رواية تراتيل الغموض غانم وحلا كاملة جميع الفصول بقلم سوما العربي
رواية تراتيل الغموض غانم وحلا كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة سوما العربي رواية تراتيل الغموض غانم وحلا كاملة جميع الفصول صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية تراتيل الغموض غانم وحلا كاملة جميع الفصول حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية تراتيل الغموض غانم وحلا كاملة جميع الفصول
رواية تراتيل الغموض غانم وحلا كاملة جميع الفصول
فتقدم بخطوات ثابتة دون إصدار أي صوت و بلحظه طوق خصرها يحتضنها من ظهرها له .
فشههقت حلا عالياً و حاولت الإلتفاف لترى من ذلك المتحرش المتطاول كي تلقنه درس عمره و تصنع له عاهه مستديمة لكنها تفاجئت من تمسك ذلك الشخص بها قوياً يردد : شششش ... أنا جوزك ... ..غانم.
تصنم جسدها ، لا تعلم هل من أثر الكلمة ام من تلامس أجسادهما و أحتضانه الحار لها بتلك الطريقة .
و على سحرالضوء الخافت للغروب وقف يضمها لها و يده تمر على سائر جسدها و قد تعجد ما بين حاجبيه بإستغراب شديد ، لشعوره بمشاعر غريبة و جديده داهمت بشراسة كل جسده و هز رأسه مستنكراً يسأل عن ماهية تلك المشاعر التي يشعر بها الآن ، فليست تلك أول مرة يلمس فيها سلوى او يضمها له .
و بدأ قلبه يخفق بغرابة و سرعة شديدة عن المعتاد و يداه تزيد من ضمها له حتى أن أظافره كانت تغرز في لحم ذراعها .
و حلا تغمض عينها برعب تعلم بسوء التفاهم الحادث و أنه يعتقدها سلوى زوجته و من الصدمة و الخوف لم تستطع إتخاذ أي رد فعل و بقت متصنمة في أحضانه جاهلة طريقة التصرف ، لكنها حاولت التملص من بين ذراعيه لتبتعد عنه و توضح الأمر .
إلا أنه كان تحت تأثير ذلك الإحساس الشرس الجديد عليه ، يزيد من غرز أصابعه و أظافره في جسدها يضمها له مجدداً و قد بدأ يمرمغ أنفه في شعرها يردد بإستغراب متفاجأ : و أخيراً تخنتي شوية زي ما بقالي سنين بقول ، أهو ده العود إلي كان نفسي فيه و هموت عليه ، لحقتي تعملي كده في أسبوعين.
حاولت مجدداً التملص من بين ذراعيه متسعة الأعين بذعر شديد ليثبتها مجدداً بقوة فبدى و كأنه قد سلب منه عقله لأول مرة و قد عاود مرمغة أنفه في شعرها مردداً : حتى ريحتك أتغيرت ، بقت تجنن .
أنهى كلمته و هو يسحب كمية كبيرة من رائحة عرقها لأنفه و صدره و هو يغمض عيناه بتيه شديد مندمج بتلك الحالة الغريبة التي سحبته لدوامة يقع فيها لأول مرة و لم يخرجه منها سوى صوت العم جميل يردد : يا غانم بيه ، يا غانم بيه، الحق عمتك صفاء يا بيه .
أبتعد العم جميل عن مقدمة باب المطبخ و هو يرى سيدة يحتضن امرأته و وقف جانباً يكمل بينما يخفض عينه أرضاً: الحق يا بيه .
لم يرغب غانم في الأبتعاد عنها الآن خصوصاً بعدما شعر و لأول مرة بتلك المشاعر التي لطالما سمع عنها و لم يجربها يوما لكن صوت جميل لم يتوقف بتاتاً و لم يرحمه .
فمال عليها يقبل عنها المرمري الظاهر ثم قال : هرجع لك تاني و نبقى في أوضتنا براحتنا ، حتى تكون الكهربا رجعت.
رواية خان غانم
الفصل الأول
بقلم سوما العربي
_ يا خسارة الحراس مش موجودين .
نظرت حلا لصديقتها مستغربة ثم سألت : و مالك متضايقة كده ؟
زمت صديقتها شفتيها بضيق و قالت: ده معناه أن غانم بيه مش هنا .
تقدمت معها حلا لكنها مازلت مستنكره و سألت : أشمعنى ؟
تأبطت غادة ذراع حلا تسحبها معها للداخل و هي تفسر : أصل كل الحرس إلي بتبقى هنا مش عشان تحرس أي حاجة أو أي حد غيره هو و بس .
جعدت حلا ما بين حاجبيها فأكملت غادة : أيوة ما تستغربيش ، هو معروف عنه إنه مش بيخاف على أي حاجة غير نفسه ، أصله عنده مشاكل كتير و ألف من عايز رقبته .. رقبته هو و بس مش حد غيرو .
فقالت حلا : يمكن عشان عارفين إن مالوش عزيز و لا غالي.
هزت غادة رأسها إيجاباً و قالت : أيوه.
حلا : و مالك بتقوليها و أنتي هيمانة على نفسك كده؟!
نظرت لها غاده وقالت بصوت حالم جدا : ما انتي أصلك مش عارفة مين هو غانم صفوان غانم، ستات و بنات الخان كلهم يتمنوا نظره منه ، اه بس لو ما كانش متجوز
رفعت حلا هيجيبها الأيمن وسألت : هو متجوز؟
مطت غادة شفتيها بضيق وقالت : ايوه ومراته يا ساتر يا رب عليها.... هي مش وحشه بس مش طيبه بردو ... تحسيها بحالات وما لهاش مالكه ، يلا اما نشوف هتخلف المره دي ولا هتسقط زي كل مره
حلا : يعني ايه اللي بتقوليه ده ؟ تسقط زي كل مره ازاي ؟
قرصتها غاده في خصرها وقالت : شششش.. بس عشان وصلنا اسكتي .
وقفت وهي تضم ذراعيها امام معدتها تشعر بنظرات تلك السيده تخترقها من كل الجوانب ، تنظر لها وهي تمرر عيناها عليها من اسفل لاعلى ثم قالت : أنتي متأكده ان أنتي الخدامه الجديده !
صكت حلا اسنانها في الخفاء ، لا تستصيغ تلك الكلمه عليها لكنها اخذت نفس طويله وحاولت التظاهر بالحلم والهدوء ثم قالت : ايوه أنا
فعضت تلك السيده باطن فمها من الداخل وهي تقول : بس ده مش منظر خدامه ابدا
تدخلت غادة سريعا وقالت : ليه بس يا ست سلوى ، على فكره دي حلا شاطره قوي
احتدت اعين سلوى مرددة: وكمان اسمها حلا
اقترب منها شاب عريض المنكبين وطويل ثم قال لها بصوت خافت : ماعلش يا ست سلوى ، احنا مضطرين ، سيبيها تشتغل ومشي حالك بيها اسبوع ولا اثنين على ما نلاقي واحده غيرها
رفعت سلوى انظرها له وقالت بحده : انت مش شايف منظرها عامل ازاي يا كرم ؟
ردد كرم وأنظاره على حلا يقول بإعجاب واضح : شايف فرسه يا ست سلوى... فرسه
وقفت حلا مرتبكة وهي تشعر بأنظار ذلك الشاب عليها بينما صرخت فيه سلوى بصوت عالي : انت بتقول إيه انت كمان
حمحم كرم وقال باستدراك : لا ولا حاجه انا بس رأيي ان انتي تتقبليها اليومين دول لحد ما نشوف غيرها ، البيت كبير وانا ما بقتش سادد على التنظيف والطبيخ انتي عارفه، وبعدين البيه لسه قدامه فتره على ما يرجع نكون شوفنا غيرها هو لما بيطلع الطلعة دي ما بيرجعش قبل شهر
سلوى لمده دقيقه كامله ثم قالت بعد تفكير : أمري لله
ثم نظرت لحلا و سألتها : معاكي تعليم ايه ؟
لتجاوب حلا على الفور : دبلون تجارة
أعوجت على الفور رقبة غادة تنظر لحلا بصدمه وكأنها تسألها لما انكرت إنتسابها للجامعه ، لتنظر لها حلا بنظرات محذره فصمتت غاده ولم تنطق .
نظرت سلوى إلى كرم الذي كان يتنهد بإرتياح ثم عادت لتنظر الى حلا وسالت : وأنتي بقى عايشه هنا في الخان ولا منين ؟
حلا : لا أنا من السيدة زينب .
سلوى : هممم تمام ،هنجربك الاول ونشوف ، وبما انك مخلصه تعليم ما فيش أجازات خالص وخصوصا يوم الجمعه ، انا بعرفك من البدايه عشان لو مش عاجبك ولا حاجه
نظرت غادة الى حلا كانت تنتظر رفضها القاطع لكن حلا هزت رأسها وقالت : موافقه بس الشغل من الساعه كام للساعه كام
حسبت سلوى حسبتها سريعاً تتجنب مواعيد عودة غانم من الخارج وقالت لها : من الساعه 10 الصبح للساعة 4 .
ابتسمت لها حلا وقالت : أيوه بس ده مش كثير شويه
سلوى : هنتشرط بقى من أولها ، ده احنا حتى لسه هنشوف شغلك في الأول
سحبت حلا نفس عميق تحاول التحلي بالثبات والصبر ، كل ما يقال ويحدث هنا لا تستطيع استصاغته او تمريره لكنها توفقت في الوصول الى درجة عاليه من درجات ضبط النفس وقالت لها : خلاص تمام
تطلعت لها سلوى بنظرات غير مرتاح لها
ثم قالت لها : تمام يبقى تروحي من دلوقت تبدأي تنظيف ، البيت بقى له يومين مش متنضف وكله تراب وتاخذي بالك من مية المسيح مش عايزه فيها اي حاجه تظفلت
وضعت سلوى يدها على معدتها وقالت متنهده : اصل انا حامل جديد ولازم احافظ على نفسي
ابتسمت لها حلا بالسماجه ثم قالت : حاضر .
لنم تستطيع سلوى الصمت كثيرا أردت أن تغادر تلك الفتاه حالا، لا تشعر حيالها باي راحه فسادت من طلباتها وقالت واعملي حسابك مش هتروحي النهارده غير لما تخلصي تنظيف البيت كله ويبقى بيلمع
ساد الصمت في المكان و الكل انتظر رفض حلا القاطع لكن للصدمه انها قالت : حاضر
عادة سلوى تنظر لها نفس النظره الغير مرتاحه لكنها كما قال كرم مضطره وقفت عن مقعدها وغادرت دون التفوق بأي كلمة أخرى، فصعدت لغرفتها تغلقها عليها
وتوقفت حلا تنظر حولها بضيق شديد فاقتربت منها غادة وقالت : يا صبرك انا قولت بصراحه إنك هترفضي ، ده ما فيش ولا يوم أجازه
نظرت حلا بجانب عينها على كرم ثم عاودت النظر الى غادة وقالت : هاعمل ايه بس الحوجة مره يا غادة، اكل عيشي عايز كده ،يالا أمشي أنتي ماتتأخريش وتلاقي مواصلات .
نظرت لها غادة بقلق ثم سألت: طب وانت هتروحي إزاي ؟
حلا : مش لما اخلص تنظيف البيت ده كله الاول زي ما الست أمرت، روحي أنتي يا غادة، روحي.
هنا تدخل كرم قائلا : روحي أنتي يا آنسة غادة وما تقلقيش انا هابقى اوصل حلا
نظرت غادة لذلك الشاب الوسيم تردد داخلها : هي حلا وأنا آنسه .
مطتت شفتيها بضيق ثم قالت: ماشي سلام عليكم
غادرت غادة ووقف كرم لجوار حلا : يردد بصراحه انا ما توقعتش انك توافقي على كل ده بس كويس انك وافقتي ، هي كانت بتطفشك
ألتفت حلا تنظر الى كرم وسألت : وتطفشني ليه ؟
ابتسم كرم يقول لها : تطفشك ليه ؟ أنتي ما عندكيش مرايات في بيتكم ولا ايه؟ ده أنتي بسم الله ما شاء الله يعني ، والست سلوى بتموت في غانم بيه وتغير عليه من الهوا ، دي عملت الالي عشان تعرف تتجوزه
نظرت حلا لكرم مطولاً ، يبدو ان ذلك الشاب يعرف الكثير عن تلك العائلة ف خصته بابتسامة منعشة ثم قالت : شكلك طيب يا كرم مش تحب اقول لك يا كرم ولا عايز قبلها حاجات و كدة يعني أنا بقول إن إحنا خلاص بقينا زمايل في شغل واحد
ابتسم لها كرم ببلاههة وقال : لا دي أحلى كرم سمعتها أقسم بالله .
ضحكت حلا وقالت : طب تعالى يا كرم وريني ابدا منين
أخذها كرم يعرفها على بعض غرف البيت لتعلم من أين ستبدأ.
انقضى النهار و هي مازالت مستمرة في التنظيف ، تنتهي من غرفة ثم تشرع في التالية حتى أُنهكت كل قواها .
دلفت للمطبخ و هي تمسح حبات العرق التي تتصبب من كل خلايا جسدها حتى أن ملابسها تشربت بها .
أخذت تتطلع حولها تبحث عن كرم لتطلب منه شيء تشربه يساعدها على إبتلال حلقها الذي جف و ربما أنعش جسدها المنهك خصوصاً و هو غير معتاد على الشقاء ، لكنها لم تجده .
فوقفت تصب لنفسها كأس من العصير في اللحظه التي أنقطعت فيها الكهرباء عن البيت .
نظرت حولها تحاول الثبات خصوصاً و أن الجو لم يكن معتم تماماً فالشمس في أخر مرحلة من مراحل الغروب.
لذا وقفت تقلب الكأس و هي تودع شمس ذلك اليوم بنظرات متعاقبة المشاعر.
قبل ذلك بلحظات .
تقدمت سيارة لاندكروزر من اللون الأسود يقودها مالكها، تشق الطريق الممهد تماماً في الخان.... خان غانم
نسبة لغانم بيك الكبير جده و صاحب كل تلك الأرضي على مدد النظر بما تحتويه من بيوت و مصانع للطوب و الزجاج و تصنيع اللحوم كل سكان الخان ما هم إلا عمال لديه .
و خلفه أكثر من سيارة ممتلئة بحراس شخصيين له هو .
توقف امام باب البيت ينظر عليه ثم يزم شفتيه بملل و سأم خصوصاً و هو يتذكر حديث والد زوجته معه صباح اليوم في الهاتف فكان يدوي في أذنه من جديد صوت صابر ( ينفع كده يا غانم تزعل منك سلوى ، لأ لأ لأ ، لازم تصالحها و تدلعها ما تنساش أنها حامل في أبنك و الزعل غلط على الحمل و لا عايزها تسقط زي كل مره بقاااا)
ترجل على الفور من سيارته يخلع نظارته السوداء من على عيناه ثم دلف للداخل بعدما توقف رجاله و قد استوطن كل فرد في مكان حراستة و بقا "العم جميل " حارس والده و حارسه بالوراثة واقفاً بالخارج.
و دلف غانم للبيت الذي عمه السكون ، يعلم أن لا أحد هنا غير زوحته و كرم الطباخ ابن العم جميل.
يعلم أن لا أحد بانتظاره خصوصاً و قد عجل موعد رجوعه نظراً لتغير بعض الظروف .
كان سيصعد السلم لولا أستماعه لصوت خفيف قادم من المطبخ فدلف إليه يجعد ما بين حاجبيه و هو يرى جسد أنثوي موليه ظهره.
تشنج فكه بإبتسامة متكلفة و تحامل على حاله كثيراً ينتوي مصالحتها و تدليلها لكونها حامل .
فتقدم بخطوات ثابتة دون إصدار أي صوت و بلحظه طوق خصرها يحتضنها من ظهرها له .
فشههقت حلا عالياً و حاولت الإلتفاف لترى من ذلك المتحرش المتطاول كي تلقنه درس عمره و تصنع له عاهه مستديمة لكنها تفاجئت من تمسك ذلك الشخص بها قوياً يردد : شششش ... أنا جوزك ... ..غانم.
تصنم جسدها ، لا تعلم هل من أثر الكلمة ام من تلامس أجسادهما و أحتضانه الحار لها بتلك الطريقة .
و على سحرالضوء الخافت للغروب وقف يضمها لها و يده تمر على سائر جسدها و قد تعجد ما بين حاجبيه بإستغراب شديد ، لشعوره بمشاعر غريبة و جديده داهمت بشراسة كل جسده و هز رأسه مستنكراً يسأل عن ماهية تلك المشاعر التي يشعر بها الآن ، فليست تلك أول مرة يلمس فيها سلوى او يضمها له .
و بدأ قلبه يخفق بغرابة و سرعة شديدة عن المعتاد و يداه تزيد من ضمها له حتى أن أظافره كانت تغرز في لحم ذراعها .
و حلا تغمض عينها برعب تعلم بسوء التفاهم الحادث و أنه يعتقدها سلوى زوجته و من الصدمة و الخوف لم تستطع إتخاذ أي رد فعل و بقت متصنمة في أحضانه جاهلة طريقة التصرف ، لكنها حاولت التملص من بين ذراعيه لتبتعد عنه و توضح الأمر .
إلا أنه كان تحت تأثير ذلك الإحساس الشرس الجديد عليه ، يزيد من غرز أصابعه و أظافره في جسدها يضمها له مجدداً و قد بدأ يمرمغ أنفه في شعرها يردد بإستغراب متفاجأ : و أخيراً تخنتي شوية زي ما بقالي سنين بقول ، أهو ده العود إلي كان نفسي فيه و هموت عليه ، لحقتي تعملي كده في أسبوعين.
حاولت مجدداً التملص من بين ذراعيه متسعة الأعين بذعر شديد ليثبتها مجدداً بقوة فبدى و كأنه قد سلب منه عقله لأول مرة و قد عاود مرمغة أنفه في شعرها مردداً : حتى ريحتك أتغيرت ، بقت تجنن .
أنهى كلمته و هو يسحب كمية كبيرة من رائحة عرقها لأنفه و صدره و هو يغمض عيناه بتيه شديد مندمج بتلك الحالة الغريبة التي سحبته لدوامة يقع فيها لأول مرة و لم يخرجه منها سوى صوت العم جميل يردد : يا غانم بيه ، يا غانم بيه، الحق عمتك صفاء يا بيه .
أبتعد العم جميل عن مقدمة باب المطبخ و هو يرى سيدة يحتضن امرأته و وقف جانباً يكمل بينما يخفض عينه أرضاً: الحق يا بيه .
لم يرغب غانم في الأبتعاد عنها الآن خصوصاً بعدما شعر و لأول مرة بتلك المشاعر التي لطالما سمع عنها و لم يجربها يوما لكن صوت جميل لم يتوقف بتاتاً و لم يرحمه .
فمال عليها يقبل عنها المرمري الظاهر ثم قال : هرجع لك تاني و نبقى في أوضتنا براحتنا ، حتى تكون الكهربا رجعت.
اخذت حلا تهز رأسها بجنون ربما تحفز على الإبتعاد و قد أبتعد أخيراً بالفعل و ذهب مع العم جميل.
و هي سقطتت أرضا بعدما ذابت قدميها و لم تعد تحملانها و جلسة على أرضية المطبخ تتنفس بصعوبة و قد أحمر وجهها.
بينما يخرج غانم من البيت على مضض و هو يسأل العم جميل: طبعاً متخانقه مع جوزها تاني و الخان كله أتفرج عليهم.
جميل: ايوه يا بيه.
أشعل غانم سيارته و قال : هات الرجاله و تعالى ورايا و كلم الناس شوفوا الكهربا قاطعه ليه ، خليهم يرجعوها في أسرع وقت.
جميل : حاضر يا بيه
ثم أستقل سيارته و غادر سريعاً خلف سيارة غانم التي بدأت تنهب الطريق متجه لبيت عمته.
في المطبخ.
دلف كرم في اللحظة التي عادت فيها الكهرباء ليصدم بحلا و قد افترشت أرضية المطبخ و على وجهها أمارات الخوف الشديد .
فمال عليها يسأل : حلا .. مالك كده ، فيكي إيه ؟
رفعت أنظارها له و قالت : عايزه أمشي من هنا ، عايزه أمشي.
هز كرم رأسه بتأكد يحاول طمئنتها و لم تمر ربع ساعه إلا و قد ساعدها على مغادرة المكان و قد وعدها بأن يتولى هو أمر السيدة سلوى .
فخرجت من الخان في سياره أجرى ممتلئة بالركاب تنظر من شباك السيارة و هي تسأل نفسها: مالك اترعبتي كده لما قرب منك بس أمال هتسرقيه إزاي يا بس ، و عاملة فيها شجيعة أوي و ناصحة .
في نفس الوقت الذي دلف فيه غانم للبيت و قد عاد و معه عمته صفاء التي قالت : سايق عليك النبي لا تسيبني أرجع يا غانم.
نظر لها غانم بغضب و قال : ترجعي فين تاني بعد ما هانك و بهدلك كده ،الراجل ده انا سكت له كتير و ماحدش حايشني عنه غيرك ، ده بيهين بنت الحاج غانم ست ستات الخان ده كله و ولي نعمته.
نظرت له صفاء بحزن و هو يسحبها معه بهدوء لداخل البيت ثم قالت : عشان العيال أعمل ايه ، ده هاني و مي ماشاءالله كبروا.
غانم : أديكي قولتي بنفسك ، كبروا ، تعالي أدخلي.
ثم رفع صوته و بدأ ينادي : سلوى ، سلوى.
زمت صفاء شفتيها و قالت : بتناديها ليه بس ؟
نظر لها غانم مردداً: تيجي تسلم عليكي و تشوف طلباتك، إيه لسه مش بالعاها .
صفاء: أنا مش بكرهها بس مش بحبها و هي كمان ما تفهملهاش حال ، و مابحبش جواز المصالح ده .
قطعت حديثها في نفس اللحظه التي ظهرت فيها سلوى على الدرج و قد صدم غانم و هو ينظر لها يرى جسدها الممشوق كعارضات الازياء يتبختر أمامه فكاد أن يجن و هو يردد : هي رجعت لعود القصب المعصعص تاني ، لحقت؟
استمعت له صفاء فضحكت مرددة : ياما حاولت و ما نفعش.
بدأت سلوى تتقدم من غانم و الأشتياق قد بلغ مبلغه منها فأقتربت منه بلهفه تردد : غانم حبيبي ،أيه المفاجأة الحلوة دي ، مش كنت تقولي إنك راجع النهاردة.
بادلها غانم الحضن وهو ينظر لها بإستغراب ، رائحتها التي يعرفها هي هي لم تتغير .
اخذت تحدثه بحماس شديد و هو ينظر لها بجنون فأين ذلك الجسد الممتليئ الغض الذي كان يحتضنه من دقائق قليلة جداً و رائحة ذلك الجسد الذي أذهبت عقله و ألهبت حواسه .
هو متأكد أنه لم يكن حلم لقد أحتضنها بين ذراعيه و أشتم رائحتها .
كان على مشارف الجنون و سأل: إنتي رفيعتي تاني أمتى يا سلوى.
فضحكت عمته ساخره و قالت : و هي كانت تخنت قبل كده يا عنيا ما هي كده من يوم ما دخلت بيتنا
لتكمل سلوى بحاجب مرفوع: أيوه فعلاً طول عمري مانيكان .
لتعلو ضحكت صفاء المتهكمة بينما خرج غانم قبلما يخرج عن شعوره فعلياً و ذهب إلى غرفة جميل يناديه حتى خرج له.
العم جميل: خير يا بيه ؟
غانم : جميل .. إنت لما جيت تناديني من المطبخ عشان عمتى صفاء أنا كان معايا حد.
حمحم جميل و نظر أرضاً يقول : أيوه يا بيه ، كان معاك المدام.
رفع غانم رأسه لأعلى بجنون و هو يشد خصلات شعره حتى كاد أن يقتلعها من جذورها و هو يتأكد أن ما حدث كان حقيقة و لم يكن حلم من أحلام اليقظة التي لطالما تمناها .
و بقى السؤال من تلك التي كانت في أحضانه و بين ذراعيه و قد حركت كل تلك المشاعر والأحاسيس التي ظن أنه قد خلق بلاها.
************
يا ترى إيه إلي هيحصل ؟
و غانم هيقابل حلا تاني ؟
و لو قابلها هيعرفها ؟
و لو عرفها هيعمل أيه؟
و هي هتروح تاني البيت و لا خلاص كده خافت؟
و يا ترى حلا ناويه على أيه و عايزه تسرقه ليه ؟
↚
دلف للبيت مجدداً و هو على شفا الجنون.
إذاً ما حدث كان حقيقاً ، لم يكن حلم أو يهيئ له .
انقلب حاله تماماً ، لقد جُن على الأخير ، يريد أن يعرف من هذه ، بل و متلهف لذلك.
كانت عمته و زوجته في أنتظار كرم الذي ينهي وضع الصحون للعشاء .
فدلف بوقتها گ المجنون ينادي زوجته
غانم : سلوى.... سلوى .
ألتفت له في التو و هي تردد : نعم يا حبيبي .
غانم : في حد غريب دخل البيت النهاردة ؟
سلوى : حد ؟ حد زي مين .
غانم : واحده ، ست .. بنت .
لم تبالي سلوى كثيراً و لم تهتم و ردت : لأ.
زاد جنونه و عصبيته و هو يردد : إزاي ، أنا متأكد أن في بنت كانت هنا من شويه .
ليتدخل كرم في الحال و هو يجيب : ايوه ، دي الخدامة الجديدة.
صُدم غانم ، لا بل صعق ، لا يستطيع التخيل حتى ، فهل كل ماشاعر به حينها كان مع خادمه ؟!
وقف مبهوتاً لا يستطيع التفكير ، ربما قد توقف عقله عن العمل
ينظر ليديه وذراعيه هل كان منذ قليل يحتضن الخادمه .
وضع يداه يغرزهم في جذور شعره كاد أن يقتلعهم من مكانهم ، بينما تنظر له سلوى مستغربه وهي تسال : في ايه يا غانم بتسال عن البنت دي ليه هو حصل حاجه
هز غانم رأسه بجنون للأن لا يستطيع التصديق وسأل من جديد : طب وهي فين دلوقتي ؟
سلوى : المفروض ان هي هنا ، انا قولت لها ما تروحش الا لما تخلص تنضيف البيت كله .
لكن تدخل كرم مجددا وقال : معلش اصلها تعبت وكان لازم تروح فانا قلت لها تروح وتبقى تيجي بكره تكمل ، أااا .. أحسن ما كانت تتعب لنا هنا يعني ونحتاس بيها مش كده ؟
كان ينظر الى سلوى مترقباً يدعو ان تتغافل عن الامر فالفتاه كانت متعبه حقا ، لم تكن تستطيع اكمال مهامها وهو يعرف سلوى جيدا لن تتركها وشأنها الا بعدما تنظف كل ذرات التراب الموجوده في البيت
وقد اشفق كثيرا على هذه الفتاه
فقالت سلوى : اه وانت بقى اللي بقيت تقول من يفضل و مين يمشي يا استاذ كرم ؟
كرم : البنت كانت تعبانه يا ست سلوى و الشغل كتير مانتي عارفه البيت كبير عليها .
سلوى: أمممم ... من أمتى حنية القلب دي يا سي كرم .
هنا تدخل غانم وقال : خلاص هنسيب اللي ورانا ونسيب العشا عشان نقعد نتكلم ونجيب في سيره الخدامين جرى ايه يا سلوى يلا يا كرم على شغلك
اكرم سريعا وذهب للمطبخ بينما جلس غانم في مقدمه السفره يشرع في تناول عشائه وهو ينوي عدم التفكير في تلك الخادمه وربح نفسه كثيرا على تلك اللحظه التي عاشها
وضع الطعام في حلقه يمدمه وكل ثانيه يهاجم عقله لذلك الشعور القوي الذي دهمه حينما كانت بين ذراعيه يشتم رائحتها لكنه سب نفسه مرارا وذكر حاله انها خادمه
في صباح اليوم التالي
وقفت حلا امام المرأة تعيد تسريح شعرها ،تجمعه على هيئه كحكة فوضاوية رغم كونها دوما تفضل ان تطلق له العنان.
لكن الظروف الحاليه لا تسمح بذلك فهي ذاهبة للعمل في بيت غانم صفوان غانم بنفسه لذا تأنقها المعهود غير ملائم حالياً.
في تلك الأثناء فتحت والدتها الباب تقف خلفها وهي تنظر لها بغضب شديد .
ثم قالت: هو صحيح الكلام اللي غادة قالتهولي ده
سحبت حلا نفس عميق ثم قالت : كلام ايه يا ماما
سميحة : أنتي روحتي اشتغلتي في خان غانم
التفت لها حلا وقالت : ايوه يا ماما حصل
لطمت سميحه وجنتيها ها وقالت : يا نهار ابيض.. اهو ده اللي انا كنت خايفه منه .... انا كنت عارفه من زمان انك هتعملي كده ده ، سكوتك ده ما كانش بالساهل واسرارك ان احنا نيجي ونعيش في القاهره برده ما كانش بالساهل دماغك كان فيها تخطيط تاني يا بنت بطني مش كده .
حلا : أيوه.. زي ما قولتي بالضبط ، دماغي فيها تخطيط تاني ومش هامشي الا لما اخد منه كل اللي انا عايزاه
سميحه : هو انت فاكره نفسك قد غانم ده ياكلك يا حبيبتي ، يبلعك من غير ما يحس حتى ، انت مش قد غانم صفوان ، دي رنا اللي بنقول عليها داهيه من دواهي الزمن ما أخدتش في أيده غلوه وفي الاخر أنتي نفسك شوفتي اخرتها كانت ايه .
أطبقت حلا عيناها بحزن شديد فقد داهمتها كل ذكريات الاعوام السابقه .
حبست الموع في عيناها تتذكر تلك الاحداث جيدا وما تعاقب وترتب عليها بعد ذلك.
سحبت نفس عميق تحاول ألا تبكي بينما تحدثت سميحه وقالت برجاء : استهدي بالله يا بنتي وسيبك من اللي في دماغك ده وتعالي نرجع الزقازيق من تاني احنا ما لناش عيش هنا .
فتحت حلا عينيها وقالت لها ' زقازيق اللي ترجعيلها يا امي احنا أترضنا منها ومشينا هربانين في عز الفجر ولا ناسيه
سميحه : خلاص بلاش الزقازيق يا ستي.. نعيش هنا بس بلاش غانم و خان غانم .. اوعي تروحي هناك، وبعدين تعالي هنا انت ازاي تقبلي على نفسك انك تشتغلي خدامه انت ناسيه انتي بنت مين وكنتي عايشه عيشه عامله ازاي
ولتها حلا ظهرها تعيد ضبط الكحل في عينيها وهي تردد بسخريه واستهزاء : أهو أنتي قولتيها بنفسك يا أمي كنت ..كنت وما بقتش .. دلوقتي احنا في عيشه تانيه وفي مستوى تاني ولازم نتتأقلم عليه وبعدين ما تقلقيش الشغلانه دي مؤقته ان شاء الله مش هاكمل اسبوعين فيها
نظرت لها سميحه بغضب وقالت : طب طالما الكلام مش جايب معامي فايده تبقي مش هتخرجي يا حلا ، على جثتي إن خرجتي من البيت ، انا مش هاسيبك لما هيحصل فيكي زي ما حصل لرنا.
سحبت حلا حقيبتها وقالت لها : لأ هتسيبيني يا أمي .. انا لازم اخرج دلوقتي
سميحه : هو انت فاكراني باقول كلام وخلاص انت مش هتخرجي يعني مش هتخرجي .. ولما نشوف بقى يا انا يا أنتي يا حلا .. و لا فاكره نفسك كبرتي عليا .. انا بقى قاعده لك اهو اما اشوف ايه اللي هيحصل
بالفعل نفذت سميحه ما قالت و لم تسمح لحلا بالذهاب بقدميها لغانم كغزالة جميلة سهلة الاصطياد
في بيت غانم
جلسه وهو يهز قدميه بتوتر
أصبحت الساعه العاشره صباحا وللآن لم تاتي تلك الخادمة
وقف لجواره العم جميل يسال : هو في حاجه يا ولدي
رفع غانم أنظاره للعم جميل يسأل : حاجة إيه ؟
جميل : اصل يا ولدي الساعه عدت عشره مش عوايدك تتأخر عن الشغل كده .. مصنع الطوب فيه هناك مشكله وطالبينك تحلها
غانم : مشكله ؟ مشكلة ايه ثاني على الصبح
جميل : اللي ما يتسمى اللي اسمه صلاح عيسى عمال يضرب فينا اسةفين.. ده عمال يسحب العمال عندنا واحد ورا الثاني و اللي يمشي ياخد صاحبه معه ..الراجل ده مش ناوي يجيبها لبر معك يا ولدي
صك غانم اسنانه بغضب وهو يردد : صلاح عيسى ... صلاح عيسى .. تاني صلاح عيسى وبعدين بقى .
جميل : باينه يا ولدي مش ناوي يجيبها لبر... المره اللي فاتت العركه اللي بينكم خلصت في القسم وشكله مش ناوي على خير احنا كل يوم والتاني نمسك واحد تبعه مزروع وسط رجالتنا .
صمت غانم يفكر في حديث العم جميل ثم عادت تلك الذكرى وذلك الحضن الدافئ يدةهم مشاعره من جديد و يغفزوها بضراوه ليسأل : هو ما فيش حد جه على البوابه بره يا عم جميل
جميل : لا يا ولدي، انت مستني حد
غانم : هااا ..أا .. اه ايوه بيقولوا في خدامه جات هنا جديدة... فلازم اشوفها... ما انا مش هاسيب اي حد كده يدخل في قلب بيتي من غير ما أقيمه ..مش كده ولا ايه يا عم جميل ؟
جميل : أيوه يا ولدي عندك حق .. انا هاقول لكرم اول ما تيجي يبلغني خبر .. ولو انها تاخرت يمكن مش جايه تاني
انتبه غانم لكلمة العم جميل .. يفكر هل لن تأتي من جديد ؟
لا يعلم لكن داخله رغبة ملحة في رؤيتها ، يريد أن يعلم من فعلت به كل هذا و هل هي جميلة ؟
صمت يترك راس أرضاً ، ربما من الافضل ان لا تأتي وربما اغيضا افضل له ان يغادر الآن ويذهب الى عمله
بالفعل وقف على مضض وذهب مع العام جميل وكل الحراس الى مصنع الطوب ليجد حل لتلك المشكله الجديده التي لا ينفك منافسه عن صنعها له .
فهو وصلاح عيسى دوما في صراع لا يهدأ ابدا و لا ينتهي .
بعد الظهيره
كانت حلا تجلس على احد الارائك امام والدتها وهي تفرك بقدميها ويديها تحاول مع والدتها من جديد ثم قالت : طب بدسبيني أخرج عندي امتحان دلوقتي في الكليه لازم اروح.
نظرت لها سميحه بحاجب مرفوع وقالت : والله الامتحان طلع كده فجاه وكنتي هتروحي الامتحان ازاي وانتي لابسه عشان تروح الشغل في خان غانم
حلا : يا ماما بقى ... اللي بتعمليه ده ما ينفعش وبعدين والله يا ستي باحلف لك انا عندي امتحان في الكليه ولازم اروح
وقفت سميحه بغضب وقالت : قولت لك ما فيش مرواح .. هو انتى فاكراني بقول كلام وخلاص ولا يمكن فاكره نفسك كبرتي عليا... انا داخله اعمل الغداء قومي غيري اللبس اللي انت لابساه ده عشان ما فيش خروج وتيجي ورايا حصليني عشان تساعديني
ذهبت سميحه للمطبخ تستعد لإعداد الغداء كما قالت لابنتها بينما جلست حل تنظر لأثرها بضيق تفكر .
ثم وقفت عم مقعدها وسحبت حقيبتها بخفه و تسحبت للباب تعرف ان والدتها ستثور ثورتها ما ان تكتشف الامر لكنها لا تملك اي خيار آخر سوى تنفيذ ما برأسها لذا أسرعت مهروله تتجه الى الطريق الذي إختارته مسبقاغ
بعد حوالي ساعه كانت قد استطاعت الوصول الى بيت غانم ودلفت من البوابه التي لم يكن عليها حراس هذه المره ايضا لتعرف انه لا يوجد بالداخل مما جعلها تهدأ قليلا .
فهي منذ الأمس كلما تذكرت ما حدث بينهما في المطبخ واحتضانه لها تداهمها مشاعر كثيره جداً.
تذكر تلك القشعريرة التي دبت في جسدها وذلك الخوف يمتزج بلذه جديده عليها
حاولت الهرب من كل تلك الافكار.. الا تفكر بها و لتركز على اهدافها التي جاءت هنا لأجلها فدلفت للداخلو وجدت سلوى تجلس على احد بيدها كأس من العصير
كان الباب مفتوح لا يحتاج للطرق لذا دخلت على استحياء تردد : السلام عليكم
نظرت لها سلوى من اسفل الاعلى ثم قالت بعدم الرضا : عليكم السلام .. حمد لله على السلامه يا حبيبتي ... ما لسه بدري
حاولت حلا التحلي بطول البال و الهدوء ثم قالت : ماعلش غصب عني.. أصلي نسيت اظبط المنبه وكمان كان في زحمه
وقفت سلوى من مكانها وقالت بحده : منبه ايه وزحمه ايه . انتي جايه لي بحجج من اول يوم .. مش كفايه امبارح مشيتي من غير ما تخلصي كل الشغل اللي وراكي احنا هنبتديها بقى بدلع ولا ايه انا ما باحبش المرقعه
اغطبقت حلا أسنانها وشفتيها تغمض عينيها تكافح بقوه ألا تسب تلك السيده اغلان لتكمل سلوى : بصي يا حبيبتي كده من البدايه عرفيني انت واحده بتاعه شغل وعايز تشتغلي ولا ايه حكايتك بالضبط عشان انا مابحبش كده .... الشغل عندي شغل .. والنظافه نضافه .. وما بحبش التقصير تحت اي ظرف ..لو هتشتغلي هنا ما فيش تأخير تاني .. دي أول وآخر مره تتأخري فيها
ضمت حلا قبضة يدها تعترصها حتى أبيضت مفاصلها من شده الغضب تتحامل على نفسها لتخرج صوت هادئ مطيع تردد به : حاضر مش هتأخر تاني
نطرت لها سلوى مجددا نظرة شاملة غير راضية ابداً لكنها مضطره فقالت : ماشي هاديكي فرصة أخيرة... أتفضلي اغدخلي وأبداي شغل .
بالفعل تحركت حلا للداخل كونها لا ترغب في المكوث مع تلك السيده لوقت اطول
في المطبخ
كان هناك كرم يقف يعد طعام الغداء.
و شعر بأحدهم يدخل من باب المطبخ ف ألتف منبهرا وهو يردد بسعاده : حلا اخيرا جيتي.. أتاخرتي ليه يا بنتي أنا قلقت عليكي
حلا : معلش راحت علي نومه وكمان المواصلات كانت زحمه
كرم : اه صح ، طب انتي بعد كده لازم تسيبي لي رقمك اطمن عليكي لو حصل اي حاجه، إحنا مش بقينا اصحاب ولا ايه
ابتسمت له حلا وقالت : اكيد طبعا بقينا اصحاب ممكن بقى تعمل لي حاجه سخنه اشربها ولا اقوم اعمل لنفسي ؟
كرم : لا تعملي لنفسك ايه ده انا عيني. ثواني ويكون جاهز احلى نسكافيه لاحلى حلا في الدنيا
بالفعل في خلال دقائق كان كرم قد أعد النسكافيه لهما وجلسا يتحدثان قليلا ثم بعدها وقفت حالها تباشر عملها من جديد
كانت قد انتهت من تنظيف كل التماثيل الموجوده في البيت ومسح الغبار عن الثرايات المعلقه لتجد سلوى تناديها بانزعاج شديد صارخه : حلا يا حلا. انتي يا أستاذه.
ذهبت حلا لعندها سريعاً وقالت : ايوه في ايه
سلوى : هو ايه اللي في ايه انتي ما نفضتيش الشبابيك ليه؟
حلا : نفضتها والله
سلوى : بجد؟ امال شباك الاوضه دي مش متنظف ليه ؟ تعالي شوفيه بنفسك يا هانم
اخذتها سلوى ومشت بها لعند تلك الغرفه لتريها ان الشباك غير منظف بالفعل يبدو اغنها لم تنتبه له في ظل كل تلك الاعمال المطلوبه منها .
فقالت بأسف وتعب : معلش ممكن اكون فوته وانا مش واخذه بالي حالاً هنضفه
سلوى : هو ايه اللي فوتيه ده شباك اوضه مكتب البيه ، لازم يتنضف كويس جداً و من جوه ومن بره ، لأنه ما بيحبش يشوف نقطه تراب واحده
حاولت حلا للمره الألف التحلي بالصبر والهدوء و رددت بثبات : حاضر هانضفه من جوه ومن بره
سلوى : السلم عندك خظيه وابدئي يلا
بالفعل حملت حلا السلم و وضعته في الغرفة لتبدأ تنظيف نافذة مكتب غانم ، تسرح منها عيناها إلي الأوراق الموجودة على سطح مكتبه لكنها أخبرت نفسها أنه لا يصح حاليا ، عليها التريث قليلا ماذا لو ضبطت بأول يوم عمل .
بالغعل انتهت من تنظيف النافذة ثم حملت السلم و خرجت للحديقه كى تنظفها من الخارج.
في تلك الأثناء عاد من الخارج مع رجاله يقف بصف سيارات طويله وترجل من السياره هو ومن بعده الرجال ، كل منهم يستوطن في مكانه لكنه شعر بخطب ما بهم، فجميعهم ينظرون الى مكان واحد تقريباً بأعين متسعه مبهوره فينظر حيث ينظرون ليجد كتله من الأنوثة معلقه في نافذة غرفتة مكتبه
تقدم لعندها بهدوء يرى من هذه وما ذلك الجسد المتكور ومتعلق بالنافذه اقترب لعندها و وقف خلفها .
بقى ينظر لها ، يمشطها بعيناه و قد دبت فيه مجددا كل مشاعر أمس الملتهبة، يقسم أنها هي .
ليخرج صوته قوى جهوري قليلاً: أنتي مين ؟
لتنتفض حلا فوق السلم بذعر و تلتف و هى تضع كفها على صدرها تنظر لمن يحدثها
ليصدم كل منها ... هي صدمت بعدما أدركت أنها الأن في مواجهة غانم صفوان غانم.
و هو صدم بكتلة الجمال و السحر المتمثلة أمامه ، علت وتيرة أنفاسه و قد توقف عقله كما توقف الزمن .
و مد يده تلقائيا لها كي يساعدها في النزول من على السلم ، و هى لا تعلم لما لكنها أستجابت و وضعت يدها في يده لتهبط لكن... شهقت عالياً و هي تشعر به يخرج كفه من كفها بل و تطاول ليلف ذراعيه حول خصرها يحملها من على السلم لأرض الحديقه .
و وقفا مجددا و الشجر خلفهما يواريهما قليلا ، هو ينظر لها و هي تنظر له ، عيناه في عيناها ينتقل منهم إلي ملامحها الجميله ، عيونها البنيه و وجهها المستدير ثم وجنتيها الممتلئة يردد جمله واحده في قرارة نفسه ( سبحان من خلق و أبدع)
كأن الزمن لا أهمية له و لا المكان كذلك ، كل منهما قد تلاشى .
و بقيا ينظران لبعضهما بصمت ، و غانم يدرك تدريجياً أن تلك الفتاه هي من كان يحتنضها له بالأمس ، هو متأكد ، فما يشعر به الآن هو ما شعر به الأمس تماماً ، إنه هو ، ذلك الإحساس الجامح الذي شق جسده و أرق مضجعه طوال الليل.
و رائحتها ، إنها هي ، هي و الله.. تلك الرائحة التي أثارت كل كيانه و هزته كلياً
و هي تنظر له بأنبهار ، تباً له ألف مره ، لما هو بكل تلك الوسامة و الجاذبيه و ما السر الذي يمكله ليجعلها بحضرته تنسى كل ماضيه و لا تفعل سوى أنها تتأمله بخفقات عالية.
زاد من لف ذراعيه حول خصرها يسأل : أنتي مين ؟
سؤاله عاد بها لأرض الواقع ، لتسرع في الأبتعاد عنه و جبر عينها على أن تبتعد عن مرمى عيناه كي تستطيع التحدث .
تجعد وجهه بإنزعاج بعدما أبتعدت عنه بالفعل يراها تلتصق بحائط غرفته خلفها كي تصنع مسافه بين جسدها و جسده بعدما كان يلصقها به .
نظرت أرضا و قالا : أنا حلا .
فسأل و هو مسلوب الإرادة ، مسحور : حلا أوي ، أوي أوي أوي.
رفعت عيناها له متفاجأة من طريقته ليقطع كل ذلك صوت سلوى التى بدأت تصرخ منادية من الداخل .
فانتفضت حلا من مكانها لتتحرك لكنه قبض على ذراعها يوقفها و يسأل بلهفة : أنتي مين ؟ أقصد بتعملي إيه هنا .
حمحمت حلا تحاول إجلاء صوتها ثم قالت : أنا الشغالة الجديدة.
ثم تركته و فرت تحمي نفسها من سلطانه عليها ، هذا ما لم تحسب له حساب يوم قررت القدوم لهنا .
فقد جلست على المقعد في المطبخ شارده تفكر بعدما نفذت كل أوامر سلوى و جلست تستريح.
ليدق هاتف المطبخ و يذهب كرم ليجيب و يتبين من الحديث أن المتصل هو غانم.
أنهى كرم الإتصال و قال : حلا... غانم بيه عايزك في مكتبه .
جف حلقها و سألت: ما تعرفش ليه ؟
هز كرم كتفيه و قال: ما قالش.. قومي يالا روحي له بلاش تتأخري عليه عشان بيتعصب .
وقفت حلا تجر قدميها ناحية مكتبه تقدم قدم و تؤخر الأخرى إلي أن دقت الباب و سمعت صوته الجهوري يأذن لها بالدخول.
وقفت أمامه مرتبكه تشعر بنظراته تلتهمها و صوت والدتها سميحة يدوي في أذنها بحديثها في الصباح ( أنتي فاكره نفسك أد غانم صفوان ده ياكلك .. يبلعك )
طال الصمت و إرتباكها في إزدياد و هي مازالت تشعر بنظراته عليها فقررت أن ترحم نفسها و سألت : حضرتك طلبتني ؟
نظر لها غانم بعمق ثم قال بصوت متحشرج : أيوه ، أقفلي الباب و تعالي .
يا ترى غانم هيعمل ايه في حلا ؟
و إيه السر إلي وراها و وراه ؟
↚
أتسعت عيناها برعب تنظر له بصدمه و هو يناظرها بنظرات متسلية
أبتعلت رمقها و سألته : أقفل الباب ليه ؟!
حاول مدارت ضحكته بصعوبة و قال : إلي أقوله يتنفذ ، بقولك أقفلي الباب و تعالي يبقى تقفلي و تيجي.
حلا : حاضر .
ألتفت تغلق الباب و هي تغمض عينيها مردده بعويل ( إلي ما يسمعش كلام أمه يندم طول عمره )
ليأتي صوته من خلفها و هو يهدر عالياً : إيه ، ساعة بتقفلي الباب.
فتحت عيناها و ألتفت له تقول : لأ خصلت .
فرفع حاجبه و هو يبتسم: طب تعالي .
لكنها لم تفعل بل ألتصقت بالباب و كأنها تشعر أن بقربها منه حماية.
التوى فم غانم بإبتسامة متسلية بها لمحة إعجاب و سأل : واقفة عندك ليه ، قربي .
هزت رأسها وقالت: لأ ما كده كويس ، أنا سمعاك من هنا .
رفع إحدى حاجبيه و سأل مجدداً: يعني مش هتقربي ؟
صمتت و لم تجيب فهب من مقعده فجأة لتصدم و يتسع فمها و عيناها خصوصاً و هي تسمعه يقول: خلاص ، أقرب أنا .
التف من خلف مكتبه و بدأ يتقدم لعندها بخطوات ثابتة و عينه لا تبتعد عنها حتى توقف أمامها و قال: هنبدأها بعدم سمعان كلام ؟
حاولت الإبتعاد عنه لتجد أنها لا تملك أي مساحة فالباب خلفها .
أرتبكت بشدة و حاولت إجلاء صوتها ثم قالت: لأ أنا بسمع الكلام و الله.
فتحدث غانم بصوت لين كثيراً: أمال مش بتسمعي كلامي ليه ؟
لم تجد جواب فصمتت ، حاولت إستدراك الموقف و التركيز فسألت : حضرتك كنت طالبني .. محتاج حاجة ؟
لقد باغتته بسؤالها فجعد ما بين حاجبيه يحاول التذكر أو.. التفكير في سبب لإستدعاءه لها فقال : ااه.. عايز قهوة .
حانت نظرة منها لسطح مكتبه لتجد فنجان القهوة موضوع فوقه فقالت : ما القهوة قدام حضرتك أهي.
تحجج كطفل صغير و قال : بردت ، عايز غيرها
فهزت رأسها بإذعان تسارع في الرد كي تغادر: حاضر .
التفت توليه ظهرها ، همت بالقبض على مقبض الباب كي تفتحه فاقترب غانم من ظهرها مرة أخرى ، حتى أنها سمعت صوت انفه وهو يسحب نفس عميق من رائحتها مجددا ثم قال بأنفاس متحشرجة : هافتح لك الباب لو معصلج معاكي .
اغمضت عينيها و قد اهتز جسدها وهو كذلك استشعر اهتزاز جسدها ملامساً لجسده فردد : ما تتأخريش عليا .
هزت رأسها ثم لازت بالفرار تذهب ناحيه المطبخ حيث وجدت كرم يجلس و هو يقطع حبات البطاطا، رفع عيناه ونظر لها باهتمام متسائلا : مالك يا حلا بتنهجي كده ليه انتي كنتي بتجري؟
جلست حلا على اول مقعد بجواره وقالت : لا ما فيش حاجه يا ريت تعمل لغانم بيه قهوه
كرم : ما فيش حاجه ازاي وانا شايفك بتنهجي وتعبانه وبعدين قهوه ليه ما انا عامل له واحده ما كملتش ربع ساعة
حلا : هو اللي طلب كده اعملها له وخلصنا وهات انا هاقطع لك البطاطس دي
باشرت حلا بسحب صحن البطاطا كي تشرع في تقطيعها لكن كرم سحبه منها مجددا وقال : لأ لأ سيبي كل حاجه زي ما هي انا هاعمل الاكل وهاعمل القهوه بس اطلعي انتي فوق .. الست سلوى كانت طالباكي ، احسن لك بلاش تتاخري عليها و تجنبيها الفتره دي ، هي في الطبيعي اصلا عصبيه، وكمان مع الحمل بقى بتبقى عصبيه اكثر، وبحالات كمان ،اللي تقول لك عليه اسمعيه وخلاص ،وحاولي تقصري في الكلام معاها
اغمضت حلا عيناها تسحب نفس عميق ثم نظرت لكرم وقالت : شكرا يا كرم والله انا مش عارفه من غيرك كنت هاعمل ايه هنا
ابتسم لها كرم قائلاً : ولا تشكريني ولا حاجه انتي بس قومي شوفي يلا شغلك وتعالي علشان ناكل سوا انا ما اكلتش ومستنيكي
وقفت عن مقعدها وقالت : ماشي هخلص بسرعه واجي لك اوعى تاكل من غيري
ابتسم كرم و قال: لأ طبعا هاستناكي، هاعمل القهوه على ما تيجي
على الفور أتجهت حلا تصعد السلم حيث غرفة سلوى كما وصفها لها كرم ، لم يسبق وان صعدت لذلك الطابق فهو طابق خاص جدا حتى ان سلوى لم تطلب منها تنظيفه حتى الآن على ما يبدو أنهم هنا لا يعطون الثقة من أول يوم بل يجب أن تمر على مراحل هذا ما أخبرها به كرم ، كان البيت عتيق الى درجه كبيره يتسم بالفخامه ، تملؤه التماثيل من كل مكان .
مشت في رواق واسع حيث الابواب طويله جدا ليست گ ابواب الشقق والبيوت العاديه.
وقفت امام باب كبير هو اكبرهم تقريبا ودقت ثلاث دقات متتاليه لتفتح لها سلوى قائله: ساعه عشان تيجي الهانم
ارتبكت حلا في الرد وقالت : معلش انا اسفه بس اصل غانم بيه كان طلبني علشان...
أشتعلت أعين سلوى وسالت : و غانم بيه طالبك ليه وعشان ايه
احمر وجه حلا ولم تدرك بما تجيب فقالت مرتبكه : ايوه هو طلبني علشان... أاا.. كان عايز قهوه بس مش اكثر والله
نظرت لها سلوى نظرات حارقه ترمقها من اسفل قدميها لاعلى شعرها ثم قالت : تمام أتفضلي خدي الغسيل نزليه تحت عشان يتغسل وخلي بالك من هدوم البيه، بالذات القمصان البيضاء ،تتغسل لوحدها وتتنقع قبلها كويس فاهماني ولا لأ ؟
هزت حلا رأسها عده مرات ثم ذهبت الى سلة الملابس وحملتها كي تغادر لكنها توقفت على صوت سلوى وهي تناديها بتردد
سلوى : أاا..أحمم.. أستني عندك
التفت حلا تنتظر لها فقالت سلوى : إيه رايك في البدلة الصغيرة دي
كانت ملابس لطفل صغير بل حديث الولاده جميله جدا من اللون السماوي حتى أن أعين حلا كادت ان تقطر قلوب حين رأتها، نظرت لسلوى بفرحه وقالت :الله دي جميله قوي
ابتسمت سلوى بسعادة غامره وقالت : أيوه انا حاسه كده ولا اقول لك بصي
أسرعت في إخراج قطعة اخرى من اللون الابيض الزاهي كانت ذات تفصيله مختلفه قليله ثم سألت: ولا دي احلى انا حاساها كيوت قوي بصي كمان جبت ايه
قامت بإخراج الكثير من القطع ذات الاحجام والقصات المختلفه كلها جميله تناسب طفل عمره شهور
نظرت لها حلا بمشاعر مختلطه لا تعلم هل هذه السيده حنونه رقيقه ام هي غليظه وقاسيه
حقاً لا تعلم لكنها الان ترى في عينها فرحه أم انتظرت مولودها لسنوات عديده وتدعو الله الا يخيب امالها مجددا
فقالت حلا بصوت يملؤه الحنان والتعاطف: كلهم جمال قوي ان شاء الله هيجي لك بيبي جميل ويلبسهم ويتهنى بهم
وقفت سلوى عن الفراشه وذهبت باتجاه المرأه تضع يدها على معدتها التي لم تنتفخ بعد وقالت : يا رب انا مبسوطه قوي ونفس الحمل المره دي يكمل بقا .
التفت فجأه ونظرت الى حلا وقالت : هو انا بتكلم معاكي في ايه يعني انا مش فاهمه انت ايه اللي موقفك كده لحد دلوقتي اتفضلي انزلي شوفي شغلك .
نظرت لها حلا بصدمه .
هذه السيده بالفعل مجنونه، أنه أمر لا يحتاج لنقاش، هي فعلاً كذلك غادرت سريعاً تسمع صوت سلوى تردد: واقفه تتكلم وتاخد وتدي معايا في الكلام ، خدامين اخر زمن صحيح
في مكتب غانم ارتفعت دقات خفيفه على الباب تبعها صوت غانم يردد بلهفه وقد ظنها حلا عادت حاملة القهوه فقال : أدخل
لكن خابت كل أمانيه حين وجد أن الطارق لم يكن سوى العم جميل الذي دخل عنده وقال : رجعت يعني بدري من المصنع ،انا قولت هتقعد لحد ما اليوم يخلص
رفع غانم أنظاره له ثم قال : دي مشكله عبيطه واحد من العمال كان عايز يشتكي ريسه في الشغل مش اكثر ، فكرت في حاجه كبيره
جميل : طب ورضيته يعني
صمت غانم و قال : أيوه.. بس سيبك ، مش ده اللي شاغلني .
غانم : عارف ، صلاح عيسى ، ساكت بقاله مده مش بينكش معانا في أي عوق و ده مالوش غير تفسير واحد.
فأكمل جميل : إنه بيدبر لك مصيبة تجيب أجلك .
هز غانم رأسه مراراً يردد : بالظبط ، الهدوء إلي بيسبق العاصفه ، مش أول مره يعملها ، بس على مين ، خليه يلعب ، مصيري أصطاده .
لكن على ما يبدو أن حديث غانم لم يروق للعم جميل الذي أقترب منه و قال: يا ولدي ، أسمع مني مره ، الحجر الداير لابد من لاطه .
بينما كابر غانم لأقصى حد و قال : و لا يقدر يعمل معايا حاجة ، يعني هي أول مرة.
جميل: لا يا ولدي ، لا بد إنك تحاذر ، ده ديب و مش سهل .
صمت قليلاً ثم رفع رأسه لغانم و كأنه قد أستدرك شئ ما لتوه فسأل : الخدامة الجديدة ، كشفت عنها ؟
أستغرب غانم ، ليس من سؤال العم جميل و لكن من نفسه ، فتلك كانت عادة لديه ، إن يقم بالكشف عن أي فتاة او سيدة تأتي للعمل في بيته ليعرف ماضيها كله و هل لها أي علاقة بذلك المدعو صلاح عيسى أو من هم على شاكلته أم لا.
لكنه لأول مرة لم يفعل ، لقد نسى ... نسى تماماً، على ما يبدو أن هناك ما شغله بها أكثر من هويتها و ماضيها .
و عاود النظر للعم جميل يسأله : أنت شاكك فيها ؟
هز جميل كتفيه و ردد : و هو أنا كنت أعرفها و لا شوفتها يا ولدي ، لكن المثل بيقولك حرس و لا تخون و دي موجوده في قلب بيتك يعني أخطر عليك من أي حد مش كده و لا ايه ، ما تنساش أن الست حامل و الحكاية مش ناقصه .
هز غانم رأسه عدت مرات و هو يفكر حتى أنه هب عن مقعده و صار متجاوزاً العم جميل و خرج من المكتب كله بينما ظل جميل يناديه و هو لا يجيب
في المطبخ
وقف كرم يضع الطعام لنفسه و لحلا التي جلست امامه وهي ترفع إحدى حاجبيها بينها تنظر له وهو يوزع الطعام مردده : والله يعني انت هتاخد كل البطاطس والكاتشب دول ليك وتديني أنا الشويه دول؟! على فكره دي مش حركات جنتل مان ابداً
فضحك كرم على مشغباتها وحركاتها الطفوليه ثم قال : للذكر مثل حظ الانثيين يا حلا
فجاوبت بضيق واضح : هو احنا بنقسم ورث عمتك اللي في كندا ...دي بطاطس مقليه
ليرفع رأسه بغرور وقال : انا اللي قليت وانا اللي عملت يبقى النصيب الاكبر ليا ، قسمة العدل تقدري تعترضي ؟
نظرت له باعين قطه ثم قالت : لأ بس ... و لو قولت لك عشان خاطري يا كرم يا حلو أنت
تعرق كرم كثيراً وقال بصوت قد صببت عزيمته :وهو كرم هيعرف يقول ايه قدام الدلع والجمال والحلاوه دي كلها ده انا هاقلع لك الهدوم اللي عليا واقول لك خديها بيعيها وهاتي بها بطاطس مقليه
فضحكت حلا عالياً وقالت : طب يلا اقلع
لينتفضا على صوت جهوري عالي جدا وغاضب هز أرجاء المطبخ عليهم وهو يردد : هو ايه اللي بيحصل هنا بالضبط؟
إلتفت حلا على الفور هي و كرم ليجدا غانم واقف خلفهما يبدوا كما لو كان بركان خامل و أصبح على شفا الإنفجار
كان وجهه احمر بحده ،عروقه بارزه وعينه متسعه ينطلق منها لهيب الغضب، غضبه منصب على كل من هما
أسرع كرم بالاقتراب منهم يحاول أن يذهب اي تهمه عن حلا وقال : ما فيش حاجه يا غانم بيه، ده احنا كنا بنهزر مش اكثر
لم يكن يهتم لا له ولا لحديث ، انما عيناه على حلا.
كل أسهم غضبه السامة كانت تنطلق صوبها هي فقط نظر بجانب عينه لكرم وقال : روح على شغلك ثم نظر الى حلا بصوت غاضب أمر : وانتي تعالي ورايا على المكتب
هم ليغادر لكنه استمع لصوت كرم وكأنه سيبدأ في مواساتها وتشجيعها ليتوقف عن السير ويقول : أنتي لسه هتتاخري يلا قدامي
لم ينتظرها لتأتي خلفه بل ذهب وهي معه للمكتب.
كان العام جميل لا يزال متواجد هناك كأنه كان ينتظره و أول ما رأى حلا نظر لها نظر عميقه ثم سألها : أنتي الخدامه الجديده
نكست حلا رأسها ثم قالت : ايوه انا .
فسأل العم د جميل : وفين بطاقتك
صمتت حلا بصدمه ، لم تتوقع ان يسألها عن بطاقة هويتها وبقى غانم ينظر لها وهو يراها مرتبكه لا تعرف ما تجيب كأنها تخشى شيء ما
فزخف الشك لقلبه و لقلب العم جميل ايضا وبقى كل منهما ينظر للآخر وكأنهما يؤكدان لبعضهما نفس الفكره
ليسأل العم جميل من جديد : ما ردتيش عليا يا بنتي فين بطاقتك؟
صمتت ولا تعرف ماذا تجيب لو رأى غانم بطاقتها لتعرف عليها على الفور هي متأكده من ذلك ....لن يرحمها .
