رواية قطة في عرين الاسد كاملة جميع الفصول بقلم مني سلامة
رواية قطة في عرين الاسد كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة مني سلامة في رواية قطة في عرين الاسد حيث تختبئ أسرار الحنين وتتشابك الأحلام تبدأ حكاية حب لا تعرف للزمن حدودًا. قصة لقاء قد يبدو عابرًا، لكنه يحمل في طياته وعدا بمشاعر عميقة وتحديات تفيض بالعواطف إنها رحلة تجمع بين الفرح والألم الأمل والخيبة حيث تتأرجح القلوب بين شوق اللقاء وصعوبة الفراق هنا تتداخل أرواح تبحث عن النصف الآخر في صراع بين الحلم والواقع ويظل السؤال هل يكفي الحب وحده ليصمد أمام رياح القدر
رواية قطة في عرين الاسد كاملة جميع الفصول
- صباح الخير يا "مريم"
رفعت "مريم" رأسها ونظرت الى صديقتها قائله :
- صباح الخير يا "مى"
أخذت الفتاة مكانها على المكتب الآخر الموجود فى الغرفة .. و التى كانت تضم ثلاث مكاتب .. عادت "مريم" الى مطالعة حاسوبها .. نظرت "مى" الى المكتب الفارغ وقالت :
- هى الهانم لسه مشرفتش
- تؤ
قالت "مي" بحدة :
- كالعادة عادتها ولا هتشتريها
قالت "مريم" بهدوء دون أن ترفع عينها عن حاسوبها :
- ملناش دعوة .. كل واحد حر فى نفسه
قالت "مى" بحدة أكثر :
- اشمعنى احنا نلتزم بمواعيدنا .. والهانم لازم كل يوم تتأخر .. أنا هبلغ أستاذ "عماد" باللى بيحصل ده
رفعت "مريم" عينيها لتنظر الى صديقتها قائله :
- ملناش دعوة يا "مي" .. لو أستاذ "عماد" سأل نبقى نقوله .. لكن طالما ما سألش عليها خلاص بلاش نعمل معاها مشاكل بدون داعى .. انتى عارفاها
قالت "مى" بغيظ :
- ما هو عشان عارفاها .. أوف مش عارفه ليه مينقلوهاش مكتب تانى ويريحونا منها
قالت "مريم" ببساطة :
- حاولى متحتكيش بيها وخلاص .. وبعدين سبيني أركز بأه عشان عندى شغل كتير
قالت "مى" وهى تبدأ فى تشغيل حاسوبها :
- شغاله على دعاية شركة دييبس ؟
- أها
- ربنا معاكى شغلهم صعب وصاحب الشركة مبيعجبهوش العجب بيعدل كتير
رفعت "مريم" ناظريها قائله :
- اشتغلتى معاهم قبل كدة
- أيوة من كذا سنة كنت ماسكه الحملة الدعائية بتاعتهم .. كانوا متعبين بجد
عادت "مريم" تنظر الى حاسبها وتمتمت :
- لحد دلوقتى ما قابلنيش مشاكل معاهم
- يارب دايماً
بعد نصف ساعة .. دخلت الى المكتب فتاة تصبغ وجهها بمكياج صارخ .. حتى سار وجهها وكأنه لوحه متداخلة الألوان .. وحجاب صغير جدا لا يكاد يغطى شعيراتها الثائرة من الأمام .. فتدخل يديها لتحاول عبثاً اخفاء تلك الخصلات .. دخلت ودون أن تلقى التحية توجهت الى المكتب الثالث وجلست عليه وبدأت فى تشغيل حاسوبها .. ثم أخرجت من حقيبتها مرآة وأخذت تتأكد من تمام زينتها ثم قامت وتوجهت الى الخارج .. تابعتها "مى" بعينيها وما كادت تخرج حتى هتفت قائله :
- شوفتى المولد اللى "سهى" عملاه فى وشها .. ده لو مش عشان حرام فعلى الأقل من باب ان مفيش واحدة تحط كمية الميك دى على الصبح .. شغل فلح صحيح
قالت "مريم" بنفاذ صبره ونظرة محذرة :
- "مى" بطلى تجيبي فى سيرتها .. هى حرة تعمل اللى تعمله .. لينا اننا ننصحها وبس لكن مش نتكلم عنها كده
قالت "مى"بغيظ :
- يعني عجبك منظرها
قالت فوراً :
- لأ طبعا مش عاجبنى .. بس بدل ما أنا وانتى نتكلم عنها فى غيابها .. الأحسن اننا ننصحها براحه أهو ناخد فيها ثواب .. ونتجنب احنا اننا ناخد سيئات عشان شوية نميمة
هتفت "مى" قائله :
- ما احنا ياما نصحناها ومفيش فايدة مبتحترمش نفسها أبداً .. واهى دلوقتى تلاقيها داخله عند أستاذ "أشرف" وهاتك يا تسبيل
قالت "مريم" بغضب :
- "مى" بجد كفاية لو سمحتى
قالت "مى" تحاول تهدئتها :
- خلاص متضايقيش مش هتكلم عنها تانى
عادت "مريم" الى عملها وهى تحاول تناسى غضبها من "مى"
فى المكتب المجاور وقفت "سهى" أمام مكتب الأستاذ "أشرف" قائله بإبتسامه :
- حقيقي بجد مش عارفه أشكرك ازاى يا أستاذ "أشرف" .. لولاك مكنتش عرفت أخلص الشغل ده كله لوحدى
قال "أشرف" مبتسماً :
- ولا يهمك يا آنسه "سهى" .. احنا زمايل وواجبنا اننا نساعد بعض
ازدادت ابتسامتها اتساعاً ونظرات عينيها جرئه قائله :
- بصراحة مش عارفة أودى جمايلك عليا فين .. من ساعة ما اشتغلت هنا وانت بتساعدنى ومرفضتليش أى طلب أبداً ... حقيقي انت انسان ذوق أوى
ابتسم لمجاملتها قائلاً :
- متشكر يا آنسه "سهى"
قالت وهى تغادر :
- لو احتجت منى حاجه فى أى وقت عرفني وأنا عنيا لحضرتك
أومأ برأسها .. خرجت من المكتب وعادت الى مكتبها تحمل بعض الأوراق وابتسامتها على شفتيها ..راقبتها "مى" بغيظ .. فإنتبهت "سهى" لنظراتها فقالت لها بحده :
- ايه مالك بتبصيلي كدة ليه .. لو عايزة صورة عرفينى وأنا أجبلك بدل ما انتى عماله تاخدلى صورة 4 فى 6 من ساعة ما دخلت
قالت "مى" بسخرية :
- وأنا هحتاج صور جنابك فى ايه ان شاء الله .. تكونيش حد مهم وأنا معرفش
قالت "سهى" بمياعه :
- آه حد مهم ومهم أوى كمان
قالت "مى" ساخرة :
- والله .. تصورى مكنتش أعرف
نظرت اليهما "مريم" قائله بغضب :
- هو انتوا مش هتبطلوا بأه .. مش عارفه أركز فى الشغل .. لو سمحتوا كل واحدة تبص فى جهازها وتشتغل .. ده مكان شغل مش مكان نتساير فيه
التزمت الفتاتان الصمت وعادتا الى عملهما وكل منهما ترمق الأخرى بنظرات حنق .. عادت "مريم" الى عملها تضرب بأصابعها النحيلة فوق لوحة المفاتيح .. حانت منها التفاته الى تلك الدبلة الذهبية التى تزين أصابع يدها اليمنى .. أخذت تتحسسها بأصابعها لحظات .. ثم عادت الى اكمال عملها .
**************************
من أهم محافظات صعيد مصر .. محافظة قنــا .. تلك المحافظة التى تتميز بموقع جغرافى رائع .. حيث تحدها شمالاً محافظة سوهاج .. وجنوباً محافظة الأقصر.. وشرقا محافظة البحر الأحمر .. وغربا محافظة الوادي الجديد .. تضم تلك المحافظة 11 مدينة .. أهمها مدينة نجع حمادى التى تُعرف بالصعيد الجوانى .. والتى تتميز بزراعة قصب السكر وبوجود العديد من مصانع الألومنيوم .. وتتميز بذلك المناخ الإقليمي الحار الذى يؤثر فى طباع أهلها .. تتشابه عادات أهل الصعيد مع عادات أهل الجزيرة العربية من حيث التكوين القبلى أو العشائرى فينقسم الناس بها الى عدة قبائل وكل قبيلة تتميز بالتماسك والترابط فيما بينهم فلا يستطيع غريب التسلل بينهم .. يتميزون أيضاً بغيرتهم الشديدة على كل ما يخص القبيلة ومصالحها .. توجد واحدة من كبرى القبائل ويطلق عليها قبيلة "تميــم" ..(اذا تشابه الإسم مع اسم قبيلة موجودة بالفعل فهو محض الصدفة) ..
توجد عائلتان من أكبر عائلات تلك القبيلة وهما عائلة "السمري" .. و عائلة "الهواري" .. كان بين العائلتان مصالح مشتركة كثيرة .. يشتركان معا فى العديد من الأعمال ويتميزان بسمعة و هيبة وسط أهل الصعيد .. عائلة "الهواري" .. كان كبيرها هو الحاج "سباعى" والذى يمثل رأس تلك العائله .. فى ذلك اليوم استيقظ "سباعى" من نومه ليترأس مائدة الطعام والتى وضع عليها ما لذ وطاب بدأ فى تناول الطعام ثم التفت الى ابنه الكبير "جمال" قائلاً :
- ايه أخبار المشكلة اللى كانت مع العمال يا "جمال"
قال "جمال" وهو يكمل طعامه بنهم :
- لا متجلجش يابوى حليناها ورضينا العمال .. مع انهم كانوا عايزين جطع رجابيهم
قال "سباعى" بحزم:
- اتعلم تسايس أمورك عشان المركب تمشى .. فى مواقف بتحتاج فيها الحزم وفى مواقف تانية بتعديها عشان مصلحتك
قال "جمال" بحنق :
- يعني شوية رجاله ميسووش يمشوا كلامهم علينا
قال "سباعى" بغضب
- الرجاله اللى بتقول عليهم ما يسووش هما من قبيلتك يا ولدى ولازم تطويهم تحت جناحك عشان قوتنا وعزتنا فى عددنا وعشان كده احنا من أكبر عائلات الصعيد كلياتها .. ولا عايزهم يجولوا عيلة "الهواري" مش عارفه تمشى شغلها زى باجى الخلج .. يعني هيا عيلة "السمري" أحسن منينا ولا ايه
قال "جمال" بسخرية :
- لا طبعا .. ده احنا نغلبهم بالعدد وبالنسب .. واحنا احسن منيهم مليون مرة .. وكل القبيلة عارفه اكده
- عفارم عليك ومادام اكده يبأه لازم الكل يتكلم عنا منيح وميجيبوش سيرتنا الا بالخير وعشان اكده رضينا العمال .. لكن مش معنا اكده اننا ضعاف .. لا .. اللى يتنمرد حدانا يا ويله منينا
صمت "سباعى" قليلاً ثم قال :
- أخبار المناجصة ايه .. لسه مفيش نتيجه
- لا يابوى أنى موصى ناس أكابر أول ما يعرفوا المناجصه رسيت على مين يبلغونا
ثم قال فى حبور :
- بس ما تجلجش واصل .. هترسى علينا يعني هترسى علينا .. مفيش حد حدانا يجدر يجدم مواصفات أحسن من اللى جدمناها .. متشيلش هم يابوى
قال "سباعى" وهى ينهض :
- ربنا يجدم اللى فيه الخير
************************
فى مكتب الأستاذ "عماد" صاحب ومدير شركة رؤية للدعاية والإعلان .. جلس أحد أصحاب الشركات وقال :
- بس يا أستاذ "عماد" احنا مش عايزين حملة عادية .. عايزين تغيير شامل فى كل شئ .. لوجو الشركة وبروشورز تعريف بنشاط الشركة تتوزع فى الشوارع وعلى الشركات الكبيرة .. ده غير البوسترات واعلانات أوت دور
قال "عماد" مبتسماً :
- ما تقلقش أبداً يا بشمهندس "خالد" .. احنا الدعاية عندنا على أعلى مستوى
قال "خالد" محذراً :
- مش عايز أى شغل يا أستاذ "عماد" .. لازم يبقى شغل من الآخر .. أنا مش مهم عندى الفلوس .. المهم النتيجة
طمأنه "عماد" قائلاً :
- متقلقش وهختارلك أحسن ديزاينر عندنا فى الشركة وهى اللى هتمسكلك الحملة
قال "خالد" مستغرباً :
- هى !
