يُزيد عليهم إنه شخص بلا رحمة لا يشفق أو يرحم خصمة مهما كلفه الأمر.

نظر نحو "إياد" الذي مازال واقفًا دون التفوه بأية كلمة، ليزجره "جواد" بلهجة أمرة تعبر عما بداخله من غضب وضيق:

- إياد تاخد زينة تروحها وبعدين تجيلي على الشركة.

أدرك "إياد" ما تحمله نبرة صديقه وإنه يتلاشى الحديث مع "زينة" حتى ولو بقليل من الوقت، هو الان ليس بحالة مزاجية تسمح له بالتحدث أو التوضيح لأي أحد، بينما "زينة" شعرت بالغضب من شقيقها الذي لم يكترث لحديثها بل ويتهرب من المناقشة معها أيضا لتصيح فيه بغضب وعتاب:

- لا يا جواد مش همشي قبل ما..

- قولت تروحي يا زينة.

صرخ بها "جواد" بصوت جمهوري مما جعلها تنتفض فى وقفتها من شدة الفزع، فتلك الطريقة لم يصبق وأن عاملها بها من قبل، لم يسبق لها وأن رأت زرقاوتية بهذه القتامة قط، ما الذي حد له بالضبط وما الذي ينوي فعله.

لاحظ "إياد" رجفة جسد "زينة" أثار سماع صراخ شقيقها، ليشعر بالشفقة عليها وتقدم إليها بخطوات ثابتة موجها حديثه نحوها:

- لو سمحتي يا زينة أسمعي الكلام دلوقتي وتعالي أروحك وهو لما يبقى كويس هيجي بنفسه ويتكلم معاكي.

شعرت "زينة" بخيبة الأمل تجاه شقيقها الذي تراه بهذا الوجه لأول مرة فى حياتها، بل ويصيح فى وجهها وهو لم يفعلها من قبل، أستسلمت لإقتراح "إياد" وألتقطت حقيبة يدها من فوق الطاولة ثم سارت معه فى إتجاه الباب.

بينما رفع "جواد" نظره تجاه الأعلى ومن ثم صعد الدرج مُتجها إلى غرفتها وهو يكاد أن يُحطم أسنانه من فرط غضبه، ولكنه عندما وصل إلى باب الغرفة أستطاع أن يسيطر على غضبه، هو لا يريدها أن تموت بين يديه على كل حال، ليس الأن على الأقل.

فتح الباب بهدوء ليجدها تقف فى شرفة الغرفة بكل كبرياء وغرور وكأنها ليست تلك الفتاة التى كان يجلدها بتلك منذ قليل، من أي شيء مصنوعة تلك الفتاة!! أهي من الفُلاز لهذا لا تُكسر؟ أي تكن فهو عليه أن يُكسرها ويُحطم هذا الغرور ويُريها كيف تتعامل معه.

طالعها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها، يستطيع أن يراها من الخارج فقط ولا يغلم ما الذي يدور بداخلها، هي تبدو صامدة ولكنها ليست كذلك، هي ترتعب بداخلها من هذا الشخص الذى فُرض عليها، حتى إنها لم تسطيع أن تُفكر فى هذا الزواج، لتجد نفسها زوجة لهذا الشخص الظالم القاسي المُتجرد من كل معالم الرحمة والأنسانية.

عليها الصمود ومواجة ذلك القدر بمفردها وأن لا تورط أحدا من أسرتها بهذا الأمر، ذلك "الجواد" يبدو وكأنه يستمتع بإذاء غيرهِ ورؤيتهم يخضعون له ويطلبون الرحمة، إذا فلنبدأ اللعبة، إذ كنت تعتقد إنك حاكم الكون فأنا هي الفتاة المُتمردة التى ستكسر غرور ذلك الحاكم ليصبح أضعف من الجواري، أنتظر وسترى يا سيد "جواد" المغرور.

أقترب "جواد" من الشرفة حتى أصبح يقف خلفها مباشرة لا يُبعده عنها سوا تلك السنتيمترات القليلة، لتشعر بأنفاسه الحارقة وسخونة جسده الضخم وهي ترتطم بظهرها لتُدرك أنه يقف خلفها، أغمضت عينيها مُحاولة الثبات وتنظيم أنفاسها التى تعالت دون إرادتها، ليقترب هو من أُذنِها بخُبث ومُراوغة مُهسهسا بمكر:

- من الواضح كده إنك عنيدة وإن الحزامين اللى أخدتيهم دول مأثروش فيكي، بس على فكرة أنا لسه ببدأ معاكي، أوعدك يا مراتي الجميلة إني هكسر عِنادك وغرورك ده وأخليكي تنزلي تحت رجلي تتمني الرحمة ومش هنولهالك.

لم تكترث لذلك الوصف الذى وصفها به وهو غير مُدرك إنه لتوه نادها بزوجتي الجميلة، هو لم يكذب هو حقا يراها جميلة، بينما ألتفتت هي إليه بأعيُن يملأها التحدي والغرور وأنشق ثغرها بشبح إبتسامة لم تلامس عيناها مضيفة بتهكم:

- من الواضح كده إن جواد الدمنهورى مش واخد باله هو بيتكلم مع مين؟ بس أنا هوضحلك نقطه ممكن تكون غايبة عنك.

أقتربت منه بمزيد من التحدي والكبرياء وأصبحت زوقاوتيهما متلاقيتان بكثير من الحدة والجراءة:

- لو أنت جواد الدمنهوري فأنا كمان ديانة الدمنهوري ومن الواضح إن العند اللي مش عجبك ده نقطة مشتركة بينا، يعني لو أنت مستنيني إني أتكسر قدامك! ده ممكن يحصل بس مش قبل ما أنت كمان تتكسر قدامي.
1

حسنا لقد طفح الكيل من تلك الفتاة اللعينة التي لا تتوقف عن إثارة غضبه، هى حقا تقوده لقتلها فى الحال ولكن كلا، ليس بهذه السهولة هو لن يفعلها، فإذا كان الموت بمثابة طلقة الرحمة بالنسبة لها فهو لن يُطلقها الأن.

ولكنه لم يستطيع السيطرة على عضبه لتمتد يده جاذبة إياها من شعرها مُلقيا بها فوق الفراش، وبلمح البصر كان مُعتليها لتصبح بين قدميه ووجه مُلاقيا لوجهها، مما جعله وكانه يُحاوط جسدها بساقيه.

أخذ صدرها يعلو ويهبط من كثرة التوتر والفزع فحركته السريعة تلك لم تترك لها مجالا للفرار منه أو الابتعاد عنه ولو قليلا، هى الأن مُحاصرة بين يديه وبسبب حركته تلك أصبحت الحركة شئ مستحيل بالنسبة لها، ولكنها مازلات تُحافظ على ثباتها أمامه.

أخذ يقترب من أذنيها كثيرا لدرجة أن شفتاه لأمست عنقها مما جعلها تقشعر وذاد إرتباكها، وأنعدمت سيطرتها على حركة جسدها، ولكنها لن تستسلم مهما كلفها الامر، بينما أقترب هو من أذنها بمراوغة ومكر هامسا بهدوءه وبروده المعتاد:

- جواد الدمنهوري مبيكسرش يا زبالة يا بنت الزبالة، ورحمة أمى يا بنت لبنى لوريكي الذل والاهانة وكسرة النفس على حق، وبعدها هقتلك وانا بستمتع بروحك الوسخة وهى بتطلع فى إيدي وبكره تشوفي.

شعرت بالارتباك والرجفة تسير بداخل قلبها، هو يسيطر عليها من جميع الجهات، مقيد جسدها ويشوش عقلها، قد نجح في تجريدها من ذلك التحدي وجعلها تُظهر ذلك التوتر أمامه، بينما هى لا تستطيع فعل شيء أمام قوته البدنية وتلك النظرة التي تؤكد على كل ما تفوه به.

أبتعد عنها قليلا لتتلاقى زرقاوتاهما ليرئ بعينيها نظرة لم يرها فى أعيُن إمرأة من قبل، تلك العينان يصرخان بالعند والتمرد وما هذه اللمعة الملعونة التى تُجبره على عدم مُغادرة عينيه عن هاتين الزرقاوتين الصافيتين.

اللعنة لما يقترب منها بهذه الطريقة!! لما لا يستطيع التحكم بنفسه والابتعاد عنها؟ أحقا هو يتقدم نحو شفتيها!! يشعر أن شفتاه مُتعطشتان لتلك الورديتان اللتان أخذتا يرتجفان من مجرد أقترابه منها بتلك الطريقة؟

ظلت تنظر له وأصبح جسدها كالمشلول بين يديه، لما يقترب منها بتلك الطريقة! ماذا سيفعل ذلك الملعون؟ أحقا هو مُقبل على ملامسة شفتيها!! هل سيُقبلها؟؟

لم تعُد تستطيع المُقاومة أكثر من ذلك، فقد خارت قواها بين يديه كلما أقترب منها أكثر لدرجة إنها أصبحت تشعر بأنفاسه الحارقة وهى تُزيد من لهيب شفتيها، لتُغمض عينيها بكثير من الخجل والإرتباك وبعض من الإستسلام الفطري.

كاد أن يستسلم لتلك الرغبة المُلحة، بينما بلمح البصر أمتعضت ملامح وجهه مما هو مُقبل عليه، أهو كاد أن يُقبل أبنة المرأة التى قتلت والدته! تلك المرأة التى حرمته هو وشقيقته من والدتهما؟ اللعنة عليه.

شعر بالخذي الشديد من نفسه ومما كاد أن يفعله، ليبتعد عنها بكثير من البغضاء والكراهية التى طغت على ملامحه، لتفتح هي عينيها بمزيج من الصدمة والراحة، فقد صُدمت من إبتعاده المُفاجئ وشعرت بالراحة لانها تخلصت من مُحاصرته لها.

رمقها باشمئزاز واحتقار راميا عليها خطأ ما حدث وكأنها هي من أوشكت على تقبيله مُضيفا:

- أنتي أرخص واحدة شافتها عنيا، ومش مستغرب ده لانه طبيعي على بنت لبنى.

أتجه نحو باب الغرفة وبسرعة كان مُغادرا إياها، بينما أعتدلت هي فى جلستها وظلت أثار جملته الأخيرة تتردد على مسمعها وتنهش فى قلبها، ماذا فعلت لينعتها بالرخيصة ذلك الحقير المغرور.

أحتضنت قدميها وظلت تبكي بحرقة شديدة عساها أن تتخلص من ذلك الألم الذي ينهش صدرها، أو يساعدها ذلك البكاء فى السقوط فى نوم عميق لا تستيقظ منه أبدا.

❈-❈-❈

يجلسان بسيارته بعد أن أمر السائق الخاص بها أن يعود هو بسيارتها ليقوم هو بتوصيلها إلى المنزل كما طلب منه صديقه، بمجرد أن تحرك بالسيارة شرعت هى فى الهجوم عليه بتلك الاسئلة التى لا حصر لها والتي لا يعلم بماذا سوف يجيب عليها؟
- أنا بقى عايزة أفهم كل اللى بيحصل ومفيش حد عنده رد على أسئلتي غيرك أنت يا إياد، مهو أصلا جواد معندوش صاحب غيرك! وكمان أنت معاه طول الوقت، أكيد عارف كل حاجة عن الموضوع ده و...

- ما تهدي يا شيخة، أيه!! زن زن زن زن، أديني حتى فرصة أرد عليكي.

أجابها "إياد" بتلك الكلمات بإنفعال زائف محاولا تلطيف الأجواء، لترمقه "زينة" بنظرت عتاب على صياحه بها، ولكنها شعرت أيضا بالحرج من صراخها به وإنفعالها عليه وهو لا ذنب له فى شيء، لتُغمض عينها كى تهدأ ثم تنهدت مُعتذرة:

- أنا أسفة بجد يا إياد انى أتعصبت عليك، معلش أنت عارف إني بعتبرك زى جواد بالظبط وأكيد مقدر خوفي عليه.

تنهد بقليل من الحزن على كلمتها التي تؤكد له كل مرة إنها لا تُفكر به سوى كأخ فقط، ليبتسم لها بهدوء مُجيبا:

- لو أنا فعلا زي جواد متقوليش انا أسفة دي تاني، وبالنسبة لجواد متخفيش عليه، أنا مش هسيبه يعمل حاجة مُتهورة أو يأذي نفسه.

أبتسمت بسعادة لوجود صديق مثل "إياد" في حياتها هي وشقيقها والذي يُعوضهما عن وجود شقيق أخر لهما، بينما لايزال شعور القلق ينتابها لتضيف بتحذير:

- مالك أخوها مش هيسكت يا إياد و...

قطع حديثها مطمئنًا إياها قائلا:

- متقلقيش أنا هنزله القاهرة وأحاول أهديه وأطمنه بس مش هعرف جواد، أطمني أنتي بس ومتخافيش.

شعرت بقليل من الراحة بعد حديث "إياد" لها، لتتنهد بهدوء مُتمنية:

- ربنا يستر.

❈-❈-❈

••

- دي مين دي اللي موقعاك على بوزك كده!

ابتسم "شرف" مٌجيبًا أخيه بسعادة بالغة:

- بنت كانت زميلتي فى الجامعة، حبيتها وأنا فى سنة تالتة بس هي كانت لسه فى سنة أولى واتفقنا إنها بعد ما تخلص نروح نُطلبها من عمها عشان والدها متوفي.

صُعق الجميع من مما تفوه به وهذا لأنهم كانوا يظنون إنه سيتقدم بطلب الزواج من "هناء"، ولكن خاب ظنهم جميعا وخصيصا "هناء" التي تتغيرت ملامح وجهها ولم تتحمل تلك الصدمة وسريعًا ما شرعت فى الركض إلى خارج المنزل، بينما لحقتها "ماجدة" كى تواسيها وتخفف عنها وتابعتهم "تهانى".

أسرعت فى الركض والخروج من البيت حتى وصلت إلى حديقة المنزل ثم شرعت فى البكاء المرير على أحلامها الوردية التى تحطمت جميعها برفة عين، هذا الحبيب الذى ظلت تنتظره لسنوات طوال، لن يكون لها بعد كل هذا الحب العشق.

لماذا لم يحبها كما أحبته؟ ماذا كان عليها أن تفعله ليبادلها نفس المشاعر! يبدو أن "ماجدة" كان على حق، لم يكن عليها أن تبني هذا الكم من الأمال عليه وتعطيه كل هذا الحب بدون مقابل، سقطت أرضا من كثرة بكائها تود أن تصرخ بكل ما تحمله من ألم وحسرة داخل قلبها.

أسرع إليها كلا من "ماجدة" و "تهانى" لتخفيف عنها ومُواستها على ما تشعر به، جلست "ماجدة" وقامت بإحتضانها وشرعت فى البكاء هى الاخرى حزنًا على أبنة عمها وصديقتها المقربة لتضيف بتأثر:

- متزعليش يا هناء والله ده غبي وميستهلكيش.

أجهشت "هناء" فى البكاء وأخذت شهقاتها تتعالى بين كلماتها:

- ليه! ليه يا ماجدة! ليه محسش بيا؟ ليه محبنيش زي ما أنا حببته؟ كنت أعمله أيه طيب! طب، طب التانية دي أحسن مني فى أيه؟ طب أعمل أيه عشان أخليه يحبنىطي! روحي يا ماجدة، روحي قوليله إني بحبه.

تبدلت ملامحها من الضعف والكسرة إلى الكراهية والحدة، بينما أتسعت عينيها بشكل مُخيف وأصبحت شديدة الاحمرار ولازالت دموعها تنهمر دون توقف مُردفة:

- أنا هقتلها يا ماجدة، هقتلها لو أخدت شرف مني، شرف ده بتاعي لواحدي يا ماجدة، عمرى ما هسيبها تتهنى بيه لحظة واحدة وأعتبرى ده وعد من واحدة قلبها أتكسر ومات وعمره ما هيرجع زي الاول تاني.
1

•••

- شفتى يا ماجدة! قولتلك إني عمري ما هسيبها تتهنى بيه أبدا، مش أنا اللي يتكسر قلبى على حاجه وغيري ياخدها ويتهنى بيها.

تهاوت الدموع من أعيُن "ماجدة" بحسرة على كل ما حدث بالماضى، لتُزيد "هناء" ألمها وتذكرها بهذا العجز الذي حدث لها، هذا لم يُفرَق فقط بين "شرف" و"لبنى"، بل أيضا بسبب هذا الحادث الذي أصابها أفترقت هي عن زوجها الذي لم يُحالفها الوقت كي تُعبر له عن مدى حبها له، ليصيبها هذا العجز اللعين بعد زواجهما فقط بعام واحد.

••

- أهلا أهلا يا عامر حمدلله على السلامة.

أبتسم "عامر" بإمنتنان على ترحيب أبناء عمه له مردفا:

- الله يسلمك يا هاشم أنت وشرف، والله لسه نازل مصر من يومين يا دوب أخدت نفسي من السفر وجتلكم على طول، معلش بقى طبيت عليكوا زى القضا المستعجل.

رمقة "هاشم" بنظرت عتاب شديدة على ما تفوه به مُضيفا:

- عيب يا عامر متقولش كده، ده بيتك ومطرحك تنور فى الوقت اللى يعجبك.

ابتسم له "عامر" بإطمئنان، وشعر أن هذا هو الوقت المناسب للبدء فى حديثه الذي أتى إليهم بخصوصه:

- طب صلى على النبى بقى يا عم هاشم، الأجازه اللى فاتت من تلات سنين أنا كنت عايز أطلب منك طلب، بس موت عمى وجعنا كلنا وقولت أستنى لحد ما نقدر نفوق من الحزن ده، وبصراحه مش قادر أستنى أكتر من كده.

أعتلت ملامح الفضول وجه كلا من "هاشم" و"شرف" من حديث "عامر"، ليشعران بالقلق من أن يكون أبن عمهم يقع فى مأزق أو ما شابه، ليهتف "هاشم" مستفسرًا:

- خير يا عامر قلقتي فى أيه؟

أرتسمت البسمة على وجه "عامر" لإكتراث أبناء عمه لأمره مُضيفا:

- لا خير يا هاشم متقلقش، أنا بصراحة كده جي عشمان فى ربنا ثم فيكم إنكوا توافقوا على طلبي، أنا جي طالب إيد ماجدة يا هاشم.

شعر كلاهما بالسعادة العارمة من طلب أبن عمهم، فهم لن يجدوا أفضل من "عامر" ابن عمهم ليأتمنوه على شقيقتهما، ليُجيبه "هاشم" بابتسامة ودودوة:

- والله يا عامر أنت متتعتيبش، بس أنت عارف يا أبن عمي لازم نأخد رأيها عشان نتطمن عليك وعليها إنكوا هتعيشوا مرتاحين طول العمر.

- حقك يا هاشم، دى الأصول يا أخويا ومحدش يزعل من الاصول.

تحدث "عامر" بتلك الكلمات وهو بداخله يتمنى أن توافق عليه "ماجدة"، هى لطالمة كانت بالنسبة له كما يقولون "سيدة الحُسن والجمال" فى نظره، ليبتسم له "شرف" بحب قائلا:

- أنا هقوم أفاتحها فى الموضوع وأجي أطمنك إن شاء الله.

توجه "شرف" نحو الدرج صاعدا إلى غرفة شقيقته كى يُعرض عليها الامر، ليجدهم يجتمعون كل من شقيقته وزوجته وزوجة أخيه وشقيقتها ليعقب بود:

- متجمعين عند النبي إن شاء الله.

أبتسم الجميع له بحب وقد قدموا المشيئة أيضا، ليوجه حديثه تجاه شقيقته وزوجته قائلا:

- تعالي يا ماجدة عايزك، وأنتي كمان يا لبنى.

أنصرف ليلحق به كلاهما بفضول من سبب طلبهم، بينما ظلت "هناء" ترمقهم بنظرات الحقد والكراهية مُضيفة:

- شايفة! شايفة بيعمل أيه! قال تعالي يا ماجدة أنتي ولبنى قال، وأحنا هوا كأننا مش موجودين.

تبدلت ملامح "تهانى" إلى الأسئ على حال شقيقتها، لتهاتفها بعتاب:

- ما تنسي بقى يا هناء، تلات سنين عدو وأنتى لسه مطلعتيش شرف من دماغك!!

رمقتها "هناء" بكثير من الغضب مجيبة إيها بحدة:

- وعمري ما هطلعه يا تهانى، شرف هيكون ليا فى يوم من الأيام وبكره تشوفي.

بينما بالغرفة يجلس "شرف" بجانب شقيقته منتظرا ردها على ما أخبرها به وهو أن "عامر" طلبها للزواج، بينما "ماجدة" قد أصبح وجهها شديد الاحمرار من كثرة الخجل، هى لطالما كانت مُعجبة بشخصية "عامر" ولكنها لم تظن يومًا إنه سيتقدم لزواج منها! هذا وكأنه حلم، ليردد "شرف" سؤاله:

- ها يا ماجدة أيه رأيك؟

ابتسمت له "لبنى" بعد أن رأت علمات القبول على وجه "ماجدة" لتجيبة بدلا منها:

- السكوت والكسوف دول علامات رضا يا شرف.

نظر نحو شقيقته بمشاكسة مُعقبًا:

- لأ، أسمعها منها الأول.

لتبتسم "ماجدة" بخجل شديد مردفة بإستياء من مشاكسة شقيقها:

- خلاص بقى يا شرف، موافقة.

•••

أغمضت "ماجدة" عينيها بكثير من الألم والحسرة على تلك السعادة التى لم تستطيع أن تنعم بها سوا لعام واحد فقط، بينما "هناء" لم ترأف عليها وعلى بكائها لتُزيد من ألمها مُعقبة.

- لبنى هي السبب يا ماجدة، هي السبب فى موت تهانى وشرف وعجزك، هي السبب فى كل حاجة، هي اللى دخلت حياتنا بوظتها وفى الأخر ماتت بسهولة، بس لأ أنا مش هسكت، أنا هطفى ناري فى بنتها، هخلي جواد يعذبها لحد الموت، هخليه يطلع فيها السواد والقسوة اللى زعتهم جواه طول العشرين سنة، استني واتفرجي على بنت لبنى وهى روحها بتطلع على إيد جواد.

❈-❈-❈
أستغلت عدم وجوده وعزمت على الأتصال بأخيها عساها تستطيع أن تهدئه وتمنعه من فعل أية شيء يضعة بمشكلة مع ذلك الحقير التي تذوجته رغما عنها، الأن هي أصبحت مدركة ما يستطيع فعله بالضبط بعد كل ما فعله معها.

لم يكن هاتفها المحمول بحوزتها بسبب تلك الطريقة التي أخذها بها من منزل عائلتها بالإضافة إلى حالة الصدمة التي كانت فيها، لذا لم يكن أمامها سوا أستخدام ذلك الهاتف الأرضي الموجود بالمنزل.

- مالك، أنا ديانة.

قالتها بعد أن أجاب على إتصالها، ليأتيها صوته المهتم جدا لأمرها والغاضب جدا من ذلك الشخص الذي تزوجها، ليهتف بإنفعال وإكتراث:

- ديانة، طمنيني عمل فيكي أيه الكلب ده؟

لا تستطيع قول أي شيء له حتى لا تحسه على فعل شيء يجعلها تندم فيما بعد بسبب حزنها عليه، لهذا فضلت أن تكذب عليه بدلا من إقاع أحد من عائلتها فى مشكلة مع ذلك الشخص.

لتحبس دموعها مُصطنعة الثبات متمتمة:

- معملش حاجه يا مالك صدقني، أطمن يا حبيبي أنا كويسة.

لن يستغرق وقت كثير ليستطع تميز صوتها سوا كانت تكذب أو تقول الحقيقة، ولهذا أستطاع التعرف على كذبها بسهولة، ليصرخ فيها بحزن وغضب شديد:

- كويسة أزاي يا ديانة! دا أنا شوفت صوابع أيده معلمة على خدك، أنا مشيت بس عشان شوفت فى عينك نظرة رجاء وفهمت إنك خايفة من حاجة، لكن أنا مكنتش هسيبك لو حتى هموت.

لا تملك رفاهية الإفصاح عن ذلك البكاء والصراخ بذلك الألم الذي تشعر به، كل ما فى أستطاعتها أن تذرف تلك الدموع فى صمت لكي لا يستمع لها ويتأكد إنها تكذب فيما تقول بسبب خوفها الشديد عليه:

- صدقني أنا كويسة يا مالك، وجواد ده خلاص بقى جوزي، صحيح أنا لغاية دلوقتي مش عارفة هو عايز مني أيه؟ بس لو الموضوع موضوع فلوس أو أملاك هتنزله عنها وأرجع البيت عندنا تاني.

مسح على وجهه بغضب شديد وبعض من الندم بسبب عدم تواجدة فى المنزل ليلة أمس لكي يحميها من كل ما حدث، اللعنة على هذا العمل الذي تسبب فى إبعاده عنها فى أكثر أوقاتها إحتياجا له، ليضيف بإنفعال:

- لو مكنتيش فى بيته دلوقتي وكنتي عندي وفى حمايتي كنت قولتلك مش هتتنزلي عن حقك ومحدش هيقدر يدوسلك على طرف، بس من حظي الزفت إنه لما جيه يأخدك أنا مكنتش موجود وإلا مكنتش سبته يأخدك أبدا وكنت حافظت عليكي أنتي وفلوسك، بس لو حريتك من الحقير ده قصاد ورثك وفلوسك سبيه يولع بيهم.

بالأساس هي لم تكن تعلم إنها لديها عائلة، فهل سيفرق معها إن كانت غنية أو فقيرة أو ستتمسك بتلك الأموال مقابل حريتها؟ ليحترق بهم هى ليست بحاجة لهم:

- ده اللى أنا هعمله، أول ما يجي هكلمه وهعرفه لو الموضوع موضوع فلوس أنا مش عايزاهم وفى المقابل يطلقني، المهم متقلقش عليا وطمن ماما.

لا يثق بهذا "الجواد" لذا عليه أن يتخذ الحظر ويظل بجانبها إذا أحتاجته:

- حاضر، وأنتي كمان متقلقيش أنا هشوف بيت هنا عشان أكون جمبك لحد ما تخلصي من الموضوع ده.

يجب أن لا يظل هنا لأنها لا تضمن إن كان الميراث هو كل ما يريده ذلك "الجواد"، لذا تريد إبعاد "مالك" عن هنا وتتعامل منها له دون نقاط ضعف، لذا حاولت أن تمنعه قائلة:

- بس يا مالك.

قاطعها "مالك" مُصرا على قراره:

- مبسش يا ديانة، مش هسيبك مع الحيوان ده، أنا هفضل هنا جمبك عشان وقت ما تحتاجيني، المهم خدي بالك من نفسك ولو داسلك على طرف كلميني.

استسلت لإصراره مُحاولة السيطرة على غضبه كي لا يفعل شيء، لكنها ستظل حريصة كل الحرص على إبعادة عن هذا الأمر:
2

- حاضر يا مالك، ربنا ميحرمنيش منك أبدا.

❈-❈-❈

دلف إلى مكتبه وهو يستشيط غضبًا مما كاد أن يفعله، ماذا فعلت له تلك اللعينة لتُجبرة على ما أوشك أن يفعله؟؟ أين كان عقله الأحمق وهو .. اللعنة، حتى بمجرد التفكير بهذا الأمر يشعر بالضيق الشديد .

توجه نحو مكتبه مُحدثا سكرتيرته أمرًا إياها بإخبارهم بتحضير كوبًا من القهوة السادة لهو، فهو يشعر بالكثير من التخبطات فى راسه.

أستمع إلى تلك الطرقات على باب مكتبه ليظن انه العامل احضر له القهوة فسمح له بالدخول، ولكنه وجده إنه "إياد" وهذا كان أخر ما يتمنى قدومه الأن، هو لا يستطيع التحدث فى أية شيء الأن.

كاد "إياد" أن يتحدث ليوقفة "جواد" زاجرًا إياه بتحذير:

- بقولك أيه يا إياد أنا مفياش دماغ خالص لأي كلام دلوقتي، أجل كل حاجة لوقت تاني.

لأحظ "إياد" ملامح الغضب والضيق على وجه صديقه ليحاول لاستفسار مُطمئنا عليه:

- مالك يا جواد فيه أيه!!

صلت "جواد" نظره بهذا الحاسوب الموضوع أمامه مُحاولا تلاشي الحديث معه مُضيفا بإقتضاب:

- مفيش حاجة.

أغلق "إياد" الحاسوب بإندفاع وعشم زائد مُعقبا بإلحاح:

- لا فيه، هو أنا أول مرة أشوفك كده و...

قاطعة "جواد" صارخا به فى غضب ونفاذ صبر:

- وبعدين يا إياد، مش قولتلك مفيش حاجة؟

شعر "إياد" بالصدمة من طريقة صديقه معه وكاد أن يتكلم ليقاطعه صوت "جواد" الملئ بالحدة والجمود:

- روح على مكتبك يا إياد حالا

صُدم "إياد" من رد "جواد" وسريعا ما خرج من المكتب دون التفوه بأي كلمة، ليشعر "جواد" بالغضب الشديد من هذه الطريقة التى عامل بها صديقه الوحيد، ولكنه ليس بذلك الشخص الذى يعتذر.
+

ضاق صدره من كل ما حدث فى هذا اليوم الذي  يبدو وكانه لن يفوت بسلام، ليتجه ناحية الباب صافعا إياه خلفه بكثير من الحدة والغضب.

يتبع...
ظلت تستمع إلى صوت الجرس الآتي من هاتفها منتظرة الرد، ليأتيها صوت والدتها التي لطالما تمنت لو كانت والدتها الحقيقية، لتعقب بلهفة:

- ماما.

ما إن أستمعت إلى صوتها حتى أعتدلت فى جلستها، والأن قد شعرت ولو بجزء بسيط من الطمأنينة لسماع صوتها، ولأول مرة ترفع يدها لتزيح دموعها منذ أن عادت من المشفي، لتجيبها بلهفة مماثلة:

- ديانة، أنتِ كويسة يا بنتي؟ طمنيني عليكي عمل فيكي أيه البني أدم ده؟

بالكاد استطاعت أن تمنع شهقاتها من الخروج وأنهمرت الدموع من عينيها، ولكنها عملت جاهدة على أن لا تُظهر شيئا، هى تعلم أن "منال" تخاف عليها كثير، كيف لها أن تُخبرها بما فعله ذلك الحقير معها؟ لتجييها متماسكة:

- أنا كويسه يا ماما متقلقيش عليا، المهم أنتي خلي بالك من نفسك ومن مالك وملك وأنا هبقى أجي أشوفكوا قريب.

ليس من الصعب أن تكتشف "منال" كذب "ديانة"، ليست نبرتها الباكية فقط، بل أيضا ضعفها وإنكسار صوتها، تلك الفتاة التى لا تُقهر تتحدث الان بكل ذلك الضعف والخوف، لتصيح "منال" بعتاب:

- بتكدبي عليا ولا على نفسك يا ديانة؟ عمل فيكي أيه خلاكي مكسوره كده؟

لم تعد تتحمل تلك الكلمات التي تقودها للإنهيار الحتمي لتجد أن الهروب هو حلها الوحيد الأن، عليها أن تغلق المكالمة قبل أن تفصح عن كل شيء ويصبح الوضع أسوأ مما تظن:

- يا حبيبتي مفيش حاجة أنا كويسة خالص ومحصلش حاجة، أنا بس كلمتك أطمنك عليا وهبقى ارجع أكلمك تاني، سلام دلوقتي.

أنهت "ديانة" مكالمتها مع والدتها وشرعت فى البكاء، أخذت شهقاتها تتعالى كثيرا لتبدو وكأنها صُراخ أليم، لتسقط أرضا مُعلنة عن إنهيار كامل قِواها ولأول مرة تستسلم لذلك الضعف بعد ما فعله بها هذا اللعين.

فقد أخذ يُهينها بكل الأشكال بداية بزواج إجباري منه وظل يضغط عليها بتهديده أن يقتل عائلتها أو يأذيهم، وكسر الرجل الذي كان يريد الزواج منها وتزوجها أمام عيناه، لكنه لم يكتفى بكل ذلك.

فقد أستغل صدمتها ورهبتها من كل ما حدث وأخذ يُهينها أكثر، أجبرها على أرتداء ذلك الثوب اللعين الذى لم تتوقع يومأ ان ترتديه أمام نفسها وليس أمام شخص غريب عنها ولم يسبق لها أن ترأته، ليجعلها تشعر بالخذى والخوف أمامه، وبآخر الأمر تركها وهو يُحقر من أنوثتها ويقلل من شأنها كإمرأة.

لم يكتفي بهذا القدر من الأهانة بل أجبرها على ان تدخل معه إلى ذلك المرحاض ولم يخجل منها قط، ليتجرد من كامل ملابسه أمامها ولم يراعي كونها فتها لم يسبق لها أن ترى رجلا بهذا الشكل.
ليطلب منها أن تُساعدة فى الإغتسال وكأنه شخص عاجز عن الحركة وإلا ليفعل بها هو هذا، ليصبح ليس أمامها حل أخر.

نهاية بأمره لها أن تجلس تحت قدميه لكي يرتدي ملابسه، من يظن نفسه هذا الحقير! أهو يرى نفسه أحد السلاطين وهي إحدى جواريه؟ وعندما إنفعلت وطفح كيلها من تلك الأشياء زاد تلك الاهانة البغطاء.

كبلها وألقى بها على الفراش جاعلًا إياها عاجزة عن الحركة، وأنتشل حزامة وأخذ يجلدها دون رحمة أو شفقة.

كيف تجرأ على فعل هذا بها؟ هل يراها كإحدى عاهراته التي يعرفهن ليظن نفسه بعد كل هذا يستطيع أن يُقبلها؟

مهلا أهو حقا كاد أن يُقبلها! ما هذا الغبي الملعون؟ كيف يراها حتى يفعل كل هذا! أم إنه شخص مجنون وليس لديه عقل ليميز به؟ عليها أن تعرف سريعا ما الذي يريده منها بالضبط حتى تستطيع الفرار منه.

❈-❈-❈

تجلس بجانبها كالعادة لتقص عليها ما حدث خلال يومها وأيضا لتُخبرها بما حدث فى منزل "جواد"، عسى أن تُزيح ما بدخلها من توتر وقلق مما يمكن أن يفعله شقيقها بتلك الفتاة، والتي عندما رأتها شعرت وكأنها لا تستطيع أن تكرهها، من الواضح جدا عليها إنها بريئة للغاية.

- أنتي عارفة يا عمتو النهاردة اليوم كان صعب أوي، بس اللى حصل عند جواد مفيش أصعب منه، أنا قلبي كان هيقف لما جواد ومالك مسكوا فى بعض لولا تدخل ديانة.

لاحظ ملامح القلق والرهبة على وجه "ماجدة"، لتشعر بالغباء الشديد لإنها لم تقص عليها الأمر من بدايته وجعلتها تخاف هكذا، لتحاول تطمئنتها مُضيفة بتوضيح:
- معلش يا حبيبتي أنا نسيت أقولك على اللى حصل النهاردة، هحكيلك.

أمتلأت أعيُن "ماجدة" بالدموع من كل ما حدث لتلك الفتاة التي لم يكُن لها أي ذنب بما حدث، فقد حُرمت من والديها وهى رضيعة وحرمت من أهلها طوال تلك السنوات والان ستُحرم من الراحة والسعادة لباقي حياتها.

ربطت "زينة" على كتف "ماجدة" مُحاولة تطمئنها:

- أنا عارفة إنها ملهاش ذنب فى كل اللى حصل، وعارفة إن جواد مش هيرحمها، بس متقلقيش إياد قالي إنه هيحاول يعقل جواد على قد ما يقدر ويخليه ميأذيهاش.

ضيفت ما بين حاجبيها بعد إستعاب بعد أن ذُكر أسم "إياد"، هى تعلم إنه صديق "جواد" ولكن أين رأته "زينة" لكى يُطمئنها، أدركت "زينة" ما صرحت به ملامح وجه "ماجدة" لتضيف:

- منا مكملتلكيش ، أنا وعدت مالك إن بعد ما يقولي كل حاجة هاخده ونروح نشوف ديانة بسيارتنا ما روحنا.

أكملت لها ما حدث فى منزل "جواد" والشجار الذي حدث بينه وبين "مالك" وتدخل "ديانة" وحديثها ل "مالك" وتحديها ل "جواد" لتُعقب:

- أنتى عارفة يا عمتو، أول مره فى حياتي أشوف بنت فى قوتها وجرأتها، كان واضح جدا إنها مش فى أحسن ظروفها وواضح إن جواد كان متخانق معاها ورغم كل ده وقت قدامه وأتحدته وأنا عمري ما شوف حد قدر يتحدى جواد لحد النهاردة.

أبتسمت "ماجدة" بحسرة على جرأة تلك الفتاة التى تؤكد لها إنها قد ورثت هذه الصفة من أبيها وإنها لازالت تحمل الكثير والكثير من صفات أبناء هذه العائلة العنيدة.

ولكنها تشعر أيضا بالخوف الشديد عليها فهذا، أبن أخيها تربى وترعرع على أيد "هناء" ولهذا لا يضعف أو يحن، هو يحمل بداخله الكثير من الكراهية والغضب تجاه تلك الفتاة وأيضا تربية "هناء" ستكون لها تأثير قوي عليه، ترى ما الذي سيفعله بتلك المسكينة؟

لم ينتبه أي منهما لتلك التى تقف بجانب باب الغرفة وأستمعت لكل ما دار بينهما كعادتها، هى دائما تصتنت عليهم حتى تكون على علم بكل ما يحدث فى هذا المنزل، بل بهذه العائلة بأكملها.

أبتسمت "هناء" بمكر على ما أستمعت إليه وعزمت على أن تستغله لإشعال النار بين "جواد" وهذه الفتاة التي ستتلذذ بما سيفعله بها "جواد" بعد ان يستمع لما ستقوله له.

صاح هاتف "زينة" مُعلنا عن وجود إتصال لها لتجدها صديقتها التى أتفقت معها على أن يخُرجان معا، لتوجه حديثها نحو "ماجدة" بحب:

- طب يا روح قلبي، أنا خارجة دلوقتي ولما أرجع نبقى نكمل كلامنا.

أومأت لها "ماجدة" بالموافقة وأنسرفت "زينة" سريعا من المنزل.

❈-❈-❈

صدح صوت جرس الباب بأرجاء المنزل معلنا عن مجئ أحد، توجهت "ملك" لفتح الباب لتصرخ منصعقة عندما رأته:

- باباا، ألحقوني هيخطفني أنا كمان زي ما خطفوا ديانة.

للحظة تجمد "إياد" بمكانه مما أستمع إليه ومن صراخ تلك الفتاة وكأنها طفلة صغيرة، وبلحظة أسرع فى وضع يده على فمها مُغلقا ذلك الانذار الموجود بحنجرتها:

- هششش أيه سرينة عربية!! أنا عايز مالك أخوكي.

أتسعت عينا "ملك" بصدمة بينما أبعد "إياد" يده عن فمها لتصرخ مره أخرى:

- عايز أيه من مالك كمان ياعصابة.

دفعها "إياد" من ذراعها إلى الدخل بفقدان أمل بها مردفا:

- لا اندهيلي حد كبير أكلمه، أنا زهقت من صداع العيال ده.

أعتلت وجهها ملامح الغضب والانزعاج من معاملته لها وكأنها طفلة، لتصيح بوجهه بعد أن شعرت بقليل من الأمان تجاهه:

- أيه أندهيلي حد كبير دى!! أنت شيفني عيله صغيرة؟

أغمض "إياد" عيناه بنفاذ صبر من كثرة ثرثرة تلك الفتاة، بينما أعاد نظره إليها مرة أخرى متفحصا تلك التى تُصيح وكأنها فى العاشرة من عمرها، بينما جسدها كأنثى بالغة ويصرخ بالأنوثة ليضيف:

- هو أنتي متعرفيش تتكلمى من غير سرسعة!! طب يا أنسة هاعملك على إنك مش عيله، أنا إياد المنزلاوي مدير إدارة شركات الدمنهوري للعقارات وصاحب جواد الدمنهوري وطبعا أنتي عارفة الباقي.

أمتعضت ملامحها غضبًا عند سماع أسم ذلك الحقير الذي أختطف شقيقتها، لتصيح به بغضب:

- أيوه أنت شعال عند المجرم اللي خطف ديانة، جي عايز مالك في أيه دلوقتي.

رفع حاجبه بإعتراض على حديثها مُضيفا بتصحيح:

- أولا مسمهاش شغال عنده أسمها شغال معاه، ثانيا مسمهاش خطفها أسمها أتجوزها، ثالثا أنا مش جي اؤذي حد، بالعكس أنا جي أطمنكم عليها ولو مجيتى ملهاش لازمة يبقى بعد أذنك.

التفت "إياد" وكاد أن يذهب بينما شعرت "ملك" بالحرج من طريقتها معه دون مبرر هو حتى لم يأتي لأزعاجهم بل جاء لكي يُطمئنهم، لتهتف بارتباك وعدم تركيز:

- إياد.

ماذا الذي حدث الأن! هي فقط نادته بأسمه، لما اذا شعر بتلك القشعريرة التى صارت بجسده للحظة!! اهذه أول مره يُناديه احدا بأسمه!! بالطبع لا، لما اذا شعر بذلك؟ اللعنة على جسده العاهر.

سريعا ما أستطاع "إياد" إعتدة السيطرة على نفسه وأستدار إليها مرة أخرى، لتتقدم هي عدة خطوات تجاهه مُحمحة بعد إدراكها بما تفوهت به مُعتذرة:

- قصدي أستاذ إياد، أنا أسفه على الطريقة اللي قابلتك بيها، بس أنت أكيد مقدر الظرف اللي أحنا فيه.

أبتسم لها بهدوء مُحاولا إشاح نظره عن تلك الكريزتان الذي تمني منذ أول مرة ألتقى بها أن يلتهمهم، ولكنه يُحاول السيطرة على نفسه، ولكن كيف لزير النساء ذاك أن يُسيطر على نفسه أمام كل هذا الجمال؟ ليُعقب:

- متتأسفيش أنا مقدر كويس اللي أنتوا فيه، وعشان كده كنت جى أطمنكوا، أومال فين مالك؟ لسه مرجعش ولا أيه!

شعرت تجاهه بالكثير من الراحة والاطمئنان مُأكدة لنفسها إنه شحص جيد أفضل من ذلك "الجواد" المغرور لتجيبه بثقة:

- مالك لسه فى أسكندرية، قدم طلب نقل لهناك وهيدورلنا على بيت هناك عشان نبقى جمب ديانة لحد ما نشوف الموضوع ده هيخلص على أيه، لأن ماما حالتها صعبة جدا وعايزه تبقى جمبها.

لم يُدرك لما شعر بهذا القدر من السعادة عندما علم بانتقالهم إلى هناك، لما يخطط عقله الأبله، ليعقب بلباقة:

- أسكندرية هتنور، ممكن أخد رقم تليفونك؟ يعني عشان أبقى اطمن وصلتوا أمتى وأبقى اطمنكوا على ديانة.

يا له من مُحتال هو لم يترك فرصة مهما كانت صغيرة إلا وأستغلها ولكن لما كل هذا؟ بينما أبتسمت الأخرى بود وقامت بإخراج هاتفها من جيب بنطالها المنزلي وقاموا بتبادل أرقام الهواتف، ليبتسم لها بإعجاب مُضيفا:

- أنا هستأذن أنا بقى وأول ما توصلوا أديني خبر.

بادلته الابتسامة بعد أن شعرت بطيف إعجاب بشخصيته وحديثه ومُعاملته معها مُعقبة:

- أكيد إن شاء الله.

التفت "إياد" ذاهبًا وظلت هي تُطالعه حتى أختفى من أمامها، لتعود إلى الداخل مرة أخرى.

❈-❈-❈

صف سيارته بالمرأب الخاص بقصر والده وهو لا يعلم كيف سيُصلح الأمر بينه وبين شقيقته بعد ما فعله فى صباح اليوم، هو حقا لم يكن يريد أن يُخيفها ولكنه كان مُشوشًا حينها، ليرى ماذا بوسعه أن يفعله حتى يُراضيها.

ترجل من سيارته مُتجها إلى داخل القصر ليُلاقيه هذا الصوت المُرحب به بلهفة وسعادة:

- جواد بيه ده أيه الخطوة العزيزة دي، نورت القصر كله

قابلها بجموده الذي أعتاد عليه جميع من حوله، لُعقب بثبات دون أن ينظر لها وهو لايزال يتقدم بتلك الخطوات نحو الداخل وهى تتبعه بأحترام:

- أهلا يا حُسنة، فين زينة.

أجابته بلهفة وأحترام وهى مازالت تتبعه:

- زينة مش هنا خرجت مع واحدة صحبتها من قيمة ساعة كدة.

توقف وهو يزفر براحة من عدم وجودها، فهو كان يخشى لقائها معه، لطالما كان لا يُجيد الاعتذار ومُحاولات الإرضاء فإذا كانت تدللت عليه حينها لن يستطيع السيطرة على غضبه، ليلتفت ثم أضاف بإقتضاب:

- طيب أبقى عرفيها إني جيت سألت عليها.

- جواد.

كاد أن يُغادر ليوقفه صوتها الجامد الخالي من أية مشاعر او إحساس، والذى لم يفشل ولو لمرة أن يُشعره بالعجز والتوهان بين مشاعره التى لم يفهمها بعد، أهو يُحبها أم يخاف منها؟

ليُغمض عيناه بنفاذ صبر من ذلك اليوم الذي لا يريد أن ينتهي بسلام، ليأتيه صوتها الممتلئ بالحدة والذى لا يقل شيء عن جموده:

- هو أنت ملكش فى البيت ده كله غير زينة ولا ايه؟
رمقها بنظرة خاطفة مُضيفا بهدوء مُميت:

- كنت مستعجل.

أدركت "هناء" إنه ليس فى مزاج رائق ليتحدث الأن وأن به أمرًا يُغضبه، لتستغل تلك الفرصة عازمة على أن لا تجعلها تمر مرار الكرام مردفة بهدوء مماثل له:

- فين الامانة؟

شعر بالغرابة من سؤالها الذي لم يستطع أن يفهمه، عن أي أمانة تتحدث! وماذا تعنى بكلمة "أمانة" تلك!! شعر بالتخبط من كثرة التفكير ولكنه عمل جاهدًا على أن يُحافظ على ثباته وهدوئه مُستفسرًا:

- أمانة أيه!

بالطبع لن يفهمها فهي أعتمدت على استخدام الألغاز، ولكنه ليس بساحر حتى يُخمن ما تفكر به، لتعزم على أن تترك حيائها كأنثى على جنب وتتحدث معه كأحد الرجال الذى لا يعرف للخجل معنى، لتعقب مُوضحة:

- فين شرف مراتك؟

للحظة لم يستوعب عن ماذا تتحدث تلك المرأة؟ ليعجز عن السيطرة على ملامح وجهه التي ارتسمت عليها علامات الإنفعال والمُطالبة بالتوضيح:

- مش فاهم!

صاحت به زاجرة إياه بحدة يعتاد هو عليها منها دائمًا منذ أن كان طفلًا صغيرًا:

- لا أنت فاهمني كويس أوى يا جواد وعارف أنا عايزه أيه، وده حقي عشان أنا اللي ربيتك بعد أمك الله يرحمها، وعشان بردو أنا وأنت ومراتك من عيلة واحدة وشرفنا واحد، وبما إن عمتك ماجدة أنت عالم بحالها وأبوك مشغول فى شغله يبقى مفيش غيري يجري ورا الشرف ويعرف مين اللي حافظ ومين اللي فرط.

حقا هى تتحدث معه بهذا الامر! إذًا بما إنها لم تخجل بالحديث معه فى هذا الموضوع، هو أيضا لن يخجل وسيُحدثها بطريقتها، ليُضيف مستفسرًا:

- أنتي عايزاني أنام معاها؟

ما تلك المرأة التي لا تعرف للخجل أو للحياء معنى! أهي لا تُدرك إنها تتحدث مع أحد الرجال الناضجين؟
كيف سمحت لنفسها أن تتحدث معه بهذا الأمر؟ لتُفاجئه بالمزيد من جراءتها وإنعدام حيائها موضحة:

- لأ وأظن مش أنا اللي هقولك تجيبه أزاى؟ فى مليون طريقة وأنت راجل وفاهم، ممكن تاخدها عند دكتورة وتتأكد هي بنت أو لا وتخلي الدكتورة تعملها فض لغشاء البكارة وتجيبه توريهولي، وممكن تعملها أنت بنفسك من غير ما تنام معاها، ولو مش هتعرف تنفذ أي حل من دول أنا اقدر أتصرف واجيلها بنفسي.

أشمئزت ملامحه وشعر بالغضب والشديد من حديثها، أهى تُقلل منه بحديثها هذا مثلما كانت تفعل به وهو طفل صغير؟ أهى تُغضبه مثلما تفعل دائما!! لا لن يعطي لها الفرصة على إثارة غضبه هذه المرة، ليُعقب ببرود وهو يضع يده بجيب بنطاله:

- أنا ميهمنيش كل اللى بتقولى عليه ده،أنا متجوزها بس عشان أذلها وأكسرها ولما أبقى أفش غليلي أبقى أموتها وأخد حق أمي، لكن غير كده ميهمنيش.

التفت وكاد أن يُغادر لتمنعه بجذبها إياه من ذراعيه وقد وصل غضبها حد السماء من بروده وعناده، لتصيح به:

- أنت لحد أمتى هتفضل مش راجل كده؟ قاعدت سنين لحد ما عرفت تجيبها ويوم ما جبتها أتجوزتها ولحد دلوقتى مشوفتش تعذيب أو ذُل أو أي حاجة من الكلام اللي بتقول عليه ده، حتى الحاجة الوحيدة اللي تهمنا منها بتقول مش فارقة معاك.

لاحظت أن كلماتها بدأت تؤثر به خصيصًا عندما ذكرت تربيتها له وماضيهم معا، لتصرخ مُضيفة:

- أيه يا جواد بنت عمك اللي بقت مراتك كانت قاعدة فى بيت ناس غريبة بقالها عشرين سنة مع أتنين رجالة أغراب عنها، والله أعلم كانوا بيعملوا معاها أيه، لا وكمان كانت حبيبه، رايحه جايه مع واحد الله أعلم العلاقة بينهم وصلت لحد فين؟ ده لو مكنتش باظت من البيت اللي اتربت فيه أصلا، وإلا مكنش الشاب اللي كانت عايشة معاه جيه هنا وقعد يزعق ويقول عايز ديانة، عايز مراتك يا جواد!

قالت جملتها الاخيرة بتهكم لتصل إلى ما تريد وقد نجحت بالفعل فالأن جواد يشتعل غضبا وكراهية لتلك الفتاة أكثر مما كان بداخله لها.
2

ليرمقها بأعين تشتعل غضبا ثم توجه إلى باب القصر ذاهبا وهو يقسم بداخله على أن يقتل أي شخصا يقف بطريقه.

❈-❈-❈

••

- بالله عليك يا محمود نأخدها معانا ونربيها مع مالك، دي شبه الملايكة الله يخليك قلبي مش مطوعني أسيبها أو نديها لحد تاني، أنا حبيتها أوى.

نظر لها "محمود" بقلة حيله ثم نظر إلى تلك الصغيرة التى لا حول لها ولا قوة، ليتنهد مُجيبا إياها بإستسلام:

- الله المستعان، ربنا يعينا ويقدرنا على تربيتها هى وأخوها.

ابتسمت "منال" بساعدة ثم أحتضنت تلك الفتاة الجميلة متمتمة:

- أوعدك يا بنتي طول منا عايشة مفيش حد هيقرب منك ابدا وعمري ما هفرق بينك وبين عيالي أبدا.

أغمضت "لبنى" عينيها بقهرًا بعد أن أطمأنت على أبنتها وإنها قد وقعت بين يدي تلك الاسرة الرحيمة التي سترعاها دائما وأن دعواتها قد استجابت.

هبطت "لبنى" سريعا من القطار ومن ثم تحرك القطار مُتجها إلى وجهته، لتودع أبنتها للمرة الأخيرة وظلت تنظر إلى ظهر القطار ودموعها تنهمر من عينيها إلى أن أختفى نهائيًا.

قطعت "لبنى" تذكرة لإحدى المُحافظات الاخرى حتى تستطيع خداع "هاشم" لكى لا يعلم أن أبنتها أتجهت إلى القاهرة وظلت تجلس فى القطار منتظرة أن يتحرك أو يجدها "هاشم".

لم ترى تلك اليد إلا عندما جذبت شعرها حتى كاد أن يتمزق من شدة جذبته لها، ليصبح وجهها مُقابلا لوجهه وأستطاعت أن ترى تلك الدموع المُتحجرة فى عيناه، ليصيح بها فى غضب:

- فاكرة نفسك هتهربي مني يا لبنى، تهانى واللي فى بطنها ماتوا وماجدة بقيت عايشه زي الميتة، وأنا بقى هخليكي تتمني الموت كل ثانيه وأنا بقطع فى لحمك أنتي وبنتك و...

توقف من تلقائه نفسه عندما لاحظ عدم وجود تلك الرضيعة معها، لُيهشم أسنانه بغضب وأخذ يشد على جذبته لشعراها مُردفا بغضب:

- البت فين؟

•••

أغمضت "لبنى" عينيها بألم على تلك الذكريات المريرة وهذا الظُلم الذى وقع عليها دون أن تفعل شيئا، لتتذكر أبنتها التي نجحت فى إخفائها طوال العشرون عاما ليأتى ذلك "جواد" ويجدها بل ويتزوجها أيضا.

أخذت تبكى وتتحصر على ما حدث لها ولأبنتها دون أية ذنب لهما، وها هما الأن يقعان ضمن ضحايا ذلك الهوس المريضي والذي تظنه تلك المرأة بأنه يُسمى حب.

❈-❈-❈

وصل إلى منزله وقد صف سيارته بالمرأب الخاص به وهو لا يزال يشعر بالغضب الشديد مما تحدثت فيه "هناء" معه، وبعد أن فكر كثيرًا بحديثها توصل إلى حل إنه سيأخذها إلى الطبيبة كما أخبرته كى يتاكد مما قالته "هناء" له.

هو على أى حال لن يلمسها أبدا حتى لو أصبحت أخر نساء العالم، فهى أبنة تلك المرأة التى قتلت والدته ولن يكن بينهما سوا الكراهية والأنتقام.

صعد السلم حتى وصل إلى باب الغرفة الموجودة بها وقبل أن يقوم بفتح الباب أستمع لبكائها وهي تتحدث وكإنها تتحدث إلى شخص ما، ليقترب أكثر إلى الباب حتى يستمع لما تقول:

- أنا بجد أسفة يا أدهم أنا فعلا مكنش قصدي أجرحك باللى حصل، أنا بس خوفت عليك إن يحصلك حاجه، جواد ده معندوش رحمة وشخص حقير جدا وعشان كده أنا بحررك من كل الوعود اللي أخدنها سوا وبترجاك تنسى كل اللى كان بينا، الحيوان اللي أنا عايشة معاه ده مش عارفة هو عايز مني أيه وخايفة عليك منه، أرجوك يا أدهم سامحني وأعرف إني مليش ذنب وإني عمري ما لعبت بيك وإنى هعيش عمري كله أحترم الذكريات الحلوة اللي عشناها مع بعض.

لم يستطع التحكم فى غضبه أكثر من ذلك ليقوم بدفع الباب بقدمه، وقبل أن تقوم بالضغط على زر الإرسال لتلك الرسالة الصوتيه التي كانت تسجلها، أستمعت إلى صوت تحطيم باب الغرفة، لتجده يتجه نحوها بسرعة جازبها من شعرها صارخًا بها بغضب:

- الذكريات الحلوة اللي عشتوها مع بعض هاا، والله العظيم لخليه أخر يوم فى عمرك وعمره يا بنت الكلب يا فاجرة.
+

يتبع...

جذبها  من خصلاتها راغما إياها على النهوض والوقوف أمامه والنيران تتأكله، ليصرخ بها مستفسرًا:

- أيه هي بقى الذكريات الحلوة اللي عشتوها مع بعض وهتفضلي فكراها يا وس** يا بنت الوس**.

صفعها عدة صفعات لدرجة إنها لم تستطع التحدث، فقط كل ما يصدر منها هو صوت صراخها من ألم صفعاته.

بينما زاد من شدة جزبه لشعرها بغضب كبير لتتأوه هى بألم، ولكنه لم يكترث لألمها فهو ولأول مرة يصل إلى هذه الدرجة من الغضب وفقدان السيطرة على نفسه، هو المعروف عنه إنه لا يغضب ولا يثور بل هو شخص لديه ثبات إنفعالي وهادئ، لا يستطيع أحد أن يفقده أعصابه بإستثناء "هناء"، ولكنها أستطاعت أن تُيقظ هذا الوحش بداخله لتُصيبها لعنته.

ظلت "ديانة" تصرخ بين يديه وهي لا تستطيع التحدث من كثرة الألم وإنه لا يترك لها مجالا للحديث، ليصعقها بسؤاله والغضب يتطاير من زرقاوتيه وهو مازال على قبضة شعرها:

- أنتي مش بنت بنوت صح؟

أتسعت عينيها بصدمة من سؤاله، وكان لسانها أنعقد من الصدمة، كيف يسألها سؤالا كهذا؟ ألم يستمع إلى والدها وهو يخبر المأذون الذي عقد قرانهما إنها بِكرًا!! بماذا فسر حديثها إلى "أدهم".

من شدة إرتباكها وهلعها كادت أن تفسر له ما قصدته بحديثها ولكنه لم يعطيها الفرصة وباغتها بسؤال آخر وهو يرمها بنظرة تدب الرعب داخل قلبها مردفا باشمئزاز:

- ويا ترا أنهي ع** من الاتنين اللي نام معاكي الوس* اللي كنتي نايمة فى بيته ولا الخ** التاني اللي كنتي ماشيه معاه وكنتي بتكلميه دلوقتي وأنتي على ذمتي يا ش*****.
1

لم تستطع أن تحتمل تلك الإهانة والكلمات التي ينعتها بها، هو لا يُشكك فى أخلاقها فقط بل يسبها بالشخص الذي كانت تراه دائمًا أخًا لها ولم تراه غير ذلك ولو لمرة واحدة، بل ويسبها أيضا بالشخص الذي أحبها وظلت طوال معرفتها به تُعامله بحدود، حتى لم تكن تسمح له بلمس يدها، كيف له أن يقول عنها هذا الكلام؟

شعرت بالكثير من الغضب تجاه ذلك الحقير الذي تمادى كثيرًا، لتستطيع التملص من قبضته على شعرها لتقوم بصفعه على وجهه وهي ترمقه بتقزز صارخة فيه:
- أخرص يا حيوان يا قذر، أنا أشرف من أهلك.

"جواد الدمنهوري" الرجل الذي يخشاه الجميع ويتلاشوا الوقوف أمامه للحديث فقط، تأتي تلك العاهرة اللعينة وتقوم بصفعه!! هذا الفعل لم يتجرأ على أن يفعله أحد الرجال، إذا سيريها ماذا يفعل هذا الحيوان القذر بها.
رمقها بأعين تزرف النيرات وملامح صارمة جعلت جسدها يُقشعر من شدة الرهبة، وبلحظة قبض على عنقها بغضب مما جعلها تظن إنه سيخنقها ويأخذ روحها، وهذا ما كاد أن يفعله قبل أن تضربه فكرة أكثر منها ألمًا.

ليسحبها تجاه الفراش مُلقيا إياها فوقه رامقها بنظرة مرعبة مردفا بإقتضاب:

- هنشوف.

أنقض عليها مُمزقا ذلك البنطال الخفيف الذي كانت ترتديه منذ أن جأت معه إلى هذا البيت بين صرخاتها الهالعة، ثم أخذ يستعمله فى تكبيل يديها ووضعهما خلف ظهرها ليشل حركتها.