↚
وقفت أمامهما گ الكتكوت المبتل ، أبتعلت رمقها بصعوبه ثم قالت اول حُجة خطرت على عقلها .
حلا : أصل بطاقتي مش معايا .
تبادل غانم و العم جميل النظرات ثم عاود غانم النظر لها مردداً : بجد ؟! أااه .. و مش معاكي ليه ؟ حد يخرج من غير بطاقته بردو ؟
هزت كتفيها و ردت ببساطة في محاولة فاشلة لإخفاء خوفها و كذبها الواضحين لهما و قالت : نسيتها في البيت .
نظر لها غانم بصمت تام ثم قال : روحي على شغلك.
تفاجأ العم جميل كلياً و هي رددت ببلاهة : هاااا ؟!
غانم : إيه؟ بقولك روحي على شغلك .
حلا : ح.. ححاضر .
ألتفت كي تغادر مرتبكة لكنه ناداها : حلااااا .
عادت تناظره فقال بحدة : ياريت تشوفي شغلك، شغلك و بس ، مش عايز مرقعه هنا .
فجاوبت على الفور و هي تهز رأسها رغم جهلها عن أي "مرقعة" يتحدث : حاضر.. حاضر.
غادرت سريعاً و تركت العم جميل يقف منصدم ، ذهب خلفها و أغلق الباب ثم التف لغانم يسأل بغضب : أنت إزاي تسيبها تكمل شغل و تفضل هنا و إحنا شاكين فيها ، لأ شاكين إيه ؟ أنا بقيت متأكد أصلاً إن البت دي وراها حاجة ، مش شايفه واقفه بتفرك إزاي و بتقول أي كلام، بطاقة إيه إلي نسيتها .
كان غانم شارد في نقطة واهيه ينظر للفراغ فهتف العم جميل عالياً : بكلمك يا ولدي .. البت دي لازم تمشي ، سايبها هنا ليه ؟
رفع غانم أنظاره له و قال بتريس : لو في عدو ليك عمال يتننط و حالف لا يقتلك تسيبه يلف و يجيلك من وارك أو من فوقك و تبقى مش عارف جاي لك منين و لا تخليه تحت عينك و تراقبه أنت و تحسسه كمان انك بلاعت الطعم .
صمت العم جميل يدرك رويداً رويداً مقصد غانم إلي أن أبتسم بتفهم ثم قال : لأ، لعيييب و تعجبني ، خلي بالك بردو أنا قولت المنظر ده مش منظر خدامة ، باعت لك واحده تحل من على حبل المشنقة عشان تريل عليها ، صلاح عيسى مابيهزرش بردو .
نظر له غانم بجانب عينه ثم قال : بس كلم إبنك بس و نبه عليه مالوش علاقه بيها.
جميل : كرم ؟ و هو ماله بيها ؟
فجاوب غانم بإنزعاج واضح : لاقيته واقف معاها في المطبخ و عمال يتنحنح و يتسهوك أوي ، قوله يبعد عنها خالص .
ضحك جميل مردداً : ما الواد معذور بردو يا ولدي ، البت تهبل ، ده انا راجل كبير و يعني.....
رفع غانم أنظاره المحتدة يسأل: و يعني إيه؟
جعد جميل ما بين حاجبيه و قال مستنكراً : إيه يا ولدي بهزر وياك ، مالك زي ما يكون واخد الحكايه جد كده.
هز غانم رأسه مراراً و قال : أنا بس مش عايز أي غلط ، عايز الأعبها هي و صلاح على الهادي .
هز جميل رأسه وقال: ماشي ، هروح أنا أشوف إلي ورايا .
امأ له غانم موافقاً ليغادر جميل و يتركه و هو غارق في بحر من الأفكار المتعاكسة لم يقطعها سوى دخول سلوى التي دقت الباب و لم يجيب من شروده ففتحتة و ولجت للداخل و لم يلاحظها حتى .
كان شارد تماماً و أنتفض بتفاجئ على يديها التي ضمته له مردده : حبيبي سرحان في ايه ؟
جذبها له و هو يبتسم مردداً : و لا حاجة.
سلوى: ازاي بس ده أنت حتى ما أخدتش بالك إني دخلت و لما خبط ماردتش ، أنت بجد متغير أوي.
تنهد بضيق ثم قال: متغير فين بس ، أنتي إلي بقا خلقك ضيق زيادة عن اللزوم.
وقفت و ابتعدت عنه و هي تردد بسأم : أنت إلي مش واخد بالك اني تعبانه جدا ،انا ليل نهار برجع و دايخه .
غانم : ماعلش يا حبيبتي هما أول تلات شهور في الحمل بيبقوا كده وبعد كده كل حاجه بتهدي خالص انتي اكيد عارفه
نظرت له سلوى بحزن كبير ثم قالت ساخره وانا هاعرف منين هو انا كنت جربت غير اول ثلاث شهور ، في كل مره الحمل ما بيكملش الثالث حتى .
اغمض عيناه وتنهد بتعب ثم قال: إن شاء الله المره دي الحمل يكمل و نفرح كلنا.
فقالت سلوى على الفور بجنون : لازم يكمل ، لو ما كملش المره دي كمان أنا ممكن يجرالي حاجة.
اقترب منها غانم يحاول تهدئتها مردداً: أهدي بس يا سلوى ، كل حاجه بأيد ربنا ، ماينفعش تقولي كده.
فصرخت بجنون : أنت عارف ده الحمل رقم كام ، عارف أنا سقطت كام مره ، رقم يخض ، عارف إن جسمي مابقاش مستحمل حمل و سقوط ، لحد أمتى هفضل كده ، الحمل ده لازم يكمل .... لازم .
راقبها غانم بذهول حقيقي ، لأول مرة يرى سلوى هكذا ، بدت و كأنها على شفى الجنون
حاول الإقتراب منها كي يضمها له و يهدئها مردداً: طب أهدي يا سلوى أهدي.
أبتعدت عنه وقالت : أنا كويسه ، هطلع أخد الدوا بتاعي و أرتاح شوية و أنا ههدا لوحدي.
غادرت على الفور تصعد لغرفتها تحلم بحمل طفلها بعد سنوات من الحرمان و الألم .
في بيت سميحة والدة حلا .
جلست على طرف الأريكة و هي تضرب فخذيها معاً تردد بعويل : كده يا حلا ، بتسهيني و تخرجي ، نفذتي إلي في دماغك بردو ، ماشي.. ماشي .. اتلايم عليكي في أيدي بس و الله لأوريكي .
انتفضت من مكانها و بدأت تفتش عن هاتفها حتى وجدته و بدأت تتصل بها .
استمعت للهاتف على الطرف الآخر يواصل الرن ولكن ما من إجابة.
سميحه و هي تهز فخذيها بتوتر وغيظ ممزوجان بالقلق: و كمان مش بتردي يا حلا .. ماشي.
عاودت الدق من جديد لتصدم بأن الهاتف قد انغلق.
سميحه : ده أنتي ليلتك مش معدية يا حلا ، بتقفلي موبايلك كمان .. ماشي و ماله .. مصيرك تيجي تحت أيدي ، قسماً بالله ما هتشوفي الشارع مره تانية .
بالفعل هي لن ترى الشارع مجدداً ولكن ليس بسبب سميحة و إنما بسبب ذلك الذي يجلس في مكتبة يفكر و يخطط لتلك التي تقف في المطبخ تجهل ما يحاك لها ، تقبض على هاتفها و هي تنظر له بذعر مردده : يا نهاري إلي مش فايت.
أقترب منها كرم يسأل بقلق: مالك يا بنتي ؟
التفت له حلا تردد : موبايلي فصل شحن و ماما كانت بتتصل بيا .
كرم: طب و فيها ايه ما تهدي كده ، شويه و كلميها .
زمت شفتيها بضيق من غباءه و قالت : إزاي يا أبو الذكاء و هو فاصل شحن.
أقترب منها يلكز بأصبعيه موضع عقلها و هو يردد : لما يتشحن يا ذكيه هانم أكيد مش هتتكلمي في حتة حديده ، و لا يمكن هتسبيه فاصل ، أنا بجد ماشوفتش في نباهتك إيه ده .
فقالت حلا بعويل : ما أنا مش جايبه شاحن ، مش جايبة شاحن.
كرم ببرود : اشوفلك شاحن .
ذهب كرم ليجلب لها شاحن و هي بقت في المطبخ تفكر فيما ورطتت به نفسها لتنتفض مجدداً على صوت غانم من خلفها يردد : هو انا مش طلبت قهوة من ساعة .
وقفت عن مقعدها و أمتثلت أمامه تقول : ما هو كرم مش هنا .
رفع إحدى حاجبيه و قال: و هو أنا طلبتها من كرم ؟
حلا : ما هو الي بيعمل القهوة و الأكل أنا وظيفتي هنا التنضيف .
بقى غانم ينظر لها نظره عميقة مطوله ، يلفها كلها ، كانت جميلة و ساحرة ، مظهرها يشرح الصدر و يجعل كل من ينظر له مقبل على الحياة.
تربكه كثيراً و أحياناً يفقد السيطرة على كل شيء.
اهتز ثباتها أمامه ، نظراته تربكها هي الاخري و بدأت تزيح شعرها بحرج تضعه خلف أذنها و تنظر أرضاً
فابتسم و هو يشعر بتأثيره عليها و أخذ يقترب منها بخطوات ثابتة حتى توقف ، وضع أصابعه أسفل ذقنها ثم رفع وجهها له يتأملها و هو يسبح الخالق فيما أبدع و خلق .
لتشعر بالإرتباك من فعلته و حديثه الصريح و لم تلبس أن صدمها بسؤاله : معقول واحده بجمالك ده تشتغل خدامه ، إنتي إلي زيك لازم تبقى هانم ، ملكة و الكل يخدمها.
لم تتمكن من الإجابة إلا بعد دقيقة كامله و هي تنظر ملامحه التي تبتعد عنها بأنشين فقط و يده مازالت أسفل ذقنها و قالت : أصلي محتاجه للشغل مؤقتاً لحد ما ألاقي شغله مناسبة و أقدر أصرف على دراستي .
رفع حاجبة و أزاح يده عن ذقنها يسأل : دراسة إيه ،انتي مش قولتي أنك دبلوم تجاره ؟!
أتسعت عيناها برعب حقيقي ، تدرك أن الكذب بلا قدمين ، لقد نسيت تماما ما سبق و اخبرت به سلوى و إنكارها انتسابها لكلية التجارة .
فحمحمت مرددة : أصل.. أصلي .. أصل أنا..
التوى جانب فمه بإبتسامة ساخرة ينتظر بإستمتاع لأن يستمع لنسج كذبة جديده من هذه الغبية .
و قال: أنتي أيه يا قمر ؟
أرتبكت أكثر حينما أنهى حديثه ب "قمر" تلك
وقالت : أنا عايزة أعمل معادله و بعدها أدخل كلية زي صحابي و الحكاية دي هتحتاج مبلغ يعني .
هز رأسه بأسف عليها و هو يردد بدراما : محتاجه للشغل أوي يعني .
حلا : أوي .
أبتسم و كأنه هكذا يكشر عن أنيابه و هي بالفعل أرتعبت ..
لم يخيب ظنونها فقد قال : حيث كده بقا فأنتي مش هتخرجي من هنا .
حلا بصدمة: أييه ؟
ضحك و قال: زي ما سمعتي كده ، هتشتغلي بالنهار و تباتي هنا بالليل .
حلا : طب ليه ؟
هز غانم كتفيه و قال ببساطة و لا مبالاة : إفترا .
حلا : بس ده ماينفعش و كمان ما يصحش .
كتف ذراعيه حول صدره ثم قال : أنا عارف انك جامده و حقك تخافي على نفسك بس ما تقلقيش الشيطان مش هييجي غير لو أنا و أنتي بقينا لوحدنا ، و أنتي شايفه أهو ، مراتي هنا و كمان عمتي ، و عم جميل ساعات بيبات في اوضته إلي هنا كرم بس هو الي بيروح .
خافت حلا كثيرا و أقرت أنها بالفعل غبية و لا طاقة لها بمجابهة غانم صفوان غانم ، والدتها كانت محقة تماماً و قررت التراجع عن أي فكر بمخيلتها و الاستسلام التام .
و أن تعود تقطف عيدان الملوخية بجوار والدتها أفضل لها كثيراً فسارعت تقول بلهفه : خلاص ،شيل ده من ده يرتاح ده عن ده ، أسيب الشغل .
زم شفتيه و ردد بأسف : مش بمزاجك يا قمر ، أنا قولت انك هتفضلي هنا يبقى هتفضلي هنا ، مافيش مشيان ، عدي أيامك معايا ، بلاش أحطك في دماغي.
سكنت في المقابل تحاول إستيعاب ما يحدث معها و قد قدمت هي إليه بقدميها لم يرغمها أحد .
تنظر له بأعين متسعه مصدومه لتفقده تركيزه تماماً ، هو من أول وقوفه مقابلها يقاوم بقوه رائحتها التي تهاجمه ، لديه رغبة ملحة في أن يضمها له و يمرمغ أنفه على طول عنقها حتى يشبع صدرة من رائحتها .
ثقلت أنفاسه و بدأ يقترب منها يظهر على وجهه نيته الواضحه في عينه التي أظلمت و يده ترتفع كي يضمها له.
و لم يرحمها سوى صوت هاتفه الذى أعلن عن إتصال ملح .
بلل شفتيه يدرك ما كان قادم على فعله ، وأنها أصبحت ذات سلطان عليه تفقده ثباته و عقله .
خرج من المطبخ سريعاً كي يجيب على الهاتف يتهرب من سلطانها .
في اللحظة التي دلف فيها كرم للمطبخ على عجلة من امره يقول : خدي ده الشاحن إلي عندي ، جربيه .
حاولت سحب أنفاسها المسلوبة من تواجد غانم معها ثم قالت: ده شكله مش هينفع انا عايزه سوكت عريض
لملم كرم بعض متعلقاته و قال : جربي بس ، أنا لازم أمشي حالا ، في واحد صاحبي بيتخانق و البوليس اخدهم على القسم ، سلام .
انهى حديثه و هرول للخارج و هي تبعته تناديه لكنه لم يجيب و ذهب لصديقه .
حلا : ده مشي ، سترك يا رب.
إلتفت على صوت سلوى تهبط الدرج و هي تحمل حقيبه خفيفه تنادي غانم: غانم ، يا غانم .
خرج غانم من مكتبه يسأل: في ايه يا حبيبتي؟
سلوى: أنا لازم أروح دلوقتي عند بابا، منال اختي تعبت و لازم أبقى معاها... أنت هتيجي معايا و لا عندك شغل .
غانم : لأ يا حبيبتي عندي شغل ، روحي و أنا لما أخلص أجي لك
غادرت سلوى على الفور ، كانت متعجله و قلقه جداً على شقيقتها .
إلتف غانم ينظر لحلا مردداً: واقفه كده ليه ،أه.. أكيد عايزه تعرفي فين اوضتك ، تعالي أوريها لك.
أرتبكت حلا و قالت متحججة : بنفسك يا باشا ، ده حتى مايصحش .
أقترب منها ينظر لها بتحرش مردداً : ده يصح أوي.
أبتعدت هي عنه و قالت بنبرة مهتزة : مش عمتك هنا و عم جميل خلي حد منهم يوديني ، أنا مش عايزه أتعبك .
ضحك غانم منتشياً ثم قال : أنتي الخسرانه .
حلا : أكيد طبعاً.
حاول إخفاء ضحكاته ثم نادى على عمته التي هبطتت الدرج تردد : مالك يا حبيبي ، إيه ده إيه ده ،مين القمر دي ، أنت اتجوزت يا واد ؟
أتسعت عينا حلا برعب بينما غانم يجاهد على كبت ضحكته و سلوى تلف حول حلا مردده : لأ ليك حق ، إيه لهطتة القشطة دي ؟! لاقتيها فين دي ؟
فقالت حلا سريعاً : لأ حضرتك فاهمه غلط أنا....
قاطعهم صوت رضا زوج صفاء الذي دلف يرتمي على كفها يردد : يا غااااليه ، حقك عليا يا غالية .
غضب غانم كثيرا و قال: أنت دخلت هنا إزاي ؟ عم جميل.. يا عم جميل .
رضا: مش برا.. راح القسم .. مشغول في الخناقه إلي كانت في الخان .
ضربت حلا بكفها كله على وجهها تردد : و عم جميل كمان مشي ؟!
فيما وجه غانم حديثه لرضا : و أنت إيه إلي جايبك هنا .
فقال رضا بمهانة و ذل : جاي أصالح ست الناس ، أنا مش أد زعلها.
وقفت حلا بأعين جاحظه ترى رضا و هو يراضي صفاء التي ارتضت من كلمتين منه فقط و غادرت معه مردده أن المرأة ليس لها غير بيتها و زوجها و غادرت معه على الفور رغم إعتراض غانم .
فرددت حلا: و عمته كمان مشيت .
فألتف لها غانم و هو يخفي أبتسامته يردد : كده الشيطان مستقصدك و هتفضلي هنا معايا لوحدنا ، تيجي اوريكي أوضتك فين على ما ييجي .
نظرت له برعب تسأل : هو مين ؟
لم يجيب و إنما بدأ يقترب منها بتروي و قد عاودته نفس تلك المشاعر التي تهاجمه بضراوة من اليوم الذي ضمها له في المطبخ ..
↚
رواية خان غانم
الفصل الخامس
بدأ يقترب منها و هي تتراجع ، ترى التصميم في عيناه و هو ما أرعبها تماماً .
ألان فقط أدركت ، أنى لها به ؟! فضخامة جسدة وحدها و فرق الأجحام كفيل ببث الرعب بكل خلاياها.
و يبدو أنه ذكي جداً ، بل لأبعد الحدود ، الآن فقط تعترف أنها محدودة الذكاء ، ربما لا تملكه بالأساس .
كيف سولت لها نفسها أنها تستطيع العبث مع غانم صفوان.
بينما تلك الأفكار العاصفه تقفذفها هنا و هناك كان هو في عالم آخر .
على ما يبدو أن الشيطان قد لبى الطلب و حضر في التو و الحال
تلك الجميله تغويه ، تروق له كثيراً ، تجذبه لها دون أدنى مجهود.
هو بالكاد يتمالك حاله في حضرة الجميع ، لكنه و من أول لحظه رأها قد سال لعابه عليها .
و بدأ الشيطان يهمس له أن تلك هي فرصته .
انعدمت المسافة الفاصلة، السلم كان خلفها يخبرها أنه لا يوجد أي براح.
أبتسم بأنتشاء حالما تلامست أجسادهما و قال : خوفتي ؟
حلا : هو في ايه ؟
همس ببراءه : أيه هوريكي أوضتك ، و لا تحبي تيجي معايا أوضتي ، هتعجبك أوي.
زاد معدل الرعب داخلها ، هل وصل الحال إلى هنا ؟!
سقط فمها أرضاً ، معنى حديثه واضح و صريح.
فقالت : إيه إلي بتقولو ده ، بص .. إحنا نفضها سيرة و أمشي زي ما قولت لك ، أنا مش بتاعت شغل أساساً.
نظر لعيناها بعمق ثم ردد بعبث : أمال بتاعت أيه ؟
مد يده يعبث بخصلات شعرها التي سقطت على جانب خدها و قد انتابته لحظه رومانسيه نادرة الحدوث و سأل بصوت حنون : أنتي كام سنة يا حلا ؟
نبرة صوته خطفتها ، نعم لقد حدث.
أرتبكت لما شعرت به و قالت : عشرين .
أبتسم بحنان لا يعلم من أين تواجد داخله أو منذ متى ثم قال: أنا قولت كده بردو ، شكلك صغننه .
فقالت بلهفة: أه و الله ، سيبني أروح لأمي بقا .
غانم : و تسبيني ؟!
مال على أذنها يعبئ صدرها برائحته الرجولية الممزوجة برائحة سيجاره ثم ردد : أنا سبق و قولت لك ، أنتي مش هتخرجي من هنا .
أبتعد عن أذنها و قد غمرت رائحتها صدره ، تلك الرائحة التي على ما يبدو أدمنها .
نظر لها عن قرب ملامحها كانت قريبه منه ، بأقرب درجة قد يصل لها شخص مع شخص آخر و ردد : أنتي حلوه قوي يا حلا ، أحلى بنت شافتها عيني.
تاهت و تاه تفكيرها من غزل كلماته ، نبرة صوته وحدها مُسكرة .
بللت شفتيها بتوتر و بقت تنظر لعيناه في صمت ، شعرت باقتراب أنفاسه منها .
الوضع خطر ... خطر جداً ، فهو يقترب بشفتيه منها
شهقت عالياً و أبتعدت عن مرماه ، لقد تفاجأ و خانته قوتة في لحظة و أستطاعت التحرر من قيد ذراعيه الذان كان يحيطها بهما .
وقف مبهوت ،يستدرك إلى أين وصل به الحال و ما كاد أن يفعله لولا أبتعادها هي.
شد خصلات شعره من جذورها و هو يدرك ما أقدم على فعله ، قربها يذهب عقله ، بل رؤيتها فقط تفعل به الأفاعيل .
و هي أخذت تهز رأسها بجنون: أنا عايزة أمشي من هنا ، عايزه أمشي .
ولها ظهره لثواني يحاول التماسك و هي مستمرة في الصراخ: بقولك عايزة أمشي سيبهم يخرجوني ... أنا بكلمك رد عليا
قالت الأخيرة بصيغة أمر و عصبيه فألتف أليها يردد بغضب: وطي صوتك و أنتي بتتكلمي معايا، و خلاص روحي شوفي شغلك.
لكنها رفضت و قالت بإصرار: لأ ، أنا عايزة أمشي ، مش عايزه الشغل .
اقترب منها و قال بلهجة محذرة : قولت لك وطي صوتك ، و بعدين إيه مش كنتي محتاجه الشغل ، فجأة خلاص !
حلا : أيوه.
كتف ذراعيه حول صدره و قال : الدخول لهنا ممكن يمون بمزاجك بس الخروج بمزاجي أنا .
أنتفض جسدها من نظرة الشر بعينه، تسأل كيف تتبدل نظرات نفس العين بين دقيقة و أخرى ، تقسم إن نظرته منذ قليل كانت مغايرة تماماً.
و بدأت تردد بخوف: أنا مش ممكن أقعد معاك لوحدي ، أنا جيت أشتغل هنا و أنا عارفة أن البيت فيه ناس .
تحركت عيناه على جسدها و ملامحها من جديد ، تعاطف معها كثيراً و رق قلبه و هو يرى الخوف على قسمات وجهها و جسدها ينتفض ، ليعلم أنه قد أخافها كثيرا بل أصابها بالرعب.
فسحب نفس عميق و هو يغمض عيناه ثم قال : خلاص ما تخافيش ، مش هقرب ناحيتك تاني .
حاول إجلاء صوته و هو يبحث عن مبرر لفعلته : أحمم... أنا بس ، أوووف
نفخ في الهواء من كبته ثم أمرها: روحي أعملي لي قهوة ، و ما تجبيهاش أنتي ، سبيها في المطبخ و أنا هاجي اخدها و تروحي اوضتك قبل ما أجي ، سامعه.
هزت رأسها إيجاباً بخوف شديد و هي تردد : طب ما أمشي.
فهتف عالياً بنفاذ صبر : حلاااا .
أنكمشت على حالها ، و سبها من جديد ، تباً لها ألف مره ، لما هي جميلة و ذات تأثير عليه هكذا ، من أين ظهرت له هذه ؟!
أسبل جفناه يتنهد و قال: روحي يالا ، و خلصي و كلميني من تليفون المبطخ و أدخلي أوضتك قبل ما أجي ، سامعه .
لم تكن تملك سوى الصمت و تنفيذ ما يقول فقالت: حاضر .
ذهبت من أمامه و هو يرمق جسدها المتبختر أمامه و مازال يسبها و يلعنها بداخله مردداً :يخربتيها ،طلعت لك منين دي يا غانم .
و التف يذهب لمكتبه ربما العمل على أي من الاشياء المطلوبة منه يكن أفضل بكثير و يشغله عن التفكير بها.
في مكان آخر
جلس رجل طزيل القامة نحيف الجسد و الوجه ، شعره غزير إلي حد ما و ملامحه حادة
يستمع لذراعه الأيمن و هو يردد : أخدها إبن الصواف تاني يا باشا
سحب ذلك الرجل نفس عميق و ضرب على سطح مكتبه و هو يردد: غبي ، غبي ، هيعيش و يمون غبي ، كل همه في الدنيا يهزم صلاح عيسى ، حتى لو هيخسر فلوس .
هز الرجل رأسه و قال : أنا بقيت يا باشا بيتهيئ لي أنه قايم نايم يحلم بيك ، لأ و كل مصيبة تيجي له يقول أكيد صلاح عيسى إلي عاملها ، أنت حارقه أوي كده ليه يا باشا ؟
أغمض صلاح عيناه ثم قال: ماجتش ناحيته و المفروض كنت أنا إلي أبقى حاطه في دماغي لأنه أتولد و في بوقه معلقه دهب و أنا اتولدت في الدويقه ، هو أتولد لقى نفسه الوريث الوحيد لغانم باشا و عنده خان ببيوته و مصانعه و أراضيه و مواشيه ، و أنا اتولدت لاقيت نفسي إبن عيسى عامل الغزل والنسيج.
ضحك الرجل و قال: ما يمكن دي المشكلة يا باشا ، هو مش راضي بحكاية أن راسك أتساوت براسه .
أغمض صلاح عيناه ثم قال : ماشي ، هو إلي جابه لنفسه ، مش مشكله صفقة راحت تيجي غيرها ، هات لي ورق توريدات اللحوم بتاع الشركه الأجنبيه أشوفه ، مش هو مقدم عليها بردو ؟
هز الرجل رأسه و قال : حصل يا كبير.
صلاح : تمام ، أنا بقى هوريه ، مش هو عاملني عدو ، أنا هوريه صلاح عيسى لما بيعادي بيعمل ايه و أن كل إلي فات ده أصلا كان لعب عيال ، أنا حاولت أبدأ معاه بالود كتير بس هو إلي في دماغه في دماغه ، خلاص بقا ، هو إلي جابه لنفسه .. روح هات لي الملف يالا .
ذهب الرجل ينفذ أوامر رب عمله بينما بقى صلاح ينظر للفراغ بشرود يخطط للقادم .
في منزل والد سلوى
جلست بجانب شقيقتها تطمئن عليها : ألف سلامة ، إن شاء الله الدوا مفعوله يشتغل بسرعه و تبقى كويسه و هيساعدك تنامي كمان .
هزت منال رأسها بشبح أبتسامة و قالت : إن شاء الله يا حبيبتي ، إنتي عامله ايه ؟
سلوى: الحمدلله بخير.
ليصدح صوت والدتها التي جلست على طرف أحد المقاعد المقابله لفراش منال تردد بنزق : و سبع البرومبة ما جاش معاكي ليه ، تملي كده خطوته عزيزه على هنا .
نظرت لها سلوى متسائلة : قصدك مين ؟
فقالت نوال : هو في غيره ، اقصد إلي عاملي فيها شيخ العرب همام ، و رافع مناخيره لفوق أوي ، ليييه و لا على إيه ؟ مش عارف إن أخت مراته تعبت فييجي يعمل الواجب ، على الاقل عشان يطمن على سلامتك و أنتي حامل في إبنه.
سحبت سلوى نفس عميق و قالت : اصله عنده مشاغل ،انتي عارفه الخان ده كله بتاعه و هو مسؤل عنه.
هزت نوال رأسها مردده : يا دي الخان و سنين الخان ، هما دول الكلمتين إلي بيضحك بيهم على عقلك الصغير و مخليهم حجته لأي تقصير و أنتي زي العبيطة بتعدي له عشان دايبه في هواه .
تعبت سلوى و ضاق صدرها من حديث والدتها بهذه الصورة عن غانم كل مره و قالت: خلاص يا ماما بقى ، سيبك منه و خلينا في منال و تعبها .
نوال : أسيبني منه إزاي و هو كل أفعاله مش عجباني ، أنا من الأساس ماكنتش موافقه على جريك وراه و لا على الجوازة دي ، و ياما قولت و حذرت بس كلامي مش بيتسمع ، الراجل ده لاهو شبهك و لا أنتي شبهه ، أسمعي كلام أمك ، أتطلقي منه و خليه يروح ياخد الي شبهه .
بهت وجه سلوى و قالت: إيه يا ماما إلي بتقوليه ده ؟
قلبت نوال عيناها و قالت: بقول إلي بتمناه .
سلوى : بتتمني ايه ؟ في واحده تتمنى خراب بيت بنتها ، ده انا حتى حامل .
وقفت نوال و هي تردد : ياك يكمل بس .
أصفر وجه سلوى من حديث والدتها و هي تردد : أنتي بتقولي ايه يا ماما.
وقفت نوال و قد ضاق صدرها تردد بينما تمسح بأناملها على ذقنها : أدي دقني إن ما طلع كل ده ذنب و بيخلص منه ، ده مفتري إبن مفتريين .
وقفت سلوى و قالت : أنا ماشيه ، مش هقعد هنا .
تشبثت منال بشقيقتها مردده : أستني بس يا سلوى ما تزعليش استهدي بالله يعني هي أول مرة ماما تقول نفس الكلام.
ثم نظرت لأمها و قالت : و إنتي يا ماما ، ما بلاش كلامك إلي يزعل ده ، و أدعي ربنا يهدي سيرهم و بس و يهديه
تحركت نوال و هي تردد بغيظ شديد : يهديه ؟! ده في أمل أبليس يتهدي و هو لأ ، أنا أم و بحس الواد ده مش بيحب بنتي ، من أول مره شوفته كشفته ، دي جوازة مصلحة .
سلوى: بسسسسس .
نوال: خلاص خلاص ، خارجه ، و أهدي عشان حامل .
خرجت نوال و بقيت سلوى بجوار شقيقتها آلتي قالت : خلاص خرجت ، أهدي بقا.
سكنت سلوى لدقيقة ثم أجهشت في بكاء مرير.
أحتضنتها منال تسأل بلهفه : مالك في إيه ؟
فقالت سلوى من بين دموعها : عشان انا عارفه أن امك معاها حق ، غانم عمره ما حبني ، غانم مش بيحب غير نفسه أصلاً و أنا عارفة ، بس انا لسه بحبه .
تفاجئت منال كلياً و سألت : و مكملة معاه ليه ؟
سلوى: عشان لسه بحبه.
نظرت لها نوال و سألت : بس ؟
سلوى: ق.. قصدك إيه ؟
منال : أقصد إنك وخداها تحدي ، هو لو عانم ما حبكيش تبقى دي حاجه تعيبك او تقلل منك ؟ الحب مش تحدي و لا بالعافيه و إلا كان حبك كل السنين دي .
فقالت سلوى بأعين مهتزة و مشاعر حائره : يعني أعمل إيه ؟
منال : و لا أي حاجه ، لو ما كنتيش حامل في ابنكم كان ممكن يكون فيها كلام ، لكن دلوقتي و لا أي حاجه .
وضعت سلوى يدها على معدتها و قالت بتشوش : يارب يكمل على خير بس .
نظرت لها منال و قالت : ربنا يقدم إلي فيه الخير يا سلوى ، الخير و بس ، يمكن كل إلي بيحصل لك ده خير بس إنتي لسه مش واخده بالك.
سلوى : مالك بتتكلمي بالألغاز كده.
تمددت منال على الفراش و قالت: و لا ألغاز و لا حاجة ، أنا بس عايزه أنام .
وقفت سلوى لتخرج و تغلق الضوء خلفها و مازال حديثهما يدور بعقلها دون توقف .
في بيت غانم
جلس يدقق النظر للأوراق بين يديه و هو يحاول إبعاد صورتها عن عقله .
لكنها لا تفارقه ، خصوصاً منظر ملامحها حين كانت بذلك القرب منه.
يتذكر رائحتها التي عبئت صدره و هو يتنهد بحالمية يغمض عيناه.
فتحهما على صوت هاتفه الذي يدق ، نظر لشاشة الهاتف لييصر أسم أخر شخص توقع الإتصال منه .
فكر لثواني ثم أجاب على الهاتف يردد: صلاح حبيبي ، عامل إيه ، ليك واحشه يا راجل .
صلاح : و مين سمعك ، ده أنت واحشني بشكل .
ضحك غانم ساخراً و قال: لأ ده إحنا نتقابل بقا.
فقال صلاح : ما أنا مكلمك عشان كده يا غالي
غانم : نعم ؟!
صلاح : عايزين نتقابل ، تحب فين و أمتى .
لاح على خاطر غانم فكرة ما فقال : يا أهلاً بيك في بيتي في أي وقت.
صلاح : يا ريت ده انا هيحصل لي الشرف ، بكره كويس ؟
غانم : كويس أوي ، مستنيك .
أغلق الهاتف معه و هو يفكر بعمق ، لماذا يريده صلاح ، بالتأكيد خلف زيارته هذه هدف و ربما كارثه .
رفع هاتفه و على الفور هاتف العم جميل يقول: أنت فين طول اليوم ؟
العم جميل: كان في خناقه في الخان يا ولدي كان لازم أروح بدالك أشوف القصه.
همهم غانم متفهماً ثم قال : طب أسمعني كويس ، عايزك تخلص الي عندك ده بسرعه و تجيب واحد يركب لي كاميرا مراقبة هنا عندي في المكتب .
جميل: كاميرة مراقبة ؟ ده ليه و لا من أمتى ؟
غانم : لما تيجي هفهمك كل حاجه ، خلص بس و تعالى بسرعه .
أنهى غانم الاتصال على هاتفه الجوال في اللحظه التي اتصلت فيه حلا من الهاتف الارضي لهاتف المكتب تخبره أنها قد أعدت قهوته و هو أمرها بالذهاب لغرفتها .
بالفعل نفذت ما قال ، وضعت القهوة على سطح طاولة الطعام الصغيرة بالمبطخ و همت مغادرة كي تذهب للبحث عن غرفتها وحدها فهي ترغب بالإبتعاد قدر المستطاع عن غانم و هيمنته عليها التي لم تحسب لها حساب يوم قدمت لهنا .
لكنها توقفت متصلبة برعب حين تفاجئت بأنقطاع الكهرباء من جديد تردد : تاني ؟!
ابتلعت رمقها و هي تخشى حتى الإلتفاف أو النظر خلفها مردده : دي علامة ، عشان أنا جايه هنا بنية مش سالكه .
رفرفت بأهدابها و هي تلتف بخطى حثيثة مرتجفة تبحث عن أي مصدر للضوء
في نفس الوقت كان غانم يمر من الرواق المؤدي للمطبخ و هو يردد بضيق : إيه حكاية الكهربا الي كل يومين تقطع دي ؟
ليشعر بجسد غض ، طري يرتطم بجسده ثم يتشبث به بشده حد الألتصاق يردد بخوف شديد : غانم بيه ، أنا بخاف أوي، الكهربا قطعت تاني.
لأول مرة يروق له إنقطاع الكهرباء و هو يحتضنها بين ذراعيه و أنفه تصدر صوت عالي دليل على سحبه لشهيق عالي كما يسحب المدمن جرعته من الكوكايين ثم يردد : جيتي لي تاني .
فردت و هي ترتجف: النور قطع ، أنا بخاف من الضلمة قوي .
عادت تسمع صوت أنفه و هو يسحب بحالمية رائحتها في شهيق عالي ثم يقول وسط تنهيده حارة : كنتي حاسة بأيه لما حضنتك أول مره ؟
أبتعدت عنه مرتعبه ، أعتقدت أن الموقف مر مرور الكرام و يظن حتى الآن أن من كانت معه هي زوجته سلوى.
فكانت تنظر له بصدمه على هيئة سؤال غير منطوق فقال: أيوه طبعاً عارف إن إنتي إلي كنتي في حضني .
أرتبكت في الحديث و بدأت تحاول التبرير : أنا ، أنا وقتها اتفاجئت بيك و حاولت أقول و..
ضغط على شفتيه بأسنانه يكافح على أرتكاب ما يرغبه بشده الآن.
سحبها من ذراعها بعنف شديد يجذبها منه ثم فتح باب خلفه و أدخلها لغرفه بجواره .
صرخت مرتعبة من المفاجأه خصوصاً وأن الغرفه غارقه في الظلام: أنت عملت ايه ، أنا خايفه قوي.
↚
وجدت نفسها فجأة داخل غرفة غارقة في الظلام.
إلتفت مفزوعة تناديه : غانم بيه ، أنا فين ؟
وقف بالخارج و هو يميل برأسه على الباب يستند بجبهته عليه يحاول إلتقاط أنفاسه و أن يتوقف عن اللهاس بعدما كان صدره يعلو و يهبط بجنون
أخيراً أستطاع اخراج صوته و قال : دي أوضتك ، دقايق و الكهربا هتيجي.
صباح اليوم التالي.
أستيقظ من نومه على صوت العم جميل يدفعه برفق في ساعده.
رفع رأسه عن ذراعه مندهشاً و بدأ يتلفت يميناً و يساراً بأستغراب .
وقد سأل العم جميل السؤال الذي رواد أثنتيهما : أنت إيه إلي بايتك هنا ؟
حاول فرد ذراعيه فعلى ما يبدو كانت تؤلمه طوال الليل و نظر لجميل يردد بخمول : مش عارف ،ممكن راحت عليا نومه .
نظر له جميل متفحصاً ثم قال : أحوالك مابقتش عجباني أديلك يومين.
فسأل غانم متنهداً : ليه ؟ مالي ؟
جميل : مش وقته ، قوم فوق عشان الراجل اللي طلبته وصل .
انتبه غانم و قال: حلو .. خليه يدخل على ما أغسل وشي و أجي .
هز جميل رأسه و خرج غانم من الغرفة كي يصعد غرفته يغتسل و يغير ثيابه .
لكن ساقته قدماه للمطبخ يختلق لنفسه عذر أنه يريد قهوة الصباح كي يستفيق .
في المطبخ.
جلس كرم أمام حلا و يسأل بتشوق : هاااااا و بعدين ؟
هزت حلا رأسها و هي تقطعة الفاصوليا مردده : و لا قابلين ، فضلت قاعده في الاوضه و قلبي بيرجف من الخوف و بعد بتاع عشر دقايق كده النور جه ، حمدت ربنا ، ده لو ماكنش جه ماكنش هيجيلي نوم .
مد كرم يده جلب خياره موضوع على الطاولة و قضمها بتلذذ و هو يردد متهكماً : ما كنتش اعرف انك جبانه .
حلا : لم نفسك و خلي عندك دم ، ده انا قاعده أعمل شغلك مكانك.
كرم : عشان صعبت عليكي ، بقولك عندي واوا ، حتى قربي شوفي .
حلا : ولاااا، أتلم.
كرم : ليه كده بس ده أنا حتى يتيم الأم و أنتي يتيمة الأب ، ما تيجي نحط ده على ده و نلم الشمل.
إلى هنا و لم يتحمل غانم و صرخ فيهم: هو في ايه بالظبط.
وقف كرم متأوهاً و كذلك حلا ، كل منهما صامت، و غانم نظراته كالرصاص تخترق كرم ، تكاد ترديه حياً .
فقال كرم : إيه يا بيه ؟ حصل حاجه غلط ؟
غانم بعصبية: أيوه أنتو.... أحممم .
حمحم بضيق ، ماذا سيقول ؟ و كرم ينظر له منتظراً.
ألتف ينظر لحلا ثم قال : أنتي قاعده مكانك تعملي إيه ؟ مش وراكي شغل و لا عشان الهانم مش هنا هتستهبلي .
شعرت بالحرج الشديد و لم تجد ما تقوله فقال كرم بدلا منها : ماعلش يا بيه ، أصلها كانت بتساعدني عشان تعبان ، و صعبت عليها ، حاكم حلا بتحبني أوي .
زاد إستعار لهيب عيناه ، كلمة كرم كانت گ قذيفة نوويه و ردد بصوت هز أرجاء المطبخ : أيه ؟
أتسعت أعين حلا و كرم نفسه صدم من رد فعله و جعد ما بين حاجبيه مستغرباً.
فقال غانم بأمر مخيف : تعالي ورايا .
إلتفت حلا لكرم ، كانت و كأنها تستجديه إن ينقذها .
نظرة أستفزت غانم لأبعد حد ، و حاول كرم التحدث: يا ب.....
أخرصه غانم بنظرة منه : على شغلك يا كرم.
ثم إلتف إلي حلا و قال بوعيد : و أنتي تعالي ورايا .
خرج من المطبخ و هي خلفه ، ما أن أختفيا عن أعين كرم حتى قبض على معصمها يجرها خلفه.
كانت تسير بتعسر ، تحاول مجاراة خطواته الواسعة الغاضبة و هي تسأل بخوف و حيره : غانم بيه ، هو في ايه ؟ أنا عملت ايه ؟ طب واخدني على فين ؟
أتسعت عيناها و هي تراه متجه بها لأول درجات السلم الذي يقود لأعلى عند غرفته .
تشبثت قدميها في الأرض كي لا يجرها خلفه و هي تردد بخوف : هنطلع فوق ليه ؟
ألتف لها يقول من بين أسنانه : و لا كلمة ، سامعة .
حلا برعب : أنا عملت إيه ؟
في تلك اللحظه تقدم العم جميل يقول بلهفة : ألحق يا ولدي.
نظر لموقفهما و سأل: هو في انت جاررها على فوق ليه ؟
ألتف له غانم يسأل بأقتضاب : في ايه ؟
تذكر جميل و قال : أااه .. الواد على البوابه بيقولي في حكومة برا .
أستغرب غانم: حكومة ؟ ليه ؟
حانت منه إلتفاته لحلا ثم أستدرك شيئأ ة بعدها غير مسار خطواته و اتجه بها لغرفتها غير مبالي أو مجيب لإستفساراتها ، زجها بالغرفه ثم أغلق الباب گ الأمس تماماً.
نظر لجميل و قال : ظبط الدنيا .
جميل: حاضر يا ولدي .
خرج غانم من الباب الداخلي للبيت فارد لعضلاته يمشي بتبخطر إلي أن وقف مستقبلاً قوات الأمن و قد صاحبتهم سيدة ترتدي فستان محتشم تردد : بنتي ، بنتي فين ؟
نظر لها غانم ثم لفستانها المهندم ، عرفها دون حديث ، تشبه أبنتها كثيراً.
و هيئتها أثارت ريبته ، فمظهرها هي أو أبنتها لا يدل على أي تعسر او ضيق حال أو أنها خادمة حتى.
حاول نفض كل تلك الأفكار عن عقله و سأل بهدوء : خير يا حضرة الظابط.
تقدم الضابط منه مردداً: الست سميحه بتقول إنك محتجز بنتها هنا .
غانم : محتجز بنتها ؟!
نظر غانم لسميحة فصرخت فيه : أيوه ، و أنا عايزه بنتي دلوقتي ، إنت إيه مفكر الدنيا سايبه؟
زم غانم شفتيه و قال : و أنا هحتجز بنتها ليه مش فاهم .
صمت لثواني ثم سأل و هو يتكئ على كل حرف: هو احنا في ما بينا طار و لا حاجة لا سمح الله ، أنا حتى مش عارف أنتي بتتكلمي عن مين.
فهتفت سميحة بحدة : حلا ، بنتي ،الي جت تشتغل هنا من يومين و امبارح ما رجعتش بيتها .
نظر غانم للضابط و قال: البيت كله قدام حضرتك دور فيه براحتك .
تحركت القوى المصاحبة للضابط في تفتيش المكان و أقترب غانم من سميحة ينتهز فرصته الذهبيه و قال : بنتك مش عندي أيه هيجيبها هنا .
سميحه : لأ هنا ،و انت حابسها .
غانم: يا ستي و أنا هحبسها ليه لا سمح الله ، مش فاهم.
سميحه : عشان....
همت بالأندفاع ، غبية گ ابنتيها ، كانت ستقول كل شيء لولا تجمع قوة الأمن من جديد مخبرين الضابط : مالقيناش حاجة يافندم
بالداخل في الغرفه الموجودة بها حلا كانت على بعد خطوة واحده من الجنون
ترى والدتها و قوات الامن من نافذة غرفتها المطله على الحديقه لكنها لا تستطيع مناداتهم .
قامت بالطرق على الباب و محاولة تكسير النافذه و لكن لم تفلح .
اخذت تشد خصلات شعرها بجنون مردده : هتجنن ، الباب حديد و الإزاز فاميه غامق ، مش عارفه اتصرف ، شكلي هعيش محبوسة عند الزفت ده و لا ايه.
سقطت على الأرض بعويل: تعاليلي يامااااااا .
في تلك اللحظة فتح الباب و دلف غانم بعينان يملؤهما الغموض و الإصرار .
وقفت سريعاً و أندفعت نحوه تردد : أوعى من طريقي ، أنا عايزة أخرج من هنا ، هما أزاي ماعرفوش يوصلولي.
أبتسم بجانب فمه و قال : باب اوضتك بيتلزق عليه ورق حائط من برا فيبان حيطه عاديه و الإزاز فاميه و الأوضه عازلة للصوت.
أتسعت عيناها برعب و أبتسم بأتساع يكشر عن أنيابه و بدأ بفك أزرار قميصه ليزداد رعبها و تبتعد عنه خطوة خطوة للخلف و هي تسأل : أنت بتعمل إيه ؟
غانم : واحد واطي زيي مع مزة زيك و بيقلع قميصه يبقى هيعمل إيه ، أكيد حاجه وحشه .
حلا : لأ لأ ، ليه ، أنا عملت ايه
غانم : شكلك بت شمال ، و عامله لي فيها خضرة الشريفه ، ده انتى تلاقيكي متاكلة ألف مره ، إيه بقا ،جت على غانم و بقى كوخ .
حلا برعب : ايه إلي بتقولوا ده أنا مش كده .
توقف عن فتح أزرار قميصه و قال: يبقى تقولي لي أنتي مين و بتعملي إيه هنا ، مين إلي باعتك و باعتك في مهمة أيه بالظبط .
أرتبكت كثيرا و لم تستطع الرد فقال : حاضر ، هعمل لك إلي أنتي عايزاه .
ارتعبت من جديد و سألت : هو انا عوزت حاجه و لا نطقت .
عض شفته السفلى و هو مستمر في فك باقية أزرار قميصه ثم قال: أنتي عايزاني .
فرددت بصدمة : أنا ؟ مين قالك كده ؟ و الله ابدا.
أنتهى من فك أزرار قميصه و بدأ في خلعه ليظهر جسده المتضخم بشعر غزير على ذراعيه و صدره
شهقت عالياً و هي تضع يدها على فمها و عيناها مرعوبه تراه يتقدم منها رويداً رويداً.
إلى أن أصبح أمامها يردد : طالما مش عايزة تنطقي بمزاجك ، أنطقك أنا ، و دي من أكتر إلي الحاجات اللي بعرف أعملها ، هتتبسطي أوي.
صرخت برعب ، تشعر بأقتراب ضياعها كلما أقترب خطوة و قالت : حرام عليك ، أبعد عني .
فهدر عالياً : أنتي هتعملي لي فيها شريفه ، و لا فكراني صدقت الشويتين دول.
صدمت من حديقه و صرخت فيه : شريفه غصب عنك ، و أفهم إلي تفهمه ، أنا مش مضطرة أشرح لك حاجة .
ردها البارد اثار غيظه فقبض على ذراعها يعرز أظافره فيه مردداً: على أساس أنه بمزاجه ، كل حاجة هنا بمزاجي أنا ، و دلوقتي أنا عايز اعرف كل حاجه ، قولي بمزاجك بدل ما أخليكي تقولي بالعافيه ، مين باعتك هنا و جايه ليه ؟
كانت تأن من ألم قبضته و حاولت التحدث : أنا مش عارفه أنت بتتكلم عن إيه.
قبض غانم على وجنتيها و قال : ما هي الخدود دي مش خدود خدامة أبداً
نفضت يده عنها و صرخت فيه : أبعد عني.
لان صوته رغماً عنه و هي بهذا القرب منه : أنطقي .
وضعت يدها على ذراعه تحاول أبعاده ليلين صوته و إحساسه و تغيرت أهدافه كليا و هي بهذا القرب منه وحدهما و هو عاري الصدر تقريباً.
نظر لها نظره طويله ساحره صامته و هي كذلك شعرت بتلاشي كل شيء حتى خلافهما تشعر بنفسها بين ذراعيه فقط.
بدأت يداه تمسح على شعرها بدفئ و هو ينظر لشفتيها التي أرتجفت و هي تستشعر سحر تلك اللحظة ، لم تدري كيف و متى لكنها تفاعلت معه كثيراً و أقشعر جسدها من قربها منه و هو عاري و مسحه على شعرها .
رغماً عنه وجد حاله مسحور ، سيطرت عليه إحساسه و بدأ يقترب من شفتيها ، لا يعلم لما يقترب و لا ماذا سيفعل حين يقترب لكنه يريد ذلك و حلا أكثر من مستعدة .
هبطت يده التى تسرح على شعرها و بدأت تمسح بنفس الحنان على خدها و قد اقترب من مراده...
لكن صوت العم جميل نفض جسديهما سوياً برعب يدركا وضعهما .
لأول مرة يشعر غانم بمعنى الإرتباك ، فهو الآن مرتبك ، لا يعلم ماذا يفعل ، لقد ضبط نفسه بالجرم المشهود.
لكنه خرج ، خرج قبلما يتهور ، لو نظر لها نظره واحده لتهور بالتأكيد.
أغلق الباب بقوه خلفه و سقطتت حلا على الفراش من خلفها لا تستطيع إلتقاط أنفاسها .
تضع يدها على شعرها موضع يده ثم قربت معصمها من أنفها تشتم رائحته التى تعلقت بيدها ثم تبتسم بهدوء.
لتستفق على حالها ، تدرك ما تفعله و توبخ نفسها بقوه : إيه ده ، إيه إلي بتعمليه ده ؟ نسيتي نفسك يا حلا ؟
تنهدت بضيق ثم وقفت لتخرج من تلك الغرفة .
في المطبخ
دلفت لتجد كرم جالس على كرسيه يحاول تقطيع الخضار .
أول ما رأها قال: حلا ؟ كنتي فين ؟ كان في حكومة هنا من شويه و بيسألوا عليكي.
نظرت له ببعض الضيق ثم قالت: بجد ؟ و بعدين ؟
هز كتفيه ببساطة و قال : بس .
حلا : هو ايه اللي بس ما طلعتش ليه قولت لهم إني هنا ؟
كرم : أبويا نبه عليا ما أطلعش .
صمتت حلا ، بل صدمت قليلاً و قالت : بجد ؟ ابوك نبه عليك فما خرجتش ، لا براڤو عليك، ايه يا ابني الشهامة و المروة دي .
كرم : أنتي بتتريقي عليا مش كده ؟ بس أعمل إيه ؟ ابويا هو إلي أمر ، ما تزعليش مني و النبي.
نظرت له بجانب عينها و لم تجيب و هو بدأ يلح عليها كي تسامحه وهي لا تسمعه بالأساس ، بالها مع تلك اللحظة الساحرة التي جمعت بينها وبين غانم .
و هو كذلك ، فقد وقف في غرفة مكتبه يرتدي قميصه تحت أعين العم جميل الذي ينظر له بإسنتكار مردداً : إيه إلي قعلك قميصك كده ؟
لم يجيب ، لم يجد إجابة ، تركيزه و فكره مازلا معها .
و حينما يأس جميل من الحصول على رد قال: طب حضر نفسك ، صلاح في الطريق على أول الخان و زمانه داخل علينا دلوقتي ، ألبس هدومك .
وقف غانم يغلق أزرار قميصه و على جانب فمه توجد إبتسامة بسيطة ، زادت و هو يبصر شعيرات بنيه طويله عالقه بين أصابعه .
فابتسم، أبتسامة واضحه أثارت الريبة لدى جميل فقال متعمداً : قررتها و لا لسه ؟ البت دي لا يمكن تكون خدامة ، ما شوفتش أمها لابسه فستان و شنطه ده مش منظر ناس على أد حالها ابداً .
تذكر غانم و أبعد عيناه عن شعرها ثم قال : اخدت بالي ، و مش هسيبها ، هعرف يعني هعرف ما تقلقش ، مش أنت ركبت الكاميرا إلي قولت لك عليها.
أبتسم جميل و قال بتأكيد : أيوه يا ولدي .
غانم : يبقى خلاص ، أنا عارف أنا هعمل ايه .
خرج جميل لاستقبال صلاح بينما بقى غانم يتظر لشعرات حلا التي بين أصابعه و يتذكر لحظتهما معاً ثم يبتسم بحب لتقع عيناه على صورة سلوى الموضوع على مكتبه .
شعر بخطأ فيما يفعله ، و نفض خصلات شعر حلا على الأرض و وقف يعدل من صورة سلوى ثم توقف ليستقبل صلاح الذي دلف بإبتسامة واسعه يردد : غانم باشا ، ليك واحشة يا كبير.
أبتسم له غانم نفس الابتسامه ثم قال: أنت أكتر ، تشرب إيه ، قهوة مظبوط مش كده .
صلاح: كده .
نظر غانم لجميل و قال : قولهم يعملوا لنا قهوه و يجبوها هنا .
فهم جميل على الفور و ذهب يطلب القهوة ثم عاد ينضم لهما .
بعد دقائق دق الباب و دلفت حلا عيناها على الصينيه التي تحملها تتعمد عدم النظر لغانم ، لا تريد بعدما حدث.
لكن غانم عيناه عليها ، يراقب كل شيء بها بمشاعر متناقضه تتحارب داخله ، حرب يحاول إخمادها يذكر نفسه بحقيقتها .
لينته بغضب على صوت صلاح الذي ردد : بسم الله ماشاءالله ، إيه الجمال ده ؟
نظر له غانم بحده بينما قدم جميل من الخارج يقول : غانم بيه ، عايزينك دقيقه.
وقف غانم ليخرج مع جميل و قال دون النظر لها : حطي القهوه و روحي.
هزت رأسها و لم يعجبها حديثه ، حديثه مهين على عكس تلك اللحظة التي عايشاها سوياً لتعلم أنه يذكرها بوضعها ، غصة مريرة تعلقت في حلقها و حاولت إبتلاعها و هي تضع القهوة تسرع كي تنتهي و تغادر .
و ما أن فعلت و همت لتغادر حتى وجدت كف أحدها يوضع على ذراعها يمنعها من التحرك ثم سأل : أسمك إيه ؟
وقفت بأعين متسعة مصدومه من فعلته تحت أعين غانم الذي يتابع كل ما يحدث عبر شاشة جهاز الاب توب خاصته و قد تحفزت كل خلاياه ما أن لمس صلاح يدها و جميل من خلفه يراقب كل ذلك و تعمد التدخل بالحديث فقال : شوف ماسكها إزاي ، معلوم ماهم موانسين مع بعض.
لكن في نفس اللحظة أنتبه غانم على حلا التي نفضت يد صلاح عنها فقال جميل: خبيثة البت ، خايفه لا تتكشف .
فصرخ غانم : شغلي الصوت .
فنفذ جميل على مضض ليسمع كلاهما ما يحدث .
في غرفة مكتب غانم
صرخت حلا: أوعى أيدك دي .
فرفع صلاح يداه عالياً كعلامة للإستسلام و قال : خلاص أهو ، أنا بس كنت عايز اعرف أسمك.
حلا : مالكش فيه و اوعي كده عشان سادد عليا الطريق .
صلاح: بالراحة بس ، أنتي طلقك حامي كده ليه ؟
كتفت حلا ذراعيها حول صدرها و هي تحتضن الصينيه و قالت : أهو أنا طبعي كده.
فألتسم صلاح بإعجاب مردداً: تعجبيني .
حلا: طب اوعي بقا.
صلاح: إيه بس ، لو خايفه من غانم هوجد لك شغل عندي .
قرب يده من شعرها و قال : حرام غانم يتمتع بالجمال ده لوحده ، أنتي تيجي معايا و ماحدش يشوفك غيري .
إلى هنا و لم يتحمل غانم ، هب من مكانه بغضب ، نار تحرق صدره و جميل خلفه يحاول إيقافه لكنه لم يتوقف .
دفع باب المكتب و نادى عليها : حلا ، تعالي هنا .
تقدمت حلا سريعاً له كأنه حماية لها ، شبك يده بيدها و سحبها للخارج.
أوقفها يطمئن عليها مردداً: إنتي كويسه ؟
هزت رأسها إيجاباً و قالت : ايوه ، بس سيبني أمشي .
جاوبها بنفس متهدج : و تسبني ؟
ردت بقوة : أيوه .
اقترب منها مردداً: بس انا مش عايزك تمشي يا حلا .
رفعت أنظارها لعيناه ، تبحث فيهما عن شئ معين ، و قد وجدته لتبتسم و هو كذلك.
ليصدح صوت جميل للبواب من الخارج مردداً : أفتح الباب يا ولا عربية الست سلوى وصلت
↚
وصول سلوى كان بمثابة المنبه الذي يوقظك من حلم جميل و أنت لا ترغب في ذلك .
أنها الحقيقة فهو متزوج و زوجته جيدة كانت أو سيئة لا تستحق أن تُخان و لا يوجد مبرر لذلك .
جلست في المبطخ و هي تفكر في الكلمة (خيانة)
أي خيانة ؟ !
و اخذت تهذي : خيانة ليه ؟ كلمة خيانة دي تتقال لما أبقى ب...
صمتت و قد أتسعت عيناها ، لا يطاوعها لسانها على إكمال الكلمة التي تتكون من أربع أحرف.
وقفت على الفور كمن صعقتها الكهرباء ، مصدومة ، تضع أناملها في جذور شعرها تشده .
تستوعب إلى أين وصل الحال ، عقلها ينذرها ، لا حل سوى الذهاب من هنا .
و بقى كرم ينظر لها باستنكار من حالتها ، و لديه كل الحق فقد كانت غريبة الأطوار .
ثم سأل : إيه يا بنتي في ايه ؟
نظرت له نظرة ناريه ثم سألت : إيه مالي ؟
كرم : شكلك مش طبيعي في ايه بجد ؟
حلا : مالي يعني شايفني بشد في شعري .
فرد ببساطة: أيوه أنتي بتشدي شعرك فعلاً أهو.
فصرخت فيه بجنون : بطل إستفزااااز .
وقف مبهوت من تصرفها و هي ذهبت لغرفتها سريعاً تغلقها عليها بغيظ شديد.
ليس من كرم ، أكثر شخص مستفز لها في الكون كله حالياً هو غانم ، جاءت لتسرقه فسرقها هو .
أرتمت على الفراش تغمض عينيها بقوة ، تعترف أنها بالفعل غبية و ساذجة سذاجة مستفزة حين ظنت أنها ذكية و يمكنها التلاعب بغانم صفوان .
في غرفة غانم
جلس على طرف الفراش و هو يضع وجهه بين كفيه منحني بجسده منهك الفكر و الروح .
أقتربت منه سلوى و قالت : مالك يا حبيبي ، ساكت ليه ؟
رفع رأسه و نظر لها يحاول أن يبتسم ثم قال : و لا حاجة يا حبيبتي ، قوليلي منال بقت كويسة؟
سلوى : اه ، بس مش كان المفروض تيجي تزورها ، لو مش عشانها يبقى عشاني حتى .
قلبة متعب و عقلة مشتت بالأساس لذا أرتسمت على شفتيه إبتسامة مجاملة متعبة و وضع كفه على خدها يداعبها : ماعلش يا حبيبتي حقك عليا ، حصل معايا كام حاجه كده .
لكن نظرتها كانت مليئة بالسخط و عدم الرضا و قالت: مش كفاية.
يعلمها جيداً و توقع ما ستقول فسأل: إيه يكفيكي طيب ؟
رفعت رأسها و قالت بترفع و دلال : تيجي تفسحني بكره فسحة كبيرة و تدخلني سينما .
أغمض عيناه بتعب ، حقاً لا ينقصه دلالها الآن و قال: حبيبتي هو أنتي مش عارفة أن الوقت ده كل سنة بيبقى عندي زحمة شغل و تركيز كبير عشان موسم.
زمت شفتيها و قالت : مش قصتي ، أنا زعلانه و أنت ملزم تراضيني ، مش أنا مراتك و أم إبنك.
غانم : ما هو عشان كده بالظبط أنتي لازم تساعديني و لا أيه ؟
وقفت عن الفراش و قالت بغنج و تدلل : و أنت ملزم تصالحني لأنك ماجتش تشوف أختي .
طفح الكيل بغانم و وقف هو الآخر و هو يغمض عيناه ، كان يحاول كبت غضبه و الصبر عليها و تدليلها لكنها تمادت و هو يعلم سلوى جيداً حين تتمادى فقال بصوت بطئ مخيف : أنا عمال أطول بالي و سايبك تتدلعي و أقول يا واد مراتك و بتدلع عليك و كمان حامل فعدي ، لكن بلاش تزوديها ، أنتي عارفة اني في موسم و ألف واحد مستني لي غلطة ، و لما اقولك ماعلش أستحملي يبقى تستحملي خصوصاً يعني أني مش حارمك من الفسح و انتي قدامي أهو لو تقدري تنكري أنكري .
اهتز ثباتها لتعلم أنها قد أوصلت غانم لذروة الغضب ، لكن سلوى لا يمكنها التراجع أو الإعتراف بالخطأ، تربت على ذلك.
لذا لم يكن أمامها سوى البحث عن حجة تشن بها هجوم جديد عليه فقالت : ما انت ما جت...