ابتسم "عماد" :
- أيوة .. ثوانى وهعرفك عليها
رفع سماعة الهاتف قائلاً :
- آنسة "صفاء" من فضلك ناديلى الآنسة "مريم"
- حاضر يا فندم
دخلت "صفاء" مكتب "مريم" قائله :
- "مريم" أستاذ "عماد" عايزك فى مكتبه
رفعت مريم رأسها قائله :
- متعرفيش عايزنى فى ايه؟
- لا مقاليش .. بس عنده عميل جديد
قامت مريم وعدلت هندامها .. وسارت الى مكتب أستاذ "عماد" وطرقت الباب بخفه ثم دخلت وتركته مفتوحاً خلفها .. توجهت الى المكتب قائله :
- أفندم يا أستاذ "عماد"
أشار "عماد" الى "خالد" قائلاً :
- البشمهندس "خالد" صاحب شركة مقاولات كبيرة .. وحابب يتعاون معانا عشان ننفذله حملة دعاية لشركته ونشاطها
قالت "مريم" بصوت خافت :
- أهلا بحضرتك
قال "خالد" بإقتضاب :
- أهلاً بيكي
نظر "عماد" الى "خالد" قائلاً :
- الآنسة "مريم" من أفضل الديزاينرز اللى فى شركتنا .. وأنا واثق ان شغلها هيعجبك
ثم التفت الى "مريم" قائلاً :
- يلا يا "مريم" عشان تتفقى مع البشمهندس "خالد" على تفاصيل الحملة
أومأت برأسها والتفتت الى "خالد" قائله :
- اتفضل معايا
توجهت "مريم" وخالد خلفها الى مكتبها .. تطلعت الفتاتان الى هذا الرجل الوسيم الأنيق الذى دخل الى مكتبهم .. قامت "سهى" على الفور بإخراج مرآتها تحت المكتب للتأكد من ضبط مكياجها .. جلست "مريم" على المكتب وقالت ل "خالد" :
- اتفضل
جلس "خالد" أمامها وهو يلقى نظرة على الفتاتان .. قالت "مريم" بروتينيه :
- حضرتك تحب تشرب ايه
قال "خالد" :
- قهوة سادة لو سمحتى
طلبت "مريم" له القهوة ثم قالت وهى تمسك بورقة وقلم :
- اتفضل حضرتك قولى طلباتك بخصوص الحملة الدعائية
استغرق الحديث بينهما قرابة النصف ساعة .. حتى قال "خالد" :
- وياريت اعلانات الأوت دور يكون فيها موديلز
قالت "مريم" بإقتضاب :
- آسفين يا بشمهندس .. مش بنستخدم صور الموديلز فى تصميماتنا
رفع "خالد" حاجبه بسخريه قائلاً :
- ازاى يعني .. كل الناس بتستخدم صور بنات فى الدعاية لشركتهم ومنتجاتهم
قال "مريم" بجديه :
- مش لازم نحط صور بنات على الإعلان عشان نجذب بيه انتباه الناس .. فى طرق تانية كتير أهمها شكل التصميم .. والكلام اللى مكتوب .. وحجم اليافته .. والألوان المستخدمه فى التصميم .. ونشاط الشركة نفسها وسمعتها فى السوق
أومأ برأسه وبدا غير مقتنعاً بكلامها .. وأخيراً نهض "خالد" للانصراف ومده يده اليها قائلاً:
- تمام يا آنسه "مريم" كده اتفقنا على كل التفاصيل ومنتظر الشغل يخلص خلال اسبوع زى ما اتفقنا
نظرت "مريم" الى يده الممدوده ثم نظرت اليه وقالت بجديه :
- آسفه مبسلمش .. حضرتك شرفتنا وان شاء الله خلال اسبوع كل التصاميم هتكون جاهزة .. وهعرضهم على حضرتك قبل التنفيذ
أعاد "خالد" يده ونظر اليها ساخراً ثم انصرف دون كلمه .. قالت "سهى" بعتاب :
- أحرجتى الراجل يا "مريم"
نظرت اليها "مريم" بجديه قائله :
- ما يتحرج وايه المشكلة
ثم عادت الى حاسبها لإكمال عملها
***************************
هتف "جمال" بغضب بالغ :
- يعني ايه المناجصة مرسيتش علينا .. يعني ايه الكلام ده
قال الرجل الواقف أمامه فى المكتب بتوتر :
- ده اللى حاصل يا "جمال" بيه .. خسرنا فى المناجصة
صاح بحنق :
- أمال رسيت على مين ؟
نظر اليه الرجل وبدا عليه الخوف ثم قال بإستسلام :
- على عيلة "السمري"
ضرب "جمال" على المكتب بكفيه وهب واقفاً وقال بغضب :
- عيلة "السمري" ؟ .. ازاى .. ازاى جدروا يجدموا عرض أحسن منينا .. ازاى
قال الرجل فى خوف :
- ماخبرش يا جمال "بيه" .. ده اللى حاصل
صرف الرجل الى عمله وجلس "جمال" يفكر وعلامات الغضب باديه على وجهه .. ثم هب واقفاً فجأة وذهب الى مكتب والده .. فتح الباب ووقف أمام والده قائلاً بغضب :
- شوفت يابوى .. عيلة "السمري" سرجوا المناجصة منينا
أسند "سباعى" ظهره الى المقعد قائلاً :
- ياولدى مفيش حاجة اسمها سرجوها منينا .. ده عرض وطلب واللى يجدم أحسن عرض هو اللى بيكسب المناجصة .. يعنى المنافسة شريفة
صاح "جمال" بحنق :
- المناجصة دى بتاعتنا .. احنا تعبنا ودفعنا دم جلبنا عشان ترسى علينا .. وفى الآخر ياخدوها ولاد "السمري" واحنا نطلع من المولد بلا حمص
قال "سباعى" فى غضب :
- انت دفعت رشوى يا "جمال" عشان المناجصة ترسى عيلنا
قال "جمالط بتوتر :
- ما اسمهاش رشوى يابوى .. دى .....
هب "سباعى" من مكانه قائلاً :
- لو قررتها تانى مرة يا "جمال" لا تلوم الا نفسك .. من امتى عيلة "الهوارى" ليها فى سكة الرشاوى .. على آخر الزمن يجي عيل زيك يفضحنا وسط القبيلة ويجولوا عيلة "الهوارى" ماتعرف تكسب الا بالرشاوى
قال "جمال" بإستسلام :
- آنى آسف يابوى ما عاد كررها
أشاح "سباعى" بيده قائلاً بضيق :
- يلا على مكتبك .. باعد عنى وشك عاد .. جبر يلمك
غادر "جمال" وهو يتأفف ويتلوى من الغضب
**************************
- ما تزوجيني يا ماما أوام يا ماما ده عريسي هياخدنى بالسلامة يا ماما
- الله الله .. واجفه تتزوجى أدام المرايه واحنا تحت ملبوخين تحت فى تحضير الوكل .. سيبي المراية اللى فى يدك عاد وانزلى شوفى النسوان تحت وساعديهم
قامت "صباح" ذات الاثنا والعشرين ربيعاً من فراشها وتركت المرأة قائله بضيق :
- ماشى يا اماى .. نازله دلوجيت
رمت الأم نظره محذره وهى تبتعد قائله :
- أما نشوف عاد
نزلت "صباح" لتساعد النساء فى تحضير الوليمة التى أعدها جدها كبير عائلة "السمري" من أجل فوزهم بالمناقصة .. تعالت ضحكات الرجال .. هتف "عبد الرحمن" كبير العائله بسعاده :
- الحمد لله والشكر ليك يارب .. فوزنا بالمناجصة اللى هتنجلنا ناجله تانية بعون الله
قال ابنه الأوسط "ياسين" بفرح :
- صح جولك يا بوى هتنجلنا ناجلة تانية .. وهيبقى اسم عيلة "السمري" هو الأول فى سوج الألومنيوم بعون الله
- الحمدلله .. الحمدلله يا ولدى .. ده فضل من عند ربك .. هو اللى بيعطى وهو اللى بيرزج
قال ابنه الآخر "عثمان" بشماته :
- نفسى أشوف دلوجيت وش "جمال" ابن "سباعي" زمانه جلبه جايد نار .. وبيتحسر على المناجصة
قال "عبد الرحمن" بنبرة صارمة :
- ايه اللى جاب السيرة دى دلوجيت يا "عثمان" .. احنا ولاد قبيلة واحدة .. وميصحش حدا فينا يشمت فى التانى .. اكده ولا مش اكده
قال "عثمان" يمتص غضب والده :
- اكده يابوى
- يلا جوموا شوفوا الوكل خلص ولا لسه عاد
كان "ياسين" و "عثمان" هما أحد أبناء "عبد الرحمن" الأربع .. "ياسين" فى العقد الرابع من العمر .. و "عثمان" فى أوائل العقد الثالث .. الإبن الأكبر "خيري" توفاه الله منذ زمن بعيد .. والابنه الصغرى "صباح" ذات الثانية والعشرين من العمر
التف الرجال حول طاولات الطعام وقد علقت الزينه .. وشرعوا فى تبادل المزاح وتجاذب أطراف الحديث .. ولم يخلو الأمر من اطلاق الأعيرة النارية فى الهواء تعبيراً عن فرحهم واحتفالهم
1
*****************************
فى أحد القاعات الكبرى فى احد فنادق القاهرة .. تم اعداد الحفل الذى يضم نخبة من رجال الأعمال فى مصر .. وكان على رأس الحضور محافظ القاهرة والذى توجه الى الميكروفون للإدلاء بكلمته قائلاً :
- بسم الله الرحمن الرحيم .. السادة الحضور .. يسعدنا انضمامكم معنا الليلة ونحن نحتفل ونكرم أربعة من أكبر رجال الأعمال فى مصر .. والذين كان لهم الفضل بعد الله عز وجل فى توفير آلاف فرص العمل للشباب المصري .. واستثمارهم لما يملكون من أموال فى بلدهم الحبيب مصر .. وكان لهذا أثر بالغ فى تنشيط الإقتصاد والصناعة المصرية وارتفاع أسهم البورصة .. واضفاء الثقة على الصناعة المصرية وجودتها .. ولذلك فأتشرف بنفسي بتقديم أوسمة الشكر من المحافظة الى هؤلاء الرجال الأربعة الذين تعاونوا معاً لخدمة بلدهم الحبيب مصر
صمت قليلاً ثم قال :
- الأستاذ "سامر فخرى"
تعالى تصفيق الحضور .. نهض من أحد مقاعد الصف الأول رجل وسيم الملامح ذو بشرة بيضاء وعينين عسليتين .. كان يتميز بوسامة لافتة .. تقدم وصعد الدرجات التى تفصله عن المنصة .. تقدم من المحافظ الذى سلم عليه وبجوار احدى الفتيات التى تحمل الوسام .. قدمت له الوسام مبتسمه فتسلمه منها وبادلها الابتسام .. ثم عاد مرة أخرى الى مقعده .. تحدث المحافظ مرة أخرى قائلاً :
- الأستاذ "حامد زيدان "
نهض من المقعد لمجاور ل "سامر" .. رجل يتميز بالوسامة وله نظارت خبيثة واثقة .. صعد المنصة وسلم على الحافظ .. غمز بعينيه للفتاة التى تقدمت لتعطيه الوسام .. اقترب المحافظ مرة أخرى من الميكروفون قائلاً :
- الأستاذ "طارق عبد العزيز"