ومن ثم أدار جسدها ليجعلها فى موجه وجهه ويديها بين ظهرها والفراش وسريعا ما هبط عند قدميها وهي تصرخ فيه بفزع وهلع:

- هتشوف أيه؟ أنت أتجننت.

لم يكترث لصُراخها وسريعا قام بخلع سروالها الداخلي لتصرخ بذعر وفزع مما هى مُقبلة عليه، وبمجرد أن نزعه عنها حاولت الدفاع عن نفسها بقدر ما أستطاعت.

لتقوم بدفعه بقدميها فى صدره مُحاولة منها لدفاع عن نفسها، فى أول مرة نحجت فى إبعاده عنها ولكنه سريعًا ما عاد إليها مرة أخرى، لتحاول مرة أخرى ولكنها لم تنجح هذه المرة، ليقوم بالسيطرة على قدميها بين يديه مردفا باشمئزاز:

- هشوف أنتي فعلا أشرف من أهلي ولا لأ! مع إني متأكد إنك متعرفيش عن الشرف حاجة غير مجرد الاسم اللى بعد أسمك فى شهادة الميلاد، وده مش غريب على بنت لبنى.

ترك قدميها تسقط على الفراش  أبتعد عنها قليلا، ثم قام بخلع سترته وإلقائها أرضا، مُلحقها بتحرير أزرار قميصه ونزعه عن جسده، بينما عاد إليها مرة أخرى ومازال القيص بيديه.

شعرت "ديانة" بالرعب من نظرة "جواد" لها التى تحمل الكثير من الغضب والتوعد ليصدمها بقبضته على قدميها ثم قام بإبعادهما عن بعضما وسريعا ما جلس بين قدميها مثبتا اياهما بركبتاه ولايزال ممسكا بقميصه.

عُريها وتقيدها أمامه بهذه الطريقة وحدهم كافيان لتوقيف قلبها، لماذا خلع عنها ملابسها وقيدها بهذه الطريقة؟ ماذا سيفعل بها؟

الكثير من التخيلات تنههش رأسها، ليخرجها من دوامة تلك الأسئلة أقترابه الشديد منها، لتعود للصُراخ الهستيري مرة أخرى:

- أنت هتعمل أيه؟ أبعد عني.

رمقها باشمئزاز مُصرًا على إنها ليست عذراء وإنها تدعي البرأة فقط، مزق قميصه الذي نزعه عن جسده منذ لحظات وقام بلفه حول أصبعين يده اليُمنى بعد إن جلس أمامها مباشرة على الفراش، مُجيبا إياها بإستهزاء:

- مكنتش عايز أعمل فيكي كده، كنت هوديكي لدكتورة تتصرف هي معاكي، بس واضح كده إنك من النسوان الش***** اللي بتحب الأهانة والذل، وأنا مش هحرمك من حاجة.

أدركت ما يود أن يفعله بها بعد أن ألتقط ساقيها مرة واحدة وجلس بينهما مفرقهم عن بعضهم، لتصرخ "ديانة" بفزع وذعر مما أوشك على فعله بها:

- لأ لأ، متعملش كده، أرجوك لأ، أبعد عن.. آآآآه.

صرخت بألمًا كبير بعد أن أخترقها دفعة واحدة بواسطة يده وقام بفض غشائها بتلك الطريقة المُهينة المعدومة من الرحمة والانسانية، تاركا لها ألمًا لا يُوصف أو يُحتمل هذا لم يكن ألمًا بجسدها فقط بل فى روحها أيضا، لتسكن بحسرة بعد أن شعرت بدمائها تسيل من بين قداميها.

بينما هو بمجرد أن رأى تلك الدماء نهض بفزع ورعب مُلقيا ذلك القميص المُلطخ أرضًا، فقد تذكر تلك الدماء وهى تسيل من بين قدمي والدته عند سقوطها من أعلى الدرج، لُيزيد فوق ذلك صدمته بكونها عذراء ولم يمسُها شخصا قط، رمقها بنظرة تخبط وسريعا ما توجه نحو المرحاض تاركًا إياه على نفس وضعيتها تلك.

❈-❈-❈

ألقت بجسدها فوق الفراش بعد أن بدلت ملابسها، فقد عادت منذ قليل من خروجتها مع إحدى أصدقائها، تململت فى الفراش مُستدعية النوم، ولكن أفاقها رنين هاتفها.

تناولته متفقدة هواية المتصل، من الذى سيحدثها فى هشا الوقت، لتعتدل فى جلستها فور إن علمت أن المتصل هو "مالك" وسريعًا ما قامت بالرد، لياتها صوته مُعتذرا:

- أنا أسف جدًا لو كنت بكلمك فى وقت زي ده.

أجابته بلطف مُحاولة عدم إشعاره بالحرج:

- لا ولا يهمك عادي، أنا أصلا لسه صاحية، خير فى حاجة ولا أيه!!

شعر بالغباء الشديد لعدم إنتظاره لصباح الغد، لماذا دائما يندفع هكذا كالحمار المُتهور، ليحمحم بقليل من التوتر:

- أحم، لا أبدًا متقلقيش، أنا بس كنت عايز منك خدمة.

أنصت إليه جيدا بإهتمام مُعقبة:

- تحت أمرك.

تنهد بهدوء وهو يرتب الكلمات داخل رأسه قبل أن يخبرها بها ولايزال يشعر بقليل من الأرتباك والحرج:

- فى الحقيقة أنا كنت عايز أشوف بيت لأهلى عشان عايزين يجوا يعيشوا هنا فى اسكندرية عشان يبقوا جنب ديانة، وبصراحة أنا معرفش حد فى إسكندرية والوقت إتأخر إني ألاقي سمسار وأنا محتاج البيت فى أسرع وقت، فلو ممكن تساعديني.

عقبت بحماس قد تعجبت هي نفسها له مُضيفة:

- أكيد طبعا متقلقش، أنا أعرف سماسرا كتير بيشتغلوا مع بابا من وقت ما كنت بدور على مكان أعمله مرسم، سيب الموضوع ده عليا.

شعر بالراحة لوجود حل لديها لهذا الأمر لأن والدته لن تهدأ إلا عندما تأتي لترى "ديانة" ولهذا عليه أن ينتهي بسرعة ليضيف:

- لو كده ممكن نتقابل بكرا عشان نخلص بسرعة.

تعجبت من تسرعه هذا ولكنها لم تعلق عليه، وافقت على طلبه بإحترام:

- خلاص تمام بكرة إن شاء الله وهستنى منك تليفون تقولى هنتقابل فين وأمتى.

شعر بالأمتنان الشديد تجاها على مساعدة، ليضيف بلطف:

- شكرا جدا يا أنسة زينة على مساعدتك ليا.

لتجيبه بود ولطف متبادل:

- العفو على أيه بس، ده أقل واجب.

أبتسم بخفوت دون أن تلاحظ مُعقبا:

- تصبحي على خير.

فعلت هى الأخرى نفس الشيء مُجيبة:

- وأنت من أهله.

❈-❈-❈

ظل شاردًا تحت تدفق المياه بعد أن تخلص كامل ملابسه، بينما لم يتخلص من تلك الرجفة التى سيطرت على سائر جسدن منذ أن رأى تلك الدماء تنسدل من بين قدميها مثلما رأى والدته، يُدرك جيدا أن هذه الدماء هى عُذريتها التى لم يتوقع أن تكون لازالت موجودة بالفعل.

ضرب الحائط وهو يشعر بالغضب الشديد مما فعله، هو لم يرِد أن يفعل هذا أو يرى تلك الدماء، ولكنها هس من أجبرته على فعل ذلك، بالإضافة إلى حديث "هناء" الذي أثار غضبه كثيرا، وأيضا تلك الكلمات التي سمعها من تسجيل صوت "ديانة" لهذا الحقير، فكل هذا جعله لا يفكر جيدا ويفقد السيطرة على نفسه، اللعنة عليه.

أغلق صنبور المياه ثم تناول إحدى المناشف المُنطوية على الرف وقام بلفها حول خصره، ثم خرج من المرحاض ليجدها على نفس حالتها التي تركها عليها.

تعجب من سكوتها الغريب حتى إنها لم تُحاول أن تنهض أو تحرر نفسها، لدرجة إنه ظنها فقدت الوعي، أقترب منها متفقدها ليندهش من مظهرها.

هى مازالت متسطحة على الفراش مُكبلة بنفس الطريقة التي قيدها بها، حتى أن قدميها لايزالان مبتعدتان عن بعضهما والدماء تُلطخهما، بينما هي تنظر إلى سقف الغرفة والدموع تنسدل من عينيها فى حالة صمت تامة.

شعر بالقليل من الندم على فعلته بها وإنه لم يكن يحق له ما فعله، هو أفقدها أعز ما تملك بتلك الطريقة المُهينة التي لن يفعلها سوى من ليس لديهم أخلاق أو رحمة، بحياته لم يفعل هذا الشيء مع إمرأة من قبل.

تقدم إليها ببعض الخطوات حتى أصبح قريب منها للغاية، ولكنها لم تنظر إليه قط والدموع لاتزال تهبط من عينيها دون صوت، ليشعر بقليل من الشفقه تجاهها والإشمئزاز الشديد من نفسه، لماذا فعل هذا الشيء؟ اللعنة على تلك الشيطانة "هناء".

أقترب منها وكاد أن يتلمس وجنتها دون أن تراه، ليزجر نفسه بغضب مما كاد أن يفعله، أهو كاد أن يمسح دموعها؟ أيُحاول أن يُخفف عن أبنة المرأة التى أبكته هو وشقيقته كل هذه السنوات!

ما هو الخطأ الذى فعله بها؟ هو فقط فعل ما كان سيفعله أي رجل بمكانه دخل على زوجته وجدها تتحدث إلى شخض أخر وتمدح ذكرياتهما معا، هى من أضطرته لفعل هذا.
1

شعر بالحقد الشديد تجاهها وقام بجذبها من ذراعها حتى أجلسها على الفراش وسريعا ما فك قيودها، ليهتف موجها حديثه نحوها بإشمئزاز:

- قومي نضفي القرف اللي أنتي فيه ده وبلاش سهوكة بنات عشان أنا عارف الجو ده كويس أوي.

تركها وتوجه نحو غرفة تبديل الملابس، بينما ظلت "ديانة" تتابعه بعينيها بنظرات الكراهية والإحتقار حتى أختفى من أمامها.

نهضت من الفراش مُتجهة إلى المرحاض وهى تشعر بألم شديد فى جزئها السفلي، فهو لم يكن رحيما معها ابدًا وألمها بشدة، فتحت صنبور المياه مُحاولة التخلص من هذا الألم بواسطة المياه الدافئة.
أنتهت من أخذ حمامها وقامت بإلتقاط إحدى المناشف القطنية الكبيرة وقامت بلفها حول جسدها وتقدمت لفتح الباب، لتجده يجلس على الفراش بعد أن قام بإرتداء أحد البناطيل القطنيه ومازال عاري الصدر.

لم تكترث له ولم تتفوه بأية كلمة وسريعا ما توجهت نحو غرفة تبديل الملابس مُتحاشية النظر له، ليشعر هو بالغرابة من ردة فعلها الغير متوقعة، هى حتى لم تغضب أو تصرخ به كباقي النساء إذا حدث لهم شيئا كهذا!

التشتت هو أقل ما يصف هذا التناقض الذي يحدث بداخله على ما يفعله بها، هناك صوت يخبره إنها تستحق ما يفعله بها، وصوت أخر يُخبره إنه يظلمها وإنها لا تستحق هذا وإنها ليس لها ذنب فى كل ما حدث فى الماضي.

نهض مُتجها نحو الشرفة مُحاولا أن يهدأ قليلا ويُصمت هذا الشجار الذى يحدث بداخله، بينما خرجت "ديانة" من غرفة تبديل الملابس مُرتديه أحد قمصانه سوداء اللون، فهى لم يكن لديها ملابس سوا ذلك السروال التي كانت ترتدية أسفل فستانها وهو قد مزق كلاهما.

ليس لديها سوا ملابسة لترتديها، ولهذا أرتدت ذلك القميص الأسود والذي يصل إلى منتصف فخذيها وهذا لصغر حجم جسدها مقارنة له، ولكنها لم تجد شيء مناسبا لترتديه أسفله، لهذا لم ترتدي شيء غيره.

تفاجأت عندما لم تجده فى الغرفة وظنت إنه ذهب لينام بغرفة أخرى، ولكنها لاحظت وجوده بالشرفة، لتدرك إنه يخطط لنوم معاها اليوم أيضا بنفس الغرفة  ولكنعا لن تستطيع أن تثق فيه أن ينام بنفس الغرفة معها بعد ما فعله بها،خصيصا وهى ترتدي هذه الملابس.

أتجهت نحو باب الغرفة الذي ظنت إنه تحطم مما فعله ولكنه وجدته لايزال بخالة جيدة، لتغلقه جيدًا ثم أتجهت نحو الشرفة وأحكمت غلق زجاجها جدا من الداخل وأغلقت الستائر نصف غلقة.

أستلقت على الفراش وهى تشعر بقليل من السكون بعد أن أطمئنت من عدم وجوده بجوارها هذه الليلة، لتغمض عينيها مُحاولة النوم وإخماد تلك الحسرة الموجودة بقلبها.

شعر "جواد" بالقليل من البرد أثر وقوفه بالشرفة دون ملابس علوية ليعود إلى الغرفة مُحاولا فتح الباب ليجده لا يُفتح، نظر داخل الغرفة ليجدها مُظلمة وهي نائمة على الفراش والغطاء فوقها ويبدو عليها النعاس.

لعن تلك الغبية، كيف لها أن تغلق الشرفة قبل أن تتأكد أن ليس بها أحدًا، سيحاسبها على هذا لاحقا، أخذ يطرق على الزجاج مُحاولا إيقاظها ولكن دون فائدة، ليصيح بغضب وهو يشعر بزيادة البرودة:
1

- أصحي يا غبية أنتي.

فقد الأمل من أستيقتذها ليزفر بحنق وأتجه إلى أحد المقاعد وأستلقى عليه مردفا بغيظ مكتوم بين اسنانه:

- أدي أخرة الحنية يا سي جواد، قال صعبانة عليك قال.

❈-❈-❈

أستيقظت "زينة" من نومها على صوت رنين هاتفها مُعلنا عن وجود إتصالا لها، فركت عينيها ثم نظرت إلى هاتفها لتجده "مالك"، لتلتقطه وتجيب عليه بقليل من النعاس:

- أمم ألو

شعر بالخجل الشديد كونه أيقظها من نومها ليعقب بحرج:

- صباح الخير، أنا أسف لو كنت صحيتك.

أعتدلت فى جلستها مُحاولة إيفاق نفسها بعد أن لاحظت حرجه منها، لتُجيب بهدوء:

- صباح النور، مفيش أسف ولا حاجة أنا أصلا كنت هصحى دلوقتي.

لاحظ "مالك" مُحاولتها لعدم إشعاره بالاحراج ليضيف:

- طب أنا هسيبك دلوقتي تفوقي وتغيري هدومك ولو ينفع أبقى أعدي عليكي عشان نشوف موضوع البيت ده وبالمره نفطر سوا.
1

أبتسمت "زينة" على لطافته معها لتوافقه على طلبه:

- مفيش مشكلة أديني ساعة واحدة وأكون جاهزة.

هتف مبتسما بأعجاب على ذوقها معه قائلا:

- تمام الساعة تسعة بالظبط هكون عندك.

أغلقت معه المكالمة لتبتسم دون أى مبرر منها عن سبب أبتسامتها، وشعر بداخلها بالغرابة لإهتمامها الشديد له، ما الذي يحدث لها؟ هل هي مُعجبة به! زجرت نفسها سريعًا على ما تفكر به وهى تضرب رأسها بيدها قائلة:

- روحي خدي شاور وبطلي هبل.

❈-❈-❈

فتح عيناه ليجد نفسه نائمًا على وجهه فوق تلك الاريكة الموجوده بالشرفة، لينهض راغمًا نفسه على الأستيقاظ من ذلك النعاس، أعتدل فى جلسته ثم أخذ يمرر يده على شعره مُساويا إياه.

نهض مُتجها نحو زجاج الشرفة الذي ظن إنه لايزال مُغلقا وإنها نائمة، ليتفاجى بالزجاج مفتوحًا والغرفة منظمة ومرتبة ومفارش الفراش مُبدله، حتى قميصه المُلطخ بالدماء أختفى.

شعر بالقلق من أن تكون أستغلت نومه وهربت من البيت، ليُسرع فى البحث عنها فى جميع أركان الطابق العلوي ولكنه لم يجدها، ليهبط الدرج ليبحث عنها فى الطابق السُفلى للمنزل.

كاد أن يخرج من البيت ليسأل الحرص عنها ولكن فى طريقه وجدها تجلس على إحدى الطاولات بالمطبخ وتتناول الطعام دون صوت.

شعر بالإنزعاج منها ولكنه حاول أن يُكبر الأمر، لذا توجه نحوها وهنا أستطاع أن يرى ما ترتدية، أليس هذا قميصه! ما الذي تفعله بقميصه؟ نعم اللعنة على غبائه، هي لم تحضر ملابسها وعو قد مزق لها ما كانت ترتديه، لهذا ترتدي ملابسه.

للخظة شعر إنه يريد أن يبتسم ولكن سريعا ما تلاشت تلك الفكرة من راسه، ليجلس على الطاولة فى مقابلتها مُتدعيا غطرسته أمرًا إياها برود:

- قومي حضريلي الفطار.

أتاها صوته لتشعر بالقشعريرة فى سائر جسدها، فقد أصبحت تكره أنفاسه ليس صوته فقط، ولكنها لم تكترث له حتى إنها لم ترفع عينيها خارج صحنها وكأنه غير موجود.

بينما غضب هو من تجاهلها له ليزجرها بغضب وحدة:

- بكلمك!!

مرة أخرى تتجاهله وكأنها لا تسمعه، ليشتعل غضبا وسريعًا ما قبض على ذراعها جاذبًا إياه مُضيفًا بغيظ:

- لما أكون بكلمك تبصيلي وتردي عليا.

سريعا ما ألتقت "ديانة" إحدى شوك الطعام من على المائدة بيدها الأخرى وقامت بغرسها داخل ظهر كف يده، ليتركها متألمًا بعد أن شعر بأختراق يده وراى تلك الدماء.

لترمقه بهدوء وملامح باردة لا يبدو عليها أية إنفعال أو غضب مُعقبة:

- أخر مرة تفكر تحط إيدك عليا فيها، عشان المرة الجاية هتبقى السكينة هي اللي راشقة فى قلبك مش الشوكة.

تركته ونهضت مُتجه نحو الدرج لكي تصعد إلى الغرفة، بينما كاد هو أن يلحقها ويُحطم رأسها ليوقفه صوت جرس المنزل، ليتغير مساره مُتجها إلى الباب مُتسائلًا من سيأتى له باكرًا هكذا:

تأكد من صعودها إلى غرفتها وفتح الباب ويده لاتزال ينسدل منها الدماء، ليأتيه صوته المازح بعد أن دلف دون أستئذان أو النظر إليه مردفا بمشاكسة:

_-لا مهو أحنا مش مكتوب كتابنا عشان لما نكون شادين مع بعض متكلمنيش، فى عندنا شغل يا بيه وحضرتك مش بترد على تليفونك و...
1

توقف "إياد" بصدمة عندما ألتفت إلى "جواد" ورأى تلك الدماء تنسدل من يده، ليصيح فيه بشيء من الصدمة:

- أيه ده فى أيه! أنت بتنتحر ولا أيه؟

رمقه "جواد" بملل من مُزاحه السخيف بالنسبة له، فهو لا يُحب المُزاح ولكن صديقه كل مرة يشعر إنه كاد أن يخسره يعود إليه مرة أخرى دون أن يطلب منه حتى، وكأن صديقه يشعر إنه يحتاج إليه فما المانع أن يُسايره فى مزاحه حتى لا يضطر أن يعتذر منه على ما فعله، ليبادلة بتأفف:

- والله لو مكتوب كتابنا لطلقك الثانية دي.

ضحك "إياد" بشدة على كلمات "جواد" الذي يعلم جيدا إنه يحاول أن يراضيه بها، فهو قليلا جدا ما يسمح لاحد أن يمزح معه، ليُسايره "إياد" بعد أن تأكد من عدم وجود "ديانة" مردفا بصوت أنثوى صارخًا كالعاهرات:
1

- لا يا جواد لا، أوعى تعمل كده، أهون عليك تطلقنى قبل ما ندخل.

قال كلماته الأخيرة بهمس حتى لا تسمعه "ديانة" ليجيبه "جواد" باشمئزاز مصطنع:

- أنا كنت عارف من الأول إنك عيل مش تمام

ضحك "إياد" بصوته كله بينما أبتسم "جواد" على صديقه ومزاحه، ليرمقه "إياد" بجدية بعد أن توقف عن الضحك مُستفسرًا:

- لا بجد أيه اللي حصل لأيدك؟

أختفت أبتسامة "جواد" بعدما تذكر ما فعلته "ديانة" بيده لتتحول إبتسامته إلى غضبًا كبير، ليلاحظ "إياد" تغير ملامحه ليعقب بقلق:

- فى أيه؟

زفر "جواد" بضيق وقد توجه إلى المياه وقام بغسل يده وتناول بعض المناديل الورقية مُجيبًا إياه:

- مفيش أتخبط فى أيدي.
علم "إياد" أن "جواد" يكذب عليه، فهذا ليس إرتطامًا عاديًا، وتأكد من تفكيره عندما رأى تلك الشوكة على المائدة ملطخة بالدماء، ليدرك إنه حدث هنا معركة منذ قليل، هو كان متأكدًا أن تلك الفتاة ليس بضعيفة على الأطلاق.

ولكنه لم يتحدث حتى لا يُغضب "جواد" وتسوء الامور، ليعقب بإستفسار:

- طب أيه محتاجة خياطة؟ أجيبلك دكتور؟

حرك "جواد" رأسه بالنفى وهو يقوم بلف أحد الأشرطة حول يده هاتفًا:

- لا مش مستهله أنا تمام.

أطمئن "إياد" عليه مُعقبًا براحة:

- طب تمام يلا أطلع اجهز عشان عندنا اجتماع مهم الساعة تسعة.

أومأ له "جواد" بالموافقة بينما ألتفت متوجها إلى الدرج مُعقبًا:

- تمام هلبس وأنزل.

❈-❈-❈

صعدت سيارته بخفة مُبتسمة له بينما أنطلق "مالك" بالسيارة، لتهتف "زينة" مُعتذرة:

- أنا أسفة إني خليتك تستنى كتير.

أبتسم لها بهدوء مُعقبًا:

- لا عادي ولا يهمك.

صمت الاثنان وهما يشعران بالحرج من بعضهما، فهما لا يعرفان عن بعضهما سوا أسمائهم فقط، ليكسر "مالك" هذا مُمازحًا إياها:

- تحبي نروح نفطر فين ولا أنتي بعتيني وفطرتي!

ضحكت له "زينة" بلطف مُعقبة:

- لا متقلقش لسه، وهفطرك فى أحلى حتة فى أسكندرية كلها، أطلع على الكورنيش.

أبتسم لها "مالك" مُعجبًا بشخصيتها المرحة والواثقة بنفسها، ليجد إنه لم يلتقى بفتاة مثلها من قبل، نظر إلى الطريق مستمعًا إلى إرشادتها.

❈-❈-❈

كانت تجلس بغرفتها بعد أن رحل من المنزل، الأن تشعر بالراحة لعدم وجوده معها بنفس المكان وكانت مُمتنة كثيرًا عندما صعد إلى الغرفة ودلف حجرة تبديل الملابس دون الحديث إليها، كم تتمنى أن يظل هكذا ولا يتحدث معها أبدا إلى أن تستطيع أن تتخلص منه.

على الرغم من وجود هاتفها وذلك التلفاز معاها إلا إنها تشعر بالملل الشديد، بالإضافة إلى تفاصيل ما حدث ليلة أمس، كلما تفكر فيما حدث تشعر إنها تريد البكاء والصراخ إلى أن يتمزق حلقها.
1

لا تعرف ماذا يريد منها؟ أو إلى أين ستصل تلك العلاقة! أو متى سينهي هذا الزواج؟ ولكن كل ما تعرفة إنها تكره وستنتقم منه فى أقرب فرصة تصح لها.

كسر هذا الصمت صوت جرس الباب مُعلنا عن مجئ أحدا، لا تعلم من الذي سيأتي إلى هنا ولكنها متأكدة إنه ليس هو وإلا لكان فتح بمفتاحه، الرنين لا يتوقف وهي تهبط الدرجة بسرعة مُتمتة بإنزعاج:

- أنا مش فهمه أزاى فيلا كبيرة زي دي مش جايب حد يشتغل فيها أو يفتح الباب حتى!

أتجهت نحو  الباب وسريعا ما فتحه، لتقع عينيها على تلك المراة، لتتعجب مما ترأه تلك السيدة الواقفة أمامها بملامحها الحادة للغاية ونظرة عينيها غير مريحة بالمرة، ترتدي ملابس رسمية عبارة عن تنورة تصل لما بعد ركبتها بقليل وفوقها سترة من القماش لونهما أسود، وترمقها بتفحص شديد ونظرة ثاقبتة مُضيفة بتهكم:
+

- أنتي بقى بنت لبنى؟

يتبع...

قطبت جبينها وأعتلت وجهها ملامح التعجب مما ترمي إليه هذا المرأة! من تكون تلك هذه المرأة؟ وماذا تريد منها؟! ماذا تعني بكلمة "بنت لبنى" الذي يُناديها بها الجميع؟ ما هو الشيء الذي لا تعرفه؟

بينما مازالت "هناء" ترمقها بنظرات حادة، لتُقابلها "ديانة" بثابتتان وهدوء مجيبة إياها:

- أيوه أنا بنت لبنى، مين بقى حضرتك؟

صدحت ضحكة "هناء" الساخرة بأركان المنزل بعد أن دلفت إلى البيت دون أن تسمح لها "ديانة" بهذا، بينما شعرت "ديانة" بالغضب من وقاحة تلك المرأة وأستهزائها الواضح فى ضحكتها.

كادت "ديانة" أن تتحدث ولكن سريعا ما قطعتها "هناء" مجيبة سؤالها بغرور وغطرسة:

- حضرتي أبقى هناء الدمنهوري بنت عم أبوكي  ومرات عمك هاشم أبو جوزك، يعنى أنا أكون حماتك.

ألتهمت "ديانة" شفتها السفلية داخل فمها مرطبة إياها وهي تهز برأسها بتأكيد، وظنت أن تلك المرأة هي والدة ذلك الحقير لترمقها بهدوء وثبات على عكس ما بداخلها من غضبها تجاهها هي وأبنها مُعقبة:

- أه أهلا، بس أبن حضرتك مش هنا.

أبتسمت "هناء" بسخرية مُضيفة بمكر:

- ومين قالك إني جايه لجواد! أنا جيالك أنتي.

رمتها "ديانة" بنظرة إستفسار وبداخلها لا تطمئن لتلك المرأة، زيادة عليه إنها شعرت بالغضب تجاهها لكونها والدة ذلك القذر، ولكنها عزمت على المحافظة على بثباتها متمتمة:

- خير!!

تنهدت "هناء" بخبث وبدأت فى التقدم نحو "ديانة" وأخذت تدور حولها بنظرات إفتراس لجسدها بأكمله هاتفة بثقة:

- عايزه أشوفك يا بنت لبنى واملي عيني منك قبل ما تروحي لأمك.

نظرت إليها "ديانة" بصدمة متمتمة:

- ماما!

لاحظت الأخرى صدمتها عند ذكر أسم والدتها، لتشعر بالإنتصار والراحة لكونها ترى أبنة "لبنى" أمامها الأن وستقص عليها طريقة موت والدتها لكي تُشعل نار الغضب والإنتقام فى قلبها تجاه "جواد" و"هاشم".

هكذا ستضمن موتها على يد "جواد"، إذا تراجع عن قرار قتلها، ستقتله هي وحينها إما أن يدافع عن نفسه ويقتلها أو يقتلها "هاشم" أو تُعدم وهكذا تكون حققت إنتقامها.
1
هتفت "هناء" وهي تنظر لها بطريقة غير مريحة ونظرات يصعب على الأخرى تفسيرها قائلة:

- أه ماما، أمك اللي هي أصلا السبب فى كل حاجة وحشة حصلت وهتحصل.

قضبت "ديانة" ما بين حاجبيها بعدم إستعاب وكادت أن تتحدث، لتُقاطعها "هناء" مُضيفة بإختصار:

- أنا عارفة إنك مش فاهمه حاجة بس هحاول أختصرلك، أنا جايه أقولك إن جواد هيقتلك ويبعتك لأمك زي ما هاشم زمان قتل لبنى بعد ما هي قتلت أختى تهاني أم جواد وزينة، قتلتها هي واللي فى بطنها وشلت ماجدة، وده كان السبب فى موت شرف أبن عمي.

شعرت "ديانة" بالتخبط والتشويش وعقلها لم يعد يستوعب أي حرف مما تتفوه به "هناء" لتصيح بها فى صدمة وعدم إدراك:

- أيه الكلام الفارغ اللى بتقوليه ده! أنا مش فاهمة حاجة! أنتي عايزة أيه بالظبط؟

أستغلت "هناء" تشويش "ديانة" وأدركت أن هذه هي فرصتها لجعل تلك النيران تزداد ولا تخمل سوا بالدماء، لتضيف بمكر:

- أنا عايزه أحكيلك على اللي حصل زمان، يعني على الأقل تبقي عارفة إنتي بتدفعي تمن أيه بالظبط، من ٢٠ سنة لبنى كانت قاعدت فترة طويلة جدا بعد الجواز مش بتخلف ومحدش عارف المشكلة كانت أيه؟ ويشاء القدر إنها تحمل بعد الجواز ب٥ سنين، طبعا كانت فرحانة جدا بيكي لدرجة انها مكنتش بتسمح لحد يقرب منك خصوصًا العيال الصغيرة، وقتها جواد كان عنده ١٠ سنين وزي أي طفل راح يلعب معاكي، لبنى كانت وحشة جدا ويتحب المشاكل زعقتله وراحت أتخانقت مع تهاني أختي على السلم فى الفيلا، وفى نص الزعيق أتعصبت عليها وزقتها من على السلم.

أتسعت عينها بصدمة وأرتجف قلبها مما تستمع إليه بينما أكملت الأخرى حديثها:

- ولأنها كانت حامل مستحملتش الواقعة ونزفت، فى الوقت ده كان فى حد شايف الحوار ده كله وكانت عمتك ماجدة هي اللي واقفة، طبعا لبنى أترعبت بسبب اللي عملته وخافت إن ماجدة تحكي اللي حصل، قامت رميها من فوق ونزلت على دماغها وده أتسببلها فى شلل كلي، كل ده أنا كنت شايفاه بس لبنى مخدتش بالها إني شايفاهم وإلا كانت حاولت تقتلني أنا كمان، أول ما هاشم دخل وقتها قولتله على اللي حصل وكلمنا شرف وقولناله ولما عرف مستحملش الصدمة وعمل حادثة وهو جي ومات وبعدها تهاني واللى فى بطنها كمان ماتوا.

أنهت "هناء" جملتها بصحبة تلك الدموع التي تساقطت من عينيها ألمًا على ما تذكرته، بينما شعرت "ديانة" بالصدمه لما تفوهت به تلك المرأة، هي لا تصدق إنها لديها أم فعلت كل هذا.

كلا لا يمكن ان تكون والدتها فعلت هذه الأشياء، بالتأكيد والدتها ليست قاتلة! تلك المرأة كاذبة، لتصرخ فيها بهستريا وعدم تصديق:

- أنتي كدابة، أكيد أنتي متفقة مع الحقير اللي أسمه جواد ده عشان تقوليلي الكلام ده عشان الورث بتاعي، أنا أصلا مش عايزة حاجة، خدو كل حاجة بس متعملوش فيا كده، مش بعد كل السنين دي تيجي تقوليلي إن أمي كانت مجرمة.

أستطاعت "هناء" أن تصل إلى ما كانت تريده وسحبت "ديانة" إلى داخل  اللعبة معهم، إنهيارها هذا أكبر دليل على نجاحها، لتُضيف بتأكيد:

- أنا مش كدابة يا بنت لبني دي الحقيقة، أمك قتلك أختي وأبنها وحاولت تقتل بنت عمي وأتسببت فى موت أبوكي.

سقطت "ديانة" أرضا ودموعها تتسارع فى الهبوط غير مستوعبة ما أخبرتها به "هناء"، هل حقا والدتها فعلت كل ذلك! كيف لها أن تفعل هذا؟ وهل حقا قتلها عمها؟ شعرت بالذعر الشديد لكونها وسط هؤلاء الناس، فهم ليسوا بعائلتها بل هم أعدائها الذين يريدون أن ينتقموا منها على شيء ليس لها ذنبًا فيه.

الأن علمت لما تزوجها "جواد" ولماذا يفعل هذا بها، لترمقها "هناء" بخبث وأكملت حديثها:

- وقتها هاشم مكنش قادر يصدق إن لبنى عملت كده وقرر إنه يسألها ليه عملت كده وأزاي قدرت تعمل كده فى تهانى وماجدة، وأقسم إنه يقتلها لأنها حرمته من كل حاجة، قتلت مراته وهى حامل فى أينه، حاولت تقتل أخته وخلتها تعيش مشلولة طول عمرها، حرمت عياله من أمهم، اتسببت فى موت أخوه، كان لازم يقتلها ويقتلك زي مع عملت فى تهانى واللي فى بطنها، لكن فى اليوم ده على ما وصل البيت كانت هي هربت، بس لما لاقوها مكنتيش معاها وقتها هاشم قتلها بس مرتحش، حلف إنه لازم يلاقيكي ويأخد حق مراته وبنته منك، ولما يأس إنه يلاقيكى كان جواد كبر واستلم هو المهمه دي.
صاحت "ديانة" وقت خارت قواها ولم تعد تستطيع أن تستمع إلى أكثر من هذا، لتحاول أن تجعلها تصمت صارخة:

- كفاية بقى، أسكتي مش عايزة أسمع حاجة.

جففت "هناء" دموعها رامقة "ديانة" بحقد وكراهية مُعقبة:

- لو كان فى أمل واحد فى المية إن هاشم يسامحك عشان بنت أخوه، فدلوقتي مع جواد مفيش أمل، لأني أنا اللى ربيته على القسوة والكره وإنه ياخد حقه منك ومن أمك، ومفيش حاجة توجع ليني حتى وهى ميتة غير عذاب بنتها.

شعرت "ديانة" بأن هناك شيء خاطئ، تلك المرة بالتأكيد تكذب عليها، بالتأكيد هناك شيء ما هي لا تعرفة، ولكنها لن تنكسر هكذا وتجعلها تنتصر عليها.

نهضت وهي تجفف دموعها عازمة على أن لا تستسلم لهؤلاء الشياطين الذين يقومون بتعذبيها تارة بالضرب والأخرى بالإعتداء الجسدي والآن يعذباها بإخبرها بأن والدتها دمرت عائلة بأكملها، ليس عليها أن تستسلم لهم وإذا كانوا يريدون حربًا؟ فلنبدأ إذًا.

أقتربت "ديانة" من "هناء" بعد أن أستجمعت كل طاقتها وشجاعتها حتى لا يظهر عليها ما تحمله داخلها من كسرة وألم، لتهتف بتحدي:

- أنا مش مجبرة أصدق أي كلمة من اللي قولتيهم دول، ولا أنا خايفة من حد لا منك ولا من اللي بتقولي عليه عمي ولا من جواد بتاعكوا ده ذات نفسه، ودلوقتي بقى أطلعي برا.

شعرت "هناء" بالغضب الشديد تجاه هذه الفتاة، ولكنها بارعة فى الحفاظ على هدوئها وثباتها، لتبتسم لها بأستهزاء متمتمة:

- صحيح اللي خلف مماتش، أنتي آه شبة أبوكي أوي، لكن جواكي عند وغطرسة ووقاحة أمك، بس أوعدك إني هخلي جواد يكسر مناخيرك قبل ما يكسر دماغك، وخدي دي كلمة مني يا بنت لبنى.

تقدمت "هناء" نحو باب المنزل عازمة على المغادرة، وقبل أن تخرج منه ألتفتت إلى "ديانة" مرة أخرى ورمقتها بكثير من التحدي مُتمتمة بصوت مسموع:

- يا أنا يا أنتي.

ما إن غادرت "هناء" المنزل حتى سقطت "ديانة" أرضًا مُستسلمة لهذا الإنكسار والحسرة التي ضربت قلبها، لتبكي بانهيار على ما استمعت إليه غير قادرة على التفكير.

❈-❈-❈

فى إحدى المقاهي الراقية المُقابلة لشاطئ البحر كان يجلس بصحبتها يتناولان القهوة بعد أن أنتهيا من العثور على المنزل المناسب، وضع فنجان قهوته أمامه بعد أن ارتشف منه مُعقبًا بإمتنان:

- شكرا بجد يا زينة على تعبك معايا، وأسف جدا إني ضيعتلك اليوم النهاردة على الفاضي.

أخفضت هي الأخرى فنجانها وأبتسمت له بخفة مردفة بمرح:

- أنت عارف أنت قولت كام شكرا وكام أسف النهاردة! ومش عارفة ليه أصلا!

أبتسم "مالك" على حديثها وعلى خفة دمها، وقرر أن يتخطى هذا الحرج وأن يبدأ بالمبادرة بالتحدث كي يتعرف عليها أكثر، ليهتف بإهتمام:

- ممكن تكلميني شوية عن نفسك؟

للحظة شعرت بالمفاجأة والحرج من طلبه، ولكن سريعا ما سيطرت على نفسها وتخطت تلك المفاجأة ظنًا منها إنهما قد يكونا أصدقاء، لتجيبه:

- أنا يا سيدي زينة الدمنهوري طبعا بالاسم بس، لأن معروف عن عيلة الدمنهوري إنها كلها مهندسين وشغلهم كله فى مجال العقارات، بس أنا مش بحب المجال ده، عشان كده دخلت كليه فنون جميلة لأني بحب الرسم جدا، عندي المرسم بتاعي ومتخرجة بقالي سنتين.

أبتسمت له بمرح بعد أن أنهت حديثها مُقتبسة من حديثه مُضيفة بإهتمام:

- وأنت بقى، ممكن تكلمني شوية عن نفسك؟

ضحك بخفة على ما اقتبسته من حديثه، مُجيبًا إياها بحماس:

- أنا يا سيدتي مالك الصاوي عندي ٢٨سنة خريج كلية سياحة وفنادق، كنت بشتغل فى شركة سياحة كبيرة فى شرم الشيخ بس حاليًا نقلت هنا إسكندرية، معنديش فى حياتي كلها غير بابا وماما وديانة وملك.

ضيقت ما بين حاجبيها بإستنكار وقليل من الإهتمام الذي لم تنجح فى إخفائه مستفسرة:

- مين ملك؟

لاحظ "مالك" إهتمامها وسرعة إستفسارها ليبتسم رغما عنه مُجيبًا إياها:

- ملك دي أختي الصغيرة عندها ١٩ سنة بس مصيبه حرفيا.

شعرت "زينة" بقليل من الحرج من سؤالها السريع والغير مبرر، من يكون هو لتستفسر عن شؤون حياته بهذه الطريقة عند ذكره لأسم فتاة! ما دخلها إن كانت شقيقته أم حبيبته.

شعرت "زينة" بالإحراج الشديد ثم نهضت سريعا مُعقبة بإرتباك:

- طب السواق وصل برا، أنا لازم أمشي.

نهض "مالك" هو الآخر بلهفة وتلقائية غير مدرك لما يفعله أو يتفوه به متسائلا:

- مش هشوفك تانى؟

نظرت نحوه عدة لحظات لا تعلم بماذا تجيبه! ماذا يحدث لها بالضبط؟ لما تشعر وكانها ندمت على طلبها لرحيل؟ لماذا تشعر إنها تريد البقاء بصحبته أكثر؟

أبتسمت له مُحاولة عدم إظهار ذلك الإرتباك مُضيفة بود:

- أكيد طبعا، أي وقت تحتاجني أنا موجودة، باي.

رحلت من أمامه وهي تُسرع فى خطواتها هاربة كي لا يرى رجفة قدميها بسبب هذا التوتر، بينما ظل هو مُتابعًا إياها بعينه حتى خرجت من المكان وأختفت عن بصره.

❈-❈-❈

كانت تستعد وتُعد حقيبتها بعد أن أخبرهم شقيقها أنه قد وجد منزلا مناسبا لهم، عليهم الأستعداد للإنتقال إلى هناك قبل أن تجن والدتها من قلقها على "ديانة".

أوقفها صوت رنين هاتفها مُعلنًا عن إتصالًا، لتلتقطه مُتفحصة هوية المتصل لتجده رقمًا غير معروف، لتنتابها الغرابة ولكنها أجابت عليه:

- أيوه مين!

أتاه صوتها العذب ليشعر برجفة خافتة تملكت جسده، ما الذي يحدث لهذا الجسد العاهر كلما سمع صوتها! سريعُا ما سيطر على نفسه مُعقبًا بمرح:

- فى حد فى الدنيا يرد على حد بيتصل بيه يقوله أيوه مين؟ ليه بخبط عليكي!

ضحكت بشدة على طريقته المرحة التي لا تفشل فى إضحاكها، وهذا بعد أن أدركت إنه هو بعد الاستماع إلى صوته وحديثه المرح، لتهتف بتلقائية:

- أزيك يا أستاذ إياد!

أبتسامة بلهاء أعتلت محياه لكونها علمت إنه هو المتصل قبل أن يخبرها، وهذا يعنى إنها لم تنساه أو تنسى نبرة صوته، وهذه بداية جيدة للغاية، يبدو إنها تشعر بشيء تجاهه مثله هو أيضا، ليسالها بنبرة ماكرة:

- وعرفتي منين إني إياد وأنا مكنتش إديتك رقم تلفوني! معقول لسه فاكرة صوتي؟

حمحمت "ملك" بحرج بعد أن أدركت غباء ما تفوهت به، كيف لها أن تتسرع هكذا، هي بالفعل لم تنسَ نبرة صوته، بل وتتذكر جيدا حديثه معها، حتى إنها تكاد تعرف كام مرة أبتسم وهو يتحدث معها، اللعنة على هذا الغباء، لتُحاول إصلاح الامر مُعقبة بإرتباك:

- أصل.. أصل أنت الوحيد اللي أخدت رقمي قبل ما أسجل رقمك، وأنا عادة محدش بياخد رقمي إلا لو متسجل عندي، عشان كده قولت ده أنت.

أبتسم على ذكائها ومرواغتها معه مدركًا أن تلك الفتاة ليست كما تبدو أبدا، بل إنها أذكى مما توقع بالإضافة إلى تلك المشاكسة والرقة، وبالرغم من إنه يعلم إنها تصطنع أعذارا، إلا إنه لم يُشعرها بشيء، ليعقب بإستسلام:

- عندك حق، أنتي تكسبي.

توترت من هذه الطريقته التي لم يسبق لأحد أن تعامل معها بها، تشعر بمزيج من الإنجذاب والقلق معا تجاهه، لا تعرف ماذا تسمي هذا الشعور! ولكن ما تعرفه إنه يأخذ حيزا كبيرا فى تفكيرها، والأن يفرض نفسه ليأخذ مكانه فى حياتها.
1

حاولت السيطرة على تفكيرها الذي لا يتوقف، مُضيفة برسمية:

- خير يا أستاذ إياد!! فى حاجة ولا أيه؟

لاحظ "إياد" إستدعائها لتلك الرسمية بينهم، ليُصر هو على أن يزيحها من طريقهمة  ويبدأ فى إستدراجها نحوه أكثر، لا يعلم لماذا يفعل هذا الشيء، أهذا بسبب زير النساء الموجود بداخله، أم إنه حقا ينجذب نحو تلك الصغيرة، ليردف بنبرة لحوحة:

- ما بلاش أستاذ دي بقى عشان نعرف نتكلم، متحسسنيش إني قد والدك يعني! دا أنا لسه صغير وعسل.

أبتسمت "ملك" على طريقته التي لا تخلو من المُزاج والضحك وأضافت بخفوت:

- تمام.

أبتسم هو الأخر وعقب بحماس:

- حيث كده بقى عملتوا أيه فى حوار البيت الجديد ده؟ لقيتوا مكان كويس ولا أتصرف أنا!

كان يود أن يضرب عصفورين بحجر واحد، أن يجعلها تُعجب بمساعدته لهم، وأن يكون على علم بمكان مكوثهم، ولكنها خيبت أمله:

- لا الحمدلله مالك لقى مكان كويس وأحنا بنستعد أهو عشان ننزل اسكندرية بكره.
على الرغم من إنزعاجه من عدم مساعدته لهم، إلا إنه بتلقائية شعر بالحماس لكونها أتية، نعم فشل ما كان ينوى عليه ولكن يكفيه إنها ستكون قريبة منه حتى يستطيع التقرب منها أكثر، ليُضيف بمرح:

- لا دا أنا ألحق بقى أفرش اسكندرية كلها من رمل الشواطئ وأطلع عرايس البحر بنفسهم يستقبلوكوا.

كيف له ان يفعل هذا! هو حقا مُراوغ ويستطيع الضحك على العقول بكلامه المعسول ذاك، هذا الملعون ماذا ينوي أن يفعل؟ هي فتاة صغيرة لا تُدرك مدى مراوغته أو التعامل معه حتى، ولكنها عليها أن تتواخى الحذر منه، لتُحمحم بخجل:

- شكرًا.. يا إياد.

أبتسم هو من طريقة نُطقها لأسمه، تلك الطريقة المترددة فى إخراجها، ولكنها أخيرا قالتها دون ألقاب، ليشعر ان هذه نقطة لصالحه وهتف بحماس:

- بكرة إن شاء الله هتابعك على الواتس أول بأول لحد ما توصلوا بالسلامة.

لم تعد تحتمل تلك الأفكار حوله فى رأسها، هي تلاحظ إنه يشتتها كثيرا كلما تفوه بأي كلمة، عليها الإنتهاء من هذه المكالمة بسرعة:

- إن شاء الله، يلا بقى تصبح على خير.

إنتبه إنها لم تعد تحتمل طريقته معها فى الحديث، ليبتسم على توترها ورقتها هذه وأستسلم لإنسحابها:

- وأنتي من أهله يا أجمل بنوته.

لم يُعطيها فرصة للحديث أو التعليق وسريعا ما أنهى المكالمة، ما الذي قاله الأن؟ هل يُغازلها! رمت بنفسها على الفراش وكأنها فقدت وعيها، لا تعلم كيف عليها أن تتصرف مع هذا الشخص الذي تشعر وكأنه يُرغمها على الأنجذاب له!

ماذا يحاول أن يفعل بالضبط؟ هل يُحاول إستدراجها؟ نهضت مره أخرى بعد أن حركت رأسها محاولة منها أن تخرج تلك الأفكار من رأسها وعادت لإكمال حقيبتها مرة أخرى.

❈-❈-❈

فى المساء كانت تجلس تُفكر فى حديث "هناء" لها، فكرة أن والدتها قاتلة تشعرها بالانكسار والحسرة، كيف يمكن هذا؟ تذكرت ما فعلته فى الصباح بعد مغادرة تلك المرأة التي تُدعى "هناء" من المنزل.

تذكرت عندما صاح رنين جرس المنزل مرة أخرى بعد عودتها من الخارج، لتظن إنها تلك المرأة قد عادت مرة أخرى، لتقسم تلك المرة إنها ستقتلع عينيها من وجهها.

ولكن عندما فتحت الباب وجدتهم فتاتين فى العشرينات من عمرهما وتحملان الكثير من الحقائب بإيديهما، لتعرف بعدها إنهما تعملان فى شركة ذلك الحقير وإنه من أرسل لها تلك الحقائب.

وبعد أن غادرت هاتان الفتاتان تسللت إلى أنفها رائحة تُشبة الطعام، لتتفحص الحقائب لتجدهم بعضا من الملابس الرسمية وأخرى من الملابس المنزلية وأخرى داخلية وبعض الحقائب الملونة والأحذية، وهناك حقيبة أخرى مستقلة كرتونية استنبطت إن ما بداخلها بيتزا.

أيظن إنها تحتاج إلى هذه الأشياء الذي أرسلها؟ أيظنها بحاجة  إلى بعض الطعام أو الملابس والأحذية! اللعنة عليه هذا الحقير، كل ما تحتاجه هو مغادرة هذا المنزل والابتعاد عن رؤية وجهه الكريه.

ألقتهم بعيدا عنها عازمة على أن لا تأخذ أي شيء منه، ولكن عندما نظرت إلى نفسها ووجدت نفسها لاتزال ترتدي قميصة هذا، أعادت التفكير بالأمر مرة أخرى، لن يحدث شيء إذا استعارت من هذه الملابس القليل لتستطيع مغادرة هذا المنزل.

••

بدلت ملابسها بسرعة عازمة على أن تهرب من هذا الحصن اللعين الذي حاصرها فيه، نجحت فى الخروج من باب البيت ولكنها لم تستطع الخروج من تلك البوابه التي وجددت عليها من يمنعها.

- خير يا مدام حضرتك محتاجة حاجة.

نظرت نحو هؤلاء الرجال ذو البدل السوداء وتلك الأسلحة والأجهزة الاسلكية، لتدرك أنهم طاقم حرس لتُعقب بضيق:

- محتاجة أخرج من هنا.

أخفت وجهه إلى الأرض بأسف مُضيفا بهدوء وأحترام:

- أنا أسف جدًا يا مدام ،معنديش أوامر بخروج حضرتك.

قست ملامحها بكثير من الغضب والإنفعال مُردفة بحدة وسخط:

- يعني أيه؟ محبوسة أنا هنا يعني ولا أيه مش فاهمة؟

أجبها باقتضاب ولايزال وجهه فى الأرض مُلتزم بحدوده:

- أنا أسف يا هانم، بس دي أوامر جواد بيه.

شعرت بالغضب لكونها لا تستطيع الخروج بسبب ذلك الحقير الذي يظنها حبيسة عنده، لتفقد الأمل وتعزم على الرجوع إلى المنزل مرة أخرى زافرة بحنق وكراهية:

- جواد زفت على دماغك ودماغه.

•••

الغضب الشديد هو كل ما يستحوذ عليها بسبب فكرة إنه يحدد إقامتها بتلك الطريقة، من يظن نفسه ذلك المعتوه هو حتى لم يترك لها هاتفها بعد ما حدث ليلة أمس لقد أخذه منها.

قطع شرودها دخول "جواد" إلى الغرفة فجأة، لتشعر بالقليل من الفزع من وجوده، هي لم تشعر به أو بصوت سيارته! ولكنها سريعا ما سيطرت على نفسها محاولة الثبات كي لا يظنها خائفة.

بينما قام هو بخلع سترته ويليها قميصه وألقاهم على الفراش ثم توجه إلى المرحاض دون النظر إليها، كل هذا و"ديانة" تُتابعه بنظرها بحذر دون التفوه بأي كلمة.

بعد وقت ليس بكبير خرج هو من المرحاض ولا يستره سوى تلك المنشفة الملتفة حول خصره، وواحدة أخرى بيده يُحاول بها تجفيف شعره، بينما تلك القطرات تنسدل على جسده مما يجعله يبدو مثيرا للغاية.

لاحظ "جواد" مراقبتها له ليرمقها ببعض نظرات المكر وكأنه يدعوها لليلة جامحة، لتدرك هي ما تعنيه نظرته تلك وإنه يظن إنها معجبة بجسده، لترميه بنظرات الأشمئزاز وأشاحت بنظرها بعيدا عنه، ليبتسم هو باستهزاء على تفكيرها وتوجه إلى غرفة تبديل الملابس.

بعد لحظات خرج من الغرفة وهو يرتدي ذلك السروال القطني الداخلي الذي بالكاد يصل إلى نهاية مؤخرته، وبالطبع يُبرز رجولته كثير مما يجعلها تشعر بالتوتر والأرتباك والخجل بالتاكيد.

بينما هو كان قد لاحظ منذ مجيئه إنها قد بدلت ملابسها وترتدي من الملابس الذي أرسلها لها صباح هذا اليوم، ولكنه لم يكن يريد أن يعلق على هذا الأمر الأن، هو فقط يريد النوم.

تقدم بعض الخطوات نحو الفراش وكاد أن يستلقي عليه، لتزجره هي مُردفة بإنفعال:

- أنت بتعمل أيه!

لم يكترث لسؤالها ولا لملامح الغضب التي أعتلت وجهها، وأستلقى على الفراش مواليا إياها ظهره، بينما شعرت هي بالغضب من تصرفه ذلك، لتجد نفسها تدفعه بيدها وقدمها حتى أستطاعت أن تسقطه أرضًا مُضيفة بإنتصار:
1

- أنا معنديش مشكلة أنك متردش عليا، بالعكس دي أحسن حاجة، بس عندي مشكلة إنك تتخمد جنبي.

يتبع...
أنتهى "هاشم" من تبديل ملابسه بعد أن عاد من شركته. ليجدها تجلس على الفراش وبيدها هاتفها كالعادة تتفقد مواقع التواصل الأجتماعي حتى تشعر بالملل وتخلد إلى النوم، فهذا ما تفعله كل ليلة، بل هذا ما تفعله منذ أن تزوجا، نعم هو يحترم ذلك الاتفاق الذي حدث بيننم منذ عشرون عامًا، ولكنه أيضا كأي رجل لديه إحتياجات ورغبات عليه إشباعها، ولكن كيف؟!

توجه "هاشم" نحو الفراش ثم أستلقى عليه على إحدى جانبيه مواليا لها ظهره مُدعيا النوم، وهذا حتى لا تلاحظ هي ملامحه المستائة من تلك العلاقة العقيمة، أغمض عينيه متذكرا ذلك اليوم.



أتسعت عيناه بصدمة مما أستمع إليه غير قادرًا على استيعاب ما أستمع إليه الان هاتفًا بصدمة:

- أنتي بتقولي أيه يا هناء؟

جففت "هناء" دموعها التي تتهاوى دون توقف مٌحاولة السيطرة على نفسها مُعقبة بكثير من الحدة والحزم:

- زى ما سمعت يا هاشم، أحنا لازم نتجوز.

مازالت الصدمة تسيطر عليه، إنه لم يتقبل بعد وفاة شقيقه وزوجته التي كان يعشقها للغاية، لتفاجئه شقيقتها التي كانت تٌحب شقيقه بطلبها للزواج منه، ليُضيف بصدمة وإنفعال:

- أتجوزك أزاى يعني يا هناء!! أنتي أتجننتي؟ أنتي عارفة أنتي بتطلبي أيه! أنتي أخت مراتي وكنتي بتحبي أخويا و....

- والاتنين ماتوا يا هاشم.

صرخت بتلك الجملة ودموعها لا تتوقف عن الهبوط مُقاطعة إياه عن الحديث، وهذا لكي تستطيع أن توضح له ما هو سبب طلبها ذاك، لتُكمل حديثها ببكاء مرير:

- ماتوا يا هاشم، ماتوا بسبب لبنى، لبنى اللي سرقت مني شرف أول مره وأتجوزته، وسرقته مني للمرة التانية لما أتسببت فى موته وحرمتني حتى من إني أشوفه عايش قدامي، وأنا حرمت على نفسي الفرحة من بعد شرف يا هاشم وعمري ما هفكر أكون مع راجل غير شرف، بس محدش هيسبني فى حالي وخصوصا أهلنا وممكن يفكروا إني معيوبة أو فيا علة، وأنا عليتي الوحيدة هى حبي لشرف، وأنا متاكدة إنك عارف أنا بحب شرف قد أيه! عشان كده بطلب منك إننا نتجوز عشان متأكده إنك عارف إن شرف عايش جوايا وعمرك ما هتقرب مني أبدا، وفي نفس الوقت أنت محتاج أم لجواد وزينة ومحتاج زوجة تصون بيتك وعرضك، أحنا الأتنين محتاجين بعض يا أبن يا عمي، هعيش معاك فى بيت واحد وفى اوضه واحدة وعلى فرشة واحدة بس أوعدني إننا نعيش طول عمرنا أخوات ومتلمسنيش أبدا يا هاشم.
•••
فتح عيناه بندم وأسى على ما توصل له بسبب هذا الأتفاق اللعين، نعم هو يُحب تهاني ولكن أين هو ذلك الرجل الذى يتحمل عشون عامًا دون أن يقترب من إمرأة!! وما يجعل الأمر أسوء إنه يمتلك زوجة ولكن يا للسخرية، إنه لا يستطيع أن يقترب منها أو يُفاتحها فى الامر، ماذا يقول لها؟! أيُخبرها إنه فى أمس الحاجة لها!!

ألتفت إليها مُصطنعًا النوم وأخذ يقترب منها إلى أن أصبح ظهرها ملامسًا لصدره، ثم أمتدت يده مُحاوطة خصرها، لينتفض جسدها بفزع ونهضت بسريعة من الفراش مُدعية الذهاب إلى المرحاض هاربة منه بعدما أدركت نوايا "هاشم".

ليزفر هو بخيبة أمل وقلة حيلة وأستسلم للنوم مُتحاشيا التفكير فى ذلك الأمر مرة أخرى.

❈-❈-❈

نهض "جواد" ويبدو عليه الكثير من الغضب، تلك اللعينة قد تجاوزت معه الحد وفعلت ما لم يستطع أحدًا فعله من قبل، تطاولت معه كثيرا فى الحديث وأستطاعت أن تتحداه وأيضا قامت بغرز شوكة الطعام فى يده، والأن تقوم بدفه من فوق الفراش بمنتهى الجرأة والتحدي، عليه أن يُلقن تلك المتمردة درسًا لا تنساه.

أقترب نحوها وهو على مشارف الإنفجار من كثرة غضبه منها، ليجذبها من ذراعها بقسوة راغمًا إياها على الوقوف حتى تأوهت بألم، ولكنه لم يكترث لتأوهها وجعلها تقف أمامه مُعقبًا بإنفعال:

- أنتي بقى سوقتي فيها مش كده؟! الصبح تضربيني بالشوكة وسكتلك، دلوقتي تزوقيني من على السرير بمنتها الجرأة! تكونيش قادره عليا وأنا معرفش يا روح أمك!!

سحبت "ديانة" يدها من قبضته ثم رفعتها دافعة إياه فى صدره مٌحاولة إبعاده عنها، ولكن دون فائدة، إنه كالجدار الصخري لا يتحرك أبدا، لتصيح فيه بغضب مماثل لغضبه:

- ولا أنت كمان قادر عليا، أيوه ضربتك بالشوكة وزقيتك من على السرير ولو قربت مني مرة تانية هضربك بالنار فى عينك دي.

قالتها بمنتهى التحدي وهي تضع عينيها بعينيه وكلاهما على وشك الأنفجار، لا يُنكر أن جرأتها وقوتها قد أعجبته للغاية، هذه أول مرة يرى فتاة بتلك القوة ولا تخشى فكرة وجودهما معا بمفردهم، فليعترف تلك الفتاة تملك جرأة يفتقدها الكثير من الرجال، وهو على رأسهم.

لكنه لن يسمح لها أن تمارس قوتها تلك عليه، يكفي تلك المرأة التي يخشاها إلى الأن، لن يسمح لشخصًا أخر يُشعره بكم هو ضعيف وجبان، أشتعلت نيران الغضب بداخله وجذبها من شعرها بكثير من العنف لوقاحتها وجرأتها معه، ليجزبها مُقربًا إياها نحوه بشدة صارخًا بها:

- دا أنا اللي هضربك بالجذمة على دماغك ودماغ أهلك، أنتي شكلك مبتتعلميش الأدب من أول مرة وعايزة تتضربي كل شويه زي البهايم، من عنيا.. أنا هربيكي من تاني.