قاطعها صارخاً : هتقولي أيه ؟ مالك كده زي ما تكوني متفاجئة هو أنا أول مره ما أرضاش أروح معاكي ، ما كله من امك و تعاملها إلي زي الزفت معايا و أبوكي كمان بقا زيها ، هو أنتي ما ينفعش تقولي إنك غلطانه لازم تقاوحي للنهاية .
ألقى الكلام في وجهها كالرصاص و خرج بسرعه صافقاً الباب خلفه بغضب شديد .
و هي جلست على طرف الفراش منزعجة من صراخه عليها تراه مخطئ جداً معها و يظلمها كثيراً.
في غرفة مكتب غانم
جلس على كرسي مكتبة و عقلة يعج بالأفكار حتى أصابه الصداع حتى أن كل ذلك قد ترجم على ملامح وجهه المنزعجة ، كانت روحة تؤلمه كلما تذكر حلا.
لا يعرف ما السبب بالتحديد لكنها تؤلمه.
و مع كل ذلك رفض جميل أن يرحمه و بدأ في الحديث مردداً : مجي صلاح عيسى لحد بيتك إسمه إستفزاز ، إبن الكلاب جاي لقلب بيتك يتحداك ، ده عايز يتربى ، لازم ياخد على قفاه و يتعلم عليه .
أسبل غانم جفناه بتعب ، لا يقدر على الإستماع للمزيد ، الإرهاق و تعب النفس و الروح ظاهريرن على وجهه .
وضع أصابعه يضغط بهما أعلى أنفه بين عينيه ، يعلم أن جميل يقف منتظر مجاراته في الحديث و هو حقاً غير قادر على ذلك.
تقدم جميل يكمل : و بعدين هو جاي و خابط مشوار عشان يقولك أنه ناوي يدخل صفقة اللحوم الجديدة ؟! من أمتى الأخلاق العالية دي ؟ ده جاي يتحداك عيني عينك .... بكلمك يا ولدي مش بترد ليه ؟
ليهتف غانم : مش قادر ، مش قادر و لا عايز أتكلم دلوقتي.
رفع جميل إحدى حاجبيه و سأل بتوجس : أنت حالك مش عاجبني أديلك يومين ، إيه الحكاية ؟
قضم غانم شفتيه ، لا يتحمل سلاطة العم جميل إلا للعشرة و فارق العمر ، لولا ذلك لما صمت له و لتماديه معه .
فحاول التحدث بحلم : أنا بقول تروح تشوف طلبية الفاكهة الي رايحة مصنع العصير دلوقتي أحسن ما يحصل لغبطة .
نظر له جميل بتقييم و صمت مطولاً ثم قال: و ماله يا ولدي ، بس راجع لك عشان أعرف بيك أيه ؟
خرج جميل و زفر غانم بتعب تحرك على كرسيه بعدم راحة ، لا يعلم ما به ، وقف ينوي طلب فنجان من القهوة.
يعلم أنه يتحجج ... يتحجج لرؤيتها ، وصول سلوى اليوم قطع عليه لحظة مميزة معها ، لحظة كاد أن يصل فيها قلبه لقرار مهم .
انتفض من على كرسيه يهرول ناحية الباب و كأن برؤيتها راحته .
ذهب للمطبخ يبحث في الأرجاء عنها لكنه كان خاليا من طيفها و رائحتها التي أصبح مدمن عليها كلياً .
لم يجد سوى كرم فسأله : فين حلا ؟
كرم : مش عارف ، كانت هنا و أختفت مرة واحدة.
غانم بقلق : نعم ؟ أختفت راحت فين ؟
كرم : مش عارف بس أكيد في أوضتها و..
لم يتسمع له غانم او يعطيه الفرصة كي يكمل حديثه ، إنما ذهب لغرفتها يتأكد من وجودها فيها ليطمئن .
لم يدق على الباب ، فتحه دون إستئذان ليجد الغرفة فارغة.
جن جنونة ... هاجت أعصابه.
و نادى بأعلى أرتفاع قد يصل له صوته : يا عزاااااااام .
لم ينتظر قدوم عزام إليه بل هرول بسرعة للخارج بينما يتقدم ناحيته بخطى سريعة رجل أسمر البشرة مفتول العضلات حتى أمتثل أمامه يردد: أوامر يا باشا .
غانم بلهاس و قلق : حلا ، حلا مش موجوده جوا. أقلبوا عليها الدنيا .
عزام بإستفهام : حلا مين ؟ أااااه البطة البيضة ؟
أحتدت أعين غانم بوضوح شديد ليستدرك عزام حاله و يردد بتوتر : أاأححاضر .. هدور عليها.
غانم بأمر: ماتسيبش مكان ما تدورش فيه أنت و الرجالة ، أنت سامع ؟
هز عزام رأسه و ذهب سريعاً ينفذ الأمر خوفاً من بطش غانم الذي بدى في ذروة غضبه .
وقف غانم يضع يدية في شعره بغضب شديد يدور حول نفسه بجنون ، يرى أن وقوفه هنا لا معنى له ، يجب أن يذهب هو الآخر كي يبحث عنها.
مرت ساعتين و ها هي الآن تدخل لحارتها مبتسمة بأنتصار ، ممتنة لذلك الباب الخلفي للحديقة الذي تُرك مفتوحاً .
كانت تشعر أن الله معها و أنها ما أن تحاول الهرب سيساعدها و ييسر لها الأمر خصوصاً و أنها قررت التراجع عن سرقة غانم أو ما ذهبت لأجله فساعدها الله بالفعل .
أول ما رأت بيتها و أصبح بينه و بينها خطوات حتى رددت : أخيراً ، أشهد أن لا إله إلا الله.
لهست بتعب ، لولا المواصلات لوصلت مبكراً لكن لا بأس المهم إنها هربت من أثر غانم .
ابتسمت بأتساع ستدخل لبيتها ، لكن .....
توقف إمامها سيارة سوداء عالية و أنفتح الباب الأمامي لها لتشهق عالياً و هي تراه أمامها تماماً.
يرتدي نظارة سوداء ذات الموقف رهبة و هيبة ، لا ينظر لها و إنما ينظر للأمام برأس مرفوع و لم ينتطق إلا كلمة واحدة بصوت قادم من نار ملتهبة : أركبي .
بقت مكانها ثابتة ، جامدة ، تلهث بوضوح ، لم تتوقع ، ما يحدث معها الآن لم بحدث حتى في أي فيلم عربي شاهدته مسبقاً .
أبتلعت رمقها تبحث عن بصيص من الشجاعة داخلها ثم قالت : مش راكبة .
لم ترى منه سوى تحرك فكة المتشنج من الغضب ، و مازال مثبت نظره أمامه و ردد مجدداً لكن بصوت أشد حزم : كلمة واحدة ، أركبي .
لتجيب : مش هركب و هصوت و ألم عليك الناس.
غانم : براحتك ، خليها تبقى فضيحة و انتو لسه جداد في الحارة.
يزيد من عصبيته بعدم نظره لها ، لكنها خائفة ، و قد زاد خوفها بعد حديثه الأخير خصوصاً و قد طال وقوفها أمام سيارته المفتوحه لها و قبلها دخوله بتلك الطريقة السينمائية الخاطفة ، فصعدت للسيارة بإذعان و هو أنطلق سريعاً ما أن أغلقت بابها .
صمت .... صمت ... صمت .
طوال الطريق و هو صامت ، لم تحن منه و لو نظرة واحدة ناحيتها و هي قد تلفت أعصابها نهائياً
فقالت : أنت إيه إلي جابك ورايا ، أنا مش عايزه أرجع.
لكنها لم تجد منه أي إجابة لتفلت أعصابها و تثور : أنت .... أنا بكلمك .
فجاوب عليها بضيق و ترفع : شششششش .
حلا : أنت بأي حق تكلمني كده ، هو الشغل بالعافية .
توقف بالسيارة ، لقد وصل للمنزل.
خرج منها و إلتف حولها يفتح الباب، أخرجها منها عنوة ، يقبض على عضدها و يجرها للداخل.
فتح باب غرفتها و القاها بالداخل حتى سقطت على الأرض متأوهه .
مال عليها يشهر إصبعه في وجهها منذراً : الي عملتيه ده مش هيعدي على خير ، سامعه ، مش هيعدي على خير .
صرخت فيه: و هو أنا كنت عملت إيه ، جيت عشان أشتغل و مش عايزه أكمل مشيت .
غانم : قولت لك الخروج من هنا بمزاجي و بأمري .
انتفتضت تصرخ بقهر : أنا عايزة أمشي أنت ما أشترتنيش على فكره.
فقال بدون تفكير : مين قالك ، أشتريتك و بقيتي ملكية خاصة.
وضعت يدها على فمها بصدمة و هو وقف مبهوتاً مما تفوه به للتو .
مرر أصابعه في شعره بضيق و توتر ، متوتر مما وصل إليه بنفسه .
و هي سكنت مكانها تنتظر أن يقول المزيد ، أي حديث ، فليقل أي شيء.
و قد قارب على التحدث من جديد و هو ينظر لها نظرة خاصة بأعين لامعة ثم قال : حلا أنا ....
غانم.... غانم.
كان هذا صوت سلوى زوجته تبحث عنه.
يستمع كل منهما لها و هي تقف بالقرب من غرفة حلا تسأل كرم : البيه فين يا كرم .
كرم : مش عارف يا ست هتلاقيه في مكتبه .
سلوى : مش هناك ، قولي صحيح ، ايه اللي حصل في غيابي ؟
كرم : لااا ده يطول شرحه .
سلوى : طب أعملي قهوتي هاجي أشربها و انت بتحكي لي على ما أشوف البيه .
كرم : أعتبريه حصل .
نظر غانم على حلا و أطبق جفناه ثم قال : قومي غيري و كلي أي حاجة.
حلا : مش عايزة.
غانم: مش بمزاجك ، قولت لك قومي كلي يبقى تقومي .
حلا : أنت بتعمل معايا كده ليه ؟ أنا أذيتك في أيه عشان تعاملني كده ؟
تحركت شفتيه ، عاجز عن البوح ، و خرج من عندها ، تحركت خلفه لكنها تصنمت عند الباب و هي تراه قد تقابل مع سلوى التي كانت لا تزال تبحث عنه و أول ما رأته أخذته في أحضانها مرددة : حبيبي ، كنت فين ، بدور عليك.
أبتسم بصعوبة و قال: أنا هنا .
أشتعلت نار مستعرة في قلب حلا لا تعلم من أين و لما ، و بقت متواريه تراقبهما و لم تغلق الباب و تدخل غرفتها كأي تصرف طبيعي.
ربما أرادت قتل شئ ما تولد داخلها ، تتنفس بسرعه و عيناها ترغب بالبكاء لكنها لم تبكي .
بينما غانم أحتضن سلوى هو الآخر و حاول مراضتها و قال: حقك عليا ما توعليش مني .
لكنها هزت كتفيها و قالت: لأ لسه زعلانه.
أغمض عيناه و سحب نفس عميق بتعب شديد ثم قال: و إيه يرضيكي ؟
تعلقت سلوى بكتفية ثم قالت بدلال : تخرجني دلوقتي ، اتفسح و ادخل سينما و بعدها نعمل شوبنج للبيبي.
تنهد بتعب من جديد ثم قال: حاضر ، روحي غيري .
مسحت سلوى على وجنته و هي تقول : تؤ ، تعالى أختار لي إلي هلبسه .
غانم : حاضر ، يالا.
ذهب معها دون أن ينظر خلفه و صعد .
و هي دخلت غرفتها و أغلقت بابها تبكي و تنتحب .
في منتصف الليل .
تسلل لغرفتها يفتح الباب ثم يسير بخطى حثيثه.
حتى توقف أمام سريرها ، يراها و هي ممدة أمامه بجلباب قطني قصير و مريح لونه وردي يناسبها جداً.
جلس على ركبتيه أمام فراشها يبتسم براحه و صدر منشرح ، الأن فقط يمكنه النظر لها على راحته و بلا أي حرج أو موارة.
تقلبات على الفراش فكان هنالك فراغ ، وقف عن الأرض و جلس فيه بجوارها .
مد أصابعه يزيح بعض الخصلات عن وجهها و أبتسامته تتسع رويداً رويداً.
سؤالها مذ سألته و صداه يتردد في عقله حتى و هو بالخارج مع سلوى ( انت بتعمل معايا كده ليه) .
ليتحدث إليها كأنها أمامه تسمعه و قال بصوت خفيف للغاية كي لا تستقيظ : هتعامل معاكي إزاي و أنتي جيتي قلبتي كل موازيني في يومين بس ، هتعامل معاكي زي ما أنا حابب و عايز إزاي و أنا كنت لسه مزعق لسلوى ، ما عرفتش .
عض شفته السفلى بشعور لا إري قد تملكه ، كأن موعد جرعته قد حان .
قأقترب منها يضع أنفه بالقرب من رقبتها يسحب القدر الممكن من رائحتها لصدره و هو يبتسم بإنتشاء .
ضيق عيناه و قد أنحسر الرداء عن رقبتها قليلاً فأظهر جزء من كتفها ليبتسم و هو يرى ثلاث شامات على كتفها .
رغماً عنه مال على كتفها يقبله قبله سطحية تعمقت رغماً عنه فبدأت حلا تتحرك بإنزعاج .
ليخرج سريعاً قبلما تستيقظ و تراه ، وقف خارج غرفتها يلهس و كأنه عاد تلميذ صغير و قبل فتاة لأول مرة.
وضع أصابعه على فمه و أبتسم ، بقى مكانه لدقيقة ثم تحرك لغرفته ، الآن فقط يمكنه النوم .
نام سعيد جداً و أستيقظ سعيد.
على عكسها تماماً ، فقد دلفت أليه بالقهوة التي طلبها متعمدة عدم النظر له فلم ترى بالطبع نظراته التي شملها بها و سعيد وحده و زادت سعادته حينما رأها .
وضعت القهوة و تبعها كوب الماء بسرعة ، تسارع كي تغادر و تتخلص من حضرته و تأثيره عليها.
إلا أنه قبض بيده على يدها ، رفعت أنظارها له متفاجئة فرأته و هو يبتسم لها ثم ردد: البطة مكلدمة النهاردة ليه ؟
جعدت ما بين حاجبيها بإستغراب من طريقة حديثه معها و تغير مزاجه.
وقف عن كرسيه و دار حوله و هو لا يزال متمسك بكفها حتى توقف أمامها.
نظر لعيناها و أبتسم ثم قال : زعلانة مني مش كده ؟
لم تجيب فقط نظرت بعيداً عنه ثم قالت: و أنا هزعل من حضرتك ليه؟ ربنا ما يجيب زعل .
غانم : حضرتي ؟
حلا : أيوه.
زم شفتيه ثم أبتسم و قال: طيب حضرتي جايب لحضرتك هدية .
نظرت له و قد جعدت ما بين حاجبيها و سألت : ليا أنا ؟
هز رأسه و قال بابتسامة تشرح صدر أي فتاة : أيوه.
أدخل يداه لجيب سرواله و أخرج منه علبة من القطيفة الزرقاء وفتحها لتتسع عينا حلا غير مصدقة و هي ترى سلسال رائع الشكل ذهبي اللون.
أقترب منها و قال: ممكن حضرتي يلبسها لك بقا ؟
لم تجيب ، لم يكن عقلها معها ليصدر رد فعل ، فقد طار مما يحدث الآن.
فاتخذ هو الخطوة و أقترب منها يميل على رقبتها، لا بل يحتضنها له مستغل للفرصة و سحب جرعته التي يحتاجها يومياً من رائحة جسدها ، يتذكر قبلته لها مساءً ، يجاهد على ألا يكررها الأن.
كل هذا و حلا مصدومة مبهوته ، وما أن أقترب منها حتى شعرت و كأنها فوث غمامة وردية جميله ، ارتفعت دقات قلبها ، و أوشكت على الذوبان .
علت وتيرة أنفاس كل منهما و لم تجد حلاً سوى الفرار .
أخذ يناديها : حلا ، حلا.
لكنها لم تجيب و فرت ، عاد خطوتين للخلف يحاول إلتقاط أنفاسه و هو يردد : كويس أنها جريت ،و إلا كنا جبنا عيال هنا .
عض شفته السفلى من جديد و بقى جسدة متدغدغ من تلك الأحاسيس التي تملكته و هي بأحضانه .
ركضت بإتجاه المطبخ لتصدم بكرم يقص على سلوى أدق أدق التفاصيل التي حدثت في غيابها .
و ما أن أبصرتها سلوى حتى ألتمعت عيناها بكره شديد ثم أتسعت و هي ترى ذلك السلسال على صدر حلا .
تشنج تنفسها ثم وقفت عن كرسيها تقول لكرم : خلاص يا كرم ، كفاية كده النهارده و لما ترجع أبقى كمل .
وقف كرم مستغرباً يسأل : أرجع منين يا ست ؟
سلوى : أصل البيه ربنا ما يقطع له عادة جاب شوية هدايا للفقرا إلي في الخان عشان البيبي ... خدهم وزعهم.
إلتفت تنظر لحلا ثم قالت متفاجئة و كأنها لم ترها إلا الآن: حلا ، أنتي هنا ،طب كويس عشان تاخدي خديتك ، ايه ده ؟
مدت يدها للعقد و قالت : هو غانم أداهولك خلاص ، طول عمره سباق بالخير و يحب يجبر بخاطر الغلابا .
لفت لكرم و قالت: ورايا يا كرم يالا .
ثم غادرت بخيلاء تاركة حلا التي قد سقطتت للتو من سابع سماء لسابع أرض
↚
ركضت لغرفتها سريعا تبكي لم تتحمل ما سمعت.
وقفت أمام المرأة تنظر لإنعكاس صورتها فيها تراقب أنفها المحمر و دموعها الغزيرة .
دقيقة صمت .....
فقط تتطيل النظر لنفسها تحاسبها ثم سألتها إيه بټعيطي ليه كنتي مستنية إيه يحصل ولا حاجة... و لا أي حاجة.... راجل متجوز و كمان مراته حامل عايزه منه إيه و لا مستنية إيه
نزلت بعيناها لذلك السلسال و قالت فرحتي أوي وي الهبلة و نسيتي نفسك جايبها لك زي ما بيجيب لناس كتير... إنتي تستاهلي مية جزمة على دماغك يمكن تفوقي ... تفوقي و تبطلي ترخصي في نفسك و تفتكري ده مين ... ده غانم .. غانم إلي كان السبب في أن أهلك يفلسوا و تطلعوا من بلدكوا هربانين بڤضيحة ... فاكره و لا نسيتي
تعاقبت ذكريات الزقازيق في رأسها مما جعل الغل يفوح من عيناها صكت أسنانها پحقد و غيظ خصوصا و هي تتذكر ذوبانها أمامه و هو جامد گ الجبال.
مدت يدها تخلع عنها ذلك السلسال بكل قوة تملكها حتى أنها قطعت جزء من ياقة فستانها الوردي .
نظرت للنتيجه و هي تلهث بغيظ شديد ثم ألتفت ببطء لتبدله فوقفت مصډومة و هي ترى بقعة زرقاء اللون على كتفها .
أرتعبت بشدة و لم تجد أي تفسير لتتذكر حديث إحدى الجارات في الزقازيق عن إبنة أحد أقاربها التي عشقها عفريت من الجن و كانت تتكون لديها تلك العلامات.
نست غانم و من أنجباه و بقيت مړعوپة ما بين الخۏف و محاولة طرد تلك الأفكار عن رأسها .
و لم يخرجها من كل هذا سوى صوت كرم يناديها.
خرجت من غرفتها و ذهبت إليه تسأل في ايه
كرم أعملي إنتي للبيه قهوته أنا طالع مع الست سلوى نوزع الحاجة على الغلابة يالا سلام.
ذهب سريعا و لم يترك لها فرصة لا للحديث و لا الإستفتسار .
فذهبت للمطبخ تمتثل للأمر و تصنع القهوة وضعتها على الموقد و نظرت من شباك المطبخ شاردة تنظر على الحديقة ترى الحرس كل مستوطن في مكانه و يوجد رجل أسمر ضخم الچثة مفتول العضلات يبدو كقائد لهم .
و ظل عقلها يبحث هنا و هناك عن خطة للخروج من فبضة غانم .
أما في مكتب غانم فقد جلس الذي ظنته صلب گ الجبال جالس الآن في مكتبة ذائب كذوبان قطع الثلج كلما تذكر لحظته معها بالأمس في غرفتها و هو يشتم رائحتها على راحته و يتعمق في تقبيل شامات كتفها لقد لعقها لعقا ... تبا لها إنها گحلوى الماشمليو بل أكثر جمال و ليونة .
فتح الباب و سبقها عطرها لعنده أبتسم بأتساع هو بالفعل قد أشتاق إليها .
ظل جالس على مكتبه حتى يتثنى له مراقبتها بتمعن هنالك فرحة تتضخم داخله كلما رأها فقط .
لكن .... تبا لما لا تنظر له و ما سر ذلك الوجه الجامد المتجهم .
راقبها و هي تضع القهوة مسرعة في ذلك و ما زال وجهها منكس أرضا.
فهتف حلا .
لتجاوب و هي متجنبة النظر له نعم .
جعد ما بين حاجبيه بإنزعاج شديد تملك روحه و قال حلا .. مش بتبصيلي ليه
تنهدت بضيق و سألت حضرتك كنت عايزني في حاجة قهوة حضرتك أهي.. تلزم أي خدمة تاني
وقف عن كرسيه و قال لااا .. ده كده بقا في حاجة مالك يا حلا
كان قد ألتف من حول مكتبه و وصل لعندها وقف مقابلها و سأل مالك يا حلا
تنهدت بضيق مجددا اضحت ترى كل ما يحدث الآن ماسخ جدا ماذا يريد هو و لأين يريد أن يصل
و لما طال صمتها و مازالت تتجنب النظر له نفذ صبره و تحمله و مد يده أسفل ذقنها يرفع وجهها له ثم سأل پحده في أيه مش عايزة تبصيلي ليه .
نظرت له بصمت تام و برود .... برود ظاهر بوضوح يناقض ذلك الوهج الذي كان يراه في عيناها كلما رأها حتى نصف ساعة.. من نصف ساعة فقط كانت هنا في مكتبة
و على ذكر السلسال انحدرت عيناه لجيدها ليراه خاليا منه .
أحتدت عيناه و سأل فين سلسلتك
ضيقت عيناها بإستخفاف ثم ضحكت مستهزئة تجيب سلسلتي سلسلة إيه يا باشا أنا عمر ما كان عندي سلاسل .
فقال من بين أسنانه و الله امال إلي أنا لبستها لك من شويه دي كانت إيه
زمت حلا شفتيها بإستهزاء و هي تخرجها من جيبها ثم سألت قصدك دي لا دي مش بتاعتي يا باشا .. دي بتاعتك أنت.
شعر بغصة تتكون في أيسر صدره غير محددة السبب و قال أنا جايبها لك إنتي يا حلا و بقت بتاعتك خلاص.
مدت يدها لكف يده ليصدم بها تفتحه و تضع السلسال به ثم تقول كتر خيرك يا باشا أنا مش محتاجه معونة من حد .
بهت وجهه و ردد پصدمة إيه
إلي بتقوليه ده
ظلت على برودها لا تجيب مما أخرجه من طور الهدوء و زادت عصبيته قبض على معصمها يهزها بيد واحدة و هو يقول من بين أسنانه بقى أنا أتعب و ألف و أختار بنفسي و أنتي تقولي كده ده أنا.... ده أنا كنت برا خارج و طول الوقت بفكر فيكي أنا سبت مراتي في محلات الإطفال و كدبت عليها و روحت لاحسن جواهرجي أجيبها لك و فضلت شايلها مخبيها عشان أديهالك و أنتي تقولي كده معقول تقابلي كل إلي عملته بالبرود ده .
كانت تستمع له بأعين متسعة و هو كذلك صدم مما تفوه به أثناء غضبه فقد باح بأكثر من المسموح به .
و لكنها السبب فهي من أفلتت زمام الأمور من يده و هي تتعامل بتلك الطريقة.
ثم قالت قولت لك مش محتاجه معونه من حد أنا مش من الفقرا إلي بتعطف عليهم و لا بشحت.
فصړخ فيها حلاااا إتكلمي كويس .
حلا باشا .. ماعلش يعني هو انا واقفه هنا بعمل إيه أنا أصلا لسه هنا في البيت ده ليه و ليه لما مشيت رجعتني و أصلا أنت أزاي عرفت طريق بيتي أنا مش فاكرة إني قولت لأي حد عليه.
أسئلة كثيرة خلف بعضها و متعاقبه على أي منهم سيجيب
تلعثم في الرد وضع يداه في خصره ثم رفع رأسه لأعلى يحاول الوصول للحظة هدوء و تركيز .
فتح عيناه و عاود النظر لها و هو يستعد للتحدث أليها بحلم طيب يا حلا ممكن تهدي و تفهميني مالك
هزت رأسها بنفاذ صبر و قالت أنا مش عايزه أفهمك و لا تفهمني أنا عايزة أمشي.
تنهد ثم تحدث بصوت متعب و هو يمد كفه على وجنتها يملس عليها بجنان شديد ما قولت لك مش عايزك تمشي عايزك جنبي.
أقترب منها بهدوء شديد و بدأ يميل إليها شيئا فشيئا حتى بات قريب جدا منها لم يستطع تمالك نفسه كثيرا أطبق بذراعيه عليها بين أضلعه يحتضنها له و هو مغمض العينين حتى أنها شعرت بتشنج عضلاته على جسدها تسمع صوته يردد عايزك جنبي دايما أفهمي بقا .
أتسعت عيناها و هي تدرك ما يحصل و المغزى من حديثه كذلك إحتضانه منها و قربه الدائم و الغير مفسر و هو رجل متزوج و هي خادمة لديه .
زادت عصبيتها و كأن الكهرباء قد أنفصلت عن عقلها نفضته عنها پعنف و ڠضب و بدأت تتحدث بغل إيه إلي أنت بتعمله ده أنت فاكرني إيه رخيصه ماليش قيمة أوعى تفكر تقرب مني تاني أنت سامع و لا لأ و لا أنا أصلا مش هفضل عندك هنا اكتر من كده عايزة امشي هو مش بالعافية على فكره... مش عايزة أفضل عندك أفهم بقا .
كان يتسمع لها و قد تفاجئ برد فعلها و لم يستطع التحمل هاجت أعصابه و هدر پعنف اييييه هتحايل عليكي هشتحتك ما عنك ما فضلتي أنا إلي مش عايزك في بيتي ثانية واحدة زيادة أمشي من هنا مش عايز ألمح خيالك حتى أنتي سامعة و لا لأ... يالاااااا .
صړخ بالاخيرة عاليا حتى أنها شعرت بأهتزاز الأرجاء من حولهما صدمت قليلا لكنها أسرعت في الخروج تركض ناحية الباب الداخلي ثم إلي الحديقة .
رفع سماعة تليفونه يهاتف أحدهم فأتاه الرد على الفور ليقول بصوت لاهث متعب أيوه يا عزام حلا رايحة ناحية البوابة عايزة تخرج أمنعها حتى لو قالت لك إني سمحت لها .
اغلق الهاتف و عاد رأسه للخلف لا يفهم بل يصعب عليه التوصل لمعنى واضح عن ما يحدث معه.
و لا لما يفعل كل هذا لما لا يستطيع تركها و شأنها و لما لا يستطع الإقتراب أكثر طالما أنه يريد ذلك.
ليأتيه الرد على هيئة صوت ... صوت سلوى التى دلفت لعنده مندفعه مبهورة تردد غانم غانم ... ألحقني يا غانم .
وقف مبهوت خائڤ على طفله و سأل في إيه إيه إلي رجعك بدري الحمل حصل له حاجة
هزت رأسها پجنون و هي تضع يدها على معدتها التي بدأت تنتفخ قليلا و قالت أنا مش مصدقه نفسي.. مش عارفه أصدق .. إحساس جنان.
هز كتفيه بجهل و قال في ايه يا سلوى قولي بسرعه بالله عليكي أنا مش ناقص.
اقترب منه سريعا و خطفت يده تضعها على معدتها لتتسع عيناه و يقشعر جسده و هو يشعر بتحرك شئ ما تحت يده حركة خفيفة.
أبتلع رمقه بصعوبة و سأل ده... ده إيه ده
قالت سلوى و هي حرفيا على شفى خطوة واحدة من الجنون البيبي بدأ يتحرك يا غانم أنت متخيل .. يااااه .. أنا أول مره أحس الإحساس ده ده طلع إحساس جنان ... كل مره ماكنش الحمل بيعدي الشهر التالت حتى فمكنتش بحس بكده دي أول مره.
وقف مبهوت لأول مرة يشعر بهكذا إحساس و سلوى كذلك التي قالت أنا كنت برا و أول ما حسيت بكده سبت كرم يكمل و جيت على هنا بسرعة كرم بيقول أن ده من الحلويات إلي أكلتها و كل ما باكل حلويات كل ما بتزيد حركة البيبي كده... أنا هطلع اوضتي بسرعه عشان أرتاح و أنام على ضهري.. الحمل ده لازم يكمل.
غانم طيب أهدي براحة بس.. إن شاء الله هيكمل أطلعي إرتاحي.
سلوى أيوه أن شاء الله هيكمل لازم و إلا هيجرى لي حاجه أنا ممكن أتجنن فيها بجد تعالى معايا لاوضتي يالا نيمني .
لم يفكر لثواني ذهب معها و هو يعلم أن حلا تمنع الآن من الخروج و ستعود لغرفتها غاضبه تود حرقه سيتركها قليلا لتهدأ و هو كذلك.
فليهتم حاليا بطفله القادم و ينتظر حتى تهدأ تلك الطفلة التي تقطن غرفتها بالأسفل .
مرت عدة أيام لم تكن كفيلة أبدا بأن تهدئ حلا بل كانت عصبيتها تزيد يوم عن يوم رغم سماح غانم لها و أخيرا باستخدام هاتفها المحمول فبعد فترة من المنع أقتربت من الشهر تعطف و تكرم عليها و سمح لها بإستخدامه فقط لتطمئن أمها عليها يوميا.
جلست على الكرسي في المطبخ لا تهتم بالسماع إلى ما يحكيه كرم تراه كثير الكلام كالسيدات بالضبط .
ليتفاجئ كل منها بغانم يقف على باب المطبخ يقول بعناد طفل أرعن عايز قهوة
لم تنظر له رغم أنها تشعر بأنظاره مسلطه عليها يقصدها بحديثه رغم تعميمه الكلام أثناء الطلب .
فزاد غضبه و قال من جديد بقول عايز قهوة .
فقال كرم حاضر يا باشا .
غانم مش الهانم طلبت منك بسبوسه خلصها لها بسرعة عشان نفسها فيها .
كل هذا و هي تنظر أرضا ببرود قاټل .. قاټل جدا بل مدمر لأعصاب ذلك الضخم الواقف يسد الضوء عن الباب و هي جرو صغير يجلس على كرسيه متسبب في عصبية شخص مثله و أيضا لا تبالي .
فقال كرم هعملك القهوة و أكمل .
غانم و ليه هو مافيش غيرك هنا حلا تعمل القهوة.
و أخيرا نطق أسمها بلسانه بعد خصام
أيام رغم أنه ينطقه كل يوم و ليله في سره ... حلا.. كم يعشق هذا الإسم بحروفه الثلاث .
ليأتيه الرد البارد من صوت بارد ردد مابتعرفش .
زادت وتيرة أنفاسه قليلا و أخيرا تحدثت إليه و أستمع لصوتها لكنها كلمة قصيرة و هو يرغب في إطالة الحديث فسأل ما بتعرفش إيه
حلا بنفس البرود مابتعرفش تعمل قهوة .
غانم بجد أمال بتعرفي تعملي إيه
حلا ما بعرفش أعمل أي حاجة أنا بقول توفر عليك فلوس مرتبي و تمشيني .
كانت مستفزة بجدارة مستفزه لأقصى حد أراد إستفزازها كما تفعل معه و قال إلي مش بيعرف يتعلم أهو تتعلمي لك حاجه تنفعك و تشتغلي بيها هتمشي من هنا يعني تقعدي في البيت من غير شغل
تنهدت ببرود و قالت أنا مش بتاعت شغل أنا هتجوز و أقعد في البيت .
بارعة أستاذة و رئيسة قسم في البرود أنها كثلج ألاسكا بالضبط تنظر له بأعين باردة ثابتة ثم قالت و أنت مالك دي حاجة تخصني لوحدي هو انت من بقية أهلي
فقال غانم پغضب حسابك تقل معايا أوي خلصي القهوة و تعاليلي على مكتبي.
خرج سريعا لن يتحاسبا أمام كرم فلتأتي لعنده و يكونا بفردهما و وقتها سيريها كيف ستتزوج برجل أخر .
لكن حلا لم تكن تهتم و لم تصنع له القهوة حتى تركيزها على الوصول لفرصة للخروج من هنا كل دقيقة تمر عليها و هي معه تراه يقترب و يدلل زوجته ټموت حية و أكثر ما ېقتلها هو أنها لا تستطيع البوح و لا تستطيع التوقف عن ما تشعر به .
نظرت لكرم و سألت خلصت البسبوسة يا كرم .
كرم أيوه بسبوسة بقا إيه ماقولكيش من إلي وصى عليها لقمان .
حلا ايوه طبعا طبعا هاخد منها بقا .
كرم خدي إلي أنتي عايزاه أنا هروح أودي الطبق ده للست سلوى و جاي .
ابتسمت له ثم وضعت البسبوسة في صحن صغير ة معه شوكة ثم عدلت من ضبط فستانها على جسدها و صففت شعرها التقطت الصحن و خرجت للحديقة تبحث عن هدفها.
حتى توقف أمامه و نادته لتلفت إهتمامه عزام .
إلتف لها على الفور و هو مستغرب وجودها و بعيناه يظهر الإعجاب بجمالها بوضوح ثم ردد ست حلا بتعملي إيه هنا.
جعدت ما بين حاجبيها و سألت إيه ست حلا دي أنا حلا عادي.
عزام ما هو ....
صمت لا يعرف بما يجيب او يقول هو بالطبع ملاحظ لإهتمام رب عمله بها لذا فهي بالتأكيد ليست مجرد خادمة فهو يعمل مع غانم من فترة ليست بقصيرة و لم يراه مسبقا يسير يوزع الإهتمام على هذه و تلك بل يفعل فقط مع حلا لذا أرفق كملة ست مع إسمها .
لكنها رفضت و قالت ما هو إيه ده أنت حتى شغلتك أشيك مني شوية مسؤل أمن مش خدامة زيي .
أبتسم لها و قال ما تقوليش كده ده أنتي ست البنات كلها.
أتسعت أبتسامتها و قالت طيب أنا جبت لك البسبوسة دي عملتها بأيدي قولت لازم أجيب لك منها .
و گ المثال القائل أجسام البغال و عقول العصافير فقط إستطاعت حلا بكلماته البسيطة الساذجة تلك أن تضحك على عقل عزام الذي أخذ منها الصحن مسرور و بدأ حديث طويل بينهما بل جلب لها مقعد بلاستيكي أيضا لتجلس بجواره يتبادلان أطراف الحديث الخفيف و هو مستمتع بمذاق حلوى البسبوسة.
جلس على طرف السفرة ينقر على زجاجها پغضب أين هي و لما لم تأتي بالقهوة لقد صبر عليها كثيرا حتى أن ميعاد الغداء قد أتى و هي لا حس عنها و لا خبر.
يرغب في الذهاب لها لكن هيبتة تمنعه خصوصا و هو لا يجد منها مؤخرا غير الرفض القوي و كذلك سلوى تجلس معه الأن.
رفع عيناه على صوت همهمة متلذذة صدرت عن سلوى التي تلتهم البسبوسة.
نظر لها بإنزعاج واضح و قال في ايه يا سلوى ده تاني طبق كتر الحاويات ده غلط.
سلوى غلط و لا صح مش مهم الحلويات بتخلي البيبس يتحرك و أحس بيه و أنا عايزه كل شويه أحس بكده .
غانم ماشي يا حبيبتي بس ده غلط جسمك يبوز في ايه ما طول عمرك پتخافي على جسمك حتى لما كنتي بتحملي قبل كده كنتي بتفضلي محافظة.
سلوى ماكنتش لسه أكتشتفت الإكتشاف الرهيب ده أنا في سبيله ممكن اضحي بأي حاجة حتى لو كانت الحاجة دي هي رشاقتي أنت مش متخيل .
نظر لها غانم بتعاطف كبير أصبح متخوف عليها كل مره يتمنى إكتمال الحمل و هذه المره كذلك لكن الأمر تعدى كل ذلك فجنون سلوى و تعلقها به يجعله متخوف عليها فهو الآن لا يرى سلوى زوجته التي يعرفها بل يرى أمرأة مهووسة بذلك الجنين.
وضع كفه على جبينه يمسحه كل شيء يزيد الثقل على كاهله سلوى و شعوره بالمسؤولية ناحيتها و الحمل و خوفه عليه و تلك الحلا التي تعلق بها تلعق شديد و هي تعذبه و هو كذلك .
لينظر حوله ترى أين هي
لم يتحمل كثيرا و وقف بصمت تام لكنه گ العاصفة و ذهب يبحث عنها .
دلف للمطبخ و لم يجدها كاد أن يغادر لولا أنه لمح عبر النافذة المفتوحة ذلك المشهد الغرامي الخلاب.
ذهب لعندهما كالأعصار تماما وقف صارخا عليها حلااااا .
نظرت له بطرف عيناها و لم تهتم بينما وقف عزام يردد في حاجه يا باشا
نظر له پغضب و الله و جاء اليوم الذي سيغير فيه من عزام.
تجاهله متعمدا و وجه حديثه لها بصوت مخيف بتعملي إيه هنا يالا معايا حالا
فقالت و هي تعلم أنها تتعدى كل الحدود لأ أنا عايزة أقعد مع عزام شوية كمان .
رأت النيران في عيناه رغم خۏفها إلا أنها تريد ذلك فربما كل ذلك يعجل من ذهبها من هنا نهائيا بالتأكيد شخص گ غانم لن يتحمل كل ذلك و سيطردها نهائيا حفاظا على هيبته .
أما غانم فلم يبالي و قال زودتيها زودتيها أوي يا حلا قدامي على جوى أنا هعرف إزاي أعلمك الأدب.
تقدم يقبض على عضدها و يجرها خلفه للداخل في الوقت الذي ارتفع فيه صوت سلوى بړعب يهز البيت كله هزا اااااااااه... غاااانم .. ألحقني... البييييبي... ډم.. ډم يا غانم .....
↚
ركض للداخل مفزوع يسأل بلهفة و قلق : في إيه يا سلوى ، ايه اللي حصل.
مدت سلوى ذراعيها له بهلع تستجديه : ألحقني يا غانم ، ألحقني ، في نقط دم في هدومي ، البيبي... هيجراله حاجة ، البيبي هيجراله حاجة يا غانم ، جيت اقوم من على الكرسي لاقيت فيه دم.
ارتعدت كل أوصال غانم و وقفت حلا في أحد الأركان تراقب ما يحدث بصدمة و صمت تام .
بينما غانم يصرخ على العم جميل ليسرع في تجهيز السيارة .
كان يسير في المشفى بخطى واسعه خلف الترولي المتحرك الذي أستلقت عليه سلوى يمسك على يدها يحاول طمئنتها لكنها لازالت تصرخ مرددة جملة واحدة: هيبقى كويس .
غانم : إن شاء الله .. قولي يا رب يا سلوى.
سلوى : لأ.. هو هيبقى كويس .. لازم يبقى كويس .. لازم .
غانم : أدعي ربنا إنه يحافظلنا عليه.
سلوى : هيبقى كويس .. البيبي هيبقى كويس .. أنا مش هتحمل .. مش هسقط تاني .. مش هدخل عمليات و أنزل أبني... مش هعمل تنضيف و كحت للرحم تاني .. أنا أستويت .. و الله العظيم أستويت .
دلف بها الممرضين للداخل يجهزونها كي يتم الكشف عليها و هي لازالت تردد نفس العبارات.
دخل الطبيب و حاول التحدث معها لكنها قالت : البيبي ده لازم يعيش.. لازم يعيش يا دكتور .. إنت سامع.
نظر الطبيب لغانم فتقدم من سلوى و قال : سلوى لو سمحتي أهدي خلي الدكتور يشوف شغله .
لكن سلوى مازالت تتحدث بجنون : مش هتحمل ،مش هتحمل ... لازم يعيش .. لازم .
أقترب الطبيب منها و قال بهدوء: طيب مش تسبيني بقا أشوف شغلي عشان ننقذه و يعيش .
و أخيراً أمتثلت لما يُقال لها و هزت رأسها مراراً تردد : أيوه.. صح .
باشر الطبيب عمله ألى أن انتهى و قال : الرحم وضعه مش مستقر ، و البيبي كمان ، هناخد الحقن دي و ننتظم عليها مع الراحة التامة... ماتقومش من على ضهرها لحد ما الشهر ده يخلص و بعدها تجيلي عشان نشوف الوضع إيه و نطمن.
نظرت له و سألت بلهفة و هوس : يعني هو كويس صح ، أيوه هو كويس، و هيبقى كويس.
أبتسم لها الطبيب و قال : إن شاء الله.
و أخيراً ألتقط غانم أنفاسه المحبوسة و بدأت إبتسامة الراحة تتكون على جوانب شفيته لتصنع ضحكة سعادة ، لكن لم تكتمل فقد اندفع الباب بقوة و دلفت منه والدة سلوى تردد : في أيه ؟ إيه إلي حصل ؟ أكيد ضايقتها و عليت ضغطها يا أبن صفوان .
دلف والدها هو الآخر يسأل : عملت ايه للبت ، إيه إلي جرى يا سلوى ؟
تجهم وجه غانم بضيق شديد ثم قال: هو في ايه ، إيه الطريقة دي ، إيه.... مجوزينها لقتال قتلا ... عيب عليكوا إلي بتعملوه ده ، أنا مش هفضل ماسك نفسي كتير .
رضا : أنت بتعلي صوتك علينا؟
غانم : أه بعلي صوتي عليك و لو مالمتش نفسك هتشوف وش مش هيعجبك ،انا سكت لك كتير أوي عشان عامل خاطر لسنك و عشان بنتك ، بس أنت الظاهر كده سوقت فيها .
حاولت سلوى التحدث : غانم ، عيب كده .. أنت بتزعق لبابا؟
إلتف غانم لها و قال : يعني مش شايفه أبوكي قال إيه ، ده بدل ما تقولي له يحترم نفسه .
رضا: لااااا ، ده انت زودتها أوي.
كاد غانم أن يتحدث لكنه تذكر وضع زوجته و طفله الآن فصمت... أطبق أصابعه في قبضة محكمة كأنه هكذا يكظم غيظه ثم خرج كالأعصار و صفع الباب خلفه.
دلف للبيت بمنتصف الليل منهك القوى يجر قدميه جراً .
منهك القوى ، روحه متعبه ، اليوم كان صعب جداً و الضغط مضاعف ، من ناحية تعب سلوى و حياة طفله المهددة بالخطر و من ناحية الضغط العصبي المتمثل في إستفزاز أهل زوجته .
ما عاد يتحمل مطلقاً ، نظر في أرجاء البيت بصمت تام.
لم تكن أبدا تلك هي الحياة التي يريد ، البيت بارد و باهت رغم أنه نفس البيت العتيق الدافئ الذي كبر و تربى فيه على قصة الحب العظيمة التي كانت بين والده و والدته .
أغمض عيناه بتعب ، يتذكر كيف ماتا ، فللحب مرار يعادل حلاوته.
فلم يتحمل والده أن حبيبة عمره أصيبت بالسرطان و تحول من رجل قوي ضخم الجثة شديد الهيبة لرجل متعب يعرف الدمع عيناه كلما رآها و هي تتألم من جرعات الكيماوي و بدلاً من أن يقويها و يساندها مات ..... لتموت بعده بأسابيع لكن ليس من السرطان و إنما حزناً عليه ... هكذا أخبره الطبيب .
ليصل في النهاية إلى حقيقة واحدة و هو أن الحب مؤلم أحياناً.... مؤلم جداً.
لذا لم يفكر مرتين حين أبرم مع رضا تلك الصفقة العظيمة ، خصوصاً و أنها على قدر من الجمال و متعلمة و ابنة أصل .
سحب نفس عميق و هو ينظر لباب غرفة حلا ، و هو قادم في الطريق كان ينهبه نهباً بسيارته كي يصل سريعاً يود أخذ جرعته اليوميه منها .
لكنه الآن توقف ، ما عاد يريد ، لن يقع في فخ الحب كما عاهد نفسه ،و ليظل قلبه ملك له .
كذلك سلوى لا تستحق الغدر مطلقاً رغم كل عيوبها ، و طفله القادم يلزمه حياة أسرية سعيدة و رائعة .
فلم يتردد ... ذهب لغرفته كي ينام... أو يحاول .
صباح يوم جديد أستيقظ من نومه على صوت ضحكات عالية صاخبة .
فتح عيناه بتشوش و أنزعاج و نظر حوله ليجد الغرفه خاليه و لم تمر ثواني حتى تعاقبت على ذهنه ذكريات أمس من مرض زوحته و مكوثها في المشفى ليلة أمس .
قطب جبينه وهو يسأل نفسه من سبب كل تلك الضحكات الرنانة.
دارت عيناه فى محجريها و قد ورد لذهنه شخصية واحدة لينفض عنه الغطاء و يقف سريعاً ثم يذهب ناحية النافذه ، يزيح الستار ثم يفتح الزجاج .
صك أسنانه بغضب جم و هو يتأكد من حدثه ، فصوت تلك الضحكات الرنانة آتي من تلك البطة البيضاء التي يؤيها في بيته .
تشنجت ملامح وجهه بغضب ناري و هو يرى كلا تقف في الحديقة مرتديه فستان وردي أسفل ركبتيها بقليل ، يضيق على الصدر و الفخذ ، متخذ شكل جسمها الفتاك و قد رفعت شعرها على شكل كحكة عالية ليظهر جيدها ناصع البياض.
منظرها وحده مستفز لأي بشري مهما كانت طاقة تحمله.
كل ذلك و لم تكتفي بل كانت تقف و بيدها صحن صغير تأكل منه و هي تتحدث مع عزام و تضحك على نكات سخيفة يقولها.
غلت الدماء في عروقه و تمكن الغيظ منه ، أغلق النافذة على الفور و هو يحاول كتم غيظه ثم يردد متظاهراً بالا شيئ كي يقنع عقله: عادي عادي .. عادي يا معلم عادي .. واحده و بتضحك ، هي حرة.
رفع رأسه عالياً في محاولة شديدة البأس منه للسيطرة على أنفعالاته ، يثبت لنفسه إنه هو المتحكم الأول و الأخير بها ، هو من يملكها فقط و ليس أحد سواه .
فأرغم نفسه على أن يذهب للمرحاض لينعم بحمام دافئ طويل .
لكنه لم يكن طويل ، بل لم يتعدى الدقيقتين و خرج ليبدل ثيابه سريعاً ثم يطلب قهوته و يدخل مكتبه ليرى الأعمال المتراكمة عليه .
فتح الباب و دلف العم جميل يسأل : صباح الخير يا ولدي ، الست سلوى عامله إيه ؟
حاول غانم التحدث و قال : كويسه .
لترن من جديد صوت ضحكة حلا ، على ما يبدو أنها مازالت تقف معه .
حاول التغاضي أو التظاهر بذلك و قال لجميل: فين ورق حسابات مصنع اللحوم .
أعطاه جميل بعض الأوراق و قال: أهي يا ولدي ، بس باينها فيها مشكله ، في غلط ييجي بربع مليون جنيه .
رفع غانم حاجبه الأيمن و سأل بغضب شديد: نعم ؟ ربع أيه ؟ هو ايه اللي ربع مليون
جميل: هدي نفسك يا ولدي مش كده ، صحتك .
غانم: هو إيه الى أهدي نفسي ، هو الربع مليون دول بيلعبوا ؟ أنت ليه محسسني أنك بتتكلم عن ربع جنيه ؟
جميل: و الله يا ولدي ما أنا عارف ، الواد المحاسب ده كأنه متقصد إلي بيعمله و ملغبطلنا الحسابات عشان نتوه .
ضرب غانم على سطح مكتبه و قال: لأ تشوفهولي بقا .. عشان دي مش أول غلطة ، هو في ايه ، ده تاني محاسب مايكملش السنه إلا و في لغبطة و لعب.
جميل : طب هدي روحك يا ولدي صحتك ، أنا هشوف شغلي معاه ،على الله بس ما يطلعش تبع إلي ما يتسمى إلي أسمه صلاح .
صدحت ضحكة حلا من جديد فرد بغضب و توتر : شوفه و قرره ، و هات أخره عشان أنا مش هحله .
صمت جميل لثواني ثم قال: فيك إيه يا ولدي ؟ مش عوايدك.
أكل غانم بواطن فمه يخرج فيها غيظه ثم قال: ماعلش ، أنا بس متعصب عشان سلوى و تعبها و كمان المشاكل إلي كل يوم و التاني دي .
ألتمعت عينا جميل و قال ضاحكاً: عيني عليك يا ولدي ، أهو العز و المال مش بيجيبوا غير وجع الراس ، ماكنتش طلعت فرد أمن غلبان أقله كنت طلعت لك ب بطاية حلوة تحل من على حبل المشنقة زي عزام الأسود ده .
أحتدت أعين غانم و سأل : أنت تقصد أيه ؟
التوى ثغر جميل و جاوب : صحيح أصلك ما شوفتش جوز الكناري إلي برا ، هئ و مئ و دلع ، هنية له و الله.
صرخ غانم : بقولك تقصد مين ؟
جميل: أقصد البت الخدامة الجديدة دي و الواد عزام الحارس بتاعك ، شكله الحب ولع في الدرا .
هب من مقعده بغضب شديد و ذهب ناحية الشرفة ليراها مازلت تقف معه و تعطيه من حبات الفراولة الطازجة الموجودة في الصحن الذي تحمله.
ذهب جميل و وقف خلفه و قال و هو قريب من أذنه : هنية له و الله عزام ، البت فرسة ، بس فرسة قصيره ههههه
فزجره غانم بغضب ليقول : أحمممم ، أنا بقول تروح تطل على مراتك و تطمن على إبنك و لا إيه.
نظر لها غانم بصمت فحمحم بحرج و إلتف خارجاً و هو يقول : أنا هروح اشوف موال الواد المحاسب ده و هقول لكرم يعملك الفطار بسرعه عشان تروح المستشفى .
خرج مسرعاً من عنده و حاول غانم تذكير نفسه بما عاهد حاله به ليلاً ، يجاهد في طرد تلك الأفكار عنه و أخماد تلك النيران التي تأكله .
و ردد بغيظ : عادي عادي .. عادي يا معلم عادي .
لم يستطع تناول طعام الإفطار و قرر الذهاب لزوجته ، هي أولي بالإهتمام .
خرج من الباب الداخلي يتوجه لسيارته المصفوفة هناك ، وجدها مازلت تقف معه هو يتحدث و هي تستمع .
فنادى بصوت جهوري : حلااااااا .
صوته كان نابع من الجحيم ، زلزل المكان من حوله و أنتبه الجميع .
حتى أنها أرتعبت ، و من شدة الرعب لم تتحرك مما زاد غضبه .
و صرخ مجدداً: هو انا مش بنادي عليكي.. تعالي حالاً
ذهبت لعنده و رافقها عزام مما ألهب النار في قلب غانم و هو يراه قادم لجوراها كأنه يعلن مساندته لها فسأله : هو انا ناديت عليك ؟ إيه إلي جايبك ؟
أرتبك عزام و لم يجد رد فقال غانم : أتفضل جهز الحرس عشان رايحين المستشفى.. يالا .
هز عزام رأسه و قال: حاضر .
ثم إلتف لحلا و قال لها: أدخلي أنتي يا حلا الجو برد، أنا هروح أشوف شغلي.
هل شعر به أحد ؟ فهو على مشارف الإصابه بالشلل ، فعزام بيه يعطيها أوامر خوفاً على صحتها .
غانم الآن في مرحلة ما بعد الغليان لدرجة أنه لا يجد كلام يعبر عن الغيظ الثائر داخله.
و قال: و الله ؟ على أساس أنها شغاله عندك أنت ؟ بتديها أوامر بتاع إيه.
عزام : أااا.. ما تأخذنيش يا باشا بس... أصل أنا عارف يعني إنك مالكش علاقة بشغلها ، الست سلوى هي إلي بتوجهاا .
نظرة صمت بين رجلين ، كل منها يمكر بالأخر ، كل منهما يفهم على الآخر لكن ممنوع البوح .
فعزام على دراية بأهتمام غانم بحلا فقد سبق و أرفق كلامه معها بكلمة (ست) و غانم كذلك على دراية بمكر عزام فمبرره غير مقنع كذلك حين جاء خلفها كأنه يعلن تحدي غير مباشر.
أشاح غانم بنظره عن عزام و إلتف لحلا ثم قال: و إنتي.. هو أنا مش ناديت عليكي .
حلا : نعم يا باشا .
غانم : أدخلي جوا إقلعي المسخرة إلي أنتي لبساها دي ، شغل المرقعة ده تعمليه برا مش هنا في بيتي
حلا : طب سيبني أطلع برا يا باشا عشان أعرف أتمرقع .
كبت عزام ضحكته و أستعرت أعين غانم و هتف بغضب: روح شغل العربية.
عزام: و أجمع الرجالة ؟
نظر غانم بجانب عينه على حلا و رغماً عنه قال : لأ سيب نصهم هنا .
كانت لحظة مضيئة ، شئ لم يفهمه سوى غانم و عزام .
فغانم لا يخاف سوى على نفسه ، و الآن فقط سيترك حراسه في البيت لتحميه أو.... لتحمي شخص مهم لديه .
حتى أنه أهم من سلوى التي لم يترك لها حراس و لا مرام طالما أنه ليس بالبيت.
نظر كل من عزام و غانم لبعضهما ، فتلك أيضاً كانت رسالة خاصة غير مباشرة من رجل لرجل كرد منه على رسالته السابقه.
تحرك عزام بصمت تام ناحية السيارات يجهزها و يجمع عدد من الحرس و أعين غانم تنظر له بغيرة واضحة ، فقد أتى اليوم الذي يغار فيه.. و من عزام الذي يعمل لديه .
إلتف لحلا و قال من بين أسنانه و هو يحاول ألا ينظر لها علامة على عدم الاهتمام: روحي أوضتك و أقلعي المسخرة دي ، يالا.
لم تتحرك ، كانت غاضبة...تباً ، فحتى غضبها لذيذ ، الواقف أمامه تتملكه رغبة في قضم خدودها الممتلئة تلك.
فتحرك هو و إلا سينهار بالتأكيد .
غادر سريعاً قبلما يضعف و وصل للمشفى.
في غرفة سلوى
ركضت على الفراش و هي تضع يدها على معدتها كأنها هكذا تطمئن نفسها أنه هنا .. مازال هي و هو بأمان .
لا يعجبها ابداً إصرار والدتها على أن تخرج من المشفى لبيت والدها حتى يثنى لها خدمتها ، هي مصممة على العودة لبيتها هي .
تتذكر ذلك اليوم الذي خرجت فيه مع غانم جيداً.
عودة بالزمن للخلف
كانت تقف في محل كبير لمتعلقات الأطفال و حديثي الولادة تضع في سلة المشتروات كل ما تقع عليها عيناها .
نظرت لعلبة كبيرة الحجم من الغسول ثم قالت: و هاخد دي كمان.
هز غانم رأسه ثم قال: أوكي .
جلبت نوع اخر ثم قالت: و دي كمان.
تنهد غانم و قال: زي ما تحبي .
نظرت للعقد المتدلي على صدرها ثم قالت: ميرسي يا حبيبي على العقد .
ابتسم لها غانم و قال: عجبك .
سلوى : جداً ، أنت عارف أنا بموت في لون الألماظ الأسود .
أبتسم لها غانم ثم قال: طيب كملي أنتي بقا الليلة إلي شكلك مش عايزه تخلصيها دي على ما أعمل أنا مكالمة مهمة .
لم ينتظر ردها و خرج سريعاً ، ظل يسير و يسير حتى وصل لمحل مجوهرات بنفس المول .
و لم يشعر بسلوى التي كانت تسير بنفس الطابق ترى أين ذهب ، لتراه و هو يشتري ذلك السلسال البسيط و هو سعيد جدا و باليوم التالي وجدته بعنق خادمتها
الوقت الحالي
عادت من شرودها على صوت أمها التي قالت: أسمعي الكلام و بطلي نشوفية دماغ ، لو روحتي البيت عندك أنا مستحيل اجي معاكي ، مش هقعد في بيت الجدع ده ، و وجودك لوحدك غلط عليكي.
سلوى : يا ماما أفهمي ، مش هينفع أسيب غانم هناك لوحده مع....
لم تتحمل والدتها و قاطعتها سريعاً بحزم : أبنك و لا غانم ؟
لم يحتج الأمر تفكير طويل بالنسبة لسلوى بالطبع فقد جاوبت على الفور مضحية بغانم و من انجبة و قالت بلا أي تردد أو شك : لأ ابني .
لتقول امها : يبقى هنرجع على بيت أبوكي .
وصل غانم و حاول تناسي حلا و تحمل والدة زوجته .
و في أخر اليوم طلب الطبيب دواء غير متوافر في المشفى أو بأي صيدليه فبحث عن عزام كي يأخذ السيارة و يبحث عنه لتقول والدة سلوى: راح البيت يجيب لبس سلوى و حاجتها عشان هتخرج من المستشفى على عندي ، أبعت حد غيرة من الرجاله.
وقف غانم بغضب ثم سأل: ده من امتى الكلام ده.
سلوى : من العصر تقريباً.
غانم : و هو عزام هيغرف يجيب لبس لواحدة ست
والدة سلوى : الخدامة الي هناك تبقى تساعده
و على تلك السيرة و الربط بينهما أشتعلت النيران بصدره.
ذهب يطلب من أحد رجاله البحث عن الدواء و الذهاب به للمشفى .
و ظل على ناره حتى أطمئن على توفيره ثم ذهب للبيت سريعاً.
دلف للخان و هو ملاحظ لأثر المطر في الشوارع و الجو البارد .
توقف بسيارته عند البيت ليجد عزام واقف و هو يسعل بقوه .
نظر له غانم يسأل: في أيه ؟
عزام: أبداً يا باشا ... شكلي اخدت دور برد.
دلف للداخل و صعد لغرفته دون أن يلتف خلفه .. لو نظر خلفه لذهب لعندها و أشبع صدره من رائحتها لكنه قاوم.
صباح اليوم التالي.
كان يهبط درج السلم بخمول و إرهاق، واضح أنه لم ينام الليل و قد جافاه النوم.
ليبصرها تقف أمامه و هي تلمع أحد التماثيل ، حاول المرور من جوارها ، يكبت إهتمامه .
لكنه توقف على صوت سعالها و إلتف ليرى أنفها محمر و وجهها خامل باهت .
نهش القلق قلبه و سأل : حلا ... إنتي تعبانه ؟
حاولت أن تبتعد عنه و تتجنه ، يجب عليها ذلك .
و هو يشعر بدلك المرار الذي حاول الإبتعاد عنه طوال عمره ، لكن على ما يبدو أنه يلاحقه .
فقد شعر بخوف شديد و قلق عليه فرق صوته و هو يقول : لأ شكلك تعبان ، تعالي أرتاحي لازم تروحي لدكتور .
حاولت الإبتعاد عنه و هي تتحاشى النظر له مرددة : مش مستاهلة .. شكلي أخدت دور برد
لهنا و أشتعل اللهب في عيناه يضيقها ببوادر غضب و هو يفكر ممن أستمع للجملة نفسها قريباً.
ثواني و أشعلت عيناه بغضب أرعب حلا كلياً فعلى ما يبدو أن الماثل أمامها يفكر في طريقة مثالية لسلخها حية .... و هو كان كذلك بالفعل .
↚
بدأ يلتف رويداً رويداً ينظر لها و النيران في عينيه مستعره يتذكر هيئة عزام مساء أمس
وحينما سأله ما به جاوب بنفس الجواب تقريبا
بدأ يتقدم منها بخطوات مخيفه عينه يقدح منها الشرر ثم سال بصوت مرعب : وجالك منين البرد بقى
مسحت انفها بمنديل ورقي تقبض عليه ثم قالت : هيكون جالي منين يعني دور برد زي اللي عنده كل الناس
غانم : عند كل الناس ؟ صح ، على أساس إنك بتخرجي وبتروحي وبتيجي ف أتعديتي ، يا ترى مين هنا عنده برد ؟ مين؟ مين يا غانم؟ .... عزام
قبض على رسغها وشدها اليه بطريقة أرعبتها حتى بات وجهه مقابل وجهها
وسأل من بين اسنانه : أتعديتي منه ايه؟ كنتوا قريبين من بعض للدرجه دي ؟
اتسعت عيناها من حديثه المشين انها إهانه لن تقبل بها ... دفعته في صدره بكل غضب ثم قالت وهي تقلص ما بين حاجبيها : أنت قصدك إيه
زاد غضبه فهي بدلا من ان تشعر بالخزي بدأت في التبجح بل رفعت صوتها عليه ايضا محتجه
زاد من القبض على رسغها يؤلمها بشدة ... ألم يضاهي الألم الذي ينهش في قلبه حالياً من شدة الغيره والحقد وسال مجددا باصرار شديد غير قابل لاي نقاش : بقولك أتكلمي... أنطقي... قرب منك؟ لمسك وانا مش موجود؟ اتكلمي بدل ما أقتلك دلوقتي و أدفنك مكانك
تفاقم غضبها منه و تخطى كل الحدود ، لا يحق له ما يفعل فقالت : أنا اعمل اللي اعمله مالكش اي دعوه بيا .. اعتبرني ماشيه على حل شعري ، ليك إيه عندي ، روح شوف مراتك
كلماتها فصلت الكهرباء عن عقلك لقد عُمى تماما ولم يعد يرى امامه
غرس اصابعه في لحم ذراعها ، الألم في صدره ينهشه نهشاً ، يجرها خلفه لا يرى أمامه مطلقاً ، و هي جسدها منهك تماما لقد سيطر عليه التعب وهو لا يهتم ولا يرحم دفش باب غرفتها و دفعها للداخل فأرتمت على الارض وهي تتأوه
لم تعد قادرة على التحمل، ما يحدث كثير عليها فصرخت فيه : حرام عليك انت بتعمل معايا كده ليه؟
صرخ هو الاخر بما يعبر عن الغضب المكنون في صدره : إنتي تخرسي خالص سامعه .... أخرسي
خرج وأغلق الباب خلفه ، ذهب ليبحث عن هاتفه كي يطلب لها الطبيب لكنه تفاجأ بعزام يدخل ومعه الطبيب ثم قال : صباح الخير يا بيه ، معلش يعني أستسمحك الدكتور هيدخل لحلا
حرفيا وبكل معنى الكلمه عزام هو أخر شخص قد يرغب غانم في رؤيته الآن.