نهض "طارق" من مقعده كان رجلاً متوسط الطول هادئ الملامح .. سلم بدوره على المحافظ واستلم وسامه .. قال المحافظ:
- وأخيراً وليس آخراً الأستاذ "مراد خيري"
نهض من المقعد الرابع رجل فارع الطول ذو ملامح رجولية صارمة ونظرة حادة كنظرة الصقر تقدم ليتسلم وسامه هو الآخر
بعد انتهاء الحفل تعالت القاعة بالأصوات .. حيث كانت هذه من المرات القليلة التى يجتمع فيها كل هذا الكم من رجال الأعمال .. وقف الرجال الأربع ملتفين حولهم بعض المهنئين .. ثم انفض الحفل وخرج الرجال الأربع من القاعة وتوجهوا الى احدى الطاولات فى مطعم الفندق .. صاح "حامد" بمرح :
- عايزين بأه بالمناسبة الجميلة دى نعمل حاجه مطرقعة
ابتسم له "سامر" قائلاً :
- حاجه زى ايه ؟
- مش عارف فكروا معايا عايزين نشوف نفسنا شويه .. احنا اتطحنا شغل الشهور اللى فاتت عايزين ناخد بريك بأه ونطلع أى مكان
قال "طارق"مفكراً :
- طيب ايه رأيكوا فى رحلة سافارى
صاح "سامر" :
- سفارى ايه يا طارق .. بيقولك هلكانين شغل
- طيب عايزين ايه يعني
قال "سامر" بخبث :
- يعني عايزين حاجات طريه
صاح "طارق" قائلا :
- اااااه حاجات طريه قولتلى .. لا يا حبيبى مليش فيه
قال "حامد" بسخريه :
- والله انت هتنقطنى يا "طارق" .. المزز بتترمى حواليك يمين وشمال وتقولى ملكش فيه .. يا ابنى مترفصش النعمة لتزول
ضحك "طارق" بسدة قائلاً :
- طول عمرك بتاع تلت ورقات يا "حامد" .. وتحور فى الكلام عشان يبقى فى صالحك .. نعمة ايه يا ابنى الله يهديك .. روح انت و "سامر" واعملوا اللى انتوا عايزينه أنا مليش فى الجو ده
نظر "حامد" الى "مراد" قائلاً :
- ولا انت طبعاً ليك فى الكلام ده
نظر اليه "مراد" ولم يعقب فأكمل "حامد" :
- رجالة معقدة صحيح
قال "مراد" بجدية :
- انتوا مش هتتعشوا ولا ايه.. يلا انجزوا نطلب الأكل عشان راجع المكتب
قال "طارق" بدهشة :
- ليه راجع المكتب دلوقتى
قال "مرد" وهو يتفحص المنيو :
- عندى شغل
صاح "سامر" :
- يا ابنى حرام عليك متعبتش .. ده احنا طلعت عنينا الفترة اللى فاتت .. خد بريك مش كده
نظر اليها "مراد" بحده قائلاً :
- ولما احنا الأربعة ناخد بريك مين اللى يمشى الشغل ؟
قال "حامد" :
- يا "مراد" الدنيا فيها حاجات كتير أوى أهم من الشغل .. مش كله شغل يا ابنى .. وبعدين الجيش اللى احنا موظفينه عندنا ده بيقبضوا مرتبات على ايه .. مش عشان يشتغلوا واحنا نرتاح شوية
قال "مراد" بجدية وهو يعاود النظر الى المنيو :
- يلا انجزوا عايز أمشى
قال "سامر" بإستسلام :
- مفيش فايدة فيك
أثناء انهماكهم فى تناول الطعام قال "حامد" :
- آه صحيح يا شباب .. فى بنوته عايز أشغلها فى العلاقات العامة .. بنت شيك وجميلة وموزة وخريجة الجامعة الأمريكية .. يعني هتكون واجهة كويسة للشركة
قال "مراد" بهدوء :
- مفيش مشكلة نعملها انترفيو ولو مناسبة نشغلها
قال "حامد" ضاحكاً :
- انترفيو ايه يا "مراد" بقولك البنت موزه شكل وجسم تقولى انترفيو
قال "مرد" بصرامة موجهاً اليه نظرات نارية :
- احنا شركة محترمة يا "حامد" مش بيت دعارة .. يعني المؤهلات اللى تخلينا نشغل أى اوحدة عندنا ملهاش علاقة لا بشكلها ولا بجسمها
قال "حامد" بحنق وغضب مكبوت :
- مفيش مشكلة هشغلها عندى فى الشركة مع انى كنت حابب انها تشتغل فى شركتنا الجديدة اللى بينا احنا الأربعة .. بس مفيش مشكلة
قال "مراد" بهدوء :
- أنا ما قولتش مش هنشغلها أنا قولت هنعملها انترفيو ونشوف مؤهلاتها وخبرتها
قال "حامد"بضيق :
- خلاص يا "مراد" انسى
قال "طارق" مازحاً موجهاً حديثه الى "سامر" :
- ايه يا فنان قولنا ايه اخر أعمالك الفنية
ابتسم "سامر" قائلاً :
- خلال أيام هتشوفوا تحفتى الفنية الجديدة
قال "حامد" بمرح :
- اوعى تكون زى اللى فاتت .. مفهمتش منها أى حاجه أكنك جايب شوية ألوان وملغوص بيها ايدك وآعد تطبع على اللوحة زى العيال الصغيرين
قال "سامر" بحده :
- وانت ايه يفهمك انت فى الفن والرسم الراقى .. انت اخرك السهرات الحمرا بتاعتك
قال "حامد" بسخريه :
- وسهراتك انت ايه ؟ .. خضرا
قال "طارق" مبتسماً :
- اللى يشوفكوا بتتكلموا مع بعض مايقولش رجال أعمال .. يقول شوية أطفال فى الحضانة
قال له "حامد" ساخراً :
- خلينالك انت العقل انت وسى "مراد" .. اهو اتنين طاقين واتنين عاقلين عشان يبقى فى توازن
3
****************************
بعد انتهاء الوليمة التى أقامتها عائلة "السمري" احتفالاً بنجاحهم .. وقبل أن يوشك "عبد الرحمن" على النوم توجه الى ابنه "ياسين" قائلاً :
- "ياسين" يا ولدى .. روح المخزن وطل طله على الشحنة بتاعة المناجصة اللى المفروض تتسلم بكرة ان شاء الله
قال "ياسين" فى تكاسل :
- آنى رجعت عليها ميت مرة يابوى .. واتاكدت من كل حاجه الكمية والجودة
قال الأب بحزم :
- اتاكد تانى وتالت ورابع .. المناجصة كبيرة ولازم كل شئ يمشئ مظبوط عشان سمعتنا فى السوج تكبر .. وميلاجوش لينا ولا غلطة
قال "ياسين" مستسلماً :
- أمرك يابوى .. هروح دلوجيت
توجه "ياسين" بسيارته الى المخازن التى تحتوى على شحنة الألومنيوم والتى من المفترض أن يتم ترحيلها فى الصباح الى الشركة التى قبلت عرضهم فى المناقصة .. أوقف سيارته وأوشك أن يفتح باب المخزن لكنه دُهش عندما وجد القفل مكسور .. فتح الباب ودخل .. سمع بعض الأصوات فى الخلف .. توجه الى حيث مصدر الصوت ليُصدم برجل ملثم يقوم بإسكاب البنزين الذى اخترقت رائحته أنف "ياسين" على الكونتينرز التى تحتوى على شحنة الألومنيوم .. حانت التفاته من الرجل الملثم الى "ياسين" .. وقف الرجلين فى مواجهة بعضهما البعض .. قال "ياسين" فى نفسه تباً لتلك العينين وهاذان الحاجبان الكثيفان .. لم يظهر سوى نصف وجه لكن تمكن من معرفته .. تباً لك يا رجل أتجرؤ على معاداة عائلة "السمري" .. ستكون الحرب اذن .. دار هذا الحديث الصامت قبل أن يلتفت "ياسين" ويهرول فى اتجاه باب المخزن .. حتى يتمكن من احضار الرجال للقبض على هذا الملثم الذى عرفه حق المعرفة .. لكن قبل أن يتوجه "ياسين" الى باب المخزن انطلقت رصاصة من مسدس كاتم للصوت لتستقر فى رأس "ياسين" ويسقط قتيلاً والدماء تنفجر من رأسه على أرض المخزن.
4
***********************
جلست "مريم" فى غرفة المعيشة فى بيتها المتواضع للغاية .. تشاهد التلفاز .. بعينين بدتا وكأنهما فى عالم آخر .. تنظر الى اشياء لا وجود لها .. بدت ساهمة هادئة .. متقوقعة على نفسها تحتضن قدميها بذراعيها وتستد بذقنها على ركبتيها .. عينيها على ساعة الحائط .. تنظر اليها كل خمس دقائق .. وكأنها على موعد هام .. موعد لا يمكن تفويته .. موعد أهم من اى شئ آخر فى حياتها .. بمجرد أن تحركت عقاب الساعة لتقترب من الثانية عشر .. حتى هبت واقفه .. وتمنت أن تتحرك بسرعة أكبر .. تباً لكِ أيتها العقارب .. لماذا تسيرين كالسلحفاه .. هيا أريدك أن تصلى بى الى موعدى .. موعدى الذى أنتظره بشوق ولهفة .. دقائق قليلة وأعلنت الساعة وصولها أخيراً الى الثانية عشر بعد منتصف الليل .. لاحت ابتسامة صغيرة على شفتيها .. توجهت الى غرفة نومها وأخرجت حقيبة من دولاب ملابسها .. جلست على السرير وفتحت الحقيبة الممتلئة بخطابات مغلقة .. وأخذت تبحث بسرعة ونهم عن الخطاب الذى يحمل رقم 53 .. ظلت تبحث عنه حتى وجدته قابعاً بين الخطابات والتى يحمل كل منها رقماً خاصاً به .. اتسعت ابتسامتها ولمعت عيناها وحضنته بين كفيها وكأنها وجدت كنز ثمين .. أسرعت بلهفة تفتح الخطاب وتقرأ ما به :
- حبيبتى "مريم" .. كيف حالك اليوم حبيبتى .. أأنتِ بخير .. أأنتِ مريضة ..أتشكين من شئ حبيبتى .. أتمنى أن تكونى بخير حال .. "مريم" .. حبيبتى .. معشوقتى .. سأطلب منكِ هذه المرة شيئاً .. وأعلم أنكِ ستنفذين طلبي .. أريدك أن تختارى احدى صديقاتك المقربات .. وتذهبين معها غداً فى نزهة نيلية على ظهر مركب .. وسط النيل .. أريدك أن تغمضى عيناك الجميلتين وتتمتعين بالهواء المنعش وهو يلفح وجهكِ الجميل .. أتذكرين كيف كانت نزهاتنا النيلية .. كيف كنتى تطيرين فرحاً باللعب فى الماء بيدك .. كنت تبدين كطفلة صغيرة مشاكسة وأنتِ تحاولين رش الماء على ملابسي .. أتذكر جيداً ضحكاتك الجميلة .. وسعادتك فى تلك اللحظات .. أريدك أن تقومى بتلك النزهة يا "مريم" .. استمتعى بوقتك حبيبتى .. أعلم أنكِ لا ترفضين لى طلباً وستمتثلين لما أطلبه منكِ .. حبيبتى الجميلة .. القريبة البعيدة .. حبيبك ماجد
أنهت قراءة الخطاب وضمته الى صدرها بشدة وأغمضت عيناها لتتساقط عبرة على الخطاب .. وتقول هامسه :- حاضر يا حبيبى .. حاضر.