دفعها على الفراش عازما على تقطيع ثيابها وضربها مثلما فعل من قبل، بينما فاجأته هي بإنحنائها أرضًا وإلتقاطها تلك السكينة الصغيرة التي كانت تستخدمها فى تقطيع الفاكهة قبل عوده، لتوجها نحوه مُضيفة بحدة:

- أبعد عني بدل ما أسيح دمك النجس ده النهاردة.

أبتسم لها بمزيجًا من الدهشة لسرعتها فى فعل هذا والسخرية من جرأتها التي خدعتها وصورت لها إنه سيخشى فعلتها تلك، يالها من فتاة قوية وشراسة، ولكن لسوء حظها وقعت مع الشخص الخطأ، ذلك الشخص الذي لا يخشى تلك الأفعال ولا حتى يخشى الموت، لُضيف بإبتسامة مُستهزأة:

- حلو أوي الجو ده لا بجد عجبتيني، تعرفي أنا كنت مضايق أوي إن عَدوي بنت يتيمة وضعيفة، وأنا مش من طبعي أعَادي الضعيف، لكن برافو أنتي دلوقتى ريحتيني وأثبتيلي إنك مش مجرد بنت ضعيفة، وبكده تبدأ المتعة الحقيقية فى تعذيبك وأستمتع وأنا بطلع روحك فى ايدي.

أقترب منها بعفوية دفعة واحدة، لتقوم بمهاجمته كرد فعل منها بذلك السكين موجهة ضربتها فى صدره متسببة له فى جرح صطحي فى منتصف صدره، على الرغم من إنسيال دنائه إلا إنها لم تتعمق فى ذلك الجرح حتى لا يموت.

- المرة الجاية لو فكرت تقرب مني تاني السكينة دي هتكون فى قلبك.

لم يكن متوقع منها أبدًا أن تفعلها، كان يظنها تُهدّه فقط، وضع يده على جرحه مُتفحصا إياه بغضب وخوف فى آنٍ وأحد، ورغم شعوره بالغضب من فعلتها إلا انه شعر بالخوف الشديد، بالرغم من حدته وقسوته لكنه يخشى الدماء منذ حادث والدته، لتنتصر ملامح الخوف عليه، بينما أندهشت "ديانة" من ردة فعله.

لم يتفوه "جواد" بأي كلمة، فقد الرهبة هي كل ما تظهر على ملامحه، وسريعًا ما أشرع فى الخروج من الغرفة بأكملها،  بينما توجهت "ديانة" بتغلق الباب خلفة، وما إن أغلقت الباب حتى خارت قواها وهبطت دموعها يُصاحبها قناع القوة التي كانت مرتدياه مُعلنة عن إنهيارها، فهذه أول مرة لها أن تُهاجم فيها أحدًا بسكين وتتسبب له فى ذرف الدماء.

وعلى الجانب الأخر أسرع "جواد" فى التوجه إلى المرحاض الخاص بغرفة أخرى مُحاولا التخلص من هذه الدماء، يبدو عليه الخوف الشديد وتلك الرجفة التي سيطرت عليه، كلما راى ذلك السائل يتذكر والدته وهي تذرف أنفاسها الأخيرة أمامة.

وما إن تخلص من تلك الدماء حتى هدأت وتيرة أنفاسه وخوفه وكأنه أصبح شخصا أخر، ها قد عاد لصموده مرة أخرى، حتى إنه لم يتأثر من رؤية الجرح من الخارج بعد أن توقف النزيف، على الرغم من إنه لا يبدو هيننا ابدا ولكنه غير مكترث له، كل ما كان يُخيفه هو تلك الدماء الذي لا يتحمل رؤيتها أبدًا.

عقم جرحه وأخذ يُضمده بمنهى الصمود والقوة، وعندما أنتهى عاد مرة أخرى إلى غرفة "ديانة" عازمًا على أن يجعلها تصرخ بين يديه طالبة الرحمة التي لن يمنحها إياها.

توقف أمام باب الغرفة الذي حاول أن يفتحه ولكن دون فائدة، فقد كانت أسرع منه هذه المرة وقامت بغلقه بإحكام، ثم قامت بدفع الأريكة حتى وضعتها خلف الباب مباشرا.

طرق على الباب بغضب وحدة هاتفًا بحنق:

- أفتحي الباب ده بدل ما أكسره على دماغك.

شعرت بقليل من القلق من طريقة خوفًا من أن يستطيع فتح الباب والوصول إليها، تعلم جيدًا إنه إذا وصل لها بالطبع سيفتك بها، ولكنها حاولت التظهار بالصمود حتى تسطيع أن تُبعده عنها، لتستجمع قواها مُعقبة بثبات:

- مش هفتح الباب وأكسره لو كنت تقدر.

شعر بالغضب من تحديها له ليُحاول رفع الباب بكتفه وكسره، ولكنه شعر بالألم الشديد فى جرح صدره متأثرًا بصدمة كتفه بالباب، ليتريث قليلا وأستطاع السيطرة على إنفعاله مُدركة صعوبة ذلك الجرح وإنه غير مُستعد لدخول شجارًا الأن معها، ليُضيف بتوعد:

- لسه ليكي عمر يا بنت لبنى، أنا هسيبك دلوقتي بس عشان مفيش دماغ ليكي، لكن ورحمة أبوكي لأربيكي من أول وجديد، ومن دلوقتى أنا وأنتي يا قاتل يا مقتول.

تحرك مُتجهًا إلى غرفة أخرى ببنما شعرت هي بقليل من الراحة من رحيله بعيدًا عنها، عادت لتجلس على الفراش مرة أخرى، تذكرت ذلك الخوف الذي رأته بعينيه عندما رأئ الدماء، لقد فعل نفس الشيء عندما أعتدى عليها ذلك اليوم! ترى لماذا يخشى شكل الدماء لهذه الدرجة؟ هل هذا له علاقة بما حدث فى الماضي وبوالدتها؟

❈-❈-❈

ذهبت إلى غرفة "ماجدة" بعد أن تأكدت أن "هاشم" قد غرق فى النوم وجميع من فى المنزل فى غرفهم، حتى تلك المرافقة الخاصة ب "ماجدة" قد ذهبت لتخلد إلى النوم.

جلست "هناء" بجانب "ماجدة" ويبدو عليها الكثير من الضيق والأنزعاج، لتراقبها "ماجدة" بعينيها بعد أن شعرت بوجودها بالغرفة وأستيقظت من نومها، لتتهاوى الدموع من أعين "هناء" مُعقبة بألم وأشتياق:

- شرف واحشني أوي يا ماجدة، واحشني أوي أوي، عشرين سنه وانا متجوزة هاشم جواز على ورق بس، عمري ما قدرت أفكر فيه كزوج أو أخليه يلمسني، أوقات كتير كنت بحاول أتخيل إنه شرف لكن مقدرتش.

أجهشت فى البكاء بكثرة، بينما "ماجدة" أنسالت دموعها دون توقف ليس من أجل "هناء"، بل من أجل شقيقيها الذان تدمران بسبب هوس تلك المرأة، فأحدهم قد فارق الحياة والأخر يحيا بلا حياة.

أقتربت "هناء" منها وهي مازالت تبكي بشدة وإنهيار مُضيفة بندم:

- أنا أسفة يا ماجدة بس أنتي أكيد عارفة كل اللي حصل، محدش فيكوا كان واقف جمبي كلكوا كنتوا مغلطني وعايزين تيجوا عليا بسبب لبنى، وأهي شوفتي عملت فينا كلنا أيه!!

رمقتها "ماجدة" بإحتقار شديد فإن كان بأستطاعت "هناء" أن تخدع الجميع فهي أخر شخص تستطيع خداعه، إنها تعرفها أكثر مما تعرف هي نفسها، لتصيح "هناء" بألم وحسرة:

- متبصليش كده يا ماجدة حرام عليكي، أنتي متعرفيش أنا حصلي أيه بعد خبر موت شرف.

••

وصلوا إلى المشفى وأنتقل كلا من "تهاني" و "ماجدة" إلى غرفة العمليات، "ماجدة" كانت لاتزال بها القليل من النبض ولكن حالتها خطرة جدا، و"تهاني" أيضا لا تقل عنها خطورة.

أسرعت "هناء" فى التوجه نحو "لبنى" وأخذت تصرخ بوجهها على فعلتها وإنها هي من فعلت هذا وإنها ستُعاقب على ما فتلته ولكن بعد أن يطمئنوا على "تهاني" و "ماجدة".

بينما جلس "هاشم" واضعًا رأسه بين كفيه مُنكسرًا مشدودًا لما حدث وكأن حقا لا تأتى المصائب إلا جماعة.

هرول إليه أحد رجاله العاملين معه ويبدو عليه ملامح الفزع والذُعر، لا يعلم كيف ينقل له هذا الخبر ولكنه يجب أن يعلم حتى يقوم بفعل اللازم.

اقترب منه فى رعب من أن يبلغه هذا الخبر، ليبتلع بقلق عازمًا على أن يخبره وليُصبره خالقه على مُصيبته:

- هاشم بيه، البقاء لله.

فزع "هاشم" من تلك الجُملة وأخذ يرتجف من الذُعر، ولكنه ظل يُحاول أن يتماسك ويبقى واقفًا على قدميه، ثم أبتلع بحسرة مُستفسرًا:

- تهاني ولا ماجدة؟

وضع ذلك الرجل وجهه أرضًا بحزن وأسى مُجيبًا إياه:

- شرف بيه أخو حضرتك عمل حادثه و..، البقاء لله.

- شرف

صرخت "هناء" باسمه بألم وحسرة كبيرة وكأن روحها قد سُلبت منها وبالطبع لها الحق أن تحزن، فهو الرجل الذي لطالما حلمت به وتمنت أن تكون له، ولكن النصيب كان له رأى أخر.

بينما سقطت "لبنى" فاقدة للوعي، لم تستطع تحمل كل تلك الصدمات فى يوم واحد، وها قد مات الأن الشخص الوحيد الذي كان سيُدافع عنها ويحميها من بطش هؤلاء الذين لن يرحموها مهما فعلت أو مهما قالت.

بينما لم يستطيع "هاشم" المُقاومة أكثر لتخونه قدميه وسقط أرضًا مُنحني الظهر يبكي بحرقة على مفارقة أخيه، من فارقه ليس مجرد أخ بل كان سنده وعُكازه الذي كان يستند عليه، فقد مات شقيقه الذي كان له بمثابة أخا وأبنا وصديقًا وكل شىء، لقد كُسر ظهره الأن.

توجهت "هناء" نحو الرجل صارخة بصدمة بكل ما أوتيت من قوة رافضة تصديقه غير مُستوعبة ما يحدث:
- أنت بتقول أيه ها؟ شرف مماتش، شرف لا.

ظلت تصرخ بقوة وألم يُمزق قلبها، تعلم إنها هي الشخص المُتسبب فى حدوث ذلك، هي من أخبرته بما حدث ظننًا منها إنها ستزرع الكراهية فى قلبه تجاه "لبنى"، لم تكن تعلم إنها تقوده إلى الموت.

سقطت "هناء" أرضًا بجانب "هاشم" وهي تقوم بتحريكه بعفوية وصراخ:

- أنا عايزة أشوفه يا هاشم، عايزة أشوف شرف يا هاشم.

أخذها وذهب كلاهما إلى الغرفه الموضوع بها "شرف" لتحضيره قبل دفنه بعد أن تاكدوا من سبب الوفاة وهي نزيف داخلي بالمخ أثر إنقلاب السيارة به وهو يقود بسرعة كبيرة.

دلفت "هناء" الغرفة وما إن رأت "شرف" ميتًا أمامها نظرت إلى "هاشم" مُتوسلة إياه:

- أرجوك يا هاشم سبني معاه شويه لوحدنا.

رمقها "هاشم" بحزن وحسرة على ما بها، هو يعلم إلى أي مدى تعشق "شرف"، ولهذا قرر أن يتركها تودعه الوداع الأخير.

خرج "هاشم" من الغرفة تاركًا كلاهما معا حتى تستطيع أن تودعه، بينما هي بمجرد أن تأكدت من خروجه من الغرفة أسرعت فى الركض نحو سرير "شرف" وأنحنت إلى قدميه مُقبلة كلاهما وصوت شهقاتها يملا المكان.

ظلت ما يُقارب دقيقتان تحتضن قدميه وتقبلها ببكاء وألم مرير، لتهتف بصوت مبحوح أثر بكائها:

- سامحني يا شرف، أنا مكنتش أقصد يحصل كده، مكنتش عايزاك تموت، أنا كنت عايزاك تكرها وتسبها، مكنش قصدي إنك أنت اللي تموت، هي اللي كان لازم تموت يا شرف مش أنت.

أزداد نحيبها كثيرا مُضيفة:

- أنا بحبك يا شرف بحبك من زمان أوي، من أول ما فتحت عيني على الدنيا وأنا بحبك، أستنيتك كتير أوي بس أنت محستش بيا، سبتنى ورحت لواحدة تانية، ليه يا شرف؟ والله العظيم ما حد حبك فى الدنيا كلها قدي، متسبنيش يا شرف أنا مقدرش أعيش من غيرك.

صعدت إلى وجهه وأشاحت عنه ذلك الغطاء وبمجرد أن رأت ملامحه المُشوهة أثر ذلك الحادث حتى صرخت بألم وحسرة.

أستمع "هاشم" إلى صراخها ليدلف الغرفة بسرعة ورأى وجه أخيه الميت، ليشعر بألمًا ينهش قلبه ولكنه تحامل على نفسه حتى يُخرج "هناء" من الغرفة.

ظلت "هناء" تصرخ وتبكي بينما أسرع "هاشم" فى إحتضانها مُحاولا تهدئتها وإخرجها من تلك الغرفة، لتصيح بصراخ مُحاول الإفلات من بين يده وهي ترى الممرضة تُغطي وجهه مرة أخرى:

- لا متعمليش كده، قوم يا شرف، لا.. متخلهوش يسبني يا هاشم، متخلهوش يسبني، شرف.

صرخت بإسمة وسريعًا ما غابت عن الوعي غير مُدركة ليا شيء يحدث حولها.

•••

جففت دموعها بملامح قاسية وصامدة مُعقبة بحدة وكراهية:

- لبنى هي السبب يا ماجدة وانا مش هخلي كل الوجع والحسرة اللي حصلتلي تروح على الفاضي، أنا أه معرفتش أنتقم من لبنى وماتت قبل ما أفش غلي فيها، بس هنتقم من بنتها وأموتها بأيدي.

خرجت "هناء" من الغرفة بينما "ماجدة" ظلت تبكي بصمت وعجز، لترفع رأسها إلى السماء متمنية بداخلها أن يمنحها الله القوة وتستطيع أن تتكلم حتى تُخبر الجميع بما حدث هذا اليوم وتنقذ تلك المسكينة من يد "هناء" و"جواد".

❈-❈-❈

منذ أن استيقظت من بضع ساعات وهي مترددة هل تفعلها أم لا؟ ولكنها بالنهاية أقنعت نفسها إنهم الأن أقارب وعليها إذًا أن تطمئن عليهم.

ألتقطت هاتفها وسريعًا ما بحثت عن رقمه وأتصلت به، لحظات قليلة حتى أتاها صوته الرخيم مجيبًا بنعاس:

- أمم.. ألو.

شعرت بكثير من الخجل، على ما يبدو إنه قد إتصلت فى وقت مبكرًا، اللعنة على غبائها، لتحمحم بإحرج:

- صباح الخير.

أعتدل فى جلسته بسرعة بعد أن أستمع إلى صوته، كيف لم ينظر فى الهاتف قبل أن يجب؟ بالتأكيد تشعر بالحرج الأن، اللعنة على عقله الأحمق، ليبادلها بلهفة:

- صباح الفل.

أبتلعت بهدوء مُحاولة السيطرة على توترها مُعقبة:

- أنا أسفة إني أتصلت بدري كده، أنا بس كنت حابة أتطمن على أهلك، وصلوا ولا لسه؟

حاول أن يُزيح ذلك الأحراج مُجيبًا إياها بإمتنان على أهتمامها بأمر أسرته ولذوقها:

- أسفة على أيه بس أنتي تتصلي فى أي وقت، وهم آه الحمدلله واصلوا إمبارح باليل.

أبتسمت بإعجاب على لطافته معها وإكتراثه لعدم إحراجها مُعقبة:

- حمدلله على سلامتهم.

- الله يسلمك.

أراد أن يُحاول فتح حديث معها ولكنها حطمت محاولته دون معرفتها معقبة بقليل من التوتر:

- طب أنا مُضطرة أقفل بقى.

لم ينجح فيما أراد أن يفعله، ليستسلم لطلبها بهدوء:

- تمام، شكرا جدًا على سؤالك.

أجابته بود ولطافة:

- على أيه، العفو.

أغلقت المُكالمة وهي تشعر بكثيرًا من السعادة والفرح، ولكنها لا تعلم لماذا تشعر بهذه الاحاسيس! لماذا تشعر بذلك الانجذاب نحوه؟ هل هي مُعجبة به!

حركت رأسها بعفوية مُحاولة طرد تلك الأفكار من رأسها زاجرة نفسها حتى لا تعطي الأمر أكثر من حده مُتمتمة:

- بطلي هبل يا زينة وقومي روحي شغلك.

❈-❈-❈

أستيقظ من نومه على صوت رنين جرس المنزل مُعلنًا عن قدوم أحدهم، نهض مُتأففًا لإجباره على الاستيقاظ الأن، ليلعن نفسه على عدم تعين خدم بهذا البيت.

هبط الدرج مُتجها نحو باب المنزل وسريعًا ما قام بفتحه، وبمجرد أن فتخه شعر بالضيق والإنزعاج لرؤيتها أمامه، وقليل من الصدمة التي ألجمت لسانه، لياتيه صوتها مُتهكمة:

- أيه! مش هتدخلني ولا أيه؟

أغمض عينه مُحاولًا كبح غضبه مُتنهدًا بضيق، وتنحى جانبًا مُتيحًا لها الطريق مُعقبًا بنبرة مشوبة بالغضب:

- أتفضلي

دلفت "هناء" المنزل بمنتهى الكبرياء والغرور بملامحها القاسية والخالية من أية مشاعر، أتبعها "جواد" ويبدو عليه الإنزعاج الشديد من مجيئها دون علمه، ولكن لا يستطيع ان يُعاملها بطريقة تُضايقها، وكل هذا يحدث تحت أنظار "ديانة" التي أستيقظت على صوت جرس المنزل ووقفت أعلى الدرج تُتابع ما يحدث بصمت.

لترى "جواد" يقف مُقابلًا ل"هناء" ولكن ليس بهذا الغرور الذي أعتادت عليه منه، بل طريقته فى الحديث معها تحمل القليل من الاحترام وإنعدام وقاحته، ولكنه يرمقها بنفس نظرات الجفاء والحدة التى ترمقه هي بها، لتشعر "ديانة" وكانهم أليون ليسوا بشرًا.

كسر "جواد" هذا الصمت بملامح تصرخ بالثبات والهدوء المُصطنع هاتفًا:

- خير! فى أيه؟

رمقته "هناء" بتفحص إلى أن وقعت عيناه على هذه الضُماضة على صدره، لتتلاقى أعينهم مرة أخره بنفس الثبات مُستفسرة:

- أيه اللي فى صدرك ده؟

توتر قليلا ولكنه لم يُظهره، هل يخبرها أن تلك الفتاة هي من جرحته فى صدره؟ ستجعله أضحوكتها لعامًا قادم، كلا لن يُخبرها، ليتنهد مٌحاولًا إفتعال موقف يجعلها تصدقه:

- مفيش كنت بقيس قميص جديد ونسيت أشيل دبوس من الدبابيس فدخل فى صدري وأنا بلبسه.
1

لم تكترث لما قاله، بل لا تكترث لأمره هو نفسه، لتومأ له بالتفهم، وأتبتلع بأستعداد لأخراج المزيد والمزيد من وقحتها مُعقبة بحدة:

- عملت اللي قولتلك عليه؟

ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها وهي تقف أعلى الدرج تراقب حديثهم، لماذا لم يُخبرها إنها هي من جرحته؟ هل لا يريد أحدًا أن يتدخل بينهم! أم إنه يخشى على مظهره أمامها لأن فتاة هي من جرحته؟ لحظة واحدة ما هذا الشيء الذي طلبته منه؟

بينما هو أغمض عيناه بضيق بعد سؤال تلك المرأة التي لا تخجل أبدا، ليُحاول إذًا أن يُجيبها بوقاحة مماثلة لها:

- حصل وطلعت بنت بنوت بس الحاجة مش معايا، معاها هي.

استنبطت "ديانة" عن ماذا كانوا يتحدثون لتشعر بغثة تكونت فى صدرها، ذلك الحقير أعتدى عليها بأمر من تلك المرأة الوقحة، كيف لها أن تُحرضه على فعل ذلك بها؟ تلك اللعينة التى لا تعرف عن الحترام شيئًا.

تهاوت دموعها حسرة على ما حدث لها وعلى زواجها من رجلًا كهذا، يتبع أوامر النساء وليس له أية شخصية مع تلك المرأة ويفعل ما تأمره به دون تفكير.
بينما لاحظت "هناء" وجود "ديانة" التي تقف أعلى الدرج ويبدو عليها ملامح الإنكسار، لتبتسم "هناء" بداخلها بإنتصار وأضافت بمزيد من وقاحتها:

- ويا ترى بقى نمت معاها ولا أخدتها عند دكتور؟ وإتأكدت أزاى إنها بنت بنوت؟ ليه مثلا متكونش عملية عملية أو حاجة!

صُدم "جواد" من حديثها ومن جرأئتها الغير متوقعة، هل حقل تسأله إذا كان ضاجعها أم لا؟ وتسأله كيف تأكد بالطبع هو يستطيع تميز الأمر فهو رجلا خبيرا بأمور النساء وخصيصا العاهرات ويستطيع تميزهن، كاد أن يرد عليها لحدة، ليقاطعه هبوط "ديانة" الذي تفاجئ بها.

بينما غضبت "ديانة" كثيرا ولم تستطيع تحمل الأمر أكثر من ذلك، لتهبط الدرج بضيقًا وإنزعاج موجهة حديثها نحو "هناء" مُعقبة بحدة:
+

- أحترمي نفسك يا ست أنتي بدل ما أرد عليكي رد مش كويس وأنسى سنك.

شعر "جواد" بمزيجًا من الصدمة والأعجاب فى أنً واحد، هي لم تفعل شيء خارق ولكنه هكذا بالنسبة له، هذه أول مرة يرى أحدًا يتطاول على "هناء" ويُحاول ردعها، حتى والده لا يستطيع إغضابها أحترامًا لها وخشية من قسوتها وحدتها مع الجميع.

حتى هو لا يستطيع إزعاجها أحترامًا وتقديرًا لها، على الرغم من قسوتها وشدتها معه ومعاملتها الجافة الباردة، بينما "هناء" قد غلت دمائها بعروقها من تطاول تلك الفتاة عليها، ولكنها حاولت أن لا تفقد أعصابها أمامها لتهتف بتهكم:

- وأنتي بقى يا بنت لبني اللي هتعلميني الأدب.

رفعت حاجبها بأستهزار وسخرية مُضيفة:

- وبعدين مش يمكن تكوني كنتي مدوراها قبل الجواز؟ ولا أنتي فاكره نفسك هتضحكي عليا زي أمك القذرة ما ضحكت على أبوكي زمان!

صمتت من حدة تلك الصفعة التي تهاوت على وجهها، مما جعلها تبتلع حديثها بصدمة وغضب، لتعزم على أن تقطع تلك اليد الذي تجرئت على لمسها وصفعها.

يتبع...
شُل "جواد" بمكانه مصدومًا مم فعلته "ديانة" غير مُستوعبًا لما حدث، هل حقًا صفعت "هناء"! تلك المرأة التي تُجسد له المعنى الحقيقي لكلمة الوحش، تلك المرأة القاسية المُتجبرة التي يخشاها الجميع من كثرة جفائها وحدتها، ها هي تُصفع الأن على يد تلك الفتاة.

لماذا لم يكن معها مثل تلك الفتاة؟ لماذا لم يستطع فى أحد الأيام أن يقف فى وجهها ويمنعها من التحكم فيه ومُعاملته بتلك القسوة والجفاء؟ لماذا لم يصفعها هو الأخر فى كل مرة كانت تُقلل منه وتُشعره وكانه أضعف شخصًا على وجهة الأرض؟ لماذا سمح لها أن تجعل طفولته قاسية ومريرة إلى هذا الحد؟

عاد من تفكيره على صوت صراخ "هناء" الغاضبة مما فعلته "ديانة" وهي تتوعد لها وتقسم أن تجعلها تندم على ما فعلته، تلك المرأة المغرورة لن تتهاون مع تلك الفتاة وبالطبع ستُستخدمه هو كأحد جنودها لتفعل بها ما تشاء، لتصيح فيها بغضب:

- أنتي بتمدي إيدك عليا يا تربية الشوار يا بنت الواطية.

لم تستطع "ديانة" أن تتحكم فى غضبها أكثر من ذلك، فتلك المرأة لم تكتفي بسب عرضها وتجريحها فقط بل تتجرأء الأن وتنعت والدتها الميتة بتلك الشتائم بعد أن سبتها هي الأخرى، لتندفع يد "ديانة" جاذبة أحد أذرع "هناء" مُعقبة بين أسنانها الملتحمة:

- والله العظيم يا ست أنتي كلمة كمان عليا أو على أمي هأنسى فرق السن اللي بينى وبينك ومش هطلعك من هنا غير على المستشفى.

نظرت "هناء" نحو "جواد" الذي يقف كالمشلول مصدومًا مم يحدث، ومُعجبًا أيضا بما تفعله الفتاة، لتبتسم "هناء" بسخرية وهي ما زالت تنظر إليه موجهة حديثها نحو "ديانة" هاتفة بسخرية:

- ليكي حق تعملي كل اللي فى نفسك، مادام الراجل بتاعنا معرفش يكسر شوكتك وطلع خيخا، وبعدين مستبعدش عنك حاجه يا بنت لبنى، أمك عملتها فى أختي تهاني قبلك زمان.

يا لها من صعقة قوية ضُرب بها "جواد" عندما نعتته بتلك الكلمة وأنهتها بذكر والدته وما حدث لها، ليتذكر هيئتها وهى واقعة أسفل الدرج والدماء تسيل منها، ليشعر بغصة تكونت فى حلقه وسريعًا ما أستعاد ثباته وقوته وفاق من صدمته وذلك التشتت الذي كان يُربكه.

شعر بالغضب الشديد مما تفعله "ديانة" مُحاولًا إقناع نفسه أن ما تفعله إهانة له قبل "هناء"، فتلك المرأة بالنهاية هي شقيقة والدته وزوجة أبيه ومُربيته منذ وفات والدته، حتى ولو كانت تربيتها له قاسية إلى أبعد حد، حتى ولو لم يشعر منها بذرة من الحب أوالحنان، حتى ولو كانت دائما ما تجرحه وتُقلل منه.
كل هذا لا يُنسيه إنها هي من ربته وحلت محل والدته، ولن يسمح لأحد أن ينهرها أو يقلل منها، لا يعلم هل هذا ضعفًا منه أم أحترامًا لها؟ ولكن الشيء المؤكد له أن هذا ليس بحبًا.

تقدم تجاه"ديانة" وملامح الغضب تُسيطر عليه، ليمد يده ويجذبها من ذراعيها وجعلها مُقابله له، وسريعًا ما قام بصفعها بقسوة مُضيفًا بحدة:
1

- ده عشان فكرتي بس إنك تمدي إيدك عليها، وده بس مجرد رد فعل إنما عقابها هيكون كبير أوي وهتندمي على اللي عملتيه ده.

كم ودت أن ترد له تلك الصفعة ولكنه مُحكم قبضته حول يدها جيدا، بينما إلتفت هو إلى "هناء" بملامح جامدة وجافة للغاية مُضيفًا بهدوء وثبات:

- أنا مش خيخا أنا راجل وأنتي عارفة كده كويس، وأنا أسف على اللي حصل وأوعدك إني هأخدلك حقك، بس لو سمحتي روحي دلوقتي وأنا هجبلك اللي أنتي عايزاه لحد عندك.

شعرت "هناء" بالإنتصار والفوز عليها فى هذه الجولة، بينما شعرت "ديانة" بالغضب والاشمئزاز من ذلك الحقير الذي يقف أمامها، يعتذر لتلك المرأة الواقحة بكل ذلك الإحترم والضعف، قد تأكدت الأن إنه فعل ما فعله بها منذ يومين بأمر من تلك المرأة الحقيرة.

زمت ما بين حاجبيها باشمئزازا واحتقار والدموع مُتحجرة فى مُقلتيها، موجهة حديثها نحوه بقليل من الإنكسار:

- يعني أنت عملت اللي عملته فيا ده بأمر منها؟

أبتسمت بسخرية واستهزاء مُضيفة:

- عندك حق أنت مش خيخا أنت جبان ووسخ وضعيف ومعندكش شخصيه وشورة المره ومعندكش ولا ذرة رجولة.

قابلها بملامح هادئة تخلو من أية ردة فعل مستفسرًا:

- خلصتى؟

أمتعضت ملامحها بالإحتقار وكادت أن تبثق عليه، لتأتيها صفعة قوية أسقطتها أرضًا بجانب قدميه مش شدتها، أنحنى إليها وهو ما زال على ثباته جاذبًا شعرها بيديه راغمًا إياها على النهوض، ليوجه حديثه نحو "هناء" التي كانت مُستمتعة بما تراه مردفًا بإلحاح:

- لو سمحتي روحي دلوقتي وأنا هبقى أعدي عليكي.

أومأت له "هناء" بالموافقة وسريعًا ما توجهت نحو الباب، وبمجرد أن خرجت وأغلقت الباب خلفها حول "جواد" نظرته نحو تلك التي فى يده وما زال جاذبًا شعرها بين يده مُضيفا بتوعد:

- قوليلي بقى كده كنتي بتقولي أيه قبل ما أخليكي متعرفيش تقولي حاجة تاني طول عمرك!

شعرت هي بالإهانة والغضب من جذبه إياها بتلك الطريقة، وكل ما فعله بها أمام تلك الحقيرة، لتنفجر صارخة بوجهه:

- كنت بقول إنك مش راجل ووسخ وجبان ومعندكش شخصية وشورة المره، والولية دي هي اللي ممشياك وبتأمرك تعمل اللي على مزاجها بس، وأبعد إيدك دي عني.

قالتها وهى تغرس أحد أصابعها داخل الجرح الموجود بصدره، ليتركها هو سريعا مُتأوهًا من كثرة الألم، راميًا إياها بنظرات الغضب والكراهية، بينما أبتسمت "ديانة" مُضيفة بإنتصار:

- أنت فعلا مش راجل وأنا دلوقتي أتمنى الموت أحسن من إني أكون فى مكان واحد مع قذر زيك.

لم يستطيع أن يُسيطر على غضبه أكثر من ذلك، هل حقًا هي لا تراه رجُلًا!! جيد سيُريها إذًا هل هو كذلك أم لا؟ تقدم نحوها والشر يندلع من زرقاوتيه مُتمتمًا بحدة:

- تمام.. هنشوف.

أنحنى قليلًا مُلتقطها حاملًا إياها فوق كتفيه صاعدًا بها نحو غرفتهم، لتُحاول هي الإفلات من بين يديه، ولكنه يحملها بإحكام لتصيح به بغضبًا وكراهية:

- نزلني يا حيوان، أنت فاكر نفسك كده بتعمل أيه؟

أجابها بإبتسامة خبيثة وكأنه تحول إلى شيطانًا مُتخذًا خطواطًا واسعة نحو الأعلى:

- هوريكي أنا راجل ولا لأ؟
1

❈-❈-❈

كانت تُفرغ مُحتويات حقيبتها بعد أن أستيقظت من نومها، فليلة أمس وصلوا فى وقت متأخر وبمجرد وصولهم إلى البيت الجديد أستسلمت لنوم، وعندما أستيقظت أختارت الغرفة التي تُناسبها وبدأت فى ترتيبها على طريقتها.

صدح صوت هاتفها مُعلنا عن وجود إتصالًا لتتفقده فوجدته هو المتصل، لتبتسم وتجيبه بحماس لا إراضي ونبرة طفولية:

- عارفة والله زمانك زعلان بس أنا أول ما وصلنا إمبارح مكنتش قادره حتى أتصل بيك أعرفك ونمت على طول، حتى لسه بفضي الشُنط حالًا أهو.

أبتسم "إياد" على طريقتها الطفولية الذي تجذبه إليها كل مرة أكثر من المرة التى تسبقها، ليُضيف بمشاكسة:

- طب خلاص مدام كنتي نايمة برأة، حبيت بس أقولك حمدلله على السلامة.

لما يتحدث معها بهذه الطريقة، هل يظنهم أصدقاء ليُحدثها بكل هذا الود والإكتراث، ستفقد عقلها من طريقته تلك  التي لا تستطيع تبريها، لتقابله بود وإمتنان:

- الله يسلمك

لم يعي كيف عليه سؤالها عما يريد معرفته، هل ستوافق على إخباره؟ أم ستُحرجه هذه المرة! ليسألها وليحدث ما يحدث، ليندفع مُتسائلا عن عنوان مسكنهم:

- قوليلي بقى عنوان البيت فين؟!

قاربت ما بين حاجبيها بعدم إستعاب لسؤاله وهتفت بتلقائية:

- وأنت عايز تعرف عنوان البيت فين ليه يعني!

ضحك على تلقائيتها تلك فهى لا تملك خاصية تجميل الحديث بل تتحدث ولا تُفكر فيما تقوله وإلى أين قد يتجه، ليُجيبها وعو يحاول أن يسيطر على ضحكاته:
- أيه يا بنتي الدبش ده أكيد مش هسرقكوا يعني، بسأل عشان عازمك بكره على الغداء ومينفعش أبقى موجود وأسيبك تركبي أوبر أو تاكسي.

رطبت شفتيها بحرج من طريقتها المٌندفعة فى الحديث وإلقائها للكلمات دون تفكير، لتُحاول إصلاح ما أفسدته:

- طبعًا مش قصدي يا إياد، أنا أسفة بس مش هقدر أقبل عزومتك.

نعم هى تشعر بالإنجذاب تجاهه ولكن هذا لا يعنى أن يتقابلان لتناول الطعام، على أية حال هذا شخص غريبًا عنها ولا تعلم إذا كان شخصًا جيد أم لا؟ بينما شعر هو بخيبة الأمل، بكل مرة يفشل مع تلك الفتاة المشاكسة سليطة اللسان.

لن يستسلم حتى لو تطلب الامر ان يلح عليها كالاطفال سيفعلها، هو لا يعلم لماذا أصبح مُنشغلا بها هكذا، ولكن ما يعرفه إنه لن يتركها حتى توافق على تلك العزومة:

- لا هتقبلي ولو مقبلتيش هجيب أنا العنوان بطريقتي وهأجي أفطر وأتغدى وأتعشى عندكم، وإحتمال أبات كمان، أيه رأيك بقى؟

ضحكت على أسلوبه الذي يُرغمها بكل مرة على الإنجذاب نحوه، لتُفكر إنه لن يحدث شيئًا إذا قبِلت عزومته، هى تشعر وكأنها عليها التعرف أكثر على ذلك الشخص ذو الطابع المرح، لتُعقب بإستسلام:

- لا وعلى أيه! الطيب أحسن.

شعر بالإنتصار لكونه أستطاع أن يُقنعها، مُضيفًا بحماس:

- يعني هشوفك بكره؟

تنهدت بإستسلام ولم تُرد أن تُسبب له المزيد من الحرج مُجيبة إياه:

- هحاول إن شاء الله.

أرتسمت البسمة على وجه "إياد" بعد أن تأكد من موافقتها على عذومته، ليهتف بإستفسار:

- طب أيه العنوان بقى؟

أبتسمت على هذا الأصرار الغير طبيعي مُجيبة:

- هبعتلك اللوكيشن على الواتس.

رطبت شفتيها عندما لم تجد ما تقوله لتُضيف بإقتضاب:

- أنا هقفل بقى، باي.

لاحظ تلعثمها وعدم إجادها ما تقوله، ليقرر أن لا يضغط عليها أكثر من ذلك، ووافقها على إنهاء المكالمة مودعها:

- باي

❈-❈-❈

دلف بها الغرفة حاملًا إياها على كتفه، ليوصد الباب خلفه بالمفتاح ثم وضعه فى جيب بنطاله، ليتقدم بها نحو الفراش وقام بإلقائها عليه بعنف وحدة.

شعرت هي بالقليل من الخوف والتوتر، إنها لا تعلم ماذا ينوي أن يفعل بها ذلك الحقير مُنعدم الشخصية، أعتدلت فى جلستها مُستعدة للدفاع عن نفسها إذا فكر أن يقترب منها، ولكنها شعرت بالدهشة عندما تركها وتوجه نحو غرفة تبديل الملابس.

لتنهض هي مسرعة وأتجهت نحو باب الغرفة مُحاولة الهرب، ولكنها وجدته مُغلق بإحكام، لتركله بقدمها بغل شديد.

بينما خرج هو من الغرفة مرة أخرى، ليجدها بجانب باب الغرفة، ليتقدم نحوها وتُسيطر عليه ملامح المكر حاملا بيده ثلاثة من ربطات عنقه، مُضيفًا بخبث:

- متحاوليش، أنتي مش هتطلعي من الأوضة دي غير بمزاجي أنا.

شعرت بسوء نيته تجاهها، ولكنها تعجبت كثير بهذه الربطات التي يحملها بيده! تُرى ماذا ينزي أن يفعل؟
لم يتركها تُفكر كثير وجذبها من ذراعها وألقى بها مرة أخرى على الفرش، ولكن تلك المرة وجهها كان مُقابلًا له.

أقترب منها مُلقيًا ربطات العنق بجانبها، لتتوتر هي من فعلته هذه، أثنا بركبته على الفراش مُقتربًا منها وأنحنى ليلتقط إحدى ربطات عُنقه مُتجها بها نحو يديها، لتنتفض هي مُحاولة الابتعاد عنه صارخة به بفزع وذعر:

- أنت بتعمل أيه؟

أبتسم لها بسخرية وهو يقبض على يدها بعنف وإحكام ليتمكن من تقيدها أعلى رأسها مُجيبًا إيها بهيمنة:

- هوريكي أنا راجل ولا لأ.

هزت راسها بعنف خشية من بشاعة ما صوره لها عقلها، بينما لم يترك لها هو فرصة وسريعًا ما قام بخلع بنطالها عنها كاشفًا عن بشرتها الحليبية، ولا يفصله عن أنوثتها سوا هذه القماشة الدانتيل، تلك الاشياء التي يفعلها لا تدل سوا على شىء واحد، هل سيغتصبها؟ لتصرخ فيه بهلع:

- لأ، أنت مش هتعمل كده، متفكرش لما تغتصبي هتبقى كده راجل.

ضحك بصوته كله على تفكيرها البرئ الذي لم يتوصل إلى حقارة تفكيره، جلس بالقرب منها وأخذ يفتح أزرار منامتها التي كانت ترديها كاشفًا عن نهديها المُحاصران بتلك الصدرية سوداء اللون، مُهثهثًا بفحيح كالأفاعي:

- ومين قالك إني هغتصبك! بالعكس دي مش أخلاقي، أنا مبنامش مع واحدة إلا بمزاجها.

أزداد خوفها عندما نهض من جمبها وهبط لأسفل قدميها وسريعا ما قام بجذبهما وثبت كُلًا منهما بطرفي الفراش، ليصبحا مُتباعدتان عن بعضهما، لتصرخ هي به أن يتوقف عما يفعله مُحذرة إياه إنها ستقتله إذا فعل بها هذا:

- موتني قبل تحط إيدك الوسخة دي عليا، عشان والله العظيم لو عملتها مش هتردد لحظه إنى أقتلك يا حقير.

أبتسم بهينة وهو ينظر لها مُقيدة تمامًا أمامه غير قادرة على الحركة، لا يفصل بينه وبين رؤية مفاتنها بوضوح سوا تلك القطعتان الذي يستطيع أن يُمزقهم بسهولة، ليظل يتفحصها جيدًا مُحاولًا معرفة ما الذي يجعلها أشجع منه؟

تلك الفتاة المُقيدة أمامه بمنتهى الضعف، هي نفسها من أستطاعت أن تصفع تلك المرأة التي لا يجرؤا هو على مُضايقتها ولو بالحديث، نعم يكرهها كثيرًا لأنها هي من حطمت له حياته، هي الشخص الوحيد الذي يخشاه إلى الأن.

هذه الفتاة الصغيرة أستطاعت أن تفعل ما لم يستطيع هو فعله، لقد صفعتها وأثبتت إنها أقوى منه، عليه أن يُثبت لنفسه الأن إنه ليس بذلك الشخص الضعيف، تلك الفتاة أستطاعت أن تصفع "هناء" والأن هو من سيجعلها تترجاه أن يرحمها، سيُثبت لنفسه إنه لا يُنفذ أوامر تلك المراة التي أمرته أن لا يُضاجها، هو يستطيع أن يعصيها ويفعل ما يريده.

رمقها بنظرات شيطانية وأنهال عليها ممزقًا تلك القطعتان المُتبقيتان على جسدها، لتصرخ بوجهه وهي تتحرك بعفوية شديدة مُحاولة حل قيودها فزعًا مما هي مُقبلة عليه:

- أبعد عني، هقتلك لو عملت كده يا جواد، هقتلك.

هذه أول مرة تنطق فيها إسمه، مهلا! من أين لها بجسدًا كهذا! هاتان النهدان المشدودان متوسطين الحجم، ذو اللون الحليبي، مُصحبهما قوامها الممشوق، اللعنة ما كل هذا الجمال؟ إنها تملك أنوثة تفتقرها العديد من النساء.

لقد راى الكثير من العاهرات، ولكن ولا واحدة منهم تمتلك جسدًا كهذا، اللعنة فى ماذا يفكر هو الأن؟ أستعاد تركيزه مرة أخرى بسبب صوت صراخها، لينحني مُتقدما بين مُلتقى ساقيها صاعدًا نحو وجهها.

الأن يستطيع أن يشتم رحيق أنفاسها جيدًا، وأيضا نظرات الكراهية والحقد فى عينيها تجاهه، ليبتسم له وأتجه بإصبعه مُمررًا إياه على وجهها هبوطًا نحو نهديها هامسًا بمكر:

- هشش، أنا قولت مش هغتصبك، الإغتصاب ده بيكون عبارة عن علاقة جنسية بالغصب والإجبار وأنا مش هعمل كده، أحنا هنلعب لعبة صغيرة أوي أنا وأتتي هنشوف بيها أنتي حموله قد أيه؟ ولو خسرتي أنتي اللي هتحكمي على نفسك.

شعرت بسريان القشعريرة فى كامل جسدها، فلمساته على جسدها ليست بهينة، بالإضافة إلى تلك الكلمات التي أصابتها بالهلع، لتصرخ فيه بزعر مما ينوي عليه:

- لعبة أيه! أنت مجنون ومش طبيعي؟

رفع بصرِه إلى داخل عينيها لتتقابل زرقاوتيهما معًا والكثير من النظرات المختلفة، التحدي، الكراهية، الغضب، الإنتقام، الرعب، الهلع، وطال الصمت بينهم للحظات مرت وكانها دقائق.

ما الذي يحدث؟ لماذا أطال النظر داخل عينيها هكذا؟ مهلا! لماذا هي أيضا تنظر له هكذا دون كلام؟ هل تحاول أن تستعطفه كي يحل قيوضها؟ هل تُحاول أستجماع قوتها لكي تعود فى مقاومته مرة أخرى؟ عليه أن يُكمل ما بدأه، إذا تراجع الأن سيكون حقا ليس رجلا.

كسر هذا الصمت وهو يُشيح بعينيه بعيدًا عنها كي لا يعود لذلك الشرود مرة أخرى هاتفًا بإقتضاب:

- قولتيلي بقى دي لعبة أيه؟

نهض من فوقها وبدأ فى خلع بنطاله المنزلي مُستمرًا فى حديثه:

- بصي يا ستي اللعبة دي عبارة عن إني هقعد ألعب مع مراتي شويه، زي أي راجل ما بيلعب مع مراته ونشوف بقى مراتي حمولة قد أيه؟

ألقى البنطال على الأريكة مُكملا حديثه:

- ولو عدى عشر دقايق من غير ما تطلبي مني إني أنام معاكي، تبقي أنتي كسبتي ومش هلمسك، إنما بقى لو خسرتي..

أنحنى ليخلع سرواله الداخلي كاشفًا عن رجولته أمامها بمنتهى الهيمنة مُضيفًا:

- هأخد حقكي منك تالت ومتلت، وهحاسبك على كل اللي عملتيه تحت وهوريكي بقى أنا راجل قد أيه.

أتسعت عينيها بصدمة ورعب من كل ما يحدث لها، هي مُقيدة وعارية تمامًا فى غرفة واحدة مع الشخص الذي يريد الإنتقام منها وهو أيضا عاري، وها هو يخبرها بطريقة ما إنه سيُضاجعها مُرغمًا إياها على طلب ذلك.

اللعنة، ما يقصد بحديثه هذا؟ ماذا يعني ب إنها هي من ستطلب منه هذا! ماذا سيفعل بها؟ لتصرخ به فى هلع وذعر من منظره وحديثه وتخيلاتها التي لا ترأف بها:

- أنت لو عملت كده أنا هقتلك، أوعى تقرب مني.
لم يكترث إلى حديثها وأنخفض بجذعه مُلقيًا بجسده عليها، وكانه يُحاول إقناع نفسه إنه بهذه الطريقة ينتقم منها أو يُعذبها، ولكن فى الحقيقة هو يُلبي تلك الرغبة المُلحة داخله منذ أن رأها، كم تمنى أن تُتيح له الفرصة بأخذها أسفل منه وتذوقها؟ ذلك الشخص الشره بداخله يُجبره على تملكها وخاصة عندما علم إنها لم يمسها أحدًا من قبل.

لم يترك لها فرصة فى التحدث وألتقط شفتيها بقبلة مليئة بالنعومة والشبق، وبمجرد أن تذوق طعم شفتيها أستسلم لحقيقة إنه يريدها كأي رجل يشتهي إمرأة، يريد أن يُفرغ بها تلك الحُمّ التي لا ترأف به كل مرة يراها فيها، يتذكر جيدًا عندما أرغمها على إرتداء ذلك الثوب ورأى جسدها مُفصلا لأول مرة، لن يُنكر إنه فى البداية كان يريد أن ينتقم منها على كل ما عناه مع "هناء" بسبب والدتها.

ولكنه عندما رآها بتلك الهيئة أنجذب إليها وإلى تفاصيل جسدها، وأزداد الأمر سوءً فى اليوم التالي عندما قطع ثيابها وكبلها وجلدها، يُقسم إنه فى ذلك اليوم كان يتمنى لو أن ينقض عليها ويلتهمها دون رحمة أو شفقة، ولكن ما كان يمنعه إنها هي عدوته ولا ينبغي أن يكون معها بهذا اللطف، بل لابد أن يجعلها تتأوه من شدة الألم وليست المتعة.

ليقسوه عليها فى قُبلته وجعل أستنانه تُشارك شفتيه، حتى إنه شعر بمذاق دماء شفتيها، ولكنه لم يهتم بهذا الامر ، بينما "ديانة" كانت تُقاومه منذ البداية خوفًا من أن يوصلها إلى تلك المرحلة التي تضعف بها بين يديه، ولكن مُقاومتها أصبحت أشد عندما شعرت بعنفه وشعرت وكأنه يقوم بتقطيع شفتيها.

لم يبتعد عنها إلا عندما شعر بحاجتها الشديدة إلى الهواء وأستمع إلى صوت أنينِها، وقبل أن تصرخ به مرة أخرى قام بالتقاط إحدى قطع القماش وقام بربطها على أعينِها، ليزداد توترها وخوفها، إنها لا تثق بهذا الشيطان وما يممن أن يفعله، لتصيح به ناهيته عما يفعل باشمئزاز:

- خليك راجل وفكني.

ابتسم بسخرية على سذاجة تلك القطة الشرسة خاصته، للد راقته كثيرًا هذه اللعبة، فهو من عشاق التحديات، أقترب من أُذنيها وأخذ يتنفس بهدوء ويستنشق رائحتها مُشعلًا النيران بجسدها متسببًا لها فى الكثير من الإثارة هامسًا:

- أنا لو فكيتك هبقى فعلا مش راجل.

عاد ليُقبلها مرة أخرى بشغف وإثارة لم يستطيع أن يُسيطر عليهما أكثر من ذلك، ليضرب برأسه ما فعلته هذه الفتاة مع "هناء"، شعر بكثير من السعادة والإنتصار لأن هذه الفتاة المُقيدة أسفله هي نفسها الفتاة التي أستطاعت أن تُهين تلك المرأة التى كانت وما زالت كابوسًا بالنسبة له، هي التي كانت تقسوا عليه وتضربه وتُقيده وتمنعه من كل شيئًا يُحبه الأطفال، فقط ليصبح شخصًا قاسيًا مثلها.

زاد من قسوة قبلته عندما تذكر كيف كانت تُشعره إنه أقل من الجميع، كانت تمنعه من اللعب حتى مع شقيقته ليصبح شخصًا انطوائيًا ليس لديه أصدقاء، شخصًا عمليًا قاسي القلب حاد الطبع يخشاه الجميع، وعلى الرغم من كل ذلك لا يزال يخشى هذه المُتجبرة، شعر بالغضب بالشديد عندما تذكر إنه ما زال يخاف منها رغم مرور كل هذه السنوات.

لم ينتبه لما يفعله سوا عندما أستمع إلى أنينها ووجهها الذي تحول للون البنفسجي بسبب إختناقها وإحتياجها إلى الهواء، أبتعد عنها لثوانٍ فقط ثم انقض عليها مرة أخرى طابعًا تلك العلامات القاسية على عُنقها ونحرها بمزيجًا من الإثارة والغضب، وكانه يُهيى لعقله إن ينتقم من "هناء" وليست "ديانة".

وكأنه يُحاول إكتساب قوته منها، وكانه يأخذ بثأر عشرون عامًا من العذاب والقسوة، يريد أن يجعلها تصرخ أسفله طالبة الرحمة والخلاص، ترى ماذا ستفعل "هناء" عندما تعلم إنه عصا أوامرها وضاجع تلم الفتاة؟ سوف يجن جنونها وهذا بالضبط ما يريده.

ظل يُداعبها بكثير من الطرق المثيرة والمتفرقة حول ثائر جسدها بداية من شفتيها ونعومتهم، مرورًا بمفاتنها التي راقته كثيرًا عندما لامسهما، نهاية بمراكز إنوثتها والتي جعلته يفقد عقله من لذتها وحُسنها الطاغي، بالتأكيد هذه أجمل شيء يراه فى حياته، لقد فقض عقله بالكامل، حتى إنه لم يعد يعي أهو يُعذبها أم يُمتعها ويستمتع بها.

بينما هي لم تعد تحتمل أكثر من ذلك، هي فى البداية كانت تمنعه وتقاومه بشدة، ولكن بمرور الوقت خارت قواها وتحطمت حصونها بالكامل بين يديه، فهو خبير جدًا بنقاط ضعف النساء ويعلم جيدًا ما يجعلهم يفقدون صوابهم ويصرخون أسفل يديه، وهذا ما حدث لها بالفعل:

- كفاية..، كفاية بقى، أرجوك كفابة.

ماذا قالت؟ لم ينتبه إلى ما قالته بسبب هيامهِ بذلك النعيم، لتُعبد هي كلماتها مرة أخرى مُترجية إياه أن يتوقف دون إدراكًا منها بما تقول، لقد ذهب عقلها من كثرة ما يفعله به.

ليرفع هو رأسه مُتفحصًا إياها بنظراته بينما لا يتوقف عما يفعله بها، ليهمس بأنفاس تعذبه أكثر مم تُعذبها، هو أيضا يكاد ينفجر من كم إثارته وإحتياجه الشديد لها:

- عايزة أيه؟

شعرت بالصدمة من سؤاله! بالتأكيد لا ينظر منها أن تطلب منه ذلك الأمر، لماذا يُعذبها الأن بمُحاولته أن يجعلها تطلب منه هذا الشيء؟ اللعنة علي ذلك الحقير، إنها لم تعد تحتمل، عليه أن يتوقف:

- كفاية أرجوك، أرجوك يا جواد.

أهي تترجاه الأن؟ وما هذا الصوت! إنها تتأوه وتصرخ بإسمه، اللعنة يشعر وكأنه رجولته ستنفجر، لقد وصلت لأعلى درجات الشهوة والإثارة، وهو لا يقل عنها شبقًا، ولكن لا، عليها أن تتوصل له ليخلصها من هذا العذاب:

- عايزة أية يا ديانة؟

صرخت برغبة مُتعالية لم تعد تحتملها، وليذهب ذلك الخجل إلى الجحيم، لتجيبه بكلمات مُتلعثمة من شدة شبقها:

- عايزاك تخلصني من اللي بتعمله ده.

أنزعجت ملامحها كثيرًا عندما توقف عما كان يفعله، ها هو توقف لماذا ذلك الشعور بداخلها لا يخمد؟ إنها لا تعرف حتى ما أسم هذا الشعور! إنها لم تُجربه من قبل، أيًا يكُن عليه أن يُنهي ما بدأه، لم تعد تستطيع السيطرة على حركة جسدها وكأنها نائمة فوق جمرات من النار.

أرتفع بجسده قليلا إلى أعلى ولكنه ما زال يجلس بين قدميها، لتتلاقى أعيُنهما معًا فى نظرة تصرخ بالرغبة والجامحة، ليتمتم هو بنبرة مُشتاقة لسماع ذلك منها مُستفسرًا:

- عايزاني أعمل ايه!!

أشاحت بنظرتها بعيدًا عنه مُحاولة الهرب من تلك الزقاوتان، بينما تحترق هي شوقًا للمزيد لكي تخلص من هذا الشبق الذي لا يرأف بها، لتصيح مُتوسلة:

- مش عارفة، مش عارفة بس أرجوك أرحمني بقى.

لم تكُن تلك الإجابة الذي ينتظرها، ولكنه لم يعد يحتمل أن ينتظر أكثر من ذلك، سيفعلها ويحرر نفسه من تلك المُعناة، إنه أيضا يريد التخلص من ذلك الألم الذي لا يرأف به، يريد أن يشعر بتلوي جسدها والاستمتاع إلى صرخات نشوتها، يريد أن يُرضي رجولته وأشباعها برؤيتها وهي تأتي بذروتها.

وبلحظة أقتحم حصونها التي كانت مُهيئة جدًا لذلك، لينعم بذلك الدفئ والنعومة الذي يقسم إنه لم يُجربهم من قبل، وكأنه لم يلمس إمرأة قط، كان سيندم كثيرًا لو لم يترك نفسه لينعم بتلك اللذة، مهلًا لحظة! هل هي حقًا تتفاعل معه؟ لاحظ إنسجامها الشديد معه وجسدها بتفاعل رغمًا عنها.

ما هذا الشعور الذي تختبره؟ دائمًا ما كانت تسمع أن العلاقة أول مرة تكون مؤلمة، ولكن ما هذا الذي يحدث؟ إنها لا تشعر بأية ألم! تشعر وكأنها مُحلقة فى السماء، ما الذي يفعله بها؟

أوصدت عينيها بإستمتاع شديد وتشبست بربطة عنقة المُلتفة حول يدها، ولا شيء يصدر منها سوا تلك التأوهات التي تتفلت منها رغمًا عنها، ثقِلت أنفاسها ووجدت جسدها يرتف بشدة، ولم تستطيع منع صرختها التي صدحت بالبيت بأكمله مُعلنه عن وصولها لذروتها.

سمح لنفسه هو الأخر أن يأتي بذروته، ليصرخان هما الإثنان معًا فى لذة ومتعة مُعلنين عن خلاصهم، وكانت تلك هي المرة الاولى التي يسمح فيها لنفسه أن يصرخ أمام إمرأة يُعاشرها.

أبتعد عنها مُلقيًا بجسده على الفراش مُحاولًا إلتقاط أنفاسه وتنظيمها، بينما أغمضت هي عينيها براحة كبيرة بعد أن وصلت إلى كامل نشوتها.

حرر "جواد" يديها من تلك العقدة وسريعًا ما نهض وأتجه إلى المرحاض ليُنعش جسده بعد تلك المعركة اللذيذة، وترك "ديانة" خلفه مصدومة مم حدث بينهما ومم أوصلها له.
+

يتبع...
أرتخى جسده تحت تدفق المياه الباردة التي منحته الإنتعاش بعد تلك المعركة بينهما، وقف يُفكر فيما فعله منذ قليل وسبب فعلته تلك؟ أحقا كان يُريد فعلها وأستغل الوضع! أم كان يُفرغ بها ما يحمله منذ عشرون عاما؟ لماذا إذًا تعامل معها بهذا اللطف واللين؟ لماذا كان يُضاجعها وكأنهما يُمارسان الحب؟

لماذا لم يفتك بها ويجعلها تصرخ ألمًا وليست متعة؟ لماذا صرخ معاها وهو لم يعتاد أن يصرخ أمام هؤلاء العاهرات التي يُضاجعهم؟ لما شعر بكل تلك النشوة والاستمتاع عندما أستمع إلى صرخات المتعة خاصتها وهو لم يكترث لأستمتاع أية إمرأة من قبل؟

حرك رأسه أسفل المياه مُحاولا طرد تلك الأفكار من مُخيلته، ثم قام بغلق صنبور المياه وألتقط إحدى المناشف القطنية ولفها حول خصره وألتقط أخرى واضعًا إيها حول عنقه وشرع فى الخروج من المرحاض مُتجها نحو غرفة تبديل الملابس، ليوقفه صوت بكائها المرير.

شعر بالدهشة من هذه الوضعية التي رآها بها، إنها تجلس على الفراش عارية تمامًا كما تركها، ولكنها أعتدلت فى جلستها وضامت ساقيها إلى صدرها وذراعيها ملفوفان حولهما مُحضتنة إياهما وتدفن وجهها فى ركبتيها، وصوت بكائها ونحيبها يملأن المكان.

أندهش لكونها تبكي ولأول مرة يرأها منهارة هكذا، لم يسبق له أن يرآها بهذا الضعف من قبل، حتى عندما قام بأخذ عُذريتها لم يراها تبكي حينها! لماذا إذا تبكي الأن؟

بينما كانت هي تبكي قهرًا وألمًا على ما حدث بينهما، تشعر بكثير من الإهانة التي لم تتعرض لها من قبل، لم تكن تتوقع أن يأتي عليها يومًا وتطلب بل وتُلح على رجُلًا أن يمارس الجنس معها، وليس أي رجل بل ذلك الحقير الذي تتمنى قتله، والذي يفعل أية شيئًا ليُشعرها بالذلة والمهانة.

إنه يريد تعذيبها والأن نجح فى تجريدها من كبريائها بجعلها تترجاه أن يفعل ذلك معها ليزداد بكائها ونحيبها، تريد أن تقتل نفسها فضلًا عن أن تتواجد معه مرة أخرى تحت سقف واحد، رفعت راسها مُحاولة التوقف عن البكاء وتنظيم أنفاسها، للتفاجئ به يقف أمامها، لتسحب الأغطية عليها بسرعة مُحاولة إخفاء جسدها عنه رامقة إياه بنظرات الكراهية.