فهو على مشارف إرتكاب جريمة ، يشعر بنار كلما رآه وعلاوة على ذلك لم يكتفي عزام بعد... لا فحبيب القلب قد جلب لها الطبيب يعلم أنها مريضه قبلما يعلم هو وذهب لإحضار الطبيب ...يخشى عليها كثيرا و في العلن .
أستعرت عيناه أكثر ونظر لعزام بغيظ وحقد شديد
يرغب في تهشيم وجهه و سحقه ضرباً ، لكنه كذلك لم ينسى أبداً تلك المريضة التي تقبع بالداخل.
نظر للطبيب بتردد وهو يذكر نفسه بحالها يجب ان يتغلب على غيرته و هوسه بها الآن هو بالأساس كان سيستدعي لها الطبيب
لكن ، و بتصرفات صبيانيه لشاب مراهق يعشق لأول مرة نظر للطبيب الذي جلبه عزام وقال له : أمشي اطلع بره
بهت وجه عزام وأتسعت عيناه فقال لغانم : ليه يا بيه بس كده دي حلا تعبانه قوي من امبارح خليه يدخل يشوفها بالله عليك
زاد الغضب والكره في قلبه ، يتفاقم بصوره غير طبيعية حتى أن قلبه وجسده يحترقوا من شده الغيظ ولا يستطيع التحكم في نفسه حاول تجنب الحديث معه وقال بترفع : روح شوف شغلك
تصرفات هوجائية متصابية من شخص لأول مره يجرب ما يشعر به الان فقد صرف الطبيب وصرف عزام لكنه ذهب ليطلب طبيب اخر
جلس بقلق شديد وتوتر وهو ينتظر مجيء الطبيب ليلوم نفسه قليلا لأنه طرد الطبيب الذي احضره عزام.
لكن الغيره وإحساس أنه هو الوحيد المسؤول عنها دفعه لذلك وجعله يتوقف عن لون نفسه و أخذ نفس عميق وهو متجهم الوجه يردد انه فعل الصواب
دقائق معدوده و كانت سياره الطبيب تتجه لداخل البيت العتيق .
وقف عزام يراقب كل ما يحدث بصمت تام يدرك تماما الوضع
تقدم منه العم جميل وسأل عزام : إيه اللي حصل ؟ دكتور رايح.. ودكتور جاي ،أيه الحكايه؟
نظر عزام لجميل ثم قال : والله يا عم جميل انا نفسي مش فاهم، حلا تعبانه طلبت لها دكتور عشان يجي يشوفها ودخلت بيه البيه طردنا مع ان هو هو برده راح طلب لها دكتور بصراحه تصرفاته عجيبه وغريبه
همهم العم جميل بتفهم، فكر لثواني ثم قال : شكلك انت مهتم قوي بحلا ، عجباك يا واد ؟
أرتبك عزام قليلا و نظر في الارض ، لكزه لعم جميل في كتفه يمازحه قائلا : عجباك باين عليك
ابتسم عزام موافقا لكن ما لبث أن تلاشت إبتسامته وقال بحزن شديد: بس البيه شكله عينه منها يا عم جميل
جميل : أنت بتقول ايه البيه راجل متجوز ومستني ابنه اللي جاي في الطريق
عزام: وهو ده يمنع هو اول راجل يعملها يعني ؟
العم جميل : أيوه مش أول واحد ولا حاجه بس أكيد غانم بيه مش هيبص يعني لخدامة شغالة عنده
هز عزام رأسه بيأس وقال بتاكيد تام : القلب وما يريد يا عم جميل
هز جميل راسه بأسى وقال : أي والله عندك حق يا ابني
لكنه عاود رفع رأسه ينظر لعزام وقال : بس لو أنت رايدها ما تسيبهاش لحد غيرك .
أستغرب عزام طريقة جميل كثيراً ثم قال له : حد ايه بس يا عم جميل ، ده البيه اللي كلنا شغالين عنده اللي بيقبضنا اخر الشهر
حديث عزام استفز جميل لأقصى حد.
كأنه ذكره بماضي ما ...... وقال بغضب نابع من داخله : وفيها ايه يعني هو ربنا اللي بيرزق ولا ألبني آدم اللي انت شغال عنده ؟ يزيد في إيه عنك؟ ده انت راجل قد الباب وكتفك يجر طاحونه .
صمت ثواني و شرد ثم قال بحزن: المهم تفضلك عليه فاهمني .
صمت عزام مبهوتاً كأنه تفاجأ من رد العم جميل وقال له: فاهمك يا عم جميل، بس..... مش غريبه
تنهد جميل قليلا ثم قال له : هو ايه اللي غريب ، الحق عليا يعني اني عايز اساعدك
عزام : لأ مش قصدي ، أنا قصدي يعني انك انت اللي مربي غانم بيه ، انا قلت انك هتبقى واقف في صفه
صمت جميل شارداً قليلا ثم قال : هو أبني و أنت أبني بردو ، أنت عشره يا عزام يا ابني وزيك زي كرم عندي بالظبط ، وبعدين البيه واخد من الدنيا كل حاجه هياخد كمان البت الوحيدة اللي عجبتك ، أنت لو دكر بصحيح ما تخليش حد يقرب منها غيرك وخليها كمان تسيب الشغل هنا لو ده هيجيب لكم وجع الدماغ .
صدم عزام من حديث العم جميل و الذي يحمل الكثير من الإصرار و كذلك الخبايا في طياته .
أستغرب حديثه جدا، لكنه في نفس الوقت شرد مفكراً، يرى أن معه حق وليطرح الامر على حلا لديه شكوك بانها لن تمانع
بينما جميل جلس أرضا منزوي على نفسه وقد غرق في ماضي أليم لا يفارقه أبداً.
دلفه بالطبيب لعندها وجدها مفترشه السرير تبكي بتعب وألم شديد لم يكن الم من المرض بقدر ما هي منهكة القوة متعبة من كل الجهات
رق قلبه لحالها كثيراً كأنه هو المريض وليست هي.
كان وجهها ذابل باهت، ليست تلك حلا المشرقه التي يعرفها .
تحدث بصوت متعاطف كثيرا يغلب عليه مشاعره وقال : حلا ... أنا جبت لك الدكتور عشان يكشف عليكي ، أتفضل يا دكتور .
تقدم الطبيب وقال : مساء الخير ، حاسه بأيه ؟
حاولت حلا شرح ما تشعر به والطبيب يسمعها متفهماً ثم نظر لغانم و قال : طيب أتفضل اطلع انت يا غانم بيه .
التهبت أعين غانم بغضب شديد ، النار في عينيه قادره على حرق ذلك الرجل بالغرفه كلها و قال له : نعم أطلع بره ازاي؟! واسيبك معها ؟
هز الطبيب كتفه وقال باستهجان : ما أنا لازم أكشف عليها ما ينفعش وحضرتك واقف
فقال غانم : أه ف أسيبك انت بقى معها لوحدكم مش كده ؟ أتفضل اكشف عليها وانا واقف غير كده ما فيش
نظره له الطبيب وجد الاصرار في عينه ، غير مقبول تماما ولا تفسير له لكن امام ذلك الجحش الماثل أمامه أضطر لمسايرته وقال للحلا : ممكن ترفعي الفستان عشان اكشف عليكي
لكنها لم تستطع ، تجد صعوبه في أن تفعل، لا تستطيع الفكره مطلقا حتى لو كان هو الطبيب
كانت متردده في ان تفعل ليصدر صوت غانم الذي قال : فيه إيه دكتور ما تكشف عليها من فوق الفستان هي السماعه مش هتوصل لك يعني ، أتفضل لو سمحت
ثار غضب الطبيب وقال له : غانم بيه كده كتير بجد، هاكشف عليها إزاي يعني هو انا اول مره اكشف على حد عيب اللي بيحصل ده، لما هو كده كنت جبت لها دكتورة ست .
غانم : فكرت فيها وحياتك بس ما فيش دكتورة ست في الخان للأسف ، ف أنت هتضطر تعمل اللي انا باقوله عشان ما فيش اي حل غيره أتفضل لو سمحت .
تنهد الطبيب وحاول كبح جماح غضبه ، فلولا تلك المريضه والأعياء الواضح عليها لذهب وترك غانم.
حاول فعل كل ما يستطيعه الى ان انتهى تماما وقال : طيب تمام احنا هنحتاج نمشي على الأدويه دي الفتره الجايه لازم ناخذها بانتظام مع راحه تامه يا ريت ما تعملش اي مجهود وما تتعرضش لتيارات هوا بارده ، المضاد الحيوي ده هنمشي عليه لمدة ثلاث ايام وبعدها اشوفك ثاني
كان غانم يستمع له بأنتباه شديد مركز لكل التفاصيل كي يتبعها ويحافظ على سلامتها.
كاد الطبيب ان يغادر لكن اوقفه صوت غانم الذي سأل : هو اللي عندها ده من إيه يا دكتور
هز الطبيب كتفيه وقال : دور برد عادي منتشر اليومين دول هي بس ممكن تكون أتعرضت للهواء خصوصا ان امبارح كان في مطر فالموضوع زاد عندها شويه
غادر الطبيب وأغلق غانم الباب ثم التف لها وسأل : دور برد منتشر .. و أتعرضت لشويه هوا .
مال عليها بغضب شديد يصر على أسنانه و هو يقول من بينهم: إيييه .. كنتي بتلعبي معاه تحت المطر؟
نظرت له بصدمه وقالت : انت إيه اللي انت بتقوله ده.
غانم : إللي انا بقوله ده اللي عايزه اعرف، ايه اللي بيحصل في بيتي من ورايا وانا مش موجود
كانت تنظر له بغضب شديد يضاهي غضبه تماماً ولكن هذا لم يكن ما يريده فصرخ فيها : أنطقي
أغرورقت عيناها بالدموع، ما يحدث معها يفوق طاقتها فصرخت بقهر و تعب : ما عملتش حاجه
أقترب منها و سألها و كأنه يستجيها لكن بصوت مازال غاضباً : أمال ايه اللي حصل و أنا بره ، قالوا لي أنه رجع عشان ياخذ هدوم من هنا مع اني حرجت عليه ما يرجعش بس رجع ، وجيت لاقيته عنده برد، والصبح ألاقيكي أنتي كمان عندك برد ده تفسيره ايه .
مال على الفراش يمسك كتفيها بذراعيه ويهزها بغضب لكنه ما زال يستجدها ان تريحه وتجيب بما يشفي صدره ويهدئه مرددا : أتكلمي جا لك برد منين؟
كان جسدها منهك تريده ان يبتعد ويرحمها فقالت بقهر والدموع بدأت تزرف من عيناها : كنت بمسح إمبارح واتبليت والجو كان بيمطر وهدومي مبلوله فاخذت دور برد انا ما عملتش حاجه .. والله ما عملت حاجه
دخلت في نوبت بكاء شديده وهو شعر بطعنة في قلبه.
لقد أرهقها وأرعبها كثيراً، سدد لها التهم و لم يرحمهم مطلقاً
نهش القلق قلبه وعرف طريقه اليه ، أغمض عيناه وهو يسب نفسه لطالما هرب من ذلك الشعور حتى ان حياته التي يعيشها الان قد اختارها بنفسه فقط ليهرب من هكذا شعور
إحساسه بالعجز امامها الان هو أبشع شعور قد يشعر به اي رجل على الاطلاق خصوصا و هو غير قادر على مساعدتها فالشفاء ليس بيدها
سحب نفس عميق يمسح على وجهه وهو يذكر نفسه بانه دور انفلونزا بسيط وسيذهب بإذن الله وتعود حلا الجميلة المشرقة إليه من جديد هي فقط تحتاج لبعض من الرعايه والاهتمام وهو سيتولى ذلك بالتأكيد
اقترب منها وغرس اصابعه في جذور شعرها يدلكها لها ووجه قريب من وجهها و بأنفاس سخينة ردد : حقك عليا ما تعرفيش حسيت بأيه لما لقيتك انتي كمان تعبانه شعور وحش أوي، ما تزعليش مني
لكنها كانت ما زالت تبكي وقالت وهي تستجديه : عايزه أروح ، أرحمني وأرحم نفسك انا عايز اروح عند امي ، سيبني أرجع بيتي .
مرر عيناه على ملامحها الجميلة و هز رأسه مردداً : ياريتني أقدر .
أبتعد عنها مسرعاً و ذهب ليجلب الدواء و يستعد للأعتناء الفائق بها.
في منزل سميحة
جلست على طرف الأريكة و هي تهز قدميها بتوتر شديد تنظر لدعاء صديقة أبنتها بغيظ شديد و دعاء تدور بعيناها في المكان بتوتر شديد ثم قالت : طب أنا مالي طيب .
سميحة: أنتي إلي جبتي لها الشغل المهبب ده.
دعاء: هي إلي طلبت.
سميحة: تقومي تجيبي لها شغل في خان غانم ، و عند غانم نفسه .
نظرت لها دعاء بجهل و قالت : هي إلي أول ما سمعت الأسم شبطت في الشغلانه زي العيال بعد ما كانت رافضة ، و بعدين هو انا كنت أعرف أنه هيعمل معاها كده ؟
صمتت قليلا ثم أقترتب من سميحة مرددة : ألا قوليلي يا طنط هو إيه الحكاية ، مش غريبة إلي حصل ده ، و حلا إزاي يومها ماكانلهاش أثر و إزاي هي موجودة و بتكلمك يومياً عادي .
نظرت لها سميحة بصمت و هي تتجنب الرد فرفعت دعاء إحدى حاجبيها و قالت: لأ ده كده يبقى في حوار و أنتي راسية عليه من أوله طالما ساكته كده.
عادت سميحة برأسها للخلف بصمت تام تتنهد بتعب شديد ، نعم هي تعلم ، و من يعلم أكثر منها هي و حلا ... هما من تجرعا وحدهما تبعات ما حدث.
ثم رددت : أاااه ، ناس تعشق و تغرق في العسل و ناس تتفضح و تتبهدل في البلاد .
أقتربت منها دعاء و سألت بفضول قاتل : قصدك إيه يا طنط.
وقفت سميحة متنهدة ثم قالت : أنا هروح أعمل غدا و أحاول أكلم حلا
ذهبت شاردة متعبة تتذكر ذلك اليوم ، حين تواجهت مع من تسبب بطيشه و لنزوة عابرة في أن يهدم عائلة ... و ليست أي عائلة ، لقد كانت أحد أكبر عائلات الزقازيق .
في بيت غانم.
وقف كرم متوتراً بسبب الضغط الذي يمارسه غانم عليه ، و قد أحترقت يداه و هو يصب حساء الخضار في الوعاء بسبب صوت غانم الذي هدر بعنف: خلصت ؟
كتم كرم تأووه و قال : أيوه يا بيه و هوديه على طول.
لكنه صدم من تقدم غانم منه و قد أزاح يد كرم عن الصينيه و حملها هو دون أن يقول أي يضيف أي شيء و خرج
دلف جميل من الباب المتصل بالحديقه للمطبخ و سأل أبنه : كان بيزعق لك ليه ؟
كرم : أنا عارف له !
جميل: لمين صينية الأكل دي ؟
كرم : لحلا ، أصلها تعبانه .
جميل : و الله ، كل الزعيق ده عشانها ؟ و كمان واخد لها الأكل ؟
كرم : بقولك ايه يابا ، أنا خلاص بقا عايز أمشي من هنا ، أنا ماعدتش طايق.
جميل: تمشي تروح فين يا واد ؟
كرم : أنا أجدعها فندق سبع نجوم يتمناني ، مش هغلب.
نظر له جميل بطرف عينه ثم قال: مافيش مشيان من هنا ، على الأقل دلوقتي ، روح كمل شغلك.
خرج و ترك أبنه و ذهب حيث غرفة حلا يسترق السمع متلصصاً .
في غرفة حلا
كانت مغمضة عيناها و هي تتذكر ذلك اليوم الذي لم تجد فيه حل هي و أمها سوى الفرار.
عودة بالزمن للخلف
جلست سميحة مقابل أحد الرجال و هي تردد : بس ده حرام يا حاج ذكي ، ده كده تبقى كل حاجه ضاعت .
ذكي : أحمدي ربك إنك هتخرجي من هنا إنتي و بنتك بشنطة هدومكم ، الديون إلي سابها المرحوم جوزك كتيرة و أنا شهامة مني هسدها مقابل البيت و المحلات ، قولتي إيه ؟ قدامك من هنا للعشا ... بكره لأ ، جايز أغير رأيي ما إنتي عارفه كلام الليل مدهون بزبدة لو طلع عليه النهار يسيح .
تقدمت حلا و صرخت فيه : حرام عليكم ، بتعملوا كده ليه ؟ بنت عمي غلطتت إحنا ذنبنا أيه ده و لا تذرو واذرة وذر أخرى . ربنا هو إلي قال كده .
وقق ذكي يضرب بعصاه الأرض ثم قال: أهو أنتي نطقتيها بلسانك يا بتي ، ربنا و إحنا مش ربنا ، إحنا فلاحين و بت عمك جابت لكم عار هيفضل ملازمكم العمر كله ، أهل البلد كلها مش عايزين يتعاملوا معاكم و تجارة أبوكي وقفة عشان كده و ديونه زادت .
حلا : و هو ذنبه إيه ؟
ذكي : ذنبه إنه ماعرفش يربي بنت أخوه و كمان لما حصل إلي حصل ما سمعش الكلام ، قولت له صفي شغلك بسرعه و أمشي أنت و مراتك و بنتك .. لكن ركب دماغه و فضل لحد ما أهل البلد اتفقوا أنهم يقطعوا شغلهم معاه .
فقالت حلا بصوت مختنق : لحد ما مات من القهرة .
ذكي : رحمة الله عليه ، أنا خلصت كلامي و نصيحة مني ليكي أنتي و الحاجة سميحة بلاش تغلطوا غلطة المرحوم و تنشفوا دماغكم ، لو كان سمع الكلام كان زمانه طالع من البلد براس ماله على الأقل.
فهتفت سميحة محتجة : كنت عايزه يمشي عشان يثبت كلام الناس و يقولوا هرب من الفضيحة.
ذكي : و هي يعني ماكنتش فضيحة ، طب أهو فضل إزاي الحال بقا ، نصيحه أمضي لي على العقد و أمشي بشنطة هدومك أنتي و بنتك و ماتعانديش لا تزيدي الطين بلة ، أنتي بتك ما شاء الله عروسة وضعكوا هنا في البلد وحش .
عادت من شرودها حينما شعرت بدموعها الساخنة تلهب وجنتيها و يد حنونه تمسحهم لها.
لم يكن سوى غانم الذي وضع الصينيه بجوارها ثم قال: بتعيطي ليه ؟ معقول كل ده من دور برد ؟
اشاحت بعينها بعيد عنه و قالت : و لا حاجة ؟
تنهد بتعب ثم قال: طيب ممكن تاكلي.. أنا خليتهم يعملوا لك شوربة خضار ، لازم تاكلي و تاخدي الدوا .
نظرت له بصمت تام ثم قالت: شكراً.
زم شفتيه بعدم رضا ثم قال: لأ شكراً إيه ، أفتحي بوقك أنا هأكلك .
حلا بسخرية موجعة: بنفسك يا بيه ؟
رد بصوت لين مبحوح : مش بيه يا حلا ... أنتي ماتعرفيش أنتي بالنسبة لي أيه ؟
فباغتته متسأله : أيه ؟
أرتبك كثيراً ثم قال: أنا ... أنا ...
لتباغته من جديد : أنت حبيت قبل كده ؟
هز رأسه و هو يردد بصدق : عمرها ما حصلت .
صدمت كثيراً و سألت بجنون :خالص ؟
أستغرب رد فعلها و رد : أيوه .
نظر لها بشك ثم سأل بضيق شديد : هي غريبة تحصل و لا أيه ؟
حلا : أيوه.
أحتمل الغيظ قلبه و سأل : أه ، يعني إنتي حبيتي قبل كده .
حلا : لأ... بس انا غيرك ، أنا متعقده .
غانم: أممم ، و مين ده اللي عقدك إن شاء الله.
حلا: مش واحد ، دي واحده ، كانت بنت عمي .
رفع معلقة ممتلئة بالشوربة يجبرها على فتح فمها و هو يسأل: طب و أنتي مالك و مال بنت عمك ؟
أبتعلت ألطعام تحت مراقبته ليبتسم لها بسعادة و يستعد كي يطعمها أخرى و هي تجيب : أصلها حبت قبل كده و كانت تملي تقعد تحكي علي عليه ، و تتغزل فيه و في جماله ، كانت بتقولي أنه عامل زي الأمير الوسيم إلي بيطلع في كل الأفلام و أحلى منه كمان ، طويل و عريض و أسمر.. تقيل في كلامه و ريحته تجنن .
نظر لها بغضب و هو يردد : هي وصلت لريحته كمان ، إزاي تحكي لك حاجة زي كده.
حلا : كنت لسه صغيرة... في ثانوي و هي كانت في الكلية في القاهرة.
اهتز فك غانم بغيظ شديد و ردد : كمان .. إزاي تحكي لبنت في السن ده كلام زي كده ؟
أطعمها من جديد ثم قالت: أنا كنت مبسوطة عشانها و نفسي أنا كمان في أمير زيها ياخدني على حصانه.
أحتقن وجهه بغيظ و ردد بغيرة شديدة: أممم عجبك من وصفها ليه مش كده ... أتمنيتي واحد زيه بالضبط مش كده .
ردت و عيناها في عيناه : كده .
وضع الصينيه من على قدميه بغضب لتستقر فوق الطاولة الصغيرة المجاورة للفراش وهتف : و الله ، و بعدين.
نظرت له و قد التوى فمها بإبتسامة متألمة : و بعدين الأمير رماها من فوق الحصان عشان تقع على جدور رقبتها .
بهت مما يسمع و بقى صامت في حين أكملت هي : و يا ريتها وقعت لوحدها... دي ضيعت عيلة بحالها معاها .
ردد غانم بذهول : أزاي ، و أنتو مالكم .
نظرت له بإتهام مبطن و قالت: إحنا فلاحين يا بيه و الشرف عندنا مافيهوش كلام و لا اخد و رد .
فسأل بحزن عليها : إيه إلي حصل ؟
نظرت له بحقد تفكر على تخبره أم لا ، شردت ثواني لتقرر أنه ربما حانت ساعة المواجهة ...
↚
ينظر لها بأهتمام منتظر منها أن تكمل وهي شارده تماما
لم تفكر مرتين وقررت التحدث ، المواجهه أرحم بكثير مما يحدث من كر و فر بينهما
نادها مجددا يحثها على مواصلة الحديث و قال: حلا ، كملي ، أيه إلي حصل.
سحبت نفس عميق تشجع نفسها على الحديث ثم قالت : اللي حصل أنه خلي بيها ، أنا مش هنكر إن هي كمان غلطت لما .....
إلى هنا و دق هاتفه ، ناظر الهاتف بلا أهتمام و قام بالضغط على احد الأزرار مما كتم الصوت نهائياً وعاد ينظر لها يطلب منها مواصلة الحديث، ليعاود هاتفه الدق من جديد ، لكن في هذه المره توترت ملامحه .
نظر لحلا بإرتباك ثم قال لها : ثواني بس هرد على التليفون ده وهجيلك كملي ، أكلك لحد ما ارجع ، عشان لما أرجع هديكي الدوا فاهمة
و على الفور غادر جميل من مكانه قبلما يخرج غانم ويراه
خرج غانم في الحديقه يجيب على الاتصال الذي لم يكن سوى من سلوى زوجته تطمئن فيها على حاله وتطمئنه على نفسها وعلى الطفل
و بينما هو كذلك أخذ عزام يقترب منه بتردد حتى وقف امامه وسأل: ما تاخذنيش يا باشا .. بس كنت عايز اعرف هي حلا عملت ايه والدكتور قال لها ايه.
نظر له بغيره واضحه وقال : وانت مالك انت بيها ، اسمع يا عزام مش عايزك تقرب منها تاني سامع ولا لأ واعتبر ده امر مني ليك ، ولا اقولك انت من هنا ورايح خلاص هتمسك أمن الشركه والمصانع
اتسعت عينا عزام وقال : ليه بس يا باشا وانا قصرت هنا في إيه انا ماقدرش أسيب هنا واروح مكان تاني
غانم : هتروح مكان تاني يعني هتروح مكان تاني ، انت مش هينفع تفضل هنا كتير ، من بكره هتنقل للمصنع.
أنهى حديثه بأمر قاطع لا يقبل النقاش أو الجدال .
كاد أن يغادر لكنه توقف وعاد يلتف له متسائلاً بحقد وضيق شديد : أنت عرفت منين ان حلا تعبانه و جبت لها الدكتور ازاي ؟
جاوبه عزام : ابداً ده انا حسيت أنها مش مضبوطه واحنا على الفطار كان صوتها متغير وبتترعش ساعتها طلبت منها تدخل تريح وانا هاروح أجيب لها الدكتور بس هي عنيده ودماغها ناشفة ما بتسمعش الكلام
أستمع له غانم و النيران تثور في صدره ، أهتز فكه العلوي بغيظ شديد قد تمكن من سائر جسده وقال من بين اسنانه : بتفطروا مع بعض وأنت اخدت بالك ان هي بتترعش .... أه .... لأ ده حلو أوي الكلام ... ده مش من بكره الصبح أنت من دلوقتي تبقى أمن في المصنع أتفضل
هدر حديثه بعنف شديد و غادر المكان و الشر يتطاير من عيناه ، لقد أحضرت شياطينه ، لن يتركها سليمة، يقسم ان يفعل
سيودعها كل غيظه وغيرته اللذان نهشوا و أكلوا أحشائه بلا رحمه
اقتحم الغرفه بهوجائية و دلف لعندها وعيناه يقدح منها الغضب الشديد حتى انها حينما نظرت له خافت وهي مستغربة من تغيره وسألت بهلع : إيه في إيه ؟
منظره مخيف وهو يتحدث هكذا لا تعلم لما يكن طبيعياً و عادي وبلحظه ... هي لحظه فقط .. حتى يتحول بتلك الصورة.
أمره غريب حقا ، و هي لا تعلم ما به فمنذ دقائق قليله كان هادئ تماما وبلحظة تغير كل شيء
زاد هلعها و هي تراه يتقدم منها بخطوات ثابتة هادئة لكنها مخيفه
اقترب منها وقال : انتي كنتي بتفطري النهارده مع عزام ؟
أبتعلت رمقها بصعوبة وخافت كثيرا من هيئته فصورته في تلك الدقيقة كانت كفيله بأن تسحب الدماء من جسدها حتى انها تلعثمت في الرد وهي تقول : ماهو ... أصل... هو جه المطبخ .... وو ..وكان كرم ..
تحدث بين أسنانه : إيه بتقطعي في الكلام ليه ؟ ما تتكلمي كويس ، بتكلمي كويس مع الناس كلها وتيجي عند غانم و تتأتأي مش كده .
قبض على ذراعها وقال بغضب شديد : أنطقي، إيه اللي بيفطرك معاه ، وبتفطري أصلا ً مع كرم ليه؟ بنت زيك تقعد وسط اتنين رجالة ليييه ؟ أنتي يومك النهاردة مش معدي.. سامعة... مش معدي ...بعد كده مالكيش دخول المطبخ أنتي شغلك مش فيه أصلاً
نظرت له بخوف وقالت و هي منكمشة على نفسها: أنا عايزه أروح
نفض ذراعها من يده وقال : هو أنا كل ما هكلمك هتقولي عايزه أروح ..عايزه أروح، قولت لك ما فيش مرواح ، وخروج من هنا مش هيحصل وأعتبريها زي ما تعتبريها مش فارق لي
كانت تنظر له بخضوع تام ، حالتها المرضية كانت تزيد الامر سوءاً عليها ، لم تستطع السد أو الرد معه صمت تماماً وقد تغلب عليها الإعياء.
للحظه شعر بألم في صدره عليها ، أغمض عيناه يسب حاله ويسبها كثيراً هي وعزام في آن واحد ، هو وأي رجل قد يقترب منها
فتح عيناه وهو يهز رأسه بيضيق شديد مردداً : أنتي طلعتي لي منين .... طلعتي لي منين أنا عايز افهم ، أنا مالي بيكي ، مالي بيكي
نظرت له بإستسلام تام وقالت : أنت لو تسيبني امشي كل حاجه هتتحل اه والله العظيم
زجرها بعنف وردد : مش هتمشي قولت لك ما فيش مشيان من هنا .
صمتت تماما ولم تجيب او تتحدث حالتها بالأساس لا تسمح بذلك وهي غير مستعده للمجازفة مع شخص كغانم ف فارق الطول والجسم وحده كفيل بان يخرسها تماماً
وهو مازال على غضبه الشديد نظر حوله ملتفتاً يبحث عن شيء ما ثم جذب كيس ابيض بلاستيكي وزجاجه ماء و قال لها بغضب : أتفضلي خدي الدوا يلا
هزت رأسها بإذعان شديد لن تجادل الآن مطلقاً وفعلت كل ما طلب
كان ينظر لها بترقب شديد يراها و هي تتناول اقراص الدواء كما حدد الطبيب بالضبط الى ان تنهد براحه و هو يراها قد انتهت من أخذ كل الأقراص.
فقال بأمر: أتفضلي يالا نامي.
حاولت النطق : بس أصل .
هتف بتحذير و نفاذ صبر : قولت يالاااا.
لم تنتظر أن يتحدث مجدداً و تسطحت على السرير سريعاً بإنصياع تام .
ليلين قلبه و ملامحه و ينظر لها مبتسماً بحب شديد ثم مال يجذب عليها الغطاء يدثرها بعناية فائقة و هي تنظر له بإنسحار تام .
و هو بهذا القرب عيناه على ملامحها شديدة الجمال و السحر ... وجنتاها .. و أااه من وجنتيها الممتلئة ، إنما مغريتان جداً ، تستفزه لأقصى حد... فلم يستطع المقاومة و مال يقضم قبله عمية يتنعم فيها بطراوة خدها .
لتتسع عيناها بصدمة كبيرة و هي تشعر به و بما يفعل .
نظر لها بوله مردداً: غمضي عينك و نامي أحسنلك يا حلا و لا نكمل حساب ؟
فأسرعت بإغلاق عينيها تطبق عليهما بقوة ليضحك بخفة و هو يملس على شعرها بأنفاس سخينة.
و قرر المغادرة ، فجلوسه و هي أمامه هكذا غير آمن إطلاقاً خصوصاً و هو كلما نظر إليها داهمته أفكار و مشاعر مخيفة .
لذا كان أسلم حل هو أن يتركها و الآن.
خرج سريعاً لتأخذ أخيراً أنفاسها المسلوبة ثم تبتسم لا إرادياً و هي تتذكر تقبيله خدها ، وضعت كفها عليه ثم ضحكت فرحة .
خرج غانم و مقررا المرور على أشغاله يتفقدها و يتمم أي شيء قد أجله أثناء مرض سلوى
وصل للمصنع فتنهد براحه و هو يجد عزام قد نفذ الأمر و أنتقل لهناك .
مر بجولة تفقدية ثم حل بعض المشكلات الصغيره و بعدها بدأ يدرس بعض الأوراق في الشمس و هو يراقب العمال .
ليتفاجئ بسيارة صلاح تتوقف أمامه و قد سبقها غبار كثيف و ترجل منها بغضب شديد حتى وقف أمامه.
نظر له غانم بحاجب مرفوع ثم ردد بسخرية: جرى إيه ، ايه يا عم عاصفة الصحراء إلي داخل عليا بيها دي ما تهدى يا عم الجامد .
نظر له صلاح بغضب ثم قال : طبعاً جامد و مش محتاج أعمل شو و لا عواصف عشان أعرفك إني جامد و جامد اوي كمان.
غانم : ده مين يا ابني الي ضحك عليك و سوحك و فهمك كده .
صلاح: مش أنا إلي كلمة جدي تمشيني و لا وسوسة رجالتي الي شغالة معايا تأثر عليا يا غانم ، أنا صلاح عيسى ، يعني جايبها من تحت أوي و ممكن ما بقاش أجمد حد الدنيا بس على الأقل أنا أجمد منك.
ضحك غانم بقوة ثم قال: ياااااه، لأ و واثق في نفسك أوي و أنت بتقول كده .
أقترب منه صلاح و قال بغضب مكبوت: لازم اكون واثق في نفسي عشان راجل ، راجل أوي و أد كلمتي ، مابقاش متفق مع راجل زيي على حاجه و أروح أنا أخلفها ... عرفت بقا إني أجمد منك .
هز غانم رأسه بضيق و ردد : في ايه عم الغامض أنت ، أنا مش فاهم منك حاجة ، تقصد أيه.
هتف صلاح: أقصد إيه ؟ مش عارف يعني ؟ يعني أنا ما جيتلكش و قولت لك إني هقدم في مشروع العصاير الجديد و اتفقنا المره دي ليا و الي بعدها ليك
وقف غانم يواجهه و قال: حصل و أنا نفذت .
صلاح : أنت هتستهبل ، العطا مارسيش عليا .
غانم : و لا عليا و إلا كان جالي رسالة بكده
أبتعد عنه صلاح و قال : نعم ؟ امال مين ماهو يا أنا يا انت.
غانم: مش عارف بس كده يبقى ظهر لنا منافس تالت طالما قدر ياخد صفقه مايقدرش عليها عليها إلا أنا أو أنت ، و بدل ما نقف ناكل في بعض نشوف و نعرف مين ده.
مسح صلاح على وجهه بتعب ثم قال: عندك حق ، أنا فكرته أنت.
ضحك غانم ساخراً و ردد : عشان طول عمرك غشيم و مدب .
نظر له صلاح بغيظ ثم قال: لأ و أنت إلي ماشاء الله عليك ، ده أنت لما بتتعصب بتتعمي ، المهم.. خلينا على إتصال عشان نعرف نجيب قراره.
غادر سريعاً و لم يترك لغانم الوقت للحديث.
وقف غانم و هو يفكر من هذا الذي قد يفعلها .
جلس على كرسيه بتعب ينظر حوله و قلبه يهفو ناحية البيت ، يريد العودة إليها سريعاً.
عاد للبيت بالفعل
و دلف للبيت متجهاً لعندها و كأن قداماه لا يعرفان طريق غير الطريق المؤدي لغرفتها .
لكن ناداه جميل من خلفه : على فين يا ولدي ؟
وقف مرتبك قليلاً ثم إلتف له مردداً : أحمم .. ابداً كنت رايح أتطمن على حلا.
تقدم منه جميل و هو يردد : جرى إيه ، هو كل شوية و بعدين دخولك و خروجك من اوضتها ده كل شوية ما يصحش ، دي بنت و مش أي بنت دي تغوي أبليس ، راعي وجودي بردو يا ولدي أنا مش مركب قرون .
نظر له غانم ببوادر ضيق ثم قال: لأ بعد الشر عليك ما تقولش كده.
جميل: ماقولش كده ازاي ما أنت مقضيها أهو.
فباغته غانم مردداً: و هو أنا أول مره أقضيها ، جري ايه ده أنت طول عمرك مظبطني مش عارف مالك بحلا و مش طايقها ليه ؟
أهتز ثبات جميل لثواني و ردد: و أنا مالي بيها ، بس يمكن عشان مش مرتاح للبت دي و بعدين دايما أي حكاية ليك كانت بتبقى طياري.
فردد غانم : حلا حاجة تانية.
جميل : أيوه صح ، كل إلي عرفتهم كانوا ولاد ناس و دي خدامة ، يعني مش من توبك سيبها للي من توبها.
أحترق صدر غانم من الحديث فقط و قال: قصدك إيه ؟ و مين ده اللي من توبها ؟
جميل: مش عارف يا ولدي ، بس حبيت أفكرك بس ... قولي صلاح كان جايلك ليه .. قالولي داخل عليك و هو عامل شبورة ، مش قولت لك الواد ده لازم له شدة عشان أتمرع.
شعر غانم أن الأمر يحتاج لتروي و تركيز و طوال ماهو مشغول على حلا و لم يطمئن عليها فلن يهدأ مطلقاً.
لذا هز رأسه و أتخذ قراره فترك جميل و لم يعيره أي أهتمام و ذهب لغرفتها .
فتح الباب بهدوء شديد يراها و هي غارقه في النوم ، اقترب منها بحذر يجس حرارتها بكفه.
تنهد أخيراً بارتياح و هو يتمتم : الحمد لله الحرارة نزلت .
نظر لملامحها الجميله و هي قريبه منه هكذا بوله شديد يبتسم ثم أبتلع وجنتها المنتفخه بشفيته يقبلها و قد عاودته ذكرى ذلك اليوم الذي احتضنها فيه لأول مرة في مطبخه .
شعر بتململها فأبتعد عنها مضطراً ليتركها ترتاح .
خرج من الغرفة و هو منشكح ، كأنه قد أخذ جرعته و مستعد لمواجهة تحديات الحياة الآن.
فدلف لمكتبه مباشرة و طلب كل الكشوفات و الحسابات المطلوب مراجعتها .
ربع ساعه تقريبا و كان يجلس وهو ينقر سطح المكتب بقلمه غير راضي تماماً عما يراه الآن.
رفع سماعة الهاتف بضيق شديد يطلب كرم.
طلب منه اولاً قهوته ثم أن ينادي له والده ..يبحث عنه حتى يجده
ظل يدقق في الورق أمامه إلى ان دلف جميل يقول : خير يا ولدي كرم بيقول إنك بتدور عليا
نظر له غانم بضيق وهو يردد : هو ايه الحكايه ده تاني أسبوع يحصل فيه نفس الغلطة، ما تشوف لنا المحاسب ده إيه حكايته لو مش فاهم يترفد
جميل : الواد ده شكله فعلاً مش مضبوط أنا شاكك أن هو تبع صلاح وعمال يدخلنا في حسابات كتير وحاجات انا فعلاً يا أبني مش فاهم فيها ...إنت عارفني انا بفك الخط بالعافيه
فهتف غانم بغضب : يبقى نشوف غيره شوف لنا اي محاسب تاني هو مال سايب ؟ والواد ده تكتفه وتجيبهولي بقى اشوف ايه حكايته انا مش هافضل أا ..
صمت فجأة و قد أتسعت عيناه بغضب شديد وهو يرى حلا هي من تتقدم للداخل حاملة القهوة.
فوقف منتصباً و أقترب منها يقول : حلا انت إيه إلي قومك من سريرك
نظر جميل لهما يتابع ما يحدث.
بينما ردت حلا : ما أنا أخدت الدوا وبقيت كويسه فقولت أقوم اشوف شغلي
ليصرخ فيها بضيق شديد : شغل ايه و هباب ايه، قولت لك تفضلي دايما في السرير لحد ما تبقي كويسه
ابتعدت عنه لتضع الصينيه على سطح المكتب وهي تردد دون النظر له : لأ معلش انا جايه هنا بشتغل امال هعمل ايه يعني هافضل نايمة في السرير و أخد مرتب على الفاضي
لم يروقه حديثها مطلقاً وقال : حلا أنتي بتقولي أيه ؟
فتدخل جميل: عندها حق يا ولدي ما هي خدامة، ودي شغلتها
لم يستثيغ غانم كلمة خادمة تلك جاء أن يتحدث لكن قالت حلا بتوتر وعينها تزوغ في المكان : أنا سمعت ان أنتوا محتاجين محاسب ، أنا اعرف واحد شاطر قوي في الحسابات ممكن اجيبهولكم
كان عقلها يعقد ألف حساب وحساب تبتسم داخلياً وهي تشعر بدنو هدفها أما جميل ف ينظر لها بحاجب مرفوع.
وغانم كل ما يهمه ويدور في عقله محاسب من ؟ ذكر؟ ومن اين تعرفه؟
فأجاب برفض قاطع من بين أسنانه : وده مين ده بقى؟ وتعرفيه ازاي يا هانم يا محترمة ؟
ليقول جميل بإبتسامة خبيثة : لو تعرفيه يا بنتي ومضمون هاتيه وانا أعينه من بكرة
↚
وقفت بتوتر شديد ، تشعر بالرصاص المنطلق من أعين غانم مصوب ناحيتها.
حاولت تجاهل الأمر و هي تقتنص الفرصه مرددة على الفور لجميل: هتصل بيه حالاً .
ثم ركضت للخارج مهرولة و قد أتسعت عينا غانم بصدمة و تهور مردداً: تتصل بيه ؟
ثم صرخ بأعلى صوته : حلااااااا .
ترك جميل و خرج خلفها مندفعاً يناديها بصوت هز أرجاء البيت .
وقفت في غرفتها ترتعش و هي تستمع لصوته العاصف يناديها بقوة و غضب .
دفش الباب بقدمه و دلف لعندها ، وقفت كهرة مبللة ترتجف و هي تردد بخوف تام : في إيه ؟
أقترب منها بخفة فهد ينظر لها بأعين ملتهبة و كعادته قبض بيدة على ذراعها يغرز أظافره في لحمها ثم يهزها هزاً و هو يردد بغل شديد : مين ده و تعرفيه منين ... إنطقي .
نظر ليدها التي تحمل الهاتف و زاد الغضب المكنون في صدره و قال : كنتي هتكلميه ... معاه رقمك و معاكي رقمه مش كده ، أنتي أيامك الجايه كلها سواااد .. فاهمه .. سواد ... هاتي الزفت ده.
أبعدت الهاتف تواريه خلف ظهرها و هي تردد : مش هديك حاجة ، هو في أيه ؟
غانم : فاكراني باخد رأيك ، هاتي الزفت ده بقولك .
حاولت نفضه عنها بغضب شديد و هي تردد: في ايه ، أنت هتتهجم عليا ، هو أنت مستعبدني .. إبعد عنني .
قالت الأخيرة بصوت أمترج فيه الكره مع الغضب و الإعياء الشديد علاوة على الذعر البادي عليها بوضوح .
فكان في صراع مابين غيرته و بين خوفه عليها فقال : عايزاني أسيبك يبقى تنطقي.. مين ده و يعرفك منين .
فصرخت بقهر: ده خطيب صاحبتي... أبعد عني بقا .
أخيراً توقف و تمكن من إلتقاط أنفاسه و قد لانت كفه على ذراعها ثم قال بصوت جاهد على أن يخرج هادئ : أمال بتقولي هتكلميه ليه ؟
ألتفت تجلس على طرف الفراش ، ثم نظرت له بضيق شديد أصبحت ترى كل أيامها به .... أنه يضيق عليها الخناق يومياً .
فسأل مجدداً: ما تردي .
رفعت عيناها له و سألت بتعب : طب و بعدين... أنا تعبت .
غانم بإستهجان : بعدين أيه ؟ مش فاهم قصدك.
تنهدت تمسح على وجهها بكفها و هي تذكر نفسها للمرة الألف أنها من سلكت طريق غانم و أختارته بنفسها لذا عليها أن تتحمل .
كان يراقبها عن كثب ، يرغب في الحصول على أجوبة لكل أسئلته لكنها تنهدت و حاولت التحدث بهدوء مرددة: ده عادل خطيب دعاء صاحبتي إلي جابت لي الشغل هنا فأنا كنت حابة أرد لها الخدمة مش أكتر خصوصاً إنه ساب شغله و الشغل عندك أكبر حاجة ممكن أعملها عشان أبقى رديت الخدمة بخدمة زيها و أحسن خصوصاً إني ماحبش يبقى حد مشيلني جميلة ... أكيد مش هتكسفني معاهم مش كده ؟
نظر لها بصمت تام ثم قال: لأ مش هكسفك .
أقترب منها حتى جلس لجوارها على طرف الفراش يقول : حقك عليا أنا اتعصبت عليكي و أنتي تعبانه بس إنتي إلي عليكي حاجات بتحضري شياطيني ، ما كنتي تقولي من الأول خصوصاً يعني لو هو تبع صاحبتك إلي جابتك تشتغلي هنا .. دي خدمتها دي دين في رقبتي أنا مش رقبتك أنتي.
نظرت لها بإستنكار فهز رأسه مؤكداً : أيوه لأنها السبب في إني أشوف و أقرب من أجمل بنت في الدنيا دي كلها .
توتر جسدها إثر قربه منها كما يحدث دائما ، حاولت رسم إبتسامة على شفتيها ثم سألت : يعني أكلمه ؟
نظر لها بتحذير قال : تكلميها.. تكلميها هي و هي تبقى تقوله.
هزت رأسها مستجيبه بحذر ليقول : كلميها و قولي لها إني مستنيه بكره و هيتعين على طول من غير أي أنترفيو عشانك.
أبتسمت له بتوتر و قد خانتها مشاعرها ، سعيدة جداً بما يقوله تحضتنها نظراته التي تلاحظها فهو يكاد يلتهمها بعيناه .
و رددت : شكراً.
أبتسم لها بسماجة ثم قال ليصدمها بدون اي مقدمات: حلا فين بطاقتك ، و إنتي أسمك إيه بالكامل .. أنا لحد دلوقتي مش عارف عنك أي حاجة .
كانت عيناه متسعة من سيل الأسئلة المخفية جداً بالنسبة لها و التي تذكرها لتوه و سألها دفعة واحدة .
لا تعرف بماذا تجيب في الوقت الذي قد حانت منه نظرة لجيدها الطويل و سأل بضيق : و فين السلسلة إلي جبتها لك ... مش قولت لك ما تشيليهاش من رقبتك .
وقفت مبتعدة عنه و هي تقرر قلب الطاولة فصرخت فيه : أيوه... السلسلة إلي جبتها لي صدقة مش كده .
وقف أمامها يسأل مستغرباً : صدقة أيه ؟ هو حد بيطلع دهب صدقة ؟ أنتي بتفكري ازاي يا حلا ؟
زاغت عيناها في المكان ، تتذكر حديث سلوى لتتأكد .. كل شيء كان مقصود ... أغمضت عينيها تطبق عليهما و هي تذكر نفسها بأن سلوى يحق لها فهي زوجة تحافظ على زوجها .
نادها غانم يلفت أنتباهها : حلا .. حلا.. روحتي فين.
فجاوبت مقررة أنهاء أي حديث بينهما ليخرج من عندها : و لا حاجة.. و شكراً انك وافقت تعين عادل.
أبتسم لها و قال: أيوه بس انا واطي أوي و مش بعمل أي حاجة كده بلوشي .
نظرت له خائفة مترقبة و هو ملاحظ لكل ذلك فأكمل مبتسماً : غيري عشان هنخرج سوا .
هزت رأسها برفض قاطع و قالت : إيه ؟ نخرج ؟ لأ.. لأ مش هينفع.. شكراً.
غانم : شكراً ؟ لأ العفو بس أنا مش بستأذنك .. إنتي هتغيري دلوقتي و تخرجي معايا ، يالا ده أنا حتى لسه ما عينتش خطيب صاحبتك و أنا سهل أوي أرجع في كلامي .
نظرت له مبهوته ليهز رأسه مؤكداً: أيوة .. ما أنا مش بس واطي لأ و زودي عليها إني ماليش كلمة .
قرص خدها و هو يغمز بعينه مردداً: مستنيكي بره .. أوعي تتأخري عليا .
جلس في سيارته ينتظرها فتقدم منه الحارس الجديد الذي تسلم العمل عوضاً عن عزام و سأل: خارج يا باشا ؟ نحضر العربيات ؟
هز غانم رأسه و قال: لأ خليكوا أنتو هنا ، أنا هخرج النهاردة لوحدي .
ليعترض الحارس مستغرباً: بس يا باشا دي عمرها ما حصلت و..
قاطعه غانم يسكته : ششش .. أسمع الكلام و...
صمت بإنسحار تام و هو يبصرها تخرج من باب البيت بفستان رقيق و بسيط من اللون الأسود منقوش بورود بيضاء تضع وشاح عريض من الصوف حول رقبتها و تتقدم منه بهدوء تام
فقال للحارس: روح على مكانك و افتح البوابات ، يالا .
نفذ الحارس الأمر و هو ظل يتابعها بسعادة غمرت صدره و قلبه يلاحظ ترددها في التقدم لعندها .
لكنها فعلت و فتحت باب السيارة تنظر له فقال ساخراً: ايه العتبة عالية عليكي ؟ أجي أشيلك ؟
زجرته بعينها فضحك مردداً: ما أنتي إلي قصيرة .
رفعت نفسها و حاولت الجلوس في السيارة و هي تجاهد في كبت غيظها منه .
تنظر له بجانب عينها و هي متخبطة المشاعر ، لن تنكر هي منجذبة له بصورة لا إرادية لكنها كلما أقتربت كلما صدمت فيه .
نادها ليخرجها من شرودها يسأل : حلا... سرحانة في أيه
حاولت الإبتسام و قالت: و لا حاجة ، هو إحنا رايحين فين ؟
أشعل سيارته و هو يقول: مش عايزة تتفرجي على الخان؟ و كمان لازم تخرجي تغيري هوا و تقعدي في الشمس شوية عشان البرد يروح.
نظرت له بضيق لكنها صامته تماماً و قالت: أنا بقيت أحسن .
غانم : بطلي رخامة بقا ، عايز أفرجك على الخان .
دار بالسيارة و خرج من البيت تحت أنظار الحرس و هي محروجة تماماً فقالت: ماكنش لازم أخرج معاك ، هيقولو عليا إيه دلوقتي ؟
نظر لها بضيق و سأل: هما مين ؟
حلا : الحرس و اي حد شغال في بيتك .
غانم : و أنتي مالك بيهم ؟ يهموكي في إيه ؟
حلا : هو إيه إلي يهموني في إيه مش ناس شغالة وسطهم هيقولوا عليا إيه و أنا خارجه في عربيتك ، عارف ده معناه أيه ؟ و لا صحيح أنت هيفرق لك في أيه.
صمتت تماماً و لم تتحدث ، شعرت في هذه اللحظة أنها لا تكره شخص مثله.
شعرت أنها بالنسبة له لا تفرق كثيراً عن رنا .. رنا التي لا يتذكرها من الأساس.
لم تنس حتى الآن صدمتها في ذلك اليوم الذي أخبرها فيه أنه لم يحب مسبقاً.
لقد أضاعت رنا نفسها و عائلتها لأجل شخص لم و لن يتذكرها حتى .
هزت رأسها لتصل للنتيجة النهائية التي لا جدال فيها أو نقاش ... هي بالنسبة لغانم مثلها مثل رنا و مثل سلوى .......
فحتى زوجته التي تحمل أسمه لا يتذكرها و هي مازالت موجودة.
غانم أسوء شخص قد تقابله في حياتها و لا يستحق أي شفقة أو رحمة ، حتى أنها تشعر بالضيق و الإشمئزاز من نفسها لأنها كثيراً ما تضبط نفسها متلبسة و هي متلهفة عليه أحياناً و تشعر بالغيرة عليه أحياناً ، حتى أنها منذ قليل قد تأنقت لتبدو ذات طلة خاطفة تستحوذ على إعجابه .
تفززت برعب على صوته يناديها : حلااااااااا .
نظرت له لترى وجهه الأحمر و عروقه النافرة ، على ما يبدو أنه كان يحدثها بعصبية شديده و هي شاردة غارقة في أفكارها .
فقد كان يقود بذراع و يقبض بالذراع الآخر على كتفها و هو يهزها : إيه.. مش بكلمك.. و كمان سرحانة.. سرحانة في مين يا هانم؟
صمتت تماماً تفكر بهدوء و قالت بتمثيل متقن: هو أنت ليه دايما كده بتزعق لي كل شوية ، طب مش تراعي حتى أني تعبانه.
صحيح أنها غبية إلي حد كبير لكن مكر حواء واحد ، سلاح تستخدمه كل الإناث و قد فلح مع غانم الذي لانت ملامحه كثيراً و قال: كله منك ، أنتي إلي بتعصبيني عليكي و أنا مش ببقى عايز ، مش عايزك تركزي في حاجة غيري ، ركزي معايا انا و بس.
هزت رأسها مستجيبه فأبتسم براحة و هي بدأت تنظر من النافذة على الخان.
شوارعه أشبه بشوارع القرى القصيرة و بها بيوت من الطوب اللبن يسكنها العمال و بيوت أخرى من الطوب الأحمر و الخرسانة لكنها ليست عاليه او يظهر عليها الثراء كبيت عائلة غانم .
الأراضي الزراعية كانت لها الغالبية الساحقة بالإضافة إلى المصانع المملوكة لغانم .
نظر لها مبتسماً و سأل: إيه رأيك في الخان ؟
هزت رأسها مبتسمة و قالت : أيوه ، حلو أوي و هادي ، حبيته أوي عشان بيفكرني ببلدي .
نظر لها مستغرباً و سأل: بلدك ؟
حلا : أيوه.. ما قولت احنا فلاحين أصلا.
توقف بالسيارة فنظرت له مستغربة بينما ردد هو : إنتي تعرفي إني ماعرفش أي حاجة عنك نهائي ، و دي حاجة غريبة جداً أنا أصلا مش بسمح أنها تحصل ، أي حد سواء قريب او غريب و لو حتى هيشتغل مزارع باليومية في الأرض لازم ابقى عارفه و إنتي مش عارف عنك حاجة.. حرفياً ولا حاجة.. تقريباً ما عرفش غير إنك أسمك حلا و إني مشدود لك ... أوي .
أتسعت عيناها من تصريحه الأخير لكنه لم يعطيها الوقت كي تأخذ فرصتها لتصدم ثم تستفسر عن مغزى حديثه فقد ترجل من سيارته و إلتف حولها حتى أصبح أمامها يفتح بابها و يساعدها كي تترجل هي الأخرى لتجد نفسها أمام بيت صغير من طابقين يختلف كثيراً في تكوينه عن بيت العائلة الكبير.
فبيت العائلة ضخم و يحد بسور عالي و بوابه عظيمة لكن هذا البيت صغير لا يوجد به أي مقدمات او نهايات فقط باب عادي مزرقش گجدران المنزل .
و تقدم غانم يسحبها معه ثم فتح باب البيت و دخل معها .
بقيت تنظر لأرجاء المكان و هي مبهورة فقد دلفت من الباب الذي أوصلها الي حجرة معيشة متوسطة الحجم و لجوارها أربع غرف و في نهاية غرفة المعيشة يوجد باب كبير ذهب إليه غانم ليفتحه .
اتسعت عيناها منبهرة زيادة و هي تشاهد النيل أمامها مباشرة ورددت : الله.
عاد غانم لعندها يشبك يده في يدها و قادها لهناك و هو يردد : الباب ده فيه سلم ينزلك تحت تبقى في جنينه صغيره على النيل و سلم يطلعك فوق للدور التاني.
كانت مسحورة تماما بالأرض الخضراء و الشجر ثم نهر النيل خلفهما.. و الشمس الصافية صنعت دفئ غير عادي في المكان الهادئ تماماً.
تقدم ليقف بجوارها و سأل: عجبك البيت ؟
فجاوبت على الفور : ده تحفة .
أخذ نفس عميق و قال: ده بيت أحلامي .
صدمت كثيراً و نظرت له بأستغراب ثم سألت : و بيتك التاني إلي لسه جايين منه ؟
غانم : ده بيت العيلة .. بيت غانم باشا الكبير .. جدي بس انا مش بحب البيت ده و مش عارف ليه .
حلا: طب لو كده عايش فيه ليه ؟
غانم : أخدت على كده ، بس في فرق بين أخدت على إيه و بين نفسي في أيه .
فسألت مباشرة: نفسك في أيه ؟
سحب نفس عميق ثم قال: نفسي أعيش في البيت ده أنا و أنتي و بس .
صدمت مرة ثانية و بقى فمها مفتوح من الصدمة فقال : مستغربة مش كدة ؟ و أنا كمان على فكرة ... أنا حرفياً مش عارف عنك أي حاجة و مش عارف أخرة كل ده أيه ..
أقترب منها و قال بأنفاس ملتهبة : أنا لسه فاكر أول مرة اتقابلنا ، مش بتروح عن بالي و دايما ببقى عايز أسألك حسيتي بأيه لما كنتي في حضني.
حاولت إستجماع قوتها و قالت: هحس بأيه ، أنا عارفة أنك كنت مش عارف أنها أنا.
صمتت لثواني ثم نظرت لعينه و قالت كأنها تطلب منه أن يستفيق: و عارفة أنك راجل متجوز.
أشاحت بوجهها تنظر لمياه النيل و هو صمت لثواني ثم قال: سلوى عارفة إني مش بحبها على فكرة .
أستفزها كلامه لدرجة كبيرة فقالت : إلي أكتشفته في الفترة إلي عيشت فيها في بيتك إنك مش بتحب حد غير نفسك و بس .
اغمض عيناه بعصبية شديدة ثم جذبها من ذراعها حتى تواجه وجهيهما و قال : إزاي و أنا بحبك ....
صمتت و قد توقف كل شيء من حولهما فقط تنظر له بصدمة من سرعة إعترافة الواضح تسأل ترى هل ما يقوله حقيقي أم أنه حديث كمثل الذي ضحك به على عقل رنا و هي الضحية القادمة ليس إلا......
↚
كانت تنظر له بأعين متسعة مصدومة و هو فقط ينظر لها بترقب و لهفة منتظر رد فعل منبهر على ما صرح به.
لكنها كانت صامته تماماً حتى أنه هزها بين يديه بقليل من العصبية يردد : حلاا .
بقت ساكنة ، على وضعها ... تنظر له بصمت تام فعاود هزها لكن بعصبية أكبر و قال : إنتي سمعتيني ؟
حررت نفسها من بين ذراعيه و ألتفت تحاول الإبتعاد لكنه ذهب خلفها بعصبية شديدة و جذبها من ذراعها جعلها تلتف له و هتف بحدة : إنتي سيباني و رايحة فين بعد إلي قولته ده ؟ بقولك أنا بحبك يا حلا .
نظرت له بتيه ، كأنها لا تعرف كيف تتصرف ، كانت مشوشة تماماً ، ابتلعت رمقها بصعوبة ثم قالت: خلينا نرجع البيت .
حضرت كل شياطينه في لحظة ، هو يعترف و لأول مرة لفتاة بحبه ... إنه حدث بحد ذاته .
و بالمقابل تلك الفتاة تتهرب منه ، لا تنبهر ،ولا تصدم ... بل تتهرب .
توقع ردة فعل أخرى غير تلك التي يراها الآن مما زاد من عصبيته
فخطى خلفها و جذبها من معصمها لتلتف ناحيته على الفور ليقبض على ذراعيها بكفيه و يعيد هزها بقوة و غضب مردداً: إنتي ما سمعتيش أنا قولت إيه دلوقتي ؟!
خفضت رأسها أرضاً و جاوبت : سمعت .
استعرت عيناه بغضب جم و صرخ فيها: و لما هو سمعتي إزاي مافيش عندك رد ؟
نظرت لعيناه و قالت : أرد أزاي و أنت راجل متجوز؟
فقال من بين أسنانه: مالكيش دعوة بجوازي دلوقتي ، أنا بقولك بحبك ، إنتي فاهمه ؟
للحظة تداعى ثباتها أمام هيئته المخيفة و رددت : فاهمة ، فاهمة.
صمتت لثواني تبتلع رمقها بصعوبة تحت أنظاره المتفحصة لها بغيظ و غضب شديد ثم قالت: أنا ... أنا بخاف منك .
جعد ما بين حاجبيه و قد لانت قسوة يده على ذراعها قليلاً ليسأل بإستنكار: ليه ؟ هو أنا بخوف ؟
جن جنونه و هو يقول : ده أنا بحبك .
فقالت بصدق : أنت مش بتشوف نفسك بتبص لي أزاي ، أنا بحس أنك زي ما تكون عايز تخنقني .. عايز تحبسني .
فصرخ بجنون : عشان بحبك بقولك ، أفهمي .
هزت رأسها بهلع و قالت: لأ ، الحب عمره ما كان كده... الحب أمان .. أني أحس أن الدار أمان .. مش زي ما أنت بتقول خالص .
نظر لها بغضب يسأل بترقب : و إنتي عرفتي منين بقا كل الكلام ده ؟
هزت رأسها بيأس تردد : شوفت .. أول حاجة راحت ليها دماغك ،و سبت إلي قولته.
شعر بخطاءه و قربها له يردد : من حبي ليكي يا حلا .. أنا أول مرة أحب....
كان سيكمل بصدق لا يعلم أن كلمته تلك تذكرها بالماضي الأليم كله .
لأول مره يحب ، دمر حياتها هو ورنا بدون حب من الأساس .
هو ببساطها يسقطها على أرض الواقع ، فالتفت تجمع شتات نفسها ثم قالت بمراوغة : ماتنساش أنك صاحب البيت إلي أنا بشتغل خدامة فيه ، و عندك بيت و أسرة و طفل مستنيك ... مش هينفع.