↚
أنهت "مريم" قراءة الخطاب وضمته الى صدرها بشدة وأغمضت عيناها لتتساقط عبرة على الخطاب .. وتقول هامسه :
- حاضر يا حبيبى .. حاضر
طوت الخطاب وأعادته بداخل الظرف برفق ثم فتحت درج الكمودينو بجوار الفراش .. كان الدرج يحتوى على العديد من الخطابات .. ضمت اليهم الخطاب الذى بيدها وتوجهت الى فرشها وتدثرات بالغطاء .. ألقت نظرة حزينة على الفراش الآخر الخالى ثم أمسكت مصحفها وشرعت فى القراءة وعيناها تشعان حزناً وألماً .. بعد نصف ساعة أغلقت النور وأمسكت وسادتها وحضنتها وضمتها بشدة الى صدرها وأسندت عليها رأسها وأغلقت عينيها بعدما رددت أذكار النوم
************************
أنهى "مراد" عمله بالشركة ونظر الى ساعته ليجدها الثانية بعد منتصف الليل .. حمل الجاكت وارتداه ثم خرج من الشركة وتوجه بسيارته الى احدى الفلل الأنيقة فى أحد الأحياء الراقية .. دخل الفيلا وما كاد يصعد أول درجة من السلم الداخلى حتى سمع صوت من خلفه قائلاً :
- كل ده تأخير يا "مراد"
التفت "مراد" الى المرأة التى تبدو فى العقد السادس من العمر .. أنيقة .. تبدو علامات الطيبة جلية على وجهها .. أخذت تنظر اليه بعتاب فإقترب منها وقبل يدها قائلاً :
- أنا آسف يا أمى كان عندى شغل كتير
قالت بعتاب :
- وقافل موبايلك ليه .. ومبتردش على تليفون الشركة ليه
قال شارحاً :
- الموبايل فصل شحن والشاحن كان فى العربية كنت مشغول جدا فمعرفتش أنزل أجيبه وفصلت تليفون الشركة عشان أعرف أشتغل براحتى بدون ازعاج
ثالت محذره :
- اياك تعمل كده مرة تانية .. أنا كنت هموت من قلقلى عليك وكنت هكلم "أحمد" ابن خالتك يدور عليك
قال "مراد" بضيق :
- هو انا عيل صغير يا أمى عشان تكلمى حد يدور عليا
قالت "ناهد" بحزم :
- كلمة واحدة معدتش تعمل كده تانى وتقطع كل وسايل الاتصال بيك
أومأ برأسه قائلاً :
- حاضر يا أمى
نظرت اليه بحنان قائله :
- مش هتتعشى
قال وقد ظهر عليه علامات التعب :
- لأ اتعشيت بره بعد الحفلة .. أنا جعان نوم
ابتسمت أمه قائله :
- ألف مبروك يا حبيبى مرة تانية .. انت تستاهل كل خير
قبل يدها قائلاً :
- تسلمي يا أمى .. وتصبحى على خير
- تصبح على خير يا حبيبى
صعد "مراد" الى غرفته وغير ملابسه وجلس على فراشه ليستطيع .... نزع الساق الصناعية التى تملء الفراغ الموجود من بعد ركبته اليمنى .. ثم تمدد على فراشه وراح فى سبات عميق
*****************************
كان المخزن يعج برجال الشرطة الذين بدأوا فى التحقيق .. قال "عبد الرحمن" باكياً :
- كبدى عليك يا ولدى .. روحت منى يا ولدى
ثم التفت الى أحد رجال الشرطة قائلاً بألم :
- مين اللى يجدر يعمل اكده .. مين اللى له صالح يجتل ولدى .. "ياسين" كان خيرة الرجال .. عمره ما ضايج حد وعمره ما ظلم حد .. ليه يجتلوا ولدى ليه
اقترب منه "عثمان" وربت على كتفه قائلاً بصرامة :
- متجلجش يابوى .. هنجيب اللى عمل اكده فى اخوى ونخليه عبره للبلد كلياتها
قال الضابط بحزم :
- ده شغل الشرطة يا "عثمان" متدخلش نفسك فى المشاكل .. احنا هنعرف نوصل للجاتل وياخد عقابه
نظر "عثمان" الى الضابط ساخراً وقال بمرارة :
- أما نشوف يا حضرة الظابط .. أما نشوف .. بس اذا معرفتوش توصلوا للى جتل اخوى أنا هوصله وهجتله بيدي التنين دول
قال الضابط بحزم :
- "عثمان" مفيش داعى للكلام ده دلوجيت .. متحطش البنزين على النار وهى جايده
نظر "عثمان" بأسى لجثة أخيه الراقد على أرض المخزن واقترب منه قائلاً ثم جثا علي ركبتيه وقال بصرامة :
- متخفش يا ولد أبوى .. آنى لا هسكت ولا هيرتاحلى بال إلا لما أجيبلك حجك من اللى عمل فيك اكده .. حتى لو كان آخر يوم بعمرى .. نام فى جبرك واطمن .. أخوك راح ياخد بتارك من اللى جتلك .. ومش هيكفيني فيه حبل المشنجة .. لازمن أجتله بيدي .. اطمن يا ولد أبوى
فى بيت عائلة "السمري" تعالى صوت المذياع على محطة القرآن الكريم .. وعج البيت بالنساء اللاتى ارتدين السواد وأخذن فى النواح .. أخذت والده "ياسين" تلطم وجهها وتنوح قائله :
- جتلوك يا ولدى .. جتلوك وانت بعز شبابك .. ولدى راح منى يا ناس .. ولدى .. خدوك منى ليه يا ولدى
أخذت "صباح" أخته هى الأخرى تبكى وتنوح هى الآخرى قائله :
- اخوه .. جتلوك ياخوى
فجأة دخل "عبد الرحمن" وصاح بغضب بالغ فى النساء :
- يمين بالله أى حرمة هسمعها بتصوت ولا بتنوح لأكون جتلها بيدي دول .. مش عايز جنس حرمة تفتح خشمها وتصوت على ولدى اللى بيتعذب دلوجيت من نواحكوا ده
شعرت النساء بالخوف الشديد وكتمت والده "ياسين" فمها بيادها .. فقال "عبد الرحمن" بغضب واحتقار وهو يغادر :
- جبر أما يلمكم كلياتكم .. حريم ناجصه عجل بصحيح
6
↚
*****************************
فى صباح اليوم التالى اجتمعت العائله على مائدة الطعام .. ترأس "مراد" رأس الطاولة .. ووالدته على المقعد المقابل .. وعلى يمينه أخته "نرمين" .. وعلى يساره أخته "سارة" .. قالت "سارة بمرح :
- بقولك ايه يا أبيه متفكك من الشغل النهاردة وتعالى خرجنا .. نخرج كلنا ونروح لأى مكان مع بعض
قال "مراد" وهو منهمك فى قراءة أخبار البورصة فى الجريده الصباحية :
- مشغول يا "سارة" مش هينفع
قالت "نرمين" بتأفف :
- كل يوم مشغول يا أبيه والمصيبة انك مش بتسمحلنا أصلاً نخرج من غيرك .. طيب نعمل ايه يعني زهقنا من الحبسة دى
نظر اليها "مراد" قائلاً :
- ان شاء الله نخرج فى الويك اند مع بعض
قالت "نرمين" بتحدى :
- كل مرة تقولنا كده وتيجي فى الويك اند تقول مشغول
قالت "ناهد" بنبرة محذرة :
- "نرمين" عيب تتكلمى مع أخوكى الكبير كده
التفتت "نرمين" الى أمها قائله :
- يا ماما مش قصدى بس زهقت من الأعده فى البيت ولسه شهر بحاله على الجامعه .. مش معقول هقضى الشهر ده محبوسه
قالت "سارة" مبتسمه :
- طيب أنا بأه أعمل ايه اللى خلصت كليتى خلاص يعني محبوسه محبوسه
نظر اليهما "مرد" وتنهد قائلاً :
- خلاص هحاول بجد أفضى نفسي وأخرجكوا .. بس مش عايز زن
قالت "ساره" مبتسمه :
- أنا عن نفسي مبحبش الزن .. قول لـ "نرمين" الكلام ده
التفتت اليه "نرمين" قائله برجاء :
- خلاص مش هزن بس حضرتك يا ابيه التزم بكلامك المره دى
قال "مراد" بصرامة :
- "نرمين" اتكلمى معايا بإسلوب أحسن من كده
قالت "نرمين"بخفوت :
- أنا آسفه يا أبيه مش قصدى
نظر اليها وقال بجديه :
- يلا افطروا
شرعت الفتاتان فى تناول طعامهما فى صمت
5
************************
دخلت "مريم" مكتبها وألقت السلام على "مي" :
- السلام عليكم .. ازيك يا "مى"
- وعليكم السلام يا "مريم"
جلست "مريم" وشرعت فى فتح حاسوبها .. اقتربت منها "مي" قائله :
- خلصتى تصميمات شركة دييبس ولا لسه
- أيوة هفنشها بس وأرفعها على الميل وأبعتها لصاحب الشركة
- ممممممم كويس
التفتت "مى" لتعود الى مكتبها .. لكن "مريم" أوقفتها قائله :
- "مى" عايزة أطلب منك خدمه
التفتت "مى" قائله :
- خير أأمرى
صمتت "مريم" قليلاً ثم قالت :
- بصى .. عايزاكى تيجي معايا النهاردة مشوار مهم
قالت "مي" بإستغراب :
- مشوار ايه
بدا على "مريم" التردد .. ثم عزمت أمرها قائله :
- هنركب مركب ونتفسح فى النيل
ضحكت "مى" وقالت :
- انتى حلمتى بمركب ولا .. اشمعنى يعني ايه اللى طلعها فى دماغك
ظهت سحابة حزن فى عينيها البنيتين .. وتبللت عينيها قليلاً وقالت بتأثر :
- "ماجد" طلب منى كده
اختفت ابتسامه "مى" ونظرت الى "مريم" فى أسى .. فحاولت "مريم" التماسك وقالت :
- ها هتيجي معايا ؟
قالت "مي" بإستسلام :
- ماشى هاجى معاكى
قالت "مريم" وهى تعاود الإلتفات الى حاسوبها :
- تمام .. نروح بعد الشغل ان شاء الله
أومأت "مى" برأسها وعادت الى مكتبها وهى ترمق "مريم" بنظرات مشفقه
****************************
اجتمع رجال القبيلة لتقديم العزاء فى "ياسين" .. توجه "سباعى" الى "عبد الرحمن" وسلم عليه قائلاً:
- شد حيلك يا "عبد الرحمن" .. والبقاء لله
قال "عبد الرحمن" فى خفوت :
- البقاء لله وحده .. ربنا أعطى ودلوجيت بياخد عطيته
ربت "سباعى" على كتفه قائلاً :
- متجلجش ان شاء الله هنعرف مين اللى جتله .. والشرطة مش ساكته .. وان شاء الله جريب هتبرد نارك على ابنك لما يتمسك التيييييييت اللى عمل اكده
قال "عبد الرحمن" بأسى :
- على الله يا "سباعى" .. على الله .. هو اللى جادر يكشف الظالم اللى جتل ابنى وحرج جلبي عليه .. انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها
بعدما انصرف الرجال اجتمع كبراء عائلة "السمرى" معاً .. قال أحد الرجال فى غضب :
- مين اللى يجدر يعمل اكده .. مين اللى يجدر يجف أدام عيلة "السمري" ويعاديها
قال آخر :
- مفيش الا عيلة "الهواري" أكيد حدا منهم هو اللى عيملها
أكد آخر :
- اييوة مفيش الا عيلة "الهواري" .. جلبهم اتحرج اكمننا كسبنا المناجصة .. وهناكلهم فى السوج .. عشان اكده بعتوا حدا من حداهم يحرج المخزن ويجتل "ياسين" ولد عمى