أدرك هو سبب بكائها عندما رأى فعلتها تلك ليُخمن أن هذا هو سبب بكائها، إنها تشعر بالإهانة والذل بسبب ما حدث بينهم، ليشعر بطيف من الإنتصار والفخر على ما فعله بها، وعزم على أن يُزيد من إشعارها بالإهانة ليزداد شعوره باللذة والمتعة من ضعفها أمامه، ولأول مرة يشعر بهذا الكم من القوة وهو يرى ضعف إمرأة أمامه، ليهتف بإبتسامة مُستهزئة:

- كلهم فى البداية بيعملوا زيك كده، بس لما بيجربوا ويعجبهم هما اللي بيجوا لحد عندي ويترجوني عشان أنام معاهم تاني.
شعرت بكثير من الغضب والكراهية تجاهه لتشبيهها بالعاهرات الذين يمارس معاهم تلك القذارة، ولم تستطيع السيطرة على غضبها أكثر من ذلك، لتنهض دون إرادة منها أو وعي وسريعًا ما توجهة إليه لاكمة إياه فى صدره صارخة فى وجهه بضيقًا وغل:

- أنت فاكر نفسك أيه!! أنت حيوان، ومعندكش دم، ومش بتحس، وإبن...

كانت تتفوه بكل كلمة وهي تلكمه فى صدره، ليقاطعها قابضا على رسغها بعد شعوره بالغضب لكونها تدفعه بتلك الطريقة، بل وتتطاول عليه بالحديث، ليسحق أسنانه غضبًا مُعقبًا:

- عارفة لو فكرتي ترفعي صوتك أو إيدك عليا مرة تانية أنا هعمل فيكي أيه؟

رمقتة بغضب وتحدي والدموع مُتحجرة فى عيناها، إنها لم تتعرض لتلك الإهانة من قبل، لم يعُد يُهمها شيئًا، فهي تظن أنها رأت أسوء ما لديه، ولكنها لا تعلم إنها لم ترى شيئا بعد، لتصرخ فيه بحنق:
- هتعمل أيه يعني؟ هتقتلني! ياريت عشان أخلص منك ومن قرفك ده.

أزداد من شدة قبضته على يدها بغضب لكونها تتحداه مُضيفًا بسخرية:

- لااا، أقتلك ده أيه!! أنا مش هقتلك بالساهل كده، أنا هخليكي تتمني الموت فى كل لحظة وأنا ببهدلك وبطلع عين أهلك، ولما أبقى أزهق منك وأحس إني فشيت غليلي هبقى أموتك وأريحك.

دفعت يده بعيدًا عنها وأعتلت وجهها ملامح الإشمئزاز مُضيفة بإحتقار:

- أنت أحقر إنسان شوفته فى حياتي.

كادت أن تبتعد عنه، ليجذبها مرة أخرى وجعلها تلتف رغما عنها،ليصبح ظهرها مُقابلًا لصدره ووجهها مُقابلًا للفراش، ثم عقد ذراعيها أمامه خلف ظهرها وسريعا ما قام بالضغط على ظهرها راغمًا إياها على الإنحناء أمامه، ليصبح منتصفها السُفلي من الخلف مُقابلًا لرجولته هاتفًا بتوعد:

- كلمة كمان وهوريكي أنا حقير قد أيه وهخليكي تشوفي جزء بسيط جدًا من حقارتي.

أمتدت يده للقبض على مؤخرتها مما جعلها تنتفض بين يديه فزعًا وذعرًا، ليبتسم بإنتصار مُضيفًا:

- بس المرة دي مش هتبقى زي من شوية لا، دي هتبقى مختلفة عنها تمامًا فى المكان..

رفع يده وتهاوى بصفعة قوية على مؤخرتها مما جعلها تصرخ ألمًا مُكملًا بمكر:

- وفى الإحساس كمان وهتندمي ندم عمرك، لأن اللي هعمله فيكي مظنش إن حد عملوا معاكي قبل كده، وأنتي وشوقك بقى.

أبتلعت "ديانة" ريقها بخوف وذعر بعد أن أستنبطة ما يعنيه وإنه يُهددها بممارسة تلك العلاقة المُحرمة حتى بين الأزواج والمؤلمة جدًا أيضا، بينما لاحظ هو فزعها وذعرها، ليعزم على أن يمرح معها قليلًا ويستمتع بأن يُشعرها بمزيدًا من القلق والتوتر.

أمتدت يده لتلك المنشفة التي تُحاوط خصره وسريعًا ما قام بنزعها، ممَ جعلها تشعر بالفزع الشديد وأخذت ضربات قلبها فى التزايد، ليأتها صوته الرجولي مُستفسرًا:

- لسه عايزة تقولي حاجة؟

أستطاعت الإفلات من قبضته حول خصرها وسريعًا ما فرت من أمامه برعب وهلع مُتجهة نحو المرحاض وأوصدت الباب خلفها بلهفة، بينما لم يستطيع "جواد" السيطرة على ضحكته المُستمتعة ممَ حدث، وتلك أول مرة له منذ فترة طويلة أن يضحك بمصداقية هكذا، ليتجه هو الأخر نحو غرفة تبديل الملابس عازمًا على الذهاب إلى الشركة.

❈-❈-❈

أنتهى من تناول الإفطار بعد أن بدل ملابسه مُستعدا للذهاب إلى الشركة، دلف سيارته مُحددًا وجهته، ليوقفه صوت رنين الهاتف مُعلنًا عن إتصالًا، ليلتقط الهاتف ورد عليه بعد أن علم هوية المتصل، ليأتيه صوت أنثوي يصرخ بأستغاثة:

- ألحقنا يا هاشم بيه.

فزع من صراخها مُدركًا أن هناك مشكلة كبيرة قد حدثت، ليصيح مُستفسرًا:

- فى أيه يا هند؟

لاحظ أنها قد أبتلعت بقلق مما يتضح له أنها خائفة من ردة فعله، ولكنها بالطبع ليس أمامها حلًا أخر، يجب أن تُخبره بكل ما يحدث امتثالا لأوامره، لتجيبه بتوتر:

- الست هانم كنت بقطعلها فاكهة ودخلت المطبخ أطفي على الأكل، رجعت لقتها ماسكة السكينة وحطاها على رقبتها ومحدش عارف يسيطر عليها.

- لو جرالها حاجة هدفنكوا صاحين أنتي فاهمة؟ أنا جاي حالًا.

صرخ بها وأعتلت وجهه ملامح الصدمة والهلع، وسريعا ما ألقى الهاتف جانبه وقاد إلى ذلك المكان الذي يُخفيها فيه عن أعين الناس بعد أن شاع إنها قد توفيت من عشرين عاما.

بعد قليل من الوقت وصل إلى هذا المكان وسريعًا ما سحب مكابح السيارة بشدة، لدرجة أن السيارة قد صاحت من هول صدمة الإحتكاك، ترجل منها على عجل وركض مُتجها إلى داخل المنزل.

وقف مصدومًا ممَ يراه، "لبنى" تقف وتحمل ذلك السكين واضعة حرفه الحاد على رقبتها مُحاولة استجماع شجاعتها لنحر عُنقها ودموعها تنساب بكثرة، لن تنجح فى إثبات براءتها أمام "هاشم"، ولكن إذا كان موتها سوف يُنقذ حياة إبنتها؟ ستفعله.

ليأتها صوته المُحذر بغضب ممزوج بالرعب صارخا بها كي يوقفها:

- لبنى.

أرتجف جسدها عند سماع صوته، لتُحاول أن تفعلها قبل أن تضعف مرة أخرى، عساها أن تُرحم من ذلك العذاب التي هى أسيرته منذ أكثر من عشرين عامًا، ليتجه إليها "هاشم" بسرعة وقبل أن تنجح في ما كانت تنويه التقط منها السكين وسريعًا ما ألقاه أرضًا وسيطر على يديها فى قبضة يده صائحًا بمن حوله بغصب:

- أطلعوا كلكوا برا.

سريعا ما نفذ الجميع أمره وخرحوا من الغرفة، ليُحول "هاشم" نظره نحو "لبنى" التي تقف أمامه وهي تبكي بإنهيار بين يديه، ليأخذ نفسًا عميقًا براحة وأطمئنان لكونها لم يحدث لها شيئًا، ولكن لماذا يشعر بالراحة من كونها ما زالت بخير ومن المفترض إنه أول شخص يريد قتلها وتعذيبها!

هل يشعر بالشفقة تجاهها ويريد أن يرحمها؟ كلا، أتاه صوتًا بداخله يُزجره بالنهي، بالطبع لا يريد رحمها ولكنه يريد أولًا أن يرى عذابها وحسرتها على أبنتها عندما يقتلها أمام عينيها كما فعلت به عندما قتلت زوجته وأبنته التي كانت في رحمها، أو هذا ما يُحاول إقناع نفسه به.

شعر بالضعف الشديد عندما تذكر ما حدث لزوجته وجنينه فى هذا اليوم، امتلأت عيناه بالدموع وهو يوجه حديثه نحوها مُعقبًا بانهيار:

- ليه عملتي فينا كلنا كده؟ ليه دمرتي عيلة بحالها؟ قتلتى مراتي واللي فى بطنها ودمرتيني ودمرتى بيتي، ودمرتي أختي وأتسببتي فى موت أخويا، خلتيني أعمل حاجات أندم عليها لحد دلوقتي، خلتيني أخطف واحده ست وأحبسها وأنا اللي عمري ما أستقويت على حد ضعيف، خلتيني بدور على بنت أخويا الوحيدة وأبقى عايز أقتلها لأنها بنتك أنتي، رغم إن جواد جابها إلا إني مش قادر أروح أشوفها، مش عارف ممكن أعمل أيه لو شوفتها، فى الأول وفى الأخر هي بنت أخويا.

كان يتحدث بصدق هذه المرة غير مُدركًا لما يقوله، عندما يسقط المرء فى هاوية الإنهيار لا يُدرك ما يقول، ولكن المؤكد إنه يقول ما بداخل قلبه بصدق، لتشعر هي بالقليل من الراحة ولأول مرة تتأكد أن قلب "هاشم" لا يزال نقيًا ولم تنجح "هناء" فى تدنيسه بعد.

بينما تذكر هو علاقته مع "هناء" وما يُعانيه معها تحت مُسمي الزواج، ليستمر فى إنهياره أمامها وكأنه يتحدث إلى نفسه:

- وأكتر حاجة ندمان عليها لحد دلوقتي، هي جوازي من هناء، اللي هي أخت مراتي، واللي أنا عارف إنها كانت بتحب أخويا ومع ذلك وافقتها فى طلبها، وأديتها وعد إني مش هقربلها طول العمر.

إندهشت ملامحها لما أستمعت إليه، فقد سبق لها وأن علمت أن "هناء" كانت تُحب "شرف"، ولكن هذه أول مرة تعرف فيها أن "هاشم" كان على علم بذلك الشيء، وهذا يُفسر سبب قبول "هاشم" لطلبها هذا، بينما استعاد هو سيطرته على انهياره، ليقبض على ذراعيها بغضب وكراهية والدموع تتساقط من عينيه مُضيفًا:

- شوفتي بقى عملتي فينا أيه؟ عشان كده أنا مش هسيبك تموتي بالساهل كده، لازم أعذبك زي ما أنا اتعذبت، لازم أحرق قلبك زي ما حرقتي قلبي، لازم أكويكي بناري اللي أنا مكوي بيها بقالي عشرين سنة، اشتياق وحرمان وضعف وعذاب، لازم تدفعي التمن يا لبنى.

هزت رأسها بنفي تُحاول للمرة المليون أن تجعله يفهم إنها لم تفعل شيئا، ولكن لا فائدة من ذلك، بينما "هاشم" لم يعد يستطيع السيطرة على نفسه أكثر من ذلك فتلك الرغبة والحرمان بداخله لا يرأفان به أبدا، بالإضافة إلى تلك الشفتان المرتجفتان أمامه الذي يود أن ينتقم منهما.

لينقض عليها مُلتهما شفتيها بمنتهى الغضب والقسوة غير مُكترث لتلك التى أنصعقت من صدمتها مما فعله وتُحاول دفعه بعيدا عنها ولكن دون فائدة، هو كالجدار لا يتحرك ابدا.

ظل ينتقم من شفتيها حتى غرق في سحريهما، بينما "لبنى" لم تعد تستطيع إبعاده خصيصًا بعد شعورها بالإختناق وإحتياجها للهواء، وبعد لحظات ليست بقليلة أخيرًا أبتعد عنها بعد صياح هاتفه مُعلنا عن وجود إتصالًا من "جواد".

شهقت "لبنى" مُحاولة تنظيم أنفاسها بعد شعورها بالإختناق التام وظنت أنه يُحاول قتلها، بينما هو شعر بالصدمة والغضب من نفسه مما فعله، كيف لم يستطع أن يسيطر على حاله؟ ماذا فعلت تلك اللعينة حتى أجبرته على تقبيلها؟ كيف لم تمنعه عن فعل ذلك!

رمقها بكثير من الغضب والإشمئزاز مُلقيا عليها وحدها خطأ ما حدث الأن، مُحاولا إقناع نفسه إنها كانت تستطيع أن تمنعه ولكنها لم تفعل، صفعة قوية تهاوت من يده على وجهها مُعقبًا بإحتقار:

- كنت عارف إنك وسخة ونجسة.

سريعا ما رحل هاربًا مما فعله تاركًا إياها خلفه غارقة فى بُحور ما يحدث ودموعها لا تتوقف عن الإنسياب مُلقية الذنب على نفسها، على الرغم من أنها حقا لم تقدر على إبعاده عنها.

❈-❈-❈

ألقى هاتفه على المكتبه بإنزعاج ونفاذ صبر ليأتيه صوت "إياد" الجالس أمامه مُستفسرًا:

- أيه مبيردش بردو؟

أغمض عيناه مُجيبًا بإقتضاب:

- لا.

لاحظ "إياد" إنزعاجه ليُحاول تهدئته وإشغاله بأمر آخر، وأيضا ليُخبره بما يجب أن يحدث الفترة القادمة:

- زمانه جي يمكن عنده مشوار ولا حاجة، المهم فرع الشركة بتاعتنا فى لوس أنجلس، المفروض هنمضي صفقة كبيرة مع شركة عقارت كبيرة هناك ومحتاجين حد يسافر كمان أسبوع ضرورى، وهاشم بيه أنت عارفه بقاله حوالي سنة مش بيسافر لإكمال صفقات، يعني مفيش قدمنا غير معاليك اللي لازم تسافر.

قال جملته الأخيرة بإستهزاء ظنًا منه أن "جواد" ليس لديه مزاج للسفر، بالطبع لن يقبل تلك السفرية الأن وعملهم سيتعطل بسبب مزاجيته اللعينة، ليفأجئه "جواد" مٌجيبًا برسمية:

- تمام، أحجزلي فى طيارة الأسبوع الجاي.

أندهش "إياد" مما أستمع إليه ليهتف مستفسرًا:

- أنت بتتكلم جد! السفرية دى مش يومين أو أسبوع، دي ممكن تعدي الشهر.

أمتعضت ملامحه بقليل من الإنزعاج مُعقبًا بحزم:

- هو أنا عيل صغير معاك مش هبقى فاهم اللي بقوله ولا ايه يا إياد؟
لاحظ "إياد" إنزعاج صديقه وأدرك إن هناك شيء ما يُعكر صفو مزاجه، ليُفضل إنهاء الحديث قبل أن يزداد الامر سوء ويتشاجران:

- لا يا عم أنت حر، براحتك.

خرج "إياد" من المكتب تاركًا إياه خلفه يفكر فيما حدث بينه وبين "ديانة" صباح اليوم، ليشعر بكثير من الغضب لكونه يفكر بها دائما، إنها تُشبه اللعنة التى تُصيب الإنسان، ما زال لا يستطيع تفسير ما حدث بينهم، اهو حقا كان يريد أن يقوم بممارسة علاقة معها! أم إنه فعل هذا لكي يشعر بالإنتصار على "هناء" بكونه أهان الفتاة التى أستطاعت إهانتها؟

أم إنه كان يحاول أن يُقنع نفسه إنه يستطيع أن يعصي أولمرها ويفعل ما يريده؟ شعر بالتشتت من تلك التناقضات بداخله، ليلتقط هاتفه وسريعًا ما شرع فى الخروج من الشركة بأكملها.

❈-❈-❈

بعد مرور أكثر من أسبوعين..

جالسة بغرفتها وشعور القلق لم يُفارقها منذ يومان، وذلك بعد أن لاحظت إطالة فترة غيابه عن المنزل، لا تُنكر إنها تشعر بالراحة من عدم وجوده، ولكن الأمر أصبح مُريباً بالنسبة لها، يكفي إنها تعيش بهذا المنزل بمفردها.

نعم فى نهاية كل أسبوع تأتي لها تلك الفتاتين الذين سبق وأن أتوا إليها بالملابس من قبل، ولكن هذه المرة يُحضرون لها جميع الأغراض التي يمكن أن تحتاجها من طعام وشراب، ولكن هذا لا يعني أن تتقبل حبستها بهذا المنزل، لقد حاولت الخروج منذ عدة أيام ولكن هؤلاء الأوغاد على البوابة لم يسمحوا لها.

اللعنة على هذا الغبي الذي يظن نفسه المُتحكم الأول والأخير فيها، حتى إنها لا تعلم أين هي؟ ولا يُمكنها أن تورط "مالك" فى هذا الأمر، يكفي إنها تتحدث إليه وتطمئنه على نفسها من وقت لأخر هو وجميع أسرتها، لن تورط أحد بينها وبين ذلك الحقير، إنها تتذكر جيدًا ما حدث بعد ذلك اليوم.

••

تجلس بغرفتها تُفكر فيما حدث بينهم منذ ثلاثة أيام، لتمتعض ملامحها بالكثير من الغضب عندما تذكرت كل ما فعله بها، تلك الطريقة المُهينة التى أفقدها بها عُذريتها بأمر من هذه المرأة الحقيرة، ولم يكتفي بهذا الأمر بل مارس معها ولأول مرة بهذه الطريقة الخبيثة مما جعلها تشعر وكأنها عاهرة من تلك العاهرات الذي يعرفهن.

أغمضت عينيها بكثير من الإشمئزاز والكراهية عازمة على أن تمنعه من التقرب إليها مرة أخرى حتى ولو وصل الأمر لأن يقتلها أو تقتله.

قطع تفكيرها صوت صياح مكابح سيارته التي توقفت فجأة مُعلنة عن وصله، لتشعر بالقلق والتوتر من فكرة مجيئه وذهبت كل شجاعتها وكأنها تبدلت إلى فتاة أخرى تخشى قُربه، تململت بفراشها مُصطنعة النعاس حتى تستطيع الهروب من ذلك اللعين.

فتح "جواد" باب الغرفة بإندفاع وكأنه نسى وجودها، لتقع عيناه على تلك التي تتوسد الفراش غائبة فى نومها، وقف أمام فراشها لتشعر هي بقربه وأرتجف قلبها خوفًا من تنفيذ تهديده الذي أخبرها به صباح اليوم، ولكنها هدأت قليلا عندما شعرت بإنصرافه وتوجهه نحو غرفة تبديل الملابس.

بعد وقت ليس بكثير خرج من غرفة تبديل الملابس بعد أن بدل ملابسه، لتظن هي إنه قادم للنوم بجانبها، ولكنها أندهشت من مُغادرته الغرفة غالقًا بابها خلفه، لتُدرك إنه سيتجه إلى غرفة أخرى وذلك الشيء راقها كثيرًا، ولكن الأمر أصبح مُخيفًا بالنسبة لها بعد أن مر الأسبوع كامل وهو يتجنبها تماما وكأنها غير موجودة من الأساس، إنه يستيقظ باكرًا ويقضي اليوم كُله بالخارج ولا يعود سوا لينام فقط ويُعيد نفس الأمر كل يوم لمدة أسبوع كامل، بينما يزداد قلقها وخوفها من ذلك الهدوء الذى تملكه ولكنها تُطمئن نفسها ظننا أن هذا جيد.

•••

كان ذلك قبل ثلاثة أسابيع، فهى منذ مرور ذلك الأسبوع وهي لم تراه أبدا حتى إنه لم يأتي إلى البيت، أصبح الأمر مُريبا جدًا بالنسبة لها، فقد بقيت لثلاثة أسابيع تجلس فى هذا البيت بمفردها وهى لم تعتاد هذا الأمر، حتى إنها لا تستطيع الخروج من هذا البيت، لا تملك سوا هذا الهاتف الجديد الذي أرسله لها بعد أن أخذ هاتفها ذلك اليوم الذي سمعها فيه وهي تُحدث "أدهم".

قطع تفكيرها صوت جرس الباب مُعلنا عن قدوم أحدهم، لتُسرع نحو الباب ولكنها توقفت للحظة ظنًا منها إنه قد يكون "جواد"، ولكنها تتذكر أن بحوذته مفتاحًا وإذا كان هو لكان لم يضرب الجرس، فتحت بحظر شديد لتتفاجئ بتلك التي تقف أمامها، تشعر وكأنها رأتها من قبل ولكنها لا تتذكر من تكون.

كيف دخلت إلى هنا! هل سمح لها الحرث بالدخول؟ أهي من هذه العائلة حتى سمحوا لها؟ متى ستتخلص من هذه العائلة؟ رمقتها بإهتمام مُستفسرة:
1

- أي خدمة؟

قابلتها الأخرى بابتسامة صادقة وهي تقوم بخلع نظارتها مُجيبة إياها بود:

- أنا زينة بنت عمك.

أطالت "ديانة" النظر إليها وهي لا تعلم ماذا تفعل! أتُدخلها أم تطردها؟ لقد رأت ما يكفيها من تلك العائلة بداية من ذلك "جواد" نهاية بتلك المرأة الوقحة، ولكن الشيء الذى يُربكها هو ابتسامة تلك الفتاة التي لا تعلم أهي صادقة أم لا؟ ليأتيها صوت "زينة" مُستنكرة:

- أيه هتسبيني واقفة على الباب كتير كده ولا أيه!

حمحمت بحرج وقررت أن تُدخلها على الأقل تتحدث إلى أحدًا أفضل من التحدث إلى نفسها طوال تلك الفترة الماضية، لتهتف بترحيب؟

- لا طبعًا، أتفضلي.

دلفت "زينة" المنزل وجلست بصحبة "ديانة" مُحاولة معها بدأ الحديث دون إشعارها بأي هجوم أو لوم عليها، لتبتسم لها مُضيفة بود:

- طبعا أنا كان نفسي أقعد معاكي من بدري، تقريبا من أول ما عرفت إنك أنتي وجواد أتجوزتوا، بس بصراحة كنت مستنية شوية لحد ما الأمور تهدء، وأستغليت سفر جواد وقولت أجي أقعد معاكي شوية.

ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها بصدمة مُستفسرة:

- هو مسافر؟

شعرت "زينة" بالدهشة من صدمة "ديانة" وكونها لا تعلم عن سفر زوجها، ولكنها تذكرت شدة "جواد" وجفائه وعدم إكتراثه لإخبار أحدًا عما يفعله،وخصيصًا تلك التي يظنها عدوته، لتُحاول إصلاح ما أفسدته بحديثها:

- هتتعودي متقلقيش، أصل جواد كده بيعمل الحاجة ومش بيعرف حد خالص عنها، ده أنا عرفت من بابا بالصدفة.

أومأت لها "ديانة" برأسها مُتفهمة حديثها، لتشعر "زينة" أن هذا الوقت المناسب لمُحادثتها:

- خلينا فى اللي أنا جيالك عشانه، أنتي أكيد عرفتي أيه سبب جواز جواد منك وأيه اللي حصل من عشرين سنة، طبعًا أنا مش جايه أفتح فى القديم أو أتكلم معاكي فى حاجه بخصوص اللي، أنا عارفة إن ملكيش ذنب وعارفة إن اللي بيفكر فيه بابا وجواد وخالتو هناء غلط، سواء ماما أو مامتك هما الأتنين ماتوا وربنا هو اللي هيحاسب على اللي حصل أيًا كان أيه، أنا جايه أقولك إني مش معاهم فى أي حاجة، وعايزه أقولك على حاجة كمان.

أبتلعت بمرارة وحزن مم ستقوله، مُكملة:

- بابا وجواد مش وحشين، هما بس موجوعين من موت ماما وخصوصا جواد، لإنه هو اللي شاف الحادثة وهو أكتر واحد اتأثر، بس أنا أكيد مش هقف أتفرج وهقنعه إنك ملكيش ذنب وعايزاكي تصدقيني وتسمحيلي إننا نكون صُحاب وقريبين من بعض، لإني معنديش أخوات وكان نفسي بجد يبقى عندي أخوات بنات، بس أهو اللي حصل بقى، ياريت توافقي نكون صحاب وأخوات.

شعرت "ديانة" بالصدق فى حديث "زينة" وإنها ليست مثل ذلك المغرور وتلك العقربة التي علمت إسمها للتو، يبدو أن هذه الفتاة طيبة وبريئة، ويبدو أيضا إنها لا تعلم مدى قذارة شقيقها ومُعاملته القاسية المُجردة من أية إنسانية، لتُقابلة بابتسامة ود وإمتنان:

- أكيد طبعًا أقبل، أنا كمان حسه نحيتك براحة وكأني أعرفك من زمان و..

قطع حديثها صوت جرس الباب مُعلناً عن قدوم أحدًا أخر لتستأذن من "زينة" وتوجهت نحو الباب، وما إن فتحته حتى صاحت بسعادة وفرح مُعانقة إياها بلهفة:

- ملك، وحشتيني، وحشتيني أوي أوي يا روح قلبي.

بادلتها "ملك" العناق مُعقبة باشتياق ولهفة مُماثلة وقد ترقرقت الدموع بعينيها:

- وأنتي كمان وحشتينا أوي يا ديانة.

أدخلتها "ديانة" وقامت بإصطحابها إلى "زينة" ليتعرفان على بعضهما، قدمت "ديانة" ملك" إلى "زينة" بحب:

- بما إنك يا زينة بتحبي جو الأخوات والصحاب وكده تقدرى تعتبرى ملك أختنا الصغيرة، ملك تبقى أختي.

استنبطة "زينة" أن تلك الفتاة هي شقيقة "مالك" الذي سبق وحدثها عنها، لتبتسم لها بحب وترحاب بينما حولت "ديانة" نظرها نخو "ملك" موضحة:

- ودى يا ملك تبقى زينة بنت عمي وأختنا الكبيرة من دلوقتي.

صافحتها "ملك" بود، بينما شعرت "ديانة" بالتعجب من مجئ "ملك" إلى هنا! كيف عرفت العنوان؟ وكيف سمح لها الحُراس بالدخول، لتهتف مُستفسرة:

- صحيح أنتي جيتي هنا أزاي؟ عرفتي العنوان منين! وأزاي أصلا الحُراس سابوكي تدخلي؟

أبتسمت "ملك" على ذلك ذهولها وكثرة أسئلتها مُجيبة إياها:

- واحدة واحدة هفهمك كل حاجة، إنتي عارفة إن مالك جبلنا بيت ونقلنا هنا ودراسني بقت هنا، عشان كده بقيت بخرج عادي وقربت أحفظ الأماكن كمان، أما بالنسبة بقى لعرفت البيت إزاي والحرس دخلوني إزاي فالفضل يرجع لإياد بصراحة.

قطبت "ديانة" ما بين حاجبيها مستفسرة:

- إياد مين؟

تدخلت "زينة" موضحة الأمر لها:

- إياد ده يعتبر الصاحب الوحيد لجواد وبيشتغل معاه فى الشركة وباباه كان صاحب بابا جدَا.

حولت "ديانة" نظراتها نحو "ملك" بمزيد من التعجب:

- وده أنتي وصلتيلوا إزاي؟

قصت "ملك" عليها ما حدث منذ البداية وذهابه إلى بيتهم فى القاهرة، مرورًا بعزيمته لها على الغداء منذ ثلاث أسابيع، نهاية بإخبارها أن "جواد" قد سافر وإنه سيُحضرها لكى تراها وتطمئن عليها ويُعيدها إلى البيت مرة أخرى.

مطت "ديانة" شفتيها جانبًا ويبدو عليها القلق من تلك العلاقة مُهمهة:

- امم وبعدين!

لاحظت "ملك" قلقها وعدم راحتها لتلك العلافة، لتُحاول أن تُطمئنها ببعضًا من المرح والمشاكسة هاتفة:

- لا متقلقيش أنتي عارفة ملك كويس، آه تبان مجنونة وطقة، بس وقت الجد نهد الدنيا هد.
ضحك كلا من "ديانة" و"زينة" على طريقة ملك المرحة والمليئة بالطاقة والعفوية، بينما لاحظت "زينة" إنجذاب "ملك" ل"إياد" وهذا واضح فى حديثها عنه، لتدرك إنها ليست وحدها من تشعر بذلك الإنجذاب السريع تجاه شخصًا لم تراه من قبل.

هناك تلك المُشاكسة أيضا يبدو عليها الإنجذاب لذلك المُراوغ ذو الكلام المعسول الذي يُدعى "إياد"، لنرى إذًا إلى أين سنصل فى تلك المتاهة الكبيرة التي تُدعى الحياة.

❈-❈-❈

جلست بصحبتها بعد أن عادت من عند "ديانة" وقصت عليها ما حدث وحديثهم معًا وإنهما أصبحا أصدقاء وتقربًا من بعضهم البعض كثيرًا.

شعرت "ماجدة" بسعادة وراحة من تقرب "زينة" إلى "ديانة"، وإنها لا تُفكر فى الانتقام منها، حتى إنها يُمكن أن تُقنع "جواد" بأن لا يؤذيها وأن ينسى ما يُفكر به.

لاحظت "زينة" سعادة "ماجدة" لتُقرر أن تتحدث معها فى ذلك الأمر الذي لطالما أصبح لا يُفارق بالها، لتُضيف ببعضًا من التوتر:

- بصي فى حاجة كده كنت عايزة أحكيلك عليها، فاكرة مالك اللي كان جيه زعق هنا وسأل على ديانة؟

رفرفت "ماجدة" بأهدابها كإشارة منها إنها تتذكر، لتُكمل "زينة" بخجل:

- بصراحة أنا وهو الفترة دي بنتكلم كتير جدًا وحاسة بحاجة غريبة أوي، حاسة إني ببقى مبسوطة وأنا بكلمة، كأننا صحاب أو نعرف بعض من زمان، بحس إني مستنياه يكلمني، أو ممكن أنا أخترع حوار عشان أكلمه.
+

لمعت عينيها بسعادة لمجرد التحدث عنه مُضيفة:

- أنتي عارفة إني مش من النوع اللى بينجذب لحد بسهولة، ولا ليا فى جو المراهقة ده، وده اللي محيرني! هو إنسان كويس ومحترم وناجح فى شغله وفى صفات كتير حلوة، يمكن عشان كده إنجذبتله! بس حقيقى يا عمتو متوترة ومش عارفة أعمل أيه؟

رمقتها "ماجدة" بنظرة حب وإبتسامة واثقة، مم جعلها تشعر وكأنها تُخبرها إنها تثق بها وإنها ستفعل الصواب بالتأكيد، لتبادلها "زينة" الابتسامة ونهضت لتُعانقها بحب.

كل هذا وتلك المُتصنتة كالعادة تسترق السمع إلى حديثهما وقد شعرت بالغضب الشديد مم أستمعت إليه، لتُخرج هاتفها وأجرت إتصل لأخد الأرقام وما إن أتاها رده حتى بدأت فى إلقاء أوامرها عليه:

- زينة بنت هاشم عايزاك عينك عليها وكل تحركاتها تبقى عندي لحظة بلحظة.

أنهت إتصالها وعزمت على تدمير ذلك الشيء الذين يُحاولون تشيده، هى لم تقبل بالخسارة فى الماضي والان أيضا لن تقبل بها مهما تطلب الأمر، لتُتمتم بحدة:

- مش هسمحلكوا تهدوا اللي بنيته من أكتر من عشرين سنه يا بنت لبنى أنتي وبنت هاشم، حتى ولو كان آخر يوم فى حياتي، واللي أنا مخططاله هيحصل يعني هيحصل.

يتبع...
جالسًا على الأريكة بغرورهِ المُعتاد، ينظر إلى تلك الفتاة المثيرة التي تقف أمامه مُنتظرة اوامره، تلك الفتاة التي طلبها وكان شرطه أن تكون عذراء ولا يزيد عمرها عن العشرون عاما، وهذا بعد أن أحضر الكثير من الفتايات العاهرات للممارسة معهن، ولكنه فى كل مرة يتوقف عمَ يفعله ويشعر بالاشمئزاز الغير مُبرر.

أقنع نفسه إنه فقط يشمئز منهن كونهن عاهرات وقد مارسن الجنس لكثير من المرات، وبالطبع يحملن الكثير من الأمراض، لهذا السبب أحضر هذه المرة فتاة لم يسبق لها أن مارست ذلك الأمر، لعله يصل إلى ما يريده.

رمق الفتاة مُتفحصًا إياها مُحاولًا إثارة نفسه بجسدها البض ذو القوام الممشوق والشعر الأصفر الحريري والعيون الخضراء، ليأمرها بخلع جميع ملابسها وإنتظاره بالفراش.

فعلت الفتاة ما أُمرت به وسريعًا ما توسدت الفراش فى إنتظاره، بينما كان هو يُتابعها بزرقاوتيه مُتفحصًا كل إنشًا فى جسدها، وكانت حقًا مثيرة للغاية، تمتلك نهدان كبيران مشدودان وأيضا مؤخرة مُستديرة ممشوقة تُثير أي شخصًا ينظر لها.

نهض من مقعده بعد أن شعر بتأجج الإثارة داخله وإنتشاء رجولته، ليتجه نحو الفراش مُتخلصًا من قميصه وسريعًا ما تخلص من كامل ملابسه، ليقف بضخامته أمام تلك الفتاة التي بالفعل نهضت وجلست بين قدميه وبدأت فى ممارسة عملها كإحدى العاهرات المتمرسات، وظلت تتلاعب بأوتار رجولته مُحتضنة إياها بشفتيها، لتخور قواه أمامها ويسقط من برجه العالي أمام خبرتها باستخدام تلك الشفاه.

دفعها على الفراش وأعتلها بهمجية راقت لها كثيرًا وكاد أن يدفع بها، لينتابه فاجأة نفس ذلك الشعور بالنفور والإشمئزاز، على الرغم من إنتشاء رجولته وشعوره بالإثارة والرغبة الشديدة فى التخلص من ذلك الألم، إلا إنه لم يستطع فعلها، فكلما حاول الإقتراب منها يزداد إشمئزازًا.

زفر بحنق شديد مبتعدًا عنها مُنزعجًا من ذلك الشعور الذي يحدث له كلما حاول الأقتراب من أيه فتاة بعد لقائه معها، على الرغم من رغبته المُثارة، إلا إنه لا يستطيع القيام بذلك الأمر، وها هو على ذلك الحال لما يُقارب شهرا ونصف، ما هذا الشيء الذي أصابه؟ فهو غير مُعتاد على مرور كل تلك الفترة دون القيام بذلك الأمر.

أقترب منها وحاول أن يبدأ فى مُداعبتها وتقبيلها ولثاني مرة يُفكر فى ممارسة الجنس الرقيق وليس العنيف، لعله يصل إلى خلاصه، بينما شعرت تلك الفتاة بالسعادة لإقترابه منها، على الرغم من حدته وجفاء مُعمالته إلا إنه وسيمًا للغاية وقد يأسر قلب الكثير من الفتايات.

انحنى تجاه شفتيها ليتذكر ذلك اليوم الذى قام فيه بالإقتراب من "ديانة" وها قد حدث له أخر شيء يمكن أن يتمنى حدوثه، فقد رأى "ديانة" بين يديه للحظة، ليشعر أن كل ما يُحاول فعله منذ شهرًا ونصف لم يُشكل فارقًا فيما يفكر به.
إنها تستحوذ على تفكيره طوال الوقت، حتى عندما يأتي بهؤلاء الفتايات يتذكرها ويتذكر تلك المرة التى مارس معها، وكانت هذه المرة الاولى له أن يُمارس فيها الجنس الرقيق، فهو لا يهتم سوى بالوصول إلى خلاصه الذي لا يأتي سوى بممارسة عنيفة مع هؤلاء العاهرات، ويبتعد بعدها غير مكترثًا لهن، ولكن معها كان الأمر مُختلفًا.

لعن بداخله نفسه وتفكيره بها حتى الأن وهو بين يديه فتاة تفقض أعتي الرجال ثباته أمامها حُسنها وأنوثتها، ف"ديانة" لا تترك مُخيلته، ليبتعد عن الفتاة أمرًا إياها باللغة الإنجلزية:

- أرتدي ملابسك وأذهبي.

صُدمت الفتاة من جُملته التي لن تتوقعها، إنها رأته مُنتشيًا وفى قمة إثارته! لماذا إذا يطلب منها الرحيل؟ لتُعقب مُستفسرة:

- لماذا سيدي! ألم أروقك؟

أغمض عينيه بغضب ممَ يحدث له، ولكنه لا يريد أن يخرج ذلك الغضب على أحد خصيصًا هذه الفتاة، ليُجيبها مُصطنعًا الهدوء:

- الأمر لا يتعلق بكِ، فأنا مُشوش ولا أريد القيام بذلك الأمر الأن، ستحصلين على النقود المُتفق عليها، والآن أذهبي.

نهضت الفتاة مُمتثلة لأمره مُجيبة بأحترام:

- كما تشاء سيدي.

نهض هو الأخر مُتجها نحو المرحاض بعد أن أعطاها المال وتركها تنتهى من ملابسها أمرًا:

- أريد أن لا أراكي عندما أخرج.

دلف إلى المرحاض مُحاولًا التخلص من هذا الغضب الذي ينهش رأسه، ليذهب صوب الصنبور وفتحه ثم ملأ يده بالمياه ونثرها على ثائر وجهه بفوضوية، ظنًا منه إنه قد يتخلص من تلك النيران المُشتعلة به.

خرج بعد أن أستمع إلى صوت إغلاق الباب مُدركًا أن هذه الفتاة قد رحلت، ألتقط هاتفه من فوق الكومود مُحاولًا إشغال عقله فى أي أمرًا حتى لا يُفكر بتلك التي لا تُفارق مُخيلته، ليجد أن هناك رسألة من "هناء"، ليعود له غضيه مرة أخرى، وذاد إشتعاله عندما قرأ مُحتوى الرسالة وهو:

- زينة أختك كل يوم عند الزفته اللي أنت مش عارف تخلصنا منها لحد دلوقتى، شوفلك حل قبل ما تسيطر عليك أنت كمان وتمشيك جمبها بطوق فى رقبتك زي الكلاب.

ألقى هاتفة على الفراش وأخذ يُكسر فى كل شيء حوله بكثير من الغضب والكراهية تجاة تلك المرأة التي تسطيع دائمًا أن تُشعره بالضعف والعجز، وما يجعل الأمر أسوء هو إنه لا يستطيع الصراخ بها لكي تكف عن فعل ذلك الشيء به، والأن للمرة المليون تُشعره بالإهانة والعجز أمامها، بجعلها تُحاول أن تُقنعه أن تلك الفتاة أقوى منه وتستطيع أن تجعل منه مُسخة أمام الجميع.

ازدادت نيرانه عندما تذكر هذه الفتاة وتذكر قوتها أمامه وجرأتها وعدم إكتراثها له بالرغم من كل شيء فعله بها، بل وتذكر أيضا ما فعلته مع "هناء" وشجاعتها أمامها، والتي لا يملك هو منها قيد أُنملة للوقوف بوجهها، ليشعر بالحقد الشديد تجاهها، عليه أن يقتص منها ويجعلها تندم على الوقوف أمامه.

أما عن تلك المرأة التي تُدعى والدته التي ربته، ابتسم مُستهزءًا على ذلك اللقب، والدته يا للسخرية، هذه المرأة هي الوحيدة التي لا تصلح أن تكون مثل والدته، هي الوحيدة التي تُشعرة بالعجز والضعف خصيصًا معها هي وذلك الشيء منذ طُفولته، تلك الطريقة التي كانت تُربيه بها.

كانت عبارة عن ضرب، حبس، حرمان، قسوة، جفاء، مُعاقبة، إستهزاء، تقليل من شأنه، وأكثر من ذلك، ليكبر ويكبر معه خوفه منها ومن قسوتها، حتى بعد أن أصبح رجلًا قويًا يخشاه الجميع، ظلت هي الشخص الوحيد الذي يُشعره إنه أضعف مخلوقات الأرض.

على عكس تلك الفتاة التي لم يُفكر سوا بالإنتقام منها وقتلها لكونها ابنة المرأة التي تسببت فى موت والدته وجعله يكون تحت رحمة تلك المرأة التي تدعى "هناء"، ولكنه لم يتخيل ولا بأسوأ كوابيسه أن تلك الفتاة ستكون هى مصدر قوته أمام هذه الشيطانة التى تُشعرة بضعفه.

نعم هو شعر بكثير من السعادة عندما رأى "ديانة" تقوم بإهانة "هناء" وكأنها تثأر له منها وتفعل ما لم يستطيع هو فعله، بل وما جعله يشعر بمدى قوته عندما قام بممارسة قوته عليها، شعر إنه أقوى من "هناء" بكونه يفعل ذلك بالفتاة التي أستطاعت النيل منها.

ولكنها أيضا لا تُفارق مُخيلته أبدا، لدرجة إنه تمنى لو إنها لم تكن ابنة "لبنى" التي قتلت والدته والذي عليه أن ينتقم منها على ما فعلته والدتها، ليزداد ذلك التشتت بداخله والذي لا يرأف به أبدا.

ألتقط هاتفه مرة أخرى وقام بإجراء إتصالًا إلى أحدهم، وبمجرد أن أجابه هتف به أمرًا:

- أحجزلي على أول طيارة نازله مصر بكرة.

❈-❈-❈

أستيقذت من نومها على صوت رنين هاتفها مُعلنًا عن وجود إتصالا لها، وبمجرد أن عرفت هاوية المتصل لمعت عينيها بكثير من الحب والإشتياق مُلتقطة هاتفها وصاحت بلهفة:

- Asmaa, I Miss you.

قابلتها الأخرى بحب وإشتياق مماثل لها:

- I Miss you too Zena,
- عاملة أيه ومامي عاملة أيه؟

أعتدلت "زينة" فى جلستها راغمة نفسها على الإستيقاظ حتى تتمكن من محادثتها جيدًا مُعقبة:

- الحمدلله يا حبيبتي كلنا كويسين، أنتي أخبارك ايه أنتي وعمو عامر؟

أجابتها "أسما" بسعادة واضجة:
- احنا الحمدلله كويسين جدًا، وعندي ليكي خبر حلو أوي، بابي من فترة كده أتعرف على دكتور جراحة مخ وأعصاب كبير جدا هنا فى أمريكا، وحكاله على حالة مامي والدكتور قاله إن فى أمل إنها ترجع طبيعيه تاني، وإنه عايز يشوفها فى أقرب وقت.

شعرت "زينة" بالسعادة هي الأخرى بمجرد تخيُلها أن "ماجدة" ستتعافى وتعود لحالتها الطبيعية، لتصيح بلهفة:

- بجد يا أسما! يعني ممكن فعلا عمتو ماجدة تخف وترجع كويسه تاني.

أجابتها "أسما" متمنية أن يحدث هذا:

- إن شاء الله يا زينة، بس أنا ليا عندك طلب.

أستفسرت "زينة" بإندفاع وحماس من هول سعادتها:

- طلب أيه؟

أبتلعت "أسما" بأسى على ما ستقول، هى تتمنى لو أن ما قالته لها يتحقق ويتم تأكيده من قبل الطبيب، ولكنها أيضا لا تريد أن تُعشم الجميع بشيء هي ليست متأكدة منه بعد، لتُعقب موضحة بحزن على عدم تأكدها من الامر:

- بابا كان قايلي معرفش حد حاجه بخصوص الموضوع ده، بس انا كنت عارفه إنتي بتحبي مامي قد أيه وإنك أكتر واحده هتفرحي وتدعلها معايا من قلبك، عشان كده بلاش تعرفي حد من اللي عندك باللي قولتلك عليه ده، أنتي عارفة كلهم متأثرين أزاى بتعب مامي، وأنا بصراحة مش عايزة أديهم أمل على الفاضي غير لما الدكتور يقول تشخيصه للحاله، وهل هيبقى فيه تحسٌن ولا لأ؟

أكدت "زينة" على حديثها مُتفهمة الأمر ومدى تأثيره على الجميع:

- عندك حق بلاش نعشمهم على الفاضي غير لما نتأكد، خلاص أنا هقولهم إنك عايزها تيجي تقعد معاكي شويه لإنك مش هتعرفي تنزلي أجازة الفترة دي.

أُعجبت "أسما" بتلك الفكرة كثيرًا مُعقبة:

- فكرة حلوة جدًا، بس أرجوكي يا زينة لازم تبعتهالي فى أسرع وقت ممكن.

فكرة سفر "ماجدة" وهي بهذه الحالة أمرًا صعب للغاية، لن تستطيع السفر إلا بطائرة خاصة تتناسب مع حالتها، ولتجهيز طائرة مثل هذه سيستغرق الكثير من الوقت والإجرئات، لا يوجد أحد ليساعدها فى هذا الأمر سوا "مالك" وهذا لطبيعة عمله، لتهتف بحماس:

- متقلقيش يا أسما، أنا هتحرك من دلوقتي وهبقى أبلغك بكل حاجه أول بأول، باي.

أغلقت معها المكالمة وسريعًا ما قامت بالبحث عن اسم "مالك" وكأنها كانت تحترق شوقًا لوجود فرصة تجعلها تُهاتفه وتستمع إلى صوته، نعم لقد توطدت العلاقة بينهم وأصبحوا أصدقاء مُقربين جدًا لبعض، ولكنها كان لا تُحدثه من أسبوعًا.

لا تعلم لماذا كانت تُحاول التهرب منه! يمكن لأنها تشعر وكأن إنجذابها له يزداد أكثر كلما ألتقيا؟ أم لأنها لاحظت عليه بعض النظرات والتصرفات التي تبعد كل البُعد عن نطاق الصدقة، نظراته المُتيمة، نبرته المليئة بالغزل.

لماذا كانت تشعر بزيادة ضربات قلبها كلما رأته أو أستمعت إلى صوته؟ لماذا أزدادت ضربات قلبها الأن! أهذا صوته الذي يصدح فى أذنيها؟

- يرضي مين طيب أسبوع بحاله مش عارف أوصلك؟

حاولت أن تتخطى ذلك الإرتباك الذي تملكها وأصطنعت الثبات مُجيبة:

- معلش والله كنت مشغوله جدا الفترة اللي فاتت دي.

حولت نظرها لتلك اللوحة التي رسمتها له، وهي ما كان يُشغلها فى تلك الأيام الماضية لتُكمل:

- كان عندى شوية بورتريهات كانوا واخدين كل وقتي.

أجابها بحب وإشتياق نابعًا من قلبه مُردفاً بتشجيع:

- أكيد هيطلعوا حلوين جدًا مدام أنتي اللي رسماهم، أنا واثق فى كده.

للمرة المليون يتلاعب بالكلمات ليُغازلها بطريقة لا تسطيع لومهِ عليها، لتقوم سريعًا بتغير مجرى الحديث مُعقبة بمرح:

- طب أنا كنت عايزه مُساعدتك فى موضوع كده، وأهو تبقى ردتلي الجميل اللي عليك.

أدرك "مالك" إنها تُحاول التهرب من حديثه، ولكن لفت إنتباه طلبها للمساعدة، ليُعقب بجدية:

- أنا فى الخدمة، أنتي بس تأمري.

نهضت مُعقبة بحماس عازمة على الأستعداد لذهاب:

- طب فاضي كمان ساعة أعزمك على قهوة!!

شعر "مالك" بالسعادة من طلبها رؤيته، إنه لم يتوقع طلبها مُقابلته بهذه السرعة، ليُجيب بلهفة:

- ولو مش فاضي أفضالك، بس أنا اللي عازمك.

مازالت تُحاول التهرب من كلماته التى تُزيد من إرباكها وشعورها بكثير من التوتر، أصطنعت المرح على أمل أن تتخلص من طريقته تلك هاتفة:

- وماله أنت جيت فى جمل يعني، أعزمني أنت يا سيدي أهو نوفر شوية.

أبتسم "مالك" على كلماتها المرحة، وأضاف مُستفسرًا:

- طيب تحبي أعدي عليكي! ولا نتقابل فى الكافيه!

اعترضت على عرضه الأول رغبة فى عدم رؤية أحد بالبيت له لتُرد ناهية بلطف:

- لا خلينا نتقابل فى الكافيه أحسن، هبعتلك اللوكيشن بتاعه.

❈-❈-❈

لاحظت أمتعاض ملامحه منذ أن تقابلا، بالأضافة إلى تلك الطريقة الغاضبة التي يُحدثها بها منذ أن ركبا السيارة وتحركا بها، لتهتف بانزعاج مُستفسرة:

- أنا مش فاهمه بردو أنت مضايق ليه؟ وبتتكلم معايا كده ليه أصلا؟؟

رمقها "إياد" بنظرة مليئة بالتعبيرات التي لم تستطيع تفسيرها، حتى هو لا يعلم لماذا ينظر لها بتلك الطريقة، فهو أكثر شخصًا يعلم جيدًا إنه من البداية لا يريد منها سوا أن يمرحًا معًا، بل هذا ما كان يُحاول أن يقنع به نفسه، إذا لما الشعور بكل ذلك الغضب الأن، صاح بضيق وحنق:

- لا أبدا مليش حق أضايق، بقالي كام يوم معرفش عنك حاجة ومش بتردي على تليفوني، ويوم ما تردي عليا ونتقابل، أجي ألاقيكي واقفة مع واحد وبتضحكوا.

شعرت بالغضب الشديد من كلماته تلك، وأيضا من مُهاجمته لها بتلك الطريقة، لتصيح فيه بإنفعال وهي تُشر بأصبعها تجاه وجهه مُعترضة عمَ يقول:

- لا بقولك أيه أولًا أنت ملكش إنك تتكلم معايا بالأسلوب ده، ثانيًا أنا مكنتش واقفة مع شاب وبضحك معاه، أنا كنت واقفة مع واحدة صاحبتي قابلتها وهي ماشية مع أخوها، ووقفوا معايا لحد ما حضرتك توصل عشان محدش يضايقني، ثالثًا أنت عارف كويس أوى إني مش بصاحب ولاد وإني وافقت إننا نبقى صحاب بس عشان أقدر أطمن على ديانة وأعرف أوصلها، يعني صُحبية مصلحة، رابعًا أنت مين أصلا عشان تحاسبني إني واقفة مع شاب غريب وأنت نفسك غريب عني.

سحب "إياد" مكابح السيارة بهرجلة ويبدو عليه ملامح الغضب والأشتعال من حديثها، ليرمقها بنظرة مُتفحصة رافعًا أحد حاجبيه مُستفسرًا:

- يعني أنا مليش الحق إني أحاسبك على وقفتك مع شاب غريب وإنك بتضحكي معاه، وكمان صُحبيتنا صُحبية مصلحة؟

رمقته بكثير من العند وعدم الأكتراث لملامحه التي لا تُبشر بالخير مردفة بتحدي:

- أيوه.

تنهد بمزيد من الغضب الذي يُحاول إخفائه بتلك الملامح الباردة الهادئة مُعقبًا بتوعد:

- تمام، مصحلة بمصلحة بقى.

أندفعت يده لمُحاوطة مؤخرة رأسها وجذبها نحوه، وبسرعة كان مُلتقطًا شفتيها بقُبلة عميقة حاملة الكثير من المشاعر التي تمنى أن يُجربها معها، ولكنها فاجئتة بمذاق أخر أقسم إنه لم يُجربه من قبل، غير مُكترثا ل "ملك" التى صُعقت مما فعله وأخذت تُحاول دفعه بعيد عنها ولكن دون فائدة، فهو مُتحكمًا بها جيدًا.

ووسط كل ذلك الإستمتاع تذكر ضحكتها مع ذلك الشاب ليقسو عليها أكثر حتى أستمع إلى أنينها المتألمة بين شفتيه، ليهدأ ذلك البركان الثائر بداخلة، شعر بشدة إختناقها وإحتياجها للهواء، ليبتعد عنها لاعنًا ذلك الإختناق.

شهقت "ملك" مُحاولة تنظيهم أنفاسها بعد أن شعرت بإنقطاعها، وبعد ثوانٍ هدأت وتيرة أنفسها لتُحول أنظارها لذلك الذي يرمقها بتحدى، وبلحظة تحولت نظراته من التحدي إلى الصدمة بسبب تلك الصفعة القوية التى تهاوت على وجهه من تلك التي كانت تجلس أمامه.

خرجت من السيارة لتجد نفسها بأحد الطُرق المقطوعة، لتشعر بمزيد من الغضب تجاه ذلك الحقير، بينما لحقها هو عندما فاق من صدمة تلك الصفعة التي يُجربها لأول مرة مُحاولا إيقافها، لتبتعد عنه بغضب صارخة بوجهه:

- أبعد عنى بدل والله الغظيم ما أناولك القلم التاني.

أبتلع بغضب من طريقتها التي لم تُعامله بها أية فتاة قبلها، ليُضيف بأسنان مُلتحمة:

- طب أرجعي العربية.

أنحنت لإلتقاط بعد الحجارة وقامت برميها عليه بكثير من الغضب وبطريقة عشوائية، لتُصيبه بعضها فى قدميه، ولكنه سريعا ما أمسك يديها مُحاولا تهدئتها هاتفًا:

- طب أهدي وتعالي هروحك.

حاولت دفعه بعيدًا عنها ولكن دون فائدة فهو يفوقها قوة وحجمًا، لتصيح فيه بحدة وحنق:

- مش عايزه منك حاجة، غور من وشى أحسنلك.

أغمض عينيه بملل وسريعًا ما أنحنى حاملًا إياها مُتمتمًا:

- مترجعيش تلوميني بقى.

تقدم بها نحو السيارة وهي لا تزال تُحاول التفلت من بين يديه ولكن دون جدوى، سريعًا ما قام بإدخالها فى السيارة مُقيدها بذلك الحزام الخاص بالآمان مُغلقا الباب إلكترونيا بالريموت معه كي لا تستطيع الخروج، وأتجه هو ليجلس سريعًا بينما هى ظلت تبحث عن زر الفتح حتى أصبح بجانبها وأضاف وهو يشرع فى القيادة:
- أنا هروحك البيت، ومن هنا لحد ما نوصل مش عايز أسمع صوتك ولا حرف واحد.

❈-❈-❈

أتسعت بسمته مُندهاشًا على طلبها مردفًا بإستنكار:

- بس كده!! هي دي المساعدة اللي عايزاها مني؟

شعرت "زينة" بالحرج لظنها إنها تطلب منه أمرًا صعبًا أو يُشكل حرجًا بالنسبة له، لتُعقب بإرتباك:

- معلش يعني يا مالك لو هتعبك معايا، بس أديك عرفت مش عايزين نعشم حد قبل ما نتأكد.

توسعت بسمته أكثر على شعورها بالحرج من ذلك الأمر السهل جدًا بالنسبة له مُضيفًا:

- معلش على أيه يا زينة، الموضوع سهل جدًا وبسيط متقلقيش، بس قوليلي عايزين تسافر امتى؟

أجابته بكثير من اللهفة والعجل أن ترى "ماجدة" مُتعافية اليوم قبل غدا:

- فى أسرع وقت لو سمحت يا مالك، يعني ممكن لو ينفع خلال الشهر ده.

أومأ لها بالموافقة مُطمئنا إيها مُضيفًا:

- خلاص تمام متقلقيش أعتبرى الموضوع خلص.

أبتسمت له بود وإعجاب بشخصيته ولوقوفه بجانبها فى ذلك الأمر، لتردف بإمتنان:

- شكرا يا مالك.

❈-❈-❈

ترجل من سيارة الأجرة التي أقلته من أمام المطار إلى منزله، إنه لم يُخبر أحدًا بعودته، حتى هو نفسه لم يكن يُخطط لذلك الأمر، لا يعلم لماذا عاد بتلك السرعة وهذه الطريقة ولم يُخبر حتى سائقه بموعد قدومه.

دلف المنزل الذى يبدو هادئًا للغاية وصعد الدرج مُتوجها نحو غرفتها، لا يعلم لما يُزيد من إتساع خطواته وكأنه يُصارع الزمن للوصول إلى شيء ما!! لماذا يشعر وكأنه مُشتاق لها! أم إنه يشتاق لتلك القوة التى يشعر بها معها؟ تلك القوة التي أفتقدها طوال تلك الفترة الماضية، كان يشعر وكأنه شخصًا هزيلًا ضعيفًا حينها، لماذا إذًا كلما شعر إنه كاد أن يصل لها يشعر ببعض من استرجاع قواه! ما الذي يحدث؟

دلف الغرفة المُظلمة، ليجدها غارقة فى نومها مُرتديه تلك المنامة القُطنية مكشوفة الصدر والأذرع قصيرة الطول والتي تصل إلى نهاية مؤخرتها البيضاء، ليشعر بكثير من الأثارة والرغبة فى أمتلاكها فى تلك اللحظة أسفله، بالطبع هذا المنظر ليس هينًا على رجل مضى عليه شهرًا ونص يحترق لإيقامة علاقة جنسية ولم يستطع.

أقترب منها على حذر مُتأملًا ملامحها كالمشتاق لرؤيتها يتمنى لو يستطيع إلتهام تلك الفرولتان الذي لم ينسى مذاقهما منذ تلك المرة التى تناولهما، لم يكن يدري ما يفعله ولا بيده تلك التي أخذ يُمررها على سائر جسدها.

لتشعر هي بتلك اللمسات التى تُقشعر جسدها، حاولت بصعوبة فتح عيناها وهي تظن إنها تحلم، ولكنها تفاجأت بذلك الذي هب واقفًا بمجرد أن حاولت فتح عينيها، ليقف أمامها مباشرة وعلى مقربة منها لتشهق بفزع وهي تقوم بسحب تلك الأغطية عليها مُعقبة:

- أيه ده!! أنت بتعمل أيه هنا؟ وجيت أمتى أصلا!!

حاول جاهدا أن يُسيطر على نفسه وأن لا يُظهر ملامح الأشتياق تلك التي كانت تُسيطر عليه منذ ثوانٍ، وعلق ساخرًا على حديثها:

- آه طبعًا عندك حق، كان لازم أبعت لمعاليكي طلب إذن عشان أرجع بيتي.

أمتعضت ملامحها حانقة من نبرته الساخرة لتهتف بأنزعاج وغضب وهي بالكاد تُرغم نفسها على الإستفاقة:

- وأنا مالي ترجع ولا مترجعش أنت حر، وأمشي أطلع برا.

غضب كثيرًا من طريقتها الجريئة والوقحة معه، والتي تجعله مُشتتا بين أن يُكسر رأسها على وقاحتها معه أم يتملكها سالبًا إياها كل تلك القوة التي تُساعدها على الوقوف أمامه بهذا القدر من الكِبر والعناد.

أقترب منها جاذبًا ذراعيها بغضب يُحذرها من طريقتها التي تتحدث معه بها، لكى لا يجعلها تندم على ما تفعله، ولكن بداخله يتمنى أن تفعل عكس ما سيقوله حتى يكون لديه ذلك الدافع على ما سيفعله بها، ليهتف بها مُحذرًا إياها:

- لمى نفسك معايا أحسنلك بدل ما أندمك على قلة أدبك وطولة لسانك دي.

على الرغم من ألام جسدها التي لم تفارقها منذ عدة أيام ولم تستطيع معرفة سببها حتى الأن، إلا إنها أستطاعت سحب يدها من قبضته وقامت بدفعه بعيدًا عنها، ثم نهضت سريعًا لاكزة إياه فى صدره غير مُكترثة لما يقوله.

لا تعلم لماذا تشعر بكل هذا القدر من الغضب، وبرغم تلك الألم الخفيفة بجسدها، إلا إنها بمجرد غضبها شعرت بطاقة كبيرة تملكتها، ومع ذلك هى لم تفيق كُليًا بعد وإلا لكانت تذكرت مع من تتحدث، لتهتف فيه بغضب وتحدي:

- أنت اللي قليل الأدب مش أنا.

لكزته فى صدره مرة أخرى مُضيفة:

- وورينى كده هتندمني إزاى!!