لفها له بقسوة يسأل بسخرية: هو ايه ده إلي مش هينفع ، أنا غانم صفوان ... يعني أيه تقولي لي مش هينفع
تخشب جسدها من طريقته في الحديث و قالت: يعني إيه يعني أنت غانم صفوان ؟ قصدك إيه ؟ قصدك إني البت الخدامة إلي شغالة عندها و بإشارة منها تترمي تحت رجلك ؟ مش كده .
أرتبك قليلاً و قال : لأ أنا مش قصدي كده أنا.....
كان سيبرر لكنها قاطعته تقول : أنت إيه يا غانم بيه ، بس اقولك أنت عندك حق... أنا مالقش بمقام جنابك و أنا مش ناسية نفسي على فكرة و لسة مفكراها و مفكراك بوضعي .
سب نفسه ألف مرة على ما فعل أو قال ، لقد شعر بالحزن عليها لما جعلها تشعر به جراء كلماته الأنتقامية المتعالية قربها له يحاول إدخالها في أحضانه و هو يردد: حبيبتي أنا مش قصدي ، و لو سمحتي ما تقوليش على نفسك كده تاني ، أنتي أجمل بنت في الدنيا كلها .
صمتت تماماً و هو يشبع عيناه من جمالها ثم قال: سامحتيني ؟
أخفضت عيناها أرضاً ثم قالت: لسه .
غانم: طيب أعمل أيه عشان تسامحيني ؟
فقالت على الفور: تخليني أروح بيتنا .
تلاشت إبتسامته فجأة و نظر لها بحزن يسأل : عايزة تسبيني و تمشي ؟ أنتي ليه راحتك في بعدك عني ؟
حلا : مش كده بس... حاسة إن الوضع ده كله على بعضه غلط و وجودي في بيتك مالوش لازمة .
غانم : إزاي .. أنتي بقيتي روحي ، عايزه إزاي تسبيني و تمشي.
أغمضت عينيها تهز رأسها ثم قالت: يا ريت كان الوقت غير الوقت و الوضع غير الوضع .
فهم عليها تماماً و قال : فعلاً ، ياريتني قابلتك من زمان.. و ياريتني مافكرت بعقلي في كل حاجة.
حلا : خلينا نرجع البيت طيب.. الوقت أتاخر و أنا بدأت أبرد .
أبتسم لها بدفئ يضم كفها بكفه ثم قال : أيوه صح ، عشان حبيبتي تعبانه و لازم ترجع تاكل و تاخد دواها .
جذب يدها بيده و أغلق الباب خلفه و منه للباب الخارجي يقف أمامه بعدما أغلقه يتأمله بصمت تام ثم قال: بس أكيد هنرجعله تاني ... حاسس إن هيبقا لينا أيام حلوة كتير فيه .
نظرت هي الأخرى للبيت بصمت ، رغم يقينها بالنهاية المحسومة لكل ما بدأته لكن راود عقلها ذلك السؤال هل سيكون لهما أيام حلوه مع بعضهما ؟
سحبها للسيارة لتجلس فيها ثم يقود بهدوء بأتجاة العودة لبيت غانم باشا الكبير.
مرت أيام حاول فيها غانم تهدئة طبعه الحاد قليلاً مع حلا .
و قد عين عادل بالفعل كما خطتت ..
أما سلوى فقد تحسنت صحتها إلي حد ما ليس بصورة جيدة كلياً و مع ذلك هي مصممة على العودة للبيت .
وقفت والدتها معترضه تردد : يابنتي أستهدي بالله ، إنتي لسه تعبانة ، ماينفعش تروحي بيتك دلوقتي.
سلوى بجنون : بقولك غانم في البيت لوحده مع البت إلي هناك دي ، و أنا مش هينفع أسيبها هناك كتير معاه لوحدهم ده انا عرفت أنهم كانوا خارجين مع بعض من يومين.
طفح الكيل بأمها فصرخت فيها : و هي أول مرة تعرفي .. ما هو على ده الحال من يوم ما عرفتيه ، كل يوم يوصلك أخبار أنه مع واحده شكل ، أنتي إلي متمسكة بيه و متمسكة بوجع القلب ، بلاش عندك و غرورك يموتوكي ، أنتي حامل و وضعك خطر و صحتك أنتي و إلي في بطنك أهم من كرامتك.
سلوى : يعني إيه يعني... أسيبه ليها ؟
دخلت منال في ذلك الوقت و سألت بقلق : في ايه يا جماعه صوتكم جايب لحد تحت .
نظرت لها أمها و قالت: تعالي أنتي أتكلمي معاها .. عقليها يمكن تعقل و عرفيها إن المره دي حياتها في خطر .
خرجت أمهما و سلوى تردد : بردو هروح يعني هروح .
أغلقت منال الباب خلف أمها و تقدمت من سلوى تسأل : في ايه يا سلوى ؟
سلوى : عايزه أروح ، كرم بيقولي إنه ملازم الخدامة و شكل في حاجة مابينهم .
سحبت منال نفس عميق و قالت بتريس : أيوة دي مشكلة فعلاً ، طب و هتعملي إيه ؟
سلوى : هروح أجيبها من شعرها و أطردها .
زمت منال شفتيها و سألت: حقك ، طب و لو غانم أعترض على تصرفك .
سلوى : هخيره بيني أنا و إبنه و بين البت دي و ساعتها هو بقا يختار .
فقالت منال على الفور : هيختارك يا سلوى .. هيختارك و أنتي مش محتاجة تجربي عشان تعرفي أنتي عارفة غانم كويس.
رفعت سلوى رأسها بإباء فهي الأخرى موقنة من ذلك.
لتتحدث منال من جديد : بس السؤال المهم هل أنتي ساعتها هتبقي أرتاحتي و المشكلة خلصت .
أهتزت عينا سلوى و سألت : قصدك إيه.
أقتربت منها منال و جلست لجوارها تردد : يعني مش ده الحل ، يفيد بأيه أنه يطردها بس بيحبها هي مش بيحبك إنتي حتى لو أختارك ، فكري كويس يا سلوى و شوفي أنهي ألأريح ليكي .. عارفه يعني ايه تبقي نايمة في حضن راجل حاضنك أه بس عقله مع واحدة تانية ؟ ده أنتي ساعتها هتتمني الموت و لا أن ده يحصل .. في حاجات مالناش عليها سلطان .
سلوى: بس ده جوزي أنا.
منال : صح بس نعمل إيه بقا في القلوب... دي بتاعت ربنا... و مش عايزين نضحك على بعض يا سلوى غانم عمره ما حبك و لا أنتي.
سلوى: لأ أنا بحبه.
منال : لأ هو عاجبك .. و أنا مش بلومك ممكن لو كنت مكانك كنت هتصرف زيك ، غانم راجل يعجب أي بنت و تستخسره في غيرها بس كل ده مش كفاية و أنتي غامرتي كتير أوي ، كفايه مغامرة بقا .
وقفت سلوى بعصبية تردد : على كده بقا كل واحدة جوظها يمر بنزوة و لا واحدة شمال تلوف عليه تسيبه ليها مش كدة ! مش ده كلامك؟
منال : لأ ، بس في حاجات مافيهاش مقاوحة ، و الحب و الكره مافيش تدخل فيهم ، فكري و شوفي عايزه تعيشي مع واحد بيحب واحدة تانية و عايش معاكي جسم بس و الظروف غصباه عليكي و لا عايزه إيه بالظبط ؟ إيه هيرضي الست الي جواكي ، و أفتكري أنه هيبقى أيه أحساسك و أنتو مع بعض زي أي واحد و مراته بس هو متخيلك واحده تانيه.. هتموتي في اليوم ألف مرة.
نظرت لها سلوى بتشوش و جلست على الأريكة تفكر أنها لن تتحمل ذلك أبداً ، لكنها عادت لتقول: غانم ده جوزي أنا ، و في ابننا الي أول ما ييجي هينسيه الدنيا و البت دي نزوة و هتروح لحالها .
هزت منال رأسها بيأس ثم قالت: طيب ... ماشي .. طب مش نحافظ بقا على الولد إلي هنربطه بيه و لا إيه ؟ بلاش مجازفة بحياتك و حياته ، أستهدي بالله و خليكي معانا ، إنتي عارفه إن ماما مش هتروح معاكي هناك .
فكرت سلوى قليلاً و أقتنعت نوعاً ما بوجهة نظرها و قررت الحفاظ على حياة طفلها فهو الأهم و الضمان للقادم.
في بيت غانم
بغرفة حلا ، أستيقظت من نومها على صوت الهاتف الذي يدق بألحاح شديد
فتحت الهاتف لتجد مكالمات عديدة من صديقتها المقربة دعاء.
رمشت بأهدابها و هي تحاول الإتصال بها الي أن أتاها الرد : ألو ، أيوه يا هانم ، أنتي فين ؟
حلا : في ايه بس ، بالراحة عليا ، إيه إلي حصل ؟
دعاء: هقول ايه ما أنتي عايشة في ماية البطيخ ، في أمتحانات ميد تيرم من بكرة يا هانم .
اتسعت عينا حلا و ضربت على وجهها عدة مرات ، مصيبة لم تحسب لها حساب مطلقاً الأن و سألت : طب ، امتى و هيبقى على إيه ؟
دعاء : لأ ده حوار ، لازم تفتحي نت و تدخلي على جروب الدفعة على فيسبوك منزلين كل حاجه.. أنا هقفل دلوقتي عشان الحق ألم أي حاجة في أي حاجة.. سلام.
أغلقت الهاتف و هي تردد : أما أنتي مش وراكي حاجة و لا بتشتغلي و مش لاحقة أنا هعمل أيه ؟ و هخرج من هنا إزاي ؟ ده انا مفهماهم اني مخلصه دبلوم .. ماكنتش اعرف اني هطول هنا كده.
وقفت كي تبدل ملابسها مضطره و هي تفكر في حل لتلك القصة.
لتشهق مجدداً أمام المرآة و هي ترى تلك الكدمة الزرقاء من جديد
وضعت يدها على فمها مرددة : لأ... دي مابقاش حاجة يتسكت عليها أبداً
أنتهت من تغيير ثيابها ثم ذهبت تبحث في المطبخ عن ما تريد و بعد دقائق معدوده كانت تقف في غرفتها و هي تنثر البخور على الفحم و تمتم بما تحفظه من أيات .
في نفس الوقت الذي دلف فيه غانم لعندها يراها تحمل المبخرة و الغرفة ممتلئة بالبخار و رائحته .
كح بقوة و هو يقترب منها مردداً : إيه يا حبيبتي ده في أيه ؟
فجاوبته بخوف شديد: ببخر ، أنا بقا بيحصل لي هنا حاجات غريبه.
جعد ما بين حاجبيه و سألها بقلق: حاجات إيه ؟ في أيه ؟
نثرت بعض من البخور لتفوح رائحته من جديد و هي تقول: كذا مرة أقوم من نومي ألاقي كدمة في كتفي .
أتسعت عيناه بصدمة ثم ضحك بقوة و سأل من بين قهقهاته : و بتبخري عشان كده ؟
فقالت بتأكد و إيمان تام بما تقوله : أيوه ، أصل في واحده جارتنا كان الجن عاشقها و كان بيعمل فيها كده.
أبتسم بعشق و ضمها له يقول : جن مين ده اللي يقدر يعشقك و أنا موجود.
تفززت بين ذراعيه منتفضة تردد: حابس حابس ، ماعلش السماح ، عبيط ما يعرفش حاجة ، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم.
ثم نظرت لغانم تقول: دول ما يقدرش عليهم غير ربنا.
ضحك مجدداً يضمها له و هو يتذكر ما فعله ليلاً حين أشتاق لها و أن كل ما تفكر به هراء و تلك الكدمة التي على كتفها ما هي إلا صك ملكيته لها .
خرج صوته دافئ مثير محمل بمشاعره و هو يردد : صباح الخير يا حبيبي ، عامله ايه النهاردة ؟ بقيتي أحسن.
أبعدته لتخرج من أحضانه و هي تسأل: هو أنت دخلت كده من غير خبط و لا أي حاجة ؟
هز رأسه يردد : واحد و داخل عند حبيبته ، فيها ايه دي ... وحشتيني
حاصرها بين أحضانه و كلماته فلم تجد مفر سوى أن تترك له الغرفة بأكملها و تفر للخارج متحججة بعملها .
وقف يناديها بغضب معترضاً لكنها كانت قد هرولت في باحات البيت و بدأت في التنظيف.
ذهب خلفها حيث بدأت من تنضيف الطاولات يقول : أنتي بتعملي إيه ؟
فجاوبت و هي تتعمد عدم النظر له: بشوف شغلي .
فقال بغضب مكظوم : سيبي إلي بتعمليه ده مافيش شغل بعد كده.
حلا: هو إيه إلي مافيش شغل بعد كده، أمال هعمل ايه ؟ طب هاخد مرتب ليه ؟
غانم بجنون: إيه إلي بتقوليه ده .
حلا: إلي مش عايز تواجه نفسك بيه ، أنت تاعب نفسك و تاعبني معاك ، تقدر تقولي لما أنا أبطل تنضيف مين هينضف البيت ؟ و لا هتجيب خدامة للخدامة ؟ طب بلاش ... هقول ايه لست سلوى ، مراتك ... الحل إنك تسيبني أمشي.. خلي كل حاجة تتحل بقا .
نظر لها بغضب تام ، لا تنفك على المطالبة بالبعد و الرحيل التام و كأنه لا يوجد من ذاب بها عشقاً و أعترف لها به منذ أيام فقط حتى أنه لم يحصل منها على جواب و مع ذلك هو صابر .
هم ليحدثها بغضب لكن ورده أتصال من صلاح .
تركها و ذهب لغرفة المكتب يتحدث معه و هي ألقت قماش التنظيف من يدها على الأرض بقهر و تعب شديد.
تعلم أنها تتعبه و تضايقه بتكرار مطالبتها بالرحيل ، لكنه الحل الأمثل بالفعل كي ترتاح من سيطرته و تأثيره عليها الذي بدأ يخرج عن حدود سيطرتها و لم تنسى أبداً أنه متزوج و سلوى لم تؤذيها و لم تكن سيئة ... و هدفها قد أنتهى بعدما زرعت عادل في حسابات الشركة و في خلال أيام سيأتيها بالخبر اليقين... أذاً فلتنفد هي بعمرها و...... بقلبها.
فحينما يدري غانم بما حدث فبكل تأكيد لن يرحمها.
لذا فهي مستمره في المطالبة بالبعد...
لربما يختنق منها فيطردها ، هذا هو هدفها الوحيد.
شهقت متذكرة أمر الامتحانات فذهبت لعنده بسرعه
و دلفت قالت : غانم بيه .
أنهى أتصاله الذي لم يكن جيد مطلقاً وقال لها بصوت حنون لكنه متضايق: غانم بس يا حبيبي ... تعالي أقعدي هنا لحد ما أجيلك .
ذهبت تجلس على الأريكة كما طلب و هو خرج ينادي جميل .
ذهبت للشرفة تسترق السمع فرأته يقف مع جميل قرب شرفة المكتب و سمعته يقول: صلاح عيسى كلمني ، وصل لأسم الشركة إلي اخدت منا العطا الأخير.
شاهدت التفاجئ و التخبط على وجه جميل ثم سأل: صحيح ؟ طب .. مين .. طلع مين ؟
غانم : ما هو ده اللي عايزك تعرفه.. إسمها شركة الفتح.. مش عارفين عنها حاجة غير كده .
جميل: هاا .. حاضر.. حاضر يا ولدي .. هحاول أجيب لك قرارهم .
غانم: تحاول إيه ؟ جرى إيه يا عم جميل... ما طول عمرك بتجيب لي من الآخر.
جميل: حاضر .. حاضر يا ولدي.
ذهب غانم للداخل و هي عادت سريعاً لتجلس على الأريكة
دلف للمكتب يسحب نفس عميق و يغلق الباب، أرتبكت لثواني خصوصاً و هي تشعر به يجلس لجوارها ثم قال : ايه يا حبيبي ، كنا بنقول إيه ؟
تلعثمت و قد فاضت مشاعرها أثر حنانه الرائع و قالت: لو سمحت بطل تقولي كده .
غانم: كده إلي هو أيه ؟
حلا : إلي هو حبيبي و حبيبتي و كده.
أقترب منها أكثر ثم قال: طب ما أنا أعمل إيه ؟ ما أنتي حبيبتي.. و حقي أقولك إلي يعجبني .
صمتت لثواني ثم قالت: أنا... أحمم .. هو في هنا واي فاي ؟
أبتعد برأسه ينظر لها بترقب ثم سأل : أكيد ، بتسألي ليه ؟
حلا : أحممم .. أصلي ... أصل أنا.. لازم أدخل على فيسبوك عشان....
لم يمهلها الحديث و سأل: أنتي عندك صفحة على فيسبوك ؟
هزت كتفيها و قالت: أيوه.. ما أي حد في العالم بقا عنده لازم يبقى عندي.
غانم: مين قال كده ، أنا عمري ما كان عندي صفحة على فيسبوك.
صدمت تماماً مما تفوه به و رددت بلا إستيعاب : نعم يا حلاوة ؟
أتسعت عيناه من رد فعلها و قال : إيه ده في أيه ؟
أرتبكت كثيراً و سألت : أيوه مش عندك دلوقتي بس أكيد كان عندك.. او عندك بس مش مهتم بيها .
هز رأسه و قال بثقة و تأكيد تام : لأ عمري و لا زمان و لا دلوقتي و لا ليا اي علاقة بيه ،حبيبتي أنا مش منزل حتى التطبيق عندي على موبايلي أصلاً.
جن جنونها ، ما يقوله سيفقدها صوابها و سألت: إزاي يعني ، شاب في سنك معقول منعزل عن العالم و السوشيال ميديا ؟ مش ممكن .
فرد ببساطة : دي حاجة بتاكل الوقت و أنا أساساً ماليش تقل عليها ، بس بقالي كذا سنة عامل صفحة على أنستجرام و تويتر عشان بس أتابع الاعلانات للمصانع بتاعتنا و مش بفتح دايما كمان.
نظرت له و هي تهز رأسها بعدم أستيعاب و هي لا تردد سوى كلمة واحدة .. كيف ؟ كيف ؟
فلو ما يقوله صحيح فهذا يعني أنها عاشت لسنوات في وهم و كل شيئ خلفه شيئ آخر.... و من هذا الذي تعرفت عليه رنا .. من ؟
↚
جلست في غرفتها تفتح هاتفها في محاولة منها لتدقيق في صور الصفحات التي أرسلتها لها دعاء.
لكنها كانت على شفى خطوة واحدة من الجنون ، عقلها لا ينفك عن التفكير في كل ما قاله غانم منذ قليل.
تتذكر جيداً ما حدث منذ سنوات تمام التذكر ، و كيف لها أن تنسى أول رجل شعرت بالإعجاب تجاهه .
عودة بالزمن للخلف
كانت تجلس في محاولة منها لمذاكرة دروسها لكن دلفت لعندها رنا بلهفة و أغلقت الباب سريعاً.
رنا : مش مصدقة ، مش مصدقة يا بت يا حلا .. شوفتي مين بعتلي أد ؟
جعدت حلا ما بين حاجبيها و سألت: مين ؟
أشهرت رنا الهاتف في وجهها لترى حلا رجل ليس كأي رجل ، كان مهيب الطول ، عريض الكتف ، أسمر البشرة ضخم الجثة شعره طويل و كثيف ، ملامحة جذابة بها من الكاريزما و الثقة ما يكفي قبيلة ، يرتدي قميص باللون السماوي و بنطال بلون سن الفيل .
كانت تدقق في صورته دون أدنى شعور منها بما يحدث معها.
رمشت بأهدابها على صوت رنا التي قالت: أييييه ، حيلك حيلك ، مالك مبحلقة فيه كده ليه ، المز ده يخصني ، و باعت لي أنا أد ، فنتلم هااا .
استفاقت على صوت رنا التي قالت بحدة: حلاااااا ، اييه ؟
حمحمت حلا و قالت : إيه يا بنتي أنا عملت حاجه ؟
رنا : أصلك عمالة ت.....
صمتت بصدمة و قد صدر عن الهاتف صوت يدل على وصول رسالة إليها و قد أتسعت عينا رنا و قالت بصدمة: ده بعت لي رسالة.
حلا : بيقول ايه ، أوعي تفتحيها .
رنا : ليه ؟ هفتحها عادي.
حلا : و بعد ما تفتحي الرسالة ، كلمة هتجر كلمة و مش بعيد يطلب يقابلك .
رنا : ياريييت .
شهقت حلا و قالت : يعني لو عرض عليكي ممكن توافقي ؟
رنا : إيه ده ؟ مين دي إلي توافق ، لأ مستحيل طبعاً ، أنا كنت بهزر معاكي .
نظرت للهاتف بتشوش ثم قالت مترددة : بس... أصله عاجبني أوي و باين من صورته أبن ناس .
حلا : أه.
رنا : أنا هرد بس بحساب أه ، ما تخافيش عليا على فكره بنت عمك مش سهلة .. يالا هسيبك عشان تذاكري ، سلام .
راقبتها حلا و هي تهرول ناحية الخارج تردد : سلام يا رنا .
كانت تعلم أن رنا لن تصمد طويلاً.
بعد أيام كانت حلا في طريقها للعودة من أحد دروسها الخصوصيه للبيت و وجدت رنا تجلس في شرفة بيتهم تنظر للخضار الممتد أمامها بهيام شديد حتى أنها لم تلاحظ أقتراب حلا منها و لا منادتها لها .
وقفت حلا تردد : رنا .. يا رنا .. مش بكلمك .
نظرت لها رنا بتفاجئ و قالت : حلا ؟ أنتي هنا ؟
حلا : لأ هناك .. في ايه يا بنتي واقفه بقالي ساعه و أنتي و أنتي هنا .
تنهدت رنا و قالت: هيييح ، اتاري الحب حلو اوي.
رددت حلا بصدمة : حب ؟؟! بتحبي مين ؟
رنا : غانم... غانم صفوان غانم .. اه يا حلا لو تشوفيه.. قمر .. هيبة و كاريزما و...
قاطعتها حلا : لو تشوفيه ؟ لا هو أنتي شوفتيه و قابلتيه ؟
رنا : شششش .. وطب صوتك لا حد يسمعنا.
تلفتت حولها ثم همست لحلا : لأ كل ده شات بس ، لكنه مصمم يقابلني ، بيقولي نتقابل بكره بعد الكلية ، بس مش عارفه لسه هلبس إيه.
هزت حلا رأسها بعدم أسيعاب و قالت : تلبسي إيه ؟ يعني مقررة أصلاً انك هتروحي و فاضل اللبس ؟ ده أنتي جرى لمخك حاجة بقا .
اتكئت رنا بجسدها للخلف و هي تردد : هييييح .. أيوه جراله .. حبيت .. حبيته أوي.
انتفضت من مكانها تحكي بلهفة : تخيلي لو حبني و حب يتجوزني ، يا نهار أبيض ، إلي عرفته أنه غني جداً ، و وارث خان كامل بتاعه لوحده .
جعدت حلا ما بين حاجبيها و سألت: خان ؟ يعني إيه ؟
رنا : خان ده زي بلد صغيرة ، زي القرية كلها بس في مدينة بقا و عشان كمان مملوك كله لشخص واحد بمصانعه و اراضيه و بيوته ، ده عندهم مصانع و بيت كبير زي القصر و عربيات و حرس و...
أسكتتها حلا و قالت : إيه يا بنتي ده ، أنتي حبتيه و لا حبيتي إلي عنده و لحقتي عدتيه ؟
رنا : لأ طبعاً ، حبيته هو ، ده قمر قمر قمر ، حاجه كده ماتتوصفش ، يارب بس يطلع شكله زي الصور .
مرت أيام و ذهبت حلا لرنا ، لا تعلم لما كان يجذبها السؤال عن تلك القصة .
طرقت باب غرفة رنا فوجدتها تتحدث بالهاتف مبتسمة ثم قالت لمحدثها : طيب ثواني يا حبيبي و هتصل بيك تاني ، يالا باي باي .
أغلقت الهاتف معه و قالت لحلا : غريبة أنك جيتي أنا إلي دايما بجي لك
حلا : أنتي بتقولي لمين حبيبي؟
رنا : لغانم .
شهقت حلا : أنتي لحقتي .
رنا : لحقت إيه ، ده انا وقعت ولا حدش سمى عليا .
حلا : يعني طلع حلو زي الصور
رنا : لأ صور أيه ، سيبك من الصور خالص ، ده هو حاجة تانية و أحلى كتير .
صمتت حلا تماما و بدأت تستمع لمدح رنا في حبيبها غانم و وصفها له بالتفصيل الممل حتى أنها بدأت تصف في رائحة عطره و طريقة سيره و جلوسه
و ظلت هكذا لفترة كلما ذهبت للقاءه عادت تحكي لحلا أدق أدق التفاصيل حتى بدأت تتغير ، ذبل نضارها و شحب لونها ، كانت كمن يحمل هماً ثقيلاً و توقفت عن الحكي .
حتى أنها كانت تصد حلا في الحديث كلما تطرقت للأمر و أحياناً تجاوب بأقتضاب متهربة .
و من بعدها كان يوم يجر الأخر حتى أستيقظ أهل القريه و هم في طريقهم للحقول صباحا في الفجر على جثة إحدى الفتيات الغارقة في دماء قد لونت كل ثيابها ليتعرف عليها أحد الفلاحين مردداً : يا سنة سوخة يا ولاد ، دي البت رنا ، رنا بنت الحاج عبد الرازق .
و من هنا بدأت الدوامة التي أفضت بوجود حلا الأن في بيت غانم صفوان غانم.
عادت من شرودها على صوت دقات الباب و معه صوت كرم : حلاا ، يا حلا.
تنهدت بصوت عالي ، لم يكن ينقصها عصفورة سلوى هو الآخر.
وقفت من مكانها و ذهبت لتفتح الباب ثم قالت : نعم .
كرم : الست سلوى على التليفون عايزاكي.
سمعت أسمها و ارتبكت قليلاً كأنها تسرق ، هنا أدركت أنها متورطة في شيء ما ، شئ يخص المشاعر ، ما يشبه الخيانة و سرقة الرجال .
و إلا ما كانت لترتبك و تتوتر هكذا .
ابتلعت رمقها و تناولت الهاتف من كرم ثم قالت: ألو ... أيوه يا مدام ، أزاي حضرتك .
وصل لها صوت سلوى تردد برعونة شديدة : هو ايه اللي أزيك؟ أنتي هتاخدي عليا و لا إيه ؟ ماتنسيش نفسك ، أسمعي ، تخرجي دلوقتي لجنينة البيت تنضفيها كلها و تشقي الشجر و براحة على النعناع أنتي فاهمه ، بعدها تكنسي المكان و ترشيه لو كرم قالي إن في عقب سجارة واحد هتبقى سنتك سودة أنتي سامعة ؟
شعرت أن تلك هي فرصتها لذا قالت : لأ مش سامعة .
أتسعت عينا كرم و هو يسمع ما يقال كذلك صدمت سلوى و قالت: نعم ؟ أنتي أتحننتي بقا .
حلا : أحترمي نفسك ، أنا مش شغالة عندك عشان تقولي كده .
سلوى : نعم ؟ امال أنتي إيه.. ما أنتي خدامة ، أنتي هتنسي نفسك ؟
حلا : كنت و مابقتش .
سلوى : الله الله.. إيه قوة القلب دي ، إيه إلي أتغير بقا يا ست حلا مش كنتي جايه خدامة.
أرتبكت حلا قليلاً تشعر بإتهام سلوى الغير منطوق فقالت بتوتر : أنا جيت هنا لخدمة البيت مش جناينية .
سلوى : الجنايني مشي ، تعب و مشي و لسه ماجبناش حد و أنا صاحبة البيت ده و بأمرك تنفذي .
حلا : خلاص أسيب الشغل و أمشي
سلوى : براحتك يا كتكوتة من قلة الخدامين يعني ، بس مافيش مشيان غير لما الي قولته يتنفذ و إلا هتطلعي من البيت بسريقة .
أغلقت الهاتف في وجهها و بقيت حلا مبهوتة لثواني معدودة ثم تحركت بصمت تام ناحية حديقة البيت تنفذ ما أمر منها .
أمام مصنع غانم
كان عزام يقف بملل شديد يحتسي كوب شاي ساخن صنع له .
إلي أن خرج العم جميل من الداخل و وقف معه مردداً: مالك كده ، الزهق طافح على وشك
عزام: ما الشغل هنا على خفيف أوي ، تقريباً مش بعمل حاجة.
جميل : هاااا.. وحشك البيه و خروجات البيه مش كده ؟
عزام : صراحة أه ، أقله كان في حركة كده ، ألا قولي يا عم جميل ، حلا أخبارها إيه ؟
نظر له جميل بمقت شديد ثم قال : لا هو انت بتسألني أنا ، أنت يا واد من يوم ما مشيت من البيت لحد دلوقت لسه ماظبطش حالك وياها .
هز عزام رأسه بيأس وقال: لأ .
جميل: روح إلهي يخيبك ، ما تتلحلح يا واد ، كلمها و قرب منها .
عزام: إزاي بس يا عم جميل ، ما البيه زي ما يكون نقلني هنا عشان يبعدني عنها ، مش بقولك عينه منها .
صر جميل أسنانه بغيظ و قال من بينهما: و أنت كمان عينك منك ماتاخدهاش انت ليه ، احسن منك في ايه البيه .
عزام: ما هو مال و جاه و حسب و نسب ، أكيد مش هتبص لفرد أمن يعني
ثار جميل و خرجت كل الأمور عن سيطرته و صرخ فيه : و ماله فرد الأمن يعني ، ما يمكن ارجل من البيه و إلي خلفوه ..... أسمع ، أنت تطلع دلوقتي على البيت تكلمها ، البيه مش هناك ، راح يبص على المحصول الجديد ، و أنا هسهل دخولك و أغطي مكانك هنا ... يالا أتلحلح.
تهلل وجه عزام بفرحة و قال : و النبي صحيح ، تشكر يا عم جميل.
كاد أن يتحرك لكنه عاد و توقف أمام جميل يسأل : بس مش غريبة ، أنت بتساعدني أنا ليه ؟ و الموضوع ده سيرته بتعصبك أوي كده .
نظر له جميل و قال: أصلك بتفكرني بنفسي زمان .. زمان أوي..
فسأل عزام بفضول قاتل: ايه اللي حصل.
شرد جميل قليلاً ثم أستفاق على صوت عزام الملح ليقول له : أنت لسه هتضيع الوقت و تستفسر ، يالا أتحرك روح لها و خليها تسيب البيت و تمشي معاك ، قعادها في بيت غانم مش في مصلحتك .
عزام : أيوه صح ، لازم أروح لها ... بس... مش هتقولي ايه حكايتك ؟
تنهد جميل بحرارة و قال : كل إلي أقدر أقوله إن كلنا في الهوى مجاريح ، و ساعات الزمن بيعيد نفسه من تاني ، روح يا عزام روح ما تضيعش وقت .
إنصاع عزام لحديث جميل و ذهب و قد عزم على مصارحة حلا اليوم .
في حديقة بيت غانم
انكفئت على الأرض تنضف الحشائش و تقتلع الطويل منها ، تنظيفها تنظيف تام كما طلب منها ، حتى أن معظم ملابسها قد ابتلت من الماء الذي سقت منه النجيله الخضراء .
وقفت تسقي أخر شجرة و هي تلهث من التعب و قد تصبب وجهها عرقاً لتجد صوت أحدهم يناديها من الخلف .
ألتفت لتبصر عزام واقف بين مجموعة من الشجر متخفي بغصونها ، ذهبت إليه بسرعة تسأل: عزام ؟! أنت رجعت .
أبتسم لها بإتساع يردد : لأ ، ده انا جاي سرقة .
رددت بصدمة : سرقة ؟ ليه كده ؟
عزام : عشان أشوفك يا حلا ... حلا انا عايز اقولك كلام... كلام مهم أوي ... و دي فرصتي و مش هضيعها ، بصي يا حلا أنا بصراحة... أنا معجب بيكي و....
قاطعه صوت أحد أفراد الأمن يناديها : أنسة حلا..في حد على البوابة عايزك .
عادت تنظر لعزام و قالت: لازم أروح و أنت أمشي لا حد يشوفك.
لكن عزام قال بإصرار : لأ أنا لازم أتكلم معاكي ضروري .
زمت شفتيها لا تعلم كيف تتصرف ثم قالت : لازم تمشي و أنا لازم أروح ، يالا بسرعة.
كان يعلم أن معها حق لذا هز رأسه و ذهب سريعاً و هي كانت تنظر لأثره مردده : حكايتك إيه يا عزام ، هو انا كنت ناقصة ، كده هأذيه معايا و هو مالوش ذنب.
انتفضت على صوت الأمن يناديها مجدداً فذهبت في عجالة خصوصاً و هي تعلم بهوية السائل عنها بل و تنتظره .
وقفت بجوار الباب بعيده نسبياً عن الحرس أمام عادل يفصل بينها سور حديدي يعلو سور البيت ، مد يده بكتاب ثم قال لها : كله تمام و هتلاقيه في الكتاب .
نظرت حلا حولها ثم سألت : يعني ظبطت كل حاجة و هتخلص بسرعه؟
عادل: كلها أيام ، ما تقلقيش..
أبتلع رمقه و هو يتلفت حوله ثم قال بصوت هامس: بس بقولك ايه.... خمسه و عشرين ألف مش كفاية.. أنا غيرت اتفاقي.
استمعت حلا لبوق سيارت غانم لتعلم أنه قد عاد فقالت على عجالة : نعم ؟ عايز كام يعني ؟
جاوب عادل بسرعة: تلاتين ألف.
صدح صوت غانم الغاضب يهز البيت كله هزاً : حلاااااااااااا .
ارتعدت أوصالها و قالت لعادل: خلاص موافقه ، سلام .
هرولت بسرعة مبتعدة و عادل ينظر لأثرها بصدمة يضرب كف بآخر مردداً: دي وافقت ، شكلي أتسرعت كنت قولت لها خمسة و تلاتين .
زم شفتيه بضيق ثم رحل سريعاً.
أما غانم فقد وقف يغلي على نار من نار و حطب و هو يراها بثوبها الأبيض الملتصق على جسدها الناري يفصله تفصيلاً و عيون الرجال تحملق بها و هي تقف لا مبالية تماماً.
ذهب إليها بسرعه يخلع عنه معطفه الشتوي الطويل و ضعه عليها و هي تحاول الحديث : أنا كنت ....
ليقاطعها بنظرة من عينه مردداً: و لا كلمة زيادة هنا ، يالا على جوا .
سحبها معها و هو يكتف يديها و جسدها يلفهم بالمعطق قابضاً بيده علي مقدمته ثم يجرها خلفه.
ذهب بها حيث غرفتها يدفش الباب بقدمه ثم يدفعها معه للداخل .
ألقاها على السرير و وقف أمامها يقول : إيه.. ها... إيه.. واقفه بهدوم لازقة على جسمك كله و عيون الرجالة هتاكلك أكل و أنتي و لا همك ، إيه بتستعرضي نفسك قدامهم ، ده انا أدفنك مكانك.. إنتي فاهمه.
هزت رأسها برعب ثم قالت: والله ابداً ، ده انا كنت بشتغل و أتبهدلت .
غانم: و الله ؟ شغل إيه ده إلي في الجنينه.
فقالت حلا بتحدي : الست سلوى إلي طلبت ، شغلتني شغل الجنايني كله .
رمش بعيناه ثم سأل بضيق و صدمة : إيه ؟ شغل الجنايني ؟ إزاي ؟ ده كتير أوي و عايز راجل عفي و كلة مرمطة .
شعرت بغصة في حلقها خصوصاً و هي تشعر بتعب شديد بدأ في السيطرة عليها و رددت : و هو أنا شغلتي هنا إيه ، ما خدمة و مرمطة .
جلس لجوارها يقول : ما تقوليش كده تاني و أنا سبق و طلبت منك تبطلي شغل أصلا و....
كاد أن يكمل لولا تذكره شيئ فصل الكهرباء عن عقله و قال: أنا شوفتك كنتي واقفه مع حد. مين ده ؟ أنطقي.
خافت كثيراً من هيئته و تحوله المفاجئ و قالت: ده عادل.. عادل كان جايب لي حاجة .
غانم : حاجة إيه ؟ مالك أنتي و مال المحاسب ؟
حمحمت تجلي صوتها ثم قالت: أصله ... أحممم... أصل أنا... بصراحة كده و من الآخر أنا كدبت عليكم .
صمت بصدمة و سأل مبهوتاً : نعم ؟ كدبتي ؟ كدبتي في إيه ؟
رفرفت بأهدابها ثم قالت بترقب و خشية : أنا.. بصراحة أنا مش دبلوم تجارة زي ما قولت لكم .. أنا في كلية .. في سنة تانية كلية تجارة.
كان يسمعها بصدمه ثم سأل: أيه ؟ إزاي ده ؟ طب و كدبتي ليه من الأول ؟
حلا: عشان الست هانم مراتك توافق تشغلني ، دي من غير حاجة كانت رفضاني و أنا كنت محتاجه الشغل أوي.
فصرخ فيها بغضب: و أنا ؟ كدبتي عليا ليه ؟ ازاي مش عارف عنك أبسط التفاصيل كده ؟! إزاي بجد !
هزت كتفيها و قالت: ما أعرفش أنه هيفرق معاك
غانم: نعم ؟
تقدم منها يقبض على ذراعها ثم سأل : قولي ، مخبية إيه عليا تاني ؟ بتكدبي في ايه تاني ؟
اهتزت مقلتيها قليلاً ثم أستدعت الثبات تردد : وو.. ولا حاجة.
هز رأسه يردد : لو طلعتي بتكدبي عليا في حاجه تانيه مش عارف ممكن أعمل فيكي إيه.. حقيقي مش عارف ، بس مش هرحمك ، حتى لو كان قلبي معاكي.
نظرت له برعب قليلاً ليفاجأها بسؤاله: و عادل كان جاي هنا ليه و واقفه معاه تعملي ايه ؟
حلا : كان جايب لي الكتاب من دعاء خطيبته عشان ماعرفتش اذاكر من على النت ، و بعدين ده خطيب صاحبتي يعني .
غانم: و إيه لازمة كل ده ؟
حلا : أصل .. أصل أنا.. عندي أمتحان بكره.
تفاجأ قليلاً و صمت يستدرك ما قالت ثم قال بصوت رخيم: يعني أنتي عندك أمتحان بكرة.
حلا: أيوه.
أبتسم لها بدفئ ثم قال: يبقى تقومي تذاكري و أنا هعمل لحبيبي سامدوتشات و حاجه سخنة و أجي اذاكر لك .
فقالت بإندفاع : لأ شكراً.. كتر خيرك مش محتاجة .
لكنه قال بصوت لا يقبل النقاش : رأيك مش هيفيد ، أنا قررت ، خمس دقايق و راجع ، بس ياريت تغيري لبسك إلي لازق عليكي ده ، الإنسان ضعيف .. و أنا ماسك نفسي عنك بأعجوبة.
خرج من عندها و تركها مبوته و قد هامت في غرامة و نست نفسها لتستفيق سريعاً و هي تبحث عن الكتاب تنظر في الورقة المدسوسة بنصفه و قد شرح فيها عادل كيف سيتمم مهمته بالتفصيل .
و دون في النهاية المبلغ المراد لتردده هي بإنتشاء : أاااه ... تلاته مليون و نص ، امتى بقا .
وقفت سريعاً تدرك شئ مهم ، أنها لابد و أن تختفي من قبضة غانم قبلما تنفذ ما خطتت له خاصةً و قد أقتربت من النهاية .
لتتذكر حديثها في بداية اليوم مع سلوى ، حاولت جمع أغراضها القليلة و خرجت مسرعة مستغلة غياب غانم.
وقفت عند البوابة و قالت للحارث : عايزه أخرج.
فقال: ممنوع.
حلا: بس دي أوامر سلوى هانم حتى كلمها .
الحارث: ما اقدرش كلميها أنتي .
فاسرعت تنفذ و هاتفت سلوى التي أمرت الحارث أن يفعل فما كان منه إلا أن قال : حاضر يا هانم .
ثم أغلق الهاتف ليتهلل وجه حلا التي قالت: مستني إيه يالا أفتح لي البوابة ؟
هز الحارث رأسه و قال: ممنوع.
صرخت فيه بجنون : ازاي ما الست سلوى لسه قايله لك خرجها و أنت قولت حاضر.
ليرد الحارث بهدوء: هي ست البيت و قالت كده فبهاودها ، لكن صاحب البيت و صاحب الشغل مانع خروجك و أنا بنفذ الأوامر و في نفس الوقت بريح دماغي من كلام الستات لسه هقول لها أه و لأ هي وجوزها بقا يبقوا يتفاهموا مع بعض ، يالا أدخلي أنتي على جوا عشان انتي ممنوعة تقفي كده .
دلفت للداخل و هي تلعن صاحبة البيت على صاحب البيت على اليوم الذي جمعها معمهما .
جلست في غرفتها بغيظ شديد و هي تفتح الورقه مجدداً ليدق هاتفها برقم عادل.
فتحت الهاتف تقول : إيه بقا ، مش قولنا نقلل كلام خالص.
عادل: أسمعي بس ، أنا بقول لو نقفلهم أربعه مليون ، إيه رأيك؟
لتجيب برفض قاطع : لأ ، هما التلاتة و نص بس .
عادل: أسمعي بس دي فرصتنا و أنا هظبط كل حاجه ، ده المثل بيقولك لو سرقت إسرق جمل .
لتصرخ فيه : سرقة ايه يا حمار أنت ، أسمع إلي قولته بس هو إلي تعمله و بلاش تجود من عندك الله يبارك لك... الفلوس دي هي قيمة تركت أبويا... مش سرقة.
عادل: يعني إيه ؟ ما فهمتش.
حلا : مش مهم تفهم ،المهم تنفذ ، سلام
أغلقت الهاتف معه و تفكر شاردة ، فهذا هو تمام هدفها..... المال ، قيمة تركت والدها من تجارة و محلات و عقارات ، لم تأتي كي تنتقم من غانم أو لتجعله يموت من عذاب حبها لم تتوقع أن يقع لها من الأساس أو قد يعتنيها بنظرة ، خطتها كانت مختلفة.. كلها منصب حول المااال و فقط .
انتفضت على صوت الباب و غانم يدلف و معه صينيه عليها شطائر لذيذه مع مشروب الشاي بالحليب يردد : أنا جيت عشان اذاكر لحبيبي .
بللت شفتيها بتوتر ، لا تعلم لما يزيد الأمر صعوبة عليها ، لن تجادل مع نفسها ، تعترف أن له هيمنة عليها غير عادية .
جلس و فتح أحضانه لها يردد : تعالي يا روحي .
رفعت إحدى حاجبيها لها تسأل: و أنا هعرف اذاكر كده ؟
غمز لها و قال: طب جربي ، ده هتبقى أحلى مذاكرة .
شئ ما داخلها دفعها لتجرب ، كأنها تريد ذلك و بشدة خصوصاً و هي تنوي الهرب منه بالغد بعد إنتهاء الامتحانات ، فالحرم الجامعي كبير و سيسهل عليها فعلها.
انصهرت تماماً في أحضانه تستمتع بدفئها خصوصاً مع صوته المميز و هو يشرح لها بسلاسة يخبرها في وسط الحديث أنه أيضاً خريج كلية التجارة مثلها .
في اليوم التالي .
أنهت أداء امتحانها سريعاً ، لم تقف مع أصدقائها ، خطتها في الهرب أهم بكثير.
حاولت السير بسرعه في اتجاه غير إتجاه الخروج لكن أوقفها صوت عزام الذي ساعده العم جميل في التزويغ من عمله و أخبره بميعاد تواجدها في الجامعة.
وقف أمامها فقالت : عزام ، إيه إلي جابك هنا ؟
عزام : جيت أقولك إلي بقالي كتير عايز أقوله.
تناول يدها بين يديه و وضعها قرب قلبه بوضوح ثم أكمل : حلا ، أنا بحبك يا حلا ، بحبك أوي و عايز أتجوزك .
حلا بصدمة: إيه؟
عزام: أيوه و لازم تسيبي الشغل عند البيه و أنا كمان سبيه و نهرب و نتجوز هو مالوش سلطة علينا و أنا هلاقي شغل غيره عادي و أنتي تتتستتي في بيتي و تبقي ليا و بس ، قولتي إيه ؟ تهربي معايا ؟
فقرت لثواني ، فقط ثواني لكن غانم لم يمهلها أياها ، و صرخ فيهما : حلااا .. عزام
قبض على ذراعها يقول : بتعملي إيه عندك ؟
لم يهتم لعزام كثيراً و قبض على ذراع حلا يرغمها على الدخول للسيارة .
حاول عزام التدخل لكن رجال غانم تعاملوا معه.
وصل للبيت يشق الطريق و هو يتوعد لها .. فتح باب السيارة و إلتف يفتح بابها .
مد يده جذبها منها و هي تصرخ : سيبني ،سيبني ، أنا عملت إيه ؟
جرها معه للداخل و هو يردد : عايزه تهربي معاه ، عايزك تتجوزيه ؟ و أنا ؟ أنا إلي حبيتك تعملي معايا كده ؟
حاولت نفضه عنها تصرخ : أنا ما عملتش حاجه ، و ماكنتش وافقت .
فصرخ هو الآخر بقهر : بس وقفتي و سمعتيه و سبتيه يقول ،قرب منك و مسك أيدك.
جذبها مجدداً يقول : تعالي بقا معاياااا .
فتدخل جميل على الفور الذي تقدم هو وابنه يقول : ايه يا ولدي ده إيه اللي حصل.
لم يجيب عليه غانم و صرخت حلا و هي تراه يأخذها معه للسلم المؤدي لغرفته لتصرخ : لااااأ ، أنت موديني فين ؟
جميل مجددا : سيبها يا ولدي و أخزي الشيطان.
كرم: سيبها يا باشا البت مش أدك .
لكنه صرخ فيهم أخرصهم بصوت عاصف: ماحدش يتدخل بينا ، سامعين.
و أستمر في جذبها معه لتصعد السلم و هي تحاول التحرر من قبضته تستعطفه أن يتركها.
فتح باب غرفته و ألقاها بالداخل ثم قال: كان لازم تعرفي أنك بتاعت غانم صفوان و تتعاملي على الأساس ده.
رغم رعبها الشديد لكن سخطها و كرهها كان أضعاف فدبت قدمها في الأرض تردد : أنا مش بتاعتك ، أنت فاهم ، مش بتاعتك و مش بتاعت حد .
نظر لها بأعين شيطانيه سوداء ثم بدأ يفكك في أزرار قمصيه و هو يردد : خلاص أخليكي بتاعتي .
خلع عنه قميصه ليظهر جسده المتحفز بكل عضله فيه لها يريدها و هي أيضاً تحفزت تتذكر رنا و مصيرها تقسم أنها لن تنال نفس النهاية و هي تردد : على جثتي ، كله إلا كده .....
لكن غانم كان يخطو ناحيتها بنفس الإصرار يقسم هو الآخر أن يفعل طالما أنها صعبة الترويض هكذا .
لذا لا حل معها سوى أن يحتلها أولا ثم يتفاوض .
↚
كان يتقدم منها و التصميم في عينه إن كانت هي عنيدة و متهورة فهو غانم صفوان ، لا حل معها سوى ذلك .
و هي وقفت بتحفز تام تراه يقلع قميصه و يلقيه دون النظر له ، كيف سينظر له و هو مسلط عينه على هدفه المتمثل فيها ، تستطيع أن ترى شريط حياتها و ما سيحدث بعد تلك الدقائق.
ترى نفسها ملقاة على طريق خالي تماماً من أي بشري جثة هامدة غارقة في الدماء .
تشنج فكها و ثار الأدرنالين بكل خلية في جسدها، من يظن نفسه إبن صفوان غانم هذا ؟
هل يظن أن البشر عبيد لديه ؟ أم سلعة تستهلك لرغباته .
كل الغضب و الثورة المكنونة في صدرها لسنوات بدأ يطفو على السطح.
فقالت بصوت حاد يشوبه الخوف: أرجع أحسن لك عن إلي في دماغك و خرجني من هنا .
رفع إحدى حاجبيه و هو يقول : أنا هعرفك إنتي بتاعت مين يا حلا .
أقترب منها تماماً و بدأ يقبض على كلتا يديها بيديه يكتفها ، ثم دفعها بجزعه العاري فأستلقت على الفراش برعب تام.
مال عليها و هو يردد: أنتي بتاعتي أنا بس ، سامعة.
صكت أسنانها متألمة من دفعته و هي تصرخ فيه: قولت لك أبعد عننني ، أبعد عني.
بدأ يقبل في عنقها و مقدمة صدرها كل ما تطاله شفتيه و هو يردد بأنفاس سخينة لاهثة : مش قبل ما أزرع جواكي حتة مني .
دفعته بيدها رافضة و هي تشيح برأسها يميناً و يساراً كي تتفادى قبلاته و تبعد نفسها عن مرمى شفتيه مرددة تحاول معه و تستجديه: أبعد عني ، حقك عليا، مش هعمل كده تاني ، بس سيبني .
فصرخ بغل : إنتي ما سبتليش حل غير كده .
اهتز فكها متشنجة تردد من بين أسنانها المصكوكة : و أنت كمان ما سبتليش حل غير كده .
أستجمعت قوتها متأهبة تتذكر بعض الحركات الدفاعية ، فبدفعة من كوعها ناولته ضربة قوية على جانب عينه من المؤكد أنها ستستحيل للون الازرق آخر اليوم.
أبتعد قليلاً على أثرها متأوهاً ، مصدوم من إمكانتيها في إتخاذ رد فعل قوي كهذا .
لتسرع في الضربة التالية فبحركة سريعة من قدمها معتمدة على الخفة و قوة الساق جعلته يترنح و كاد أن يتعثر و يسقط على الأرض لولا أنه تمالك نفسه و ضبط جسده و وقف مبهوت يردد بغضب : إنتي بتعملي إيه ؟ أنتي أتجننتي شكلك .
أقترب كي يتمكن منها مجدداً لكنها وثبت من فوق الفراش تواجهه ترفع يدها بلكمة تفاداها بقبضته التي أطبقت على قبضتها فقربها منه مردداً بجنون : أنتي بتضربيني ؟
حلا بحقد شديد: ده انا هكسر عضمك .
أتسعت عيناه بغضب و ألقاها على الفراش يردد : تكسري عضم مين ، أنا سكت لك كتير أوي .
أبتعد عنها ينظر لها بغيظ شديد و حقد و الشر يتطاير من عيناه كلهيب سيحرق من يصيبه و قال : إنتي إلي وصلتي بينا لهنا ، أنا كنت بحافظ عليكي كأنك حته من روحي ، بس إنتي ما احترمتيش كل ده.
بللت شفتيها تبتلع كلماتها التي كانت ستنتطق بها ، فمظهره و هيئتة مرعبة لأقصى حد و تلك ال الضربة التي سددتها له بدأت تظهر قرب عيناه .
و هو يتحرك بعصبية و جنون بلا هوادة أمامها مردداً: كل ما أحاول اقرب تبعدي ، كل اكلمك تقطعي الكلام ، ده أنا اعترفت لك بحبي و إنتي حتى ماردتيش عليا بأي رد ، ده غير كذبك و تصرفاتك لأ و كل شوية عايزه أمشي عايزه أمشي .
نظر لها بغضب شديد و قال : لكن توصل بيكي للخيانة فلأ ، تستحقي إلي يتعمل فيكي .
أقترب منها على الفراش يقبض على ذراعها مردداً: إنتي عملتي إلي ماحدش قدر يعمله ، خونتي غانم صفوان ، غانم إلي ماحبش غيرك .
حاولت التحدث بترقب و قالت : أنا ماعملتش حاجة ، ما عملتش حاجه و الله.
هدر فيها عالياً: إخرصي ، أنا شايفك بعيني و سمعت بودني و هو بيقولك أنه بيحبك و عايزك تهربي معاه و يتجوزك .
فقالت بإندفاع: و لما أنت بتسمع كويس ،كنت سمعت صوتي رد عليه بأي حاجة ؟
نظر لها بإستنكار يجعد مابين حاجبيه و شيئاً فشيئاً كانت يديه تلين من قبضته على لحم ذراعها يتذكر إنه لم يسمع منها رد فقال بإندفاع هو الآخر: عشان ماقدرتش استحمل أقف و أستنى أسمع ، يمكن خوفت أسمع ردك .
أبتعد عن الفراش يردد : أنا مش هفضل متحمل كتير ،أنا بردو بشر ، و مش هقعد أتفرج على البنت الوحيدة إلي حبيتها و هي بتضيع من أيدي .
مرت لحظة صمت و كل منهما ينظر للأخر ليقول أخيراً: أنتي هتفضلي هنا في الأوضة دي مش هتخرجي منها .
أبتعد كي يخرج لكنها قفزت خلفه تقول بصدمة: هتسجني يعني ؟
نظر لها بوجه جامد و ردد : أيوه ، أعتبري نفسك سجينة غانم صفوان ، و ده أقل عقاب ليكي .
أغلق الباب فوراً و هي ظلت تضرب عليه بقبضتها التي تشتد و هي تستمع لصوت المفتاح في قفل الباب تناديه لكنه لم يجيب .
هبط الدرج بوجه و جسد منهك ،كأن على أكتافه ثقل سنوات .
ليجد العم جميل يقف في نهاية الدرج ينظر له بعدم رضا و باشر على الفور في شن حملة مضادة عليه.
فأخذ يسأل : إيه إلي حصل ، و البت الخدامة دي فين ؟
نظر له غانم و قال بإنذار : ماسمهاش بت و لا خدامة ؟
لكن جميل كان و كأنه على مشارف الجنان بلا داعي و سأله : علمت لها إيه ؟ رد عليا ؟ عملت فيها حاجه ؟
غانم: دي حاجة خاصة بيا ، بلاش تتدخل في إلي مالكش فيه .
كظم جميل غيظه و حاول رسم إبتسامة على مهتزة على شفتيه و اقترب منه بهدوء يردد : أول مرة تقولي حاجة زي دي ، ده انا جميل إلي مربيك ، هان عليك تقولي كده ؟
نظر جميل أرضاً بتأثر بينما إلتف غانم ينظر له و قد بدأ يشعر بتأنيب الضمير فقال : أنا مش قصدي ، بس... أنا....
جميل : أنت إيه ؟ أنت بتضيع ، البت دي خطر عليك و على بيتك و على إبنك الجاي ... مافكرتش أنك متجوز؟ مافكرتش في سلوى لما تعرف هتعمل معاها أيه ؟ أفرض قالت لك ننفصل ؟ إيه هتهد بيتك و بيت إبنك الي لسه ماشفتوش ؟
تنهد غانم يغمض عيناه ، هو بالفعل يتهرب من التفكير في تلك النقطة... أسرته .. ماذا عنها
لكن ماذا يفعل لقد وقع في عشقها و أنتهى الأمر ، لم يكن ذي سلطان على قلبه أو الهوى .
ربما أتاه الشخص الصحيح في الوقت الخطأ ، لكنه أتى و هو لا يملك القوى على التوقف عن حبه.
نظر جميل للكدمة التي بدأت في الظهور على جانب عينه و سأل: ضربتك ؟
زاغت عينا غانم يميناً و يساراً يتجنب المواجهة أو السؤال فقال جميل : و ما ضربتهاش ليه ؟ ده أنت فيك عافية تكفي قبيلة بحالها.
ارتبك غانم و لم يجيب فضحك جميل بسخرية يردد : لانت يدك ، ماعرفتش تضربها ، عشقتها يا ولدي ؟
جلس غانم على طرف الأريكة من خلفه ، يضع رأسه بين كفيه يردد و هو بهم و قلة حيلة: أيوه ،و مش عارف أعمل أيه ؟
جلس جميل قرب إذنه و همس : تعمل الصح ، دي خطر عليك ، أنت ماقدرتش عليها.. ماقدرتش تبقى غانم صفوان عليها و لا قدرت تأذيها ، ده أنت إلي بيرشك بالميه بترشه بالدم و إلي يخربشك خربوش بتفلقه نصين و هي .... جيت عندها و لانت أيدك .
شعر جميل بإستجابة غانم للحديث ، لم يوقفه عند حده كالعادة كلما تحدث عن حلا ، بل تركه يكمل .
فشعر أنها فرصته و بدأ يتحدث : خليها تمشي ، أنت أتعلقت بيها أوي و بعدين شكلها عينها من عزام .
انتفض غانم ينظر له بغضب فقال جميل : مش راحت تقابله يبقى عينها منه .
صمت غانم يدرك أن بحديثه الصواب ، أطبق جفناه و هو يشعر بالوحدة و الألم ، ألم ينهش قلبة و معدته مقبوضة .
لا أحد له كي بتكلم معه ، و من له لن يستطيع الحديث معها فيكف سيشكو إليها منها ؟
فلم يجد سوى جميل بجواره ، نكس رأسه لأسفل و هو يردد بعجز واضح: مش هقدر أبعد عنها ، لما بتغيب عن عيني روحي بتروح مني ، مش هقدر أخليها تمشي .. ما أقدرش أتحرم منها .
جميل : تتحرم منها و لا تتحرم من إبنك و عيلتك ؟
رفع غانم عيناه له بقلق فقال جميل : أمام فكرك إيه ؟ الست سلوى مناخيرها في السما و مش هتقبل بالي حصل خصوصاً لما تبقى فضلت عليها خدامتها .
نظر له غانم بنفس الضيق المعتاد كلما نعت حلا بالخادمة ليقول جميل: ما هي خدامة ،جت هنا تشتغل كده هو انا بتبلى عليها ؟
وقف من مكانه و قال: قوم يا ولدي ، أصلب طولك و أطردها من هنا؟ خليها تروح للي من توبها ، مش هي لسه بنت بنوت ؟
صمت غانم و لم يجيب فسأل جميل بقلق : ما ترد عليا يا ولدي .. أنت أذيت البت ؟
هز غانم رأسه بإنكار ليتنهد جميل براحه و قال رغماً عنه: أيوه كده خليها لصاحب نصيبها .
اهتز جسد غانم من الجملة شفوياً بحد ذاتها ، أطبق جفناه بألم و هو يهز رأسه يميناً و يساراً برفض تام: مش هقدر ، مش هقدر.
جميل: هات المفتاح يا ولدي .
عاد غانم يهز رأسه رافضاً و هو يتألم كأن روحه تزهق منه .
ليقول جميل بصوت قوي يخيره : مرتك و ولدك و لا البت دي ؟
رفع غانم رأسه يجاهد دموعه ، يطبق جفناه بقوة يتنهد و هو يسأل ربه الخلاص ، لا يستطيع الإبتعاد عنها و لا يستطيع جرح سلوى و خسارة إبنه.
فتقدم جميل يمد يده من كف غانم المقبوضة على المفتاح يربط عليها ثم يحاول فتحها و هو يقول : هتحب إبنك اكتر منها ، ده جاي بعد جوع و عطش ... أفتح يدك و هات المفتاح يا ولدي ، هات يالا ربنا يهديك
بقوة رهيبة و بشق الأنفس فتح كف يده أخيراً ، يعلم أنه هكذا يسحب روحه من جسده و يكتب شهادة وفاته بخط يده .
لم يتوامى جميل لثواني و التقط المفتاح و ذهب سريعاً لحلا التي وقفت معه بلهفة لا تسأل كيف أو لماذا.
لكن جميل قال : يالا معايا بسرعه لو فضلتي مش هيعتقك .
خرجت معه و هي تهرول ، لم تركض ، كأنها تنتظره عند البوابة الرئيسية يرفض خروجها ، ربما تمنت .
لكنها صدمت بالحرس الذي سبق و رفض خروجها حتى أنه رفض طلب سلوى يوافق الآن على خروجها.
وقفت عند البوابة و جميل يعطيها متعلقاتها نظرت لها بإستغراب فهو و كأنه قد حضرها لها .
نظرت بألم شديد و مشاعر مختلطة ناحية نافذة غرفة مكتبه التي يقضي بها ثلاث أرباع يومه ، لا تعلم لما هي الأن مترددة في الرحيل بعدما كانت تريده و كأنها أستلذت تعذيبه لها و هوسه بها .
ليلاحظ جميل كل هذا فيقول بحده : أمشي يالا و ما تبصيش وراكي ، أنا عملت البدع عشان امشيكي من هنا .
نظرت لجميل بإستغراب و سألت : غريبة ، ده غانم ده زي إبنك يعني.
جميل : أيوه بس انتي بنت و ربنا يستر على ولايانا ، شكلك بنت ناس ، أخرجي من هنا بسرعة قبل ما يرميكي هو بس و أنتي مش نافعة لحاجة ، أنا إلي مربيه و عارفة ، كل فترة بيعمل كده زي العيال الصغيرة بس إنتي شكلك بنت ناس ، أجري من هنا و ماتبصيش وراكي أنا ماصدقت طلعتك .
وجدها مازالت تقف كأنها موافقة على العيش معه حتى لو عاشت بالحجيم فقال بنبرة بها من الغلظة و الحسم المزيد : عايزه ترجعي أرجعي ، بس ساعتها نا تبقيش تعيطي و تقولي يا ريت إلي جرى ما كان ، في حاجات لو حصلت عمرك ما تعرفي ترجعي زي ما كنتي ، و إنتي فاهمه قصدي.