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- مش هنتهم الناس من غير دليل .. طول عمر العيلتين واجفة جمب بعضيها .. وبينا مصالح اكتير .. مش هنظلم حدا منهم طالما مفيش دليل .. ان بعض الظن اثم .. ومش عايز كلام فى الموضوع ده كتير .. ولسانكم يرطرط فيه .. لان لو الكلام وصل لعيلة "الهوارى" أكيد النفوس هتشيل
ثم قال بحزم أكبر وهو يمعن التفكير :
- ربنا جادر يكشف المستور .. وينتجم من الظالم
↚
************************
جلس "سباعى" مع ابنه "جمال" وبعض رجال العائله .. وقال فى أسى :
- ضاع الراجل فطيس .. لا حول ولا قوة الا بالله
قال أحد الرجال :
- هتجنن مين اللى يعمل حاجه بشعة زى اكده ويجتل "ياسين" المسكين .. كان راجل طيب والله
قال آخر :
- الله يرحمه .. فعلاً كان راجل طيب
قال "سباعى" :
- اللى عمل اكده حدا من الجبيلة
قال أحد الرجال بدهشة :
- ايه اللى خلاك تجول اكده يا حاج
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- لان لو كان حدا غريب كان زمان حدا شافه واتعرف عليه وسطينا .. لكنه واحد من الجبيلة وعرف يندس وسطينا لما الناس اتلمت والشرطة اجت
قال "جمال" بحده :
- يمكن استخبى منينا يابوى .. ومشى من البلد من غير ما حدا يشوفه
قال "سباعى" فى حيرة :
- الله أعلم يا ولدى .. بس أكيد الشرطة هتعرفه وتمسكه
ثم قال بغضب :
- لازمن يتجتل فى ميدان عام على عملته دى .. بجلنا سنين طويلة ما حدا احدانا فى الجبيلة مات بطلجة رصاص .. ودلوجيت هنرجع لمرار الجتل والتار عاد .. ربنا ينتجم منييه
ثم قال بقلق :
- ياخوفى يتهموها فينا ولاد "السمري"
قال "جمال" بحده :
- وليه جولت اكده يابوى .. واحنا ايه دخلنا فى جتل ابنهم
- يخوفى يا "جمال" الشيطان يوزهم بسبب موضوع المناجصة ويفتكروا اننا عملنا اكده عشان خسرنا .. خصوصى اللى عمل اكده كان جاصد يحرج المخزن .. لولا "ياسين" اللى راح وكشفه ولد التييييييييت ده
قال أحد الرجال يطمئنه :
- لا اطمن يا حاج .. الحاج "عبد الرحمن" عاجل ودماغه توزن بلد .. مستحيل يسيب الشيطان يلعب فى دماغ حدا من عيلته .. خصوصى ان مفيش دليل ضدينا
تنهد "عبد الرحمن" قائلاً :
- على الله يا ولدى .. على الله
**************************
هتفت "مريم" بحنق :
- ده بيستهبل ده ولا ايه بالظبط
نظرت اليها "مى" قائله :
- خير فى ايه
قالت "مريم" بعصبيه :
- صاحب شركة دييبس بعتله التصميمات على الميل .. رد عليا وطالب ليستت تعديلات هتاخد منى على الأقل اسبوع .. والمفروض أبدأ من دلوقتى فى حملة شركة المقاولات
قالت "مى" مبتسمة :
- قولتلك انه متعب
قالت "مريم" بضيق :
- أوف .. كان لازم أعد معاه من الأول ويقولى على اللى عايزه .. بدل ما يسيبنى أشتغل وبعدين ييجي يعدل كل التصميمات ويحط التاتش بتاعه .. ما كان من الأول
قالت "مى" مقترحه :
- خلاص روحيله الشركة بدل ما تتعبى فيهم تانى والآخر برده يعدل
قالت "مى" بحزم وهى تنهض :
- انا هعمل كده فعلاً .. هروح أقول لأستاذ "عماد" على اللى حصل .. وهطلب اذن عشان أروح أشوف أخرتها مع الراجل ده
طبعت "مريم" صور التصميمات على الطابعة ووضعتهم فى أحد الملفات وتوجهت الى مكتب "عماد" الذى نظر الى تصميماتها ثم قال :
- تصميمات ممتازة يا "مريم"
قالت بضيق :
- بس معجبتش صاحب الشركة وطالب تعديلات هتاخد منى وقت كبير
- كان لازم من الأول تعدوا مع بعض ويقولك على اللى عايزه بدقه عشان ميضيعش وقتك ومجهودك على الفاضى
- وعشان كده يا فندم بطلب من حضرتك اذن انى أمشى دلوقتى عشان أروحله الشركه
رفع "عماد" مساعة الهاتف قائلاً :
- لأ خليكي يا "مريم" أنا هتكلم معاه وأخليه يبعتلنا حد من عنده يقولنا على الطلبات بالظبط ويكون الكلام أدامى عشان ميرجعش ويطلب تعديلات تانى
ذهبت "مريم" الى مكتبها دقائق وكلمتها "صفاء" سكرتيرة "عماد" قائله :
- أستاذ "عماد" بيقولك مدير تسويق شركة دييبس هييجى بكرة يتفق معاكى على التصميمات يا "مريم"
- خلاص ماشى فى انتظاره
*********************
التف الرجال الأربعه حول طاولة الإجتماعات لمناقشة مشروعهم الجديد .. قال "طارق" :
- بصوا يا جماعة .. زى ما اتفقنا عايزين نهتم بنقطتين .. الأولى ان السعر يكون مناسب للطبقه المتوسطة .. وتانى نقطة نهتم برده بالجودة .. يعني مش عشان نقلل فى السعر نقوم ننزل بمستوى الجودة بدرجة كبيرة .. يعني عايزين توازن ونجمع بين الجودة والسعر وبكده هنتميز عن غيرنا فى السوق
وافقه "مراد" على كلامه قائلاً :
- بالظبط كده يا "طارق" .. هى دى المعادلة اللى لو حققناها هنهزم كل منافسينا فى السوق .. لان كل المصانع والشركات المنافسه اما بيهتموا بالجودة على حساب السعر أو بالسعر على حساب الجودة .. لكن احنا ان شاء الله هنقدر نحقق المعادلة الصعبة دى ونهتم بالسعر والجودة مع بعض
قال "حامد" بإستخفاف :
- طيب بدل تعب القلب ده ليه منحددش الطبقة الراقية كفئة نوجه انتاجنا ليهم
قال "مراد" شارحاً :
- لان أغلب المصانع الكبيرة والماركات العالمية وأغلب المستوردين بيهتموا بالطبقة دى .. يبقى ايه الجديد اللى احنا هنقدمه لو عملنا زيهم ؟ .. الفكرة هى اننا نعمل اسم وماركة بس تكون فى مستوى العامل والموظف والطبقة العاملة دى .. وفى نفس الوقت جودة معقولة وتصميم راقى
هز "سامر" رأسه قائلاً :
- كلامك صح يا "مراد" .. احنا عايزين يبقى لنا اسم فى السوق ونتجاوز كل النافسين فى فترة صغيرة وده مش هيتحقق الا لو تميزنا عنهم
قال "حامد" مبتسماً :
- ماشى يا شباب وأنا معاكوا ان شاء الله .. امتى بأه هتبدأ ساعة الصفر
قال "طارق" :
- لما ننتهى من أول خط انتاج ونتأكد اننا وصلنا للمواصفات المطلوبة للمنتج ساعتها هنبدأ الحملة الدعائية على طول
4
*************************
توجهت "مريم" مع "مى" الى المصعد لمغادرة الشركة فأوقفها "أشرف" قائلاً :
- آنسه "مريم" لو سمحتى
التفتت "مريم" اليه وهى تشعر بالضيق .. وقف أمامها قائلاً :
- سمعت ان شركة دييبس تاعبينك فى شغلهم
قالت "مريم" بهدوء :
- لأ مفيش مشاكل .. شوية تعديلات بسيطة
قال وهو ينظر اليها :
- يعني لو تحبي أساعدك فيها .. مفيش عندى مشكلة أنا فاضى حالياً
قالت "مريم" بجديه :
- شكراً يا أستاذ "أشرف .. زى ما قولت التعديلات بسيطة .. بعد اذنك
خرجت مع "مى" من العمارة وركبا المترو .. قالت لها "مي" الجالسه بجوارها :
- ليس دايماً بتقطمى معاه الراجل حابب يساعدك
قالت "مريم" بحده :
- وأنا مش محتاجة مساعدة .. دى مش أول مرة عميل يطلب تعديلات على الشغل
- "مريم" واضح ان الراجل مهتم بيكي
نظرت اليها "مريم" وقالت بعصبية :
- قصدك ايه بمهتم بيا
قالت "مى" بنبرة ذات معنى :
- مهتم بيكي يا "مريم" أشرحهالك ازاى يعنى .. وبعدين "أشرف" انسان محترم وكويس وابن حلال و ........
قاطعتها "مريم" بحده :
- "مى" لو سمحتى اسكتى .. مش حبه أبداً أتكلم فى الموضوع ده
نظرت اليها "مى" بأسى قائله :
- لحد امتى ؟ .. لحد امتى يا "مريم"
لم تجيبها "مريم" بل التفتت لتنظر من الشباك فى صمت
***************************
دخل "طارق" الى مكتب "مراد" المنهمك فى عمله قائلاً :
- ها يا "مراد" مش هتمشى ؟
قال "مراد" دون أن يرفع نظرة من الورق الذى أمامه :
- لأ .. لسه عندى شغل
- طيب خد بريك طيب
- الشغل كتير يا "طارق"
- طيب خلاص براحتك أنا ماشى
- ماشى سلام
- سلام أشوفك بكرة
خرج "طارق" وترك "مراد" المنهمك فى عمله .. بعد لحظات دخلت السكرتيرة وقالت :
- أستاذ "مراد" لو سمحت عايزه أمشى بدرى النهاردة
رفع نظرها اليه قائلاً بحده :
- ليه ؟
قالت بتردد :
- يعني عندى حاجه مهمة
- ايه هى الحاجه المهمة اللى أهم من شغلك
صمتت قليلاً ثم قالت :
- بصراحة عيد ميلادى النهاردة وخارجه مع صحابي عايزين يحتفلوا بيا .. وأنا اصلا خلصت كل الشغل اللى ورايا
صاح بها غاضباً :
- امشى يا آنسه على مكتبك بلاش دلع
بُهتت الفتاة وقالت بإضطراب :
- أنا مش قصدى يا أستاذ "مراد" .. أنا بس ....
قاطعها قائلاً بصرامة :
- هنفضل فى تضييع الوقت ده كتير .. اتفضلى على مكتبك .. لما ييجى معاد الإنصراف ابقى اخرجى اعملى اللى انتى عايزاه
أومأت الفتاة برأسها وخرجت .. جلست على مكتبها فى عصبية قائله بغضب :
- راجل قليل الذوق.
↚
***********************
داعبت "مريم" الماء حول المركب بيدها وهى تبتسم فى حبور .. أخذت تجمع الماء بيدها ثم تتركه ليتسلل من بين أصابعها .. راقبتها "مي" فى صمت .. وفى عيناها نظرة أسى .. اختفت ابتسامة "مريم" لتحل محلها عبرة فلتت من عينينها فأسرعت بمسحها بأصابعها .. اقتربت منها "مى" وجلست بجوارها قائله :
- تحبي نمشى
قالت "مريم" متصنعة المرح :
- لأ خلينا شوية كمان .. انتى زهقتى منى ولا ايه
- لأ طبعا .. بس حساكى مضايقه
قالت "مريم" وهى تحاول الابتسام :
- لأ بالعكس أنا مبسوطة .. أنا بحب أوى ركوب المركب فى النيل .. بفرح أوى .. لأن بابا كان بياخدنى أنا وماما وأختى ويفسحنا فى المركب .. وكنت ببقى فرحانه أوى
اغرورقت عيناها بالدموع رغماً عنها وشعرت بغصة فى حلقها وقالت بصوت مرتجف :
- و "ماجد" عارف كده.