كادت أن تلكزه مرة أخرى ليلتقط هو يدها وبداخله يشعر بالسعادة لما فعلته، الأن يستطيع أن يبدأ فيما يريدة، شكرًا جدًا لكي أيها العنيدة المتهورة، سريعًا ما قام بلفِها وهو قابضًا على يديها ومثبتهما وراء ظهرها الملتصق بصدره هامسا فى أذُنها بإستمتاع:

- شكل الشهر ونص اللي أنا غبتهم دول خلوكي تنسي أنا بخليكي تندمي إزاى، وأنا معنديش مانع أفكرك.

قام بدفعها على الفراش وسريعا ما أنقض عليها مُحاولًا رفع منامتها بمزيجًا من الرغبة والكبت الذي كان يحمله طوال تلك الفترة التي غابها عنها، تلك الفترة التي لم يستطيع خلالها مضاجعة أي فتاة أخرى، ليصبح الأمر لا يُحتمل بالنسبة له، ليقترب منها مُعقبًا بغضب طفيف يُحاول أن يُخفى به كل تلك الرغبة والإثارة الذي يشعر بهم:

- ليكي حق تتمرعي عشان بقالك فترة مش بتتهاني، بس أنا هفكرك تاني بطعم الإهانة.

أقترب منها بشدة وسريعًا ما قام بألتقاط شفتيها بقُبلة جامحة مليئة بالرغبة والأثارة مُحاولا التخلص من كل ذلك العبء الذي كان يحمله طوال ذلك الشهر ونصف.

بينما حاولت هي دفعة بعيدًا عنها ولكن دون فائدة، فثقل جسده يفوق قدرتها الجسدية بكثير، ولكنها لم تستسلم وظلت تُحاول إلى أن شعرت بالأختناق، أبتعد عنها عند شعوره بأحتياجها الشديد للهواء.

لتشهق هي مُحاوله تنظيم أنفاسها ولم تنتبه لذلك الذي فتح سحاب بنطاله وقام بتحرير نفسه، وبلحظة أمتدت يده للفها وجعل ظهرها مُقابلًا له، لا يريد أن تقع عينيه بعينيها، لا يريدها أن تراه وهو يُحاول إستعارة تلك القوة منها، لا يريد أن تراه ضعيفًا.

بينما توسعت عينيها بصدمة ممَ فعله، نعم لقد أدركت ما يريد فعله، وحاولت الأفلات من بين يديه، ولكنه سريعًا ما قام بتقيد يديها بيده خلف ظهرها، وبدأ فى خلع سروالها الداخلي، لتصيح فيه بصوت مكتوم ملئ بالقهر أثر دفن وجهها بتلك الوسادة:

- أبعد عني يا وسخ يا حيوان، أنا بكرهك يا جواد بكرهك.

وكأنه لا يستع إليه، فلتكره، حتى هو يكره نفسه الضعيفة التي تستمد طاقتها من فتاة مثلها، هو أيضا يكره تلك المرأة التي جعلته ضعيًا وهزيلًا هكذا، هو أيضًا يكره الجميع، أستطاع تثبيتها جيدا أسفله ولم يعد يحتمل ذلك الألم الذي لا يرأف به منذ أسابيع، ليهتف بغضب وحنق:

- أكرهيني يا ديانة، أنا ذات نفسي بكرهني، أكرهيني.

قال ذلك وهو يقوم بتثبيتها وجعلها تسكن بالوضع الذي يريده، ووضع يده على فمها أيضًا، هو لا يريد الإستماع إلى صوتها ولا صراخها، كل ما يريده هو التخلص من ذلك الكبت وتلك الرغبة اللعينة.

وبدون أي تمهيدات أقتحمها بعنف شديد، لتسرخ بصوت مكتوم وتُقسم إنها تشعر بتمزقها من الداخل، ومع كل حركة منه سيل من الدموع الجارفة تنهمر من عينيها ألمًا وقهرًا عمَ يفعله بها.

بينما بدأ هو بإخراج ذلك الكبت بمنهي العنف والحدة، هو لم يكن يريد من البداية ممارسة قاسية معها، بل كان يريد فقط التخلص من هذا الألم اللعين الذى ظل يفتك به منذ فترة طويله ولم يستطع التخلص منه مع أية عاهرة، بل لم يكن يسطيع مضاجعة أية إمرأة أو فتاة أخر، لدرجة إنه ظن لن به أمرًا أو أصابته مُشكلة.

ولكنه الان يشعر بكثير من الراحة وهو يقوم بتلك الدفعات التي ترضي رجولته وتخلصه من هذا الثقل الذي كان يشعر به، غير مكترث لتلك التي تصرخ أسفل منه، لا يهتم هذه المرة إذا كانت صرخات ألمًا أم استمتاع، كل ما يُعير أهتمامه هو أن يصل إلى خلاصه.

لم يمر الكثير من الوقت حتى شعر بإقترابه، ليُفسر أن هذا بسبب عدم ممارسته لفترة طويله، بينما هي لم تكُن تتجاوب معه، كل ما يصدر منها هو تأوهات لم يُفسر سببها بسبب تلك الوسادة التي تدفن وجهها بها، وسريعًا ما زمجر برُجولية مُعلنًا عن وصله لذروته.
+

أنسهب منها ونهض مُغلقًا سحاب بنطاله مُتجها نحو المرحاض بعد أن شعر بتجديد قوته، وكأنه تخلص من كل أعباء الحياة بتلك الممارسة، وبمجرد أن أغلق الباب وشرع فى فك أزرار قميصه، أستمع إلى صوت صراخها.

خرج بسرعة من المرحاض غير عالمًا سبب صُراخها، ليُصعق عندما رأى خط الدماء التذي تنسدل من بين قدميها بعد أن حاولت الوقوف وسقطت مرة أخرى غائبة عن الوعي، لتزداد صدمته عند دخول تلك التي صرخت بفزع:

- ديانة..فى أيه!!

لتقع عينيها على منظر الدماء لتصرخ بذعر:

- أيه ده؟
وقف مصدومًا عندما رأى هذه الدماء التي ذكرته بذلك المشهد الأليم الذي لما يفارقه منذ سنوات طويلة، لا يدرى من اين جأت تلك الدماء، هو بالفعل أفقدها عذريتها منذ فترة كبيرة، بالأضافة إلى إنها لم تكن مرتهم الأولى معا، نعم نعم لقد كان عنيفًا للغاية معها.

ظل "جواد" ينظر إليها بصدمة مُمزجة بهلع، ولكن تلك الصدمة جعلته غير قادرًا على فعل شيء، حتى إنه لم يستطيع الرد على تلك التي تصيح به مُستفسرة عمَ حدث؟ لا يعلم من أين جاءت! أو ماذا يقول لها الأن؟ لتردد هي مرة أخرى بمزيد من الهلع:

- رد عليا يا جواد أنت عملت فيها أيه!!

ينظر إليها بتعبيرات عدة لا يعلم أيصيح بها لكى تتوقف عن سؤاله؟ أم يطلب منها المساعدة لانه لا يعلم ماذا يفعل؟ أم يخبرها ما حدث!! ولكن ماذا يُخبرها؟ أيقول لها إنه أرغمها على ممارسة الجنس معه وإنه لم يكترث لها وكل ما كان يريده أن يصل لخلاصة مثل الحيوانات.

لاحظت تلك الملامح المتعددة التي أعتلت وجهه ومن بينهم ملامح الفزع والذُعر التي أدركت أنها بسبب ذلك المشهد الذي يبدو مألوفًا له، لتتجه إليه مُحاولة إفاقته ملتقطة ذراعيه مُحركة إياهما مُضيفة:

- جواد فوق، لازم نوديها المستشفى حالا.

حول نظراته إلى شقيقته وكأنه يطلب منها المُساعدة، فهو لا يعلم ماذا عليه أن يفعل! بينما أسرعت "زينة" لإحضار بعض الملابس زاجرة إياه.

- ساعدني نلبسها أي حاجة بسرعة.
ساعدها فى ستر جسد "ديانة" وهو ما زال غير مُستوعبًا سبب ما حدث لها! بينما حولت "زينة" نظرها نحوه مردفة بلهفة:

- شيلها ونزلها العربية بسرعة وأنا هجيب المفاتيح وأحصلك.

حملها بسرعة البرق مُتوجهًا بها نحو السيارة وهو يتفقد ملامح وجهها ولا يعلم لماذا يشعر بكل هذا الخوف والهلع فذلك ما يريده، هو يريد الإنتقام منها حتى قتلها، ولكن لماذا الأن يُحاول إنقاذها؟ ما هذا الذى يحدث له!

فتحت "زينة" سيارتها بينما وضع "جواد" "ديانة" داخلها وكاد أن يذهب ليتولى القيادة، ولكن سريعًا ما أوقفته "زينة" مُعقبة:

- أنت مش هتعرف تسوق وأنت فى الحالة دي، خليك جمبها وأنا اللي هسوق.

رمقها بقلق ورعب وكأنه يريدها أن تُطمئنه بأنها لم يحدث لها شيئا، بينما فعل ما قالته له وشرعا فى التوجه نحو المشفى.

❈-❈-❈

صاحت بذلك الرجل الذى يُحدثها عبر الهاتف بكثير من الغضب والإنزعاج:
- أنا مش فاهمة منك حاجة، يعني أيه جواد جيه وبعد ساعه نزلوا كلهم؟

حاول ذلك الرجل تهدئتها بأن يقص عليها كل ما حدث:

- والله يا هانم ده اللي حصل، جواد بيه لسه جي من حوالي ساعة فى أوبر، وطلع الفيلا وبعد ساعه نزل وهو شايل واحدة وتقريبا كان مغمى عليها وأنسة زينة أخدتهم فى عربيتها وطلعوا على المستشفى.

أتسعت عينيها أبتسامتها بسعادة وهي تظن أن "جواد" فعل بتلك الفتاة شيئًا أو قام بإذائها، لتهتف بلهفة وفضول آمرة إياها:

- تدخل حالا تعرفلي أيه اللي حصل وأيه اللي وداهم المستشفى وترجع تكلمني تاني.

أمتثل لأوامرها بإذعان:

- تحت أمرك يا هانم.

أنهت الإتصال وهي تشعر بكثير من السعادة ظنًا منها أن "جواد" قد عاد بلهيب الغضب عازمًا على أن يفتك بها، تنهدت براحة وهي تشعر إنها أوشكت على التخلص من تلك الفتاة مُتمتمة:

- خلاص يا لبنى كلها حاجات بسيطة وأبعتلك بنتك وأنا مكفنهالك بإيدي.

❈-❈-❈

خرجت الممرضة تُهرول من الغرفة لإحضار ما طلبته منها الطبيبة المعالجة، بينما أسرعت "زينة" فى إقافها مُستفسرة عما يحدث وعن حالة "ديانة":

- هو فى أيه! ديانة حصلها حاجة؟

لم يكن بحوزة الممرضة الكثير من الوقت حتى تقص عليها ما يحدث لتفر من أمامها مُجيبة بعجلة:

- أدعولها ربنا يستر.

أختفت الممرضة من أمامها وبعد ثوانٍ عادت مرة أخرى وبيدها الأشياء التي أمرتها الطبيبة بإحضارها دالفة الغرفة بسرعة البرق، لتشعر "زينة" بالفزع وأسرعت فى التوجه نحو "جواد" الذي يقف على مقربة يُتابع الأمر دون تدخل أو إظهار أى نوع من انواع التأثر، لتقوم "زينة" بلكزه فى صدره مُصيحة بغضب:

- أنت عملت فيها أيه؟

صُدم من فعلة شقيقته التي تقوم بها لأول مرة فى حياتها، وما يجعله مصدومًا أكثر هو إنفعالها وخوفها على تلك الفتاة التي من المفترض إنهما يعلمان جيدًا أبنة من تكون، بينما لكزته "زينة" مرة أخرى مُصيحة بمزيد من الخوف والقلق:

- رد عليا عملت فيها أيه يا جواد، مش كفاية بقالها كام يوم تعبانة ومش عارفة أخدها لدكتور ولا هي قابلة إني أجبلها دكتور.

لكزته مرة أخرى بصدره بمزيد من الغضب:

- أنطق يا جواد عملت فى ديانة أيه؟

لم يعد يحتمل هذا القدر من الغضب والتشتت الذي يشعر بهم منذ أن عاد ورأى تلك الفتاة، ذلك التشتت الذي جعله بمجرد رؤيتها يندفع إليها لكي يُشبع تلك الرغبة بداخله فى تملكها، تملك الفتاة التي لم يكن يتخيل أن يراها سوا جثة مُتعفنة أمامه، الأن يقوم بمعاشرتها وإسعافها والقلق عليها أيضا، لا يدري من الأساس لما هو قلق عليها، ليصيح فى وجه شقيقته بغضب وحنق:

- معملتلهاش حاجة، وبعدين أنتي زعلانه عليها أوي كده ليه!! أنا المفروض أخد روحها فى إيدي، مش دي بنت الست اللي قتلت أمنا؟ مش دي بنت الست اللي خلتنا نعيش محرومين من حبها وحنيتها طول العمر؟ مش دى بنت الست اللي كانت السبب فى كل حاجة وحشه حصلتلي.

قال جملته الأخيرة بإنفعال شديد لدرجة إنه لم يُدرك ما تفوه به من كثرة إنفعاله، لتُقابله "زينة" بكثيرة من المشاعر المتخبطة بداخلها، لا تعلم أتغضب منه أم تشفق عليه مما تعلمه من كثرة الظلم والمُعاناة التى مرت عليه:

- من الواضح إن القسوة والكره اللي هناء ذرعتهم فيك نجحوا فى السيطرة عليك وخلوك تنسى إن ديانة دي مش بس بنت لبنى، دي كمان بنت عمك ومن دمك وزي ما أنا وأنت أتحرمنا من ماما، هي كمان أتحرمت من باباها ومامتها، ومهما كانت أمها عملت أيه ملناش نأخدها بذنبها يا جواد بيه.

قالت جملتها الاخيرة بسخرية، بينما "جواد" يشعر بكثير من التخبط، لا يعلم إن كان حديثها صحيحًا أم ما زرعته "هناء" بداخله كل هذه السنوات هو الأصح، كاد أن يرد عليها ليُقاطعه خروج الممرضة مرة أخرى، لتركض إليها "زينة" بينما تابعها "جواد":

- طمنيني أرجوكي، ديانة كويسة؟

أجابتها الممرضة بهدوء:

- الدكتورة شهرة هتطلع دلوقتي وهتفهم حضرتك كل حاجة.

بمجرد ما أنهت الممرضة حديثها خرجت الطبيبة من غرفة "ديانة" لتسألها "زينة" بلهفة:

- خير يا دكتور؟

هتفت الطبيبة بملامح مشدودة تصرخ بالإنزعاج مستفسرة:

- فين جوزها؟

أشاحت "زينة" بنظرها نحو "جواد" الذي أخذ يتقدم إليهما بخطواته الثابتة المُتزنة وملامح جامدة مُجيبًا بحدة:

- خير.

رمقته الطبيبة بقليل من الدهشة، فمنظره يدل على إنه شخصًا راقي ومُنفتح وأيضًا من طبقة إجتماعية عالية، لما إذا شخصًا كهذا يقوم بممارسة تلك الطرق الحقيرة مع زوجته؟ يبدو إنه من هؤلاء الذين يصطنعون الرُقي أمام الناس ومن الداخل مرضى نفسيًا، لتُعقب بهجوم:

- لما شوفت الحاله أفتكرتها بنت على قد حالها متجوزه واحد صايع أو بيتعاطى حاجة، عشان كده أغتصبها وبهدلها البهدلة دي، لكن أنت بقى تفسير حضرتك أيه؟

أتسعت عيني "زينة" بصدمة من حقارة شقيقها، كانت تتوقع أية شيء منه إلا هذا الشيء، كيف أستطاع أن يفعل هذا! لتُتمتم من هول صدمتها مُستنكرة:

- أغتصبها!

أجابتها الطبيبة مؤكدة على حديثها:

- أيوه أغتصبها، البنت حصلها شق فى المهبل نتيجة علاقة جنسية عنيفة ترتب عنها نزيف حاد لإنها عندها سيوله فى الدم، أضطرينا نخيط الجرح اللي حصل وعلاقنالها دم، ومستنينها تفوق عشان نشوف عايزه نعملها محضر ولا لأ.

كان "جواد" يستمع إلى حديثها ويتمنى أن يصفعها كي تصمت عن هجومه بتلك الطريقة، أي مواجته بحقيقة حقارته وخسية فعلته، لتتدخل "زينة" مُستفسرة عن حالتها الان:

- طب هي دلوقتي كويسة.

أجابتها الطبيبة مُوضحة:

- مرحلة الخطر عدت الحمدلله ووضعها دلوقتي مستقر، بس لازم تخلوا بالكوا منها ولمدة الشهر ونص الجاين متقومش من السرير وتهتموا بتغذيتها كويس، لحد ما الجنين يثبت.

- جنين؟

صاحت "زينة" بصدمة مُمزجة بالفرحة العارمة بينما "جواد" صُعق عند سقوط تلك الكلمة على مسامعه، وكانه فقد القدرة على الكلام أو الحركة، لتلاحظ الطبيبة صدمتهم وتُدرك إنهم ليسوا على دراية بالأمر، لتُضيف موضحة:

- واضح إنكوا مكنتوش تعرفوا إنها حامل، هي تقريبًا داخله على شهر ونص.

حولت "زينة" نظراتها نحو "جواد" الذي يقف وكأنة فقد عقلة من هول الصدمة، ليرمق شقيقته بصدمة مُمزجة بالهلع وسريعًا ما أنصرف من أمامها، وكأنه يهرب من الجميع قبل أن يسأله أحد عمَ فعله أو متى أو لماذا؟ لتعود نظراتها مرة أخرى لطبيبة مُعقبة بإستفسار:

- طب البيبي حالته كويسة؟

أجابتها الطبيبة بملامح هادئة:

- الحمدلله الجنين حالته مستقرة وهي بقت أحسن وتقدر تروح معاكوا النهاردة.

أخرجت الطبيبة من معطفها الطبي تلك البطاقة الورقية مُضيفة:

- ده عنوان العيادة بتاعتي وأرقام تليفوناتي، لو أحتاجتوني فى أي وقت، دلوقتي حضرتك ممكن تدخلي تطمني عليها، هي فاقت.

أبتسمت لها "زينة" بإمتنان مُضيفة:

- شكرًا جدًا يا دكتور شهرة.

ذهبت الطبيبة وكادت "زينة" أن تدلف الغرفة ليأتيها اتصالا من "هناء"، وقامت بفتح الاتصال مُجيبة عليها:

- أيه يا زينة يا حبيبتي، القعدة بعيد عننا عجبتك ولا أيه؟

أجابتها "زينة" بعدم تركيز وأثار تلك الصدمة السعيدة عليها جعلها لا تُفكر مع من تتحدث، لتهتف بلهفة عساها تسطيع أن تُحنن قلب الجميع على "ديانة" من خلال ذلك الطفل:

- لا والله يا خالتو مش كده، بس ديانة كانت تعبانة شويه ولما جينا المستشفى قالولنا إنها حامل.
1

أغلقت "هناء" الخط بوجه "زينة" بكثير من الغضب والحنق وبرأسها يدور الكثير من التخيلات والسناريوهات، بينما أعتقدت "زينة" أن الخط أنقطع لتدلف الغرفة كى تطمئن على تلك المسكينة.

❈-❈-❈

يجلس داخل سيارته بمرأب المشفى لا يستطيع التفكير فيما حدث، لماذا كل شيء يحدث دون إرادته؟ هو لم يُخطط لكل هذا أبدًا، كل ما كان ينوي فعله هو قتل تلك الفتاة حتى يُطفئ تلك النيران المُشتعلة بداخله منذ أكثر من عشرون عاما، كان يريد الإنتقام منها على كل شيء مر به بسبب موت والدته وتحكم تلك المرأة به، لماذا خرج الأمر عن سيطرته؟

بدأ الامر بذلك الزواج الذي لا يدرى لما قام به من الأساس، كيف ظن إنه قد ينتقم منها بتلك الطريقة وأن يُزيد عذابها؟ كان يظن إنه سيتزوجها ويُعذبها ويُهينها ويجعلها تتنازل عن ميراثها وبالنهاية يقتلها كما قُتلت والدته، كيف تخيل إنه سينتقم منها بتلك الطريقة؟
لم يكن يعلم إنه بتلك الطريقة ينتقم من نفسه، لم يتخيل إنها ستكون مصدر طاقته التي يستمد منها قوته ويبتعد عن جُبنه وإحساس الضعف الذي يُلازمه منذ عشرون عاما، منذ أن تحكمت به تلك المرأة عديمة الرحمة والأنسانية، الذي هو مُجبر على إحترامها بل والخوف منها والأنصياع إلى أوامرها.

ضرب عجلة القيادة أمامه بغضب وإختناق من ذلك التخبط بداخله، ذلك الشعور الذي لا يرأف به، لا يعلم حتى لما كان يشعر بالقلق منذ قليل عندما كان أمام غرفتها!! لما كان يخشى أن يحدث لها شيء وهذا ما كان يريد الوصول إليه منذ البداية! لماذا شعر بكل ذلك التوتر عندما أستمع لخبر حملها!!

لحظة واحدة، أهى حقا حامل! كيف يُمكن أن يحدث هذا؟ أيُراوغ مع نفسه أم يتظاهر بالنسيان!! هل نسى ما فعله معها قبل سفره بأكثر من أسبوع؟ نعم هو لم يُخطط إلى ذلك الأمر ولكنه عليه أن يتحمل نتائج أفعاله.

صدح صوت رنين هاتفة مُعلنا عن وجود إتصال من أخر شخص يُريد التحدث إليه فى ذلك الوقت، أغمض عينيه بحنق مُستعدًا للرد، وبمجرد أن فتح الإتصال أتاه صوتها الصارخ بالغضب والاشتعال:

- تعلالي حالا.

أدرك سريعًا أن خبر حمل "ديانة" قد وصل إليها، ليتمنى بداخله لو لم يُلبي طلبها فى الذهاب إليها، ولكنه لا يستطيع الرفض، ليردف بهدوء وثبات على عكس ما يشعر به من غضبًا وضيق:

- ساعة وأكون عندك.

أنهى الإتصال وسريعًا ما رأى رساله "زينة" التي تطلب منه الصعود ليوصلهم إلى المنزل، ترجل "جواد" من السيارة صاعدا إليهم.

❈-❈-❈

أعتلت ملامح الصدمة وجه "ديانة" غير مُستوعبة لما أستمعت إليه، لا تعلم كيف حدث هذا؟ كيف لم تشعر بهذا الأمر؟ كيف لها أن تحمل داخل رحمها طفلًا من ذلك الوحش المُجرد من كل معالم الرحمة والانسانية؟ لا تريد أن تظلم ذلك الطفل فى تلك العلاقة التى لا تعلم حتى إلى أين ستقودها؟ قطع شرودها صوت "زينة" مُستفسرة:

- ديانة حبيبتي أنتي كويسة؟

رمقتها "ديانة" بنظرات تحمل الكثير من التشتت والصدمة مما تمر به، لتشعر "زينة" بثقل ما ستقوله ولكنها تريد أن تعلم كيف حدث هذا! تلك العلاقة المليئة بالكراهية كيف يمكن أن يحدث بها شيء يستدعي لوجود طفلًا!

- ديانة أنتي ليه مقولتليش إنك أنتي وجواد حصل بينكوا حاجة!!

شرعت "ديانة" فى البكاء بمجرد تذكرها لتلك العلاقة التي مارسها معها وتلك المُعاملة التي كان يُعاملها بها، وذلك الإنتقام الذي يريده منها على شيء لم يكن لها به ذنب، بل لا تعلم إن كان هناك ذنبًا حقا أم لا؟

أسرعت "زينة" فى أحتضانها مُحاولة إيقافها عن البكاء مردفة بإعتذار:

- أنا أسفة يا ديانة، أرجوكي بطلي عياط عشان خاطري.

أجهشت "ديانة" فى البكاء والدموع تنهمر من زرقاوتيها مُحاوله التحدث من بين شهقاتها مُردفة بترجي:

- أرجوكي متسبنيش معاه لوحدنا يا زينة، أنا بكره يا زينة بكرهه.

قطع بكائها دخول "جواد" بملامحه الباردة وكانه لم يفعل شيء بل وكأن الأمر لا يُهمه من الأساس:

- يلا عشان أوصلكوا البيت.

❈-❈-❈

صف سيارته بمرأب قصر والده وهو يتمنى أن تحدث مُعزة تمنعه من الدخول ومُقابلتها، ولكن ليس أمامه خيارًا أخر، يجب عليه مُقابلتها ويستمع إلى الشيء التي تريد التحدث به.

دلف البيت بملامحه الهادئة الخالية من أي تعبير سوا الجمود والقسوة، لينتبه إلى صوتها الآتى من أعلى الدرج هاتفة بنبرة ساخرة:
+

- أهلا أهلا بسيد الرجالة.

لم يكترث لكلماتها الواضح بها السخرية والتقليل منه، ليبتلع مُحاولا الحفاظ على ثباته مُستفسرًا:

- عايزاني فى أيه؟

أبتسمت "هناء" بسخرية لكي تزيد من إشعال النيران بداخلة مُردفة بتهكم:

- لا أبدًا، أنا بس كنت عايزه أشوف الراجل اللي مراته حامل وهو متجوزها بقاله ميكملش شهرين و مسافر بقاله شهر ونص من غير حتى ما يلمسها؟

أمتعضت ملامح "جواد" بالغضب الشديد لما يستشعره فى حديثها ليهتف بحدة:

- قصدك أيه؟

أقتربت منه بكثير من الوقاحة مُعقبة بإنفعال:

- قصدي أسالك مراتك حامل من مين يا جواد بيه؟

يكفي إلى هنا، لقد نجحت فى إخراجه من ذلك الهدوء وإشعال تلك النيران بداخله، لقد طفح كيله من تلك المرأة التي لا ترأف به وبكل مرة تتفنن فى إهانته والتقليل منه وإشعاره إنه ليس رجلًا كباقى الرجال، ليصرخ بإنفعال وحدة:

- كفاية بقى، كفاية، ديانة حامل مني.

يتبع...
أعتلت وجهها ملامح الصدمة وعدم التصديق لما تستمع إليه، أهو يكذب حتى يُخفى حقيقة ما فعلته تلك الفتاة الساقطة! أم إنه ولأول مرة يعصى أوامرها ولم يستمع إلى تحذيراتها؟

ضيفت "هناء" ما بين حاجبها مسنكرة بصدمة مُستفسرة بإبتسامة ساخرة:

- حامل من مين يا جواد!

أغمض عينيه بحنق وإنزعاج من طريقتها الباردة التي تقوده إلى قمة غضبة، ليُحاول تهدئة وتيرة أنفاسة مُردفًا بأسنان مُلتحمة:

- ديانة حامل مني.

أقتربت منه كثيرًا حتى أصبح لا يفرق بينهما سوا بعض السنتيمترات ولا تزال تعبيراتها تحمل تلك البسمة الساخرة مُضيفة بإستفسار:

- وحاملت إزاي بقى مش فاهمة! باللاسيلكي؟ ولا أنت نمت معاها؟ وحتى لو نمت معاها حصل أمتى وإزاي؟

أشاح بنظره إلى الفراغ حتى لا تتقابل أعينهم، إنه لا يزال يخشى النظر إليها، خصيصا عندما يفعل شيء هي تراه خاطئًا، ليشعر بالتوتر ولكنه نجح فى إخفائة مُجيبًا بهدوء:

- نمت معاها، قبل ما أسافر بعشر أيام.

صفعة قوية تهاوت على وجهه لتُحي بداخله ذلك الألم الذي ظل أسيره لسنوات طوال، ليغمض عينيه بقهر وحسرة على تلك الذكريات المليئة بالقسوة والأهانة والذُل والضعف الذي كان يشعر بهم فى كل مرة تقوم بصفعه أمام الجميع، حتى وهو بعمر المراهقة لم ترأف به، وحتى اليوم وقد أصبح رجلًا ينتظر إبنه الأول لم تكف عن إهانتة وإذلاله، بينما صاحت هي مُضيفة بتسلط:

- الطفل ده لازم ينزل.

صُعق من طلبها ولاول مرة تحجرت الدموع فى عينيه مُحاولا منع إياها عن الهبوط، لقد عاش طوال عمره هي من تتحكم به وقد جعلت منه كائن يُمثل القسوة حتى يُخفى كل ذلك الضعف الذي بداخله، والآن تحاول التحكم بمصير طفله الذي لم يأتى على الدنيا بعد، كاد أن يتحدث ليوقفة صوت والده مُستفسرا:

- طفل مين اللي ينزل يا هناء؟

شعرت "هناء" أن هذه فرصتها لضم "هاشم" إلى صفها ظنًا منها إنه سيُؤيدها الرأي لكي ينتقم من تلك الفتاة، وستكون هذه فرصته لإطفاء نار قلبه، ويضغطان معا على "جواد" حتى يقتلها هي والطفل معا، لتجيبه بحدة:

- البيه اللي كان المفروض يجيب بنت لبنى ويقتلها وياخد بتار أمه واللي كان فى بطنها، راح ينام معاها وخلاها تحمل منه.

صُدم "هاشم" ممَ تفوهت به "هناء"، لا يعلم أيشعر بالغضب لما فعله ابنه وأنه أقترب من ابنة "لبنى"، أم يشعر بالفرحة والسعادة لرزقه بذلك الطفل الذي شعر وكأنه تعويض عن طفله الذي مات قبل أن يولد، إنه سيكون أول حفيد له أيضًا، ليفيق من شروده على صوت "هناء" مُضيفة بإصرار:
- البت دي لازم تموت هي واللي فى بطنها.

للحظة أنتفض قلب "جواد" مما أستمع إليه، لا يدري لماذا! أهذا من أجل "ديانة"؟ أم من أجل طفله! ماذا سيقول والده؟ هل سيؤيدها الرأي ويقتلون "ديانة"، كلا لن يسمح بذلك.

ليرمق "هناء" بكثير من الغضب والحنق، بينما تحولت ملامح "هاشم" للإنزعاج صارخًا بغضب وإنفعال زاجرًا إياها:

- أنتي بتقولي أيه؟ أنتي أتجننتي يا هناء! ده حفيدي وتعويض من ربنا عن كل اللي راحوا وأتحرمنا منهم ومش هسمح لحد إنه يأذيه.

حول "هاشم" نظراته نحو "جواد" الذي يقف أمامه مصدوما ممَ قال والده، ليجذبه "هاشم" من عُنق قميصه مُعقبًا بتحذير:

- أسمعني كويس يا جواد، أنت أتجوزتها وأنا مقولتلكش حاجة، قولتلى هنتقم منها وبعدين أقتلها مفتحتش بوقي بحرف وقولت أسيبك بمزاجك، لكن بما إن الموضوع وصل لطفل ده مش بمزاجك، الطفل ده يتولد بعدها نقرر هنعمل أيه، لكن قبل ما تولد لو لمستها يا جواد أو فكرت تعمل فيها حاجة، حسابك هيكون معايا أنا.

تدخلت "هناء" بغضب كبير من حديث "هاشم" صائحة بحدة وإنفعال:

- أنت بتقول أيه يا هاشم! أنت عايز حفيد من بنت لبنى؟

رمقها "هاشم" بإنزعاج وصاح فيها بنبرة لا تقبل نقاش:

- أنا عايز حفيد من أبني يا هناء، ومتنسيش إن بنت لبنى كمان تبقى بنت شرف، أنا كرهتها لإنها بنت لبنى بس دلوقتي الوضح أختلف هي حامل فى حفيدي أنا وشرف أخويا، وده لوحده يشفعلها ذنب إنها بنت لبنى، أنا خسرت أبني فى بطن مراتي من عشرين سنة، مش هسمح أخسر حفيدي دلوقتي.

شعر "جواد" بالتشتت الشديد لا يدري ماذا عليه أن يفعل، لم يستطيع تحمل هذا النقاش القاسي الذي فى جميع أحوله يظل هو المجني عليه الوحيد، "هناء" تريده يقتل "ديانة" وطفله، ووالده يرفض ذلك، ماذا عنه هو! أهو أداة فى يدهم يحكونها كما يشأون.

أنسحب مُسرعًا فى الخروج من المنزل غير مُلتفتًا خلقه ولا حتى عندما أستمع إلى صوت والده محذرا إياه:

- إياك يحصل حاجة للطفل يا جواد أنت فاهم؟

خرج من القصر وهو يشعر بكثير من الضيق والإختناق غير مُحددًا وجهته، فقط يريد الإبتعاد عن الجميع حتى يستطيع إخماد تلك النيران التي تنهشه بدون رأفة أو رحمة.

❈-❈-❈
أخذت "زينة" الكأس من يد "ديانة" بعد أن تناولت ذلك العصير الذى أعدته لها، لتردف بود:

- ألف هنا وشفا يا حبيبتي.

أغمضت عينيها بحزن وقليل من الإرهاق مُردفة بإمتنان:

- شكرًا يا زينة.

أبتسمت لها "زينة" بحب مُعقبة:

- العفو يا حبيبت قلبي على أيه بس.

بللت شفتيها وهي ترمق "زينة" بضعف وترجي مُعقبة:

- زينة ممكن أطلب منك طلب.

أومأت لها "زينة" بالموافقة مردفة بترحيب:

- أكيد يا ديانة، أنتي تأمري.

أبتلعت بحزن على ما ستقوله ولكن ليس أمامها حل أخر، حتى لا تظلم ذلك الطفل معها بتلك المعركة التي لا تعرف متى وكيف بدأت، لتفرض عليها المواجة ولكن لوحدها، ليس برفقة ذلك الطفل، أستجمعت كامل قواها وأضافت بألم:

- أنا عايزاكي تساعديني يا زينة، مش عايزه طفل من الشخص ده، أنا حتى مش عارفة جوازنا ده أخرته أيه! مش عايزه أجيب طفل أظلمه معايا.

أغمضت عينيها بألم مُحاولة منع دموعها عن الإنسدال مُضيفة بصعوبة:

- أنا عايزة أنزل الحمل يا زينة.

صُعقت "زينة" ممَ تفوهت به "ديانة" وكادت أن تزجرها لكي لا تتفوه بما قالته مرة أخرى، ليقاطعها دخول "جواد" الذى كان يقف خلف باب الغرفة وأستمع إلى كامل حديثهما.

دلف "جواد" الغرفة بمنتهى الهدوء وهو يُطالع "ديانة" بنظرات فارغة، بينما شهقت "زينة" من وجوده وشعرت بالقلق من ملامحة الفارغة، بينما "ديانة" لم تهتز لها شعرة وكأنها لم تعد تخشاه أو بتلك الطريقة تقوده لكى يضربها ويقتل ذلك الجنين بأحشائها.

ليتقدم "جواد" نحوهم مُجها حديثه نحو شقيقته مُردفًا بهدوء:

- سبينا لوحدنا يا زينة:

أبتلعت "زينة"خشية من هدؤه الغير طبيعي، لتقترب منه مُحاولة تهدئته:

- جواد، أهدى وأسمعني لو سمحت.

هتف بها مرة أخرى ولكن تلك المرة بنبرة لا تقبل النقاش وهو يدفعها برفق نحو الباب:

- لو سمحتي أنتي يا زينة سبينا أنا ومراتي لوحدنا.

شعرت "زينة" بالقلق من هدوء شقيقها وأصبحت خارج الغرفة رغمًا عنها وتخشى أن تدخل مرة أخرى، وتخشى أيضًا أن تتركهما معا ويقوم شقيقها بفعل شيئًا غبيًا ويأذيها أو يأذي الجنين.

بينما أقترب "جواد" من "ديانة" ثم أنحنى إليها مُستفسرًا:

- سمعيني تاني كنتي بتقولي أيه؟

نهضت من مكانها بأعين يملئها الكراهية والتحدي له غير مُكترثة لتلك النظرة التي كثيرًا ما رأتها قبل أن ينفعل عليها:

- بقول هنزل الجنين ده عشان مش عايزة أخلف منك ولا عايزة أشوف وشك أصلا.

أقترب منها بشدة لدرجة إنها اشتمت رائحة أنفاسه الكريهة أثر ما تجرعه من الشراب، ولكنها لم تتحرك حتى لا يظنها خائفة منه، فلم يعد يُخيفها على الإطلاق، بينما هو أبتسم نصف إبتسامة لم تفهم معناها مُضيفًا:

- لا هتخلفي مني، وهتشوفي وشي لحد أخر يوم فى عمرك، أنتي بقيتي ملكي وأنا بس صاحب الأمر فى مصيرك.

نظرت له بكرهية شديدة عمَ فعله بها منذ بداية زواجهما نهاية بإغتصابة لها ليلة أمس، لتضيف بإشمئزاز:

- وأنا بكرهك وعمري ما كرهت حد قدك.

أبتسم لها بمصدقية وأضاف بنبرة لم تفهما:

- مش مهم تكرهيني أو تحبيني، المهم تفضلي جمبي.

وقبل أن تُجيب عليه دفعها برفق نحو الحائط خلفها وأحاط يديها الأثنين بيديه ورفعها على الحائط بجانب رأسها، وسريعًا ألتقط شفتيها بقبلة ناعمة لم يفهم هو نفسه من أين أتى بها! وما سبب كل ما يفعله هذا؟ يبدو أن هذا بسبب ثمالته.

لم يستغرق وقتًا كثيرًا، حتى إنها لم تكن قبلة شهوة مُطلقًا، بل كانت قبلة لم يُجربها أيًا منهما من قبل، وعلى الرغم من إندهاشها بفعلته تلك الغير مبررة، إلا إنها شعرت بالغضب تجاهه.

دفعته فى صدره بمنتهى الغضب والكراهية وصاحت فيه بحدة وكراهية:

- أنت فاكر نفسك مين عشان تعمل معايا كده؟

أجابها بهدوء رهيب، حتى إنه لم يغضب من فعلتها:

- جوزك.

وقبل أن تصرخ فيه مرة أخرى صاح مُناديًا على شقيقته:

- زينة.

دلفت بمجرد سماع أسمها، ليرمقها بنظرات ناعسة متمتمًا:

- خلي بالك منها.

رفعت حاجبها بدهشة من طريقة شقيقها الغير مبررة، لتنظر نحو "ديانة" مستفسرة عما يحدث، لتقابلها "ديانة" بمط شفتيها دليلًا على عدم معرفتها بما يحدث.

بينما خرج "جواد" من الغرفة وأتجه نحو غرفته، ليسقط فى نوم عميق، وكأنه يأخذ قسطًا كبير من راحة عقله قبل أن يستيقظ ويبدأ ندمه وعتاب نفسه عمَ فعله منذ قليل.

❈-❈-❈

بعد مرور أسبوعين...

كعادته منذ ذلك اليوم عندما أستيقظ وتذكر ما فعله أثناء ثمالته، وهو يمكُث فى تلك الغرفة بمفرده وبمجرد أن يستيقظ يأخذ حمامًا ويُبدل ملابسه ويتجه إلى الشركة، طوال هذان الأسبوعان وهو لم يرها، وكيف له أن يراها ويضع عينه بعينها بعد ما فعله معها ذلك اليوم!

أقسم إنه لن يُعيدها ويجتمع معها فى مكان واحد مرة أخرى وهو ثمل، الأن يتركها تحت رعاية "زينة" التي لن تسمح له بالإقتراب منها ولم تتركها منذ ذلك اليوم.

أنتهت "زينة" من إعداد الافطار لها ول"ديانة" حتى يتناولاه معًا مردفة بجهد:

- لا لا أنا لازم أقول لجواد يجبلنا حد يطبخلنا، الموضوع طلع أصعب مما تخيلت.

أبتسمت لها "ديانة" ونظرت لها نظرة ذات معنى، فهي تحسنت كثيرًا عن زي قبل، ولكن "زينة" لا تقبل أن تجعلها تُساعدها في شيئًا، فهي تركتها تنهض من الفراش وتجلس معها فى المطبخ بصعوبة كبيرة.

لا تصدق إنها أصبحت أفضل خصيصًا وإنها طول تلك الفترة لم ترى "جواد"، لتشعر إنها أحسن بدون رؤيته، هتفت موجهة حديثها نحو "زينة":

- أشد حيلي أنا شوية بس وأدوقك أحلى "نجرسكو" ممكن تاكليها فى حياتك.

أبتلعت "زينة" بإشتياه مُصطنع مُردفة بحماس:

- يا سلام بحبها جدا يا ديانة، خلاص شيدي حيلك بقى بسرعه عشان أدوقها من إيدك و...

قطلع حديثها صوت جرس النزل مُعلنًا عن مجئ أحدًا لتتوتر "ديانة" ظنًا منها إنه "جواد" وعزمت على الصعود لغرفتها، بينما توجهت "زينة" نحو الباب لتجدها "ملك"، لترحب بها كثيرًا ودلفا معًا، وبمجرد أن رأتها "ديانة" أحتضنتها بكثير من الحب والإشتياق مُصيحة:

- يا عمري وحشتيني، وحشتيني أوي.

بادلتها "ملك" العناق وهي لا تقل عنها إشتياق بالإضافة إلى تلك السعادة التي تغمرها، لتزداد من إحتضانها، لتتدخل "زينة" مُعقبة بتحذير:

- لا يا كوكو براحة عليها لحسن دي لسه فى البداية.

قطبت "ملك" ما ببن حاجبيها بتعجب مستفسرة:

- لسه فى بداية أيه؟

أبتسمت لها "زينة" بسعادة مُجيبة إياها:

- لسه فى بداية الحمل.

أتسعت عين "ملك" بصدمة وسريعًا ما صاحبتها أبتسامتها التي ملأت وجهها، بينما حولت نظرها إلى "ديانة" مُصيحة بلهفة وسعادة عارمة:

- حمل!! لا بتهزري، ديانة أنتي حامل؟

أومأت لها "ديانة" بالموافقة لتندفع إليها "ملك" مرة أخرى مُعانقة إياها، وسريعَا ما فصلت العناق وعلى وجهها ملامح خيبة الأمل والحزن الطفيف مُردفة بطفولة:

- يعني أنا أجي أفاجئك تقومي أنتي اللي مفجأني؟

هتفت "ديانة" مُنتبهة إلى حديثها مستفسرة:

- تفاجئيني بإيه؟

أبتلعت "ملك" شفتيها إلى داخل فمها وأخذت تحرك عينيها يمينا ويسارا كالأطفال مُضيفة بطفولة:
- بخطوبتي.

توسعت عيني "ديانة" بصدمة مُصيحة بعتاب:

- إيه!! من غير ما حد يعرفي!! ده إمتى وازاي و...

أوقفتها "ملك" مُجيبة بضحك:

- اهدي بس اهدي لسه متخطبتش، إحنا حددنا الخطوبة بس، اهدي وانا هحكيلك كل حاجه.

••

صُعق الجميع من طلبه وخصيصًا "ملك"، هي بالفعل كانت تشعر بإعجابه تجاهها، ولكنها لم تتوقع إنه سيفعل ما يفعله الأن بتك السرعة، وخصيصَا بعد ما فعله منذ قليل عندما كانوا معَا على الطريق، ليهتف والدها بتردد:

- أنا عارف إن أنت وملك أصدقاء، وعارف كمان إنك بتساعدها تشوف ديانة، وإنك صاحب جوز ديانة، بس يا ابني ملك صغيرة ولسه بتدرس!

رطب "إياد" شفتيه مُحاولا التأني فى إختيار كلمات مُستخدمًا إياها لجعل والدها يوافق، هو بالطبع بارع فى أستخدام الكلمات ويُدرك جيدُا كيف يُقنع من أمامه بالموافقة على حديثه، ليُردف بإحترام وهدوء:

- أسمع يا أستاذ محمود أنا جيتلك دوغري وجيت أطلب إيد ملك، عشان أنا مش عايز حتى يبقى بيني وبينها مجرد صداقة بالعكس، أنا عايز علاقتنا تكون فى النور.

شعر "محمود" بالحيرة وما يُشعره بالقلق أن ذلك الشاب لم يُحضر والدايه معه، ولا يجب ان يشعر بالحرج عليه أن يستفسر:

- طيب يا أبني أنت جيلي بطولك، مجبتش والدك ووالدتك معاك ليه؟

أخفض بصره أرضًا وشعر بغصة تكونت فى حلقة مُجيبًا:

- والدي ووالدتي وأخويا توفوا من حوالي تمن سنين، وقريبنا فى محافظات تانية والعلاقة بينا مش قوية أوي.

شعر "محمود" بالأسى على ذلك الشاب وأزدادت حيرته بين أن يرفض لأنها ما زالت صغيرة أم يُعطي لهما فرصة معا، خصيصًا وأن "ديانة" تقول إنها سعيدة مع ذلك الشخص الذي ترك لهم إنطباع سيء عنه، ولكنها تقول إنه كان مجرد سوء فهم وإنها الأن سعيدة.

ولكن ماذا عن هذا الشاب؟ أيمكن أن يكون خيرًا لها، ليحول "محمود" نظره نحو إبنته التي واضح عليها ملامح الصدمة والتشتت، ليُعقب "محمود" مُوجها حديثه نحو إبنته مستفسرًا:

- أنتي أيه رأيك يا ملك؟

توترت "ملك" كثيرًا ولأول مرة تشعر بذلك الكم من الخجل، لتنهض سريعًا مُتجهة نحو غرفتها، ليبتسم والدها على شعور صغيرته بالخجل الذي يراه ولأول مرة بحياته، لينظر إلى "إياد" مردفًا بإبتسامة ود:

- طيب يا إياد أدينا يا أبني فرصة نفكر وأشوف رأي مالك لما يجي، وهرد عليك فى أقرب وقت.

أبتسم له بإمتنان ونهض عازمًا على الذهاب مُضيفًا بإحترام:

- هستنى رد حضرتك، بعد إذنكوا.

خرج وهو يشعر بسعادة كبيرة سيطرت عليه، يشعر وكأنه لأول مرة يفعل الشيء الصحيح، وبمجرد أن دلف سيارتة، بدأ هاتفه بالرنين مُعلنا عن إتصال منها، ليبتسم بخفة مُلتقطًا الهاتف مُجيبًا بمشاكسة:

- أيه وافقتي بالسرعة دي.

شعرت بكثير من الخجل من كلماته ولكنها سريعًا ما أستعادت ثباتها لتُهاجمه بحدة:

- ومين قالك أصلا إني هوافق عليك!! ده نجوم السما أقربلك.

أعتدل فى جلسته بكل غرور هاتفًا بثقة:

- هتوافقي يا ملك.

ضحكت بسخرية على غروره مُعقبة بإستهزاء:

- إيه الثقة دي كلها؟ وإيه بقى اللي هيخليني أوافق على واحد قليل الأدب زيك؟

أبتسم بمكر مُجيبًا إياها:

- يمكن عشان بوستي حلوه! أو حبيتي قلة أدبي!!

شعرت بالشلل أمتلك جسدها وكأنه خدرها بكلماته، حتى إنها لا تستطيع إغلاق المكالمة، بينما ابتسم هو على ما توقع حدوثه لها لتتعالى ضحكاته، لتشعر هي بالغضب والحقن تريد أن تُكسر رأسه، ليُضيف هو بجدية بعد أن هدأت ضحكاته:

- أقولك بجد هتوافقي ليه!! هتوافقي عشان أنتي مختلفة عن أي بنت شفتها فى حياتي، عشان أنا حسيت معاكي بإحساس أمان مكنتش بحسه غير مع أهلي قبل ما يتوفوا، عشان من ساعة ما عرفتك وأنا مش عارف أشوف واحده غيرك، مش عارف ده حصل إزاي أو أمتى بس أنا من غير ما أحس أتعلقت بيكي وبقيتي حد مهم فى حياتي.

تنهد براحة شديدة مُكملًا:

- الكام خروجه اللي خرجناهم مع بعض كنت بحس فيهم بإنجذاب نحيتك، فكرت فيكي كتير أوي الفترة اللي فاتت دي، حاولت أقنع نفسي إنك زيك زي أي بنت عرفتها، يمكن لو بوستك وقربت منك مش هتمانعي وهتتجاوبي معايا، لكن لقيتك زقتيني وزعقتيلي وضربتيني كمان، رد فعلك والحاله اللي شوفتك فيها أكدولي إنك غير أي واحده وإنك تستاهلي كل اللي حاسس بيه نحيتك.

تنهد بمزيد من الراحة بعدما أخبرها بكل شيء كان يحمله بقلبه لها، بينما هي كانت تستمع له وهي مشوشة، هي أيضًا أحبت العلاقة بينهم كثيرًا، فهو أكثر شخص مرح ويفهمها دون كلام، على الرغم من صغر المدة التي عرفته فيها، إلا إنه تشعر وكأنهم يعرفان بعضهم منذ سنوات، بل وأصدقاء مقربين أيضًا، بالإضافة إلى إنجذابها لوسامته ومشاكسته ومرحه.

كانت شاردة فى كل المواقف التي جمعتهم معًا، بينما شعر هو بالتوتر ممُ هو مُقبل عليه، هذه أول مرة يختبر ذلك الشعور أو يتفوه بتلك الكلمات، ولكنه يشعر بالحاجة الشديدة لإخراج كل ما بقلبه وخصيصًا تلك الكلمات.

- مش عارف أمتى؟ ولا إزاي! ولا حتى ليه بالسرعة دي! بس أنا تقريبًا كده حبيتك يا ملك.

لم تستطيع أن تصمد أكثر من ذلك، الكثير من المشاعر إندلعت بداخلها فجأة، مزيج من الخجل والسعادة والتوتر والخوف تشعر بهم فى أنٍ واحد، ولم تشعر بنفسها سوا وهي تغلق الهاتف وتلقيه على الفراش.

نهضت بسرعة مُتجه نحو المرحاض المُصاحب لغرفتها وفتحت صنبور المياة ووقفت أسفله وهي لا تزال بملابسها عساها أن تُطفئ تلك النيران التى أشتعلت بها من كثرة الخجل، أو تستوعب ما استمعت له الأن، تلك الكلمات تستمع إليها لأول مرة بحياتها وبالطبع لم يكن شعورًا هينا بالنسبة لها.

•••

- بس يا ستي هو ده كل اللي حصل، وبعدها فكرت وقررت إنى أوافق خصوصًا بقى إنه طلع رومانسي أوي.

قالتها "ملك" بإبتسامة خجل، بينما عقبت "زينة" بمرح:

- قصدك طلع نحنوح أوي

ضحكن على ما قالته "زينة"، لتحتضن "ديانة" "ملك" مُضيفة بحب:

- مبروك يا كوكي، وربنا يفرحك يا حبيبتى ويحققلك كل اللي بتتمنيه ويكملكوا على خير يارب.

عناقتها "زينة" هي الأخرى مُضيفة بود:

- ربنا يسعدكوا يا حبيبة قلبي، إياد شخص كويس وأبن حلال، ربنا يفرحكم ويكملكوا على خير.

❈-❈-❈

بعد عدة أيام..

ظل ينظر خارج السيارة و ملامحه تصرخ بالإنزعاج والضيق، بينما هى تجلس بجانبه مُندهشة مما يفعله خصيصًا وإنها كانت قادمة حتى تشكره على مساعدته فى سفر "ماجدة".

كانت تشعر بالضيق الشديد لإنزعاجه منها، يبدو إنه أصبح له مكانة كبيرة فى حياتها، ولكيف لا يكون هكذا، على الرغم من أن معرفتهم ببعض لم تتجاوز الثلاثة أشهر، إنها تشعر وكأنهم مُقربين جدًا من بعضهم منذ سنوات.

حتى إنها لا تعلم سبب إنتهازها لكل فرصة تأتي لها لرؤيته، هل وقعت فى عشقه؟

- كل ده عشان مقولتلكش على خبر حمل ديانة؟ طب ما أنت كمان مقولتليش على خطوبة ملك ومعرفتش غير منها لما جيت عند ديانة، ولا أنت بقى مكنتش عايز تعرفني؟

حول نظرة إليها مُدركا ما تُحاول ليبتسم ساخرًا:

- بتحاولي تجيبي الغلط عليا أنا يعني!

ضحكت لأنه أستطاع أن يكشف غرضها لتُضيف بإلحاح:

- خلاص بقى يا مالك متزعلش مني.

كاد أن يتحدث ولكن قاطعه هذا الطفل الذي لم يتخطى العاشرة من عمره، والذى وقف بجانب زجاج سيارته مُتمتمًا ببكاء وقلة حيلة:

- بالله عليك يا عمو ساعدني بأي حاجة.

حول الاثنان ناظريهما نحوه، لائحا فوق وجهيهما تفاجؤ اختلط بنوع من الشفقة وخاصةً عندما تابع بنفس النبرة المنكسرة:

- أنا مش شحات والله، أنا ماما تعبانة والدكتور فى المستشفى كتبلها على دوا وأحنا معناش نجيبه، بالله عليك يا عمو والله الروشته أهي أنا مش بكدب، ماما تعبانة أوي.

شعر كلاهما بالصدمة من حديث ذلك الطفل الذى لا يتوقف عن ذرف الدموع بحزن وكسرة، ولكن النصيب الأكبر من الصدمة والألم كان ل"زينة" التي شعرت بمُعناة ذلك الصغير، وتجددت ألمها، بينما حاول "مالك" تهدئة الصغير:

- طيب أهدى يا حبيبى وبطل عياط، تعالى أركب متخفش، أنا هجيبلك الدواء.

صعد الطفل السيارة غير مكترسًا إن كانوا أشخاصًا جيدين أم لا؟ كل ما يُعير أهتمامه هو إحضار الدواء إلى والدته كي لا يفقدها، ليُعقب "مالك" مُستفسرًا:

- أنتوا ساكنين فين يا حبيبي؟

أجابه الطفل بإنكسار ودموعه لا تزال تغرق وجهه:

- قريب من هنا.

مد "مالك" يده بلطف إلى الطفل حتى لا يُخيفه مُردفًا:

- طب وريني الروشته كده.

أعطى الطفل قائمة الأدوية إلى "مالك" الذي تأكد من إصدارها من أحد أطباء النساء والتوليد بإحدى المستشفيات الحكومية، والتأكد أيضا من تاريخ إصدارها، هو لا يُشكك فى الطفل ولكنه كان يشك أن يكون هناك من يستغل هذا الطفل، ولكنه تأكد من صحة حديثة، ليفتح باب سيارته مُضيفًا وهو يترجل منها:

- هجيب حاجه بسرعة وأجي.
أومأت له "زينة" بالموافقة متفهمة سبب ذهابه، وحولت نظرها سريعًا نحو الطفل مُحاولة تهدأته بلطف:

- متخافش إن شاء الله هتبقى كويسة، بس قولى هي مامتك تعبانة مالها.

أجابها الطفل على سؤالها بقدر معرفته بالأمر، إنه لا يزال صغيرًا جدًا ولا يفقه فى ذلك الأمر شيئًا:

- مش عارف هي أول أمبارح تعبت جدا عشان حامل وروحنا المستشفى والدكتور كتبلها على دوا كتير وماما مكنش معاها فلوس وبابا مسافر، وهي تعبانة أوى بقالها كام يوم ومعرفتش اعمل أيه غير إنى أشوف حد يساعدني أجيبلها الدوا.

شعرت "زينة" بالتأثر الشديد من حديث الطفل وبالفعل تهاوت دموعها رغمًا عنها وأضافت بين دموعها:

- متقلقش إن شاء الله هتبقى كويسة.

عاد "مالك" إلى السيارة بعد أن قام بشراء كل الادوية الموجود بلائحة الدواء التي وصفها لها الطبيب، ليشعر بالصدمة من دموع "زينة" التي تُحاول إزاحتها، ليهتف مُستفسرًا:

- فى أيه؟

جففت "زينة" دموعها مُحاولة الثبات ومنع نفسها من الأنهيار مُجيبة:

- مفيش حاجة، يلا بسرعة عشان نوصل الولد.

وبالفعل تحرك "مالك" مُتجهًا نحو منزل الطفل مُتبعًا وصفه وإرشادته، وسريعًا ما وصلوا البيت وقاموا بتفحص حالة الأم وإعطائها الدواء وبعض الأموال لكى تستعيد عافيتها، فى البداية لم تتقبلهم الأم بسهولة، هي كانت رغم مرضها إلا إلنها شعرت بالغضب من طفلها.

ليقوما "مالك" و "زينة" بإقناعها بأن تلك ليست شفقة ولكنها مساعدة فرضها "الله عزوجل" على المُقتدر بأن يُساعد من يحتاج إليه وذلك ليس عطف بل تنفيذ أمر الخالق.

خرج كلاهما من المنزل وبمجرد أن دلفت "زينة" السيارة حتى شرعت فى البكاء سامحة لنفسها بالإنهيار، ظلت دموعها تنساب بسبب تذكرها لحادث والدتها، بالرغم من إنها كانت لا تزال صغيرة إلا إنها تتذكر منظر والدتها والدماء تنسال منها، لتشهق بألم وحسرة من بين دموعها دون وعي منها متمتمة:

- ماما..

أدرك "مالك" سبب بكائها عند تفوهها بتلك الكلمة، ليشعر بالأسى والحزن الشديد عليها، أخذ يربط على كتفها مُحاولا مواستها والتخفيف عنها مُعقبًا:

- الله يرحمها، أدعيلها بالرحمة.

أجهشت فى البكاء وكأنها طفلة صغيرة بالخامسة من عمرها غير مُنتبهة لما يحدث لها وضعفها وإنهيارها الشديد مُردفة بنحيب:

- وحشتني أوي، كان نفسي تبقى جمبي دلوقتي، كان نفسي أوي.

بلحظة غاب عقله بمجرد أن رأى دموعها وإنهيارها وبدون إرادة منه جذبها إلى صدره وأخذ يربت ويُملس على شعرها مُحاولا تهدئتها، ليشعر بإرتجافها داخل أحضانه ليضمها إليه أكثر.

يضُمها وكأنه قد غاب عقله هو الأخر، لم يعد يشعر بأي شيء حوله، غير مُنتبها لوجودهما داخل السيارة وهي تتوسد صدره، يشعر وكأنه بحلم وليس بواقعٍ، ليُخرج ما بداخله دون وعي منه بما يتفوه به مُضيفًا بصدق:

- أنا جمبك يا زينة، أنا جمبك ومش هبعد عنك أبدا.

أزاد في ضمها وقد تاه لسانه وهو يصرح بكلمات هامسة خرجت من بين أعماق قلبه:

- أنا محتاجك، محتاجك أوي، محتاج وجودك جمبي، أنا بحبك يا زينة.

وقعت كلماته عليها كالصاعقة التي أفاقتها من ذلك الوهن التي كانت به، بالطبع كانت كلماته كفيلة بصدمها وإعادتها إلى وعيها، لتلاحظ مُعانقتها له وتشبثها فى رقبته وكأنه نجاتها الوحيدة، لتبتعد عنه بسرعة، بينما أدرك الأخر مدى تماديه، وربما تسرعه في الاعتراف بما يضمره لها في قلبه، عند سماع صوتها مردفة بحدة:

- روحني.

شعر بصدمة مُماثلة لصدمتها، بالأضافة إلى الضيق والغضب من نفسه، لعن غباءه وتماديه وهتف مُعتذرًا:

- زينة أنا أسف، أنا والله مش عارف عملت كده إزاي و..

قطعت حديثه بصوتها الذي لا يزال يبدو عليه الصدمة:

- بقولك روحني.

لم يستطع أن يتحدث مرة أخرى ليُدير مُحرك السيارة عازمًا على أن يوصلها وأن لا يتفوه بكلمة طوال الطريق حتى لا تنزعج أكثر يكفي ما فعله، وتفوه به، بينما "زينة" كانت لا تزال مصدومة، فهى لطالما انتظرت أن يخبرها بعشقه الذي كان واضحًا عليه لها، ولكنه صدمها باعترافه الآن وبتلك الطريقة النزقة، لم تستطع هي الأخرى التحكم فى مشاعرها التي أنجرفت إليه دون إرادتها، وهتفت بحدة:

- وقف العربية.