رمشت بأهدابها كأنها تصفع نفسها ، كيف نست رنا و ما حدث معها ، كيف نست أنه كاد أن يغتصبها منذ دقائق لولا دفاعها عن نفسها مستذكرة لبعض حركات القوة التي صمم والدها عليها أن تتعلمها .
لولا ذلك لاصبحت كرنا ، بل أبشع فرنا فعلت كل ذلك بإرادتها حتى لو وهمها بالحب أما هي فستكون مغتصبه و هو لن يرف له جفن ، كيف يرف له جفن و قد نسى رنا لا و يقول إنه لم يحب مطلقاً و لا يملك أي حساب على فيسبوك ، ممثل بارع و قد صدقته و صدقت تصريحه المزيف بالحب الذي لم يكن بالتأكيد سوى فرشة وثيرة لطريق نهايته مأساوية لها هي فقط بعدما تستسلم لكذباته .
لذا ألتفت بقوة و بغضب ، بخطوات واسعة ثم تحولت لهرولة إستحالت للركض .
تركض مبتعدة عن حب سيغرقها بالوحل رغم الألم المتزايد في أيسرها و كأن قلبها يؤلمها على شئ ما تولد داخله لشخص ولته ظهرها و تركته .
ظلت متماسكة متماسكة.. تمام التماسك حتى وصلت للبيت و مع أول ملامسة لها لأحضان و الدتها انهارت باكية .. تبكي بحرقة و ألم ، و كأنها تملك ألم شديد من جرح نازف مازال حي .
و مرت أيام...... غير معلومة العدد لكليهما ، لكنها مرت.
وغانم جسد بلا روح أو قلب ، لقد رحلت ، رحلت و لم تترك خلفها أي شيء منها .. كانت بخيلة تماماً فحتى رباط شعرها أخذته كأنها متعمدة .. لم تترك سوى رائحتها على الفراش حيث كانت تمكث.
و قد بات مضجعه بعدما هجر غرفته تقريباً ، يبيت فيها كي يستطيع النوم و هو محاط ببصيص من رائحتها .
دق هاتفه يعلن عن إتصال من أحدهم ، فرفع سماعة الهاتف بسرعه يقول : أيوة وصلت لأيه ؟
جاوبه المتحدث بشيئ لم يروقه تقريباً ، فقد جعد ما بين حاجبيه بضيق شديد و سأم ثم أغلق الهاتف.
عاد برأسه للخلف يسندها على وسادة حبيبته و هو متجهم الوجه لينتبه على فتح الباب.
و لم يكن سوى العم جميل الذي نظر له بعدم رضا يقول : وبعدهاك يا ولدي ، هتفضل ساكن الأوضة دي لحد أمتى .. قوم قوم.. روح طل على مرتك و أتطمن على ولي العهد هما أولى بفكرك و وقتك.
أغمض عيناه بتعب شديد ، سحب نفس عميق مثقل مهموم و هو يرى إن ربما ذلك هو تمام الصواب ، عائلته أولى برعايته و تفكيره.
فذهب لسلوى التي رحبت به بحرارة تسأله عن حاله و باقي حديثها عبارة عن هوس و جنون بادق تفاصيل صغيرها الذي تنتظره على نار .
حاول الإندماج معها ، يغتصب الإبتسامة ، شعور بالذنب هو المحرك الأساسي له .
قضى معها يومه كله تقريباً و عاد للبيت ، توقفت السيارات أمام منزل غانم بيك الكبير فسأل العم جميل: ايه يا ولدي ، البواب فتح لك البوابه ماتدخل.
صمت تماماً ثم قال: لأ ، رايح مشوار ، خلي الرجاله تستناني هنا .
أستغرب جميل و سأل: من أمتى بتمشي من غيرهم؟ أنت رايح فين على كده ؟
نظر له غانم و سأل : أنت عرفت منين إن عزام راح قابل حلا في كليتها ؟
أهتز ثبات جميل ، لقد باغته بسؤاله ، حاول تمالك نفسه سريعاً و قال : منك ، أكيد منك.
غانم: بس انا مش فاكر إني قولت لك.
جميل: لأ ، أنت قولت لي ،بش تلاقيك نسيت ، هو أنت مخك بقى فيك من ساعة ما عينك وقعت عليها ، أمال هكون عرفت منين يعني بضرب الودع و لا بشم على ضهر أيدي ؟!
هز غانم رأسه بصمت تام ثم تحرك بالسيارة مخلفا ً عاصفة ترابية خلفه.
ظل جميل ينظر لأثره و هو يردد: لأ الحكاية دي طولت و لازم تموت من جدورها بقا ، كده لازم اعمل إلي ناوي عليه و مرتبه .
أما غانم فظل يسير بالسيارة حتى وصل لشاطئ النيل ،حيث مطعم جميل مطل عليه.
جلس في سيارته من بعيد وحده يراقبها... يراقب حبيبته التي أصبحت تعمل به .
يود الذهاب لها و جلبها من شعراتها تلك التي تطلقها للعنان أو يقضم لها خدودها الجميلة أو يكسر صف أسنانها التي تبتسم بهم .
شرفت كل القوة التي يمنع بها نفسه عنها من النفاذ ،و كاد أن يترجل من سيارته ليذهب لها يروي عطشه و ليحدث ما يحدث لولا إتصال جميل الذي قال حينما جاوب عليه: تعالى بسرعه يا ولدي في مصيبة.. مصيبة .
↚
وصل بسيارته التي يطير من خلفها الغبار كالعاصفة و صفها بإهمال أمام المصنع ثم ترجل منها بغضب شديد ليجد العم جميل في إنتظاره .
فسأل مباشرة بغضب : حصل أمتى الكلام ده ؟
رد جميل و عينه بالأرض : من يومين يا ولدي ، بس ماكشفنهاش غير النهاردة.
غانم : يعني إيه ماكشفتوهاش غير النهاردة هما كام جنيه فكة دول تلاته مليون و نص.
رفع جميل رأسه و قال : ده لولايا كان زمان خربت مالطا.
دلف غانم للداخل بخطى واسعه و جميل خلفه يردد: أكيد الحركة دي من الواد المحاسب الجديد .
غانم : جيبهولي ، هو فين ؟
جميل: فص ملح وداب.
توقف غانم عن السير و إلتف له بغضب يردد : ده إلي هو إزاي يعني ؟ يعني إيه ؟ سرقني و هرب كده عادي ؟ ده انا أطربق الدنيا على دماغ إلي فيها.
فرد جميل بنزق : و هو انت فاضي يا ولدي ، انت عندك إلي شاغلك بقا.
احتدت عينا غانم و هدر بغضب : هو إحنا في إيه و لا في إيه دلوقتي ؟ ليه كل شوية عاملها شماعة تعلق عليها كل الغلط ، و بعدين هو المفروض أن أنا مشغل معايا ناس ليه لما أنا هعمل و هراقب كل حاجه ؟ و أنت ؟ كنت فين لما كل ده حصل ؟
أرتبك جميل بقوة ، بدأ ينفعل و يفقد السيطرة و التحكم في هدوءه ثم قال : ما المحاسب ده من طرف حبيبة القلب و لا نسيت ، طابخة معاه كل حاجة من بدري ، الأول تقولك عندي محاسب شاطر و بعدها يقلب تلاته مليون و نص و يكت و انت و لا على بالك.. كل همك تدافع عنها .
وقف غانم دقيقة يستوعب ، ثم بدأ يهز رأسه و عقله رافض تصديق الفكرة بالأساس و قال : لأ ، حلا ما تعملش كده .
جميل : و ما تعملهاش ليه ؟
غانم : و تعملها ليه ؟
كاد جميل أن يتحدث و يرد عليه لكن قاطعهم إتصال من والد سلوى فجاوب غانم على الفور.
غانم : أيوه يا عمي خير ؟
والد سلوى: الحقنا يا غانم ، سلوى تعبت .. تعبت أوي.. احنا في طريقنا للمستشفى دلوقتي ، الدكتور حولنا على المستشفى ، الوضع شكله خطير ، تعالى لنا بسرعه على هناك .
على الفور ركض غانم تجاه سيارته و قادها بسرعة متجه نحو المشفى.
كان صوت صراخها الهيستيري يدوي في المكان يرجه كله ، يستمع له من الخارج و هو يصف سيارته .
مما جعل قلبه يسقط بين قدميه و هو يتوقع حالتها التي قد توصلها للصراخ بتلك الطريقة.
توقعها مكسورة القدم أو الذراع ، بالتأكيد تعرضت لحادثة قوية أسفرت عن ألم شديد.
هرول للداخل يسأل عنها فوجدهم بقسم الطوارئ و سلوى ممدة على الفراش لا يوجد بها خدش واحد لكن صوت صراخها مازال مستمر.
تقدم من والدها يسأل بخوف و قلق : خير ، في إيه ؟ سلوى مالها ؟ بتصوت كده ليه ؟
لتصرخ سلوى مجيبة : البيبي يا غانم ، إبني ، إبني بيمون ، مش حاسة بيه خالص.
جف حلقه ، و اهتز جسده ، أقترب منها و حاول تهدئتها يردد : ده... ده عادي تقريباً ، بتحصل ، مش كده ؟
كان يسألها و هو يطلب منها أن تطمئنه هي ، لكنها هزت رأسها نفياً و عيونها تدمع بقوه .
في تلك اللحظة دلف الطبيب و معاونيه مردداً: ايه الزحمه دي ، لو سمحتوا فضو لي المكان عشان اعرف أعمل لها اللازم.
على الفور خرج أهل سلوى فنظر الطبيب لغانم الذي قال له : أنا جوزها و مش خارج.
تنهد الطبيب بضيق ، يتذكر ذلك الطور من المرة السابقه.
بدأ يباشر عمله و سط صراخ سلوى ، حاول التحدث لها قائلاً : لو سمحتي يا مدام أهدي إلي بتعمليه ده غلط ، الانفعال هيزيد الوضع سوء .
لكنها لم تكن لتتوقف بل حديثه زاد هلعها و صرخت : لازم يعيش ، أتصرف ، أعمل أي حاجة ، لو جرى له حاجة مش هرحمك ... البيبي لازم يعيش ... ما هو هيعيش ... مش هينفع يحصل له حاجة .. هيعيش صح ؟ هيعيش.
طريقتها في الحديث كانت مخيفة وترت الطبيب رغم طبيعته الباردة فنظر لغانم يقول له : ما تهديها يا أستاذ مش هينفع كده .
لكنه وجد مختل أخر لا يتخير عن زوجته الكثير و قال له : أخلص أكشف و أعمل كل إلي ممكن يتعمل .. أنت سامع .
هز الطبيب رأسه بجنون و هو يرتدي القفازات الطبية و بدأ في مباشرة عمله وسط صراخ سلوى و بكائها يستمع لغانم و هو يميل عليها يقبل رأسها مردداً: أهدي يا سلوى ، هيبقى كويس ، أبني هيعيش ، لازم يعيش.
لكن الطبيب إلتف للممرضة يردد بهلع : حضري العمليات بسرعة .
أتسعت عينا غانم و ثقل تنفسه و هو يسأل : عمليات إيه ؟ دي في السابع .
هز الطبيب رأسه بيأس وقال: المدام عندها تسمم حمل ، البيبي ميت بقاله كذا يوم في بطنها.
لم تتحمل سلوى وقع الكلمة على أذنها و زاد صوت صراخها حتى أن حملها الصوتيه كادت أن تتمزق و هوى غانم على الأريكة من خلفه حيث لم تعد قدماه تحملانه .
جلس يشعر بالخواء من حوله ، لا يسمع سوى صوت سلوى التي تجلس على الفراش عند باب غرفة العمليات ترفض الدخول ، تحتضن معدتها بذراعيها تردد بصوت يفطر القلوب : طب سيبوه جوايا ، خلوني أفضل شيلاه حتى لو ميت ، خلوني أفضل حاسة بيه .
أقتربت منها منال و قالت باكية: يا حبيبتي كل وقت بيعدي فيه خطر على حياتك ، البيبي ميت بقاله كذا يوم و إنتي عندك تسمم حمل ، كده ممكن تموتي بعد الشر .
فعلى صوت سلوى تردد بعويل : بعد الشر ؟ بعد الشر إزاي هو في شر اكتر من إلي أنا فيه ؟ خايفين لا اموت ؟ ما أنا لو اخدتوا أبني مني هموت .. ليه يا رب .. لييييه ؟ ليه أنا ؟ ليه مش بيكمل لي حمل ؟ لييييه ؟
نظرت منال لغانم و قالت له: غانم .. تعالى كلمها لازم تدخل العمليات دلوقتي و حاول تهديها.
حاول غانم مقاومة دموع عيناه و كبتهم بشق الأنفس ليقف بجوارها و هو يحتضنها له مردداً: يالا يا سلوى ، لازم تدخلي ، في خطر على حياتك.
فقالت بنشيج قطع نياط قلبه: خطر خطر ، مابقاش فارقلي حاجه ، بس ماحدش ياخده مني ، سيبوني شيلاه و حاسه بيه.
أطبق جفناه بقوة و ردد و هو يتحامل على نفسه : أستهدي بالله يا سلوى ، لازم تدخلي ، مش هيبقى هو و إنتي في يوم واحد.
لكنها كانت مستمرة في الرفض بقوة تصرخ بأعلى صوت لديها : مش هسيبهم يخرحوه ، هيفضل جوايا ، ده أبني أناااا.
نزل غانم على عقبيه و هو يحاول التحدث معها استجابة لإماءة الطبيب الذي و كأنه طلب منها أن يلهيها حتى يغرز في ورديها تلك الحقنة المهدئة و لم تمر ثواني إلا و أستكان جسدها الثائر لا يسعها سوى أن تردد و هي بين اليقظه و النوم: مش هسيبكم تاخدوه ، ماحدش ييجي ناحية إبني ، مش هسيبكم تاخدوه .
جروها بالفراش لغرفة العمليات التي أغلقت عليها و ذهب غانم يقف مع والديها يسألهم كيف حدث ذلك.
في منزل حلا
وقفت على أعتاب باب الشقه تتجهز للخروج لكن أوقفها صوت سميحة التي هتفت بغضب : أستني عندك .
تنهدت حلا بتعب ، تعلم ماستتحدث فيه والدتها .
بالفعل أقتربت سميحة تكتف ذراعيها حول صدرها مرددة: هنقعد أمتى نتكلم في العك إلي أنتي بتعكيه ده ؟
سحبت حلا نفس عميق و قالت: مش وقته يا ماما أنا لازم أنزل الشغل دلوقتي مش عايزه اتأخر.
همت لتتحرك لكن سميحه اوقفتها مرددة بسخرية : ايه ؟ خايفه يتخصم منك و لا ايه ؟ المفروض دلوقتي إنك بقيتي مليونيرة .. إيه بقا إلي منزلك تشتغلي في مطعم و عيون الناس تنهش فيكي ؟
فجاوبت حلا : عشان ماحدش يشك فيا ؟ المفروض إني كنت محتاجه أي فلوس و أي شغل و عشان كده أشتغلت خدامة فجأة كده أستغنيت ؟ لازم نسبك الدور للأخر ، و بعدين هي فين الملايين دي ، أنا لحد دلوقتي مش عارفه أوصل لعادل و تليفونه مقفول ... اخر مرة كلمني كانت أمبارح الصبح لما قال إنه تمم كل حاجه و الفلوس معاه و من بعدها تليفونه مقفول
سميحه : يمكن طمع فيهم و ضحك عليكي.
فكرت حلا لثواني و قالت : لأ ، عادل مايعملهاش .
سميحه: ليه ؟ الشيطان بيغوي أي حد.
حلا : ما كنش عرفني أنه خلص كل حاجه ، كان هيرتب ظروفه و يهرب من غير ما يكلمني ، ربنا يستر.
سميحه : و هو هيستر ازاي و إنتي عماله تعكي هنا شوية و هنا شوية و بتبوظي حياة الناس.
ارتبكت حلا لثواني ثم قالت: عكيت إيه و لا بوظت حياة مين ؟
سميحه: بطلي إستفزاز ، بس تعرفي إنتي مش غلطانه لوحدك ، أنا غلطانه إني سيباكي تعملي إلي بتعمليه و مصهينه على عمايلك، تقدري تقوليلي الفلوس إلي أخدتيها من إلي إسمه زفت ده حلال عليكي و لا لأ ؟
ثارت حلا عند تلك النقطة تحديداً و جن جنونها و هي تردد : يا نهار مش فايت ، أنتي إلي بتقولي كده يا ماما و بعد كل ده لسه بتسألي ؟
سميحه: إحنا مش متأكدين من أي حاجة ، ما يمكن مش هو .
حلا : لأ هوو .
صرخت بها حلا بغضب و قهر لتنظر لها سميحه بصمت تام ثم قالت: و افرضي طلع مش هو ، مالك كده زي ما تكوني عايزه تلبسيه الحكاية و خلاص ، مش قولتي إنه مش عنده فيسبوك.
حلا : و أنتي صدقتيه ؟
سميحه: أمال قالك كده ليه ؟
صمتت سميحة للحظات ثم جعدت ما بين حاجبيها و هي تسأل: و ليه نكر أنك في بيتك ؟ و ليه ماكنش بيسيبك تخرجي ؟ و إيه إلى خلاه فجأة كده يسيبك تمشي ؟ أنا عايزة اعرف كل ده... و أنتي بتتهربي من الكلام.
تحركت حلا تهرب ككل مره تتحجج بحجة جديده و قالت : بعدين أنا لازم أنزل شغلي.
فهتفت سميحة: مش كل مره هتهربي ، لازم تقفي تردي عليا .
ألتفت لها حلا و قالت: نعم يا ماما ، عايزاني أجاوب على أيه ؟
سميحه: أنتي عايزه تجنيني ؟ فهميني إيه العك إلي بتعكيه ده و ناويه على ايه ؟ و إلي إسمه عزام ده كمان ايه حكايته معاكي ؟
على ذكر سيرة عزام ظهر الشعور بالذنب على ملامح حلا و قالت: أهو هو ده الوحيد اللي حاسة بالذنب ناحيته، أنا قربت منه عشان يبقى بينا كلام رايح جاي و يهربني من بيت غانم ماكنتش أعرف إن كل ده هيحصل .
فقالت سميحه بسخط : ماهو من عكك ، و الهبل إلي بتهبيله ، هتعملي إيه دلوقتي ؟ ده مكلمني و عايز يخطبك و يتجوزك ؟
فهتفت حلا بسرعه : لأ خطوبة إيه ؟ احنا كلها يومين و هنسيب البلد اول ما أقابل عادل ، هاخدك و نمشي من هنا.
هزت سميحة رأسها مراراً و هي تردد بحزن: ليه كده يا بنتي ؟ إيه إلي بتعمليه ده ؟ ذنبه ايه بس تعلقيه بيكي ؟
أخفضت حلا نظرها أرضاً و قالت : بكره ينسى ، ماحدش بيموت عشان حب ، مش أحسن ما يعيش معايا و انا مش بحبه.
سميحه : وجع القلب ساعات بيموت يا حلا .
خرجت حلا عن هدوئها و رددت : و هو لوحده إلي قلبه موجوع ؟
نظرت لها والدتها بيقين تردد : قصدك مين تاني ؟ انتي مثلاً ؟
زاغت عينا حلا تنظر في كل الاتجاهات إلا عين والدتها و هي تقول : أنا مالي ؟ مانا صاخ سليم قدامك أهو ، و بجهز نفسي عشان أسيب البلد دي بالي فيها.
وقفت سميحة تنظر هي داخل أعين أبنتها تواجهها مرددة: الكلمتين دول تضحكي بيهم على أي حد غيري ، أنا أمك الي ولدتك و ربتك و عارفه إلي فيكي من غير ما تقولي
فقالت حلا بعند : قولت لك مافييش حاجة.
ردت سميحة: امال عياط مين ده اللي بسمعه كل ليله من ساعة ما رجعتي؟
أرتبكت حلا كثيراً و إلتفت تتهرب منها و هي تردد : أنا ماشيه لازم الحق الجوازات و بعدها أروح الشغل بسرعه.
هرولت ناحية الباب هاربه و سميحه من خلفها تناديها : حلا ، أستني عندك ، مش هتهربي من الكلام زي كل مره ، أقفي عندك يا بنت أنا لسه ما خلصتش ك.....
صمتت بصدمة و هي تجد حلا قد فتحت الباب لتخرج لكن صدمت بعزام يقف على الباب يرتدي بذلة سوداء و بيده باقة ورد و لجواره تقف والدته و فتاة نحيفة كل منهما ينظران لها بنزق من أسفل لأعلى بينما عزام يبتسم بإتساع مردداً: صباح الخير.
لتقف حلا مبهوته هي و والدتها لا تعلم كل منهما كيفية التصرف في وضع كهذا .
في غرفة مغلقة بإحكام
فتح جميل الباب و دلف للداخل يلقي بصحن صغير لعادل الذي يجلس أرضا به قطعه من الجبن و كسرة خبز ثم ردد : خد إطفح .
نظر له عادل بقهر و ردد : هتفضل حابسني هنا لحد امتى ؟
جميل: لحد ما تفتح مخك معايا و تقولي مكان الفلوس فين و أنا هشوفك بمبلغ حلو أكبر حتى من إلي كانت البت الشمال دي هتديهولك .
عادل : أنسى ، و الله لو أديتني المبلغ كله.
جميل: لأ شهم ياض ، خلاص خليك مرمي هنا .
فهتف عادل بغيظ : طب و أخرتها ، هتستفيد إيه برميتي هنا.
إلتف له جميل و قال: بص بس عشان نجيب من الآخر ، انسى إنك تخرج من هنا غير لما أخد كل الفلوس إلي أخدتها .
نظر له عادل بحاجب مرفوع و قال: بلاش تحسسني إنك خايف على البيه أوي كده، عيب ، ده انا شوفت كل الحسابات الملعوب فيها ، يعني أنزل من على المسرح بقا .
جلب جميل إحدى الكراسي و تقدم يجلس لجواره ثم قال : عليك نوووور ، بس انا طول عمري اهبش هبشة صغيرة مش زيك ، و يوم ما ده يحصل أكيد مش هسيبك تبلعهم لوحدك ، فيها لاخفيها .
عادل: يا سلام ، أما إنك صاحب مبدأ بصحيح ، بس شوف لما اقولك ، أنا عيل شمال و اعمل كل حاجه غلط بس إلا أكل فلوس الولايا و الفلوس دي حق حلا و ماحدش يطول منها مليم واحد ، خليك جدع و أعمل حاجة واحدة صح و خرجني من هنا .
وقف جميل و إلتف يذهب ناحية الباب ثم قال: و مين ده اللي ضحك عليك و فهمك إني جدع ، خليك هنا بقا لما تدود و خلي شهامتك تنفعك يا شهم .
ثم صدحت ضحكاته ساخرة متقطعة حتى خرج من المكان كله و ترك عادل يخبط رأسه في الخائط خلفه يسأل الله الخلاص.
في المشفى
كانت اصوات صراخ سلوى التي أستيقظت و أدركت ما حدث تملئ الفضاء من حول المستشفى كلها .
كل رواد المكان تقريباً علموا قصتها بسبب صراخها المتواصل.
وقف بجوارها غانم يحاول تهدئتها و هي تصرخ فيه : دفنته يا غانم ؟ المره دي مش زي كل مره ؟ مش شوية دم و نزلوا ... المره دي اتسمى و أتكفن و أتدفن ، المره دي لحم و دم ، دفنته فين يا غانم .
بصعوبة بالغة منع غانم دموعه و قال بصوت موجوع : جنب أبويا و جدي .
فصدح صراخ سلوى يشق حنجرتها و يشق المكان :أاااااااااااه .
فهرولت إليها الممرضه تضخ في وريدها حقنة مهدئة جديدة و هو وضع يده على فمه حتى وصل لسيارته يغلقها عليه ثم يسمح لنفسه بالبكاء.
يشعر بالوحدة في أكثر اللحظات التي قد يحتاج فيها أي إنسان للمساندة و الدعم ، لطالما كان وحيداً و تأقلم على ذلك الوضع ، لكنه الآن في أمس الحاجة للدعم النفسي من أحدهم ، سلوى معها كل عائلتها ، حتى أبناء و بنات عماتها و خالاتها .. كل الأقارب من ناحية الأب و الأم.. كلهم معها حتى أثناء نومها إلا هو... وحيد تماماً لا يوجد من يقف لجواره ، هو لا أحد له تقريباً.
و هنا كان يجب أن يتذكرها ، وجد نفسه لا يتذكرها بحنان بل بوعيد فهو في حاجه شديدة لها و هي ليست موجودة.
و بلحظة ضعف أشعل سيارته و هو يمسح دموعه و قد قرر الذهاب لها ليجد على الأقل من يلقي بنفسه بين ذراعيها يشكيه همه ، يشعر أنها الوحيدة التي قد يظهر ضعفه و يعري روحه بين أحضانها.
في نفس الوقت... ببيت حلا .
جلست لجوار والدتها تتمسك بها بشئ من الخوف من نظرات والدة عزام و شقيقته و هما ينظرون لها بترفع تام فقالت سميحه: أحممم، منورانا ، ماتأخذوناش البيت مش أد المقام.
لتجيب والدة عزام: ماهو باين .
نظر لها عزام بلوم ثم أبتسم لسميحة و قال : ما تقوليش كده يا طنط ، أنا بقول ندخل في الموضوع على طول... أحممم ، أنا كنت جاي طالب أيد حلا من حضرتك و قولت كمان أجيب أمي و أختي الوحيدة عشان الأسرتين يتعرفوا على بعض و إن شاء الله يحصل قبول.
زمت سميحة شفتيها بتردد لا تعرف كيف ستحرجه و هي على يقين تام بمشاعر أبنتها لكنها لم تود جرح كرامته و كبرياءه و قبلما تتحدث قالت والدة عزام بنزق : بلاش تحرجهم يا حبيبي و بلاش إنت كمان تتسرع .
بهت وجه سميحة و هي تجد عزام عاجز عن الرد على كلام والدته ذو المعاني المتعددة و قالت : إيه ؟ يتسرع ؟
فقالت شقيقته و هي تتحدث بالعين و الحاجب كما يقال : أيوه ، بعد ما جينا و شوفنا الحال ده شكلكم يعني ما تأخدنيش على أد حالكم .
أكملت تباعاً والدتها : كمان سمعت من الست جارتكم و هي بتطلع الزباله ، سألتها كده طياري يعني عنكم قالت أنكم جايين من بلدكم مابقالكوش كتير و لا حدش يعرف لكم أصل من فصل ولا قرايب .
هتف عزام: أمي.
فقالت والدته : الاه ، مش بقول الحقيقه ، هو انا بتبلى عليهم.
نظر عزام لسميحة و قال: حقك عليا أنا يا طنط انا بقول نقرا الفاتحه دلوقتي و...
لكن وقفت سميحة و قالت بحسم : لا فاتحة و لا غيرو خد أمك و أختك يا أبني و اتكل على الله.
في نفس الوقت دق جرس الباب و ذهبت حلا تفتحه لتصدم و هي ترى غانم هو من كان يدق الباب و الماثل أمامها.
و كذلك صدم غانم و هو يرى عزام يجلس في وسط صالة بيتهم يرتدي بذلة جديدة و معه باقة ورد و أسرته في مشهد لا يوجد له الإ تفسير واحد.......
↚
وقف مبهوت بل مصدوم ....
مصدوم ماذا ؟! لقد شق قلبة لشطرين الآن و هو يرى من بات يراه غريمه يجلس في صالة بيتها مع أسرته و بيده باقة ورد .
باقة ورد ؟ باااقة ورد ؟؟؟
رمش بأهدابه عدة مرات و نظر لها يردد متسائلاً: ايه ده ؟ إيه إلي بيحصل ده ؟
لم يسعفها عقلها على الرد، فقد تفاجئت بوجوده ، لم تتوقع أن يأتي رغم تمنيها ذلك.
فأقترب منها يقبض على لحم ذراعها كعادته و ردد متسائلاً بصوت منهك القوى : ردي عليا ، إيه إلي بيحصل هنا ده ؟
لم تستطع الرد مجدداً فجاء الرد من عزام الذي وقف و تقدم لعندهم يحاول إنتشالها من قبضته و ردد : كل خير يا باشا ،زي ما أنت شايف كده .
كان غانم مازال يقبض على ذراعها و عزام يحاول إبعاده.
أرخى غانم قبضته عن ذراع حلا رويداً رويداً مصدوم،بل موجوع قلبه ، يود البكاء ولا يقدر عليه.
اليوم تجمعت عليه الدنيا تدير لها ظهره ، من جاء كي يلقي بنفسه بين ذراعيها طعنت فؤاده في مقتل.
أبتعد للخلف يردد : بتتخطبوا ؟
وضعت حلا عيناها أرضاً و كأنها أجرمت في حقه بينما نظر له عزام بإنتصار و قال : أيوه يا باشا.
فرفع غانم رأسه عالياً أكثر و أكثر ثم قال من أنفه بشموخ : مبروك ، ألف مبروك .
ثم غادر......غادر سريعاً يستقل سيارته و هو مازال متحكم بقناع القوة و الجلد.
ظل يقود و يقود و يقود حتى وقف على طريق لا يعرف أين هو لكن كان خالي لجوار قضبان السكك الحديدية.
ترجل من سيارته و وقف في وسط الطريق الخالي تماماً بوجهه المحمر و فجأة صرخ : أاااااااااااااااااااه
قالها بصوت شق عنان السماء و جرج أحباله الصوتيه ، على ما يبدو أنه يوم الفقد العالمي .
لقد فقد كل شيء، حرفياً كل شئ اليوم، طفله ، حلمه بأسرة سعيدة ، و كذلك حبيبته .
تخطب لغيره ، تفضله عليه رغم إعترافه بحبه لها و رغم قلبه الذي قدمه لها على صحن من ذهب .
خارت قواه التي يتلبسها أمام الجميع و نزل على ركبتيه يبكي ... ذلك البكاء الذي أنتوى أن يبكيه في أحضانها و هي ضنت عليه به .
و ظل على ذاك الحال مدة طويله .. طويلة جداً.
أما في بيت حلا.
وقفت حلا تشعر بنصل حاد في قلبها ، ألم غير مبرر مطلقاً و ألتفت تنظر لعزام الذي استوحش صوته يسأل : إيه إلي جايبه هنا ؟
نظرت له بإستنكار تردد: ما أعرفش ، أبقى أسأله هو و لا ما قدرتش.
استعرت عيناه بغضب و ردد بصوت غاضب : قصدك إيه ؟
كادت أن تجيبه لولا صوت سميحة التي وقفت تردد بحسم: صوتك مايعلاش على بنتي ، أتفضل خد أهلك و مع السلامة ، ماعندناش بنات للجواز .
أتسعت عينا عزام و قال بإستنكار: يعني أيه ؟ و إيه إلي جد ؟
سميحة و هي تشيح بيديها غاضبه : هو إيه إلي أي إلي جد ، مين قال أصلاً أننا راضيين ؟
فهتفت والدة عزام بصوت رقيع : نعم نعم ؟! و أنتو تطولوا ؟ قال رضينا بالهم و الهم مش راضي بينا ... ده إحنا مالقناش حد نسأله عنكم و لا أصل أو عيلة نرجع لها و نسأل عنها .
صرخت فيها حلا : إنتي يا ست أنتي ، أتكلمي بأدب واحترامي نفسك ، أنا مش مسكتني عليكي غير إنك من سن أمي... لأ أمي إيه ده أنتي من سن جدتي
فهتف عزام بحده : حلاااااااااااا، أتكلمي مع أمي كويس ، دي أمي.
حلا: طب يالا ياحبيبي ، خد أمك و أتكل على الله ورينا عرض كتافك .
لكزته في يده بعدائية تزيحه ليتحرك فقال : إنتي أتهبلتي و لا أيه هتزوقيني ؟!
تحركت حلا و بدأت تدفع والدته و شقيقته مرددة : أه بزوقك ، أنا ساكته لكم من الصبح ، أمك تمصمص شفايفها و أختك تتألط أوي و الي تقول اصلكوا و عيلتكوا ، إسم الله يا سليل محمد علي باشا ، يالا برا ، بيتك بيتك ، خد الوليه الكوهنة و أختك الحرباية دي و امشوا من هنا.
أسرعت والدة عزام تلتقط من على طاولة الصالون علبة الحلوى و باقة الورد و هي تسب و تلعن حلا و أمها مغادرة و حلا تغلق من خلفهم الباب و هي تطبق عيناها بتعب
____________
وصل غانم للمصنع و على وجهه أمارات التعب المغلف بالقسوة و الجلد ، ترجل من سيارته بعدما أخذ كامل وقته في إستعادة جمود شخصيته .
و خطى للداخل خطوات واسعه ينتوى الإستفاقه لعمله .
لكنه وجد بعض من المزارعين واقفين في الممر المؤدي لغرفته و حينما لاحظوه هرولوا ناحيته مرددين باستنكار: يا بيه ،فينك من بدري !
غانم: خير في ايه ؟ سايبين الأرض ليه ؟ و مين يجمع المحصول.
ليجيب أحدهم: شغالين يا بيه بأيدينا و سنانا و الله ، بس إلي بيحصل ده ما يرضيش ربنا ، جميل من أول النهار و نازل فينا شخط و نطر على الفاضية و المليانة و إحنا ناس كبيرة ، الشغل مهما إن كتر نتحمله لكن قلة القيمة أهي دي إلي تذل و تقصف العمر.
هز غانم رأسه رافضاً لكل ما يقال و سأل : و أنا من أمتى عملت معاكم كده ؟
فجاوب الرجل : مش أنت بس جميل هو إلي بقاله يومين على ده الحال .
رفع غانم إحدى حاجبيه و قال : أه ، طب تمام ، روحوا أنتو شوفوا شغلكم و أنا هشوف موضوع عم جميل .
فذهب المزارعين وهو ذهب يتفقد العم جميل .
فوجده يقف في أحد الأركان وهاتفه على أذنه يتحدث فيه بعصبيه ، مولي ظهره للقادم من خلفه، فلم يبصر غانم وهو يقترب منه.
ليسمعه غانم وهو يردد بعصبية شديدة و حده : يعني ايه يعني طردتك والخطوبه ما كملتش ؟ في إيه يا عزام ؟ عايزني اعمل لك ايه اكثر من كده عشان اساعدك يعني؟ ده انا طلعتها لك من بوق الأسد و جبتها لك خالصه مخلصه على طبق من دهب!! ايه مش عارف تلين دماغها بكلمتين ؟!
اتسعت عينا غانم بصدمه وهو يستمع لما يقال
ظلم مكانه متسمر لم يستطيع التحرك ، فألتف العم جميل وهو ما زال يتحدث بعصبيه ليصدم بوجود غانم الذي على ما يبدو أستمع لما يقال .
فقد كان ظاهراً بوضوح على ملامحه المصدومه ، فاتح لفمه لا تسعفه الكلمات ولا يستطيع إيجاد أي مبرر أو تلفيق موقف لما تفوه به منذ ثوانٍ
على الفور أغلق الهاتف دون أي مقدمات ووقف مرتبك أمام غانم الذي نظر له بذهول وردد: يعني انت كنت بتميل دماغي وعمال تقنعني بكلامك عشان تمشي حلا وعزام يروح يخطبها مع إنك عارف إني... إني بحبها
حاول العم جميل تمالك نفسه وقال بصوت مهزوز: أيوه ما هو ما هو عشانك... أه ... أيوه طبعا عشانك... عشان أحافظ لك على بيتك وعلى أسرتك وعلى حياتك، البنت دي كانت خطر ...خطر كبير... دي .. دي ... دي غول ... وأنا بحاول أبعده عنك
أثار كلامه خفيظة غانم وقال: أنت بتقول أيه؟ ليه عمال تعمل كده؟ وكمان تقوللي عزام راح قابلها وأنا ما قلتلكش ان هو قابلها، انا شاكك في الحكايه دي من بدري ، من ساعه ما البنت دخلت البيت وانت وراها ومش سايبها وما فيش أي حاجه بتبرر اللي أنت بتقوله ، و الأكيد يعني ان انت مش هتبقى حريص على بيتي اكثر مني، ولو هتفضل حد.. يبقى تفضل أنك تساعدني أنا مش تساعد حتت واحد حارس أمن عندي.
جملته الأخيره إستفزت ثبات جميل الإنفعالي لأقصى درجه وفقد السيطره على نفسه ليصرخ فيه : وماله يعني حارس الأمن ؟ إيه مش بني آدم زيكم ؟؟
زادت صدمة غانم لما يسمع ،وظل مبهوت ، لا يستطيع تصديق أذنه و ما يسمع، وأن من يقول هذا الكلام هو العم جميل، ولما يفعل؟!
أرتبك جميل للحظات ثم حاول تمالك نفسه من جديد وقال مندفعاً بنفس التهور في محاولة منه لإيجاد حجه أو مبرر : وبعدين أنا عايز احميك من البت دي، انت ما تعرفش انا عرفت عنها إيه، البت دي جايه لك على كارثه من الأول ، أنت عارف هي تطلع مين؟
غانم : والله ؟ مخططه لي كارثه؟! هممم وطلعت مين بقى ؟
برود رد غانم وملامحه التي توحي بانه لم يصدق ولو كلمه مما قالها جميل جعلته يندفع أكثر وأكثر وأستخدم أخر كارت لديه وهو يلقي بقنبلته النوويه في وجه غانم مردداً: البت دي اللي انت لحد دلوقتي ما سألتهاش أنتي مين ؟ ولا منين؟ انا كاشفها من البداية ، من أول ما أمها جت هنا مع الحكومه، مشيت وراها وعرفت بيتها لما انت طلبت مني العنوان .... فاكر؟ عشان تروح تجيبها لما هربت انا بقى سألت عنهم و عرفت أصلها وفصلها وعرفت لك هي مين وإسمها إيه بالكامل ، و خد عندك الكبيرة بقا ، البت دي هي اللي سرقتك هي و المحاسب الحرامي إلي جابته .
صمت غانم يجعد مابين حاجبيه ، يهز رأسه رافضاً تلك الفكرة و رافض ما تلقطه أذنه .
فأغتنم جميل الفرصه و أقترب منه بإندفاع يقول : و لو مش مصدقني تعالى و أنا أسمعك بنفسك.
أخذه جميل و ذهب به قاصداً تلك الغرفة القذرة التي أحتجز فيها عادل .
وقف به على أعتاب الغرفه و أوصاه جميل بألا يتحدث.
ثم دلف للداخل وتحدث مع عادل يقول: ها ؟؟اتربيت ولا لسه؟؟
عادل: لأ لسه… لسه فيا الروح وبقاوح شويه
جميل : أممم هي البت دي اللي اسمها حلا وعدتك هتديك كام؟
عادل : مالكش فيه وزي ما قلت لك ،خرجني من هنا احسن لك
التوى جانب فم جميل بإبتسامة ملتويه وقد وصل الى ما يرنوه من البداية، بينما غانم يقف عند الباب مصدوم .
صدمات حياته متتالية لا يستطيع إستيعابها مطلقاً
وخرج جميل من عند عادل الذي ظل يناديه وهو لم يجيب .
فقد جاء لهدف معين ووصل إليه بنجاح.
أغلق الباب على عادل ووقف امام غانم يردد بإنتصار: هاااا؟ شوفت بقى... شوفت إن كان عندي حق...شوفت ان قلبي عليك.
نظر له غانم بصمت تام ثم غادر دون التفوه بحرف.
و ترك خلفه جميل يقف محتار، لا يعرف ما هي ردة الفعل القادمة لغانم وهل صدقه ؟ عام لم يصدق وإن صدق فماذا سيفعل؟؟
بينما غانم لم يفعل شئ ، بالفعل لم يفعل
لم يفعل لأنه لا يعلم ما يتوجب عليه فعله .
مصدوم كشخص يأخذ ضربات خلف بعضها متوالية في آن واحد ، وكل صفعة أكبر وأعنف من التي سبقتها.
كل ما فعله هو أنه ذهب الى المشفى حيث زوجته المسكينه التي يخشى عليها من اغن تصاب بالجنون فحالتها مذرية جداً وتحتاج للمساندة حالياً.
هذا أفضل ما يفعله الآن.
____________
أيام من الصمت وحده دون أي رد فعل ، مع غياب تام لعادل حتى أن حلا بدأ القلق ينهش وينمو داخلها
مرت تلك الأيام مريرة كالعلقم على غانم وسلوى التي لم تستطيع التأقلم على ما حدث كانت تعيش على المهدئات إلى أن تحسنت حالتها قليلاً وقررت العودة إلى البيت مع غانم .
سَنّدها حتى صعدت لغرفتها وأتكأت على الفراش ودثرها جيدعا ثم أعطاها الدواء وقال لها: نامي شويه و حاولي ترتاحي
نظرت له سلوى بصمت ثم قالت : الدكتور قال لك أنا ليه مش بيثبت لي حمل؟ عندي مشكله إيه؟ إحنا مش كشفنا، والدكتور قال إن أنا تمام وما عنديش اي مشاكل في الرحم ؟
هز غانم كتفيه بقلة حيله وقال : ما اعرفش، أمر الله... أنا نفسي مش عارف ليه بيحصل كده؟
بللت شفتيها وقالت بصعوبه: وأنا عايزه أعوض الحمل اللي راح ده
اغمض عيناه بتعب ثم قال : أهدي يا سلوى إنتي طالعه من عمليه مش سهله ووضعك كان صعب والدكتور قال إنك لازم تهدي شويه عشان الرحم يرجع لوضعه الطبيعي وبعدين نبقى نشوف الموضوع ده.
فقالت بهياج : بقول لك ما ليش فيه، عايزه أعوض الحمل ده في اسرع وقت أنت سامع ولا لأ
أقترب منها يمسح على شعرها وهو يردد: سامع ، يا سلوى سامع ، نامي إنتي مش بس دلوقتي و أهدي وبعدين نبقى نشوف الموضوع ده، إنتي تعبانه ولسه صحتك محتاجه رعاية
حاولت التحدث لتعترض فقال : طب أهدي وراعي نفسك عشان تخفي بسرعه وتعملي إللي انتي عايزاه بسرعه مش كده ولا إيه ؟
كلماته كانت بها من الحكمه الكثير فإنصاعت لها على الفور وهدأت ثم إستلقت على الفراش تنوي النوم.
نظر لها غانم بيأس تام..... سلوى أصبحت مهوسه بأمر واحد ....هو ذلك الطفل وكأن حياتها معلقه به هو فقط
نزل الدرج بتعب وهو ينوي التفتيش وراء جميل.
كل ما يحدث غير طبيعي لقد إنشغل بسلوى لاياعم والغان يريد تقصي الحقيقة .
خرج ليسال عنه لكنه وجده يهرول ناحيه سيارته وهو يردد : يعني إيه يعني هرب ؟هو أنا مشغل معايا شويه عيال ؟ ماشي أقفل
أقترب منه غانم وسأله: هو في ايه؟
ارتغبك جميل وقال : الواد إللي إسمه عادل عرف يهرب لازم اروح له حالا.
على الفور أستقل غانم هو الآخر سيارته وذهب خلف جميل الذي توقف أمام بيت حلا.
دلفا للداخل وكما تمنى جميل بالضبط كان عادل هناك يقف مع حلا في حوش بيتها وهو يقول بلهاس: اخيراً الحمد لله عرفت أهرب منه ، خدي ....ده الورق إللي قولت لك عليه هتروحي البنك وتصرفي الفلوس
فهتف جميل: شوفت .. شوفت يا ولدي مش قولت لك البنت دي هي اللي مخططه كل حاجه
نظرت حلا بهلع لغانم الذي يقف أمامها بوجه جامد صلب الملامح ولم ينطق سوى كلمه واحده ..
غانم : هاتوها ع العربية .
فإستجاب جميل ورجاله على الفور وجلبوا عادل وحلا .
في بيت غانم
جلس على مقعده الوثير ووضع قدم على قدم وحلا تقف أمامه برأس مرفوع شامخة تماماً وكأنها تتحداه وهو ينظر إليها.
وكلما نظر ورائ التحدي في عينيها وعدم وجود اي أمارة من أمارات الخزي أو تانعيب الضمير على فعلتها صار غضبه أكثر وأكثر
فصرخ فيها : إنتي... أنتي تعملي كل ده ؟ يعني مجيك البيت من البداية كان خطه مش أكتر ، مش كده
فصرخت فيه بحده : أيوه كده
أتسعت عيناه من بجاحتها و وقف أمامها يقبض بأظافره على لحم زراعيها وهو يردد بغضب شديد: يا بجاحتك... يا بجاحتك إنتي ازاي قدرتي تقولي كده وازاي قدرتي تعملي كده.
لانت نبرة صوتغي قليلا وتحدث بقهر ممزوج بالشجن : ده أنا... ده أنا حبيتك ... أنا أديتك قلبي .
صرخ بقهر و جنون يرج أركان البيت : فلوس إيه إلي كنتي بتسعي لها و أنا مديكي قلبي كله ؟.
دار حول نفسه بلا هوادة يكمل : أنا كنت مستعد أديكي كل الفلوس إللي أملكها ، كل حاجه عندي كانت هتبقى تحت رجلك، ليه تعملي كده؟ ليه من البدايه داخله و ناويه لي على الغدر ؟
نفضت يده عنها وقالت من بين أسنانها بقوة : أنت اللي إبتديت والبادي أظلم.
فصرخ فيها بجنون : إيه يا بنتي ؟ إيه كل الغل إلي في عينك ليا ده ؟ أنا أصلا عملت لك ايه عشان تعملي كل ده وطول الفتره اللي فاتت دي كنت بتتهربي مني.
رمش بعيناه يتذكر : حتى يوم ما صارحتك بحبي اتهربتي مني ... ده أنا أخدتك على المكان اللي عمري ما دخلت فيه أي حد غيرك وأنتي بتعملي كده ؟!!
فردت حلا ساخره: حب ؟! حب إيه و لمين؟ هو أنت هو انت بتعرف تحب أصلا؟ لو بتحب صحيح كنت أفتكرت رنا... فاكر رنا ؟ ولا أفكرك ؟ رنا اللي أنت ناسيها وسقطتها أصلا من حساباتك والفلوس اللي أنت بتقول إن أنا سرقتها دي حقي.. حقي وحق أبويا اللي فلس بسببك فاكر ولا أفكرك؟
كان صوت الصراخ عالي لدرجة أفزعت سلوى من غفوتها ، فعقدت ما بين حاجبيها وهي تجهل ما يحدث .
خرجت من غرفتها بإرهاق وتعب وكلما تقدمت كلما زاد قوة الصوت .. تهبط وهي تتبعه لأسفل وكلما أقتربت أتضحت لها الرؤية.
الخادمه في مواجهه زوجها تصرخ فيه بغل وقهر مرددة ده حقي وحق أبويا .... أنت ناسي اللي عملته زمان.
فصرخهط فيها مجدداً بجنون أشد: عملت ايه يا بنتي وأبوكي مين ؟ انا اصلا مش عارف إيه إلي انتي بتقوليه ده ايه أصلاً.... إنتي بتقولي أي كلام عشان تخرجي بيه من عملتك
فردت عليه بغيظ أشد: أه صحيح ما طبيعي .. طبيعي تكون ناسي رنا.... رنا اللي غاويتها وأتجوزتها عرفي وبعدها بقت حامل وخليتها تجهض بالعافية وبعدها ماتت غرقانه في دمها وإحنا إتفضحنا وأبويا خسر كل تركته و مات مقهور و مديون و مذلول ... وأضطرينا أنا و أمي نمشي زي الهربانين اللي عاملين عامله من بلدنا والعار يلاحقنا.... أنا جوعت وإتمرمطت وإتهانت وإتذليت بسببك.
أتسعت عين سلوى لما تسمع وكذلك غانم كان يقف مبهوت يهز رأسه بجنون لا يسعه ما يسمعه.
الصدمه كانت كبيره تماماً وقال : إيه الهبل اللي انت بتهبليه ده .... أه ده فيلم انت مألفاه عشان تهربي من عملتك بس ما فيش حاجه هتخليك تفلتي من تحت أيدي
حلا : إللي أنا بقوله ده هو اللي حصل ... أمال فكرك يعني مراتك مش بيثبت لها حمل ليه ! ربنا بيخلص منك اللي انت عملته معيشك تدفع ثمن ذنبك وعمرك ما هتشوف ولا تجرب طعم الضنا بسبب إللي أنت عملته وبذنب رنا
لينتبه كل منهما وإلتفا للخلف إثر إستماعهم لصوت شيء سقط وإرتطم بغالارض مصدراً صوت عالي فهرول غانم على الفور ناحية سلوى أرضاً
وحملها ليصل لغرفتها وهو يأمر جميل و رجاله بالتحفظ على حلا و عادل.
ظل غانم مع الطبيب الذي اعطغى سلوى حقنه مهدئه وطمئه عليها ثم غادر
مكث بجوارها لفتره طويله و طوال تلك الفترة وهو يفكر عن ما قالته حلا وما سيفعله معها و قد طراود لعقله المئات من الأفكار إلى أن وقف وقرر الذهاب إليها.
ذهب للغرفه المظلمه التي تحفظ عليها رجاله بهة هي وعادل.
سحبها من ذراعها وهي تردد: سيبني... بقول لك سيبني ما تلمسنيش
وضعها داخل سيارتي قسراً وهو يردد: صوتك ما أسمعهوش اغحسن لك، أنتي سامعة ؟
لهجته وطريقته في الحديث أخافتها بل أرعبتها وجعلتها تصمت تماماً.
إلتف حول السيارة ثم جلس خلف عجلة القيادة و أتجه بسيارته خارج المنزل نهائياً.
ظلت تنظر على الطريق من كل الجوانب وهي تردد بخوف : هو في إيه إحنا رايحين فين؟ انت واخدني على فين
لكنه لم يكن يجيب وبعدم إجابته كان يرعبها أكثر.
فرددت : إياك تفكر تعمل فيا حاجه... لو فكرت تقتلني ولا تموتني انا مش هسكت لك سامع ولا لا
عض شفته السفلى يحاول كبح غضبيده ثم قال : إيه هتعرفي تعملي لي حاجه يعني بعد ما أموتك؟ غبية وكل تصرفاتك غبية زيك .
هدر الجمله الاخيرة بعنف مما جعلها ترتد للخلف وتصمت تماما مقرره عدم اللعب معه على الأقل حالياً.
ف تراه يتوقف أمام بيت أحلامه ويسحبها له.
فتح الباب وألقاها للداخل وهي تردد: أنت جايبنا هنا ليه؟!
دلف وأغلق الباب خلفه وهو يردد: أنتي سارقه فلوس بثلاثة مليون ونص و واجب عليكي السداد، يا ترجعيها يا تسدديها
نظرت له ثم قالت بعند : فلوس إيه إللي أرجعها أنسى يا حبيبي.
إلتوى جانب فمه بإبتسامة شيطانيه وهو يردد : يعني مش هترجعيها ...... حلو ..... يبقى تسدديها ...
↚
التسعت عيناها بخوف، لقد أستمعت لتلك الكلمة مسبقا وقد باتت تعلم غانم جيدا لن تنسى مطلقاغ تلك الدقائق التي قضتها في غرفته تدافع عن شرفها.
يزداد الخوف في قلبها وهي ترى تلك الابتسامه الشيطانية التي أرتسمت على جوانب فمه والغموض يحتل عيناه
وسألت بخوف حاولت أن تداريه :قصدك إيه بكلامك ده، أنا مش مديونة ليك بحاجه اصلا عشان أسددها: قولت لك ده حقي وحق أبويا
بإبتسامه شيطانيه على جانب شفتيه نظر لها بصمت تام وسخريه ولم يتحدث بل ولاها ظهره ليغادر وهي تصرخ تناديه لكنه لم يكن ليجيب
ما كان ليريحها ابداً برده فعدم الرد كان يزيد من رعبها
خرج نهائياً وأغلق باب البيت عليها وهي بالداخل تسمع تكات قفل الباب والمفتاح يدور بداخله يخبرها انه يحبسها ، وانها الآن اصبحت سجينة غانم صفوان.
وقف خلف الباب يستمع لصوت صريخها وهي تناديه، تسبه وتشتمه فأغمض عيناه بتعب، يقف بين صراعات كثيره ما بين ما يمليه عليه عقله وما يرغبه قلبه الملعون بعشقها.
عشقها الذي بات يؤرقه ليله ويؤلمه طوال نهاره، لم ينساها ابداً فقد ظن انه ربما لو أبتعدت عنه قد يهدأ قلبه قليلا لكن لم يزده الإبتعاد إلا شوقاً وجنوناً
فأسرع إلى سيارته، يعلم....لو بقى وهو يستمع لصوت صراخها تناديه لذهب إليها وأخذها بين أحضانه يعتذر هو لها بدلاً من أن تعتذر هي
ظل يقود سيارته داخل شوارع الخان حتى وصل بيت غانم الكبير وصل إليه وترجل من سيارته قاصداً غرفته حيث ترك سلوى ينتوي المكوس لجوارها يراعيها، يعلم أن اعصابها الان متعبة جداً.
لم يرغب ابدا في أن تستمع لما أستمعت إليه، يكفيها ما بها من صدمات، هو الاخر مصدوم ولا يعلم ما تقصده حلا بحديثها وعن أي ذنب تتحدث.
بخطوات سريعة خفيفة صعد الدرج سريعاً حتى وصل الى غرفته الكبيره وفتح الباب ليتفاجأ بها خاليه تماما من زوجته ظن انها بالمطبخ فذهب يفتش عنها بحث في كل ارجاء البيت ولم يجدها
فتش عن كرم .... هو المتواجد هنا دائماً و يعلم كل شيء
لكن لم يجده أيضاً في المطبخ ....ذهب الى غرفته التي يقتنها بالحديقة فوجده خارجاً منها وهو يحمل حقائب سفر مغلقة
نظر له باستنكار وسأل: ايه الشنط دي انت رايح فين؟
فجاوبه كرم بترفع : ماشي
عقد غانم ما بين حاجبين وسأل: ماشي؟ ماشي رايح فين يا ابني؟ وأيه الشنط دي؟ ماشي خالص يعني انا مش فاهم؟
كرم : ايوعه ماشي خالص، مش عايز أقعد هنا انا حر فيها ايه دي؟
حاول أن يتحرك ويزيح غانم عن طريقه لكي يذهب لكن غانم ما أوقفه وقال وهو مازال مستغرباً بشدة: أنت ماشي رايح فين؟ هو أنت ليك مكان تاني غير هنا ؟ طول عمرك عايش في بيتي .
رد عليه كرم بقوة و غيظ : أنت بتسمي ده بيت ؟ عندي الأكبر منه ، هبقي أعزمك فيه عشان تيجي تشوف يا ... يا غانم بيه ههههه.
هز غانم رأسه و هو يرى كرم مستعد للتحرك من جديد فأستوقفه يردد : إنت يا أبني ، مش بكلمك ، أستني عندك.
إلتف له كرم و قال : خليك في نفسك مالكش دعوة بيا.
غانم : أنت في ايه يا إبني من أمتى بتكلمني كده.
كرم: و ما كلمكش كده ليه ؟ تزيد عني في إيه أنت ها؟ لعلمك أنت مش أحسن مني في حاجه ، أنا زيي زيك و يمكن أحسن منك كمان .
رمش غانم بأهدابه لا يمكنه الإستيعاب و ردد و هو يضع كفه على كتف كرم: إيه إلي حصللك يا كرم بتكلمني كده انا بسأل عشان خايف عليك أنت عارف إن أبوك إلي مربيني يعني انت زي أخويا.
نفض كرم كف غانم من على كتفه بقوه و هو يردد بغل : لأ مش زي أخوك و لا بحبك و لا بطيقك حتى و كفاية عليا أوي السنين اللي أستحملتك فيها غصب عني بس خلاص بقا ، خلاص ... و همشي ، أوعي من سكتي.
ثم تركه و غادر بخطى قوية ثابته و غانم يقف في الخلفيه مصدوم.
و لم يخرجه من صدمته سوى صوت هاتفه ليبصر أسم والد سلوى على الهاتف .
فتح الخط و جاوب على الفور ليستمع لرضا و هو يخبره أن أبنته عنده ببيته و يطلب منه الذهاب لعندهم في التو و الحال.
ظل يتلفت حوله ينادي على العم جميل يناديه : عم جميل ، يا عم جميل.
ذهب هنا و هناك يفتش عنه و لم يجده ، في الآونة الأخيرة بات يختفي كثيراً.
إلي أن وقف أمام أحد الحراس عند الباب يسأل: عم جميل فينه ؟
فجاوب الحارس : خرج من بدري و مش عارفين هو فين ؟
غانم: هو في ايه؟ بقاله فترة .....
قطع حديثه توقف سيارة سوداء عاليه ترجل منها صلاح عيسى أمام غانم بغضب شديد يصرخ فيه : بتلاعبني يا بن صفوان ؟مش عارف تلعب بشرف ؟ نسيت أصول الشغلانة ؟ هقول ايه ؟ طول عمرك واطي و بتلعب من تحت الطرابيزه .
أشتغلت أعين غانم و هدر عالياً: لم لسانك و أتظبط بدل ما تزعل .
تقدم صلاح و ضربه في صدره مردداً: أنت خيش و قش يالا ... جبان و لا تعرف تعمل حاجة.
لم يستطع غانم الصمت و ناول صلاح لكمة قوية في فكه و هو يقول له : مين ده اللي جبان يالا ده انا ارجل من بلدك .
فرد صلاح اللكمه له يخبره أيضاً: لأ جبان و عيل و خواف و إلا كنت وقفت ناطحتني و قولت لي هاخد العطا ده مش تلعب لعبك الوسخ إلي في الدرا ده.
ضربه غانم بقوه في معدته و هو يهتف : لعب مين يالا ، هو أنا هخاف منك ، أنت باينك رافع لك شريط و جاي تطلعه علينا.
فهدر صلاح : أنت عيل و بوق على الفاضي ، بتقول أي كلام لو مش خايف مني ماكنتش عملت شركة جديده تاخد العطا مني و أنت عاملي فيها الواد البرئ قال و مش عارف يا صلاح مين عمل كده و لازم نعرف عشان كده ظهر لنا منافس جديد و في الاخر تطلع أنت إلي مدور الليله كلها .
صرخ غانم بجنون : مدور إيه ياض أنت ما تجيب من الآخر و بطل لك و لا مش عندك حاجه تتقال أصلاً .
صلاح: ناصح أنت كده يعني و أكلتني بكلمتين ؟ طب خد دي بقا ، أنا عرفت أن شركة الفتح إلي أخدت العطا الكبير الأخير تبقى بتاعت جميل.... جميل دراعك اليمين الي مربيك الي رايح جاي في ديلك و مش بيقولك غير يا ولدي .
سقط الحديث على غانم كالصاعقة ، ظل مبهوت متخشب الملامح لدقيقة كاملة و عقله يسترجع شريط طويل من الأحداث و المواقف التي ربطها و رتبها الآن فقط ليدرك صدمة عمره في العم جميل.
رف رف بأهدابه و بلل شفتيه يحاول أن يتحدث ، كانت حالته مذريه للدرجة التي صعب حاله فيها على عدوه صلاح.
حمحم يجلي صوته و هو يردد: جري ايه يالا في ايه ؟ ماتنشف كده ؟ أحمممم ؟ عادي يعني... ما يروح الله يسهله .
نفى غانم برأسه يردد : ده هو الي مربيني ، ده كان لسه معايا من شوية ... يعمل معايا أنا كده .
ضيق صلاح ما بين حاجبيه و قال بتوعد : و لا يهمك ، سيبهولي ، و حياة رحمة أمي لافرمهولك في السوق.
رفع كفيه يردد : و كله بالأصول ، أنا يتضحك عليا.. طب ماشي .. سلام بقا أنا دلوقتي.
تركه و غادر سريعاً يخطط بعقله الجهبذ كيف سيقضي على جميل الخبيث قبلما يبدأ.
و غانم دار بسيارته و على قلبة ثقل الجبال متجه لبيت رضا والد سلوى ليرى فيما يريده و ليطمئن على سلوى خصوصاً بعدما حدث.
دلف لبيت رضا بعدما فتحت له الخادمة ليجد العائلة و عائلة العائلة في شرف إنتظاره .
نظر لهم بإستغراب و قال: مساء الخير .
فقال رضا بصوت غليظ : خير ؟ و هييجي منين الخير بعد ما بهدلت بنتي و ضيعت صحتها و خليتها تدفع معاك تمن ذنب هي ما عملتوش.
هز غانم رأسه بعدم إستيعاب و قال : ضيعت ايه و ذنب إيه ، هو في أيه بالظبط و أنت بتكلمني كده ليه ؟ ده بدل ما تقول لبنتك تعقل و تهدى ، و أن مافيش واحده محترمة تسيب بيت جوزها من غير أذنه.
وقف قباله رضا و ردد : ده لما يفضل جوزها لكن إحنا خلاص عايزين نفضها سيرة .
فهدر غانم بنفاذ صبر : هو في ايييه ... ما كفايه دلع بقا ، أنا أستحملت كتير بس أنتو سوقتوا فيها أوي، ماترحموني شويه ، أنا مدبوح و قلبي واجعني زيها بالظبط ، إلي مات ده أبني أنا ... أنا دفنته بأيدي .. مش هي لوحدها إلي موجوعة و مصدومه عشان تفضل تضغط عليا كده ، أنا مراعي إلي هي فيه بس هي كمان لازم تفتكر إني موجود في الحياة معاها و مصيبتنا واحدة و لا هي الرجالة ما بتتألمش ؟!