عاد "مراد" الى منزله .. استقبلته والدته قائله :
- حبيبى اطلع شوف عمتك لانها كانت تعبانه شوية النهاردة
قال "مراد" بقلق :
- خير مالها يا أمى ؟
- مفيش الضغط على شويه عليها وكانت تعبانه بس الحمدلله هى أحسن دلوقتى
صعد "مراد" درجات السلم وتوجه الى غرفة عمته طرق الباب ففتحت أخته "سارة" وهى تشير له أن يصمت خرجت وأغلقت الباب خلفها قائله :
- متصحيهاش دلوقتى يا أبيه هى نامت بالعافية
قال بقلق :
- هى عاملة ايه دلوقتى ؟
- لا متقلقش كويسة .. بس مكنش جايلها نوم .. وأخيراً نامت
- متابعة معاها الدوا يا "سارة"
- أيوة طبعا متخافش يا أبيه
- أمال الضغط على ليه ؟
- تلاقيها افتكرت حاجة ضايقتها ولا حاجه
أومأ "مراد" برأسه وتوجه الى غرفته .. اتصل به "طارق" قائلاً :
- "مراد" انت فين
قال "مراد" بصوت مرهق :
- فى البيت يا "طارق" خير فى حاجه
- لا كنا طالعين أنا و "سامر" و "حامد" نسهر برة وكنا بنشوفك فين عشان تيجي معانا .. هعدى عليك ناخدك
- بلاش مش حابب أخرج النهاردة
- ليه يا ابنى تعالى نغير جو أنا من زمان ما خرجتش وانت كمان .. يلا فرصة نسهر سهرة حلوة
رفض "مراد" بإصرار قائلاً :
- لأ يا "طارق" .. قولتلك مش حابب أخرج
- خلاص برحتك .. سلام
- سلام
قال "حامد" الجالس بجوار "طارق" فى السيارة :
- هييجى ؟
- لأ قال مش حابب يخرج
قال "حامد"بسخرية :
- ده لو بنت مش هتحبس نفسها فى البيت كدة
- سيبه على راحته
هتف "حامد" بغيظ :
- أنا نفسي أفهم هو البنى آدم ده ايه بالظبط .. مفيش وراه غير الشغل وبس .. أنا عمرى ما شوفت حد صعب زيه كده
قال "طارق" بهدوء :
- "مراد" طول عمره بيحب شغله
قال "سامر" الجالس بالخلف :
- بس مش كده .. يعني محسسنى ان الدنيا شغل وبس .. يشتغل ماقولناش حاجه بس يشوف مزاجه برده .. ده لما واحدة بتعدى من أدامه مبتتهزش فيه شعره مهما كانت مزه طحن
قال "طارق" مبتسماً :
- سبنالك انت المزز دول
قال "حامد" بسخرية :
- وانت كمان غريب .. عايش فى المدينة الفاضلة .. يعني عايز تفهمنى انك عمرك ما غلطت أبداً
قال "طارق" فوراً :
- أكيد غلطت بس غلط عن غلط يفرق
- آه .. أنا قولت كده برده
قال "طارق" بإستغراب :
- قولت ايه ؟
قال "حامد" بنفس السخرية :
- المرء على دين خليله .. انت وصحبك فوله واتقسمت نصين .. بس هو قفل أكتر منك
تنهد "طارق" بحسرة قائلاً :
- "مراد" مكنش كده خالص .. بس حصلت ظروف غيرته
قاطعهم "سامر" قائلاً :
- كفاية بأه كلام عن "مراد" وقولولى ناويين تسهرونا فين
***************************
عادت "مريم" من عملها .. توجهت الى المطبخ وأخرجت من الثلاجة جبنة وخبز وشرعت فى عمل سندوتش وتناوله .. ثم توجهت الى غرفتها لتغير ملابسها .. فتحت الدولاب الذى كان مقسم من الداخل لنصفين قسم يحوى ملابسها وقسم آخر يحوى ملابس أصغر سناً توقفت أما الملابس الصغيرة جذبت احداها وظلت تتحسسها فى ألم وكأنها تشتاق الى صاحبتها .. تنهدت وانتهت من تغير ملابسها ثم جلست على فراشها صامته لا تفعل شيئاً سوى النظر الى فراغ الغرفة .. ظلت قرابة النصف ساعة جالسة دون حراك .. ثم نهضت وتوضأت وصلت وفتحت التلفاز لا لتشاهد ما به .. بل لتسمع صوتاً .. أى صوت .. يخترق هذا الصمت القاتل الذى تعيش فيه .. وأخيراً استسلمت للنعاس امام التلفاز وهى تحضن مخدتها وتسند رأسها اليها
فى الصباح توجهت الى عملها عن طريق المترو مثلما تفعل كل صباح .. قالت لها "مى" وهى تتمعن فيها :
- نمتى امبارح كويس ؟
قالت "مريم" وهى تبدأ فى تشغيل حاسوبها :
- أيوة الحمد لله
قالت "مى" بحده :
- يبأه رجعتى تانى متكليش كويس .. شوفى وشك فى المراية بأه عامل ازاى يا "مريم"
قالت "مريم" مدافعه عن نفسها :
- والله باكل يا "مى" .. هعيش من غير أكل يعني
- طيب بصى شوفى فى المرايه وشك أصفر ازاى
قالت "مريم" بحنق :
- خلقة ربنا أعمل ايه يعني
هتفت "مى" :
- لا مش خلقة ربنا يا "مريم" .. حرام عليكي اللى بتعمليه فى نفسك ده يا بنتى انتى لسه صغيره مكملتيش 30 سنةقالت "مريم" بحنق :
- لأ كملتهم من شهرين
قالت "مي" بعناد :
- برده صغيره .. بس اللى يشوفك يقول دى واحدة عندها 60 سنة مش 30 سنة
قالت "مريم" بنفاذ صبر :
- "مى" شوفى شغلك وفكك منى .. انا عندى شغل كتير
قالت "مى" بغيظ :
- ماشى يا ست "مريم" أما نشوف أخرتها معاكى
ثم استطردت قائله :
- واعملى حسابك ان ماما عزماكى على الغدا عندنا بكرة
قالت "مريم" بحرج :
- اشكرى طنط كتير بس مش هقدر اجى
هتفت "مى" :
- ليه سياتك مش هتقدرى تيجي .. وراكى ايه .. انتى من البيت للشغل ومن الشغل للبيت
نظرت اليها "مريم" بلوم قائله :
- انتى اللى قولتيلها تعزمنى
هتفت "مي" بغيظ :
- يا ست انتى الست عايزة تشوفك وتعزمك على الغدا انتى مكلكعة الدنيا ليه
قالت "مريم" مبتسمه :
- خلاص ماشى هاجى ان شاء الله
ابتسمت "مى" :
- أيوة كده فكيها ربنا يفكها فى وشك ووشى يارب
- آمين
ماهى الا دقائق حتى دخلت "سهى" التى قالت :
- صباح الخير
قالت "مريم" :
- صباح النور
قالت "مى" بإستغراب :
- مش عادتك يعني تقولى صباح الخير وانتى داخله .. أخيراً خدتى بالك ان فى بشر معاكى فى نفس المكتب
قالت "سهى" مبتسمه :
- مفيش أصلى مبسوطة شوية
قالت "مريم" :
- ربنا يسعدك دايماً
تنهدت "سهى" قائله :
- يارب وينويلى اللى فى بالى
ردن هاتف "سهى" فإتسعت ابتسامتها وقفزت من المكتب قائله :
- استنا خليك معايا هطلع أكلمك من بره المكتب
وغادرت الغرفة لتتحدث بالخارج .. تابعتها "مى" بعينيها ثم قالت ل "مريم" :
- شايفه .. اهى رجعت للتليفونات تانى .. شكلها علقت مع حد جديد
قالت "مريم" دون أن ترفع نظرها عن حاسوبها :
- يمكن بتكلم حد من أهلها أو واحدة صحبتها
هتفت "مى" :
- والله .. وبتتكلم بره المكتب ليه .. وعماله تتسهوك وترقق فى صوتها .. ومسمعتيهاش وهى بتقوله استنا خليك معايا
نظرت اليها "مريم" بحزم قائله :
- ملناش دعوة يا "مى".. وعلى فكرة اللى انتى بتقوليه ده بدايه الطريق للقذف
ارتبكت "مى" وشعرت بالخوف من وقع الكلمة وقالت :
- أنا مش قصدى يا "مريم"
قالت "مريم" بحزم :
- قصدك ولا مش قصدك .. اللى انتى بتقوليه فيه شبهة قذف محصنات وانتى واحدة عارفه ربنا .. عارفه عقاب قذف المحصنات ايه
ثم قالت :
- ربنا بيقول فى سورة النور
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }
قالت "مى" وقد شعرت بالندم :
- أستغفر الله العظيم .. الواحد مش ناقص ذنوب .. خلاص معدتش هجيب سيرتها تانى .. هى حره تعمل اللى هى عايزاه
قالت "مريم" بهدوء :
- أيوة كده .. بلاش نتكلم على أى بنت وحش عشان ربنا مش يبتلينا بواحده تتكلم عننا وحش .. لان كله سلف ودين
- ماشى يا "مريم" خلاص مش هتكلم عنها تانى
ابتسمت "مريم" قائله :
- اوعى تكونى زعلتى منى أنا بنصحك عشان بحبك
ابتسمت "مى" قائله :
- عارفه .. ولو معملتيش كده تبقى مش بتحبينى
عادت الفتاتان الى عملهما .. دخلت "سهى" بعد فترة .. لم تلتفت اليها الفتاتان .. وبدأت هى الأخرى فى أداء عملها
↚
استيقظ "مراد" من نومه .. وارتدى ملابسه وثبت الساق الصناعية فى قدمه اليمنى ثم خرج من غرفته وتوجه الى غرفة عمته .. طرق الباب فأذنت له بالدخول
فتح الباب .. كانت جالسه فى الفراش ومتدثرة بغطائها .. وتمسك أحد الكتب فى يدها ونظارة كبيرة على عينيها .. امرأة فى العقد السادس من العمر .. ورغم كبر سنها الا أن ملامحها وبنيتها تتميز بالقوة والصلابة .. لها نظرات حادة قوية .. تشعر بأنها تسبر أغوارك .. اقترب منها قائلاً :
- صباح الخير يا عمتو
رسمت ابتسامه خفيفة على شفتيها وقالت :
- صباح الخير يا ولدى
ابتسم قائلاً :
- أخبار صحتك ايه النهاردة .. أمى قالتلى ان حضرتك تعبتى امبارح .. جيت عشان أشوفك بس كنتى نايمة محبتش أزعجك
قالت عمته "بهيرة" :
- ربنا يبارك فيك يا ولدى .. ويعينك وينورلك طريجك .. آني منيحه الحمدلله والشكر ليه
جلس بجوارها قائلاً :
- خدى بالك من صحتك يا عمتو ولو اتجتى أى حاجة عرفيني
ربتت على كتفه قائله :
- تسلم يا ولد أخوى .. انت مش مخليني محتاجه لحاجه واصل .. ربنا يديك على أد نيتك .. ويبارك فيك وفى اخواتك البنات
- مش هتنزلى تفطرى معانا
- لا سبجتك يا ولدى .. انزل انت افطر وشوف مصالحك .. الله يعينك ويوفجك
نزل "مراد" وترأس مائدة الطعام كالمعتاد
قالت "نرمين" بتحدى :
- ها يا أبيه هتخرجنا بكرة ولا لأ
نظر اليها "مراد" قائلاً بإتستلام :
- حاضر يا "نرمين" هخرجكوا ان شاء الله
تنفست الصعداء قائله :
- أخيرا هنخرج
نظر اليها "مراد" بإستغراب قائلاً :
- اللى يسمع كده يقول محبوسة فى البيت .. عندك جنبنة طويلة عريضة بره اتمشى فيها براحتك .. وعندك العربية والسواق اطلعى انتى و "سارة" واتمشوا بيها
قالت "نرمين" بدهشة :
- وهى دى اسمها فسحة يا أبيه .. أنا عايزة أروح مولات .. أعمل شوبينج .. نسافر مكان .. شرم .. اسكندرية .. مطروح .. أى مكان تغيير يعني
قال "مراد" وهى يتفحص جريدته :
- لما افضى ان شاء الله هنسافر سوا
قالت "نرمين" برجاء :
- طيب وليه منروحش انا و "سارة" لوحدنا شرم مثلا .. والسواق هيكون معانا .. يوصلنا ويجبنا فى نفس اليوم
نظر اليها "مراد" بحدة قائلاً :
- فى بنت محترمة تسافر لوحدها من غير أهلها
قالت مرتبكة :
- احنا مش هنبات .. يوم بس ونرجع
قال بغضب :
- وافرضى حد ضايقك انتى ولا أختك هتتصرفوا ازاى .. افرضى حصلكوا حاجه .. لازم يبقى فى راجل معاكوا .. مينفعش بنتين يسافروا لوحدهم .. انتوا ما بتقروش جرايد وتسمعوا عن الحوادث اللى بتحصل والبلطجية اللى ملوا البلد
قالت "سارة" لتلطف الجو :
- معاك حق يا أبيه .. هى بس "نرمين" من زهقها بتقول كده .. بس هى أكيد عارفه ان مينفعش نسافر من غيرك
قالت الأم وهى تنظر اليهم :
- هو مينفعش فى يوم نفطر بدون نقاش وكلام كتير .. يلا افطروا وسيبوا أخوكوا يفطر عشان هو مشغول مش فاضى زيكوا
نظرت "ناهد" الى مراد قائله :
- شوفت عمتك يا "مراد"
رفع نظره من الجريدة وقال :
- أيوة يا أمى عديت عليها قبل ما أنزل .. واطمنت عليها
- ماشى يا حبيبى
2
******************************
جلس "عبد الرحمن" على سريره ساهماً لا يشتهى حتى تناول الطعام .. اقتربت منه زوجته وجلست بجواره قائله بصوت باكى :
- جلبي حارجنى جوى على ولدى يا حاج
تنهد قائلاً :
- ربنا يرحمه ويغفرله ويرزجه الجنه .. يارب
قالت زوجته ودموعها تنهمر :
- كان أحن واحد فى اخواته ..فجدت الكبير بدرى بدرى .. ودلوجيت فجت "ياسين" .. يا كبدى عليكوا يا ولادى التنين
قال "عبد الرحمن" بحده :
- ادعيلهم ان ربنا يرحمهم بدل النواح ده يا وليه
قالت زوجته بحزم :
- آنى مش ههدى ولا يرتاحلى بال إلا لما أشوف اللى جتل ولدى وهما بيعدموه وبيشنجوه .. اللهى ربنا ينتجم منه
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- ان شاء الله هيمسكوه ويتعاقب على عيملته