حول نظره إليها في خشية من أن تطلب النزول من السيارة والابتعاد عنه إلى الأبد، ليرمقها بنظرة أعتذار مُضيفًا بإلحاح:

- زينة أنا بجد أسف، أرجوكي.

كررت ما قالته مُعقبة بإصرار:

- بقولك وقف العربية يا مالك.

فعل ما طلبته منه وهو بداخله يشعر إنه قد خسرها للابد، بينما بمجرد أن أوقف السيارة دفنت هي وجهها بصدره باكية بكثير من الحب والأحتياج لوجوده بجانبها مردفة بنحيب:

- وأنا كمان بحبك يا مالك.

اتسعت عيناه، وتضخم قلبه في صدره من قوة خفقانه من عبارتها الغير متوقعة، بينما تابعت هي باحتياح بالغ:

- أرجوك متبعدش عني، أنا عمري ما كان عندي حد قريب مني زيك كده، أرجوك متسبنيش أنا كمان محتاجالك.

لم يستطيع تحمل ذلك الاشتياق أكثر ليُبعدها عن صدره رامقًا زرقاوتيها اللامعتين بوله شديد، ثم سقطت عينيه على شفتيها المنتفختين من البكاء، وسريعًا ما التهمها دون وعي بقبلة مليئة بالحب والشغف الذي كان يشعر به فى كل مرة كان يراها فيها، بينما صُعقت هي من إندفاعه إليها بتلك الطريقة ولكنها لم تستطيع السيطرة على نفسها، وبادلته تلك القبلة الحارة بضعف، مُحاولة التعبير عن مدى حبها له.
1

❈-❈-❈

كانت جالسة بغرفتها تتصفح إحدى وسائل التواصل الاجتماعى، ليصيح هاتفها مُعلنًا عن وجود اتصالا لها لتجد إنه أحد الرجال الذين يعملون لصالحها، فتحت الاتصال مُجيبة برسمية:
+

- أيه الجديد؟

بمجرد أن أنتهى ذلك الشخص من قص الأخبار الجديدة التي توصل لها عليها، ملأت البسمة وجهها مُصيحة:

- أنت متأكد من الكلام ده! يعني فعلا كان بيتعالج عن دكتور نفسي؟
ذاهب إلى الشركة كعادته مُبكرًا قبل أن يستيقظوا من نومهم حتى لا يتقابل معها، إلى الأن لا يعرف كيف يتعامل معها، يكفي إنه كل ليلة يذهب ليُشاهدها وهي نائمة، لا يعرف حتى لماذا يفعل هذا! هل فقد عقله تماما؟

يهبط الدرج وأثناء ذلك تفاجئ بجلوسهم حول السفرة يتناولون الفطور، ليلعن حظه الذي جعله يهبط الأن، كان يريد أن يصطنع عدم ملاحظتهم ويخرج بسرعة، لتوقفة شقيقته التي اتجهن نحوه مُعقبة:

- صباح الخير يا جواد.

قابلها بإبتسامة لابقة ومحبة:

- صباح النور يا زينة.

أصطنعت عدم معرفة أمر هروبه كل صباح قبل إستيقاظهم مُستفسرة:

- رايح فين بدري كده!

أجابها بنفاذ صبر مُحاولًا إنهاء الحديث والذهاب سريعًا:

- هكون رايح فين يعني، الشركة طبعا.

لاحظت ما يُحاول فعله، ولكنها لن تتركة لينجح فيه:

- طب تعالي أفطر معانا.

شعرت "ديانة" ببعض من الضيق والتوتر من فكرة جلوسه معها على مائدة واحدة، بينما حاول هو الإنسحاب بلطافة هاتفًا:

- مستعجل يا زينة.

كاد أن يأخش خطوة نحو الباب ولكن "زينة" وقفت أمامه مانعة إياه مُضيفة بإلحاح:

- عشان خاطري يا جواد بقالنا كتير أوي مقعدناش على سفرة واحدة سوا.

يصعب عليه أن يرفض لها شيئًا تطلبه منه، ولكن هذا الطلب لا يستطيع موافقتها عليه:

- معلش يا حبيبتي خليها مرة تانية.

لن تستسلم بهذه السهولة، الأمر يستحق العناء، لقد مر الكثير من الوقت وهما يتلاشان مقابلة بعضهم، عليها أن تقرب المسافات بينهم، لتتزمر أمامه وتقوم بجذبه من ذراعيه وأتجهت به نحو المأئدة مُردفة بإصرار:

- لا دلوقتي وحالا.

جلس رغمًا عنه متوسط المائدة و"ديانة" تجلس على يمينه و"زينة" على يساره، وبدأوا فى تناول الطعام، كانت "ديانة" تتحاشى النظر نحوه وكأنه غير موجود، بينما هو كان يختلس النظر إليها من حينًا لأخر.

لاحظت "زينة" ما يفعله شقيقها، وأبتسمت بخفة على نجاح خطتها، ووسط تلك الأجواء أمتدت يد "ديانة" اليمين مُحاولة أخذ قطعة من الجُبن المُعلبة لتضعها على الخبز البني.

لتمنعها يد "جواد" الذي أمسك بيدها مانعًا إياها من فعل هذا، مُعقبًا بتلقائية لا إرادية:
- مش صحي إنك تأكلي حاجه مُعلبة، لأنها كلها مواد حافظة.

أمتدت يده لصحن الجبنة المطبوخة وقربه نحوها مُضيفًا بإهتمام:
- دي أحسن ليكي ومفيدة أكتر، والأحسن لو تركزي على البيض واللبن اللي مقربتيش منهم من الصبح، مُفيدين جدًا.

الصدمة هي كل ما تشعران به "زينة" و"ديانة"، ولكن الصدمة الأكبر كانت من نصيبه هو عندما أستوعب ما فعله، الأن أصبح متأكدًا إنه فقض عقله تمامًا، ما دخله هو أن تتناول المُعلبات أم المأكولات الطازجة، بماذا سيفسر حماقته تلك الأن؟

على الرغم من صدمة "ديانة" بما فعله وشعورها بإهتمامه الصادق، إلا إنها شعرت بالنفور من تقبله، ما رأته منه ليس بهين، ولن تنسى ما فعله بها أبدًا، لتسحب يدها منه بحدة زاجرة إياه:

- ملكش دعوة بيا، وخليك فى حالك أحسنلك.

شعر بالإحراج الشديد ممَ قالته وفعلته، ولكنه ليس بذلك الشخص الذي يتقبل الخسارة، ليخبرها ببرود لازع دون أن ينظر لها:

- ده أصلا مش عشانك، ده عشان اللي فى بطنك مش أكتر.

نهض من مقعده وهو بمسح على فمه بتلك المنشفة الصغيرة موجهًا حديثه نحو "زينة":

- لو أحتجتي حاجة يا زينة أبقي كلميني.

خرج من المنزل ولم يلتفت خلفه حتى أغلق الباب خلفه، لتحول "زينة" نظراتها نحو "ديانة" وأبتسمت لها بسمة ماكرة، فطنتها "ديانة" بسرعة وفهمت معناها، لتعود وتكمل طعامها من ذلك الصحن الذي أعطاه لها.

❈-❈-❈

دلف مكتبه بعد أن أمرهم بإعداد قهوته، ليلحق به "إياد" إلى داخل الغرفة مُصيحًا بمرح:

- يا صباح التفاح بشوفك برتاح.

رفع "جواد" حاجبيه بإندهاش من طريقة صديقه الماكرة مُردفًا بأستهزاء:

- ياض أنت مش هتبطل الجو ده! هو أنت فاكرني واحده من النسوان اللي بتشقطهم وتعط معاهم.

ضحك "إياد" بمكر ووقاحته التي لا يتنازل عنها فى كل احاديثه مُعقبًا بغمز:

- طب والله لو كنت واحدة وبالجمال والعيون الزرقة دي ما كنت هحلك غير لما أقطعك.

ألتوت شفتا "جواد" باستهزاء مُعقبا بنبرة مُتهكمة:

- لا والصراحة أنت قطيع، كل يوم بسمع إنك قطعت واحده شكل، والنسوان بتشوفك بتجري.

ضحك "إياد" بشدة على طريقة صديقه ونبرته المُسهزئة، وأخذ يُسايره فى الحديث، تلك اللحظات لا تتكرر كثيرًا، وخصوصًا من قبل "جواد"، ليُضيف "إياد" مصطنعًا الدهشة:

- ياه للدرجة دي أنت شايفني بتاع نسوان.

رمقه "جواد" بنظرات مُحتقرة من أعلى رأسه إلى أسفل قدميه مُردفًا:

- وقربت أشوفك بتاع رجالة كمان.

أشمئزت ملامح "إياد" ممَ قاله "جواد" مُضيفًا بمزيد من المرح:

- لا مليش فى الخشن أنت عارف، ولا عدت هبقى بتاع نسوان كمان، خلاص توبنا إلى الله.

ضيق "جواد" ما بين حاجبيه بتعجب مستفسرًا:

- ليه جالك عجز؟

أجابه "إياد" بهيمنة:

- لا بعد الشر، جالي حب.

تبدلت ملامح "جواد" من الاستهزاء للضيق والحنق، وسريعًا ما نهض من كرسيه متجهًا نحو نافذة مكتبه مُشيحَا بنظره فى الفراغ مُتنهدا بتأثر مُتمتمًا:

- ما هو ده كمان عجز بس مش فى الجسم، العجز ده فى الروح والعقل، بيخليك تايه بين قلبك وعقلك، مش عارف تسمع لده ولا تمشى ورا ده، وقتها بس بتحس قد أيه أنت عاجز وضعيف قدام اللي أنت عايز تعمله واللي المفروض إنك تعمله.

شرد بمخيلته وأصبح يتحدث بما يدور فى عقله دون إرادته، حتى لم يلاحظ إنه يتفوه بهذا الحديث أمام "إياد" الذي نسى وجوده بالفعل، لييقظه من شردوه صوت تصفيق "إياد" مُعقبًا بمشاكسة:

- الله ده، إحنا بقينا بنتكلم فى الحب أهو، إحنا وقعنا ولا إيه يا عم جواد؟!

عاد "جواد" من شروده على سؤال "إياد"، ليلتفت إليه رامقا إياه بضيق من سواله، ولكنه لم يكن يريد أن يتشاجران معا اليوم، ليحاول تغير مجرى الحديث مُستفسرًا:

- خلينا فيك أنت، مين دي بقى اللي وقعتك على بوزك؟

تبدلت ملامح "إياد" للتوتر والقلق خشية من ردة فعل "جواد" عند معرفته إنه ترك جميع الفتيات وذهب كي يخطب أبنة العائلة التي ربت "ديانة"، ليجيله بتلعثم:

- امم.. ملك الصاوي.

أمتعضت ملامج "جواد" بالغضب، بالطبع هو يعلم من تكون تلك الفتاة، ليصيك بإنزعاج مستفسرًا:

- بنت محمود الصاوي! أنت بتعاديني ولا بتستهبل ولا إيه؟

حاول "إياد" تهدئة مُجيبًا بمصدقية:

- والله لا دي ولا دي، أنا حبتها بجد.

رمقه "جواد" بإنزعاج وكاد أن يُصيح به، ليمنع نفسه متُذكرًا بأنه ليس لديه الحق فى أن يلومه، هو حر، من حقه أن يختار من تناسبه وبالنهاية هي فتاة صغيرة وأهلها لم يكترفا بحقه أى خطأ، بل إنهم أدوا إليه معروفًا وهو الاعتناء ب"ديانة"، ليزجر نفسه سريعًا على تفكيره بتلك الفتاة ولأمتنانه لراعيتهم لها منذ البداية، ليطرد تلك الأفكار من رأسه سريعًا مُعقبًا:

- مبروك يا إياد.

أبتسم "إياد" إلى صديقه بإمتنان على عدم مشاجراته مُضيفًا بسعادة:

- لا مبروك كده بس متنفعش، أنا معنديش صاحب غيرك، هتنزل تنقي معايا البدلة وكل حاجة.

تنهد "جواد" بملل، هو لا يروقه هذه التفاهات ولكنه لا يريد أن يُخيب أمال صديقه الوحيد، هو يعلم إنه لا يملك أخًا أو صديقًا غيره، لذلك لن يدعه وحده، ليستسلم "جواد" مُعقبا بملل:

- حاضر منا ولي أمر أهلك أنا عارف.

ضحك "إياد" على تأفف صديقه ولكنه لاحظ إنه لا يريد أن يزعجه أو يكسر فرحته، ليشعر بالسعادة على إختياره لصديق كهذا.

❈-❈-❈

كعادته يجلس أمامها يتحدث إليها تارة ويصيح بها تارة أخرى، بينما هي تجلس تستمع لكل ما يقوله دون النطق بحرف واحد، وكيف لها أن تتحدث! فإذا كانت تملُك القدرة على التحدث لكانت أخبرته بما حدث منذ زمنًا طويل، ليهتف هو بهدوء وقلة حيلة:

- لأول مرة أحس إنى عايز أتكلم معاكي من غير ما أفكر أنتي مين، من غير حتى شعور الإنتقام، عايز أقول كلام مش هعرف أقوله لحد غيرك، يمكن عشان ضامن إنك مش هتقولى الكلام ده لحد! أو يمكن عشان الكلام ده مينفعش يتقال لحد غيرك.

أطرق برأسه أرضًا مُستسلمًا لإخراج ولو جزء بسيط ممَ يحمله بداخله، خصيصًا وإنه لا يستطيع التفوه به مع أحد، و بالأخص "هناء" الذي يندم أشد الندم على زواجه منها، فقد كانت إتفاقية قاسية جدًا بالنسبة له، ولكنه لا يستطيع الآن فعل شيء.

ليجد نفسه لا يستطيع التحدث إلا لتلك المرأة التي كانت السبب على كل ما هو عليه اليوم، ليتنهد بحزن مُشاركها حزنه:

- ديانة حامل.

أتسعت عيني "لبنى" بصدمة ممَ أستمعت إليه، لا تعلم أتشعر بالسعادة كأي أم تفرح بحمل إبنتها وإنها ستصبح جدة! أم تشعر بالشفقة والحزن لأنها تعلم أن هذا الزواج كان بغرض الإنتقام وأن ذلك الحمل بالطبع قد حدث بطريقة بشعة ومُهينة، وقد تكون تلك الطريقة سببت لها الألم والشعور بالذلة والمهانة، لتتهاوى دموع "لبنى" من مجرد تخيل الأمر وما قد يكون حدث لأبنتها.

لأحظ "هاشم" دموعها ليُخمن إنها تبكي خوفًا على إبنتها ومن أن يؤذيها أحد هي أو جنينها، ليبتسم باستهزاء لا يدري على بكائها أم على نفسه؟ إنه لا يقدر على إيزاء ذلك الجنين، فهو أول من ينتظر قدومه حتى يُخفف من حزنه كل تلك السنوات ويكون العوض على كل من فقدهم منذ سنوات عدة، ليهتف بضعف:

- متعيطيش يا لبنى، أنا مش هأذي حفيدي أبدًا، كفاية إنه هيكون من صُلبى أنا وشرف.

تهاوت بعض الدموع من عينه مُكملًا:

- ويمكن يكون عوض من ربنا عن كل اللي خسرتهم زمان.

لم تستطع "لبنى" التحكم فى نحيبها وسريعًا ما ألقت بنفسها تحت قدمى "هاشم" مُقبلة إياهما ببكاء وراحة فى آنٍ واحد، فيمكن أن يكون وجود هذا الطفل هو طوق النجاة بالنسبة لإبنتها وأيضا سيكون العوض عن جميع من فُقدوا منذ زمن طويل.

أغمض "هاشم" عينيه بضعف وحيرة شديد من بين أن يضمها إلى صدره ويصرخ إلى أن يتخلص من كل ذلك الألم؟ أم يضمها بقسوة وعنف إلى أن تُحطم عظامها وتخرج روحها من جسدها؟ ليجذبها بالنهاية من شعرها مُعقبًا بمزيج من الغضب والضعف معًا:

- أنا بكرهك يا لبنى، بكرهك بس مش عارف إيه اللي حيشني عن قتلك، كل ما أحاول أضعف، بس أوعدك إني هتخلص من الضعف ده قريب، لأن مينفعش أنا وأنتي نبقى على نفس الدنيا.

دفعها "هاشم" بعيدا عنه هاربًا من ذلك الضعف والحيرة الذي يشعر بهما، بينما هي ظلت تُتابعه ولأول مرة تشعر عليه بالشفقة،هى تعلم إنه لطالما كان شخصًا جيدًا، ولكن ما حدث فى ذلك اليوم قد أخرج أسوء ما فيه، وهو حتى لا يعلم حقيقة الأمر.

ولكن ما تخشاه هو حدوث ما كانت تحاول منع حدوثه منذ سنوات طويلة، فذلك لن يكون سهلًا على أيًا منهما، لتتنهد رافعة وجهها للسماء داعية بداخلها أن تنكشف الحقيقة قبل فوات الأوان.
❈-❈-❈

بعد مرور شهرين..

- مينفعش كده يا مالك.

صاحت فيه بكثير من الخجل بعد جملته المتغزلة تلك والتي سببت لها الكثير من الإحراج، ليصطنع هو البرأة مُستفسرًا:

- هو أنا قولت حاجة؟

اندهشت من وقاحته ومراوغته التي يتعامل بها لتزجره بحدة:

- يا سلام كل ده ومقولتش حاجة!

لقد راقه كثيرًا مُشاكستها وإشعارها بذلك الخجل، إنه يشعر وكأنه يجرب تلك الأشياء لأول مرة مع فتاة، ليستمر فى مشاكستها:

- كل ده عشان قولتلك إن طعم شفايفك وحشاني! أومال لو أتكلمت عن حضنك بقى هتعملي أيه؟

أتسعت عينيها بصدمة، إنها تعترف هو حقا وقح إلى درجة لم تكن تتخيلها، ولكنها تعلم جيدًا إنه يمزح معاها، فما عاصرته معه الفترة الماضية يُثبت لها إنه شخصًا جدي ولا يتلاعب بها.

حتى إنه طلب منها أن يأتي ويطلبها لزواج من والدها، ولكنها هي من منعته وأخبرته أن الوقت ليس مناسبًا لهذا، وعليهم أن ينتظروا لبعضًا من الوقت.

ولكن كيف عليها أن تتعامل مع وقاحته وإنحراف لسانه هذا، يجب أن توقفه عند حده، لتصيح زاجرة إياه بإنفعال:

- احترم نفسك بقولك يا مالك بدل ما أقفل السكة فى وشك.

أصطنع الحزن مستفسرًا:

- وههون عليكي!

قابلته بنبرة حزمة مُحاولة عدم الإنجراف والضعف أمام صوته الحزين مُعقبة:

- أه عادي يعني تهون، ما أنت قليل الأدب ومش راضي تلم نفسك.

- تلم نفسك؟ وقليل الأدب! عارفة أنتي لو قدامي دلوقتي، كنت كلتك قلمين بس مش على وشك.

فطنت ما يقصدة بكلماته تلك وسريعًا ما توهج توجهها إحمرارًا وأرتفعت حرارته، وشعرت بكثير من الإرتباك وصاحت فيه بتلعثم:

- تصدق.. أنا فعلا أستاهل قلمين على وشي عشان بكلمك، إنما أنت بقى تستاهل جذمتين على دماغك بسبب وقاحتك دي، متكلمنيش تاني.

أغلقت "زينة" المكالمة مرة واحدة وألقت الهاتف بعيدًا عنها، بينما "مالك" ظل يضحك على ردة فعلها إلى أن أدمعت عينه، يبدو أن قطته سريعة الخجل، سينتظر يوم خطوبة شقيقته بفارغ الصبر.

❈-❈-❈

بعد مرور أسبوع..

كان كلا من "ديانة" و"زينة" تستعدان للذهاب إلى حفل الخطبة وذلك بعد خروجهما معا للتسوق وشراء كل الأغراض التى سيحتجان لها وشرعا فى تجهيز نفسهما.

أنتهت "زينة" من أرتداء فستانها الأسود الرقيق دون حمالة مكشوف الصدر والاكتاف مُنسدلا إلى نهاية قدميها مُرتدية فوقه شال حريرى شفاف باللون الأسود، أستعانت بتصفيفة شعرًا بسيطة وهي جعل شعرها مُموج واضعة إياه بجانب واحد، مُضيفة عليه تلك الشعرات البسيطة القصيرة التي تصل إلى نهاية جبهتها، وأتمتت أناقتها بوضع القليل من مُستحضرات التجميل التي زادتها جمالًا والوانها المناسبة لهذا الفستان، لتصيح بعجلة موجهة حديثها نحو "ديانة" التي مازالت تستعد مردفة بحماس:

- يلا بقى يا ديانة كل ده بتلبسي، دا أنتي لسه فى الرابع أومال لما تبقي فى التاسع هتعملس إيه! هنلبسك إحنا؟

خرجت "ديانة" من غرفة تبديل الملابس مرتدية ذلك الفستان الرمادي اللامع ذو الأكتاف المُغطاه قليلا، كاشفًا ذراعيها ورقبتها، والذى يصل إلى نهاية ركبتيها مُضيفة عليه ذلك الحزام الذي برز مفاتنها وزادها جمالا، أستعانت بتصفيفة شعر بسيطة وهى انها جعلت ثلثان شعرها بإحدى الجانبي والثلث الاخر بالجانب الأخر، وأتمت زينتها بإستخدام مستحضرات التجميل وقامت بعمل رسمة عين قوية وجريئة إلى حد ما بالإضافة إلى زراق عينيها.

أتسعت عينى "زينة" بصدمة مُصفرة بإعجاب على أناقة وجمال "ديانة" مُعقبة بمدح:

- إيه الحلاوة والجمال ده كله، لا دا أنتي كده هتخطفي الأنظار أكتر من ملك.

أبتسمت "ديانة" على كلمات "زينة" ظنًا منها إنها تُبالغ مردفة بحب:

- أنتي أحلى يا قلبى، وبعدين مش للدرجة دي يعني، أنا لو خطفت الأنظار هخطفها بالبلبلونه اللي فى بطني دي.

ضحكت "زينة" على كلماتها مُضيفة بتوضيح:

- طبيعي يا بنتي عشان حامل، وبعدين أنتى كده مش باينه لسه و...

قطع حديثها صوت طرقات على الباب، لتهتف بهدوء:

- أدخل.

دلف "جواد" إلى الغرفة وبمجرد أن وقعت عينيه على "ديانة" تسمر مكانه وقد غاب عقله عن الوعي من شدة جمالها وأناقتها، ظل ينظر إليها مُتفحصًا إياها وكأنه لم يرى أنثى من قبل! حتى إنه لم يستطيع الأشاح بنظره بعيدًا عنها، كيف له أن يترك هاتين الساقين الممشوقتين وذلك الخصر الذى أذاب عقله، وتلك الجرأة والتحدي التي تندلع من زرقاوتيها، يُقسم بداخله إنه لو كان معها الأن بمفردهما لكان أشفق عليها مما سيفعله بها، ليفيقه من شروده صوت شقيقته:

- جواد، روحت فين؟!

فاق من شروده مُحمحًا بارتباك نجح فى إخفائه وقد أشاح بنظره بيعدًا عن "ديانة" حتى يستطيع السيطرة على نفسه، ليعقب بهدوء موجها حديثه نحو "زينة":

- لا أبدًا صفقة كده شاغله تفكيري شويه.

رمقته "زينة" بعدم تصديق، فهى لاحظت تلك النظرات المتفحصة التي كان ينظر بها نحو "ديانة"، لتبتسم بمكر مردفة بتهكم:

- لا واضح فعلا، مش يلا بينا طيب ولا ايه؟

ضيق "جواد" ما بين حاجبيه رادفا بأستفسار

- يلا إيه؟

أبتسمت "زينة" بمرح على سؤال شقيقها،فهما انتهيا من أرتداء ملابسهما، يبدو إنه لم تُدرك معنى حديثه، لتُردف بتوضيح:

- يلا نروح الحفلة! إحنا خلاص خلصنا.

ظل يتجول بزرقاوتيه بين شقيقته وزوجته مُتفحصًا فستانيهما التي لا تخفيان شيئًا بالنسبة له، ليحول نظره نحو "زينة" مرة أخرى مُردفًا بحنق:

- خلاص أيه مش فاهم! هتروحوا كده؟

أمتعضت ملامح "ديانة" من تعليقه على ملابسها وهو حتى لا يملك الحق فى النظر إليها، فهى تكرهه كثيرًا ولا تحتمل مجرد وجوده معاها بنفس المكان، ولكنها ظلت صامتة حتى لا تفتح معه مجالا للحديث، لتهتف "زينة" موجهة حديثها نحوه مرة أخرى:

- مالها الفساتين يا جواد وبعدين فى الشالات لسه هنلبسها.

رمقها بأستهزاء مُضيفًا بتهكم:

- طب ما أيه رأيك تروحوا من غير هدوم خالص، ومش هتفرق حاجة عن اللي أنتوا لابسينوا ده.

طفح الكيل يجب أن توقفه عند حده، من يظن نفسه ليتحدث إليهما بتلك الطريقة؟ كادت "ديانة" أن تصيح فيه ليقاطعها صوت رنين هاتف "جواد"، ليتفقد "جواد" هاتفه ليجده والده، ليغمض عينيه ويبتعد عنهم قليلا مُجيبا والده مُردفًا بإقتضاب:

- نعم.

أتاه صوت والده مُستفسرًا:

- أنت فين؟

أجابه بمزيدًا من الأقتضاب:

- فى الفيلا لسه.

أضاف والده أمرًا إياه بتحزير:

- طب يلا متتاخرش وسوق بالراحه عشان ديانة.

أمتثل لأمر والده مُردفًا:

- حاضر.

أنهى المكالمة مع والده ورجع إلى شقيقته بعدما عزم على أن ينهي ذلك اليوم دون شجار، ليعقب مُوجهًا الحديث نحوهم هما الأثنا بملامح باردة:

- أنا فى العربية دقيقتين وتكونوا تحت.

❈-❈-❈

تجلس بجانبه فى المقعد الخلفي للسيارة بينما السائق يقودهما إلى بيت عائلة "ملك"، لتمتعض ملامحها بضيق وحنق وخصيصا بعد مكالمته ل"جواد" وتحذيره فى الحرص على سلامة تلك الفتاة التي تود خنقها، والأن يجب عليها أن تذهب لحضور حفل خطبة ذلك المعتوه الذي يُدعى "إياد" وتلك الساقطة إبنة تلك العائلة التي ربت تلك الفتاة الملعونة، لتزفر بحنق مُستفسرة:

- هو أحنا رايحين الخطوبة دي ليه؟

حول "هاشم" نظره إليها بعد أن أفاقته من شروده وكثرة تفكيره الذي لا يرأف به، ليحمحم بحرج هاتفًا:

- معلش يا هناء كنت سرحان مخدتش بالي، كنتي بتقولي إيه؟

أغمضت عينيها بملل بسبب كثرة شروده، فهى لأحظت بالأيام الماضية إنه يشرد كثيرًا وتضطر لإعادة حديثها مرة أخرى، لتبتلع بحنق مُرددة بإنزعاج تُحاول إخفائه:

- إحنا رايحين الخطوبة دي ليه؟

تنهد "هاشم" زافرًا كل الهواء من رئتيه وكأنه يريد إنعاشها بهواء آخر نظيف مُجيبًا بهدوء:

- عشان إياد عندى زي جواد وزينة بالظبط، لأنه مش بس صاحب جواد، لا ده أبوه كمان كان صحبي وزي أخويا، وبعد ما مات هو ومراته إياد بقى مسؤل مني خصوصًا إنه ملوش حد خالص، إزاي بقى أسيبه فى يوم زي ده؟
أومأت برأسها بملل مُعلنة عن تفهمها لحديث "هاشم" الذي لم تكترث له، فتلك المشاعر قد ماتت بداخلها منذ زمن طويل ولم تعد تتأثر بتلك التفاهات، لتُغير مجرى الحديث مُستفسرة:

- هو أنت بجد مُهتم بموضوع الجنين ده؟

سريعًا ما عقب "هاشم" بكثير من اللهفة:

- مهتم جدًا كمان، وعمرى ما هسمح إنه يتأذي مهما حصل.

أمتعضت ملامحها بحنق مردفة بإعتراض:

- بس ده أبن ديانة يا هاشم!

ضيق "هاشم" ما بين حاجبيه بضيق وإنفعال مُصيحًا بحدة:

- حتى لو أبن ديانة يا هناء، الطفل ده حفيدي أو حفيدتي، ومش هسمح لأى حاجه تأذيه أو تأثر عليه، حتى لو أضطريت إنى أحمي ديانة بنفسي عشان الطفل ده هعملها، ومش عايز أسمع ولا كلمة زيادة فى الموضوع ده.

أعتلت ملامح الغضب والكراهية وجه "هناء" تجاه ذلك الطفل الذي أوشك على أن يُخرب لها كل مُخططاتها حتى من قبل أن يولد، بل يجب أن لا يولد، يجب عليها التخلص من ذلك الطفل بأسرع وقت حتى لا تخسر بمعركتها تلك، وبعدها تٌعيد "جواد" إلى طاعتها مرة أخرى.

❈-❈-❈

وصل الجميع إلى منزل عائلة "ملك" وتبادلا التهاني وبمجرد أن وقعت عين "منال" على "ديانة" أسرعت إليها وأحتضنها بكثير من الحب والأشتيقاق مُعقبة:

- يا حبيبة قلبى وحشتيني وحشتيني أوي.

بادلتها "ديانة" العناق وقد أمتلئت زرقاوتيها بالدموع لا تعلم إن كانت تلك دموع الحزن والقهر التي عاشتهما بعيدًا عنهم؟ أم تلك دموع الأشتياق الذي مزقها طوال تلك الأشهر بعيدة عن حضن والديها التيض لم تفارقهما منذ أكثر من عشرون عاما؟ لتهتف "ديانة" بصوت منخفض من بين دموعها:

- وأنتي كمان يا ماما وحشتيني أوي.

خرجت من عناق "منال" على صوت "محمود" الذي يقف خلفها منذ أن رآها وهي تتوجه نحو "منال" وأسرع للقائها والأطمئنان عليها، هتف بحنان أبوى وهو يربت على ظهرها:

- طب وبابا موحشكيش هو كمان؟

أسرعت "ديانة" بدفن وجهها بصدر "محمود" مُتشبثة به كالأطفال ولم تتحكم فى دموعها بسبب شعورها بالراحة والأطمئنان، حقا لا مثيل لحضن الأم ولكن لا يوجد أأمن من عناق الأب، فهو له مذاق أخر مملؤ بالراحة والأمان والطمئنينة، لتهتف بنحيب:

- مقدرش متوحشنيش يا حبيبي، وحشتني أوي أوي.

خرجت "ديانة" من عناقه بعد وقت ليس بقليل، ليضع يده على بطنها مبتسما بسعادة كبيرة مُعقبًا:

- بسم الله مشاء الله، ربنا يكملك على خير يا بنتي وتقومي أنتي واللي فى بطنمك بألف سلامة يارب.

كان كل ذلك يحدث تحت أنظار "جواد" الذي يقف بجانب والده وقد رأى كيف يضمها ذلك العجوز ويضع يده على بطنها أيضا، لقد طفح الكيل يجب عليه إقافه عند حده، كاد "جواد" أن يتجه نحوهم ليمنعه والده الذي لاحظ ما يحدث عندما تغيرت ملامح وجه "جواد"، ليمسك بيده مُتمتمًا بهدوء:

- أهدى شويه فى ناس حولينا، متنساش إنها حامل وكمان ده فى مقام أبوها بردو، ولو حصلت حاجه مش عجباك أبقى حاسبها عليها بعد الولادة دلوقتي لا.

ضيق "جواد" ما بين حاجبيه مندهشًا من حديث والده كيف يمكن أن يكون ذلك الطفل سبب تغير والده بكل ذلك الشكل، هل حقا يمكن أن يكون ذلك الطفل نقطه التحول بحياة الجميع؟ ولكن كيف! هل سيُعيد ذلك الطفل والدته وجنينها؟ هل سيشفى عمته من عجزها؟ هل سيُحيي عمه الذى توفى بسبب تلك الصدمة؟ هل سيمحي طفولته المريرة التي عانها بسبب عدم وجود والدته وجعل "هناء" هى من تتحكم بأمره؟ كلا هناك أشياء لا يُمكن تغييرها ولو بعد مئات الاعوام.

❈-❈-❈

خرجت من المرحاض بعد أن هندمت هيئتها لتجد يد قوية وواضح جدًا إنها لرجل ووضعت على فمها من الخلف والأخرى تسحبها نحو إحدى الغرف المُجاورة، ليقوم بدفعها داخل الغرفة وسريعًا ما أغلق الباب عليهما لتشعر بالقلق والرهبة، ولكن عندما رأت وجه لكزته فى معدته بغضب وقد شعرت بقليل من الراحة:

- أنت مش هتبطل حركاتك دي بقى؟

ألتقط "مالك" يدها قبل أن تلكزه مرة أخرى وهو يُطالعها بكثير من الحب والأعجاب مُضيفًا بعزل:

- وأنتي مش هتبطلي تخطفي قلبي كده بحلوتك دي؟

أكتست الحُمرة وجه "زينة"، فهى ليست كالفتايات الذين يخجلن بسهولة، ولكن كلماته تلك مع وجودهما بغرفة واحدة مُغلقة عليهم وطريقته التي أحضرها بها، كل ذلك جعلها لا تستطيع أن تُسيطر على إحمرار وجنتيها، ليلاحظ هو خجلها ويقترب منها أكثر مُعقبًا:

- بالرغم من إني أول ما شوفتك بالفستان ده كنت عايز أخدك من جمب أبوكي وأخوكي وأخبيكي عشان محدش يشوف كل الجمال ده غيري، إلا إني مقدترش أعمل حاجه من كتر منا مكنتش عارف أشيل عيني من عليكي أو حتى أغمضها، أول ما شوفتك حسيت إني عايز أخدك فى حضني ونبعد عن كل الناس ومحدش يشوفك غيري، أنا مكنتش متخيل أني هحبك بالشكل ده يا زينة!

أقترب منها كثيرًا وسريعًا ما ألتقط شفتيها، حتى إنه لم يترك لها فرصة لكى تُصدم بل أبتلع شفتيها بكثير من الرغبة واللهفة، بينما هي ظلت تترجع للخلف مُحاولة التخلص منه ولكن دون فائدة، فكلما رجعت للوراء تقدم هو إليها إلى أن ألتصقت بالحائط خلفها وإلى تلك اللحظة لم يتخلى عن أمتصاص شفتيها.

تُحاول دفعه بعيدًا عنها ولكن دون فائدة، وبالنهاية خارت قواها مُستسلمة لما تفعله بها شفتيه، وبعد وقت ليس بقليل أبتعد عنها وهو يلعن بداخله ذلك الهواء الذي أحتاج له كلا منهما.

شهقت هي لكثرة إحتياجها للهواء وأخذت تُحاول تنظيم أنفاسها، بينما هو لم يبتعد عنها كثيرًا وبمجرد أن لاحظ إستقرار أنفاسها عاد ليقبلها مرة أخرى، ولكن تلك المرة بادلته رغمًا عنها، فهى الأخرى تحبه كثيرًا وتشعر بالكثير من المتعة بالقرب منه أو ملامسته.

ليظن الأخر أن تلك إشارة منها على موافقتها لأقترابه منها، وبلحظة أمتدت يده نازعة عنها ذلك الشال الشفاف الذي لا يُخفي شيئًا، ولكنه يمنعه من ملامسة جسدها.

شعرت هي بنزع شالها لتتسع عينيها بصدمة ولكن سريعا ما أذابتها يد "مالك" التي أحتوت خصرها وسريعا ما أخذت طريقها إلى الجزء المكشوف من ظهرها مُتحسسا إياه، وهو لايزال يلتهم شفتها برغبة تزداد مع كل لمسة، ليفرق بين شفاتيهما أخذًا طريقه نحو عنقها مُلثما إياه ببعض القُبل الحارة والمليئة بالشبق، لتغمغم "زينة" من بين تيهتها:

- ما..لك أبعد..أرجوك.

لم يكترث إلى غمغماتها وأخذ يوزع تلثيماته على عنقها ونحرها، بينما يده لم ترأف بها وظلت تتحسس ظهرها، ولم يكتفى بذلك القدر بل يزداد إثارة ورغبة بالحصول على المزيد، ليقوم بفتح سحاب فستانها الذي يبدأ من منتصف ظهرها إلى أسفله.

أنتفض جسدها أثر ما يقوم به وقبل أن تقوم بأية ردة فعل، قطع عليهم تلك اللحظة الحميمة صوت طرقات على باب الغرفة، لينتفض على أثرها جسد "زينة" دافعة إياه بعيدا عنها.

عدل من مظهره مُتجها نحو باب الغرفة لاعنًا الطارق ويتمنى لو أن يقتله بيده، فتح الباب ليجدها العاملة تخبره بأن أحدهم يسأل عليه:

- معلش يا مالك يا أبني واحد صاحبك بيسأل عليك برا.

أغمضت عينيه بغضب لازع لاعنًا جميع أصدقائه بداخله مُعقبًا بضيق:

- قوللهم دقيقتين وجي يا دادا.

أغلق الباب وسريعًا ما عاد إلى "زينة" مرة أخرى ليجدها بالفعل أغلقت سحاب فستانها وأرتدت شالها وعدلت من مظهرها، ليعقب بضيق وحنق:

- أنا هقطع علاقتي بصحابي كلهم.

شعرت "زينة" بالخجل ممً حدث، لتجده يُحاول الأقتراب منها مرة أخرى، لتدفعه بعيدًا عنها وسريعًا ما أتجهة نحو باب الغرفة هاربة منه، ليلتقط "مالك" سترته مُتمتمًا بإنزعاج:
+

- ملعون أبو صحابي كلهم.

يتبع...
انتهيا من تلبيس خواتم الخطبة تحت أنظار وفرحة الجميع، ليقوم "إياد" برفع كف "ملك" بخفة وتقبيله برقة ونعومة عارمة، صفق الجميع وبادلوهما التهاني والإبتسامات والتمني لهما بحياة سعيدة طوال العمر.

كان "جواد" يقف بعيدًا عن الحاضرين ويختلس النظر إلى "ديانة" مُحاولًا إشباع عينيه من كثرة جمالها ورقتها، لاعنًا "لبنى" و"هناء" ونفسه وقلبه الذي لا يرأف به أمام عقله، يتمنى لو يستطيع أن يُلقي بنفسه من فوق البناية لعله يجد الراحة من كل ما يحدث حوله.

بينما أقترب "إياد" من أذن "ملك" هامسًا بمكر:

- اتخطبنا أهو يعني أبوس وأحضن براحتي يا جميل؟

ألتوى ثغر "ملك" بعدم رضا رافعة أحد حاجبيها بإستهزار مُعقبة:

- بوس وأحضان فى عينك، لسه بدري يا بابا على الكلام ده، أنا خطيبتك مش مراتك.

أبتسم بخبث عازمًا على أن يصفعها ببعض الكلمات التي تجعلها لا تستيطع أن ترفع عينيها بوجهه مُردفًا بمكر:

- لا مهو لما تبقي مراتي مش هيبقى بوس وأحضان بس، ده هيبقى فى حاجات ممكن قلبك يقف لو عرفتيها.

أكتست الحمرة وجهها لاكزة إياه فى صدره مُضيفة بإنزعاج مُمزج بالكثير من الخجل:

- أنت قليل الأدب ومعندكش دم.

أبتسم "إياد" بحب وإعجاب مُردفًا بصدق:

- وبحبك أوي.

أشاحت بنظرها بعيدًا عنه، فهى لم تعد تستطيع النظر إليه أكثر من ذلك، لينقذها من خجلها قدوم "جواد" الذي أخذ يقترب من "إياد"، ليصبح أمامه مُضيفًا بهدوء:

- مبروك يا إياد، أنا مُضطر أمشي بقى وأنت زي ما قولتلك بكره سماح.

أمتعضت ملامح "ملك" بالحزن لأنها تعلم إذا رحل "جواد" بالطبع سيأخذ "ديانة" معه، لتهتف بإندفاع:

- طب ما تخليكوا شوية كمان.

أدار "جواد" وجهه ثم أغمض عينيه بقليل من الملل ولكن لم يلاحظه أحد، ليعود بنظره إليها مرة أخرى مُصطنعًا الهدوء:
- معلش محتاج أمشي.

لاحظت "ملك" كلماته المقتضبة وإصراره على الذهاب، لتومأ له برأسها بالموافقة بخيبة أمل على رحيل "ديانة" ولكن لا يوجد بوسعها شيئًا لتفعله، لينهض "إياد" وأخذ "جواد" بعيدًا عن "ملك" مُعقبًا بإقتراح:

- جواد ياريت تدي نفسك فرصة تانية فى موضوع ديانة، أنا شايف إنها متستاهلش كل ده، وحاسس إن بقا فى حاجة من نحيتك.
ربت "جواد" على كتف "إياد" مُحاولا التهرب من الحديث وهو يستعد للذهاب مُردفًا:

- مبروك يا إياد.

أبتعد "جواد" متجهًا نحو "زينة" كي يخبرها أن عليهم الرحيل، بينما ظل "إياد" يتابعه بعينه مُتنهدًا بثقة:

- والله شكلك حبيتها يا أبن الدمنهوري.

❈-❈-❈

بعد مرور شهر..

كان يجلس بصحبة "هاشم" فى مكتبة بالقصر بناءًا على رغبته فى مقابلته بعيدًا عن الشركه والموظفين، يرتاب "إياد" قليلًا لعدم معرفته بسبب تلك المُقابلة المفاجأة، بينما لاحظ "هاشم" توتره ليبتسم مُعقبًا بمرح:

- إيه يا إبني أنت قاعد متوتر كده ليه؟

حمحم "إياد" مُجيبًا بإحترام وتقدير:

- أبدًا يا عمي، أنا بس مستغرب أول مره حضرتك تطلب تقابلني فى البيت!

إبتسم "هاشم" مُردفًا بود:

- بصراحة كنت عايز أتكلم معاك فى موضوع بيني وببنك.

ضيق "إياد" ما بين حاجبيه بقليل من التعجب، ما هو الشيء الذي أراد "هاشم" أن يتحدث فيه معه خارج الشركه، ليُردف بفضول:

- اتفضل يا عمي!

أبتسم "هاشم" له بكثير من الحب مُوضحًا:

- أنت عارف يا إياد إنك عندي زي جواد وزينة بالظبط، وعارف إن أبوك كان صحبي أوي، وكمان كان شريكي فى جزء من أسهم الشركة.

تنهد "إياد" بأسى عند ذكر والده المتوفي مُُردفًا:

- طبعا يا عمي أكيد عارف، الله يرحمه.

- الله يرحمه.

قالها "هاشم" وهو يقوم بفتح درج مكتبه ملتقط منه أحد الملفات ووضعها أمام "إياد" مُضيفًا:

- إمسك يا إياد.

ألتقط ذلك الملف مُتفحصًا إياه مُضيقًا ما بين حاجبيه مُستفسرًا:

- آيه ده يا عمي؟

زفر "هاشم" بقليل من الراحة لتخلصه من ذلك الحمل الثقيل الذى تمنى كثيرًا أن يتخلص منه، ولكنه لم يكن يستطيع كسر وصية صديقه المتوفي، ليجيبه بهدوء:

- ده يا ابني كل نصيب والدك فى أسهم الشركة بتاعتنا وأرباحهم، انا كتبتهم بإسمك، ودي كانت وصية والدك الله يرحمه، قالي لما إياد يكبر ويقدر يتحمل المسؤلية أحولهم بإسمك، وأنت دلوقتى كبير بما فيه الكفاية، أنت خاطب بقالك يجى شهر أهو وشكلك واخد الموضوع جد وداخل على جواز، أنت أولى تدير حقك بنفسك وعلى فكرة، فى شركة من الشركات دي حق إدارتها من نصيبك أنت، لأنها تعتبر بتاعت والدك وأنا أسهمى فيها بسيطة جدًا.

شعر "إياد" بالصدمة لأنه لم يكن يعلم بأمر شراكة والده و"هاشم"، كيف ومتى حدث ذلك؟ ولماذا لم يخبره "جواد" بهذا الأمر! لينظر نحو "هاشم" مُُعقبًا بأثار صدمة:

- أنا مش عارف أقولك إيه يا عمي، بجد شكرًا على أمانتك لو حد غيرك مكنش عرفني حاجة، خصوصًا إني مكنتش أعرف أي حاجة عن موضوع شراكتك أنت ووالدي دي، وجواد نفسه مجبليش سيرة حاجة!

أبتسم له "هاشم" بود مُضحًا:

- جواد هو اللي قالي أعرفك بموضوع الشراكة ده، وقالي إنك المره دي عقلت بجد وبقيت قد المسؤلية.

تنهد "إياد" بهدوء بعد أن زالت أثار صدمته، إنه لم يكن يعلم بكل هذا ولم يكن ذلك الأمر بحسبانه، هو كان يكتفى بعمله مع "جواد" وصداقتهما، لم يكن يعلم إنهما شركاء أيضًا، ليُعقب بإمتنان:

- شكرًا يا عمي بس أنا مش عايز كده، أنا عايز أفضل مع حضرتك ومع وجواد، أنت عارف إني معنديش غيركوا بعد والدي وولدتي، أنتوا كنتوا أهلي، فمتحرمنيش من أهلي مرة تانية لو سمحت.

نهض "هاشم" من كرسيه مُتجها نحو "إياد" الذي نهض هو الأخر، ليتقدم "هاشم" ويقوم بمعانقة "إياد" مُردفًا بحنان أبوي:

- مين يا ابني اللي قال الكلام ده، أنت عمرك ما هتبعد عننا وأنا مش بقولك نفضي الشراكة، أنا بقولك تدير حقك معانا، دلوقتي أنت مش موظف أنت صاحب حق يا إياد ولازم يا ابني تاخده، وبردو هتفضل ابني زيك زي جواد بالظبط.

لم يجد"إياد" ما يقول ليلاحظ "هاشم" تلعثمه ليحرره من ذلك الضغط مُضيفًا بمشاكسة:

- يلا بقى عشان تليفونك مبطلش رن من ساعة ما جيت وواضح إنها خطيبتك، روح رد عليها قبل ما تنزل تعمل محضر فى القسم بإنك مفقود ومتغيب من ساعة.

ضحك "إياد" على ما تفوه به "هاشم" ناهضًا من كرسيه مُردفًا بحب وأحترم:

- تصبح على خير يا عمي.

- وأنت من أهله يا حبيبي.

خرج "إياد" من مكتب "هاشم" متجهًا نحو باب القصر، ليلاحظ "هناء" تقف بصحبة إحدى العاملات بالمنزل، ولكنه لم يرتاب الموقف وشرع فى الخروج.

❈-❈-❈

أستيقظ باكرًا مثل عادته منذ أكثر من ثلاثة أشهر، أخذ حمامه مرتديًا ملابسه، ليستعد لذهاب إلى الشركة قبل أن تستيقظ "ديانة" حتى لا يلتقي بها، على الأقل إلى أن تضع حملها بسلام.

هبط درجات السُلم متجهًا إلى الأسفل، ليلاحظ وجود إحدى العاملات بالمنزل، ليشعر إنه قد رآها قبل ذلك وقبل أن يتفوه بكلمة، قاطعته "زينة" واضعه يدها بظهره مُردفة بحب:

- صباح الخير يا حبيبي.

أحتضنها "جواد" بحنان مُردفًا بحب متبادل:

- صباح النور.

فرق عناقهما موجهًا نظره إلى العاملة مُستفسرًا:

- هي دي اللي جايه من البيت عند بابا؟

أومأت "زينة" برأسها مؤكدة على حديثه مُضيفة:

- ايوه كويس إنك بعت جبتها هتريحنا جدًا.

هز "جواد" رأسه بالموفقة على حديثها مُعقبًا:

- طيب أنا رايح الشركة، عايزه حاجة؟

أمتعضت ملامح "زينة" بأنزعاج هاتفة:

- مش هتقعد تفطر معانا بردو زي كل يوم؟

أبتلع بمرارة فكم يود أن يجلس معهما أو يتحدث إليها أو يرها على الأقل، ولكن لا يستطيع حتى لا تزداد حيرته وتشتته الذي لا يدري إلى أين سيدفعه، ليجيبها مُعتذرًا:

- معلش يا حبيبتي كده أحسن، وأديكي شوفتي اللي حصل فى أخر مرة فطرنا سوا، يلا سلام.

فر هاربًا عندما شعر بهبوط أحدهم الدرج، ليدرك إنها "ديانة" قد أستيقظت، ليذهب سريعًا حتى لا يُعطي نفسه فرصة لرؤيتها وإعادة ما حدث ذلك اليوم مرة أخرى، وسريعًا ما خرج من البيت.

هبطت "ديانة" الدرج بحذر حتى لا يتأذى جنينها التي أصبحت مُتعلقة به كثيرًا وتتمنى أن تراه فى أقرب وقت، فتلك مشاعر الأمومة التي أستحوزت عليها كليًا، لتهتف بحب موجها حديثها نحو "زينة":

- صباح الخير يا زوزه.

بادلتها "زينة" التحية بكل حب:

- صباح النور يا قلب زوزه، يلا يا جميل عشان نفطر.

وافقتها "ديانة" وبالفعل جلستا معًا ليتناولان الافطار وأفكار كثيرة تدور بعقل "زينة" تريد الأستفسار عنها، ولكنها ستضطر حينها أن تفصح بكل شيء إلى "ديانة"، ولماذا لا تُفصح لها! فهي شخصية جيدة وقد أصبحا صديقتان مقربتان بالفعل، لتتنهد "زينة" مُعقبة بإستسلام:

- ديانة كنت عايزة أتكلم معاكي فى موضوع كده وأخد رأيك فيه.

أبتلعت "ديانة" ما فى فمها من طعامًا مُردفة بإهتمام:

- قولي يا زوزه.

توترت "زينة" وأشبكت أصابع يدها ببعضهما، لا تدري من أين تبدأ اطأو ماذا تقول؟ لتعقب فى النهاية بنبرة خافتة:

- أنا.. أنا ومالك بنحب بعض.
أعتلت صدمة المفاجأة وجه "ديانة"، ولكنها سريعا ما تحولت إلى إبتسامة مليئة بالسعادة والحماس مُردفة بلهفة وفضول:

- لا ده أنتي تحكيلي الحوار كله من الأول.

أبتسمت "زينة" بخجل ولكنها شعرت بالراحة لترحيب "ديانة" بالفكرة مُعقبة بسعادة:

- هحكيلك.

❈-❈-❈

ضيق ما بين حاجبيه غير مُدركًا عن أى شيء يتحدث صديقه! أو ماذا يقصد بحديثه؟ إنه أرتاب من هيئته وهو دالفًا إليه بمجرد أن وصل الشركة ودخل مكتبه، وإلى الأن يبدو وكأن هناك إحدى الكوارس على وشك أن تحدث، ليزجره بحدة مُحثًا إياه على الحديث:

- ما تنطق يا إياد فى إيه!

أبتلع "إياد" بمضض لا يعلم ماذا يفعل؟ أيخبره ويجن حينها جنون "جواد"؟ أم لا يخبره ويترك تلك الكارثة تحدث ويشعر بالذنب طوال عمره! بل سيخبره وليحدث ما يحدث، ليجيبه مُتواخيًا الحذر:

- أنا هحكيلك كل حاجه يا جواد بس أبوس رجلك فكر بالعقل قبل أي خطوة تعملها.

أومأ له "جواد" برأسه بنفاذ صبر، لم يعد يحتمل طريقة الألغاز التي يُحدثه بها صديقه، ليشرع "إياد" فى قص عليه ما حدث ليلة أمس.

••

خرج "إياد" من مكتب "هاشم" متجهًا نحو باب القصر، ليلاحظ "هناء" تقف بصحبة إحدى العاملات بالمنزل، ولكنه لم يرتاب الموقف وشرع فى الخروج، ليستوقفه مرة أخرى صوت العاملة وهي تتلفظ بإسم "جواد"، ليقترب منهما بحركة لا إرادية منه عندما شعر ببعض القلق، ليختلس السمع على مقربة منهما ليسمع "هناء" وهي تهتف بنبرة أمارة:

- أيوه يا كوثر بكره هتروحي عند جواد فى الفيلا بتاعته عشان تشتغلي هناك.

أومأت "كوثر" برأسها بالموافقة على حديث "هناء" مُردفة:

- من عنيا يا ست هناء اللي تأمريني بيه.

رمقتها "هناء" بنظرات استعلاء مُضيفة بكبر:

- فى حاجه كمان عايزها منك بس لو طلعت برا عننا إحنا الأتنين هدفنك حيه.

أبتلعت "كوثر" بقلق من حديثها، فهى تعلم جيدًا إنها قاسية ولا تقول شيئًا إلا وتستطيع تنفيذه، لتهتف بسرعة:

- فى بير يا ست هانم، مش هفتح بؤي بحرف.

أخرجت "هناء" من جيبها إحدى القنينات التي تبدو على الأرجح قنينة دواء، لتعطيها إلى "كوثر" مُضيفة:

- خدي.

ضيقت ما ببن حاجبيها بتعجب مُستفسرة:

- إيه دي يا ست هانم!

أجابتها الأخرى بهدوء وكأن ما ستقوله شيئًا طبيعي:

- ده سم.

ضربت "كوثر" على صدرها بذعر وفزع وكأن قلبها سقط من مكانه من شدة الرعب مُصيحة بإنفعال:

- يالهوي! سم إيه يا ست هانم؟

زفرت بملل من ثرثرتها الكثيرة، كم تود صفعها ولكنها يجب أن تشرح لها حتى لا يحدث أي خطأ:

- ده سم مخصوص للحوامل، وده هتحطيه لديانة مرات جواد فى العصير.

ضربت على صدرها مرة أخرى ولاتزال ملامح الفزع والذعر متملكتان منها:

- يا خرابي يا ست هناء، أنتي عايزاني أحفر قبري بإيدي، ده جواد بيه يقطع إيدي ورجلي ويسلخني وأنا عايشة.

هدأتها وخففت من روعها مُردفة:

- متخافيش محدش هيعملك حاجة، ولا حد هيعرف حاجة أصلا.

علامات التعجب هي كل ما يظهر على وجه "كوثر" مستفسرة:

- إزاي!

زفرت بضيق وغضب من إضطرارها لتفسير الأمر لتلك الحمقاء الماثلة أمامها:

- عشان يا غبية ده دوا معين لو اتحط للحامل هيموت الجنين فى بطنها من غير ما تحس وبعدها هيجلها تسمم حمل، لو ماتت الكل هيقول إنها ماتت بسبب إن الجنين مات فى بطنها ومحدش هيشك فيكي.

أتسع ثغر "كوثر" إلى آخره من كثرة الدهشة مما أستمعت إليه للتو، لتهتف بصدمة:

- يالهوي يا ولاد صحيح العلم نور، طب أنتي عايزه تموتيها ليه يا ست هانم.

قابلت سؤالها بصفعة قوية أبلعتها ما بجوفها وكادت أن تُبلعها لسانها من شدتها زاجرة إياها:

- أنتي هتنسي نفسك ولا إيه يا بت، أنتي تسمعي الكلام وبس.

أومأت لها "كوثر" برأسها برعب وإنكسار هاتفة:

- حاضر يا ست هانم،أنا أسفة والله مش هتتقرر تا..

أوقفها صوت رنين هاتف "إياد" الذي سريعًا ما قام بأغلاقة وأبتعد عنهما قليلا حتى لا يعلما إنه كان يستمع إلى حديثهما، لتُشير "هناء" إلى "كوثر" بالإنصراف وتوجهت هي نحو "إياد" بملامح هادئة على عكس ما بداخلها، عازمة على أن تعلم إذا كان أستمع لشيئًا من حديثهما أم لا؟

- أيه ده يا إياد أنت هنا من أمتى!

أدرك "إياد" إنها تُحاول معرفة إذا كان أستمع لحديثها أم لا؟ ليبتسم لها بمرح قاصدًا أن يُشتتها مُجيبًا:

- اه كنت قاعد مع عمي بنتكلم فى شوية حاجات كده بخصوص الشركة ولسه مخلص حالا، لقيت ملك نازله رن رن لحد ما زهقت.

زفرت "هناء" بداخلها براحة لاعتقادها إنه لم يستمع إلى شيئًا، لتهتف بابتسامة مُحاولة التخلص من توترها:

- معلش بقى أستحمل، أنت اللي جبته لنفسك.

بادلها "إياد" الابتسامة عازمًا على إنهاء الحديث:

- على رأيك، يلا بقى الوقت إتاخر، بعد أذنك.

أبتسمت له بهدوء مُردفة بثبات:

- أتفضل.

•••

أنتفض من مكانه بسبب ما أستمع إليه من صديقه وسريعا ما ألتقط هاتفة ومفاتيح سيارته بلهفة وذعر، ليلاحظ "إياد" فزعه ليهتف مستفسرًا:

- فى إيه يا جواد؟

رمقه بملامح الفزع الذي يراها عليه لأول مرة والخوف فى أعيُنيه مُجيبًا بتلعثم:

- كوثر، كوثر عندي فى الفيلا من الصبح وزمانها ...

جحظت عيناه بمزيد من الصدمة والذعر راكضًا نحو باب مكتبه مُضيفًا بفزع:

- ديانة!!

هرول "إياد" خلفه متجهان إلى منزله لكى يلحقان "ديانة" قبل خسارتها هى وجنينها.

❈-❈-❈

أتسعت عينها بصدمة مما أخبرتها به "زينة" وعما حدث بينها وبين "مالك" يوم خطبة "إياد" و "ملك"، لتُعقب "ديانة" بملامح تصرخ بالتعجب:

- مالك عمل كل ده؟

أومات لها "زينة" بالإيجاب وقد أكتست الحمرة وجهها من تذكرها لذلك اليوم، لتزجرها "ديانة" مُردفة بعتاب:

- وأنتي ممنعتيهوش ليه يا زينة؟

أبتلعت الأخرى بندم، لا تعلم لماذا لم تمنعه أو توقفه عما كان يفعله؟ ولكنها لم تستطيع حتى التحدث، فقد كان مُسيطرًا عليها بشكل كلي، لم يترك لها حتى القدرة على الكلام:

- مش عارفة يا ديانة أنا كنت حاسه إنى بحلم، مفوقتش غير على صوت خبط على الباب والحمدلله إني فوقت قبل ما الموضوع يتطور أكتر من كده.

لاحظت "ديانة" ندمها وإلقاء الذنب على نفسها، لتحاول هي تخفيف الضغط عنها وتطمئنتها مُردفة بهدوء:

- الحمدلله إن الموضوع متطورش أكتر من كده، بس خلى بالك بعد كده، مالك مش إنسان وحش بالعكس مالك ده من أحسن الناس اللي ممكن تقابليها فى حياتك، بس فى الأول وفى الأخر هو راجل والراجل بتشوف المواضيع أبسط مننا وبتفتكر إن ده حقه عادي، وإن كده هو بيعبر عن حبه وبيطمع فى البنت اللي معاه حتى لو بيحبها، ومش بيبقى واخد باله إنه ممكن كده يئذيها فلازم أحنا بقى اللي ناخد بالنا ونمنع أي حاجة قبل ما الموضوع يتطور، ولو فعلا بيحبك يا زينة لازم يبقى فيه إرتباط رسمي بما إنه مش عارف يمسك نفسه كده.

قالت جملتها الأخيرة بمرح لكي تخفف عن "زبنة" التي أعتلت البسمة ثغرها بسبب ما تفوهت به "ديانة"، ليقطع حديثهما صوت العاملة مُعقبة باحترام مُوجهة حديثها نحو "ديانة":

- العصير يا ست ديانة.
أبتسمت لها "ديانة" بإمتنان مُردفة:

- تسلم إيدك يا..، هو أنتي اسمك إيه؟

أجابتها "كوثر" بإرتباك وهي تضع كأس العصير التي وضعت به الدواء فوق الطاولة:

- إسمي كوثر يا ست هانم.