وقفت سلوى و صرخت فيه : و هو مين السبب في كل ده ؟ مين الي موت أبني ؟ مش أنت ؟
أتسعت عيناه بصدمة و ردد : أنا ؟
سلوى: أيوه أنت... ذنبك إلي عملته زمان ، البنت الخدامة دي قالت كل حاجه ، و أنا طول السنين دي أسأل نفسي في أيه ؟ مش بيثبت و يكمل لي حمل ليه؟ روحنا لكل الدكاتره و كلهم قالوا مافيش مشاكل ، و أحمل و ما يكملش ... يا ريتني حتى مش بحمل خالص.. لا كنت هتعب و لا أدوق حلاوة الحمل و الأمل في طفل و بعدها بكل بساطة ينزل شوية دم ، كأن ربنا بيزود عذابي ، لكن المره دي كانت أقوى ، ده كان خلاص قرب يتولد ، أنا مااالي أدفع ذنب أنا ما عملتوش ليه ؟
صرخ فيها غانم: ذنب أيه إلي بتتكلمي عنه ده ؟!
سلوى : ذنب البنت إلي كنت على علاقة بيهل زمان و أجهضتها ، قريبة الخدامة ، أنا سمعت كل حاجه ، أنا مش ذنبي أنك بوظت حياة واحدة زمان و بعدها ضيعت حياة عيلة بحالها و جيت تتجوزني عادي من غير ما تقولي ، عشان أعيش طول عمري معاك ادفع تمن ذنبك .
حاول غانم الأقتراب منها يتحدث رغم صدمته: أهدي يا سلوى ، بلاش تقولي كلام تندمي عليه بعدين ، هي فترة صعبة عليا و عليكي ، أهدي و أنا هحاول أنسى إلي إنتي قولتيه دلوقتي عشان باقي عليكي .
كان يحاول مسك يدها بكفيه لكنها نفضته عنها و صرخت فيه : و أنا مش باقية عليك و بقولك اهو طلقننني.
أتسعت عيناه و تخشب مكانه من صدمته يقول : إنتي بتقولي ايه يا سلوى ؟ إنتي أكيد أتجننتي.
فقالت بهيستيريا : مجنونه ؟ أنا أبقى مجنونة لو كملت معاك ، أنا عايزة أجيب طفل ... لأ أطفال.. أطفال كتير يملوا عليا حياتي و أنت مش هتعملي ده ابدا... يبقى تطلقني .
ضحك بخفة و قال : إنتي أكيد بتهزري معايا مش كده ؟
فردت بقوة : إيه غرورك مش مصورك إن في واحده عاقلة ممكن تفكر تطلب الطلاق من غانم صفوان مش كده.
هز رأسه نافياً و قال بخيبة أمل: لأ ، بس ما أتخيلتش إنك تتخلي عني ، مع إني ما إتخليتش عنك.
صرخت فيه تردد ساخرة : و الله ؟ ده بجد ؟ طب و غرامياتك مع الخدامة ؟ إيه فاكرني مش عارفة ؟
نظر لها بعمق ثم قال : براڤو ، بتعرفي كل حاجه و إنتي في مكانك بس ما سألتيش نفسك و لا مرة أنا ليه لحد دلوقتي ما أتجوزتهاش ؟ مع إني أقدر ؟ ليه خليتها تسيب البيت ؟ و السؤال المهم بقا ... لما هو كده كنتي مكملة ليه ؟ عشان الطفل مش كده ؟ و أول ما شكيتي و لو بنسبة بسيطة إنك و إنتي معايا مش هتجبيه سبتيني مع أني طول السنين إلي فاتت دي كان ممكن أتجوز و هيبقى عذري معايا و أقول أصل أنا عايز أخلف ، أنا گراجل ما عملتهاش و إنتي عملتيها.
نظرت له ببرود و قالت: خلصت ؟ بردو طلقني .
صمت تماماً و هو متفاجأ ، كأنه يتعرف لأول مرة على سلوى ، بل و كأنه أمام سلوى جديدة غير التي يعرفها و كان مستعد لأن يدعس على قلبه كي لا يجرحها .
فتحدث بصوت رخيم ثابت : أنتي طالق يا سلوى ، طالق بالتلاتة .
هم لكي يغادر بقوة لا يود الإلتفاف خلفه لمن باعه لكن أستوقفه رضا يردد بصوت غليظ : أستنى عندك ، أنت فاكرها سايبة ؟ أنت لازم تدفع تعويض إلي حصل ده.
وقف عم سلوى و قال لأخيه : عايز إيه تاني يا رضا ما الراجل طلقها أهو ، تعويض إيه بقا ؟
رضا: مش اقل من أربعه مليون جنية كل سنة بمليون .
فنهره أخيه بحدة : كلام إيه اللي بتقوله ده يا رضا ، أسكت خالص ما تركبناش الغلط.
رضا: لأ لازم يدفع .. مجبور ... ده بهدل بنتي دكاترة و سقط و عمليات و بعدين إيه مش معاه أربعة مليون و هو إبن صفوان غانم.
زم غانم شفتيه و حاول تمالك أعصابه ثم قال ببرود و إزدراء : و حد قالك إن إبن صفوان غانم بيوزع ملايين ؟ بنتك مش هتاخد مني غير حقوقها الشرعية و بمزاجي وقت ما أحب.
صرخ فيه رضا : كلام أيه إلي بتقوله ده أنت فاكر إني هسكت لك
غانم : و لا تقدر تعمل معايا حاجة ، ده انا غانم صفوان.
فصرخت سلوى : بس بقا كفايه ، أنا مش عايزه حااااجة.
أسرعت شقيقتها تضمها لها كي تهدئها و هو نظر لها بإستحقار ثم قال: والله أنا إلي المفروض يتدفع لي تعويض على السنين دي .
تحرك رضا لكي يعنفه على ما قاله لكن تمكن شقيقه من تثبيته بينما غادر غانم سريعاً و هو لا يرى أمامه .
خرج بسيارته من بيت رضا و وقف في منتصف الخان على جانب الطريق.
لا يعرف لأين يذهب ، فكرة أنه يصارع في هذه الحياة بطوله مؤلمة ، مؤلمة أشد الألم حتى لو كان رجل قوي و ذو نفوذ و مال .
الأسرة هي الظهر و الداعم الأساسي لكل شخص و هو اليوم قد فقد كل شيء ، حرفياً كل شئ.
يود البكاء لكن لا يسعه حتى أن يفعل ، وضع رأسه على مقود السيارة يفكر حتى قفزت عمته إلي رأسه .
نعم عمته ، كيف نساها ؟ هي الوحيدة المتبقية من رائحة والده و كانت صديقة مقربه لوالده .
هز رأسه و هو يسأل نفسه أين هي منذ فترة و لما لم تسأل عنه طوال كل تلك الأزمات التي مرأت عليه؟ لم يكن التغافل طبعها و كانت مداومة في السؤال عنه و زيارته .
أمرها غريب حقاً لكن أخبر نفسه أنه لن يحزن منها ، بالتأكيد لديها ما يمنع فذلك لم يكن طبعها أبداً.
لذا فوراً و بدون تفكير تحرك بسيارته و ذهب لبيت زوجها في مقدمة مدخل الخان.
ترجل من السيارة و خطى بقدمة لكي يصعد السلم الذي يتقدم البيت الكبير كي يدخله لكن تفاجأ بصوت زوج عمته يناديه : جاي هنا عايز مين ؟
إلتف غانم له و قال بإستنكار: هكون عايز مين ؟ جاي لعمتي هي فين ؟
نظر له زوج عمته بغضب شديد و غيظ ثم ردد : و الله عال ، قال يعني مش عارف عمتك فين و إنت إلي حاميها ، لو حاي عشان ورقة طلاقها قولها اني ماشي فيها و قريب أوي هتوصلها بس ماعلش يعني تبقى تقولي عنوان أبعته عليها .
هز غانم رأسه بجنون ،كأنه ينفض الكلام عن أذنه و قال: إيه إلي بتقوله ده يا عم راضي ، حاميها إيه و مشيت فين و طلاق إيه ؟ هو في ايه ؟ أنت زعلتها تاني ؟
ضيق راضي عيناه بحقد و غضب ثم قال: هو انا كنت زعلتها أولاني من أساسه ، ده أنا كنت عامل خدي مداس طول الخمسة وعشرين سنة إلي اتجوزتها فيهم و هي تملي نمروده و كانت تجري على أبوك و جدك تشتكي عشان تغضب و ترجع بيتهم و أنا أروح و أنا مش غلطان أحايل و أدادي و أرجعها و من بعدهم كانت بتتحامى فيك إنت.
سحب غانم نفس عميق يشعر بالأرض تهتز من تحته و كأن ميزان الدنيا قد أختل
صدمة خلف الأخرى يأخدها فيمن حوله و قد عاش معهم عمره بطوله ، و كأن الجميع كان مرتدي لأقنعه خلفها وجوه كثيرة و اليوم هو يوم كشف الستر.
لم يكن مصدق لما يسمعه حتى جلس مع راضي الذي ظل يقص عليه تفاصيل لم يكن يعرفها كانت تخفيها عمته لمواقف قلبت هي حقيقتها ليصبح هو الجاني و هو من يتطاول عليها.
بوضع التفاصيل الدقيقة لجوار بعض في مواقف مرت تبينت الصورة كامله و تبين كذب عمته و إفتراها على راضي الذي عاش عمره كله مظلوم من عمته و جده و والده و منه أيضاً بناء على ما يسمعوه من سناء.
ليتعلم درس حياته ، إياك ثم إياك ثم إياك أن تبني لأي شخص صورة في ذهنك بناء على رؤية و رأي الآخرين فيه ، بل أبنيها بعد إحتكاكك المباشر بشخصه فقط .
وجد نفسه يقف أمام باب البيت يفتحه و يدلف لعندها ، وثبت من فوق الأريكة تقول بخوف : ايه هتعمل فيا أيه ؟
لم يجيبها ، بقى صامت ... لقد لف لفته و عاد إليها مخذول .
على ما يبدو إن تلك هي الحقيقة التي أراد القدر أن يثبتها له ، هي حبه ،و أسرته ، هي تعويضه و من تبقى له .
ربما هو من تأخر عنها أو هي التي تأخرت عليها ، ربما كان في تأخرها عن الظهور في حياته نوع من العقاب.
عقاب على ذنب لا يعرفه و لا يعرف متى أقترفه ... و رغم يقينه التام بأنه لم يفعل ما قد يعاقب عليه هكذا و بهذه الصورة إلا أنه قد أيقن بإقدامه على خطأ ما ليدفع الثمن بتلك الطريقة.
و هي رعبها يزداد طوال ماهو صامت هكذا لا يجيب ، عيناه مظلمة خاويه كأنه تائه ، لا تستطع توقع رد فعله القادم.
فقالت : مش بترد عليا ليه ؟
أنتشله صوتها من أفكاره و بدأ يقترب منها ببطء مثير يخلع عنه معطفه لتصرخ و هي تراه بات قريب من جداً : لااااا، أنت فاكرني لقمة سهلة ، ده انا أقف في زورك أخنقك ، المرة دي بموتك.
لتصدم به يقف أمامها مباشرة يقول بألم ببصيص من الجمود لكن خرج صوته مبحوح مجروح : أحضنيني .
أتسعت عيناها بصدمة من هيئته المتألمة ،من الصدمة لم تحرك ساكناً و أمام جمودها أرتمى هو في أحضانها لجبرها على أن تفتح ذراعيها و تحتويه بأحضانها .
وجدت نفسها تضمه لها بحنان كأنها تحمل عنه همومه ترغب في تخفيفها.
و عادت بظهرها و هي مازالت تحتضنه ليجلسا على الأريكة تسأل بحنان: مين عمل فيك كده ؟
أغمض عيناه بتعب ثم جاوب : كلهم .
جعدت ما بين حاجبيها و سألت: كلهم مين ؟
سحب نفس عميق و لم يجيب و اكتفى بقول : أحضنيني و بس يا حلا .
ففعلت و ظلت تمسد جذور شعره حتى ذهب في النوم و هي بقيت تنظر له بمشاعر متخبطة ما بين الحنان و الإشتياق و ما بين الكره و النفور.
في الصباح
أستيقظت لتجد أنها باتت ليلتها متكورة على نفسها فوق الأريكة متدثرة بغطاء من الصوف و هو ليس بجوارها.
لتدرك أنها أستيقظ قبلها و دثرها لكن أين هو الآن؟
وقفت لتبحث عنه في غرف البيت المعدودة ثم فتحت الباب الخلفي المطل على الحديقة الغناء ثم مجرى النيل لكن لم تجده ، حتى بالطابق الثاني لم تجده .
عادت للصالة من جديد تردد بجنون من تصرفاته: ملبوس ده و لا ايه ، بالليل ييجي مضروب على قلبه و أحضنيني و مش عارف إيه و الصبح فص ملح و داب ؟ اللهي يبتليه بمصيبه البعيد.
لتستمع لصوته و هو يردد : أكتر من كده!
رفعت عيناها لتراه يقف عند مدخل الباب و قد اغلقه للتو ، يرتدي ثياب غير تلك التي كانت عليه ليلة أمس لتفتن أنه خرج و بدلها و لتوه عاد .
تقدم منها يردد بحاجب مرفوع : إنتي بقا إلي كنتي بتدعي عليا السنين اللي فاتت دي كلها ، أتاريني جاي أرض أرض و كل يوم مصيبة شكل .
نظرت له بنزق و قالت: و ما ربك بظلام للعبيد يا باشا ، لو ماكنتش ظالم لحد ربنا مش هيظلمك و عندنا في الفلاحين في مثل بيقول لو كل الدعى بيجوز لا كان خلى لا صبي و لا عجوز .
فسأل بجهل : يعني إيه ؟
حلا : يعني الدعوة مش بتتقبل غير لو أنت ظالم و المظلوم دعى عليك لكن مش كل ما حد يدعي على حد ربنا هيقبلها .
هز رأسه مهمهاً : أممم.. مش قصتي ، أنا عايز فلوسي يا حرامية .
تصلب وجهها بغضب متفاجأ فالماثل أمامه الأن لهو شخص أخر غير ذاك المنهار الذي جاء إليها يختبئ من العالم في أحضانها .
و قالت مذهوله : أنت إزاي كده ؟ ده أنت من كام ساعه بس كنت ....
فقاطعه بإشارة من يده و هو يقول : هو انا كده جرحي بيلم بسرعة.
تقدم بخطى ثابته يتبختر أمامها و هي لا تستطع إنكار إعجابها بوسامته الغير عادية و التي زادها بتلك الحلة الرماديه الانيقه و قميصه الأسود المفتوح من أعلى يبرز ضخامة عضلات صدره.
جلس على الأريكة يضع قدم فوق الأخرى و هو يردد بعدما نفخ دخان سيجاره : ها يا حلوة فكرتي هتدفعي إلي عليكي إزاي ؟
رمشت بأهدابها لا تملك الرد الأن فقال: شكلك ما فكرتيش ، أنا بقا فكرت ، خدي.
ألقى بيده ملف به عدة أوراق و قال : أمضيلي هنا يا قطقوطة .
نبرته في الحديث كانت مرعبة ،جعلت مفاصل جسدها كلها تتفكك و تتخبط و هي تسأل برعب : ورق إيه ده ، أنا مش همضي على حاجه.
رفع أنفه بكبر و قال: أمضي أحسن .
نظرت له بتحدٍ فقال : ما خلصنا عرفنا إن معاكي حزام أسود يا ست الكتكوتة .
زم شفتيه بحزن مصطنع و هو يردد ببراءة مزيفة : بس أمك يا حرام ، عضمة كبيرة مش هتتحمل ، ليه يا حلا تعملي في ماما كده ، ده حتى الأم مدرسة.
نظرت له بصدمة تستوعب تهديده و هي تردد : أه يا أبن آل....
أخرسها بحده يردد : لمي لسانك عشان ممكن تحتاجيه في الأكل والشرب حرام لما اقطعه على غيار الريق كده ، و أخلصي أمضي أنا مش فاضيلك .
هدر بجملته الأخيرة بعنف شديد فأهتز جسدها رعباً ثم سألت : مش أعرف همضي على إيه الأول.
على الفور تكونت على زوايا فمه إبتسامة شيطانية خبيثة و قال بأعين لامعه منتشية : ده عقد عبودية.
أتسعت عيناها و صرخت فيه : نعم يا روح أ...
فهدر عاليا برعب : حلاااااا ... بلاش تختبري صبري .. يالا إخلصي ، الرجاله واقفه تحت بيت ماما سميحة .
فقالت بخوف و يأس : أطلب أي حاجة تانية أو حتى خد الفلوس بس مش كده.
سحب نفس من سيجاره و نفخه أمام وجهها ثم قال: لأ الفلوس ما بقتش لازماني أوي دلوقتي.
مرر عيناه على جسدها الغض الممتلئ ثم ردد : أنا عايزك أنتي.
ابتلعت رمقها برعب و هي تهز رأسها رافضه فصرخ بنفاذ صبر : يالاا اخلصي أنا مش فاضي لك .
انتفض جسدها من صراخه عليها و لم تجد بد من التقدم لعنده بخطوات مرتعشة مترددة تتناول القلم الذي ألقاه لها بازدراء ثم توقع بدموع على كل الأوراق الموضوعة أمامها .
تحت نظراته المنتشية إلى أن انتهت و قالت بدموع و قد أمتلئ صدرها بالحزن و هي تخفض رأسها أرضاً : خلصت .
فقال بأمر فظ : قومي زي الشاطرة كدة أعملي لي فطار .
كانت جالسه عند تستمع له بصدمه فصرخ فيها : يالا إخلصي ، نسيتي نفسك و لا إيه ؟
لتصرخ هي الاخرى بعدما فاض بها : أنا مش خدامة عندك.
أبتسم بجانب شفته و قال : ليه إنتي مش دخلتي لبيتي بنفسك على إنك خدامة و عملتي فيها السبع رجالة في بعض ، سدي بقا ... و دلوقتي أنتي نزلتي في الليڤيل عن الخدامة بشوية أصلا أنتي لسه ماضيه عقد يخليني أعمل فيكي أي حاجة.
حلا : مافيش في القانون حاجة إسمها كدة .
غانم: مين قالك ، لأ في بس أنتي أبقي أسألي ده لو عرفتي يعني تخرجي من هنا و تلاقي حد تسأليه لانك مش هتشوفي عتبة الباب و يالا قومي مش عايز صداع و رغي كتير ، ياريت تنفذي الأوامر من سكات ، سامعه.
صرخ فيها بحده لتنتفض سريعاً و تذهب للمظبخ و عيناه تتبعها تلتهمها إلتهاماً .
و ما أن أختفت من أمامه حتى مد يده يلتقط العقود ثم قربها له و هو يبتسم بسعادة كبيرة.
مش شدة سعادته قبل الورقات بجنون و بداخله يتوعد لها بالكثير في أيامهم المقبلة......
↚
كان يجلس على الأريكة يغمض عيناه بأرتياح ، شعور عظيم يتملكه الآن ، شعور جعله يتغاضى عن كل تلك الصدمات التي تلقفها خلف بعضها .
شرد قليلاً يفكر في كل ما صار بترتيب الأحداث ، و كأنها خطة ربانية مرسومة بإحكام ، دبرها الرحمن تدبير لا تعديل عليه.
لكن مازال ذلك الشعور بالألم و الحزن يتخلل إحساسه بالسعادة كلما تذكر إجهاض سلوى المتكرر و حديث حلا أنه ذنب يدفع ثمنه.
أيضاً هو للأن لم يتحدث مع حلا حول فكرتها و خلفتيها عنه و التي بسببها زرعت نفسها في بيته غير مبالية بالعواقب الجسيمة التي قد تترتب على فعلتها المتهورة تلك.
جعد ما بين حاجبيه وهو يفكر بأن الدافع لذلك بالتأكيد عظيم و ليس بهين إطلاقاً خصوصاً و أن والدتها كانت على علم و موافقة بكل ما تفعل .
سحب نفس عميق و هو يقر أنهما بحاجة لحديث طويل شفاف كي تتضح كل الأمور و لكي يفهمها أنها مخطئة كلياً .
خرجت حلا من المطبخ و هي تحمل صينية عليها القليل من أطباق الطعام لتراه و شارد يجعد مابين حاجبيه مفكراً.
سبت نفسها ألف مرة فهي و رغم كل ما بدر منه للآن تراه وسيم جداً يخطف لُبها و يسلبها أنفاسها .
تلعن تلك الكاريزما التي يتمتع بها و لم تتوقف عن النظر له بإعجاب تتمنى لو كان الزمن غير الزمن و القصة غير القصة .
و بتلك اللحظة تلاقت الأعين ينظر لها و تنظر له و الصمت هو المتفق عليه.
حديث طويل لا تشمله أي لغة او كلمات ، إنها الأعين فقط من تستطع إيصاله.
كانت مجرد دقيقة تجردت فيها المشاعر و طفح ما بها على العيون ، إلي أن أستدرك حاله و أعتدل في جلسته يقول: إيه هتفضلي واقفه عندك كده ؟ أخلصي.
زمت شفتيها بضيق فهو للتو ذكرها بوضعهما ،فنفضت كل أفكارها الحالمية جانباً و تقدمت بغضب تضع الصينيه على الطاولة الصغيرة بعنف و ضيق مما أصدر صوت حاد جعله يردد بغضب: إيه ده ؟ حطي الحاجة بأدب.
رفعت عيناها له غاضبه مصدومة تردد : أنت كمان هتعلمني الأدب ؟
فرد عليها بحدة : أيوه طالما ماتعرفيهوش .
فتحت فمها تستعد للرد عليه بهجوم شديد لكنه أخرصها بحسم و قال: و لا كلمة زيادة و بلاش تزودي حسابك معايا هو تقيل بما فيه الكفاية.
زمت شفتيها معاً بضيق شديد.. شديد جداً كأنها تكبح جماح شفتيها عن الإنطلاق و التفوه بما تريده.. و الذي سيزيد الأمر سوءاً بكل تأكيد لذا حاولت إلتزام الصمت بصعوبة.
و مالبس أن أعوجت رقبتها تنظر له بصدمة و هي تسمعه يقول بصوت آمر : أكليني .
حلا : وااااااااات ؟؟!!!!
أرتسمت على جوانب فمه إبتسامة عابثة مستمتعة حاول مداراتها و ردد من جديد بصوت يفوح منه العنجهية و الكبر: أكليني في بوقي .
فتهورت قائلة : ليه و أنت أتشليت ؟
أطبق شفتيه معاً و لكزها بحدة طفيفة في كتفها مردداً: قولنا أييييه ؟ قولنا أييه ؟ مش قولنا لسانك ممكن تحتاجيه و حرام نقطعه ؟ هااا ... لمي لسانك يا قطقوطة عشان ماتتأذيش و يالا أكليني و أنتي ساكته .
فصرخت بقهر و غضب : أه يا....
صمتت تصط أسنانها معاً خوفاً من توابع ما كانت ستتفوه به ، ليبتسم برضا و غرور مردداً: براڤو .. في تقدم ملحوظ.. بجد براڤو،يالا بقا زي الشاطرة أكليني .
قبضت صوابعها في قبضة واحده دليل على محاولتها المستميته في كظم الغيظ و قطعت كسرة من الخبز تغمسها في الجبن ثم تقربها من فمه .
تناولها منها بسعادة واضحة و ملامح وجهه كلها فرحة لكنه قال بصوت معاكس لما يشعر به : فين الفطار الي بفطر بيه أنا مابحبش الجبنة.
و ابتلع الطعام بتلذذ رغم ذلك يسمعها و هي تقول: ده إلي لاقيته جوا .
التقط منها مرحباً بلقمة جديده و هو مازال يردد : مش حلو .
نظرت له و هو يبتلع الطعام ثم قالت ساخرة : واضح .
باغتها و هي تدس الطعام في فمة بأن لعق أصبعها لتتسع عيناها و تنتفض بعيداً.
إلتوى جانب شفتيه يبتسم ثم مد يده قربها منه مجدداً فنفضت يده قائلة: أبعد أيدك عني .
زم شفتيه يتصنع اليأس و قال : مش هينفع ، أصل أنا ليا مزاج أقرب دلوقتي فتعالي ، مش عايزك تنسي إنك بعتيلي نفسك من شويه يا روحي .
أتسعت عيناها تخاول إدراك ما فعلت فهز رأسه يقول بأسف مفتعل: أيوة بالظبط ، للأسف يا حلا ده نتيجة اللعب معايا ، يعني أنا مش عارف بجد أزاي جاتلك الجرأة تعملي كده و تدخلي عش دبابير برجلك، كنتي فاكرة نفسك مين بجد، أصلاً كنتي فاكرة أنك هتنفدي إزاي ؟ حبيبتي إنتي أتفه من إنك تقدري تعملي كده.
وضعت يدها في صحن الطعام تغمس العيش بالجبن و تضعه في فمها متلذذة ثم قالت و هي تلك الطعام بإستفزاز : أمال أخدت التلاتة مليون و نص إزاي؟ ده انا عملتها كده بطرفة عين .
أستفزه حديثها كثيراً ، هي ببساطة تذكرة بأنه مغفل و قد نجحت في خداعه.
ضيق عيناه بغضب يتذكر ما فعلت ، و كم تهاون في عمله ، كان يٌسرق بكل سلاسة و سهولة و هنا تذكر شيئاً مهماً.... تلك الأموال التي كان جميل يخبره أنها مسروقة بتلاعب من المحاسبين القدامى ، بالتأكيد هو من كان يفعل طوال كل تلك السنوات.
أغمض عيناه و هز رأسه بصدمة و أسى ثم ردد : كل إلي وثقت فيهم خانوني و غفلوني ، جميل و كرم و عمتي ، سلوى باعتني ... حتى أنتي.
تركت كل الحديث و تشبثت بالجزء الذي يهمها تسأل بلهفة : سلوى باعتك إزاي ؟
نظر لها بجانب عينه و سأل : يهمك تعرفي أوي؟
هزت رأسها بقوة ثم سألت من جديد: أيوه ، ايه اللي حصل ؟
قرب رأسه من وجهها يسأل : يهمك تعرفي ليه ؟
أرتبكت من سؤاله و تلعثمت تحاول الإجابة و هي تتهرب من عيناه مرددة: عشان... عشان... أصلها ست رخمة و مفترية و كانت حطاني في دماغها عشان كده عايزة اعرف أخبارها.
هز رأسه و هو يزم شفتيه ثم وقف يتجه للباب يستعد كي يغادر و هو يقول : أمممم ، دي كل الحكاية يعني ، طب طالما كده يبقى مش سبب قوي عشان أقولك و بعدين أنا ماحبش أخوض في سيرة واحدة ست و بالأخص أنها كانت في يوم من الأيام على ذمتي .
شهقت بتفاجئ و قفزت من مكانها سريعاً تهرول خلفه تتشبث به توقفه و هو يبتسم سعيد بتلك اللهفة التي شعر بها منها خصوصاً و هي تسأل : كانت على ذمتك ؟ أنتو أتطلقتوا ؟
إلتف له يرى لمعة الفرحة في عينيها فزادت سعادته و ضحك بداخله عليها و هو يقرر التلاعب بها فقال : هي طلبت الطلاق ، طبعاً بفضل سعادتك و إلي عملته و قولتيه ، فضلت تصرخ و تصوت عايزاني أطلقها .
كان ملاحظ بدقة لكل تفاصيلها و هي تستمتع له متلهفة أن يكمل مما زاده فرحة مقرراً زيادة التلاعب بها ، يرغب في إمتاع عينه و روحه بلهفتها عليه ، أن يستشعر غيرتها عليه بعدما ذابت روحه و شيبته فى حبها .
يراها تردد بأنفاس متلاحقة: يعني أتطلقتوا؟!
غانم : أيوه.
فتحت فمها من الصدمة يرى تعاقب المشاعر على ملامحها.
فدارى ضحكته يحاول إستدعاء الجدية و هو يقول : بس هردها .
لتصرخ فيه: إيه؟
هز كتفيه يقول : أيوه أنا كنت مضطر أعمل كده عشان تهدى ، كانت بتصوت و تصرخ ، قطعت قلبي ما قدرتش أتحمل، كنت مستعد أعمل أي حاجة بس ما شوفهاش بالحالة دي ، إنتي ماتعرفيش سلوى دي إيه عندي .
تقدم تود القبض على عنقه و لكن لم تجرؤ فقبضت يدها على بعض تسأل بغيظ و غيرة: إيه؟
إلتوى فمه بإبتسامة عابثة و سأل : لما تكبري هقولك.
إلتف ينوي فتح الباب ليخرج فصرخت فيه : أستنى عندك أنا لسه ماخلصتش كلامي.
فقال ببرود: بس أنا خلصت.
أوقفته مجدداً تسأل بغيرة واضحة و عصبية: رايح فين؟
إلتف من جديد يقول : نعم ؟ و إنتي مالك ؟ يا ريت ماتنسيش نفسك، أنا هنا إلي أسأل و أستفسر .
تقدمت لعنده و قد عمت الغيرة عيناها و تمكنت من شل عقلها فقبضت على تلابيبه تردد بمجون : رايح عندها ، مش كده .
تراقصت دقات قلبه من شدة الفرحة و هو يراها بتلك الحالة ، لكن تمالك نفسه ببراعة يحسد عليها و أبعد يديها عن ياقة معطفه مردداً: أيه ده إيه ده ؟ إيدك يا ماما و بلاش تنسي نفسك، أوعي كده من سكتي.
خرج بثبات إنفعالي رهيب لم يستطع الإستمرار عليه طويلاً خصوصاً و هو يسمعها تقز شئ ما ارتد في الباب الضخم الذي أغلقه و هي تصرخ فيه : أاه يا باااارد ..يا بااااااارد .. يا سمج
فوضع يده على عينه من خلف الباب يقف خارج البيت و هو ينفجر ضاحكاً يحاول التحكم في ضحكه و لكن لم يستطع بل أستقل سيارته و غادر بها و هو مستمر في الضحك .
توقف بسيارته أمام بيت راضي ، ترجل منها و هو يراه يجلس على أحد المقاعد الخشبيه أمام البيت يدخن بشرود فقال : سلام عليكم.
نظر له راضي بجانب عينه و قال: خلي السلام لاهل السلام يا ابن صفوان.
هز غانم رأسه يردد : عندك حق تكون شايل مني ، بس كمان أنت راجل كبير و عارف إننا كنا مخدوعين في عياط عمتي ، كمان أنت كان لازم تدافع عن نفسك و عن صورتك.
وضع راضي عيناه في الأرض ثم قال: عندك حق ، بس ... ماهو أنا ماكنتش برضا أطلعها كدابة و غشاشة كان عندي أمل ينصلح حالها ، بس خلاص انا ماعدتش باقي عليها و طلقتها النهاردة الصبح .
أغمض غانم عيناه بضيق لما حدث لكنه بنفس الوقت لا يسعه لوم راضي على ما فعل .
تنهد بتعب ثم قال: ما اقدرش ألومك ، بس على الأقل قولي هي فين؟
راضي : قولت لك ما زفت جميل ، و من الساعة دي انا ماليش دعوه بيها و لا عايز اسمع سيرتها و لا حتى اشوفك قدامي.
فرد غانم بتفهم : حقك ، سلام عليكم.
لم يرد راضي عليه السلام و هو غادر بصمت تام يخرج من الخان نهائيا يقصد الحي الذي يسكنه عادل .
في شقة متوسطة الحال .
خرج عادل من المرحاض و هو يجفف شعره بمنشفة صغيرة يردد: يا سلام يا ولاد ،الميه السخنه دي بتدوب الجسم دوب كده.
لينتفض على صوت غانم الذي يجلس بكل أريحية في منتصف بيته على أحد الأرائك يضع قدم فوق الأخرى مردداً: نعيماً يا دولا .
صدم عادل مكانه ووقف مبهوتاً يتراجع للخلف بضع خطوات وهو يردد : غانم باشا
نظر لوالدنه التي تقف بالقرب من غانم تسأل: انت عملت ايه يا واد
فقال بسرعه: ما عملتش حاجه والله ياما
ابتسم له غانم وقال: ايه دولا،رجعت ليه يا حبيبي لورا كده ،تعالى قرب ما تخافش، ما تخافش مش هعمل لك حاجه.
ثم نظره لوالدة عادل وقال' لها ماعلش يا حاجه أستأذنك بس في كوبايه شاي عايز دولا حبيبي على جنب كده في كلمتين، ما تخافيش عليه ده حبيبي قوي
نظرت لهما والده عادل بقله ارتياح لكن حسها عادل على الذهاب وهو يقول بخوف: روحي يا اما اعملي للباشا شاي
فذهبت على مضد ونظر عادل لغانم الذي قال له: كويس انك خليتها تروح مش حلوه يعني انها تقعد تسمعنا وتعرف ان ابنها حرامي
فهنف عادل بحده: انا مش حرامي انا كنت برجع الحق لأصحابه.
غانم : يا ولااا.. و عرفت منين بقى انه حق.. وان دول صحابه.. وبعدين انت عايز تفهمني ان انت ما ماخدتلكش عموله كده يعني
عادل : الكذب خيبه وانا مش خايب ولا خايف.. اخذت بس مبلغ بسيط قلت لك ده حق وانا برجعه لاصحابه
غانم : وعرفت منين بقى انهم صحابه؟
عادل : أنا اعرف حلا من زمان من اول ما جات المنطقه هنا وعارف حكايتها انا ودعاء ،هي حكت لنا.
شعور بالغيره استوطن قلبه وتملك من غانم وهو يرى رجل اخر يحكي له اسرار حبيبته، فسأل بغيظ شديد: أه يعني انت اللي عارف حكايتها !وايه بقى هي حكايتها؟
عادل: لا معلش دي أسرار، وطالما انت مش عارف يبقى هي ما قالتلكش وطالما ما قالتش يبقى مش عايزاك تعرف فانا مش هقدر أقول
غانم: لا شهم قوي يا ولا وعندك مبدأ، تعجبني .... بس انا بقى يا دولا مش همشي من هنا غير لما اعرف الحكايه كلها
نظر له عادل بقوه وقال: بص يا باشا عايز تعرف الحكاية كلها هتلاقيها عند جميل...... السر كله عند جميل لكن انا لو عليا شهامة مني يعني هقول لك حاجه، طول السنين اللي فاتت دي كلها جميل كان بيسرقك وبمبالغ مش قليله وانا عندي الدليل ثواني اجيبهولك.
أختفى عادل في أحد الغرف لمدة ثواني ثم خرج ومعه دفتر به أوراق عديدة وقال له: أتفضل يا باشا الورق ده يثبت أن جميل كان بيسرقك ، انا اخذته وأمنت بيه نفسي عشان كنت عارف أنه راجل غدار ومش سهل ومش هيسكت لنا على اللي إحنا بنعمله.
نظر غانم للأوراق التي بيد عادل ثم قال: عارف ، ومش جايلك عشان كده.
عادل: امال جاي ليه ؟ هو مش انت أمرت رجالتك يسيبوني جاي ورايا ليه بقا ؟ ويومها اخدت حلا وروحت بيها فين ؟
وقف غانم ثم قال من بين أسنانه: مالكش دعوة بيها ، خليك في نفسك.
فهتف عادل بشئ من الحدة : إزاي يعني ، البت من ساعتها مختفية و أمها هتتجنن خصوصاً لما عرفت إني رجعت و هي لأ.
اقترب غانم بوجهه من عادل يردد بتملك شديد : حلا و مواضيعها تخصني أنا ، ماتدخلش في حاجه تخصها تاني ، خليك في إلي أنا جايلك عشانه و إلي بسببه خليت الرجاله تسيبك.
صمت عادل ينتظر منه أن يكمل فأكمل بالفعل : الفلوس اللي سرقتها هتحولها على الحساب إلي هسيب لك رقمه دلوقتي.
فسارع عادل يردد : دي فلوس حلا و أنا....
قاطعه غانم يقول : الحساب ده بأسم حلا أنا إلي فتحتهولها ، روح النهاردة و نفذ ،ما أنا مش هسيب لك تلاته مليون و نص يعني.
إلتف كي يغادر لكن عاد يقول : هات الورق إلي يدين جميل.
ناوله عادل الورق و هو يقول : طب و حلا ؟
فصرخ فيه غانم بغيرة: و انت هتخاف على مراتي أكتر مني ، نفذ إلي قولته و بس.
أتسعت عينا عادل و هو لا يمكنه الإستيعاب و هل ما سمعه صحيح؟!
جلس غانم في سيارته أسفل بيت حلا يستعد لمواجهة سميحة متأكد أنها سيدة ذات لسان سليط و عقل محدود الذكاء كأبنتها بالضبط و لكنه شر لابد منه كما يذكر نفسه كل دقيقة.
لكن قبلما يترجل من السيارة ورده إتصال من صلاح فجاوب على الفور يسأل مباشرة : لاقيته ؟
فرد صلاح بسخرية: لاقيته ؟! هههه .. ده مشارك في مزاد الشركة الإجنبية و بنفسه ، إبن البجحة بيلعب على المكشوف.
سحب غانم نفس عميق ثم قال: صلاح أنا عايزك تفرمه ، سامع.
فقال صلاح: الله ، طب ما تفرمه إنت هو أنت ناقص أيد ولا رجل .
أبتسم غانم و قال: لأ بس أصل أنا عريس جديد .
ظهرت الصدمة على نبرة صوت صلاح و سأل: ده بجد ؟
غانم : أيوون ، و بصراحة أكتر أنا مش هضيع وقت مع الراجل ده كفاية عمري إلي فات كله ، بس ليا عندك شرط يا صلاح ، أنا عايزه حي ، سامع ...حي وتلسمهولي قريب .
صلاح: و مش عايز دي ڤي دي ؟ هو حد قالك إني خلفتك و نسيتك ، أنا مالي بمشاكلك ، مش عامل حاجه.
فقال غانم بتأكد تام : هتعمل ، أنت كل مره تعمل الشبورة دي و في الاخر بتعمل.
فرد صلاح بنرفزة من تلك الحقيقة: عشان إبن بلد أصيل.
قهقه غانم و أغلق الهاتف في وجهه ثم ترجل من سيارته.
___________________
في المساء توقف بسيارته أمام بيت أحلامه حيث توجد بداخله حبيبته الغبية.
ترجل من السيارة و حاول تجميد ملامحه ليدلف إليها و لكن ما أن فتح الباب حتى تفاجأ بها تجلس على الأريكة مقابل الباب و هي تردد : أهلاً ، إيه إلي جابك ؟
نظر لها يحاول الإستيعاب و ردد: نعم ؟ ده بيتي ؟
وقفت من مكانها تقول: و أنا بعمل ايه في بيتك عايزه اعرف.
تقدم يفكك رابطة عنقه و ألقاها جانباً بتعب ثم قال: وطي صوتك و أنتي بتتكلمي ، ما تنسيش نفسك ، أنتي ماضيه ورق يخليني اتحكم فيكي عمرك كله ، و أسكتي شويه مش عايز وش و قلبة دماغ.
تركها و أتجه ناحية المرحاض ليغتسل فذهبت خلفه تردد بعصبية : أه صحيح ، أكيد مش عنده دماغ ما أنت تلاقيك راجع من عند الست هانم.
إنشرح قلبه و هو يستمتع بغيرتها الواضحة ثم قال: أيوه و راجع جعان ، أعملي لي عشا .
فرددت بغل شديد و قهر : يا بجح .
زم شفتيه يكبت ضحكته و قال : هحاول أتغاضى عن طولة لسانك ، بصراحة راجع من بره مزاجي رايق و مش ناوي أعكره .
دلف للمرحاض و أغلق الباب يضحك و هو يسمعها تصرخ بغيظ : أيوه صحيح راجع رايق من عند الهانم .
فهتف من الداخل: بالظبط ، حضريلي العشا بقا بسرعة أصل أنا نفسي مفتوحة أوي.. بسرعة.
ذهبت للمطبخ و هي تدب الأرض بغيظ و هو حاول الإستحمام سريعا و خرج لها.
كانت تقف في المبطخ موليه الداخل إليه ظهرها متجهه ناحية الموقد تجهز الطعام و هي تسبه و تلعنه : نفسه مفتوحة ، أكيد كان عندها.
صمتت و تخشب جسدها و هي تشعر به يلف خصرها بذراعيه القوية يحتضن ظهرها له و يدفن رأسه في تجويف عنقها و سأل : مش عايزاني أروح لها ليه ؟
صمتت مرتبكة بداخلها تلذذ غير عادي فسأل يستجدي الجواب: بتغيري عليا يا حلا ؟
فقالت بشئ من القوة و هي تحاول إبعاده عنها أو الأبتعاد هي: أبعد عني.
لكنه شدد من قربها و ضمها لأحضانه أكثر و هو يردد بأنفاس سخينة: فاكرة أول مره أتقابلنا فيها ، فاكره لما كنت حضنك زي دلوقتي بالظبط .
حلا بغيرة واضحة: كنت فاكرني مراتك.
أبتسم و قال : تحبي تبقي مراتي ؟
حلا : لأ
غانم : كفاية عند يا حلا ، ماتعبتيش ؟ أنا تعبت .
حلا : خليني أمشي من هنا ، عمري إلي فات باظ عايز تضيع عليا عمري إلي جاي كمان.
لفها له يقول : لأ ، عايز عمر واحد يجمعنا .
فالتفت تردد بعناد: و إلي فات يتنسي أزاي ؟
فقال غانم بحده : قولت لك ماليش علاقة ببنت عمك .. ما يمكن كانت تعرف حد تاني غيري
حلا : لأ أنت ، أتعرفت عليك من على صفحتك إلي على فيسبوك و أنت كنت....
جعد غانم ما بين حاجبيه و هو يستمع لها و قال: أستني أستني ... أنتي قولتي صفحة على فيسبوك ؟
ردت حلا بقوه: أيوه ، و أوعى تكون فاكرني صدقتك لما قولت إنك مش عندك صفحة عليه... قالوا للحرامي أحلف.
وضع غانم يده على رأسه و آلان فقط بدأ يفهم و يفك اللغز مردداً: الصفحة ، كرم ... يا نهار أبيض... يا نهار أبيض.
دار حول نفسه كالمجنون و هو يردد: أيوه أنا أفتكرت اليوم ده كويس .
أتسعت عيناه و هو يربط الخيوط ببعض رويداً رويداً: أيوه ، البنت اللي كرم كان عارفها .
هز رأسه بندم يردد : أنا فاكر فعلاً أنهم طلبوا مني أتدخل و أنا جبتها و هددتها و بعد كده ماعرفش إيه إلي حصل و لا القصه خلصت على إيه.
نظرت له حلا بجهل و بدأت تسأل : أنت بتقول ايه ، أنا مش فاهمه منك حاجة.
رفع رأسه لأعلى يهز رأسه بجنون و هو يردد: معقول ذنب زي ده هو السبب في كل إلي أنا فيه ؟!
حلا : ما تفهمني أنت بتقول ايه.
جذبها غانم لأحضانه عنوة و بدأ يسرد عليها تفاصيل ذلك اليوم و هي تستمع له بصدمة و عدم إستيعاب....
↚
أخذها في أحضانه عنوة مردداً: أهدي و بطلي فرك خليني أحكي لك إلي حصل .
لكنها لم تطاوعه و حاولت الخروج من بين ذراعيه ، فثبتها من جديد و هو يسرد تفاصيل ما حدث منذ سنوات.
عودة بالزمن للخلف
كان يجلس في مكتبه كعادته يتابع سير العمل و يراجع ملفات البيع ، فدخل عليه بوقتها العم جميل و هو يضع وجهه أرضاً بصمت .
نظر له غانم و قال مستغرباً: إيه يا عم جميل مالك؟ واقف عندك كده ليه ما تقعد ؟
لكن زاد إستنكار غانم كثيراً فقبلما يتحدث جميل دلف كرم لعندهم فقال غانم : و كرم كمان هنا ؟ ده مش بيحب يقعد معايا في مكان واحد ، غريبة دي .
نظر جميل لإبنه الذي لم يتخلى وجهه عن ملامح السخط و الضيق رغم كل شيء.
صك أسنانه منه بغضب شديد للموقف الذي وضعه فيه و أضطر لأن يتوسل غانم قائلاً: في مشكلة حاصلة و كنا طمعانين فيك تدخل فيها تحلها.
زاد إستغراب غانم و قال : ما انت عارف يا عم جميل أنا عيني ليك .
حمحم جميل مرتبكاً ثم قال: بس المره دي يمكن الحكاية تضايقك حبتين .
غانم: تضايقني ؟! ليه ؟ هو ايه اللي حصل ؟
نظر جميل لابنه يسأله التحدث لكن كرم لم يفعل و بقا وجهه بالأرض فأضطر جميل أن يتحدث نيابة عن ولده و قال : اصل انت عارف كرم يعني زي اخوك هو غلط غلطه كده يعني انه...
كان جميل يتحدث بتقطع لم يكن يستطيع سرد ما حدث بشجاعه كافية فحسه غانم على على أن يكمل مردداً: أنه ايه يا عم جميل؟
نظر جميل قليلا لأبنه ثم عاد ينظر لغانم وقال دفعه واحده: بصراحه كده كرم كان عامل صفحة على فيسبوك بإسمك بيعرف من عليها بنات يعني وكده.
هب غانم من مكانه بصدمة لا يستطيع الإستيعاب وسأل: ايه؟ عامل ايه بأسمي؟ صفحه على فيسبوك! وبيشقط من عليها بنات بأسمي بقى؟ صح ومفهمهم إن هو انا مش كده؟
كان جميل ينظر ارضا هو وابنه لم يجب كل منهما وغانم على شفا خطوة واحدة من الجنون يردد : ما حد فيكوا يرد عليا عمل ايه تاني بأسمي ومفهم الناس أن هو أنا
حاول جميل أن يتحدث وقال: هو عرف من عليها كذا بنت
فهتف غانم: يا نهار أبيض... بنات ...بيشقط بنات طب إزاي؟ وبيقابلهم إزاي وهو مفهمهم أن هو أنا.. بعد ما قابلهم يعني عمل ايه؟
هنا تحدث كرم وقال بتبجح : هيكون حصل إيه يعني؟ قابلتهم وعرفوني وحبوا شكلي وهيئتي أنا أكتر
نظر غانم بغيظ شديد لذلك التبجح الذي يتحدث به وتلك الجرأه التي لديه وقال : والله ؟ ازاى وانت عامل صفحه بأسمي وبصورتي، وأنت لا إسمك غانم و لا هيئتك هيئة غانم إتقبلوها ازاي
هنا و لم يجيب كرم، فقال جميل عوضا عنه : قال لهم انك صورة واحد موديل يعني بتاع لبس و إعلانات وكده وهم صدقوا، المشكله يا إبني مش في كده المشكله دلوقتي اكبر من كده بكتير
وضع غانم اصعابعه في شعره يجذبه من شده الغيظ والجنون والصدمه وسأل: هو في مشكله ؟وأكبر كمان من كده؟! ايه هي بقى يا ترى؟
فقال جميل: في واحده من البنات دي حامل
صرخ غانم: يا نهار أسود
إبتلع جميل رمقه بصعوبة وأكمل: وبتهدده عايزاه يتجوزها وإلا هتقول لأهلها وتفضح الدنيا
صرخ فيهم غانم: ما حقها... حقها طبعا مش البيه إبنك ضحك عليها ،يروح بقى يصلح غلطته
فقال جميل بتعصب شديد: لأ طبعا ابن مين ده اللي يتجوز واحده سلمته نفسها؛ احنا ما عندناش الكلام ده، وأنا إبني يوم ما يتجوز هيتجوز واحده الهوا مامسش طرفها مش بنت سهله زي دي
كان غانم ينظر إلى جميل وكأنه يراه لأول مرة ، كأنه يرى شخص اخغر صدم فيه في هذا اليوم صدمة كبيره لم يكن يستطيع الإستيعاب وأن هذا هو العم جميل الذي رباه.
فقال و هو يهز رأسه بجنون : يعني ايه يعني؟! ابنك هو اللي عمل كده في البنت دي وضيع مستقبلها ودمرها ما هو اللي جرجرها للسكه دي جاي دلوقتي بعد ما خلاها كده يقول لأ انا عايز واحده شريفه؟!!!!
جميل : أيوه انا مش هجوز ابني واحده زي دي وحتى لو وقفت على شعر راسها .. وبعدين يا ابني انا عايزك تهدى وما تعصبش نفسك عشان انا جاي لك في حكايه ثانيه خالص وعايزه اطعلب منك طلب
حاول غانم التحلي بالصبر وقال: وايه هو بقى الطلب ده
جميل: أنت تجيب البت دي وتخوفها وتطلب منها إنها تنزل العيل اللي في بطنها ده
فرفض غانم بشدة : لأ طبعاً انا ما اقدرش أعمل كده، انت عارف يعني ايه اللي انت تطلبه مني
كان جميل يعلم غانم جيداً فقال بمراوغه وخبث: يا ابني دلوقتي البت حامل يعني بعد تسع اشهر هتجيب عيل، انت شايف كرم عنده كام سنه أصلا؟ ولا بيشتغل ولا نيله على الاقل لحد ما يكون نفسه و أنا أخليه يعقد عليها ان شاء الله ويلم الفضيحه دي بس مش دلوقتي، لا ده وقته ولا ده أوانه، أنت بس تجيبها وتخوفها بكلمتين وهي هتخاف منك طوالي وتعمل لك الف حساب .
في البدايه لم يوافق غانم لكن واصل جميل الإلحاح عليه حتى إستجاب اخيراً واحضروا له رنا
وقد نجح غانم في تهديدها بسلطته ونفوذه وأنها هي من ستتضرر من الامر أكثر واغن عائلتها سيكون لها النصيب الأعظم من الفضيحة
وبالفعل..... خافت رانا كثيراً، بل إرتعبت واستجابت لكل مطالبهم وذهبت مع جميل وكرم لتلك العياده المشبوهه التي قضت على حياتها نهائياً.
ففي أثناء العمليات نزفت ولم يستطع الطبيب السيطرة على الأمر.
فخرج سريعاً لجميل وكرم يخبرهم بما حدث وما كان منهم إلا ان حملوها غارقه في دمائها ووصلوا بها الى أول الطريق عند قريتها و ألقوها أرضا بلا أي ذرة رحمة أو شفقة، ومع أول خيوط النهار عثر عليها أهالي بلدتها غارقة في دمائها ولم يعلم احد من فعل بها هكذا
عودة للوقت الحالي
أنتهى من سرد ما حدث و نظر لحلا القابعة في أحضانه بسكون تام و قد توقفت عن التحرك ، سكون الصدمة و المفاجأة.
فقال : صدقيني ده كل إلي عملته و والله ما كنت حابب أعمل كده و هما فهموني إن الوقت ساعتها مش مناسب بس هو هيظبط ظروفه و يتجوزها و يصلح غلطته .
ظل ينتظر حديثها بعدما برهن لها صدقه في كونه بريئ مما حدث لكنه تفاجأ بها تسأله بإتهام واضح : و أتجوزها ؟ مافكرتش في يوم تسأل هو إيه إلي حصل.
فردد غانم بجنون : أكيد نسيت ، ما أهتمتش أنا ماخلفتش كرم و نسيته يعني.
وقفت تردد بعنف : يعني ماخلفتوش و نسيته عشان ماتتابعش إلي حصل لكن كنت مخلفه و ناسيه لما جبت رنا و هددتها ، أستغليت قوتك و فلوسك و سلطتك في انك رهبتها و خليتها تروح للموت برجليها و بكل بساطة بتقول ماخلفتوش و نسيته؟
وقف هو الآخر مقابلها يردد : إنتي لسه بردو شايفه إني مسؤل عن إلي حصلها بعد كل اللي حكيته ده ؟
حلا : مالك محسسني إن إلي حكيته يبرأك ، لأ ... ده يدينك أكتر و أكتر.
إلتف عنها غانم يردد بعصبية شديدة و جنون : لااااااا ، إنتي الكلام معاكي هيوصلني للجناااان ، مافيش حاجه نافعه معاكي .
خطى بقدميه ناحية الباب فصرخت فيه: أستنى هنا ،انا إلي عايزه أمشي من هنا ، مش هفضل في البيت ده يوم واحد .
فرد بغضب : وطي صوتك و أسكتي احسن لك .
فصرخت بهياج : لأ مش هسكت و أنا عايزة أطلع من هنا أنا مش هسيبك تحبسني تاني، أنت سامع.
هرولت ناحية الباب تسرع في فتحه عازمة على الخروج منه فأسرع لعندها يمنعها و هو يردد: أنتي أتجننتي ، رايحه فين ،انتي فاكرة إنك ممكن تخرجي من هنا ، إنتي بتحملي.
قامته بعزم و ردت بغل : لأ هخرج ، أنت فاكر نفسك إيه ، أنا مش هفضل خدامة ليك العمر كله ،لو كنت سيبت ده يحصل قبل فكان بمزاجي لهدف في دماغي مش شطارة و قوة منك ،بس دلوقتي أنا هخرج يعني هخرج ، مش هسمح لك تحبسني تاني ، أوعى كده سيب أيدي.
كانت تتحرك بعنف و هياج حتى استطاعت بالفعل الخروج من بين يديه و تحركت ناحية الباب خطوة.. خطوة واحدة و قبض عليها يعيدها للداخلو هي تتحرك بعنف تحاول التحرر منه بعنف و ردد بجنون : قولت لك مش هتخرجي ، أنتي شكلك أتجننتي ، ده انا ماسبتكيش تخرجي و أنتي حيالله شغالة عندي هسيبك تخرجي دلوقتي و أنتي مراتي ؟؟
صمتت فجأة و سكنت تماماً أثر صدمتها من وقع الكلمة على أذنها فقط اتسعت عينها و بقت تنظر له دون أن تنطق .
و هو أغمض عيناه بقوة و عنف ، صدم بكونه صرح بذلك بسبب جنونها و تهورها .
ترك يداها بعدما كان يكتفهما و أعتدل في وقفته و هي سألت : إنت قولت أيه ؟
سحب نفس عميق ينم عن كم الضيق و العصبية اللذان يشعر بهما و لم يجيب عليها ، بل تحرك ناحية الباب يخرج منه و يغلقه خلفه بعنف
و هي جلست صامته تماماً تحاول إستيعاب ما قاله.
_____________________
ثلاث أيام مروا و هو يقتله الشوق لكنه لم يذهب ، لا يعلم ما تخبئه له أيامه المقبله معها.
و لما جمعهما القدر معاً عن سائر الخلق ؟
لكن ما بات موقن به هو إنه متورط بشكل أو بآخر فيما حدث لتلك الفتاة.
وضع يده على عينه بتعب شديد لا علم له كيف يتخلص من هذا الذنب.
و بينما هو كذلك ارتفع رنين هاتفه يعلن عن إتصال من صلاح عيسى فجاوب على الفور : نعم ؟
فردد صلاح بسخريه : نعم ؟! تصدق أن أنا راجل واطي و قلبي ده يستاهل الفرم .
اغمض غانم عيناه وقال بنفاذ صبر: أخلص يا صلاح عايز أيه؟
صلاح: أكيد مش متصل بيك تأكلني يا بيه ، ده انا بكلمك عشان أقولك إني عرفت لك مكان حبيبك.
انتفض غانم يعتدل في جلسته بإنتباه و ردد : مين ؟ جميل ؟
تحول صوت صلاح على الفور و قال بترفع : مش قولك و أقفل بقا ورايا شغل و حاجات أهم منك .
فهتف غانم : أخلص يا صلاح أنا على أخري.
صلاح: مش قولت مش مهم .
غانم : مافيهاش هزار دي يا صلاح ، في حد يخصني معاه و عايز اجيبه فأخلص قول .
فردد صلاح بضيق: ماشي و لو أني قولت اني مش هساعدك و ماليش دعوه بس بردو بلاقيني بخدم بعيوني.
غانم : خلاص يا عم عرفنا انك شهم قول بقااا.
ليملي عليه صلاح العنوان الذي لم يستغرق من غانم سوى نصف ساعة و كان هناك.
ليجد نفسه امام بيت فخم متعدد الطوابق ، يسأل نفسه من اين للعم جميل بكل هذا.
دق الباب ليفتح له الخادم فردد غانم: و خدم كمان ؟
ليأتيه صوت جميل من خلف الخادم يردد : أمال مفكر ايه يا أبن الصواف ، أنت بس إلي عندك خدم ؟
دلف غانم للداخل بخطى ثابتة يقول: منين كل ده يا ... عم جميل ؟
رفع جميل رأسه و قال : من شقايا ، من عرقي و تعبي.
ضحك غانم و ردد بإستهزاء : فعلاً أنت بتعرق أوي في السرقة ، متعبة بردو .
تحرك جميل ناحية الداخل و جلس على أحد المقاعد ثم وضع قدم فوق الأخرى مردداً: بالعكس ، دي أبسط حاجه في الحكاية كلها.
اغتاظ غانم كثيراً و هو يسمع جميل يخبره أن خداعه و سرقته كانا أسهل ما في القصه ليسأل : امال إيه بقا كان الصعب.
أنزل جميل قدمه من على الأخرى و تغيرت ملامحه و هو يردد : حبيبتي إلي اتجوزت واحد غيري .
فهتف غانم: ليه ما انت فضلت مشاغلاها و مخليها تعمل مشاكل بسببك و تشوه صورة بيتها و جوزها، و في الآخر خليتها تهرب معاك و تجيب لي الفضيحة.
وقف جميل من على كرسيه و قال بحزن شديد: ياريت كانت دي الحقيقة.
صرخ فيه غانم بغضب و قد نفذ صبره : ما خلاص بقا ،الحكاية خلصت و كل حاجه اتكشفت ، لسه هتلف و تدور عليا ، أنت مش خليت عمتي تهرب معاك بطل تمثيل بقا.
ليصرخ جميل هو الآخر بقهر : أنا مش بمثل و عمتك الهبلة دي مش حبيبتي الحقيقة ، لو لازماك خدها في أيدك و أنت ماشي .
رمش غانم بأهدابه و سأل مستنكراً: مش حبيبتك الحقيقة ؟
فرد جميل بحقد شديد: أيوه،حبيبتي الحقيقة هي "ملك" .
صدم غانم و سأل: إيه ؟!!
دار جميل حول جسد غانم المصدوم و ردد بحزن و ألم : ملك بياعة اللبن ، إلي كنت بحبها من صغري و أخدتها من ايدي دول إلي يستاهلوا قطعهم لبيت غانم بيه الكبير عشان تبيع لهم لبن و جبنه لاجل ما توسع رزقها و تفرح ، اخدتها بأيدي عشان يطمع فيها ابوك و في ظرف شهرين كان متجوزها ، حاولت أميل دماغ جدك و أشبله من ناحيتها و هو بالأساس كان راجل جبار و مفتري... و عارض الجوازة بس ابوك مسك فيها بأيده و سنانه و جبر جدك يوافق بدل ما يخسره، حاولت أروح لها و أعترف لها بحبي ، قالت لي أنها من زمان شيفاني زي اخوها و أنها بتحب صفوان ... ما طبعاً لازم تحبه ما هو الأغنى.
توقف بأنفاس لاهثة أمام غانم و ردد بغل و قد تغيرت ملامحه و أكمل : ما قدرتش أمشي و اسيبها ، كانت زي المرض بتجري في عروقي ، فضلت أعيش خدام جنبها ، حاولت أغير لها رأيها و نهرب سوى .
صرخ عالياً في غانم بغيظ شديد: لكن كانت بتصدني و ترفض ، كنت بموت في الدقيقة ألف مره و أنا شايف حبها لابوك ، فيه إيه هو زيادة عني ... مافيش... مافيش غير أنه اتولد لقى نفسه إبن غانم و أنا ابن عبد الباقي البواب ، لولا كده كانت هتحبني أنا عادي .
اهتز ثبات غانم حتى أن جسده ترنح قليلاً مما يسمع ، لا يستطيع الإستيعاب حقاً فسأل : و ليه فضلت العمر ده كله جنبي و معايا ، ده أنت إلي ربتني ؟
فرد جميل بشجن : عشان إبنها ، حته من حبيتي ، بس لأ ، طلعت زي ابوك ، نسخه منه .
غانم بصوت يملؤه خيبة الأمل: و عشان كده بدأت تسرقني مش كده؟
جميل: كده.
غانم : طب كان كفاية الفلوس ،ليه كمان تسرق عمتي طالما مش بتحبها.
إلتف جميل يوليه ظهره غير قابل لمواصلة الحديث أو إخباره المزيد عازم على المراوغة و غانم ينتظر الجواب بحيرة لكن يعلم أيضاً أن جميل لن يريحه .
لكن صدح صوت وفاء تصرخ فيه بقهر و خذلان : طب ليييييه؟ ليه غوتني ؟ ليه مليت دماغي؟ ليه فضلت تجري ورايا لحد ما كرهت جوزي و حبيتك، ليه خلتني أسعى لخراب بيتي بأيدي؟
نظر لها بلا مبالاة فصرخت بغيظ ممزوج بالقهر: أنا يتعمل فيا كده ؟ ده أنا بنت غانم باشا ، ست الخان كله .
فقال جميل منفعلاً : بنت غانم بنت غانم إييييه؟ هي قصة ؟ ورثتوا الخلق يعني؟
بدأ يقترب منها خطوة خطوة و هو يردد بازدراء: أهو شوفي بقا يا بنت غانم باشا الكبير و ست الخان كله ولا يوم قدرتي تعوضيني عن ملك ، ولا لدقيقة واحده ، ماتجيش فيها حاجة .
سقط على الكرسي من خلفه يردد بألم و ضياع: ولا أي حاجة.
كانت عينا وفاء و فمها يتسعان بصدمة ، تقف كالمجنونة بعدما اكتشفت أنها أضاعت عمرها و زوجها و أولادها و هدرت سمعتهم جميعاً تحت أقدام من لا يسوى و ها هو يخبرها ذلك ببلاده منقطعة النظير.