ثم قال بحيره :
- بس أموت وأعرف هو مين .. آنى واثج انه حدا من الجبيلة .. بس مين العلم عند الله
تنهد وقال :
- ربنا جادر يكشف المستور .. انا وكلته وهو حسبي
****************************
دخلت "صفاء" سكرتيرة "عماد" الى مكتب "مريم" قائله :
- "مريم" .. أستاذ "عماد" عايزك فى مكتبه
نظرت اليها قائله :
- هو وصل ؟
- تقصدى صاحب شركة دييبس .. أيوة وصل
قالت "مريم" بإستغراب :
- مش قولتيلى امبارح ان اللى هييجى مدير التسويق
هزت "صفاء" كتفيها قائله :
- أستاذ "عماد" قالى كده امبارح .. بس الراجل اللى جه عرف نفسه على انه صاحب الشركة
قامت "مريم" وحملت الملف الذى يضم تصميماتها الخاصة بحملة الشركة وتوجهت الى مكتب "عماد"
قال لها "عماد" :
- تعالى يا "مريم" اتفضلى
ألقت "مريم" نظرة على الرجل الجالس فقدمها "عماد" للرجال قائلاً :
- الآنسه "مريم" الديزاينر المسؤلة عن حملة شركة حضرتك
ثم نظر الى "مريم" قائلاً :
- الأستاذ "طارق عبد العزيز" مدير شركة دييبس
قالت "مريم" بخفوت :
- أهلا وسهلاً
نظر اليها الرجل قائلاً :
- اهلا بيكي
أشار "عماد" لـ "مريم" قائلاً :
- اتفضلى اعدى يا "مريم"
جلست "مريم" فى المقعد المواجه لـ "طارق" .. الذى نظر اليها قائلاً :
- أولاً أنا آسف على التعديلات الكتير اللى طلبتها .. لان من البداية دى غلطتى انى موضحتش اللى عايزه الظبط .. وعشان كده جيت بنفسي بدل مدير التسويق لانى خفت ميقدرش يشرح اللى أنا عايزه بالظبط
قالت "مريم" بهدوء :
- مفيش مشكلة حضرتك
ثم أعطته الملف قائله :
- اتفضل حضرتك دى كل التصميمات الخاصة بالحملة عرفنى التعديلات تحديداً وأنا هنفذها فوراً
دخلت فى تلك اللحظة "صفاء" قائله :
- أستاذ "عماد" .. فى عميل عايز يقابل حضرتك ضرورى
نظر "عماد" الى "مريم" قائلاً :
- "مريم" خدى أستاذ "طارق" وناقشوا التعديلات فى مكتبك
أومأت "مريم" برأسها وقالت لـ "طارق" :
- اتفضل معايا حضرتك
سار "طارق" خلفها .. ودخلا مكتبها .. رفعت الفتاتان رأسيهما لتنظران الى الرجل القادم .. جلس فى مواجهتها وقدمت له شئ يشربه وبدأ فى توضيح التعديلات التى يريدها .. ثم قال :
- أنا آسف مرة تانية لو التعديلات كتير
قالت "مريم" بهدوء وهى تتفحص ما كتبت :
- مفيش مشكلة .. بس الموضوع هياخد وقت .. يعني ممكن اسبوع من دلوقتى .. لان عندى شغل تانى بخلصه
قال "طارق" مبتسماً :
- مفيش مشكلة هستنى كفاية انى تعبتك وعطلتك معايا
نظرت اليه وقالت بجديه :
- ان شاء الله هعرض على حضرتك التصميمات قبل ما نبعتها المطبعة
تمعن فيها "طارق" قائلاً :
- واضح انك مضايقه منى أوى
قالت مندهشة :
- لأ أبداً
قال معتذراً :
- أنا بجد آسف انى تعبتك
قالت بجديه :
- مفيش مشكلة
قام ليغادر فوقع نظرة على "مى" فقال وكأنه يحاول أن يتذكر شيئاً :
- احنا اتقابلنا قبل كده ؟
قالت بإرتباك :
- أيوة أنا كنت نفذت لحضرتك حملة اعلانية من فترةطويلة
قال وكأنه تذكر :
- أيوة تمام افتكرتك
ضحك وهو ينظر الى الفتاتان قائلاً :
↚
- ووقتها تعبتك معايا برده .. اظاهر انى طلعت عينكوا انتوا الاتنين
ابتسمت "مى" قائله :
- لا مفيش مشكلة .. احنا معرضين فى شغلنا للتعديلات اللى العميل بيطلبها بعد ما بيشوف التصميم
ابتسم قائلاً :
- شكرا لذوقكم .. مع السلامة
ردت "مى" :
- مع السلامة
بمجرد أن انصرف قالت "سهى " :
- يا ربي على الذوق والأدب والشياكة .. هو النوع ده تفصيل ولا جاهز .. ومنشأه ايه بالظبط .. ده يتاكل أكل .. يا بختك يا "مريم"
نظرت اليها "مى " وهى تنفخ بحدة ثم عادت لتكمل عملها دون أن تلتفت اليها .. وفعلت "مريم" مثلها بعدما رمتها بنظرة صارمة
خرجت "مريم" من الشركة بعد انتهاء عملها .. لفت نظرها "خالد" الذى أوقف سيارته أمام العمارة فأكملت طريقها .. لكنه انتبه اليها فأوقفها قائلاً :
- آنسة "مريم" لو سمحتى
التفت اليه بضسق وهى تنظر للمارة حولها .. اقترب منها قائلاً :
- ازيك أخبارك ايه .. وأخبار حملتنا ايه
قالت بضيق :
- تمام الحمد لله .. وزى ما قولت لحضرتك ان شاء الله هعرض على حضرتك التصميمات فى المعاد اللى اتفقنا عليه .. بعد اذنك
همت بالمغادرة لكنه اعترض طريقها قائلاً :
- أنا كنت جاى عشان شوية اضافات محتاج أضيفها فى الأعداد وحجم يفط الأوت دور .. بس طالما انتى هنا خلاص
أشار الى سيارته قائلاً :
- تعالى نروح أى مكان نتكلم فيه سوا وأوصلك فى طريقى
نظرت اليه بحده قائله :
- آسفه مبركبش عربية حد .. بعد اذنك
همت بالمغادرة لكنه أمسك ذراعها يوقفها قائلاً:
- حيلك حيلك انتى بتتكملى معايا كده ليه
جذبت ذراعها من يده بعنف قائله بغضب :
- انت ازاى تسمح لنفسك تمسكنى كده .. ملكش عندى غير شغل وبس وأنا دلوقتي مش فى ساعات العمل بتاعتى
نظر اليها بسخرية من رأسها الى أخمص قدمها قائلاً :
- فى ايه .. اوعى تكونى شايفه نفسك حاجه .. أنا كل اللى قصدته انى اتكلم فى الشغل .. دماغك راحت فين هو انتى مبتشوفيش نفسك فى المرايه ولا ايه .. فكرانى هبص لواحده لوكل زيك
احمر وجهها من الغضب والتفتت تنصرف بدون أن ترد عليه .. كانت تشعر بالحنق والضيق لتلك الإهانة التى تعرضت لها .. ركبت فى المترو وهى تقاوم انهمار دموعها بصعوبة .. لكنها تركت لعبراتها العنان بعدما عادت الى بيتها .. وعزمت على اخبار "عماد" فى الصباح بقرارها بعدم رغبتها فى العمل على الحملة الدعائية لشركة "خالد"
*****************************
فى سكون الليل .. وفى احد الأماكن الهادئة التى تخلو من المارة .. وقف رجل ملثم ينظر يميناً ويساراً .. وهو متململاً قلقاً .. حتى رآى فتاة مقبلة فى اتجاهه وهى تنظر خلفها .. جذبها من ذراعها ووقفا خلف أحد الأبنية .. أنزل "جمال" اللثام عن وجهه قائلاً :
- حبيبتى وحشتيني جوى
أزاح بيده الطرحة التى كانت تمسكها لتخفى بها نصف وجهها وقال :
- وحشتيني جوى يا "صباح"
ارتبكت "صباح" وقالت بخجل :
- وانت كمان يا "جمال" وحشتنى جوى .. مكنتش عارفه آجى النهاردة خرجت بالعافية بعد ما أبويا نام
نظر اليها محاولا تقبيلها فابعدته قائله بحزن :
- شوفت اللى صاير فينا يا "جمال" .. "ياسين" أخوى اتجتل
قال "جمال" وهو يقترب منها أكثر :
- معلش يا حبيبتى .. بكرة يمسكوا باللى جتله .. انتى وحشانى جوى جوى
قبلها .. ثم أبعدته قائله :
- أنا همشى لحدا يشوفنا ..
- هشوفك تانى امتى
- ماعرفش .. هبجى أكلمك زى كل مرة .. يلا انا ماشية يا "جمال"
مشت الفتاة وهى تلتفت خلفها وسارت فى طريقها الى منزلها .. فوجدت والدتها تقول :
- كنتى فين يا "صباح"
قالت بإرتباك :
- مكنتش فى حتى يامه .. كنت بتمشى شويه
قالت أها بغضب :
- فى الوجت ده .. انتى اتجننتى فى عجلك يا "صباح" .. امشى انجرى على اوضتك جبر يلمك قليلة الربايه صحيح
دخلت "صباح" غرفتها وأغلقت الباب بعصبيه ثم جلست على فراشها تتذكر مداعبات حبيبها "جمال" وتلك اللحظات التى اختلستها فى سكون الليل للالتقاء به.
قضت "مريم" ليلتها وهى تشعر بالألم والحزن بسبب الإهانة التى تعرضت لها من "خالد" .. وعزمت على ترك حملته تماماً .. توجهت "مريم" فى الصباح الى مكتب "عماد" وقالت له :
- لو سمحت يا أستاذ "عماد" أنا مش حبه أمسك حملة شركة المقاولات
نظر اليها "عماد" بإستغراب قائلاً :
- ليه ؟
فكرت قليلاً ثم قالت :
- يعني مش حبه وخلاص .. ممكن أبدل الحملة دى مع أى حد من زمايلي وآخد الشغل بتاعه
صمت "عماد" قليلاً ثم قال:
- طيب .. بدلى مع "سهى" وخدى الحملة اللى هتبدأ فيها
شكرته قائله :
- شكراً يا أستاذ "عماد"
همت بالإنصراف لكنه أوقفها قائلاً:
- "مريم"
- أيوة
نظر اليها متمعناً ثم قال :
- انتى كويسة
أومأت برأسها قائله :
- الحمد لله
ظل ينظر اليها قليلاً ثم قال :
- لو احتجتى لأى حاجة عرفيني
نظرت اليه بإمتنان وقالت :
- شكراً يا أستاذ "عماد"
خرجت وعينا "عماد" تتابعانها فى أسى .. ثم انكب على عمله .
قالت "مريم" لـ "سهى" :
- "سهى" أستاذ "عماد" قالى أبدل معاكى حملة شركة المقاولات بالحملة اللى فى ايديكى
نظرت اليها كل من "مى" و "سهى" بدهشة .. قالت "سهى" :
- ليه .. اشمعنى
- مفيش هو قالى كده
- مفيش مشكلة هاتى الملف بتاع الحملة وخدى ملف حملتى أهو
بدأت "مريم" فى العمل على الحملة الجديدة .. وهى تحاول أن تتناسى كلمات "خالد" الجارحة التى قالها لها بالأمس
***************************
نظر "عثمان" الى أخته "صباح" التى وقفت تصفف شعرها أمام المرآة قائلاً :
- انتى مش هتبطلى وجوف جدام المرايه ولا اييه .. جومى شوفى أمك وساعديها فى تحضير الوكل
قالت بحنق :
- حاضر نازله
صاح قائلاً:
- يلا يا بت انجرى بلاش دلع وجلة حيا
صاحت قائله :
- هو آنى عملت اييه يعني .. حاجة غريبة صحيح
صاح "عبد الرحمن" قائلاً :
- هو انتوا مش هتبطلوا خناج أبداً .. لازمن كل يوم نسمع الخلج صوتنا
نزلت "صباح" وهى تتمتم بغضب .. جلس "عثمان" بجوار" أبيه على الأريكة ساهماً .. ثم قال :
- تفتكر مين اللى عمل اكده يا بوى
تنهدت "عبد الرحمن" وقال :
- علمى علمك يا ولدى .. علمى علمك
ثم قال بأسى :
- فجدت ابنى "ياسين" ومن جبله "خيري" الله يرحمهم التنين
- الله يرحمهم
التفت "عثمان" الى أبيه قائلاً :
- لسه مفيش أخبار عن ولاد "خيري" خوى الله يرحمه
قال "عبد الرحمن" بألم :
- لا والله ياولدى .. آنى ما خليت شئ إلا وعميلته .. آني حتى مخبرش بجيله كام ولد عايش .. آني معرفش غير ان بنته ماتت معاه فى الحادثة .. والناس جالولى انه مخلف غيرها .. لكن مخبرش ولاد ولا بنات عايشين ولا ميتين .. وين أراضيهم مخبرش
قال "عثمان" بحزم :
- لازمن نلاجيهم ونلم لحمنا يابوى
- ان شاء الله يا ولدى .. ان شاء الله هنلاجيهم ونجيبهم يعيشوا معانا اهنه
4
************************************
تقدم رجل الى مكتب سكرتيرة "مراد" قائلاً :
- أنا مندوب جمعية رسالة وعندى معاد مع الأستاذ "مراد خيري"
قالت له السكرتيرة :
- اتفضل استريح
قامت وتوجهت الى مكتب "مراد" لحظات وعادت وأشارت للرجل بالدخول قائله :
- اتفضل
تقدم الرجل الى مكتب "مراد" الذى قام ليصافحه .. قائلاً :
- أهلا بيك اتفضل اعد
قدم الرجل الكارنيه والبطاقة الى "مراد" قائلاً :
- أنا مندوب من جمعية رسالة .. أولاً أنا شاكر لحضرتك انك سمحتلى آخد من وقتك .. وآسف لو كنت هعطلك
قال له "مراد" :
- لا أبداً اتفضل
تحدث الرجل قائلاً :
- جمعية رسالة لو حضرتك مسمعتش عنها .. دى جمعية خيرية ليها أنشطة كتير جداً .. اتأسست فى مصر سنة 1999 .. بدأت كحركة طلابيه فى كلية الهندسة .. وبعدين نشاطها وسع لما تم لتبرع بقطعة أرض فى فيصل وقدرنا بمجهوداتنا اننا نشهر الجمعية .. وحالياً لينا أكتر من 50 فرع فى جميع أنحاء الجمهورية .. من نشاطاتنا .. مساعدات الأسر الفقيرة .. محو الأمية .. خدمات للمكفوفين .. كفالة اليتيم .. رعاية الصم والبكم .. رعاية المعاقين ذهنياً .. مستوصفات خيريه ..