أومأت لها "ديانة" مُردفة بإمتنان:

- شكرا يا كوثر.

رحلت "كوثر" بعيدًا عنهما، لتُعقب "ديانة" بإعجاب:

- عسولة كوثر.

وافقتها "زينة" الرأي مُردفة بمدح:

- أيوه فعلا كوثر شغاله عندنا فى البيت من فترة طويلة، بس بنت دمها خفيف جدًا، على فكرة هتموتك من الضحك.

ألتقطت "ديانة" كأس العصير مُردفة بابتسامة:

- باين عليها.

قربت كأس العصير من فمها وكادت أن ترتشف منه، لتجد تلك اليد التي أمتدت على يدها باعدة ذلك الكأس عنها بحركة سريعة، أثر ذلك عليه سقوطه أرضًا.

فزعت "ديانة" ممَ حدث، لتنظر إلى صاحب تلك اليد التي فعلت ذلك، لتجده "جواد" واقفًا أمامها يتنفس الصعاد، لتنزعج ملامحها من فعلته تلك وصاحت فيه بغضب وحنق:

- إيه اللي أنت عملته ده أنت مجنون؟

تجمدت "زينة" فى مكانها لا تعلم ما الذي يحدث بالضبط، لماذا فعل "جواد" هذا! ولماذا يبدو قالقًا هكذا؟ واضح جدًا إنه كان يركض ولكن لما؟ لحظة واحدة، لماذا "إياد" أيضًا يلحق به إلى هنا وجعل الحرس تقف أمام الباب! ما الذي يحدث؟

بينما "جواد" لم يكترث لحديث "ديانة" على ما يبدو إنه أتا فى الوقت المناسب ولم ترتشف منه بعد، زفر براحة قبل أن يصيح بصوتًا عالٍ أوشك على هز جدران البيت:

- كوثر.

هرولت إليه مرتعبة من نبرة صوته مُدركة إنه بالطبع أكتشف الأمر وسوف يزهق روحها لا محال، لتجيبه بمبرة ترتجف رُعبًا:

- تحت أمرك يا جواد بيه.

تقدم خطوتين ليقف أمامها وعينيه تشتعلان من كثرة الغضب والكراهية، وصفعة قوية تهاوت على وجهها أهتز على أثرها جسد كلا من "ديانة" و"زينة"، بالإضافة إلى تلك التي سقطت أرضًا من شدة الصفعة، لتضيف بذعر وهي تُحاوط وجهها بكفيها:

- والله يا بيه ما عملت حاجة.

أمتدت يده جاذبًا شعرها مُعقبًا بأسنان ملتحمة من كثرة عضبه:

- تحطى سم لمراتي فى العصير عشان تموتيها هى واللي فى بطنها ومعملتيش حاجة يا بنت الكلاب.

أرتجف قلب "ديانة" ممَ أستمعت إليه للتو، لتضع يدها على بطنها بلهفة وخارت قواها وأوشكت عل السقوط أرضًا من شدة فزعها، بينما حاول "إياد" تخليص "كوثر" من يد "جواد" مُعقبًا:

- خلاص يا جواد، سيبها بقى هتموت فى إيدك.

أزداد من شدة جذبته لشعرها، مُردفًا بتوعد وحنق موجهًا حديثة نحو "كوثر".

- ومين قال إني هسيبها تموت وترتاح، وحيات أمك لخلي جسمك يموت حته حته قبل ما أطلع روحك بإيدي.

ألقت "كوثر" بنفسها تحت قدميه بذعر ورعب مُقبلة إياهما مُردفة بترجي:

- أبوس رجلك يا بيه سامحني، والله الست هناء هي اللي أمرتني أعمل كده، أبوس إيدك يا بيه سامحني.

صُعق كلا من "ديانة" و"زينة" وكانت الصدمة الأكبر من نصيب "زينة"، فهي تعلم إنها ليست بإمراة طيبة، ولكنها لم تتخيل إنها ستقوم بفعل مثل هذا، بينما "ديانة" لم تتفاجأ كثيرًا فهي تتوقع من تلك المرأة أية شيء.

بينما صاح "جواد" موجهًا حديثه نحو رجال الحرس خاصته، والغضب قد أظلم زرقاوتية تاركًا جانبه المظلم من يتحكم فيه:

- البت دي بتاعتكوا النهاردة، خدوها من وشي ومتشوفش الشارع تاني غير بأمر مني.

أصطحب هؤلاء الرجال الثلاثة ذو البناية المُخيفة "كوثر" التي امسكوا بها متوجهون نحو الخارج، لتصيح هي بين يديهم برعب وهلع مُدركة ما يمكن أن يحدث لها، لتصرخ مستنجدة بأحدًا:

- أبوس إيدك يا جواد بيه، أنا غلطانة سامحني، يا ست زينة ألحقيني يا ست زينة، متخليهومش يأخدوني الله يستر عرضك، أبوس رجلك يا جواد بيه أنا لسه بنت، متخلهومش يعملوا فيا كده.

أختفت "كوثر" من أمامهم لم يبقى منها سوى صوت صراخها الذي أخذ طريقه فى الإبتعاد عن المنزل بحوزة هؤلاء الرجال الثلاث، لتقترب "زينة" من "جواد" بهلع من منظره ومن تلك النيران التي تندلع من زرقاوتيه مردفة بتردد:

- جواد أنت هتعمل فيها إيه؟

رمقها بنظرة جعلتها تتجمد فى مكانها صارخًا بحدة:

- هقطع من لحمها وأرميها للكلاب.

أقترب "إياد" منهما مُحاولا تهدئة الموقف، موجها حديثه نحو "زينة":

- لو سمحتي يا زينة خدي ديانة ترتاح شويه.

ما إن وقع أسم "ديانة" على مسامع "جواد" إلا وأراد أن يركض إليها مُحتضنًا إياها مُتفحصًا كل إنشًا بها، ينظر لها بإهتمامًا شديد ولكن لا يستطيع الأقتراب منها، ماذا لو لم يلحقها؟ ماذا كان سيحدث لها؟ هل كان سيفقدها لنهاية؟

كانت "ديانة" هي الأخرى تنظر إلى "جواد" ويربط بينهم تواصل بصري غير مفهوم لأيًا منهما، بينما تدخلت "زينة" مُصطحبة إياها إلى غرفتها كي تستريح بعد كل ما حدث.

أقترب "إياد" من "جواد" مُحاولا تهدئته مُرفًا بثبات:

- إهدى يا جواد والحمدلله إننا لحقناها قبل ما يحصل حاجة، وبالنسبة للبت دي أنا هلحقهم قبل ما يعملوا فيها حاجة، بلاش تحملها الغلط كله، لأنها مش هي لوحدها اللي غلطانه.

غلت الدماء بعروق "جواد" من كثرة الغضب والكراهية التي يحملها تجاه "هناء" عازما على أن لا يصمت تلك المرة مُعقبًا:

- عنك حق وأنا هحاسب كل واحد على قد غلطه.

❈-❈-❈

ظلت تدور بأرجاء المنزل بأكمله ذهاباً وإياباً تُحاول مُهاتفة "كوثر"، ولكن دون فائدة فهاتفها يعطى جرس دون رد، لتزفر بنفاذ صبر وضيق مُتمتمة:

- راحت فين الغبية دي؟

عاودت "هناء" الأتصال عليها مرة أخرى مُحاولا الوصول إليها، لتستمع إلى رنين أحد الهواتف تقترب من خلفها، وبمجرد أن ألتفتت لترى من القادم، أنتهى صوت رنين الهاتف وفُتحت المكالمة التي كانت تنتظر فتحها، لتجد "جواد" يضع الهاتف على أُذنيه مُسلطًا أعينه إليها بنظرات حادة ومُخيفة مُعقبًا:

- ما تردي يا هناء هانم، مش هي دى المكالمه اللي مستنيها تتفتح من الصبح! ردي بقى وقوليلي عايزه تستفسري عن إيه وأنا أريحك.

أغمضت "هناء" عينيها بغضب مُدركة أن "جواد" قد كشف مخطتها وبالفعل فشلت خطتها، لتشعر بالغضب الشديد تجاه تلك الغبية "كوثر"، بينما "جواد" أخذ يقترب منها إلى أن أصبح لا يفصل بينهما سوى بعض السنتيمترات مُردفًا بتحدي:

- ردي يا مدام هناء عايزه تعرفي كوثر حطت السم لديانة واللي فى بطنها ولا لأ؟

رفعت "هناء" إحدى حاجبيها بإستنكار من طريقته معها معها، لتعقب بنبرة إستفزازية:

- أنت إزاي تتكلم معايا بالطريقة دي؟

صاح بها "جواد" بصوت جمهوري وأعيُن تتطاير منها النيران صارخًا بوجهها، والتي لو كان أحدًا بمكانها أمامه الأن بحالته تلك لكان خشى منه من شدة الرعب والفزع:

- أومال أنتي عايزاني أتكلم معاكي إزاي؟

رفعت "هناء" يدها وكادت أن تتهاوى على وجهه بصفعة قوية تذكره من تكون هي ومن يكون هو، ليوقفها مُلتقطًا يدها ضاغطًا على ساعدها، لتتسع عينيها بصدمة وقد أرتابت ممَ فعله، ولكنها عملت على إظهار عكس ذلك مُردفة باستهزاء:

- لا ده مش صوتك بس اللي بقى يعلى عليا، لا وإيدك كمان بقت تترفع وتمسك إيدي يا سي جواد، لا ده أحنا بقينا رجاله بقى.

أحتدت قبضته أكثر على يدها وغلت الدماء بعروقه، وأخذ يكز على أسنانه لدرجة إنه كاد أن يُهشمها:

- أنا راجل من زمان وأنتي عارفة كده كويس أوي، وعشان أنا راجل هقولهالك كلمة ومش هعدها تاني، ملكيش دعوة بمراتي واللي فى بطنها يا هناء الدمنهوري بدل ما أعمل حاجة تزعل الدنيا كلها.
+

دفعها بعيدًا عنه وشرع فى الخروج من القصر، لتحتقن الدماء بوجه "هناء" متوعدة للجميع وخاصة "ديانة" بالموت على يدها وان تُلقن "جواد" درسًا يُكسرن ويُعيده إلى طوعها مرة أخرى.
يتبع...
جالسة بغرفتها تبكى بحرقة على كل ما يحدث لها وهي ليس لها ذنبًا فى أيه شيء، سمحت لنفسها لأول مرة بالإنهيار بعد مرورها بكل تلك الفترة المليئة بالصعاب والألم والتشتت أيضًا، نعم هي كثيرًا ما كانت تشعر بالتشتت تجاه ذلك الشخص عديم الرحمة.

تشتت بين ما كان يفعله معها فى السابق وما يفعله معها الأن، ما الذي حدث له؟ ألم يكن هذا نفسه الشخص الذي كان يكرها ويريد قتلها منذ خمسة أشهر؟ ألم يكن نفس الشخص الذي تزوجها بالإجبار وضربها وأنتهك عذريتها وأغتصبها بدل المرة أثنين؟ ما الذي حدث له الأن؟

الأن يُحاول حمياتها من الجميع، يوفر إحتياجاتها من كل شيء، يرسلها بسيارة خاصة للمتابعة مع الطبيبة الخاصة بها، طلب من "زينة" البقاء معها إلى معاد الولادة، يهتم بطعامها حتى إنه ذلك اليوم لفت إنتباهها لتناول الطعام الصحي والإبتعاد عن المُعلبات.

نهاية بما حدث أمس وما فعله مع تلك الفتاة التي تُدعى "كوثر"، تلك اللهفة والقلق التي رأتهم فى عينيه، إرتيابه من أن يحدث لها ولجنينها شيئًا، نظرته لها بعد أن أمر رجاله بأخذ تلك الفتاة، ما الذي يحدث بالضبط؟ ما الذي يريده منها! هل يفعل ذلك فقط لأنها تحمل فى طفله وبعدها سيقتلها؟

ولكن ماذا عن حديث تلك الفتاة ابنة العاملة التي أرسلها هو صباح اليوم، تلك الفتاة التي جاءت معها لكي تتعرف عليها، هل كان حديثها حقيقي أم تكذب؟ ولكن لماذا ستكذب فكل حديثها يدور حولها هي فقط، حتى والدتها لا تعرف عنه شيئًا.

••

- عاملة إيه يا سلمى؟ وحشتيني جدًا.

أبتسمت لها "سلمى" بحب وإمتنان مُعبرة عن مدى حبها ل"زينة" مُردفة:

- الحمدلله يا أنسة زينة، أنتي اللي وحشتيني أوي.

بادلتها "زينة" الأبتسامة مُشيرة بيدها إلى "سلمى" وموجهة حديثها نحو "ديانة" مُعقبة بتوضيح:

- دي بقى يا ديانة سلمى بنت دادى حُسنة، جميلة جدًا ورقيقة ومتربية معانا أنا وجواد فى البيت من سنين.

أبتسمت لها "ديانة" بود، بينما وجهت "زينة" حديثها نحو "سلمى" فاعلة المثل:

- ودي يا سلمى تبقى ديانة مرات جواد و...

قطع حديثها صوت رنين هاتفها مُعلنا عن وجود إتصال، لتستأذن "زينة" ونهضت كي ترد على هاتفها، بينما أبتسمت "سلمى" ل"ديانة" هاتفة بود:

- أتشرفت بمعرفتك يا مدام ديانة، مبروك على جوازك أنتي وجواد بيه ربنا يسعدكوا ويهنيكوا يارب.
أبتسمت لها "ديانة" بأقتضاب، أهي تتمنى لها السعادة مع ذلك الوحش عديم الرحمة؟ يالها من بريئة حقا، بينما لاحظت "سلمى" ملامح الإنزعاج على وجه "ديانة"، لتُخمن أن هناك شيء يُزعجها وبالطبع سيكون ذلك الشيء هو قسوة "جواد" وجفائه الذي يتعامل بهما مع الجميع، لتددخل دون تفكير مردفة بتلقائية:

- على فكرة جواد بيه شخص كويس أوي يا مدام ديانة، صدقيني.

ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها بتعجب لإندفاع "سلمى" وقول هذا الكلام، ومن تعني بالشخص الجيد التي تتحدث عنه؟ بالطبع لا تقصد ذلك "الجواد"، ولماذا هي تراه شخصًا جيدًا! لتقابلها مُستفسرة:

- لية بتقولي كده!

رطبت "سلمى" شفتها مُجيبة بمزيد من التلقائية:

- ملاحظه إن حضرتك متضايقة وحسيت إنك متضايقه بسبب جواد بيه وطريقته النشفة، بس والله جواد بيه مش كده وليه جميل فى رقبتي يخليني أدافع عنه قدام الدنيا كلها وأقول قد إيه هو إنسان كويس.

أنتبهت "ديانة" إلى حديثها مستفسرة عن ما هو الموقف الذي فعله معها جعلها تدافع عنه بتلك الطريقة وتقول عنه أنه شخصًا جيد:

- جِميل إيه؟

أبتلعت "سلمى" بتوتر مُتفقدة المكان حولها لتتأكد إنه لا يوجد أحد يستمع إليها، بينما نظرت نحو "ديانة" مُجيبة:

- أنا هقولك على حاجة مفيش مخلوق فى الدنيا يعرف عنها، غيري أنا وجوزي وجواد بيه الله يستره، بس أمانة عليكي ما حد يعرف بالموضوع ده خصوصًا أمي.

أومأت لها "ديانة" بالموافقة مُردفة بصدق:

- متقلقيش يا سلمى، كلامك معايا مفيش تالت هيعرفه.

تنهدت "سلمى" بأسى مُتذكرة تلك الفترة العصيبة التي عاشتها قبل أن يتدخل "جواد" ويحل كل شيء، لتنظر إلى "ديانة" مُضيفة بإمتنان:

- أنا كنت هتفضح فى شرفي وجواد بيه بعد ربنا هو اللي سترني.

صُدمت "ديانة" من حديثها وما صدمها أكثر تلك التخيلات التي أتت برأسها عن كيفية مُساعدته لها؟ أو ما هي الطريقة التي ساعدها بها ذلك الشخص الجاف! كادت أن تستفسر منها لتُقاطعها "سلمى" مُردفة:

- عارفه أنتي عايزه تسألي على أيه وهحكيلك.

قصت عليها كل ما حدث بداية بعلاقتها هي و"خالد" مروراً بحملها وإخبارها ل"جواد " بهذا الأمر، وطلبها مساعدته، وضربه لها، وإحضار "خالد" فى ذلك اليوم وما فعله به وبالنهاية إحضار المأذون وإتمام الزواج.

صُعقت "ديانة" مما أستمعت إليه وأرتعبت من تلك الطريقة التي كان ينوي بها "جواد" أن يُعاقب "خالد" وذلك الزواج السريع الذي يُشبه زواجهما، لتُعقب باستفسار:

- وأتجوزتي خالد؟

أومأت لها "سلمى" بالموافقة مُردفة بأمتنان:

- جواد بيه وظف خالد معاه فى الشركة وجبلنا شقة وساعدنا فى إن الجوازه تكمل بسرعة عشان ماتفضحش أنا واللي فى بطني، والحمدلله أنا فى التامن أهو وربنا مكملها معانا بالستر.

تعاطفت "ديانة" مع "سلمى" وما حدث لها مُردفة:

- ربنا بيحبك عشان كده الموضوع عدى على خير، بس ده كان غلط كبير يا سلمى ولو مكنش اتلحق فى الوقت المناسب كان حصل مصايب أنتي مش قدها.

أومأت لها "سلمى" بالموافقة مؤكدة على حديثها:

- فعلا لو مكنش ربنا وقفلي جواد بيه فى طريقي، الله أعلم كان إيه اللي حصلي؟

شردت "ديانة" فى كيفية أن يفعل شخص مثل "جواد" ما فعله هذا ومساعدته لتلك الفتاة، كيف له أن يقوم بمساعدة كبيرة مثل هذه بالرغم من قسوته وجفائه، لتيقظها من شرودها صوت "سلمى" مُردفة بإصرار:

- صدقيني جواد بيه إنسان كويس جدًا، يمكن يبان قاسي شوية، بس صدقيني هو من جواه كويس بجد.

•••

فاقت من شرودها بعد تذكرها لحديث "سامى" عن "جواد" وعن مساعدته لها، بينما فى المقابل تذكرت قسوته معها وتلك المعاملة التي عاملها بها وذلك الإنتقام على شيء هي لم تفعله ولا تعلم إذا كانت والدتها فعلت ذلك الشيء أم لا؟

أزداد بكائها ونحيبها، ليقطع عليها خلوتها دخول "زينة" بلهفة مُستفسرة عن سبب بكائها الذي كان يصل إلى خارج الغرفة:

- بتعيطي ليه يا ديانة؟

أرتمت "ديانة" بصدرها وأجهشت فى البكاء، لتشعر "زينة" بالفزع من كثرة بكائها وأخذت تربت على رأسها مُحاولة تهدئتها:

- أهدي يا حبيبتى، مالك فى إيه؟

أرتجفت "ديانة" بين يديها وقد فاض بها، يجب أن تتشارك ما بداخلها مع أحدًا وإلا ستموت من شدة الخنقة التي تشعر بها، لتهتف من بين شهقاتها:

- تعبت.. تعبت أوي يا زينة، تعبت ومعدتش قادرة أستحمل، من يوم ما أتولدت وأنا بتظلم، اتظلمت أول ما وعيت على الدنيا وعرفت إني عايشة فى بيت مش بيتي ومع ناس مش أهلي، اتظلمت كل مرة كنت بفكر فيهأ إن ممكن يكونوا جابوني من الملجاء أو إني جايه من علاقة محرمة أو أهلي رموني، اتظلمت أكتر لما قالولي إن أمي سابتني فى القطر عشان عرفت إن عندها مرض وحش وإنها هتموت.

أخذت نفسًا بصعوبة من بين شهقاتها مُكملة:

- اتظلمت لما قولتولي إنها قتلت مامتك واتسببت فى موت بابا وشلل عمته، اتظلمت لما لقيت الشخص المناسب وكنا خلاص هنتجوز وجيه جواد وفركش كل ده، اتظلمت لما أتجوزت جوازه مش عارفة جيت إزاي أو ليه، اتظلمت وأنا بدفع تمن حاجة أنا معملتها ومش متاكدة إذا كانت حتى أمي عملتها أو لا، اتظلمت لما حملت فى طفل جيه بسبب علاقة إتجبرت عليها، وأخيرا بعد ما أتعلق بالطفل ده وأحس إنه هيكون عوض من ربنا اتظلم ويحاولوا يموتوني أنا وهو، قوليلي مين اللى يقدر يستحمل كل الظلم ده؟

اجهشت مرة أخرى فى البكاء، بينما حاولت "زينة" إيقافها بالرغم من دموعها التي إنسابت هي الأخرى بسبب تأثرها بحديث "ديانة":

- طيب اهدي يا حبببتي، اهدي عشان خاطر البيبي اللي فى بطنك.

أبتلعت "ديانة" غصتها ولاتزال لا تتوقف عن البكاء مُردفة بألم وحسرة:

- وأنا أحافظ عليه ليه مهو كده كده هيموت، هيموت بسبب حاجة لا أنا ولا هو لينا ذنب فيها ومش قادرة أصدق إن ممكن أمى تعمل كده، أنا آه عمري ما شوفتها بس إحساسي بيقولي إن الست اللي أنا حتة منها عمرها ما تعمل كده و...

كانت تعتقد أن حديثها سيغضب "زينة" لذا توقفت من تلقائها نفسه، بينما لاحظت "زينة" توقفها لتُكمل هي بشيء لم تتوقعه "ديانة":

- أنا كمان يا ديانة مبقتش متأكدة إن مامتك ممكن تكون عملت كده، اللي تخلف بنت جواها كل الطيبة والحنية دي إستحاله تكون ست معندهاش رحمة، أكيد الموضوع ده فيه حاجة غلط!

توقفت "ديانة" عن البكاء بصدمة كبيره لأنها لم تتوقع أن تكون تلك هي ردة فعل "زينة"، ولكنها شعرت بكثير من الراحة لتبرئة والدتها، حتى ولو أمام شخص واحد، لتهتف بلهفة مُستفسرة:

- طب وهنعرف الحقيقة منين؟

أغمضت "زينة" عينيها بأسئ على ما حدث لشقيقة والدها مُعقبة بحزن:
- يوم الحادثة كان فى حد رابع غير مامتي ومامتك وخالتو هناء، كانت عمته ماجدة كمان فى الحادثة، ولما وقعت على دماغها جالها شلل كلي حتى مش بتقدر تتكلم.

أبتلعت "ديانة" بحزن على ما حدث ل "ماجدة" أيضًا ولكن المشكلة لم تُحل بعد، لتضيف بخيبة أمل:

- حتى أخر أمل إننا نعرف منه الحقيقة راح.

تنهدت "زينة" براحة عازمة على أن تخبر "ديانة" بما لا يعرفه أحد سواها، ولكنها تعلم أن "ديانة" هي أكثر الأشخاص أحتياجًا لسماع تلك الأخبار:

- لا مراحش، أنا هقولك على حاجة محدش يعرفها نهائي غيري أنا وأنتي.

أنتبهت "ديانة" إلى حديثها مُعقبة بأهتمام:

- قولي يا زينة ومتخافيش.

أبتسمت "زينة" بقليل من السعادة على ما ستتفوه به الأن، ولكنها تؤجل سعادتها كليا إلى حين عودة "ماجدة"، لتهتف براحة:

- من كام شهر أسما بنت عمته كلمتني وقالتلي إن فى دكتور شاطر جدًا برا، وإنهم كلموا عن حالة عمته وهو طلب يشوفها وقال إن ممكن يكون فى أمل إنها تتحسن، أنا وأسما اتفقنا إن محدش يعرف حاجة عشان منعشمهمش على الفاضي ويتكسر قلبهم لو متحسنتش، وفعلا سفرتها بمساعدة مالك وبعدها بفترة أسما كلمتنى وقالتى إن عمته بتتحسن وإنها ممكن ترجع زي الاول بس محتاجة شوية وقت.

سعدت "ديانة" كثيرًا ممَ أستمعت إليه وكأنها متأكدة أن براءة والدتها بيد "ماجدة"، وبالتأكيد نجاتها هي الأخرى، هي تعلم أن ما جعل "جواد" يتوقف عن إذائها هو ذلك الجنين، وتعلم أيضًا تمام المعرفة إنه بمجرد أن تضع ذلك الطفل سيُحدد مصيرها الذي يمكن أن يكون الموت.

ولهذا هي تعلم أن مصيرها سيكون بيد "ماجدة" إذا قالت أن والدتها لم تقتل والدته، أو على الأقل يمكن أن يكون كان حادثًا غير مقصود، لتهتف بتمني:

- ربنا يكمل شفاها على خير وترجع فى أقرب وقت.

أبتسمت لها "زينة" بود مؤمنة:

- أمين، يلا بقى نقوم عشان نتغدى لحسن أنا هموت من الجوع.

أومأت لها "ديانة" بالموافقة وذهبتا معًا لتناول الطعام وكلا منهما تتمني الشفاء ل "ماجدة" والتعرف على ما حدث بذلك اليوم بالتفصيل.

❈-❈-❈

اقتربت الساعة على الثالثة صباحًا وسكون هائل يملأ جميع أنحاء المنزل والجميع نائمون بغرفهم، ليُفتح باب المنزل ويدلف منه "جواد" ويبدو عليه عدم الإتزان والقليل من الدوران، ليصعد الدرج ولكنه لم يتجه نحو غرفته كالعادة بالأشهر السابقة منذ علمه بخبر حملها، بل غير إتجاهه صوب غرفة "ديانة"، ليفتح الباب بإندفاع كبير إثرا عليه إيقاظها بفزع، وما زاد ذعرها هو هيئته الثملة وترنحه، لتصيح فيه بحدة:

- أنت بتعمل إيه هنا! أمشي أطلع برا.

هز رأسه بعدم الموافقة على حديثها بملامح مذعورة وقد أقترب منها عدة خطوات، لتنهض هي الأخرى مرتعبة من أن يفعل بها شيئًا، بينما جلس هو بجانبها بتلقائية مُردفًا بثمالة:

- أنا مش عايز أطلع.. أنا خايف أوي.

تأكدت من شكوكها، إنه بالفعل ثمل وتفوح منه رائحة الخمر، بالإضافة إلى طريقته التي تؤكد إنه ليس بوعيه، لتخشاه أكثر، خوفًا من أن يفعل شيئًا بها، ولكنها أظهرت القوة مُصيحة:

- بقولك أطلع برا يا جواد.

أنزعجت ملامحه بسبب صوتها العالي وأمتلأت عيناه بالدموع والخوف يتطاير من زرقاوتيه مُردفًا بضعف:

- متزعقليش، بقولك مش عايز أطلع، لو طلعت وشافتني هتزعقلي وتضربني.

وقعت تلك الكلمات على مسامعها كدلو من الثلج فى عز ليالي الشتاء الباردة، كيف يمكن أن يكون ذلك الوحش يخشى أحدًا أو يستطيع أحدٌ تعنيفه! لتشعر بالفضول لتعرف من الذي يُعنيه، متسائلة:

- هي مين دي لللي هتضربك؟

ابتلع بكثير من الخوف والفزع وبالفعل قد شرع فى البكاء وكأنه طفل فى العاشرة مُضيفًا بألم:

- هناء.. هناء لو شافتني سكران هتضربني وتعاقبني زي ما كانت بتعاقبني زمان، خبيني يا ديانة ومتقوليلهاش إني سكران عشان خطري.

قال جملته الأخيرة بإذلال شديد وبكاء يتخلله شهقات مريرة، وكأنه طفل وليس رجلًا فى العقد الرابع من عمره، لتتسع عيناها بصدمة مما تراه أمامها غير مُستوعبة أن هذا هو نفسه ذلك الرجل صاحب الشخصية القاسية والقلب المُتحجر والمشاعر الباردة، كيف لكل هذا الجبروت أن يتحول لهذا الضعف؟ لتُحاول أن تطمئنه عسى أن يهدأ قليلا:

- هناء مش هنا ومش هتعرف.

شهق مرة أخرى وقد دخل بنوبة بكاء مريرة، وكأنه عاد إلى ذلك الطفل الصغير الذي يبكي بزاوية مُظلمة داخل غرفته، وتناسى تماما من هو ومع من يتحدث، فقد عاد إلى ذلك الجزء المٌظلم من طفولته مُتذكرًا كل ما مر عليه من ألمٍ وظلم مُهسهسًا:

- لا هتعرف وهتيجي تضربني، أو هتعاقبني زي ما كانت بتعمل زمان، كانت بتضربني كتير أوي، كانت بتحبسني فى أوضة فاضية وضلمة مفهاش شباك، كانت بتجبلي الأكل مرة واحدة بس وترجع تقفل عليا تاني، كانت بتحرجني قدام صحابي وتضربني قدامهم.

بكاؤه لا يتوقف وكأنه عاد بالزمن مُتذكرا تلك المرة التي كسرته أمام الجميع وهو لا يزال طفلًا لم يتخطَ الثانية عشر من عمره:

- مرة كنت نقصت فى امتحان الرياضة خمس درجات عشان هي كانت حبساني ومكنتش عارف أذاكر، المدرسة بتاعتي طلب تشوفها وتعرف منها إيه سبب إن مستوايا ضعف، وفعلا جيت الفصل عندي والمدرسة بتاعتي سألتها، بس هي مغلطتش نفسها وجابت الغلط عليا أنا، وقدام المدرسة وصحابي والفصل كله، رفعت إيدها وضربتني بالقلم قدامهم كلهم، قالت عليا فاشل ومستهلش إني أتعلم أصلا، المدرسة كلها بقيت بتتريق عليا بعد ما اللي هي عملته وقالته انتشر، بقى العيال بتشتمني وتتنمر عليا ولما أزعقلهم يضربوني، كانوا بيبقوا كتير أوى وأنا أخاف أروح أشتكي لحسن تيجي وتضربني قدامهم تاني، الموضوع كان بيموتني من الرعب.

أستمر فى البكاء وكأنه لم يعد يستطيع التوقف، وقد غاب بماضية القاتم الذي لم يتذوق به سوى الألم والإهانة، ونسى تمامًا إنه يتحدث مع أخر شخص كان يظن إنه سيتحدث معه عن ذلك الأمر مُضيفًا:

- حتى صحابي اللي كانوا بيحبوني وبحبهم كرهتني فيهم، فضلت تمدح فيهم قدامي وتقولي شوف صاحبك ده أحسن منك بكتير ده شاطر وجرئ وعنده شخصية قوية مش زيك جبان وفاشل وضعيف، ولا صاحبك ده شكله حلو أوى والناس كلها بتحبه وبيسمع الكلام، أنا مش عارفة هما مصاحبينك إزاي، كانت بتحرمني من إني أروح النادي معاهم وكل ما حد يجى يسأل عليا تقوله إني نايم، وأنا مكنش نايم ولما كنت أقولها إني صاحي وإني عايز أروح تضربني وتشتمني وتقولي هو أنت شايف نفسك راجل عشان تخرج معاهم، دول هيكبروا ويبقوا رجالة إنما أنت مش راجل ولا هتبقى راجل أنت ضعيف يا جواد.

كانت ملامحها متأثرة جدًا بما يقول بالإضافة إلى إنسياب دموعه وصوت بكائه المرير، لا تعرف كيف ولكنها تأثرت جدًا بما يحدث له وانسابت دموعها هي الأخرى حزنًا عليه، لا تعرف هل حقًا تشعر بالشفقة تجاهه؟ أم إنها فقط هرمونات الحمل! ليُكمل هو:

- طول عمرى بخاف منها حتى بابا عمرى ما شوفته بيتناقش معاها، كان على طول مسافر وهي كانت بتسلي وقتها بضربي وإهانتي وإنها تذلني، مكنتش بتعمل كده مع زينة كانت بتعمل كده معايا أنا بس، كتير كنت بتمنى إنها تموت زي ماما بس هي مكنتش بتموت، أنا اللي كنت بموت كل يوم بسببها، لحد ما كبرت وخلصت تعليمي، وقتها قررت إني أعيش لواحدي بعيد عنها، بعيد عن الكل، كنت بخاف إنها تهيني أو تضربني قدام حد، أتحولت لشخص تاني خالص، شخص قاسي مبيحبش مبيتأثرش مبيفرحش مبيزعلش مبيعيطش.

أنتحب بشدة وكأنه يأخذ كامل حقه فى البكاء والإنهيار مُردفًا:

- شخص بيخاف من الناس وعشان كده بيحاول يظهرلهم إنه وحش عشان محدش يجي عليه، شخص خالي من المشاعر زيها بالظبط، كنت بفتكر دايما كلامها ليا وهي بتقول عني جبان وضعيف وفاشل ومش راجل وقررت أثبتلها وأثبت لنفسي إني راجل وإني مش ضعيف، بس من جوايا كنت بحس إنها عندها حق وإني فعلا زي ما بتقول وأحس قد إيه أنا مليش وجود.

رفع عينيه وقد تلاقت زرقاوتيهما وعينيهما مليئتان بالدموع، إنها تشفق عليه، كيف لطفل أن يحتمل كل هذا؟ بينما هو يبكى بسبب تخبط مشاعره داخله، لا يدري ما هذا الضعف الذي أمتلكه بمجرد أن نظر لها، أيمكن أن يكون وقع لها:

- لحد ما ظهرتي أنتي، فى البداية كنت عايز أنتقم منك أوي لأنك بنت الست اللي أتسببت فى اللي حصلي ده وإن أمي ماتت وهناء هي اللي أتحكمت فيا، بس لما لقيتك بتقفي فى وشها وبتعملي اللي أنا مش قادر أعمله وكمان مديتي إيدك عليها، حسيت إنك أقوى منها وخصوصًا إني أول مرة أشوف حد قدر يقف فى وشها، عشان كده كنت بضربك وبهينك عشان أحس إني أقوى منها وإني قدرت على اللي هي مش قادرة عليها، حبيت أثبت لنفسي إني مش جبان ومش ضعيف وإني قوي.

كانت ملامحه مُشتتة وهو يبكي بحرقة وألم، يشعر بالضعف الشديد ليُلقي بنفسه فى صدرها، لتنزعج ملامحها ممَ فعله، ولكنها لم توقفه حتى يُخرج كل ما بداخله، ليضيف بمزيد من البكاء والثمالة:

- قالتلي مقربش منك وملمسكيش وعشان أثبت لنفسي إني مش بمشي ورا كلامها زي ما قولتي، نمت معاكي بس مكنتش متخيل إن الموضوع يوصل لحمل، لما عرفت إنك حامل حسيت إني عاجز مش عارف أعمل إيه؟ أقتلك وأقتل ابني ولا أقتل نفسي عشان أرتاح من كل ده؟

أخذ صدره يعلو ويهبط من كثرة إنفعاله وبكائه مُكملا بتلعثم:
- بقيت.. بقيت بضعف قدامك، بقيت بحاول أبعد نفسي عنك على قد ما أقدر، بقيت بنام فى أوضة تانية بعد ما أرجع أخر الليل بعد ما أتأكد إنك نمتي، وأخرج الصبح بدرى قبل ما تصحي، كنت بخاف إني أقابلك أو عيني تيجي فى عينك، كنت بترعب إني أضعف قدامك أو أعمل حاجه أحاول أثبت بيها لنفسي إني مش ضعيف أقوم أأذيكي.

توقف عن البكاء وقد أحتدت نبرته وبرزت عروقه من شدة الغضب مُعقبًا بأسنان مُلتحمة:

- لحد ما عرفت إنها عايزه تقتلك أنتي واللي فى بطنك، روحتلها ولأول مرة أحس إني مش ضعيف قدمها، لأول مرة أمنعها إنها تمد إيدها عليا، لأول مرة أزعق فى وشها وأزقها بعيد عني، لأول مرة أحس إني راجل بجد.

ضعفت نبرته مرة أخرى ولم يعُد يملك القدرة على البكاء مرة ثانية، ليتشبث بها أكثر مُتمتمًا:

- كل ده حصل بسببك لأني خفت عليكي، أنا مش عايز أقتلك يا ديانة أنتي مصدر قوتي، ياريتك ما كنتي بنت لبنى، كان زمان كل حاجة أتغيرت، متسبنيش يا ديانة أرجوكي أنا ضعيف من غيرك.

لا تُنكر إنها بالفعل تأثرت بما مر به بمرحلة طفولته وما فعلته به تلك المرأة القاسية، ولكنها لن تستطيع أن تغفر له ما فعله بها، فهذا القدر من الإيذاء الذي ألحقه بها لا يُغتفر مهما كان به، هى ليس لها ذنب بكل هذا، لهذا قررت أن لا تتفوه بشيء ظنًا منها إنه سيرحل، ليُفاجئها بقبلة على رقبتها لم تكن تتوقعها منه، خصيصًا وهو بتلك الحاله، لتُحاول الأبتعاد عنه دافعة إياه بصدره برفق مما أبعده عنها قليلا، قائلة بانزعاج:

-إبعد عني.

استغلت فرصة ابتعاده، ونهضت بسرعة مُحاولة الفرار منه بعد أن أدركت ما يُحاول فعله، ولكنه نهض هو الأخر وأمسك بها مُحاصرًا جسدها بينه وبين الحائط خلفها، حينها هتفت بزعيق:

-انت عايز إيه بالظبط؟ وجاي تقولي كل الكلام ده ليه؟

اقترب منها أكثر ورائحة الخمر تفوح من فمه مما أثار غثيانها مُردفًا بثمالة وثقل:

- سبيني أعمل اللي أنا عايزه بمزاجي وأرتاح وأريحك أحسن ما أعمله بمزاجى بردو بس أنتي مش هتبقي مرتاحة وممكن تتأذي كمان، الأختيار ليكي!

أقترب ليُلثم عُنقها لمتعضت ملامحها بكثير من التقزز والاشمئزاز من ثمالته، وقد أوشكت على التقيؤ من رائحة فمه، حينئذ صاحت بضيق:

-جواد ابعد، أنا مش عايزاك ولا طايقه إنك تقرب مني.

تجاهل ما قالته، وفاجأها بإلتقاطه لشفاتها بقبلة ناعمة مليئة بالرغبة والشغف، ولكنها لم يُعجبها الأمر إضافة إلى رائحته التى لا تستطيع أن تتحملها.

حاولت دفعه بعيدًا عنها مرة أخرى ولكنها لم تستطيع، لتشعر بالكثير من الغضب ورفعت قدمها مُحاولة أن تركله برجولته عساه يبتعد عنها، ليرفع هو ساقه مُتفاديًا ضربتها تلك ليزداد غضبها، ليدفعها على الفراش وقد وألقى بجسده عليها ولكن بحذر ليهمس بأذنها بتحذير:

- قولتلك متضطرنيش إني أأذيكي، سيبي نفسك يا ديانة ومش هتندمي.

هي بالفعل نادمة على الاستماع له منذ البداية، لم يشفع له ما قصه عليها منذ قليل عمَ فعله بها من قبل وما يفعله بها الأن، هي الأن لا تستطيع أن توقفه خشية على جنينها وهو الأن ليس بوعيه فاحتمال أن يؤذيها -إذا حاولت منعه وهو على تلك الحالة غير الواعية- كبير للغاية، لتشعر بكثير من الضيق مع كل لمسه يقوم بها.

استسلمت على مضض لما يفعله وكم هي كارهة لتلك اللحظة التي نسيت فيها أن تغلق الباب جيدًا قبل أن تنام، اللعنة لقد جردها فى لحظة واحدة من ملابسها وفعل هو الأخر المثل، لم تهتم بلمساته التي لم تكن كثيرة على أية حال، يبدو إنه مُتعجل للغاية.

وبلحظة كان مُخترقًا إياها دون تمهيد، لتشعر فى البداية وكأنها جُرحت بجرح ليس غائرًا ولكنها تألمت لبعض من الوقت، الأن أدركت أن كل ما حدث من قبل ليس شيئًا أمام ما يفعله الأن.

فمن أول دفعة شعرت بكثير من الكراهية تجاهه وتجاه "هناء" وتجاه نفسها لأنها شعرت بالأسئ عليه، وبالمُقابل هو لا يشعر بالأسئ عليها وهي تصرخ بين يديه بأن يتوقف عمَ يفعله، ولكن دون فائدة فهو لن يتركها سوى بعد أن يصل إلى خلاصه.

شعرت بزيادة سرعته وحدة دفعاته، ولكنها ألمها لم يعُد كالسابق، فصرخاتها الأن مُستمتعة وليست مُتألمة، ولكن أن تصل إلي ذروتها الأن يبدو صعبًا بسبب تشتتها وخشيتها على جنينها بسبب سرعته تلك.

بينما كان هو كالذى يُحارب من أجل الحصول على راحته، كان يُزيد من سرعته وكأنه يهرب من هلاكه وشريط حياته يمر أمام عينيه، بداية من حادث والدته مرورًا بطفولته القاسية وعذاب "هناء"، وأيضا ضعفه مع "ديانة" وذلك التخبط والصداع الذي يشعر به كلما فكر بالأمر نهاية بما يفعله الأن.

لم تستطيع هي أن تحتمل أكثر من ذلك، تشعر بثقل جسده عليها وسرعة أنفاسه وبالطبع زيادتة دفعاته، لتُدرك إنه أوشك على الوصور لذروته، وبالطبع ثوانٍ ووصل إليها، ليسقط بجانلها على الفراش كالمغشى عليه، لتنهض من جانبه مُرتدية منامتها متجهة صوب غرفة أخرى تاركة إياه على نفس حالته المُقززة تلك.

❈-❈-❈

كانت تجلس بغرفتها بعد الإنتهاء من تناول فطورها، تُفكر فى مُخططها والنتائج المُترتبة عليه، لتبتسم بمكر على ما قد تخيلته برأسها والجميع يُحاول قتل بعضه ولم يبقى سوا الأقوى بينهم، لتقتله هي بيدها لأن الجميع يستحق ذلك، ليقطع شردوها صوت هاتفها مُعلنًا عن وجود إتصالًا، لتلتقطه وتقوم بفتح المكالمة ليأتيها ذلك الصوت مُخبرًا إياها:

- أنسة زينة ومدام ديانة لسه خارجين من الفيلا حالا يا هانم.

أعتدلت "هناء" فى جلستها وهي تشعر بالكثير من الحماس لأن اللعبة حالًا ستبدأ وسيخسر الجميع أمامها لتستفسر بحدة:

- جهزت كل اللي قولتلك عليه؟

أتاها صوت ذلك الرجل مُؤكدا أن كل ما خططت له قد حدث بالفعل:

- كل حاجة جاهزة يا ست هانم وجاهزين على التنفيذ.

زجرته "هناء" بحدة خوفًا من أن تخرب خطتها مُعقبة بتحذير:

- عارف لو حصل غلطة صغيرة بس أنا هعمل فيكوا إيه؟

طمأنها الراجل مُعقبًا بكثير من الثقة:
+

- متقلقيش يا ست هانم، كل حاجة هتمشي زي ما حضرتك خططتي بالظبط.

أبتسمت "هناء" براحة وقد بدأت برسم صور كل شخص بهم بمخيلتها وماذا سيحدث بعد قليل، لتهتف بحدة:

- نفذ.

فتح عينيه بثقل ولايزال ذلك النُعاس يُسيطر عليه، وما زاد الأمر سوءًا ذلك الألم الذي يطرق برأسه غير رائفًا به، وذلك بسبب تلك الحالة التي كان بها ليلة أمس وتلك الثمالة، ولكنه لم يتذكر ما حدث حتى إنه لا يعلم كيف عاد إلى المنزل؟ ليُحاول النهوض راغمًا نفسه على الاستفاقة، ليلاحظ إنه ليس بغرفته وأن تلك غرفتها هي.

أندفع بصدمة مُعتدلاً فى جلسته وما أثار دهشته إنه عاري الجسد تمامًا لا يستره شيئا قط، شعر بالصدمة الممزوجة بالغضب لأعناً نفسه على عدم تذكره لما حدث، يخشى أن يكون قد قام بفعل شيئًا غبي سبب لها أو لجنينه أية نوع من أنواع الأذى.

نهض بسرعة ملتقطًا ثيابه من على الأرض ولحظات وكان مرتدي سرواله الداخلى وخرج من الغرفة مُتجهًا صوب غرفته لإرتداء ملابسه ثم خرج باحثًا عنها فى المنزل بأكمله.

هبط الدرج باحثًا عنها بعينيه فى كل مكان وهو يلاحظ أن لا وجود لها أو لشقيقته التي بحث عنهما بجميع غرف المنزل، وذلك بعد أن تفقد غرفة "زينة" ولكن لا وجود لهم، ليتجه إلى العاملة مُستفسرًا منها عنهما:

- ديانة وزينة فين؟

أجابته بغير علم:

- مش عارفة والله يا جواد بيه، هما صحيوا الصبح بدري وخرجوا، معرفش راحوا فين؟

أومأ لها بالموافقة شاعرًا بأن ألم رأسه يزداد بشكل كبير، ليُضيف بانزعاج:

- أعمليلي قهوة سادة بسرعة لحد ما أنزل.

أومأت له بالموافقة وسريعًا ما أتجهت لعمل القهوة، بينما صعد هو إلى غرفة "ديانة" باحثًا عن هاتفه، ليجده موضوعًا على الكومود بجانب الفراش، ليلتقطه وقام بإجراء إتصالًا ولحظات وأتاه رادها:

- إيه يا حبيبي!

صاح زاجرًا إياها مُعبرًا عن عضبه بسبب خروجهما من المنزل دون إخباره وجعله قلق إلى تلك الدرجة:

- أنتوا فين يا زينة؟

لأحظت "زينة" إنزعاجه وفسرته بأنه بسبب خروجهما دون علمه، لتُحاول أن تُبرهن له بهدوء:

- أحنا عند الدكتورة يا جواد.

هتف بلهفة عند إستماعه لكلمة طبيب خشية أن يكون هناك شيئًا ما أصابها أو أصاب طفلهم:

- دكتورة ليه؟ ديانة أو الجنين فيهم حاجة!
لاحظت لهفته وقللقه، لتُحاول تهدئته وتطمئنته مُعقبة:

- يا حبيبي مفيش حاجة، ده ميعاد المٌتابعة بس وديانة والبيبي بخير متقلقش.

زفر براحة وأطمئنان مُعقبًا بإستفسار:
- طيب قدامكوا كتير؟

أجابته بالنفي:

- لا، ديانة بس بتتكلم مع الدكتور فى حاجة وهتكشف عليها وهننزل على طول.

عقب مُستفسرًا:

- السواق معاكوا؟

أردفت بإيجاب:

- أيوه.

هز رأسه مُعبرًا عن إطمئنانه مُضيفًا:

- طيب خلوا بالكوا من نفسكوا.

ابتسمت شقيقته بإعجاب على إهتمامه ب"ديانة" شاعرة أن هناك أمل أن يستمر هذا الزواج وتنتهى تلك العداوة مُردفة بمشاكسة:

- حاضر يا جوادتي.

أنهى الإتصال وسريعًا ما هبط للأسفل لكي يتناول قهوته حتى يتخلص من ذلك الألم برأسه.

❈-❈-❈

أستغلت خروج "زينة" من الغرفة لتُجيب على الإتصال، لتحول نظرها نحو الطبيبة عازمة على أن تستفسر منها عن أمر لم تكن تستطيع أن تسألها عنه أمام "زينة" حتى لا تُخجلها، لتهتف مُستفسرة:

- معلش يا دكتور ممكن أسألك فى حاجة؟

أومأت لها الطبيبة مُضيفة بإهتمام:

- أكيد طبعًا، أتفضلي يا مدام ديانة!

شعرت بالحرج ممَ ستقوله ولكنها عليها أن تستفسر منها، لتطمئن على طفلها ولكي تعلم كيف تتصرف إذا حدث نفس الشيء مرة أخرى؟ لتُردف بتلعثم:

- هو.. هو يعني.. لو حصل علاقة بيني وبين جوزي فى الوقت ده هل ممكن يأثر على البيبي أو يسبب ليه أي ضرر؟

هزت الطبيبة رأسها بالنفي مُُضيفة بتفسير:

- لا طبعا مفيش أي ضرر بالعكس، أنتي حاليًا فى الشهر الخامس والفترة دي أمنة جدًا على البيبي، وكمان مفيدة جدًا، لإنك معندكيش أي مشكله تمنع حدوث العلاقة، وكمان البيبي بيستفيد من الهرمونات بتاعتك وزيادة تدفق الدم أثناء العلاقة وده كويس جدًا ليكي وليه.

أبتلعت براحة بعد أن أطمئنت أن طفلها بأمان وأن ما فعله ذلك الحقير لم يؤثر عليه، ليأتها صوت الطبيبة مُضيفة بحماس:

- ودلوقتي بقى يلا بينا نطمن على البيبي بتاعك ونعرف هو ولد ولا بنت؟

أنفرج ثغرها بسعادة مُستفسرة بلهفة:

- إيه ده! هو هيظهر دلوقتي؟

بادلتها الطبيبة البسمة موضحة:

- أه طبعًا، أحنا هنعمل سونار 4D "رباعي الأبعاد" وهتشوفيه ملون كمان ولو تحبي أعملك صورة منه.

نهضت بسرعة من مكانها قائلة بحماس:

- الله، ياريت بجد.

دلفت "زينة" الغرفة بعد أن أنهت مُكالمتها، لتجد "ديانة" مُتجة نحو الفراش وعلى وجهها بسمة كبيرة، لتُردف باستفسار:

- فيه إيه فرحيني معاكي!

أجابتها "ديانة" بكثير من السعادة:

- هنشوف البيبي ملون وهناخد صورة منه كمان.

اتسعت إبتسامة "زينة" مُصيحة بحماس:

- أيه ده بجد؟

أومأت لها الطبيبة بالموافقة:

- أيوه، فى الشهر الخامس ممكن نعرف أيه هو نوع البيبي وهنشوف دلوقتي القمر ده ولد ولا بنت؟

أستلقت "ديانة" على الفراش فاتحة المجال للطبيبة بعمل الفحص لمعرفة نوع الجنين، بوضع تلك الأداة على بطنها لتظهر تلك الصورة على الشاشة موضحة هيئة الجنين، لتستفسر "ديانة" بلهفة:

- ها.. بنت ولا ولد؟

أجابتها الطبيبة بإبتسامة تهنئة:

- ولد.

شعرت كلاهما بالسعادة المفرطة، لتنحني "زينة" مُقبلة "ديانة" ومُهنئة إياها:

- مبروك يا ديانة، ده بابا هيفرج جدًا هو وجواد.

بادلتها "ديانة" بحب صادق:

- عقبال ما أشوف عيالك أنتي ومالك يا زوزه.

أبتسمت لها "زينة" بخجل من مجرد ذكر أسم "مالك" وتخيل ذلك الأمر وأن تصبح حاملًا بطفل منه، لتنفض عن فكرها تلك الفكرة حتى تتخلص من ذلك الخجل، بينما أنهت "ديانة" مُتابعتها مع الطبيبة بعد أن ألقت عليها بعض النصائح وكتبت لها ما ستحتاجه بتلك الفترة، وأخذت منها تلك الصورة الخاصة بطفلها.

خرجوا من عند الطبيبة مُتجهتين نحو سيارتهما، ليوقفهما صوت رنين هاتف "زينة" مُعلنا عن وجود إتصالًا من رقم غريب، لتجيب "زينة" الإتصال، ثوانًا فقط وتبدلت ملامحها من السعادة والفرح للفزع والتشتت بعد أن أستمعت لذلك الخبر مُردفة:

- طيب شكرًا، أنا جايه حالًا.

لاحظت "ديانة" تغيرها وفزعها ذلك، لتستفسر بقلق:

- فى إيه يا زينة! إيه اللي حصل؟

أغمضت "زينة" عينيها مُحاولة أن تتجاوز تلك الصدمة مُهزية بضياع:

- المرسم، المرسم بتاعي بيقولوا فى حريقة وطلبوا المطافي.

أمتعضت ملامح "ديانة" بالفزع هي الأخرى مُصيحة:

- يا ستار يارب، وده من إيه؟

حاولت "زينة" تنظيم أنفاسها وهي تشعر بوخزة بصدرها، فهى تعشق ذلك المكان وبه الكثير من اللوح المقربة إلى قلبها، لتهتف بحزن:

- مش عارفة! ممكن يكون ماس كهربي أو حاجة؟ المهم روحى أنتى مع السواق ومتعرفيش جواد عشان ميقلقش عليا، وأنا هاخد تاكسي وأروح أشوف فى إيه؟

أعترضت "ديانة" مُحاولة المساعدة:

- أروح إيه! أنا جاية معاكي.

نهتها "زينة" قائلة بتحذير:

- لا يا ديانة مينفعش، لازم تروحي عشان ترتاحي أنتي والبيبي، أنا هطمنك أول ما أوصل متقلقيش.

أستسلمت "ديانة" لحديثها خشية فعلًا أن يصيب طفلها بأية أذى:

- طيب أبقي كلميني على طول.

أومأت لها "زينة" بالموفقة وسريعًا ما تحركت لإيقاف سيارة أجرة تُقلها إلى مكان مرسمها، بينما "ديانة" قد صعدت سيارتها مُتجه إلى بيتها وهي تشعر بان هناك شيء سئ على وشك أن يحدث، ولكنها حاولت تهدئة نفسها بأنه يمكن أن يكون ذلك التوتر بسبب الحمل، ولا تعلم أن هناك بالفعل كارثة كبيرة على وشك الوقوع.

❈-❈-❈

أستقلت "زينة" سيارة الأجرى تلك مُتجة إلى مرسمها، لتجد إتصالًا من "مالك" لتقوم بالرد عليه ليأتها صوته مُتمتمًا بنعاس:

- صباح الخير يا زينة قلبي.

حاولت أن لا تُظهر له فزعها وحزنها، ولكنها لم تسطيع أخفائه كليا وظهر فى نبرة صوتها المُقتضبة:

- صباح الخير يا مالك.

لاحظ حزنها ليشعر بالقلب وقد أعتدل فى جلسته مُستفسرًا:

- مالك يا حبيبتي فى إيه؟

أجابته بكثير من الضيق والحزن:

- فى حريقة كبيره فى المرسم بتاعي و...
أنقطع الإتصال بسبب نفاذ بطارية هاتفها، لتزفر بحنق مُلقية لهاتفها داخل حقيبتها مُتأففة:

- وده وقتك أنت كمان!

وبعد ثوانً لاحظت تهدئة سرعة السيارة وتوقفها بشكل مفاجئ، كادت أن تستفسر عن سبب توقفها ليصدمها دخول رجلان على جانبيها وسريعا ما قام أحدهم بوضع منديلًا على أنفها، وما كانت إلا لحظات حتى غابت عن الوعي.

❈-❈-❈

امتعضت ملامح وجه "هناء" بكثير من الغضب والحنق وأخذت تصيح بذلك الشخص الذي يُحدثها عبر الهاتف زاجرة إياه بحدة:

- يعنى إيه معرفتش تقلب العربية! هو أنا مشغلة معايا عيال بريالة؟

أتاها صوته مُحاولًا تفسير الأمر لها بإحترام:

- والله يا ست هانم أنا فضلت ماشي وراها من أول ما نزلت من عند الدكتورة وأنسه زينة سابتها ومشيت، وأنا ماشي وراهم وبحاول أزنق عليهم عشان أقلب العربية بس السواق اللي معاها ده شاطر أوى، أكيد ما هو جواد بيه مش هيشغل أي حد كده عنده، وأنا مردتش أزودها عشان ميشكش فيا ويأخد رقم العربية.

أزداد غضبها من تلك الكلمات لتقوم بإهانته مُردفة بتهكم:

- يا فرحة قلبي بشهادتك دي، وبعدين عندك حق جواد بيعرف ينقي رجاله يُعتمد عليها، إنما أنا اللي بعتمد عليهم شوية نسوان.

أغلقت الهاتف بوجهه وهى تشعر بغليان دمائها، لتُتمتم بحدة وتوعد:

- لسه ليكي عُمر يا بنت لبنى، بس أوعدك هيخلص قريب على إيدي.

❈-❈-❈

توقف "مالك" بالسيارة أمام المرسم، بعد أن أستمع منها بإنه يحترق قبل أن يُغلق هاتفها نهائيا، ليأتي إليها بسرعة البرق لكي يطمئن عليها ويكون بجانبها، ولكنه تفاجأ بأنه لا يوجد شيئًا تماما ولا يوجد هناك أية أثار لوجود حريق، ليشعر بالغرابة والقلق، لماذا إذًا أخبرته بأن هناك حريق بمرسمها؟

أخرج هاتفه مُحاولًا الإتصال بها مرة أخرى ولكن دون فائدة، فهاتفها لا يزال مُغلقًا، ليشعر بالقلق الشديد تجاه ذلك الأمر مُتأكدا أن هناك أمرًا ما يحدث، ليقطع شروده وصول رسالة من رقمًا مجهول! ليقوم بفتحها لمعرفة مضمونها.

ليشعر بالدهشة من مُحتواها وقد بدأ القلق يتسرب إلى قلبه، ليصعد سيارتة مُتجها إلى ذلك المكان لمعرفة حقيقة الأمر؟

❈-❈-❈

يقف تحت تدفق المياة مُحاولا تهدئة ذلك البركان الثائر بدخله، فهو يشعر بالغضب الشديد من نفسه بسبب ما فعله ليلة أمس، فقد تذكر ما حدث وتذكر تلك الطريقة التي جامعها بها وبعض الكلمات التي تفوه بها عن طفولته، ولكنه لم يتذكر ما تفوه به عن مشاعره تجاهها، ليلعن نفسه وغبائه الذي جعله يتناول ذلك الكم من الخمر ويتفوه بكل ذلك الحديث، فذلك جعله ضعيفًا أمامها ويمكن أن تستغل ذلك ضده، ليضرب الحائط بغضب وحنق شديد.

بينما دلفت "ديانة" غرفتها وهي تظن أن "جواد" قد ذهب إلى الشركة، ولكنها أستمعت إلى تدفق المياة لتُخمن إنه لايزال موجودًا بالبيت، لتشعر بالغصب والحرج فى آنً واحد، هي غاضبة بسبب ما فعله ليلة أمس وتشعر بالحرج من أن يخرج ويجدها بالغرفة.

كادت أن تخرج من الغرفة ليوقفها صوت رسالة على هاتفه الموجود بجانبها، ليمتلكها الفضول بأن تفتح تلك الرسالة، لا تعلم لماذا قامت بذلك! ولكنها شعرت بأنها تريد ذلك، وبالفعل قامت بفتح الرسالة التي صدمها مُحتواها كثيرًا، وسريعا ما قامت بالبحث عن رقم "إياد" مُتصلة به كي تعرف حقيقة الأمر، ولم تكن سوا لحظات حتى أتاها صوته:

- ايه يا عم اللي أخرك كده! إيه نموسيتك كُحلي؟

حمحمت بحرج مُضيفة:

- أنا ديانة يا إياد.

ضرب "إياد" على رأسه بحرج لاعنًا غبائه ولسانه المُتسرع، لُيردف بحرج شديد:

- آه أزيك يا ديانة! أومال فين جواد؟

أخترعت "ديانة" بعض الكلمات لكي تصل إلى غرضها:

- جواد بياخد شاور هو بس قالي أسالك أنت فى الشركة ولا فين؟

شعر "إياد" بالغرابة من سؤالها، منذ متى و"جواد" يجعل أحد يمسك بهاتفه؟ وأيضا يُحادث أحد لمعرفة مكانه له! ولكنه لم يكترث للأمر ظنًا منه أن الرجل يتغير بعد الزواج، مُردفًا بمرح:

- أنا أهو فى الشركة متمرمط مرمطة العبيد فى عصر المماليك، والباشا جواد بيه لسه بياخد شاور.