كذلك صدمة غانم لم تكن أقل و لكن أراد التأكد مما يخبره به عقله فسأل : عشان كده كنت بتساعد عزام عشان يوصل لحلا ؟ عشان كان بيفكرك بيك و بقصتك إلي ما نجحتش مش كده ؟
وقف جميل عن كرسيه و قال من بين أنيابه بغل : لأ مش بس كده، البت دي من ساعة ماخطتت برجليها البيت و هي قلبت عليا المواجع ، ماكنتش بطيق أشوفها قريبة منك .
نفرت عروقه و هو يصرخ : كانت نسخة من أمك ، و أنت نسخة من أبوك ، كنت هتتجنن ، هتتجنن و أنا بعيش قصة ملك و صفوان من تاني و قدام عيني ، حرام ، ماقدرتش أتحمل ، كان عندي أستعداد أعمل أي حاجة عشان أبعدها عنك .
حاول غانم التغلب على كل ما يشعر به من ألم و خيبة أمل و أقترب من جميل ثم مال على أذنه يخبره بفحيح و تشفي: أمال لو عرفت بقا الكبيرة ، حلا سابت عزام.
تراجع ينظر لجميل المصدوم ملامحه ليبتسم برضا ثم أكمل : خد بقا إلي هيجيب لك ذبحة صدرية.
زادت الإبتسامة الجانبية على شفتي غانم و قال: أنا أتجوزت حلا .
بهت وجه جميل و بدأ يهز رأسه رافضاً فيما أكمل غانم: حكاية ملك و صفوان هتتعاد تاني يا جميل .
أنهى حديثه بغمزة عابثة متشفيه و غادر سريعاً لكن توقف عند الباب ينظر لعمته التي نظرت لجميل ثم وضعت رأسها أرضاً و جرت قدميها بأذيال الخيبة لتسير مع غانم تغادر منزل جميل و تعود معه للخان .
في سيارة غانم.
جلست وفاء تفرك يديها معاً كطفل يعلم بذنبه ، تحاول منذ فترة التحدث و لم تستطع.
إلى أن أستجمعت شجاعتها و سألت : أنت صحيح أتجوزت الخدامة بتاعتك؟
نظر لها سريعاً بحده فأرتبكت ليقول بإنذار شديد اللهجة: أسمها حلا و أه أتجوزتها .
ابتلعت وفاء رمقها وسألت :طب و سلوى ؟
لم يجيب عليها غانم ، هو بالأساس لا يحبذ او يريد التحدث معها و لولا أنها نعتت حلا بالخادمة و أستفزته ما كان ليجيب عليها.
فعادت تسأل بتردد : و..و .. راضي عامل إيه ؟
لهنا و تغيرت ملامح غانم فقال : مش من حقك تسألي عنه و لا تجيبي أسمه على لسانك حتى.
صمت متنهداً ثم عاود التحدث على مضض : إنتي هترجعي على بيتي و أنا هعرف ولادك انك عندي لو لسه حابين يشوفوكي .
بالفعل ذهب بها لبيته و تركها تدخل ثم إلتف بسيارته يقودها ثم توقف أمام بيت أحلامه و ترجل منها يدلف للداخل.
فتح الباب يبحث عنها ليجدها كانت تلملم ملابسها من الشمس.
ألقت ما بيدها أراضاً ما أن أبصرته أمامها و هرولت ناحيته بجنون و أشتياق لم تفكر في مداراته إلي أن وقفت أمامه تواجه .
و قد أنشرح صدره بفعلتها و هونت عليه بعض مما يشعر به ، أبتسم لها بحب بينما هي تحولت ملامحها و حاولت التحدث بصرامة: آخر ما أفتكرت إن في بني أدمة هنا ؟ آخر ما أفتكرت إن في بني أدمه هنا ؟
فجاوب بتلاعب : كنت عند سلوى ، بحاول أراضيها يمكن توافق ترجع لي.
فصرخت بقهر : و الله ، و لما هو كده ، إيه جايبك تاني لعندي ؟
ضحك بخفة على غيرتها ثم قال بإرهاق : وحشتيني.
كلمته و إحساسه الدافئ وصلها و دغدغ كل حواثها فسألت : أنت كنت تقصد أيه لما قولت اني مراتك دلوقتي ؟ هو انا كنت أتحوزتني فين و أمتى؟!
أبتسم لها ثم قال: يالا عشان لازم نرجع البيت الكبير دلوقتي.
جعدت ما بين حاجبيها و قالت : أرجع ليه ؟
ثواني و طار الشر من عيناها و ملامحها و صرخت فيه : أااااااه... قول كده بقاااا، أنت واخدني خدامة لمراتك مش كده.
هز رأسه و صرخ فيها : حلااااا، أنا على أخري ، من كلمة زيادة... يالااااا.
إحقاقاً للحق لقد إرتعبت حلا و تحركت معه دون كلمة واحدة.
إلى أن دخل بسيارته من مدخل البيت الكبير ، كانت تنظر للمكان بشرود تام تتذكر يوم دلفت لهنا مع دعاء صديقتها و مازلت جملة دعاء تتردد في أذنها "يا خسارة الحرس مش هنا يبقى غانم بيه مش هنا"
إلتفت تنظر له و سألت : هو أنا جايه هنا أعمل أيه ؟
توقف بالسيارة و دلف بها للداخل عنوة و هي تردد : مش جايه معاك ، و رد عليا .
سحبها بنفاذ صبر يردد: يالا يا حلا .
حلا : لأ يعني لأ ، مش هتحرك غير لما أعرف كل حاجه، أنا مش بقرة .
ليصدح صوت وفاء تردد بتنمر : مش بقرة أزاي بحجمك ده ؟
ثم نظرت لغانم تسأل: جرى إيه يا غانم يا حبيبي ،هو أنت يا كده يا كده ؟
نهرها غانم بحده: عمتتتتي.
فقالت حلا ببرود : لأ لأ سيبها .
تركت غانم و بدأت تقترب من وفاء مرددة : بتقولي ايه بقا يا ولية يا أم وش مثلث أنتي عشان ما سمعتش .
أتسعت عينا وفاء بصدمة و إحراج بينما كتم غانم ضحكته و حاول التحدث ببعض الجدية : حلااا، ما تنسيش دي عمتي.
فردت بإندفاع: عمى الدبب .
شهقت وفاء بصدمة: أيييه ؟ أنتي بتقولي إيه يا برميل السمنة أنتي ؟
فقدت حلا السيطرة على أعصابها و همت لكي تنهش لحم وفاء دون أي شفقة أو رحمه لكن غانم كان حاضر الذهن سريع البديهة و تحرك ناحيتها يحملها بين ذراعيه و هي تضرب بيديها و قدميها في الهواء من شدة عصبيتها .
حاول إسكاتها : أخرسي بقا.
حلا : أوعى كده نزلني ، سيبني عليها ... إيه ده؟ أنت واخدني فين ؟
سألت و هي تراه يدلف بها لغرفة نومه و يغلق الباب مردداً: لأوضة نومي يا روحي
أنزلها أراضاً و هي مرتعبة تصرخ فيه : أسمع أما أقولك ...
تقدم يطقع كلامها بقبلة سريعة خفيفة ، يتقدم خطوة و هي تعود للخلف تحاول التحدث بتقطع : لو فاكر إني...
فقاطعها بقبلة سريعة جديدة و هي تبتعد تعود للخلف تكمل : هسكت تاني تبقى غلط....
قاطعها نهائياً بعدما ضمها له و نفذ صبره و قوة إحتماله أو تماسكه أمامها ...
↚
تقدم منها يعصرها بين يديه ، يقسم ألا يفلتها إلا بعدما يفرغ فيها كل شوقه و لوعته .
اتسعت عيناها برعب تام و صرخت فيه : ابعد عني ، قسماً بالله المرة دي بموتك.
فهتف بحرارة بجوار أذنها لاهثاً: مانا بردو هموت و أعمل كده .
و أستمر في تقبيله لوجنتيها و سائر وجهها ينزل بشفتيه على طول عنقها .
و هي مستمرة في الرفض تحاول إبعاده عنها مرددة بصعوبة: غانم ، سيبني يا غانم .
هز رأسه المدفون في عنقها و هو يردد : مش قادر، أنا عايزك دلوقتي.
كلمته شقت قلبها نصفين فصرخت فيه: أبعد عني يا غانم.
أبعدته بحدة و هو وقف مبهوت يسمعها تصرخ بقهر: أنا مش رخيصة.
صدمته بكلمتها و صوتها المشروخ الذي قطع نياط قلبه هو الآخر ، فأستطاعت وقتها أن تدفعه بكل قوتها ليبتعد فقط خطوات .
وهز ينظر لجسدها المرتجف ، أشفق عليها كثيراً و قرر التنازل عن عقابه لها أو التلاعب معها لتتأدب عما بدر منها .
حاول أن يشير إليها بيديه كي تهدأ ثم قال: أهدي ، أنا مش بعمل حاجة غلط و أنتي مش رخيصة ، ده حقي.
فتحدثت من بين أسنانها بشراسة: كسر حقك ،انت فاكر الناس عبيد عندك و لو على الورق إلي مديتهولك روح أرفع عليا قضية بيه.
كانت تتحدث بهياج تام جعله يقلق عليها و تحدث يحاول تهدئتها : أهدي يا حلا خلينا نتكلم.
لم تهتم او تبالي بحديثه و قالت: خرجني من هنا .
أخذ نفس عميق يسب من بين أنفاسه الغاضبه ثم قال: و بعدين بقا يا حبيبتي ، مش خلاص بقا كبرنا على الحاجات دي ؟ و لا هترجعي زي زمان و كل الي على لسانك عايزه أمشي عايزه أمشي.
كتفت زراعيها حول صدرها و قالت بعناد : طبعي بقا و لا هشتريه ، و انت عارف الطبع بيطلع بعد طلوع الروح .
تقدم منها يتنهد بحب مردداً: بعد الشر عليكي يا حبيبتي ، و ما تستهزقيش بكلامي ، بس هو مابقاش ينفع لأن إحنا خلاص بقينا متجوزين .
رفعت عينها المتسعة بصدمة ، تنظر له ببهوت تسأل دون حديث فقال و هو يهز رأسه: أيوه يا حبيبتي ، فاكرة العقود إلي مضيتك عليها.
هزت رأسها إيجاباً فأكمل : دي كانت عقود الجواز ، و بعدها روحت لأمك عرفتها و كتبت الكتاب هناك كمان.
حلا ببهوت : إزاي و من غيري ؟
فجاوب بهدوء: مامتك أتصلت بقريبكم إلي من القاهرة حتى بالأمارة هو إلي جاب لكم الشقه إلي سكنتوا فيها مش كده ؟
حلا: أيوه.
غانم : أهو ده ، مامتك كلمته و قالت إن ده إلي متبقي من عيلة إبوكي ، فطلبته و كان وليك و جبنا المأذون و كتبنا الكتاب و الناس كلها فى المنطقة عندكوا عارفة انك مراتي.
فهتفت بجنون : نععم ؟ يعني العيال في الشارع عارفين إني مراتك و أنا بذات نفسي مش عارفة ؟
هز رأسه إيجاباً و هو يبتسم بإستفزاز فصرخت بقهر: يا مستفز يا باااااارد.
تقدم منها و هو يتصنع الحزن مردداً: تؤ تؤ تؤ يا حلا ، في حد يشتم جوزو ؟ مش كده عيب ؟
زادت حدة حديثها و رددت بعصبية: جوزو ؟
غانم : أيوه يا حبيبتي ، مانا جوزك و جوازنا صحيح مية بالمية .
دفعته بغيظ في صدره ثم قالت: ده بعينك ، الجواز باطل ، لازم العروسة توافق الأول .
غمز لها غانم بعينه عابثاً ثم قال: ما أمك وافقت مكانك.
إلتفت له حلا تقول بعصبية: هي أم العروسه دلوقتي بقت بتوافق بدل العروسة ؟ و أصلا مستحيل ماما تكون عملت كده
غانم: إزاي بس ،طب ده حتى هي إلي قالت لي أنتي أد إيه بتحبيني ، و أد إيه كنتي بتعيطي كل ليلة في أوضتك بعد ما مشيتي من عندي .
بهت وجه حلا و رددت : هاه؟؟
هز رأسه من جديد مؤكداً: بالظبط ، ماما فضحتك .
اقترب منها يستغل صدمتها و ضمها له من جديد ثم بدأ يداعب خصلات شعرها و هو يملي عينه بسحر ملامحها يردد بوله : ماكنتش أعرف أنك بتحبيني اوي كده زي ما بحبك.
رفعت أنظارها مبهوتة و قد كشف أمرها له فقال : ليه مستخسرة فيا تبلي ريقي بأي كلمة حلوة ، ده انا هموت عليكي .
صمتت و عجز لسانها عن البوح في حضرته و قربه المهلك منها فقال هو : ده انا بحبك يا حلا ، و الله بحبك قوي.
أنكمشت على نفسها تردد : إنت راجل متجوز.
أبتسم لها ثم قال: ده اللي مانعك يعني تقوليها ؟
نظرت أرضاً ثم قالت: أنا فاهمه أنت تقصد أيه ؟
عادت تنظر له بسخط ثم قالت: بس يا غانم بيه إحنا قلبنا مش بأيدينا و لا مشاعرنا ، يعني لو كان قصدك على قربي منك طول فترة شغلي في بيتك ، لكن أنا ولا مره جيت قولت لك إني بحبك حتى لما أنت قولت لي كده .
جذبها يقربها إليه بعنف و ردد : أنا مش بيه ،انا جوزك ، أفهمي بقا .
نظرت له بأنفاس مضطربة فحاول أن يهدأ في طريقته لكن لم يفلح و قال : و أنا مش بلومك على حاجه ، و الفترة إلي بتتكلمي عنها دي من أحلى أيام حياتي.
ترك يدها بغضب و سحب نفس عميق بينما بقيت هي تدلك في يدها متأوهه .
نظر له و قال : أنا و سلوى اتطلقنا ، و أنتي دلوقتي مراتي و فرحنا بعد أسبوع ، هتفضلي في البيت هنا لحد الفرح و بعدها هنروح على بيتي التاني سواء عبجك او مش عاجبك إنتي خلاص بقيتي مراتي.
أملى عليها أوامره و خرج من الغرفة نهائياً و هي جلست على طرف الفراش مده طويلة صامته تنظر على الباب الذي خرج منه و أغلقه خلفه تحاول فقط الإستيعاب.
لم تشعر كم من الوقت مر عليها و هي شاردة تماماً حتى أستمعت لصوت جلبة قادمة من أسفل.
إلتقى حاجبيها و هي تزمهما مستغربة تسأل بقلق: الصوت ده انا عارفاه كويس.
انتفضت من فوق الفراش كمن لدغها عقرب و هي تصرخ : أمي ... ده صوت ماما .
خرجت من غرفتها سريعاً تهبط الدرج بتعجل حتى اتضحت لها الرؤية.
و فطنت سبب العراك ، فقد وقفت وفاء مقابل والدتها و هي تشيح لها بكلتها ذراعيها في الهواء مرددة: إزاي تيجي كده من غير ميعاد ؟ هو دخول بيت غانم بيه الكبير بالساهل كده ؟أنتي فاكرة نفسك فين ؟
فردت عليها سميحة بصوت سهتان به الكثير من الكيد : فاكرة نفسي في بيت بنتي يا حبيبتي.
أبتسمت جلا بظفر بينما هتفت وفاء: نعم ؟ ده إنتي بجحة بقا .
سميحة: لمي لسانك يا ست أنتي ، أنا لحد دلوقتي مش عايزه أغلط فيكي لاجل خاطر جوز بنتي بس.
زاد إشتعال وفاء ، سميحة تحشر كلمة بيت ابنتها و زوج إبنتها حشراً في كل جملة بعدما علمت أنها تضايق نظيرتها و تشعل غيظها .
و بالفعل هتفت وفاء و هي ترغب بنهش لحم سميحة: و أيه إلي جايبك هنا ، مش كفاية بنتك الي فضلت تتدحلب لابن أخويا لحد ما جابت رجله ، جايه إنتي كمان عايزه تركبي على الليلة عشان ينوبك من الحب جانب ؟
تصنعت سميحة الازدراء و قالت : إيه ده إيه ده ؟ إزاي بنت غانم بيه الكبير بتقول كده ؟ لأ مش معقول ، مش تنفقي ملافظك يا ست إنتي ، و تعملي حساب أن بنتي البريئة دي ممكن تسمعك و تلقط منك كلمة كده و لا كده ؟
نظرت وفاء خلفها لترى حلا التي تبتسم لها بتشفي فرحلت و هي تسب و تلعن الدقيقة التي دخلت عليهم البيت .
بينما تقدمت حلا من سميحة التي بصقت خلف وفاء تقول : أعوذ بالله ؟ إيه الست دي ؟ عمتو الحرباية أوي.
إلتفت سميحة ثم ابتسمت لابنتها التي أصبحت أمامها فانشرح صدرها و فتحت لها أحضانها تردد : مبروك يا أحلى عروسة.
لم تتقدم حلا لأحضان أمها المفتوحة بل رفعت لها حاجبها الأيمن و بقت تناظرها بصمت ، فحمحمت سميحة تردد : أحمم، أنا ماقولتش حاجة ، هو إلي جرجرني في الكلام.
فقالت حلا من بين أسنانها : تقومي تقولي كده ؟ يقول عليا إيه ؟ واقعة ؟ إنتي أمي أنتي ؟
حمحمت سميحة و هي تشعر بتهور تصرفها فقالت بلهفة : ده انا عشان أمك عملت كده ؟ عريس لقطة و بنتي بتموت فيه ارفضه؟ أطيره يعني من أيدي ؟
فهتفت حلا بغيظ : لأ ما تطيريهوش بس ما تقري على كل حاجه كده ؟ أمال فين كيد الستات ؟ ده أنتي من شوية كنتي هتجيبي لعمته ذبحة صدرية بردودك ؟
هزت سميحة رأسها بغيظ تردد : هو إلي خبيث و مش سهل ، فضل يلعب عليا بالكلام ، قال إيه خايف لا يكون الجواز باطل عشان مش موافقة و مش عارف إيه خلى الكلام يتدردب من لساني و قولت كل حاجة ... زي ما يكون جاي و ف نيته يقررني و يعرف كل حاجه.
زمت حلا شفتيها بضيق تردد : و أهو عرف ياختي.
سميحة: أعملي حسابك أنا قاعدة معاكي لحد الفرح ،اه ، و هبات معاكي في نفس الأوضة ، الواد ده ما يتضمنش ... تعالي بقا وريني أوضتك فين ؟
مشت معها حلا و هي لا تعرف لأي غرفها تقودها هل لغرفتها القديمة حين كانت تعمل هنا خادمة أم لغرفة غانم بالطابق العلوي ؟
_________________
جلس على أحد الكراسي الخشبيه و لأمامه منضدة صغيرة ، يدون فيها و يراجع أرقام الحسابات.
فقد بدأ بتدارك أخطائه الفادحة ، لم يكن عليه أن يعطي كل هذه الثقة لأي شخص مهما بلغت صفته عنده ، فماذا جنى من ثقته في جميل غير الكذب و التدليس و الخيانة .
شرد يفكر بغيظ في كل تلك السنوات التي مرأت و جميل لجواره يخدعه و يسمم أذنه باشياء غير حقيقية تجاه أشخاص كثيرون.
يحقد على والده و يعشق والدته سراً بل و يسرقه و هو كالأبله تمرؤ عليه في كل مره .
و ما يثير غيظه أنه بكل مره كان يستخدم حيل واهية للهرب مما فعل و هو كالأبله يصدقها بكل مرة.
و لم يكلف خاطرة ولو لمرة عن طريق الصدفة حتى لأن يبحث خلف القصة .
تنهد وهو يردد : على رأيك يا جدي المال السايب يعلم السرقة.
إلتف حوله منتبهاً و هو يرى أسطول سيارات صلاح عيسى يشق التراب الناعم فيصنع عاصفة ترابية خلفه.
و ترجل صلاح بعصبية شديدة من سيارته بينما تململ غانم في جلسته يردد : يا فتاح يا عليم ، أصطبحنا على الصبح بقا .
وقف أمامه صلاح يقول : سمعتك على فكره .
وقف غانم بعند و رد بنديه : أنا قاصد على فكره ، خير بقا ، عايز ايه.
زم صلاح شفتيه بضيق و ظل ينظر بكل اتجاه متأفافاً ثم قال بغيظ شديد : للأسف بعد ما فضلت أدور وسط كل الناس الكتير الي حواليا و إلي كلهم بيحبوني مالقتش نفسي غير رجلي جيباني لعندك يا زبالة.
غانم : عايز ايه يعني؟
حمحم صلاح ثم قال: هو أنت صحيح اتجوزت ؟
رفع غانم إحدى حاجبيه و قال: ده أنت مراقبني بقا .
تلفت صلاح حوله ثم أقترب من غانم و سأل: عملتها إزاي دي ؟
غانم: هي إيه إلي عملتها إزاي؟
تنهد صلاح بحيرة و ضيق فجعد غانم ما بين حاجبيه و سأل بصدق : مالك ياد فيك إيه كده ؟
رفع صلاح رأسه له يقول: أنا ممكن أستلف منك المدام .
إحتد عليه غانم و هتف: أنت اتجننت ما تلم نفسك .
تدارك صلاح الموقف و قال : أنا أقصد.. إن يعني... عايزها تيجي تتكلم مع مراتي بما إن سنهم زي بعض يمكن هي تعرف تفهمها و تفهمني أعمل ايه ؟
أتسعت عينا غانم و سأل بصدمة : مراتك مين ؟ هو مش أنت مطلق من سنة و أزيد ؟!
هز صلاح رأسه مؤيداً فسأل غانم: أمال مراتك مين اللي بتتكلم عنها؟ و كمان من سن حلا ؟ و بعدين حلا هتفهم منها إيه ؟ و إيه إلي أنت محتاج تفهمه .
أربتك صلاح ، كان يشعر بالحرج ، لطالما تربى على أن البوح بالمشاعر ليس من شيم الرجال.
فحسه غانم على الحديث مردداً: ما تقول يا أبني في ايه ؟
تنهد صلاح و قال : دي قصة طويلة أوي ، طلاقي من مراتي قصة و جوازتي ب"ريم" قصة تانيه أكبر و أنا دلوقتي الوقت مش في صالحي و كمان أمها جت البيت و بعتت تجيب كل قرايبنا.
غانم: إيه ؟ ايه كل ده هي في إيه ؟
سحب صلاح نفس عميق مثقل بالهموم ثم بدأ يسرد عليه تفاصيل قصته و غانم يستمع متعجباً.
إلى أن انتهى و غانم مصدوم يردد : كل ده ؟ و بعدين ليه كدة أشمعنى مراتك الأولانية كنت كريم معاها للدرجة دي و مع الجديدة منتهى الأنانية إلي في الدنيا !
( أحداث قصة صلاح و ريم ضمن أحداث رواية جوري و ثلاث نجوم تقدروا تبقوا تقروها)
نظر صلاح أرضاً لا يسعه البوح ففطن غانم الإجابة من قلة الحيلة البادية على ملامح صلاح فتنهد بتعب ثم ربط على كتف صلاح مردداً: طب أهدى ، أهدى و كل حاجه ليها حل.
________________
عاد في المساء و صعد لغرفته مثقل بالهموم خصوصاً كلما تذكر مأساة صاحبه.... أبتسم و هو يناديه في سره بذلك اللقب فهو و بعد كل ما حدث حينما فتش حوله لم يجد لديه صاحب غيره كما حدث مع صلاح بالضبط و جاء لعنده يشكيه همه .
دلف لغرفته يفتح الباب مبتسماً و هو يعد نفسه بأن ينعمها بأحضان حبيبته طوال الليل.
لكن بهت وجهه و صدم و هو يرى الفراش خالي تماماً كأنه لم يمس.
برم المنزل كله و لم يجدها حتى قاده عقله لأن من الممكن تلك غبية قد ذهبت لغرفتها القديمة.
فذهب و قد كان كما توقع.
دلف للداخل و هو يتنهد بتعب شديد و عزم على النوم لجوارها .
لكن صدم و أتسعت عيناه و هو يدرك أن لا هذا ما لم يتوقعه ، فوالدتها كانت تنام لجوارها على السرير .
أحمر وجهه من الغضب ، هذا ما لم يحسب له حساب حين دعاها للإقامة عندهم حتى موعد الفرح.
فخرج من الغرفه كلها و هو يسب و يلعن لسانه و عقله الذان أشارا عليه بتلك الفكرة الغبية.
و ذهب لغرفتة بعصبية شديدة يحاول النوم و لم يستطع.
بعد مرور فترة طويلة جداً كانت طوالها حلا مشغولة في ترتيب بيت أحلامه و لكن على ذوقها و كذلك العرس
إلى أن أنتهى كل شيء و كان يوم العرس.
أرتدت حلا فستان يصلح لأميرة أنيقة ، طلتها كانت ناعمة بها لمسة شرقية فتنته كمثل اليوم الذي رأها فيها و أحتضنها من ظهرها.
طوال الحفل كان مبتسم و طيف تلك اللحظة يكتنفه حتى الآن فقد كانت أول شرارة و هو لا يعلم حتى باتت الآن بين يديه زوجته .
وقفت لجواره بجمال ساحر مشرف ، تصلح لأن تكن زوجة غانم صفوان ، تستقبل معه التهاني من الأهل والأصدقاء.
و بداخلها غصه حاولت مدارتها لكن لم تخفى على غانم الذي مال على أذنها يسأل : إيه يا حبيبي مالك ؟
أسبلت جفناها تجاهد تلك الدمعة الحارقة و جاوبت بصوت متحشرج : مالي؟ مش شايف ... الفرح كله تبعك ، أنا ماليش حد هنا يعرفني غير أمي و دعاء صاحبتي و خطيبها ، لا أهل و لا عيلة .
ضمها له و وضع أصابعه أسفل ذقنها يرغمها على أن ترفع وجهه له لينشرح صدره من جمال ملامحها ثم يقول: حبيبتي أنا كل أهلك و عيلتك مش كده و لا أيه و بعدين احنا أن شاء الله هنعمل عيلة كبيرة أوي.
نظرت له و كأنها تذكرت شئ مهم على ما يبدو قد نسته تماماً و سألت بقلق: تفتكر ؟
لم يسعفه الوقت أو المكان لتدارك ما بدر لذهنها من قلق فقد إلتف مرحباً بصديقه صلاح و...
نظر لجواره لتلك الفتاة الجميلة التي تمشي على إستحياء و كأنها لم تود أو ترغب في القدوم معه .
فقال لحلا : دي شكلها كده مرات صلاح إلي حكيت لك عنها .
نظرت حلا حيث ينظر غانم لتنسى قليلاً ما تفكر به و قد أقلقها و هي تنظر لتلك الجميلة ذات العيون الزرقاء ، جعدت ما بين حاجبيها بضيق ، تلك الفتاة على ما يبدو مجبرة غير مرتاحة.
نظرت لغانم و قالت: البت شكلها مش مرتاحة قول لصاحبك يعتقها لوجه الله.
همس لها غانم : مش وقته دلوقتي ، تعالي نسلم عليهم.
و أخيراً أنتهى الحفل و ذهبا لبيت الأحلام بعدما ترك غانم البيت لعمته ربما تشبع و عادت سميحة لحيها القديم
دلف للداخل يفتح الباب مردداً: برجلك اليمين يا زبدتي .
تقدمت بتوجس تردد : مين دي اللي زبدتك؟
بدأ بخلع معطفه يلقيه أرضا بعشوائية ، ثم يفكك رابطة عنقه و هو يردد : أنت يا سمن بلدي يا زبده فلاحي .
اتسعت عيناها برعب و هي تردد: أنت هتعمل إيه يخربيتك ؟
غانم: هعمل إلي نفسي أعمله من يوم ما شوفتك في المطبخ ، فاكرة يا زبدتي .
صرخت برعب و هي تراه يتقدم لعندها: لأ مش فاكره.
هجم عليها بغباء يردد : يبقى أفكرك .
صرخت مجدداً برعب و هي تراه قد تجرد من ثيابه و بقى بملابسه الداخلية يركض خلفها كمن يركض خلف الفروج تردد : لأ مش عايزه أفتكر ، يا خرااااباااااااي ..
↚
في ظهر اليوم التالي
تململت في الفراش تتمطأ ثم تتثائب بخمول و هي تبتسم براحة تفتح عيناها رويداً رويداً.
و ما أن فتحت عيناها حتى أغلقتهما مجدداً و ارتمت على الفراش تتصنع النوم.
فهتف بشر : شوفتك صحيتي و فتحتي عينك كمان .
أضطرت لأن تفتح عيناها مجدداً و تردد بتوتر : صباح الخير.
فردد بضيق شديد: كان المفروض نقول صباحية مباركة بس إزاي و أنا عروستي طول الليل مرعوبة مني كأني هولاكو .
أبتلعت لعابها بتوتر و قالت بتأتأه و تقطع : ماهو.. ماهو أنت بردو الي قلعت مرة واحدة ، و بعدين كنت بتجري ورايا كأنك بتجري ورا فرخة ، و كمان.. كمان إنت.. أنا يعني.. ماهو.. أصل أنا أول مره أشوفك كده و أنت خضيتني و.
زم شفتيه يسب نفسه على غباءه ، لكن ماذا يفعل فلقد تمالك نفسه بصعوبة كل تلك الأشهر التي مرت و هي زوجته قبل العرس علاوة على الفترة التي قضتها أثناء عملها في بيته و هو يعشقها .
و ما أن أعلنا الزواج حتى ترك اللجام لرغبته أن تتحرر فأخافها و ها هي الآن تنتفض مرتعبة منه .
سحب نفس عميق لا يعرف كيف يتصرف الآن معها .
وضع يده على خده كمن سُكب طبخها و قال : و الحل ؟
أبتلعت لعابها من جديد و قالت بترقب : أنت تديني وقتي .
ملامح وجهه تنم عن أنه لا يستصيغ الفكرة بتاتاً ، فأنكمشت حول نفسها و أكملت: و ما تقربش مني تاني و النبي.
أغمض عيناه بصدمة ، حلا في أقصى درجات الرعب منه ، على ما يبدو أنه غبي متهور و قد أخافها .
مد يده يحاول تهدئتها فأنكشمت أكثر و أكثر على نفسها فقال و هو يربط على كتفها: مش هعمل حاجه و الله ، ده انا عايز أتبططب عليكي.
رفعت عيناها تنظر له بترقب الصدق فابتسم لها ثم قال: إيه رأيك نقوم نعمل فطار مع بعض ؟
و أخيراً أبتسمت له تهز رأسها موافقة فقال : طب يالا أسبقيني .
أزاحت الغطاء عنها لتنكشف منامتها الشتويه الواسعة ذو الخامة الثقيلة جداً فسأل مستنكراً: حبيبتي... الشتا خلص خلاص...هو أنتي سقعانة أوي كده ؟
حلا : لأ.. أه.. أه
فهم عليها فقال : طب يالا على المطبخ.
وثبت سريعاً من على الفراش و مرت أمامه تعطيه نظرة مطولة مفسرة لجسدها الغض الممتلئ.
فردد بعويل : يا نهار أسود ، يا رب أعرف أمسك نفسي.
مر الفطور بسلام و غانم يحاول منحها الفرصة بعد هجومه عليها بالأمس.
لكن الفرصة طالت و اليوم تعدى لأربع .
كانت تجلس بجواره على الأريكة تحاول الإندماج مع الفيلم و هي تلاحظ نظراته عليها فتتهرب منها .
لكنها لم تستطع أن تكمل و تلاقت عيناها بعينه فسألت : في حاجه ؟
ذم شفتيه و قال : لا يا حبيبي و لا حاجة.
قام عن مقعده و جلس بجوارها يلتصق بها ثم سأل: حلا حبيبتي ، أحممم، أنا شايف قمصان نوم كتير حلوة اوي جوا ، مش بتلبسي منهم ليه دول عجبوني أوي مش هما ذوقك بردو .
نظرت له و هي على وشك البكاء و قالت : لا يا أخويا ، أخاف ألبسهم فتتغرغر بيا .
رمش بأهدابه : أخوكي ؟! أه ما ليكي حق .
صمت ينظر لنفس المنامة التشويه التي تعتمدها منذ أول يوم زواج ثم قال: طب و الترننج ده إيه هيفضل ثابت معانا ؟
حلا : ايوه... أصله.. أصله بيريحني
غانم: ولا عشان ده أوسع ترنج عندك.
وقفت تحاول الهرب من الإجابة و دلفت لغرفتهم فذهب خلفها فقالت : أنا هدخل أخد دش.
أبتسم بإتساع يحاول أخذ أي فرصة مردداً: أجي معاكي بقا .
هزت رأسها سريعاً و هرولت ناحية المرحاض ، هم ليدخل لكنها أسرعت بغلق الباب .
و إستشاط غضباً و هو يسمع صوت غلق قفل الباب من الداخل .
مسح على وجهه بضيق شديد ثم خرج من البيت نهائياً .
فخرجت حلا من المرحاض بعدما وصلها صوت صفق الباب من الخارج.
تقدمت من الشرفة المطلة على الشارع لتراه و هو يفتح باب سيارته بحزن ثم إستقلها و غادر.
تقدمت تجلس على الفراش بتوتر تضم يديها معاً بضيق تفكر بأنه قد طال صبره عليها كثيراً ، لا تعلم لما تخشى تلك الخطوة و هي تحبه ؟!
ربما عليها نسيان الخوف و التوتر ، و ما أن يعود و تراه تنظر له و لا تفكر سوى بأنها تحبه و أنه زوجها.
وقف في أرضه الممتدة على مدى النظر لا آخر لها يراقب العمال و هم يجمعون محصول المانجو من الأشجار .
ليبتسم بحنان و هو يتذكر عشقها الخاص جدا للمانجو و كم من مرة كان يراها في مطبخ بيته تأكلها على هيئة قطع ، أتسعت ابتسامته هو يتذكر ذلك اليوم حين أخبرها أن للمانجو أصول خاصة في التناول لكنها اخبرته أيضاً أن تلك هي طريقتها الخاصة التي تمتعها بالمانجو.
تنهد بتعب و قد قتله شوقه لها ، يهز رأسه بجنون فهي و بعدما صارت زوجته بات إقترابه منها في غاية الصعوبة ، قبلما تصبح زوجته كان قريب منها أكثر و الله.
إلتف لكي يغادر و ذهب ناحية سيارته ليجد سيارات صلاح عيسى تشق الطريق شقاً حتى توقف أمامه و ترجل منها .
ضحك غانم و هو يرى صلاح يترجل بسيارته بنفس الطريقة الدرامية ككل مرة و يقف من جديد أمامه بعصبية يردد : أنت ياض أنت واطي ليه ؟ مافيش فايدة فيك ؟
حاول غانم التوقف عن الضحك و هو يردد : و هو كان في فايدة فيك عشان يبقى في فايدة فيا ؟ كل مرة لازم تدخل عليا بدخلة الشبح دي ؟ ماخلصنا بقا و لا إيه يا عم الكاريزما ؟
أزاح صلاح نظارته من على عينه و قال : لا ما خلصناش ، و بعدين أهو أنا كده ، خلقتي كده، ربااني ، كاريزما ماشية على رجلين .
غمز له غانم بإحدى عينيه و ردد بعبث : و أما هو كده ، مش عارف تظبط ليه ؟
أرتبك صلاح في وقفته و حمحم مردداً: أحمم، تصدق أنا غلطان إني حكيت لواحد واطي زيك .
غانم:وماله ياعم مقبوله منك .
صلاح : يخربيت برودك يعني مش كفايه مالكش كلمة و بعد ما قولت لي مش هقدم على مزاد الأرض الجديده ألاقيك قدمت يا زبالة.
زم غانم شفتيه يدعي البراءة ثم قال: كده؟ و أنا إلي كنت ناوي أجيب المدام بتاعتي و نيجي عندك ل.. ل.... أنت قولت لي أسمها إيه ؟
تهلل وجه صلاح ونسى ما جاء لإجله و ردد بلهفة: ريم ... ريم مراتي... أسمها ريم .
رمش غانم بأهدابه غير مصدق لما يراه من صلاح الذي لطالما كان صلب جامد و شديد .
فردد ببهوت : أنا و حلا هنيجي نتعشى معاكم على أساس إنك عازمنا عندك بعد الجواز و كده و حلا تحاول تتكلم معاها إيه رأيك ياسيدي .
كاد صلاح أن يقفز من الفرحة ، تحول لطفل صغير ، لم يكن قادر على أن يتحكم في فرحته و الأمل الذي دب في جسده القشعريرة .
فهناك أمل أن يصبح أحدهم في صفه ، فبقصته مع ريم كل الأشخاص ضده حتى أقرب الأقربين و الظروف أيضاً حتى ريم نفسها.
بدأ يتحدث بسعاده و إمتنان واضح : أنا .. أنا مش عارف أشكرك أزاي .. بجد مش عارف... أنا... أنا بص.. أنا هسيب لك المزاد ده.. لأ و مش بس كده... ده أنا هظبطهولك عشان تاخده لوحدك و بص ...
كان يتحدث سريعاً بلهفة و فرحة رجل لأول مرة يشعر بما يسمونه الحب .
و غانم مشفق عليه كثيراً و قد ذاق لوعته ، حاول الإقتراب منه يمسك يديه التي كان يشيح بهما في الهواء وهو يعبر من فرط سعادته .
و قال غانم بينما يقبض على عضديه : أهدى ، أهدى بس يا صلاح، أنا مش عايز منك حاجه ،انا بعمل كده عربون صحوبية مابينا ،انا لسه ما نسيتش إلي عملته معايا .
صمت صلاح يبتسم لغانم الذي أبتسم هو الأخر يقول: و عشان أنا حاسس بيك و جربت كل ده قبل كده.
هز صلاح رأسه متفهماً ممتن في نفس الوقت و قال برجاء: هستناكوا.. اوعوا تتأخروا ، مابقاش وقت و أمها عايزها تاخدها و هي مسافره .
غانم : أهدى ، إن شاء الله خير.... أنا و حلا هنبقى عندك بالليل.
غادر صلاح سريعاً لسيارته لكنه إلتف لغانم يقول : على فكرة أنا حفرت لجميل قبره إلي هينزله برجله قريب أوي مسألة وقت مش أكتر .
أبتسم غانم بتشفي بينما قاد صلاح سيارته عائداً للبيت و هو سعيد، سيذهب ليخبر ريم أن تتجهز لأن لديهم ضيوف ، إنها حجة رائعة كي يدخل غرفتها يتأمل جمالها الذي حرمته عليه والدته و والدتها ، لأول مرة يتفقا على شىء كان هو .. فقد اتفقا عليه.
(قصة صلاح عيسى و ريم ضمن أحداث رواية جوري و ثلاث نجوم و الرواية مش هتنزل على فيبسوك أو واتباد ده للعلم فقط)
كانت تجلس على الأريكة تفرك أصابعها ببعض تفكر في حل لمشكلتها ، عليها أن تتغلب على خوفها إن رغبت في إسعاد نفسها و إسعاد زوجها .
شعرت بصوت فتح الباب... زمت شفتيها بحرج ، لقد زادت في الأمر و تمادت ، بالتأكيد رجل گ كل الرجال و قد نفذ صبره خصوصاً و أنه قد صبر عليها كثيراً.
طوال كل الفترة التي مدت و هما متزوجان و هو مراعي حنون ، متفهم لأقصى حد و قد ترك لها فرصتها تماماً كما طلبت رغم أن الأمر لم يسلم من بعض التحرش ، ليس بعض ، بل غانم متحرش طوال الوقت.
كانت تتطلع لوجهه متوقعه أمارات العبوس عليه ، لكن... رمشت بأهدابها و أنشرح صدرها و هي تراه يحمل في يديه علبة كبيرة من الكارتون تظهر منها حبات المانجو الصفراء .
أتسعت عيناها فرحة و سال لعابها ما أن أبصرت المانجو أمامها.... و زادت فرحتها أضعاف و هي تجده على عكس ما توقعت أو فكرت .
فقد أقترب منها و هو يبتسم مردداً: المانجا يا مانجا.
أنهى كلامه بغمزة عابثة ، إنشرح صدرها ورفعت عيناها له تردد : أنا مانجا ؟
غانم : أيوه ملقوظة و مسكرة زيك و كل الناس بيحبوها .
أنكمشت على نفسها بخجل لا يخلو من السعادة بسبب غزله الممتاز بنكهة خاصة عليها بصمة غانم صفوان .
وضع يده أسفل عنقها و قربها منه يقبل رأسها مردداً: يالا بقا غيري عشان خارجين.
حلا : بجد ؟ فين؟
غانم : صاحبي إلي حكيت لك عنه ، صلاح عيسى ، فكراه .
شردت متذكرة اول يوم رأته حينما كانت مجرد خادمة عند غانم و يوم حضر للحفل هو و تلك الفتاة التي لم تنسى ملامحها المميزة حتى الآن.
و قالت: أيوه فكراه ، بس هنروح ليه ؟
غانم : هقولك بس و إحنا في الطريق ،أنتي دلوقتي تقومي تلبسي عشان مافيش وقت ، أوكي ؟
أبتسمت له و وقفت منصاعة لطلباته لكن توقفت في منتصف الصاله و إلتفت له تقول: غانم .
غانم: يا عيون غانم.
ضحكت بميوعة و قالت: شكراً على المانجا .
إلتهب وجهه و قال بنفاذ صبر : يا صبر ايوووب ، روحي من قدامي يا حلا بدل ما افترسك .. روحي.
هرولت بسرعه لغرفتهما تغلق الباب كي تبدل ملابسها ثواني و صرخت بأسمه : غااانم .
دلف لعندها سريعاً يسأل برعب : إيه في إيه ؟
نظرت لإنعكاس صورتها في المرأة حيث كتفها و تلك العلامة الزرقاء عليه من جديد فرددت بخوف: بص تاني .. تاني ... لا أنت بيتك فيه حاجه ، أنا مش بيحصل لي كده غير لما ببقى في بيتك .
حاول تهدئتها قليلاً و هو يشير لها بيديه أن تهدأ ثم قال: أهدي بس علامة إيه ؟ في ايه ؟
أشارت له على كتفها و هي تردد : سلام قولا من رب رحيم ، حابس حابس ، لااأ و الله أكيد في حاجه.
وقف لثواني ينظر عليها و يراقبها بصمت إلي أن انفجر ضاحكاً عليها يملئ الغرفة بقهقهاته مما زاد من سخطها و هتفت بعصبية : أنت بتضحك على إلي أنا فيه... لأ أنا لازم أروح لشيخ أو زار .. ايوه أنا أعمل زار .
غانم : ههههه ... حي.
حلا: و كمان بتتريق عليا.. ده بدل ما تولع لي حتتين فحم و تجيبلي شوية بخور.. أوعى كده من سكتي.. اوعى.
حاولت الخروج من الغرفة لكنه شملها بذراعية يحتضنها يحبت محاولتها في الإفلات منه و هو مازال يقهقه مردداً: فحم إيه إلي اجيبه عشان البخور ، المفروض نجيب فحم لقعدة مزاج حلوة ده إحنا لسه عرسان ، بس هقول إيه بقا و أنا عروستي قاطعه عليا نور و ماية .
رفعت وجهها تحاول تغيير الموضوع مرددة : بقولك في بتاعة في كتفي ،انا خايفه أوي... مش أول مره تطلع لي ، كانت بتطلع لي لما كنت بشتغل في بيتك.
عض شفته السفلى و قال : عشان أنا إلي كنت بعملها و مانجتي .
أتسعت عيناها بصدمة و هو هز رأسه مؤكداً فسألت: إزاي ؟
أبتسم بوقاحة و مال على أذنها يهمس لها بما كان يفعله و قد كرره ليلة أمس و هو يتقلب على الفراش كأنه الجمر بينما هي غافية و لا تبالي بحرقته و لوعه .
أحمر وجهها و شهقت بصدمة تنظر له بإتهام واضح فهز رأسه يردد : حصل.
بدأت تضرب فيه مرددة: أه يا سافل ، بتستغفلني ، أطلع برا ... برا .
كانت تدفعه للخلف كي يخرج و هو يردد مدافعاً عن نفسه: إيه بس دي حاجة حلوة أوي و لذيذة أوي أوي.
أغلقت الباب في وجهه و هي تصرخ: يا قليل الأدب.
وقفت أمام المرآة ترى علامة الملكية خاصته المصكوكة على كتفها و هي تسمع صوته بالخارخ مازال يضحك فتبتسم بخجل ثم بدأت تبدل ملابسها.
في المساء.
كانت تجلس في سيارة غانم و هم في طريقهم للعودة للخان من جديد.
عادت برأسها للخلف تشاهد الضواحي و ملامح جمال الخان الهادئ و هي تفكر بقصتها و قصة ريم الصعبة التي جمعتها بصلاح عيسى و ظروفهما الشبه مستحيلة .
تتذكر كيف كانت قصتها أيضاً هي و غانم مستحيلة و كيف هدى الله طريقهما كي يصبحا زوج و زوجة ولا يوجد ما يقف في طريقهما سوى خوفها و رهبتها التي يجب أن تتغلب عليها.
تتذكر أيضاً ملامح صلاح المتعبة بسبب إستحالة نجاح حبه ... تفكر... أنها هي و غانم قد مرا بتلك الفترة .
لم تنسى أيضاً كم من مر عليهما من وقت وهما زوجان لكنه مراعي ما طلبته ، تحمل و لم يتذمر.
و كثيراً ما فكرت أنه قد يثور.. قد يخرج غضبه فيه .. أو يلمح لأنه قد سأم دلالها .
لكنه لم يفعل.. و إن فعل في مرة فقد كانت مداعبة من زوج متحرش لا أكثر.
ضحكت بصوت أسترعى أنتباه غانم الذي يقود بتركيز و هي تتذكر محاولاته للتحرش بها حتى بعد الزواج و التي كانت تبوء بالفشل ليس لأنها قوية بل لأنه هو من كان يتركها غير مرحب بالضغط عليها منصاع لطلبها الذي طلبته صباح زفافهما .
نظر لها غانم مستفهماً فهزت رأسها تردد : ولا حاجة.
هز رأسه مبستماً و توقف بالسيارة فقالت: إيه ؟
نظر لها باستنكار يقول: إيه وصلنا للبيت .. هننزل.
نظرت له بدلال و قالت : لأ أنا هدخل الأول .
صمتت تشير ناحية شرفة غرفة النوم ثم قالت له: لما أنور لك النور مرتين ورا بعض تدخل.
غمز لها ضاحكاً و قال : سيم يعني ؟
حلا : أمم .. سيم .
غانم : إحنا ولا إلي بيتاجروا في الممنوع.. بس ماشي ، أنا راضي بأي حاجة.
غمزت له هي الأخرى لأول مرة فصفق بيديه يردد : الله ، الصلى على النبي ، لا بقيت خطر و يتخاف منك .
ضحكت عالياً ثم ترجلت من السيارة و دلفت للبيت .
و ظل غانم بالسيارة و قد طال إنتظاره و هو يجلس على مقعده يفرك مردداً: تكونش نوت تفرج عني ، لأ لأ مانا أخاف أتعشم و تطلع عاملة لي عشا رومانسي بس ... ده أنا يجيلي فيها سكته قلبية.. لأ بس إحنا اتعشينا عند صلاح و مراته .. مراته إيه بقا ماهو متبهدل زيي ، كلنا في الهوا سوا.. هي أتأخرت كده ليه.. الله.. النور نور.
قفز من سيارته سريعاً و دلف لعندها بعدما أضيئ نور الغرفة لمرتان كما أخبرته .
فتح الباب ليجدها تقف خلف منه ترتدي قميص بلون العناب تنظر للأرض بخجل و هي تردد : أنا بقول كفايه كده.
أقترب منها يردد بلهفة: و أنا كمان بقول كده من بدري.. عناب.. احنا ليلتنا عنابي إن شاء الله.
نظرت له و قالت : غانم.. بلاش قلة أدبك دي انا ما صدقت شجعت نفسي بقا و مكسوفة أصلا و أنا....
قاطعها بعدها حملها على يديه يردد: أسكتي شوية بقا .
صرخت و هي تشعر بنفسها قد طارت في الهواء ثم أستقرت على ذراعين قويتين تردد: انت بتعمل ايه.
دلف بها للغرفة ثم وضعها على الفراش و هو يردد: سيبونا ناخد فرصتنا بقااااا .
تعمد أسلوب الضحك و الهزار معها بالبداية كي ينسيها خوفها منه ثم اذابها معه بقبلاته التي القتهم في بحر محموم أمواجه عالية لم تهدأ إلا مع خيوط النهار.
فمع شعاع شمس اليوم الجديد كان غانم و حلا مازال مستيقظان ،هي تنام على صدره و هو يضمها إليه يداعب خصلات شعرها مردداً: فاكرة لما كنتي بتصرخي في وشي و تقولي لي أنا مش رخيييصة هههههه.
ضحكت هي الأخرى حينما تذكرت و هو أكمل ضاحكاً: و لا فاكرة لما رقعتيني علقة في الأوضة ههههه .
غمرت رأسها في عنقه و هي تضحك و هو يسرد عليها كل لتفاصيلهما البائسة و التي تحولت الآن إلي ذكريات جميلة مضحكة ربما سيسردوها مستقبلاً على أطفالهم.
بعد مرور سنة
كان يجلس بمقدمة أحد الأراضي الزراعية التابعة له يتابع العمال و هم يبذرون الأرض تارة و ينظر في دفاتر الحاسبات التي بين يديه تارة أخرى حتى دلفت سياره صلاح من بعيد .
لكن ليست ككل مرة بعاصفة تربية بل بكل هدوء حتى توقف أمامه يترجل من سيارته بتبختر و وجهه مشرق سعيد .
أقترب من صديقه في خيلاء و غانم يتابعه و هو يكتم ضحكاته .
أزاح صلاح نظارته الشمسية من على عيناه ثم ألقاها بترفع و كبر على طاولة غانم الذي يراقب كل ذلك ضاحكاً بينما قال صلاح بشموخ و رواق : بنجور .
ضحك غانم وردد ساخراً: الله يرحم، أمال فين عاصفة الصحراء و الداخلة الأكشن إلي كنت بتدخلها عليا .
زم صلاح شفتيه بكبر و كأنه طفل يعاند طفل مثله ثم تحدث بغرور : علمونا في المدرسة ما نردش على الناس النوتي .
ضحك غانم بإندهاش يردد : نوتي ؟! مالك ياض فيك إيه كده ، أنت من ساعة ما ربنا سهلك و أنت ماحدش عارف يلمك .
رفع صلاح رأسه عالياً و أكمل : ولسه هنحرف أكتر و أكتر .
لم يلبس أن ردد بحماس و جنون : ده الواحد طلع فايته حاجات كتير يا جدع .
لم يستطع غانم الصمت أو تمالك نفسه من الضحك فعلت قهقهاته حتى أثارت أنتباه المزارعين.
فقال صلاح بترفع شديد جداً : وطي صوتك يا حيوان فرجت علينا الناس.
زادت ضحكات غانم من طريقة صلاح الذي تغير تماماً منذ تغيرت حياته بأن تبدلت الظروف أبتسمت له الدنيا مع "ريم" .
تعصب صلاح قليلاً فالتقت نظارته من على الطاولة و وضعه على عينه من جديد و هو يردد : أنا غلطان إني جيت لك عشان أقولك إني جبت جميل أرض أرض .
إلتف كي يغادر لكن أستوقفه غانم يردد بلهفة :بجد ؟ إزاي ؟ و إيه إلي حصل ؟
إلتف صلاح و ردد ببساطة: شوف أنا بقالي سنة بحاول أوقعه و ماعرفتش ، أصله مش سهل بردو ، و لا فيش حاجة وقعته غير طمعه .
غانم : أزاي ؟
صلاح : مضى على نفسه بشيكات كتير في صفقة بطاطس و في شرط جزائي.. رقم يخض .
غانم: طب و جبته أرض أرض إزاي ؟
أستنكر صلاح غباء غانم و ردد ببساطة: فصلت الكهربا عن تلاجات المخازن .. بسيطة.
أتسعت عينا غانم بصدمة فيما أكمل صلاح: أنا مش واجع قلبي غير العمال الغلابة الي كانوا فاتحين بيوتهم من الشغل عنده ، عشان كده أنت ملزم بنصهم توفر لهم شغل عندك أو عند معارفك و أنا هتكفل بالباقي.
هز غانم رأسه موافقاً ثم قال: طب و جميل فين ؟ عايز أقابله دلوقتي.
تنهد صلاح و قال بيأس : عشان تتشفى فيه ؟ سيب الراجل في حاله دماغه أتلحست من خسارة الفلوس ،كان مهووس بيها و دلوقتي محجوز في مستشفى العباسية و إبنه الواطي سافر هجرة و سابه ، سيب الراجل في حاله و كفياك نبش في إلي فات ... سلام.
غادر صلاح بتمايل يقود سيارته و هو يدندن أحدى الاغنيات الرومانسية الرائجة .
جلس غانم على كرسيه و كلمة صديقه تتردد في أذنه يفكر أنه ربما عليه بالفعل عدم النبش في الماضي .
و ما أن بدأ يرجح الفكرة حتى ظهرت عمته أمامه تردد بهياج : أنت كنت عارف إن راضي هيتجوز ؟
أعتدل غانم في جلسته وسحب نفس عميق ثم قال: ازيك يا عمتي.
وفاء: رد عليا ، كنت عارف... شكلك مش متفاجئ .. يبقى كنت عارف .
غانم : أمال كنتي فاكرة ايه ؟ هيفضل عايش على ذكراكي؟ ده بطل و الله أنه ساكت علينا و حاطت جزمة في بوقة و مامشيش في الخان يحكي عن عملتك معاه .
بهت وجه وفاء و قالت : أنت بتعايرني يا غانم ؟ بتقول كده لعمتك؟ و بالطريقة دي
تنهد غانم و قال: روحي يا عمتي على البيت ، أهو أنا سيبتهولك كله مش كفاية؟ روحي و أهدي و سيبك من كل ده و فكري إزاي هترجعي عيالك لحضنك تاني راضي خلاص شاف حياته حقه بصراحة.
سكت أسنانها بقوة و ألتفت كي تغادر لكنها لن تذهب إلا بعدما تدمي جروحه هو الآخر مثلما فعل معها فقالت: مش تبقى تروح تبارك لسلوى.
مسح على وجهه بنفاذ صبر و قال: و أنا مالي بيها ، الله يسهل لها .
وفاء : بقول يعني واجب بردو تبارك لها على سبوع عيالها.
إلى هنا و أزاح غانم يده من على عينيه ينظر لها بصدمة فأبتسمت متشفية ثم أكملت : مش خلفت توأم من جوزها الجديد، إزاي مش عارف ده ابوها مالي الخان زينه و كهارب و عازم الناس كلها ، معقول نسي يعزمك... ألا صحيح هي مراتك العجلة دي مش حامل ، ما تروح تكشف شوفوا العيب من مين ؟ لا يكون منك ، شكله منك .. ماهي سلوى أتجوزت و بيقولوا متهنية في جوازتها و خلفت كمان و ربك عوضها .. يا خسارة ده تلاقي مراتك أول ما تسمع الخبر هتسيبك ، واطية و تعملها .
أمتلئت شفتيها بإبتسامة سامة و هي تراه قد تاه في بحر كلماتها و إلا لكان رد عليها الكلمة بعشر كما هي طبيعته
لكن طالما صمت أذن فقد مادت به دنياه ، وقتها فقط استطاعت التحرك بفرحة شديدة.
تخطت الساعة الثانية بعد منتصف الليل و هو للأن لم يعد.
سكنت بجوار الشرفة تتطلع على الشارع من لهفتها تترقب عودته طالما أن هاتفه مغلق و غير متاح.
يشرد عقلها في كل الاتجاهات تفكر أين ذهب و لما تأخر لحد هذا الوقت .. لأول مره يفعلها ، حتى و هي خادمة في بيته لم يصدف أن رأته يعود متأخر هكذا.
تهلل وجهها فرحة و هي أخيراً تبصره يعود و لكن مترجلاً .... لم يعد بسيارته.
خافت كثيراً و أرتعدت أوصلها ثم هرولت تفتح الباب تستقبله فاتحة ذراعيها بقلق تردد: كنت فين ؟ أنا كنت هموت من القلق عليك ؟
زاد رعبها عليه و هي تراه يرتمي في أحضانه بخضوع تام و قد تملك منه اليأس و القلق فهتفت برعب بينما تشدد من ضمه لأحضانها : مالك يا غانم ؟ ايه عامل فيك كده .
فرد بقهر : سلوى ولدت يا حلا .
هنا توقف بها الزمن و تحولت من انثى تفيض بالحنان لتحتوي شريكها إلى لبوة شرسة غيورة و نفضته من أحضانه فبهت وجهه و لم تبالي بل صرخت فيه : و هو ده اللي عامل فيك كده ؟ ايه ماكنتش عايزها تخلف من حد غيرك ؟ كان نفسك ترجعلك ؟
صرخت بأخر كلماتها بشر منقطع النظير جعل عيناه تتسع ، ثواني و ضحك يجذبها لأحضانه عنوة و هي تتمنع بغضب شديد لكنها ارغمها و أدخلها لحضنه يردد: بتغيري عليا يا حلا ؟
فردت بغيظ ساخرة: لأ طبعاً و أنا هغير عليك ليه ؟ كنت جوزي مثلاً ؟!
سحب نفس عميق ثم قال: أنتي مش فاهمه حاجه و مش عايزه تديني فرصة افهمك ، أنا بموت كل يوم، كل ما أفتكر رنا بنت عمك و إلي شاركت في إنه يحصل لها ، سلوى لما كانت مراتي كان مش بيكمل لها حمل و لما أتجوزت غيري خلفت و توأم كمان ، كأن ربنا بيراضيها و بيعوضها عن السنين اللي عاشتها معايا ... عارفة ده معناه إيه ؟ معناه إني ذنب .. أنا كلي على بعضي ذنب و البعد عني غنيمة..
رفع عيناه ينظر لها و قال : أنا خايف تسبيني يا حلا .
صمتت بتيه لا تفتن رد و هو فهم ذلك فقال بعجز تام: أنا... أنا مش عارف أكفر عن ذنبي إزاي.. لما بفتكر رنا .. كانت بنت شابة و الدنيا لسه فاتحه لها دراعتها جيت أنا بكلمة مني سوقتها للموت و خليت عيلتك تفلس و بفضيحة.. حتى لو إنتي سامحتيني أنتي و أمك لسه ربنا مش مسامح ... أنا.... أنا روحت لكذا حد أسأل أزاي أكفر عن ذنبي و كذا أقترح كذا حاجه... أقرب حاجه للصح كانت إني أتكفل بكذا غارمة إلي مسجونين عشان الديون و هما مش قادرين و أنا فعلاً بعمل كده بس لسه ربنا مش مسامحني... روحت النهاردة لشيخ الجامع لما ضاقت بيا الدنيا .
أبتلعت لعابها بتوتر و سالت بلهفة واضحة : و قالك ايه ؟
رد بتعب: قال لازم أصبر و أرضى بقضاء الله عشان ربنا يرضيني و أستمر في عمل الخير ما أقطعوش.. أنا و الله مستمر و عملت ميزانية للغارمات خلاص.
نظر لها برجاء يردد : أوعي تسبيني يا حلا أنا مش هينفع أخسرك . . مش هقدر و الله.
ضمته لأحضانها و هي تغمض عيناها تمتنع عن البوح بكل مخاوفها لكنها تقسم أنها لن تتركه .
غفى الوقت المتبقي من الليل في أحضانها ة بالصباح أسيقظ على صوتها تردد : غانم .. أصحى يالا
فتح عيناه ليجدها متجهزة تماماً للخروج فسأل: أنتي خارجه .
صححت له قائلة : خارجين ... إحنا لازم نرجع نروح للدكتور نشوف في ايه و ناخد برو بالاسباب و لا أيه؟
هز رأسه موافقاً و ذهبا للطبيب الذي أخبرهم أن كل منهما أموره الصحية جيدة جداً و أن الأمر كله بيد الله و يجب أن يتحلى بالصبر و ألا يقنطا من رحمة الله.
بعد مرور عام و نصف.
في حديقة المنزل الصغير المطلة على البحر جلس غانم مع صديقه صلاح و زوجة كل منهما حول حلقة لشواء اللحم.
و عين غانم تراقب ذلك اللص الصغير الذي يحاول التلصص لتلك العربة وردية اللون و قد نجح بالفعل لكن لحقه صوت غانم يصرخ : صلااااح .. أبعد إبنك عن بنتي و إلا مش هيحصل خير.
فقهقه صلاح على إبنه و ما يفعل ثم قال : ما تسيب الواد يلعب يا غانم الله.
ثم غمز لأبنه مردداً: اللعب ياد و لا يهمك
فهتف ابن صلاح بفرحه : الله دي بتضحكلي.
أغتاظ غانم مردداً: بتضحك لك إزاي يعني هي لسه صغيرة مش بتضحك.
فأقسم الصبي يردد: و الله بتضحك لي
تقدم غانم و حلا عند أبنتهما ليروها بالفعل تضحك لأول مرة في مهدها فنظرا للصبي بغيرة و شر ثم نظروا لبعض و قال غانم لحلا : دي ضحكت له قبلنا
حلا: يبقى نطردهم .
غانم : صح .
حلا: و لا بلاش نبقا قللات الذوق هما ما عملوش حاجة ابنهم إلي عمل.
حلا : صح .
حاول غانم مدارات غيرته على ابنته حتى رحل صلاح و أسرته و هو دلف للبيت مع حلا و أبنتهم يتفرد بدفئ عائلته الصغيرة بعد عناء طويل .
تمت بحمدلله