زفرت "ديانة" براحة مُحاولة عدم إظهار شيء مُردفة بمرح مُصطنع:

_ معلش بقى أنت قدها، جواد هيلبس وينزل أهو.

أتاها صوت "إياد" موافقًا:

- خلاص تمام.

أنهت "ديانة" الأتصال وهي تشعر بقليل من الراحة، وسريعا ما قامت بحذف تلك الرسالة وإعطاء ذلك الرقم حظراً حتى لا يرسل تلك الرسالة مرة أخرى ويراها "جواد"، هي مدركة أن هناك شخص يُحاول الإقاع بهم.

وضعت الهاتف بمكانه وفى نفس اللحظة خرج "جواد" من المرحاض عاري الجسد لا يستره شيء سوا تلك المنشفة المُلتفة حول خصره، شعر "جواد" بالدهشة من وجودها، بينما هي قد تجاهلته تمامًا وشرعت فى الخروج من الغرفة، ليتجه هو صوب ملابسه مُرتديًا إياهم.

❈-❈-❈

بمجرد أن أغلق "إياد" المكالمة مع "ديانة" أتاه مُكالمة أخرى من رقم مجهول، قام بفتح المكالمة ليأتيه صوت شخص غير مألوف:

- إياد بيه المنزلاوي معايا؟

أجاب "إياد" بالإيجاب:

- أيوه.

عقب الرجل بأسئ:

- فى الحقيقى شقة حضرتك يا فندم أتعرضت لسرقة ومحتاجين حضرتك ضروري.

أعتلت الصدمة وجهه مُصيحًا بلهفة:

- إيه؟ شقتي أنا، أنا جي حالًا.

خرج من الشركة بسرعة مُتجها نحو شقته لمعرفة ماذا يحدث؟ وبالفعل لم يأخذ كثير من الوقت حتى وصل إلى منزله، وبمجرد أن دلف شقته وقع مُغشيًا عليه بسبب أستنشاقه ذلك المنديل الذي وضع على أنفه بلحظة واحدته.

❈-❈-❈

وصل "مالك" أسفل بناية منزل "إياد" وهو يشعر بعدم تصديق ما يفعله وما أُرسل إليه منذ قليل بتلك الرساله التى كان نصها "هي أنسة زينة بتعمل إيه فى شقة إياد خطيب أختك؟"، حاول أن يطمئن نفسه بأنه سيصعد الأن وسيتأكد أن هناك خطأ ما، حينها سوف يشعر بالكثير من الغضب تجاه نفسه لأنه ظلم "زينة"، وبالطبع لن تجري الأمور مثل ما يصور له عقله، ليس مرة ثانية.

بينما بالأعلى يُحاول "إياد" فتح عينيه بثقل شديد، ولكنه يشعر بثقل رأسه، وتدريجيًا أستعاد وعيه وما جعله يقفز من مكانه هو وجود تلك العارية تماما بجانبه، والتي لا يُخفي جسدها شيء سوا تلك المُلاءة المُلطخة ببقع الدماء، بينما هي تنظر أمامها بصدمة وكأنها غير قادرة على النطق أو الحركة، فقط تنظر للا شيء وكأنها تُصارع عقلها راغمة إياه على أن يتوقف.

إنتفض من مكانه وهو يشعر بنفس صدمتها، ولكن ما جعله يشعر بالتصلب بمكانه هو إدراكه بإنه هو أيضًا عاري تماما لا يرتدي أية شيء ولا يستره سوا تلك الملأة الموضوعة فوق جسدهما هما الأثنان.

أنتشل إحدى الوسائد مُحاولًا إخفاء عورته بإستخدامها وهو ينهض مُتجها نحو سرواله الداخلي الموضوع بنهاية الغرفة، وهو لا يعلم ما الذي يحدث، وقبل أن يرتديه تفاجأ بدخول "مالك" الغرفة ورؤيته وهو عاري الجسد بتلك الطريقة، بينما "مالك" كان مُثبت نظره على تلك الجالسة بالفرش وتفاجأت بدخوله لتنتشل الغطاء مُحاولة ستر الباقي من جسدها، غير قادرة على التفوه بأية كلمة وكأنها بعالم أخر غير هذا العالم.

تصلب "مالك" بمكانه من هول صدمته، فذلك المشهد يحدث معه للمرة الثانية فى حياته مع إختلاف بسيط فى الأحداث، ليشعر وكأن روحه تُغادر جسده وبالفعل هذا أقل ما يمكن أن يشعر به أمام حبيبته العارية بفراش خطيب شقيقته ويوجد بعض قطرات الدماء، ليبتلع بغصة غير قادراً على تخمين ما قد يكون حدث بينهم؟

أستطاع "إياد" إرتداء سرواله وأتجه نحو "مالك" مُحاولًا تفسير الأمر له، ولكنه لا يعلم ماذا سيقول له أو لتلك المسكينة التي تتوسد الفراش، ليُعقب موجها حديثه نحو "مالك" مُردفًا بتلعثم:

- مالك.. فيه سوء تفاهم، صدقني الموضوع مش زي ما أنت مفكر.

ولكمة قوية من "مالك" إثرا عليها سقوط "إياد" أرضاً ليحول نظره نحو تلك الجالسه على الفرش، ولا تستطيع أن تتحكم بتلك الدموع التي أخذت طريقها فى الهبوط بصمت شديد، غير مُدركة ماذا تقول وهي بالفعل لا تعلم ما الذي حدث، لا تعلم سوا إنها تحطمت حياتها بالكامل.

رمقها "مالك" بمزيج من نظرات الغضب والاشمئزاز وهو يشعر بإنه للمرة الثانية قد خسر حبه، بل خسر ثقته فى جميع البشر، ليغمض عينبه بألم وغصة مُتجها نحو الباب شارعاً فى الخروج من هذا المنزل، بينما "إياد" حاول أن يوقفه ولكن دون فائدة، ليعود ل "زينة" مرة أخرى والتي كانت تجلس على الفراش واضعة وجهها بالأرض وتبكى بصمت، ليتقدم نحوها مُعقباً بصدق:

- والله العظيم يا زينة أنا ما عملت حاجة، والله العظيم ما لمستك ولا قربت منك، الموضوع ده أكيد لعبة، أنا جالي تليفون إن الشقة بتتسرق جيت جري وأول ما دخلت لقيت حد حط حاجة على وشي وصحيت لقيتك قاعدة جمبي، هو ده كل اللي حصل والله.

لم تكترث لما يقوله، فهي كل ما تتأكد منه إنها نائمة بفراش رجلًا عارية تمامًا فاقدة عُذريتها، وليس ذلك فقط بل رآها الشخص الوحيد التي أحبته من كل قلبها وظنت إنها وجدت ضالتها به، ليتحطم ذلك الحلم الوردي بتلك الفضيحة التي لا تعلم كيف ولماذا حدثت! لتتعالى شهقتها هلتفة بإنهيار:

- أطلع برا، مش عايزة أسمع صوتك.
تفهم "إياد" تلك الحالة التى وصلت لها وحاول تهدئتها وأحتواء ذلك الإنهيار، لأول مرة يشعر تجاهها بمشاعر عطف أخوي، يشعر بالأسئ على كلاهما ولكن لا يعرف كيف سيخرجان من تلك الكارثة:

-زينة أهدي أبوس رجلك، والله صدقينى أنا معملتش حاجة أنا ..

صاحت به زاجرة إياه بصراخ هستيري:

- بقولك برا، أطلع برا.

خرج من الغرفة بينما نهضت هي وسريعا ما أرتدت ملابسها، خرجت من المنزل بأكمله تحت أنظار "إياد" الذي يُحاول أن يجد تفسيرًا منطقي لما حدث، ولكن دون فائدة! ليشعر بكثير من القلق مما سوف يحدث بعد ذلك وإذا علم "جواد"، هل سيصدقه!

❈-❈-❈

يجلس خارج غرفة الكشف مُنتظرًا خروج تلك الحالة التي بالداخل، ليدلف هو عازمًا على أن يعلم منها ما لم يستطيع أن يسأل فيه "ديانة"، إنه يشعر بالقلق الشديد منذ أن أستيقظ، يخشى أن يكون سبب لذلك الجنين أي نوع من أنواع الأذى، ليجد نفسه يأتي إلى الطبيبة الخاصة ب "ديانة" لكي يستفهم منها.

خرجت تلك الحالة التى كانت تسبقه، لتهتف مُساعدة الطبيبة مُوجهة حديثها نحوه مُردفة بإحترام:

- أتفضل يا أستاذ.

دلف الغرفة لتنهض الطبيبة من مكانها مُصافحة إياه مُضيفة بترحاب:

- أهلا يا جواد بيه.

بادلها الُمصافحة وسريعًا ما أشارت له بالجلوس، ليجلس مُقابلا لها مُردفًا بإندفاع:

- لو سمحتي يا دكتور أنا عايز أسال عن حالة ديانة والطفل، وهل الحمل ماشي بصورة طبيعية ولا لأ؟

أبتسمت الطبيبة على لهفته فى الإطمئنان على زوجته وطفله، لتُحاول أن تطمئنه:

- أطمن يا جواد بيه، صحة مدام ديانة والولد كويسة جدا.

- ولد!

قالها بإندفاع وقد تملكت منه ملامح الصدمة والقلق من مجرد أن خطرت له فكرة إنه سيُرزق بولد، لتلاحظ الطبيبة صدمته وخمنت إنها من شدة فرحته، لتضيف بابتسامة:

- أيوه، مدام ديانة حامل فى ولد، هي مورتكش الصورة ولا إيه؟

شعر بالذعر والهلع ممَ أكدته له الطبيبة، هو لم يكن ينتظر أن يُرزق بولد، كيف سيتعامل معه؟ كيف سيحبه! هل سيكون مثله؟ هل سيصبح شخصًا ضعيفا مثله؟ هل ستكون حياته كحياة والده؟ هل سيكون جبانًا هو أيضا! هل سترغمه الحياة على أن يكون شخصًا قاسيًا ذو مشاعر باردة؟ كثيرًا من الأسئلة تخبطت بعقله، يشعر بالتشتت الشديد.

وبدون أية مقدمات أو إكمال الحديث مع الطبيبة، سريعا ما نهض من مكانه عازما على الذهاب قائلا بتشتت:

- شكرا يا دكتور، بعد إذنك.
+

خرج من العيادة وهو يشعر بالتخبط والضيق الشديد، وكأن العالم بأكمله أصبح ضيقًا جدًا لدرجة إنه لا يستطيع الحركة أو التنفس، ليستقل سيارته مُديرًا محركها وشرع فى قيادتها دون أن يُحدد وجهته.

يتبع...

تتنقل بجميع أنحاء المنزل وقد وصلت لأعلى درجة من درجات القلق والتوتر، فالساعة قاربت على الخامسة مساءًا ولازالت لا تعرف شيئاً عن "زينة" منذ أن ذهبت إلى مرسمها، هي حتى لا تستطيع مُحادثتها عبر الهاتف لأن هاتفها مُغلق منذ الصباح، منذ أن جأت ل"جواد" تلك الرسالة التي لم تعرف مصدرها أو سببها إلى الأن، تشعر وكأنها أخطئت حين قامت بمحوها، ولكنها فى نفس الوقت تشعر إنها رسالة كيدية للإقاع بين "جواد" و "إياد"، ولكن من ذلك الذي يريد الإقاع بينهما! ما مصلحته بذلك؟ لم يهدأ لها بال إلا إذا عادت "زينة" وأطمأنت عليها.

يا ليتها أخبرت "جواد" بما حدث، وما إن ذكرته فى عقلها، حتى تذكرت ما فعله معها اليوم قبل أن يذهب إلى الشركة.

••

يهبط الدرج بعد أن بدل ملابسه مُسعتدًا للذهاب إلى الشركة، فوجدها تجلس فى ساحة البيت مُمسكة بهاتفها وتتابع شيئًا به، تقدم نحوها ووقف أمامها مُلفتًا إنتباهها قائلًا:

- الدكتور قالتلك إيه؟

رمقته ببعض من نظرات الإشمئزاز منه، ثم نهضت وحاولت الإبتعاد عنه، ليمنعها ممسكًا إياها من ذراعها مُردفًا بقليل من الحدة:

- أنا بكلمك.

دفعت يده بعيدًا عنها بنفور مُصيحة بإعتراض:

- شيل إيدك دي عني.

أبعد يده بعيدًا مُحاولًا عدم إحداث مشكلة بينهم مُردفًا بهدوء:

- أديني شلتها، قالتلك إيه؟

صاحت به مرة أخرى بإنزعاج من طريقته معها بالإضافة إلى إنها ما زالت غاضبة ممَ حدث ليلة أمس:

- قالتلي إنك شخص همجي ومريض.

أخذ كلامها على محمل الجد ممَ زاد قلقه من أن يكون تسبب فى مشكلة ما لطفليهما، ظهرت عليه ملامح القلق مُستفسرًا:

- ليه الجنين حصله حاجة؟

لاحظت قلقه وشعرت بقليل من الغرابة من خوفه الشديد على الجنين واللهفة الظاهرة فى نبرته، قررت أن تُجيبه عساها تتخلص منه ويرحل:

- لا محصولوش حاجة، أنت اللي حصلك حاجة فى عقلك.

حاولت الذهاب مرة أخرى ليمنعها هذه المرة بسؤاله الجاد لها:

- اتصلتي بإياد وأنا فى الحمام ليه؟

شعرت بقليل من التوتر والإرتباك، بماذا سوف تجيبه الأن، تشعر بالغباء الشديد لأنها أتصلت من هاتفه هو، حتى إنها لم تمحُ إتصالها اللعنة عليها، لتصطنع التلقائية مُجيبة إياه:
- كنت عايزه أطمن عليه هو وملك عاملين إيه مع بعض.

رمقها بقليل من عدم التصديق مُصاحبًا بعضًا من الغيرة الحارقة مُستنكرًا:

- كنتي تقدري تطمني من ملك!

أزداد توترها ولم تعرف حقًا ماذا تقول له! لتجد أن أفضل طريق للهروب من سؤاله، هو قلب دفة الحديث عليه، صاحت به مُصطنعة الإنزعاج:

- أنت هتحاسبني ولا إيه! أنت ليك إيه عندي؟

دفعها برفق نحو الحائط بحركة مفاجئة لم تتوقعها، وأحاطها بذراعيه ممَ جعله قريبًا منها للغاية مُضيفًا:

- ليا إني جوزك، وأبو اللي في بطنك.

الصدمة هي كل ما يبدو على وجهها الأن، وكأن لسانها تلجم عن الحديث، لتطول فترة إتحاد زرقاوتيهما معًا، وقد غاب كلا منهما فى أفكاره وبلحظة فقدان وعي، إقترب منها مُتجهًا نحو شفتيها عازمًا على تلثيمها.

وبالفعل أقتربت شفتيه من خاصتها وبمجرد تلامسهما، أنتفض جسدها أثر ذلك وكأنها صُعقت بتيار كهرباء، وبسرعة دفعته فى صدره فارة من أمامه.

على الرغم من إبتعادها وعدم إلتفافها للخلف، إلا إنها لاحظت إنه لايزال واقفًا ويطالعها حتى أختفت من أمامه، لتستمع بعدها لإغلاقه لباب المنزل خلفه فزفرت براحة وإطمئنان.

•••

لماذا منذ ليلة أمس يُحاول أن يفعل معها هذه الأشياء، ما الذي يريده منها؟ هل يفعل هذه الأشياء لكي تسامحه! يريد إستعطافها تارة ومُغازلتها تارة أخرى؟ لم يُحزر، إنها لن تسامحه ولو ماذا فعل.

التقطت هاتفها مُحاولة الأتصال ب"زينة" مرة أخرى لعلها تجدها فتحت هاتفها، ولكن دون فائدة لا يزال مغلقًا، زفرت بغضب وانزعاج:

- إيه! كل ده تليفونها مقفول؟

نظرت نحو هاتفها مرة أخرى وخطر ببالها أن تُحدث "مالك" بالطبع سيكون معها الأن، أحضرت رقم "مالك" وقامت سريعًا بالأتصال به ولكنه لا يوجد رد، شعرت بضيق وحنق وحاولت الأتصال مرة أخرة لعله يُجيب، ولكن خاب أملها للمرة الثانية ولم تستطيع التخلص من ذلك القلق اللعين الذى يُصور لها أبشع الأشياء.

وضعت هاتفها مرة أخرى على الطاولة وأخذت تطوف بالبيت بأكمله وهى تتمنى أن تكون الأمور بخير وأن تكون كل تلك التخيلات التي تدور برأسها بسبب قلقها ليس إلا.

❈-❈-❈

ظلت تُطالع هاتفها بأنتظار تلك المُكالمة التي تنتظرها منذ الصباح لكي تُعلن لها عن نجاح مُخططها، وإنها أستطاعت أن تُفرق بين "مالك" و"زينة" وعدم السماح لحبهما اللعين بالاستمرار وأن تستغل ذلك فى تحطيم علاقة "إياد" و"جواد" إلى الأبد، وذلك لأنها مُتأكدة أن "إياد" هو من أخبر "جواد" عن مُخططها.

ولكن من ليست لها ذنب بكل ما يحدث هي "زينة"، فهي لم تفعل شيئا ولكن "هناء" ترا شيئًا أخر، ترا أن "زينة" تستحق ذلك بسبب تقربها من تلك الفتاة التي تُدعى "ديانة"، وهى نفس تلك الفتاة أبنة عدوتها وأيضا من تجرأت ومدت يدها عليها، فإذا كانت "زينة" تُحبذ المكوث معها فلتتحمل نتيجة أختيارها إذا.
صدح صوت هاتف "هناء" مُعلنًا عن وجود إتصالًا لها، وواضح من تلك البسمة التي أرتسمت على وجهها أن تلك هي المكالمة التي كانت تنتظرها منذ الصباح، ألتقطت هاتفها وسريعًا ما أتاها ذلك الصوت:

- كله تمام يا ست هانم، اللى أسمه مالك ده نزل من عشر دقايق كده والست زينة لسه نازله حالا من عند أستاذ إياد.

ضيقت ما بين حاجبيها وهي على مشارف الدخول بنوبة غضب وإنزعاج، لن تكترث خلالها لأحدًا مهما كان لتهتف مُستفسرة:

- وجواد؟

تلجلج ذلك الرجل بخشية من ردة فعلها على ما سيقوله ولكنه يجب أن يخبرها حتى لا يصبح الأمر أسوء:

- بصراحة جواد بيه مجاش.

صرخت ملامحها بالغضب والحنق مُتمتمة بغيظ:

- بتقول إيه؟ سمعني كده أصل مسمعتش!

شعر الرجل بكثير من الخوف من نبرتها المُغتاظة والمُستهزئة بنفس الوقت، ليُحاول توضيح الأمر لها:

- والله يا ست هانم إحنا بعتناله الرسالة زي ما حضرتك أمرتي، بس هو اللي مجاش.

شعرت بالضيق صارخة فيه بتوبيخ وتوعد لهم بالموت على ذلك الأمر:

- هو أنتوا متكملوش حاجة للأخر أبدًا؟ دا أنا هطلع روحكوا واحد واحد فى إيدى يا شوية عيال.

أغلقت الهاتف وألقته بعيدًاا عنها وهي تشعر بكثير من الغضب والكراهية بسبب عدم تنفيذ خطتتها كما رسمتها، ولكن ما حدث ليس بالشيء البسيط وذلك سيدمر العلاقة بين "زينة" و "مالك" نهائيًا، وأيضا "إياد" وشقيقة "مالك"، فهو بالطبع لم يترك شقيقته بأن تظل مع شخص كهذا.

زفرت براحة وإنتصار مغمضة عينيها بفخر وأخذت تفكر فى الضربة القادمة، وماذا ستفعل مع "جواد" و"ديانة" وكيف ستُفرق بينهما وتتخلص من تلك الفتاة اللعينة.

❈-❈-❈

تُطالع الساعة وقد أزداد قلقها فالساعة قاربت على الثامنة مساءًا ولأزالت "زينة" لم تعد إلى المنزل بعد، وضعت يدها على جبهتها بتشتت لا تعرف ما الذي عليها فعله أتنتظر أكثر من ذلك أم ترسل رسالة ل "جواد" تخبره فيها بما حدث خشية من أن يكون هناك شيء طارق أو مصيبة ما؟

التقطت هاتفها وبدأت فى كتابة رسالة ل "جواد" وقبل أن تضغط على الإرسال أوقفها سماع صوت جرس الباب لتنهض من مكانها بعفوية لدرجة أن شعرت بألم بأسفل ظهرها، توقفت بحذر مُحاولة السيطرة على إندفاعها، وسريعًا ما قامت العاملة بفتح الباب ودلفت منه "زينة" التي يبدو من هيئتها أن هناك مصيبة ما، ألقت بنفسها داخل صدر "ديانة" وشرعت فى البكاء.

صدمت "ديانة" من فعلتها، ولكنها فطنت أن هناك مصيبة ما بسبب هيئها الغير مرتبة، بالأضافة إلى أعينها المنتفخة، قُبض قلبها وتمنت أن يكون الأمر ليس له علاقة بتلك الرسالة التى أُرسلت ل "جواد" وأن تكون "زينة" بخير، أخذتها إلى أقرب أريكة وجلس كلاهما.

ربتت "ديانة" على ظهر "زينة" التي لاتزال داخل عناقها مُحاولة تهدئتها:

- فى إيه يا زينة! إيه اللي حصل يا حبيبتي؟

حاولت "زينة" أن تتحدث بصعوبة بين شهقاتها تقص عليها ما حدث، مُحاولة التخفيف من ألم صدرها:

- أنا إتدمرت يا ديانة.

أنتفض قلب "ديانة" التي أوشكت على التأكد من أن مخاوفها أصبحت حقيقة، أبتلعت بهلع مستفسرة:

- إيه اللي حصل؟

قصت عليها "زينة" ما حدث بداية بهولاء الرجولان والمرأة الذين قاموا بتخديرها مرورًا بأستيقاظها بفراش "إياد" وهما عاريان الجسد، بالأضافة إلى تلك البقعة الحمراء التى كانت بجانبها ودخول "مالك" عليهما وضربه ل "إياد"، نهاية بحديث "إياد" لها وإقسامه على إنه لم يفعل شيئًا وإنه أيضا قام أحدهم بتخديره ووضعه بجانبها، وأجهشت فى البكاء مرة أخرى.

أرتجف قلب "ديانة" وأتسعت عينيها بصدمة وهلع مما قصته عليا "زينة"، لتصيح بذعر:

- إياد!! أزاى إياد يعمل كده! وليه مالك راح لإياد فى الوقت ده و...؟

تذكرت تلك الرسالة التي رأتها بهاتف "جواد"، ألقت بالذنب على نفسها وإنها كان بإمكانها إنقاذ الأمر لو كانت تركت تلك الرسالة ليراها "جواد"، لكان أستطاع إنقاذ شقيقته الأن وكان لم يحدث لها شيء، أمتلئت عيني "ديانة" بالدموع هي الأخرة مُردفة بندم:

- أنا أسفة يا زينة، أنا كان فى إيدى أنقذ الموضوع بس أنا بغبائي ده مسحت الرسالة.

خرجت "زينة" من عناق "ديانة" مُضيقة ما بين حاجبيها مُستفسرة؟

- رسالة إيه؟

أجابتها "ديانة" بخذي وندم مُحملة المسؤلية على نفسها وإنها من تسبب فى حدوث ذلك الأمر:

- رسالة جت على تليفون جواد من رقم غريب بتقول " هى أنسة زينة أخت حضرتك بتعمل إيه فى شقة إياد صاحبك" والله يا زينة ما كنت أعرف إن الموضوع هيوصل لكده، أنا افتكرتها لعبة توقيع بينهم واللي اكدلى أكتر إن وقتها أتصلت بإياد وكان فى الشركة ومستنى جواد.

تأكدت "زينة" الأن من شكوكها وأن كل ما حدث كان مُخطط للإقاع بهم، وتلك الرسالة التى أُرسلت لأخيها وحديث "ديانة"، كل ذلك أكد لها أن "إياد" لم يكن يكذب هو الأخر وإنه قد قام أحد بتخديره مثلها تماماً.

قطع شرودها صوت بكاء "ديانة" التي تشعر بالذنب فى حقها مُعتذرة:

- أنا أسفة يا زينة بجد أسفة أنا...

قاطعتها "زينة" نافية ما تقوله بإنها السبب فى شيء وأن مسحها للرسالة كان خطأ، لتصحح لها حديثها:

- بالعكس يا ديانة أحسن حاجة عملتيها إنك مسحتي الرسالة وإلا كان زمان فيه بحر دم، أنا كده فهمت.

ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها وعلى وجهها أثار البكاء لتهز رأسها بعدم أسيتعاب مستفسرة:

- يعنى إيه مش فهمه؟

تنهدت "زينة" براحة بأن "جواد" لم يرى الرسالة وإلا كان حدث ما لم يستطيع أحدًا إيقافه مُجيبة إياها:

- قصدي يا ديانة إن دي فعلا كانت لعبة إني أتخدر وأتحط فى سرير إياد وجواد ومالك يشوفوني بالمنظر ده، وجواد يقتل إياد بسبب اللي أكيد هيخمنه ويقتل مالك اللي أكيد مش هيسيبه عايش يتكلم فى شرف أخته، أو ممكن يفكرهم متفقين، ده لو مقتلنيش معاهم.

أتسعت عين "ديانة" بدهشة ممَ سمعته وسريعًا ما شعرت برجفة قلبها من مجرد تخيلها لذلك الأمر، شعرت بالراحة لكونها مسحتها، ولكنها شعرت بالقلق والتوتر مرة أخرة، لترفع نظرها نحو "زينة" ببعض النظرات الأستفسارية التي لم تستطيع أن تتفوه بها، لتدرك "زينة" ما تعنيه نظراتها، وأضافت بألم:

- عارفة أنتي عايزه تسألي عن إيه وأنا كمان أول ما نزلت من عند إياد كنت هموت وأعرف اللي أنتي عايزه تعرفيه، وفعلا روحت لدكتورة شهرة.

••

تجلس خارج غرفة الكشف منتظرة دورها وهي تشعر بأن كامل مصيرها مُعلق بكلمة واحدة من الطبيبة، كلمة واحدة ستكون الفيصل بين ما رأته وبين ما قاله "إياد"، وإن كان ما تُفكر به حدث بالفعل ستجعله يندم أشد ندم.

لحظات وخرجت مساعدة الطبيبة سامحة لها بالدخول:

- أتفضلي يا أنسة زينة.

أنسة! تتمنى ذلك، دلفت غرفة الكشف لتنهض "شهرة" من مكانها مرحبة بها سامحة لها بالجلوس، بينما تشعر بالغرابة من زيارتها لها على الرغم من أنها كانت عندها فى صباح اليوم، وبعد أن ذهبت هي و"ديانة" جاء "جواد" هو الأخر! ما الذي يحدث يا ترى؟

- خير يا أنسة زينة، مدام ديانة حصلها حاجة؟

أبتلعت غصة حلقها وهي تشعر أن روحها على وشك الخروج من جسدها، ماذا تخبرها أو كيف ستقص عليها ما حدث لها؟ أجابتها بتردد.

- ديانة كويسة.. الحقيقة أنا جاية عشاني أنا مش عشان ديانة.

ضيقت الطبيبة ما بين حاجبيها بعدم أستيعاب، ولكنها خمنت إنها لديها مشكلة ما تريد إستشارتها بها:

- خير يا أنسه زينة!

تنهدت "زينة" بحسرة وشعور بالأنكسار لم تستطيع تحمله، لتملأ الدموع زرقاوتيها وأصبحت على مشارف الدخول بنوبة بكاء يُمكن من شدتها أن يغشى عليها، عملت جاهدة على التفوة بتلك الكلمات التى من الصعب أن تتفوه بهم فتاة فى مكانتها:

- أنا.. أنا عايزة.. أنا عايزه أعمل virginity detection "فحص عذُرية".

إتسعت عينى الطبيبة متفاجأة مما أستمعت، إنها لم تتفاجئ من الطلب، بل تفاجأة إنه يخرج من "زينة"، هي تعلم إنها ليست متزوجة، فلماذا إذا تريد عمل فحصًا كهذا! أيمكن أن يكون حدث لها مشكلة ما؟

- حاضر، بس ممكن أعرف إيه السبب؟ أنا اللي أعرفه إنك مش متجوزهة

إنهارت باكية بعد أن عجزت فى منع دموعها فى الإنسياب، وأخذت تبكي بكل حرقة وألم نابع من قلبها بسبب ذلك الموقف الذي وضعت فيه بمجرد رمشة عين، حتى إنها لم تفعل شيئًا.

لاحظت "شهرة" إنهيارها وشعرت بالكثير من الشفقة عليها، نهضت من مكانها مُتجهة نحو "زينة" رابتة على كتفها بإستفسار:
- فى إيه يا زينة! لو فى أي مشكلة قوليلي يمكن أقدر أساعدك.

أزداد نحيبها وأخذت شهقاتها فى العلو، ماذا ستقول لها وهي لا تعرف حتى ما الذي حدث! أتقول لها إنها أستيقظت من نومها وجدت نفسها نائمة فى فراش صديق شقيقها عارية تمامًا وهو أيضا مثلها وهناك بقعة دماء لعينة تُلطخ الشراشف أسفهلهم، شهقت محاولة إجبار نفسها على الحديث وإخبار "شهرة" سببًا يجعلها تفحصها دون الإفصاح عن حقيقة الأمر:

- أنا كنت ماشية بالعربية وفجاة حراميه أعترضوا طريقي ولما وقفت خطفوني وبنجوني وبعدها صحيت لأقيت نفسى فى مكان فاضى وهدومي متقطعه وعليها دم، أضطريت أكلم خطيبي يجي يلحقني ولما جيه وشاف اللي حصل إقتنع إني أتعرضت لأغتصاب وعشان كده عايزة أتأكد إذا كان ده حصل ولا لأ؟

شعرت الطبيبة بالأسئ على ما قصته عليها "زينة"، رغم إنها تشعر أن هناك جزء مفقوده لم تخبرها بها، إلا إنها شعرت بالحزن تجاهها فذلك الشيء صعب جدًا على أي فتاة أن تتحمله، نهضت الطبيبة مُردفة بحزم:

- أتفضلي يا زينة أكشف عليكي.

نهضت بثقل تقترب من ذلك السرير وهي تقديم قدم وتُأخير الأخرى، فمصيرها سيُحدد خلال ثوانً فقط وهي شبه متأكدة إنها بالطبع خسرت ما هو عزيز على كل فتاة، وقفت أمام السرير وهي تشعر بالبرودة قد سارت فى جسدها بأكمله، لتُحاول "شهرة" مساعدتها:

- أخلعي هدومك ونامي على السرير وغطي نفسك.

أغمضت عينيها بكثير من الحصرة والرعب بوقت واحد، ولكنها نفذت ما قالته الطبيبة، وبالفعل تخلصت من ملابسها السُفلية وصعدت على الفراش ووضعت تلك الأغطية عليا.

جلست "شهرة" أمام السرير بين قدميها المغطاة أمامها ويبدو عليها الأرتجاف، لتحاول "شهرة" أن تخفف عنها وتطمئنها:

- متقلقيش يا زينة الموضوع كله مش هياخد دقيقة ومش هتحسي بحاجة، أهم حاجه سيبي أعصابك خالص.

أومأت لها بالموافقة والدموع تتسارع فى الهبوط من عينيها، ما أصعب ذلك الموقف على فتاة لم يُكشف سترها أمام أحدًا من قبل، وحين ينكشف يكون فى فحصًا لعذُريتها، بالطبع سيكون الأمر ليس هيناً.

رفعت "شهرة" الغطاء عنها بهدوء، لينكشف نصفها السفلي أمام أعينها بوضوح، وبسرعة البرق ضمت "زينة" ساقية وتعالى صوت بكائها بكثير من الألم والحسرة، لتحاول "شهرة" التخفيف عنها:

- زينة أهدي متفكريش فى الموضوع إنهvirginity detection، فكري كأنك جايه تكشفي عادي على مشكله خارجية، سيبي أعصابك خالص لحظة واحدة وهنكون خلصنا.

حاولت تمالك أعصابها والسيطرة على نفسها، حاولت أكثر من مرة أن تُباعد بين ساقيها إلى أن قامت بفعلها وقامت "شهرة" بفحصها.

أعتصرت عينيها بكسرة وضعف بسبب ما اُضطرت على القيام به لمعرفة حقيقة الأمر، نعم تلك ثواني قليلة جدًا، ولكنها تمر عليها وكأنها سنوات طوال، تلك الثواني هي من ستُحدد لها ما هو مصيرها.

لم تمر سوى لحظات لتخلع "شهرة" قفازاتها الطبية مُعلنة عن إنتهاء الفحص، تعالت ضربات قلبها بشدة منُتظرة رد الطبيبة، لتهتف "شهرة" بابتسامة:

- زينة واضح إن ربنا بيحبك جدا عشان كده مش كاتبلك البهدلة، الحمدلله إنتي Virgin "عذراء"، أنا هعملك حالًا تقرير بده عشان توريه لخطيبك.

تنهدت "زينة" بكثير من الراحة وشعرت وكأنها ولدت من جديد، يبدو أن "إياد" كان على حق ولكن من هو المسؤول عن كل ما حدث، لا يهم ما يُهمها الأن هو التفسير ل"مالك" عما حدث وإثبات إنها لم تفعل شيئًا وذلك التقرير سيُساعدها كثيرًا.

نهضت من السرير وأرتدت ملابسها مُتجهة نحو الطبية لتستلم التقرير وكأن الحياة قد عادت لها مُردفة بإمتنان:

- شكرًا يا دكتور، بجد شكرًا.

•••

- الحمدلله يا زينة إنها جت على قد كده، بس مين اللي ليه مصلحة يعمل كده! ومين أصلا اللي يعرف بعلاقتك أنتي ومالك ويخليه يجي ويشوفك فى الوضع ده؟

شعرت "زينة" بالتخبط الشديد، نعم ليس هناك أحد يعلم بعلاقتها هي و"مالك"! فمن يكون إذًا المسؤول عن فعل ذلك وما هي غايته؟

لاحظت "ديانة" تشتتها لتُحاول التخفيف عنها:

- أهم حاجة دلوقتي إنك بخير ولازم مالك يعرف الحقيقة فى أقرب وقت.

أومأت لها "زينة" بالموافقة على حديثها، بينما تشعر بداخلها أن تفسير الأمر ل"مالك" لن يكون هينًا أبدًا، ولكنها عليها توضيح الأمر مهما كان عليها أن تتحمله:

- معاكى حق.

❈-❈-❈

خرج الطبيب من غرفة العمليات بعد أن أستغرقت عدة ساعات، أسرع إليه كلاً من الأب وابنته مُستفسرين على نتيجة العملية، صاح "عامر" مُوجها حديثه نحو الطبيب مُتحدثا باللغة الأنجليزية:

- أخبرني يا حضرة الطبيب ما هي النتيجة؟

أبتسم الطبيب لهما بإبتسامة تهنئة مُضيفًا:

- تهانينا يا سيد عامر، لقد نجحت العملية.

لحظات من الصدمة وسرعة فى ضربات القلب، قبل أن تغمرهم السعادة على نجاح عملية "ماجدة" والتى ستؤثر عليا تأثيرًا كبيرًا، وستكون أهم خطوة فى علاجها، هتفت "أسما" بلهفة:

- حضرة الطبيب أرجوك أخبرني ما هي نسبة شفائها الأن! وما هي الخطوة القادمة؟

أجابها الطبيب موضحًا لها ما الذي سوف يحدث خلال الفترة القادمة:

- لا شك أن نسبة تعافيها قد زادت الأن بشكل ملحوظ، الخطوة القادمة مُعتمدة بنسبة كبيرة على نفسية المريض وقابليته للعلاج الذي سيُركز على العلاج الطبيعي، وهذا بخصوص حركتها التي ستعود تدريجيًا، أما بخصوص قدرتها على الكلام أيضا ستعتمد على قوة وعزيمة المريضة، الأن الأمر مُتعلق بعزيمتها وإرادتها فى الشفاء الذي سيُتتم بأسرع وقت.

مد "عامر" يده مُصافحا الطبيب مُردفًا بأمتنان:

- شكرًا جزيلًا لك دكتور بيتر.

بادله الطبيب المُصافحة بابتسامة لابقة:

- لم أفعل شيئا سيد عامر، فهذا واجبي.

❈-❈-❈

تجلس بصحبة "ديانة" على طاولة الطعام لتناول الفطور وها قد مر يومان وهى لا تستطيع الوصول إلى "مالك"، فهو يغلق هاتفة منذ ذلك اليوم حتى إنه لم يذهب إلى عمله، مما جعلها تشعر بالقلق الشديد عليه وما زاد قلقها هو إخبار "ديانة" إياها إنه قام بجمع أغراضه من منزل والديه وقأم بترك المنزل، بالأضافة إلى إنه لم يخبر أحدًا بشيء ولا حتى "ملك" ولم يُحاول إبعادها عن "إياد"حتى، هذا الشيء مُريبًا حقًا.

قطع شرودها صوت "ديانة" التي لاحظته وخمنت إنها تُفكر ب"مالك" وبأختفائه المُفاجئ، حاولت أن تطمئنها مُردفة بتردد:

- زينة، أنا عرفت أخبار عن مالك.

تركت ما بيدها ونظرت إلى "ديانة" بانتباه شديد مُعقبة بلهفة:

- هو فين يا ديانة ومختفي ليه! كويس ولا لأ؟ طمنيني يا ديانة أرجوكي أ...

قاطعتها "ديانة" مُحاولة تهدئتها:

- أهدي يا زينة هو كويس متقلقيش، مأجر شقة مفروشه وقاعد فيها.

نهضت من مكانها بسرعة كبيرة مُعقبة باستفسار:

- عنوان الشقة إيه؟

نهضت "ديانة" من مكانها هى الأخرة مُردفة:

- طيب أستني هأجي معاكي.

أوقفتها "زينة" مُعقبة بإصرار:

- لا يا ديانة خليكي أنتي هنا، عشان جواد ميعملش مشكلة، وكمان عشان عايزة أتكلم مع مالك لوحدنا، عشان عارفة إنه من الصعب يصدق أو يقتنع.

تفهمت "ديانة" ما تقصده "زينة"، هى تخشى أن يقوم بالإنفعال عليها أو إهانتها أمامها، فوافقتها الرأي وقامت بإعطائها العنوان، وسريعا ما صعدت "زينة" لتبديل ملابسها والذهاب لمواجهته.

❈-❈-❈

وصلت أمام منزله وهي تشعر بالكثير من الخوف والقلق من تلك المواجهة التي لا تعلم إن كانت بوقتها المناسب! أم إنها تسرعت فيها؟ ولكنها عليها أن ُتسرع فكلما تركته وتلك الفكرة مُسيطرة عليه سيكون من الصعب حينها أن يصدقها، لتستجمع شجاعتها وتضرب الجرس.

ظلت واقفة أمام الباب عدة دقائق حتى إنها قامت بضرب الجرس لمرات عدة وكأن كل المؤشرات تُحذرها من تلك المُقابلة، إلا إنها لم تُلاحظ ذلك، خمنت إنه ليس بالداخل وكادت أن تذهب، ولكن أوقفها صوت فتح باب الشقة، رفعت نظرها لتجده ويبدو إنه ليس بحالة جيدة، بينما الأخر بمجرد أن وقعت عينيه عليا أعطاها ظهره ودلف إلى الداخل مُردفًا بتهكم:

- أهلا بست البنات.
أغمضت عينها بحزن وأسئ على طريقته وهيئته التي فسرتها بإنه مريض أو ما شابه، لتدلف المنزل خلفه وأغلقت الباب، حتى لا يستمع أحدًا إلى حديثهما إذا قام بالصراخ عليها، مُضيفة بإلحاح:

- مالك ممكن طيب تديني فرصة أفهمك؟

التفت "مالك" إليها بغضبًا كبير ونظرات مُشتعلة، سريعا ما تقدم نحوها بعد أن تذكر ذلك المنظر الذي رآها به فى فراش "إياد" وقام بجذب ذراعها صارخا بها:

- تفهمينى!! لا أستنى بقى أنا اللي هفهمك، أنا دخلت عليكي لقيتك نايمة فى سرير راجل وأنتوا الأتنين عريانين وكان لسه قايم من جمبك.

زاد من شدة قبضته على ذراعها عند تذكره لتلك المشاهد القاسية التي عمل لسنوات جاهدا لكي ينساها، لتأتي هي بلحظة وتذكره بكل تلك الألم والأوجاع، صرخ بها بأسنان ملتحمة وأعين تتطاير منها النيران:

- كنتي مبسوطة مش كده؟ كنتي متمتعه وأنتي نايمة معاه؟ عرف يبسطك صح!

قال جملته الأخيرة بصوت جهوري تقسم إنه قد أستمع إليه جميع من بالشارع، شعرت بالرعب والفزع من تلك الهيئةوالنفزعة التي لم تراه بها من قبل، بالأضافة إلى تلك الرائحة الكريهة التي تفوح من فمه، لتُخمن إنه ثمل، لعنت نفسها على فكرة قدومها بمفردها وبذلك الوقت الخاطئ، لتحاول توضيح الأمر له مُردفة بهلع:

- والله العظيم أنت فاهم غلط، انا روحت لدكتورة و...

قالت جملتها وهى تقوم بفتح حقيبتها مُخرجة تقرير الطبيبة واضعة إياه أمام أعيُنه لكي يراه، ولكنه قاطعها بجذبه من يديها وإلقائه أرضا صائحًا بوجها بانفعال:

- فاكراني عيل صغير جايه تضحكي عليه بحته ورقة!!

شعرت "زينة" بالغضب الشديد من عدم تصديقه لها وإصراره على إنها قامت بفعل ذلك الأمر، حتى إنه لم يهتم لينظر بذلك التقرير، ومن شدة غضبها قامت بجذب عنق قيمصة صارخة به بغضب وحنق وهي تضرب الأرض أسفل قدميها بإعتراض:

- أنت ليه مش عايز تصدقني والله العظيم ما عملت حاجة، والله ما فى حد لمسني، أعملك أيه عشان تصدقني؟

قام "مالك" بالقبض على فكها السفلي وكأنه يريد سحق أسنانها بين يديه ومنع ذلك اللسان عن خداعه، مُضيفًا بغضب وحنق:

- شايفاني عيل صغير! فكره نفسك هتعرفي تلعبي معايا تاني يا علا صح! ماشي أنا بقى هوريكي اللعب بيبقى عامل إزاي؟

جذبها من شعرها متجها بها ناحية الغرفة، لتصرخ هي بين يديه بسبب شدة جذبته لشعرها الذي كاد أن يُقلع فى يديه، ومشدودة أيضًا من ذلك الأسم الذي ناداها به، ليدلف الغرفة بها وسريعا ما قام بإلقائها على الفراش وأسرع فى إغلاق الباب، نهضت وهي تشعر بكثير من الهلع مُصيحة به:

- أفتح الباب يا مالك.

تقدم إليها بخطواط بطيئة وغير مُتزنة وهو يقوم بخلع سترته وإلقائها أرضا، والتخلص من حزام بنطاله، وقام بالتقدم نحوها وهو يشعر بكثير من الغضب والكراهية تجاه جميع نساء الأرض، ويتوعد لها بأن يجعلها تندم على خيانته وجعلها تتحمل نتيجة ما فعله كلاهما، سواء هي أو من تسبقها.
+

يتبع...
أخذ يتقدم نحوها بعد أن تخلص من سترته وحزام بنطاله، ثم قام بفك أزارار قميصه وهو يزيد من سرعة خطواته نحوها إلى أن أصبح قريب منها للغاية، فطنت ما يُفكر فيه ونوياه تجاهها، لتشعر بكثير من الرعب والفزع وحاولت الهروب سريعًا من بين يدي هذا المُغيب عن وعيه تماما.

وصلت إلى باب الغرفة وكادت أن تُمد يدها  ووفتحه، منعها جسده الذي أصبح عاري وحاصرها بين يديه بعد أن تخلص من قميصه، شهقت "زينة" بفزع ورعب هازية بنبرة تحذرية:

- مالك أنت هتعمل إيه! فوق يا مالك أنت مش فى وعيك.

أقترب منها كثيرًا إلى أن أصبح جسديهما مُلتصقان ببعضهما جدًا مُحاوطًا إياها بين ذراعيه، حُصرت بين جسده أمامها والباب خلفها، هبط "مالك" نحو أذنها هامسًا بأنفاس حارقة جعلت جسدها يُقشعر من شدة الخوف والرعب مُردفًا بهمهمة ورائحة الخمر تفوح من فمه:

- ليه أبص فى حتة ورقة أنا معرفش أساسًا هي سليمة ولا لأ عشان أتأكد منها إنك منمتيش مع إياد! منا فى إيدي أتاكد بنفسي يا ست زينة.

أزادت أنفاسها وتسارعت ضربات قلبها من شدة الخوف، كادت أن تدفعه بعيدًا عنها وتهرب من أمامه فى الحال قبل أن يفعل شيء يجعلها تكرهه إلى الأبد، ولكن لم يحالفها الحظ فى تلك المرة وقد فات الأوان بالفعل، وقد تملكت منه تلك الفكرة الوضيعة.

أسرعت يده فى القبض على ذراعيها ساحبًا إياها خلفه نحوالأريكة، ألقى بها سريعًا على بطنها فوق أحد جانبي الأريكة، أصبح وجهها مُقابلًا للمقعد وبطنها مُقابلة لذلك الجانب وقدميها مُتدليتان إلى الأسفل تكاد تلمس الأرض، ممَ أدى إلى جعل مؤخرتها فى مقابلته مباشرة ويده على ظهرها راغما إياها على الأنحناء، صاحت "زينة" بعد أن أدركت ما ينوي عليه مُحاولة إيقافه صارخة:

- لا يا مالك متعملش كده، أرجوك يا مالك بلاش، فوق يا مالك.

لا يستطيع الاستماع إلى صرخاتها، فكل ما يستمع إليه هو صوت تلك العاهرة وهي تصيح بطلب المزيد من ذلك الحقير الذي كان يعتبره فى إحدى الفترات أقرب شخص له بل أقرب شخص إلى قلبه، أزداد شعوره بالحقد والكراهية ولم يعُد يُميز من تلك التي أسفله أهي "زينة" أم "عُلا"؟

بينما أمتدت يدها إلى خلف ظهرها مُحاولة إبعاده بعد أن فرق ما بين ساقيها بالفعل وأصبح يقف بينهما، التقط يدها التي حاولت إبعاده بواسطتها والتقط الأخرى مُقيدًا إياهما خلف ظهرها بيد واحدة من يديه، لتمتد اليد الأخر لترفع عنها فستانها وتجردها من سروالها الداخلي.

صرخت "زينة" بهسترية وهي على وشك أن تفقد أعز ما تملكه أية فتاة بالعالم هازية بذعر:

- لا يا مالك لا، أبوس إيدك يا مالك، أبوس رجلك متعملش كده.

ترقرت الدموع فى عيني "مالك" وهو يشعر بكثير من الألم والحزن، بينما أمتد يده مُحررة رجولته ظننا منه إنه بمجرد أن يفعل هذا سيتخلص من ذلك الألم الذي عانى منه لسنوات وبالكاد تعافى منه، لتأتي هي الأن وتجدد ذلك الألم بداخلة.

لم يكن يستمع إلا لتلك الصرخات التى تطالب بالمزيد من تلك العلاقة المحرمة المُصنفة تحت بند الخيانة ولا يستمع لصراخ تلك المسكينة بين يديه:

- مالك.. لا يا مالك، تعالى معايا عند الدكتوةر طيب، أسالها بنفسك بس بلاش كده يا مالك، مالك لا آآآه..

صرخة قوية ومتألمة صدحت بأركان المنزل بأكمله بسبب تلك الدفعة القوية والعنيفة التي تلقتها "زينة" للتو، ولكن بالمقابل تلك الصرخة لم تقلل من غضبه وأخذ يدفع بها غير مُهتما لصرخاتها المتألمة بشدة ولم يرى بقعة الدماء الصغيرة تلك التى لطخت عضوه الذكري، لا يهتم سوى بتلك الدفاعات مُتأملًا أن تقلل من ألمه وعذاب صدره.

أتجهت يده نحو شعرها جازبًا إياه إلى الخلف مقربًا شفتاه من أذنها وهو لايزال بداخلها هامسًا ببكاء يحاول إخفائه بين دفعاته القوية:

- ليه يا زينة، ليه تعملي فيا كده؟ ليه تعملى زيها؟ دا أنا حبيتك وعشقتك أكتر منها! قولت إنك غيرها وإنك أحسن وأنضف منها! ليه تخونيني زيها يا زينة ليه؟

كانت غير منتبهة لحديثه، لا تستمع سوى لصوت دفعاته العنيفة التي تقسم إنها مزقتها من الداخل يليها صوت صراخها الذي يحمل الكثير من الألم بسبب تمزق ما بداخلها، وأيضا حلقها الذي جُرح بسبب كل هذا الصراخ، ولسوء حظها أن البناية جديدة و"مالك" أول ساكن بها.

بينما ظل هو يدفع بها إلى أن وصل إلى خلاصه، بمجرد أن أنتهى شعر بكثير من الغثيان وأسرع إلى المرحاض مُفرغا كل ما بمعدته بسبب كثرة كمية الخمر الذي تناولها، ولم يرى قطرات الدماء الذي أخذت تنسدل من بين قدمي "زينة".

بمجرد خروجه من الغرفة، صارعت هي راغمة نفسها على الأعتدال والنهوض من فوق الأريكة وهي بالكاد تستطيع التقاط أنفاسها من بين شهقاتها، مُلتقطه بعض المحارم من تلك العلبة فوق الطاولة، وأخذت تمسح تلك الدماء من فوق جسدها وألقطها داخل سلة القمامة.

نهضت مرتدية سروالها الدخليه وأنزلت فستانها وأسرعت فى الخروج من المنزل خشية من أن يعود إليها مرة أخرى ويفعل بها ما فعله مرة ثانية.

خرجت من شقته مُحطمة جدًا بداخلها، بسبب ما فعله بها وتلك الطريقة التي أفقدها بها عذريتها، ولم يكتفي بذلك بل قام معها بممارسة تلك العلاقة المقززة ولم يرأف عليها كونها لاتزال عذراء، صعدت سيارتها وهي بالكاد تسطيع أن تتحرك، من حسن حظها إنها أحضرت السائق معاها وإلل لكانت الأن ميته بسبب حادث مروع، أنطلق السائق مُتجها نحو منزل "جواد".

تجلس بالمقعد الخلفي وتبكي بكثير من القهرة والحزن، الأن فقدت كل شيء، لم تدوم سعادتها بكونها لاتزال عذراء وأن "إياد" لم يفعل معها شيئًا لتتلأشى فرحتها تحت أغتصاب "مالك" لها، تعالت شقتها بألم وكأنها تُصارع الموت الذي يقوم بسحب أنفاسها لخروج تلك الروح النقية من هذا الجسد المُدنس بسبب فعلة الرجل الوحيد الذي أحبتة، كم تتمنى الأن أن تفارق روحها جسدها لتتخلص من هذا الألم الذي يفتك بها وكانه يُمزقها من الداخل.

❈-❈-❈

دلف المنزل بعد أن عاد من شركته لإحضار أحد الملفات المهمة التي جلبها إلى البيت كي يراجعها، ولكنه نساها اليوم وهو ذاهب إلى العمل والأن عاد لأخذه، صعد الدرج مُتجهًا نحو غرفته وسريعًا ما فتح بابها حتى تفاجئ بتلك التي شهقت بمجرد أن رأته وسقط ما بيدها، أقترب منها "جواد" بشك، إنه غير مُعتاد على تواجدها بغرفته، تقدم عدة خطوات وزرقاوتيه لا تُفارق خاصتها مُستفسرًا:

- أنتي بتعملى أيه هنا؟

توترت "ديانة" كثيرًا من وجوده، لم تكن تتوقع أن يعود فى هذا الوقت وما زاد توترها هو سؤاله لها، ماذا تقول له؟ إنها لا تعلم سبب ما تفعله! فقد جائت لتبحث عن قلمًا، لا تعلم متى وكيف تطور الأمر لينتهي بها مُسمكة بقميصة تستنشق رائحته؟

كان موضوعًا على الفراش أمامها ومن الوضح إنه نسى أن يضعه فى سلة الثياب المتسخة، شعرت بالحاجة الشديدة لحمله واستنشاق رائحته، لا تعلم سبب هذا التصرف؟ اللعنة على تلك الرغبة التي وضعتها بمثل هذا الموقف المُحرج مع أكثر شخص تكرهه بهذه الحياة، حمحمت بحرج وتوتر مُحاولة إخفائه مُجيبة بتلعثم:

- كنت.. كنت بدور على قلم.

لاحظ توترها وتلعثمها فى الحديث ليُدرك أن هناك شيئًا ما، أقترب منها أكثر وأخذت هي فى العودة إلى الوراء وهي تشعر بكثير من الرعب من أن يغتصبها مثلما فعل من قبل، ظلت تعود إلى الخلف كلما أقترب منها إلى أن التصقت بالحائط خلفها، طالعها بنظرات شك مُستفسرًا:

- بتدوري على قلم فى قميصي؟

أزدادت ضربات قلبها وأصبح العرق يتصبب من جبهتها بسبب شعورها بالخوف الشديد من أقتربه منها، وتواجده معاها بنفس الغرفة ولا يوجد سواهما فى المنزل، وأيضا من سؤاله لها التي لا تملك له أية إجابة منطقية، بينما ظل هو يتنقل بنظراته تارة على زرقاوتيها وتارة أخرى على شفتيها وبالكاد يمنع نفسه عن التقاطهما بفمه، هتفت هي فى النهاية بأرتباك:

- لا، أنا لقيته واقع على الأرض فشلته عادي.

أبتسم وقد راقه كثيرًا رؤيتها على تلك الحالة وهي تتعرق من كثرة التوتر، وتلك الحمرة التي كست وجهها بأكمله بالإضافة لذلك التلعثم فى كلماتها، شعر بلذة غير مُفسرة، ليستمر فى مشاكستها هامسًا:
- مش ملاحظة إنك بقيتي بتدخلي أوضتي كتير؟

زاد توترها من بسبب ابتسامته الماكرة والتي جعلتها تشعر ولأول مرة بالرغبة الشديدة فى تقبيله، ما الذي يحدث لها اليوم؟ عضت على شفتيها بحركة لا إرادية منها لكى تسيطر على رغبتها وأفكارها المنحرفة تلك.

بينما حركتها اللا إرادية تلك كان لها تأثير أخر عليه ولم يعد يستطيع التحكم بنفسه أكثر من ذلك، التقط شفتيها بقبلة ممتلئة بالشغف والرغبة مُعبرة عن مدى إحتياجه لها.

ولم تمر ثوانٍ حتى فاجأته "ديانة" بتجاوبه، ومبادلته تلك القبلة رغمًا عنها، تلك الرغبة المُلحة هي من أجبرتها وما كانت تلك سوى مجرد بداية، إنها تشعر بتأجج رغبتها الأن وإحتياجها الشديد له، جسدها يشتاق لأول لقاء جنسي بينهم، تلك المرة التي فعلها دون عنف أو قسوة، تحتاج للشعور بلماسته فى ذلك اليوم.

بينما صُدم "جواد" من فعلتها التي بدت له وكأنها طلب صريح منها بحاجتها إلى المزيد، ليعمق من قبلته أكثر وأخذ يضمها إلى صدره وهي تبادله، ليصنعان قبلة مليئة بالشغف والإثارة مُعبرة عن مدى احتياج كلاهما.

أمتدت يده لمحاصرة خصرها وتمني لو يسمعها منها ولو لمرة واحدة، ليسألها بهيام وأنفاسٍ مُتثاقلة:

- عايزاني يا ديانة؟

وقبل أن يأخذها على الفراش ويُلبي إحتياجهما، منعه ابتعادها المفاجئ وتوجهها إلى المرحاض وإغلاق الباب خلفها بسرعة، تابعها ظنًا إنها تهرب منه ولكنه توقف عند سمعها وهي تُفرغ كل ما بمعدتها.

شعر بالحزن الشديد مُستنتجًا إنها قد تقيأت بسببه أو بسبب قربه منها وإنها بالفعل لا تطيق رائحته، ليتنهد بأسى ملتقطًا ذلك الملف الذي جاء من أجله، خرج من غرفته هابطًا الدرج وهو ينادي على العاملة التي سريعًا ما كانت واقفة أمامه تنتظر أوامره، هتف وهو يهبط أخر سلمة بحدة وجمود:

- ديانة تعبانة شوية فوق، أعمليلها حاجة سخنة وطلعيهالها.

أومأت له باحترام وسريعا ما ذهبت لتنفيذ أمره، بينما خرج هو من الفيلا مُستقلًا سيارته مُتجها بها إلى الشركة وهو يشعر بالغضب الشديد من نفسه لأنه هو من أوصل الأمور بينهما إلى هذا الحد ويجب عليه تحمل العواقب إذا.

❈-❈-❈

تجلس وعلى وجهها ملامح الحزن والأسئ تنتظر "إياد" الذي طلب منها أن يتفابلان بأحد المطاعم لتناول الغداء والتحدث فى أمرًا ضرورى، وما هي إلا دقائق وأتى ساحبًا كرسيه وجلس فى مقابلتها مُردفًا باعتذار:

- أنا أسفه جدًا على التأخير والله غصب عني.

أبتسمت له "ملك" بإقتضاب ويبدو عليها ملامح الحزن والأسئ وعدم المشاكسة الذي أعتاد على رؤيتها مُردفة برسمية:

- ولا يهمك متأخرتش كتير ولا حاجة.

للحظات ظن "إياد" إنها علمت بما حدث بينه وبين "زينة" وأن "مالك" أخبرها بما رأه، ولكنه سريعًا نبه نفسيه أن "ملك" لو كانت علمت شيء لما كانت أتت لرؤيته، ليُحاوا التأكد من تخمينه مُستفسرًا:

- مالك يا حبيبتى! شكلك زعلانة من حاجة؟

تنهدت بحزن وكأنها كانت تتمنى أن يفتح معها مجال لتتحدث، زفرت بحزن وقد ترقرقت الدموع بأعينها مُجيبة بضيق:

- مالك بقاله يومين سايب البيت، أخد شقة لوحده ومش بيسمح لحد يروحله ومش بيرد على تليفونات حد ولا بيطمنا عليه.

قالت هذه الكلمات وتهاوت الدموع من عينيها، ليلتقط "إياد" يدها مُحاولا التخفيف عنها وهو يشعر بكثير من الحزن لأجلها:

- طيب بطلي عياط طيب وقوليلي، مقلكوش حاجة! يعني مثلا ساب البيت ليه؟

حركت رأسها بالرفض وقد أزداد بكائها وتُحاول التحدث من بين شهقاتها:

- لا يا إياد مقالناش حاجة، زيها زي من كام سنه لما خلص كليته بردو جيه البيت مضايق جدًا ولم هدومه ومشى، وقتها فضل أعد لوحده بعيد عننا سنه كاملة ومكناش نعرف حاجة خالص ومرجعش غير لما وصله إن ماما تعبت، أنا خايفه أوي يا إياد، خايفه يبعد عننا تانى، أنا مش عارفه ماله أو حصله إيه؟

تنهد بأسئ وقد أصبح متأكدا بما كان يدور برأسه مُتمتمًا بتلقائية:

- أنا بقى عارف.

ضيقت ما بين حاجبيه بإستنكار مُردفة باهتمام:

- عارف إيه؟

أبتلع بقليل من الارتباك مستسلُما لأن يخبرها بما حدث، ولكنه كان قلق من أن لا تصدقة، ولكنه لأبد من إخبارها على أية حال، نظر لها بتوصل مُردفًا بمصداقية:

- أنا هحكيلك على كل حاجة