صمت قليلاً ثم قال :
- وتوفير كراسى متحركة وأطراف صناعية للغير القادرين
أومأ "مراد" برأسه .. فتنحنح الرجل قائلاً :
- يعني أنا دايماً بشوف ان ميحسش بالناس دى غير اللى مر بظروفهم .. وعشان كدة جيت لحضرتك النهاردة .. لو تحب تساهم معانا فى مساعدة الناس دى
أومأ "مراد" برأسه ودون أن يتكلم أخرج دفتر شيكات من درج مكتبه وقلماً أنيقاً وذيل الشيك بتوقيعه وكتب مبلغاً اتسعت له ابتسامة الرجل وشكره بحراره وأعطاه وصلاً قائلاً :
- حقيقي متشكرين جداً يا أستاذ "مراد" .. وأنا كنت واثق من كرم اخلاقك .. ومتشكرين مرة تانية
أومأ "مراد" برأسه دون كلمه .. استأذن الرجل وانصرف .. شرد "مراد" قليلاً وعلامات الحزن على وجهه .. ثم ما لبث أن عاد الى الملفات التى أمامه واندمج فى عمله مرة أخرى
5
*********************************
↚
توجهت "مريم" مع "مى" الى منزلها .. استقبلتها والدتها بترحاب شديد :
- ازيك يا "مريم" أخبارك ايه
ابتسمت "مريم" قائله :
- الحمد لله يا طنط ازى حضرتك
- بخير يا "مريم" الحمد لله
ثم التفتت الى "مى" قائله :
- يلا خدى صحبتك على أوضتك عمال ما أجهزلكوا الغدا
قالت "مريم" بحرج :
- معلش يا طنط تعبت حضرتك
ابتسمت والدة "مى" وقالت :
- لا يا حبيبتى أبداً مفيش تعب ولا حاجه
دخلت الفتاتان الى الغرفة .. قالت "مي" :
- فكى الطرحة متخافيش بابا مش بييجي دلوقتى
أومأت "مريم" برأسها .. اقتربت منها "مى" وجلست بجوارها على السرير قائله :
- حالك مش عاجبنى يا "مريم"
حاولت "مريم" رسم ابتسامة على شفتيها قائله :
- ليه مالى ما أنا كويسه أهو
نظرت اليها "مى" بحزن وقالت :
- لحد امتى هتفضلى عايشة لوحدك كده .. كده غلط عليكي يا "مريم" لا بتشوفى حد ولا بتتكلمى مع حد .. أنا مش عارفه ازاى طايقه تعيشي فى البيت لوحدك
ظهرت سحابة حزن فى عينيها وقالت :
- أعمل ايه قدرى كده
قالت "مى" بحماس :
- ما هو انتى لو تفكيها شوية .. يعني "أشرف" كان شكله باين عليه انه عايز .......
قاطعتها "مريم" بحده :
- تانى يا "مى" .. مش قولتلك مش عايزة أتكلم فى موضوع "أشرف" ده
قالت "مى" بحزم :
- يعني حضرتك ناوية تعيشي طول العمر لوحدك يعني
قالت "مى" بأسى :
- ياريت أموت وأرتاح
- ليه كده يا "مريم" .. ليه بتقولى كده
قالت والعبرات فى عينيها :
- تعرفى يا "مى" دى أكتر حاجه بتمناها .. او تعتبر الحاجة الوحيدة اللى بتمناها .. انى أموت وأرتاح .. أنا عايشة ليه أصلاً
تنهدت "مى" قائله :
- استغفرى ربنا يا "مريم" .. انتى متعرفيش الخير فين
تمتمت بصوت خافت :
- أستغفر الله .. مش قصدى .. بس ساعات بيطلع منى كلام غصب عنى
ابتسكت بضعف قائله :
- بس متخفيش عليا أنا كويسة .. كويسة أوى .. وبعدين خلاص أنا أخدت على الوحدة .. يعني لما بكون لوحدى فى البيت مش بكون مضايقة .. خلاص أنا اتعودت على كده
قالت ذلك ثم شردت .. راقبتها "مى" ثم أخرجتها من شرودها قائله :
- انتى ليه سبتى حملة شركة المقاولات
تنهدت "مريم" بحدة وكأنها لا تريد أن تتذكر ما حدث .. لكنها قصت على "مى" ما دار بينها وبين "خالد" بالأمس .. هتفت "مى" قائله :
- ده انسان مش محترم وقليل الذوق .. ازاى يقولك كده
قالت بأسى :
- أهو ده اللى حصل .. كل ده عشان بقوله ازاى تمسك ايدي كده
التفتت الى "مى" وقالت بغضب:
- كان ماسكنى من دراعى فى وسط الشارع .. عادى ولا أكن فى حاجه غلط بيعملها .. لا والبشمهندس كان عايزنى أركب عربيته ونعد فى مكان نتكلم فى الشغل .. حاجه هم صحيح
- سيبك منه .. وأحسن انك سبتى الحملة بتاعته .. بلاش حرقة دم الواحد مش ناقص الأشكال دى كمان
- مرضتش طبعاً أقول لأستاذ "عماد" على اللى حصل .. اتحرجت جداً أقوله الكلام اللى قالهولى .. وهو بصراحة كان ذوق أوى ووافق على طول انى أبدل مع "سهى" الحملة اللى هى مسكاها
ابتسمت "مى" قائله :
- "عماد" طول عمره ذوق ومحترم
قالت "مريم" بسرعة :
- جداً .. محترم جداً .. من الرجالة القليين اللى تقابليهم فى حياتك وتحسى فعلاً انهم ناس محترمة .. كفاية انه مش بيرضى يعمل حاجات غلط فى شغله رغم انه ممكن يكسب أضعاف أضعاف ما بيكسب .. لكنه مانع تماماً صور البنات على التصاميم أو صورة أى حاجة حرام .. وبيرضاش يعمل حملات دعائية لأى مكان فيه رقص أو خمرة أو أى حاجة حرام .. بجد ربنا يباركله
قالت "مى" بخبث :
- فينه ييجى يسمع الكلام اللى بيتقال عنه
نظرت اليها "مريم" بحده قائله :
- "مى" مفيش داعى للكلام ده .. انتى فاهمة انى بتكلم عادى ومش فى نيتى حاجه
هتفت "مى" قائله :
- ماهو المصيبة ان مفيش فى نيتك حاجه .. نفسي مرة أشوفلك نيه مش كويسة
ضحكت "مريم" قائله :
- انتى فظيعه على فكرة
- أنا فظيعة أمال انتى تبقى ايه .. أنا مش عارفه مستحملاكى ليه
ابتسمت "مريم" :
- عشان صحبتى وبتحبينى وعارفه ان أنا كمان بحبك أوى
بادلتها "مى" الابتسام قائله :
- ماشى يا ستى غلبتيني المرة دى
ثم نهضت قائله :
- أما أشوف الحجة دى اتأخرت فى الأكل كده ليه
توجهت "مى" الى المطبخ لمساعدة والدتها .. وقالت لها :
- متحرمش منك يا ماما
ابتسمت أمها قائله :
- ده مش عشانك ده عشان "مريم"
- ربنا يكرمك انك سمعتى كلامى ووافقتى نعزمها
قالت أمها بحزن :
- دى بنت غلبانه ربنا يصلح حالها والله قلبي بيتقطع عليها .. ربنا يرزقها بإبن الحلال اللى يعوضها
ثم التفتت الى "مى" قائله :
- هى لسه عايشة لوحدها
قالت "مى" :
- أيوة هتعيش مع مين يعني .. ملهاش حد تعيش معاه
- ولا حتى أهل أبوها أو أهل أمها .. يعني ملهاش أعمام خيلان خالات
- لأ ملهاش حد خالص .. أهل مامتها ميتين ومامتها كانت البنت الوحيدة ليهم .. وأهل باباها مش عايشين هنا
قالت أمها بسرعة :
-طيب يلا شيلي الأكل معايا نحطه على السفرة ..اتأخرنا فى الغدا أوى وعندنا ضيفه ميصحش
التف ثلاثتهم حول طاولة الطعام .. قالت والدة "مى" :
- "مريم" حبيبتى كلى مبتاكليش ليه
ابتسمت لها "مريم" بخجل قائله :
- باكل يا طنط
هتفت الأم :
- ده أكل عصافير يا بنتى .. كلى كويس يا حبيبتى ولا مكسوفة انتى زى "مى" بنتى
- لأ أبداً يا طنط مش مكسوفة .. بس أنا أكلى كده
- لا يا حبيبتى كده مينفعش لازم تاخدى بالك من أكلك وصحتك
هتفت "مى" :
- قوليلها يا ماما بدل ماهى بقت عاملة زى ستى الحجة كده
عاتبها أمها قائله :
- تؤ عيب يا "مى" متضايقيهاش
ثم التفتت الى "مريم" قائله بحنان :
- يلا يا حبيبتى كلى
نظرت اليها "مريم" بأسف قائله :
- معلش يا طنط بس بجد شبعت
- حبيبتى انتى مكلتيش حاجه
- والله يا طنط شبعت فعلاً .. تسلم ايدك الأكل حلو أوى
تنهدت قالت الأم فى استسلام :
- طيب قومى يا حبيبتى اغسلى ايديكي الحمام فاضى
قامت "مريم" فنظرت أم "مى" اليها وقالت بحزن :
- البنت دى وجعالى قلبي أوى
- أنا كمان مضايقة عشانها
قالت أمها مستفهمة :
- هو مفيش حد اتقدملها قريب
هتفت "مى" بصوت منخفض :
- وهى أصلاً مديه لحد فرصة .. وانتى فكرك ان حتى لو حد اتقدم هى هتوافق .. مستحيل توافق
قالت الأم بإستغراب :
- يعني هتعيش طول عمرها لوحدها كدة .. لو كان لها أهل كنا قولنا أهى فى بيت أهلها .. لكن دى عايشة لوحدها .. والناس مبترحمش
قالت "مى" بثقه :
- مستحيل "مريم" تفكر فى راجل تانى غير "ماجد" .. مستحيل
قالت أمها :
- بس "ماجد" ........
قطعت كلامها عندما أتت "مريم" من الداخل .. جلست الفتاتان لتجاذب أطراف الحديث .. حاولت "مى" اضفاء جو من المرح لتخرج "مريم" من قوقعة الأحزان التى حاوطتها من كل جانب
*****************************
كان "مراد" فى طريقه الى بيته عندما أوقف سيارته أمام احدى الإشارات فى انتظار أن يُفتح الطريق .. التفت الى الجانب ليجد شاباً يتحدث الى فتاة توليه ظهرها .. كانت الفتاة ترتدى بدى ضيق للغاية على بنطلون سكيني التصق بجسمها تماماً حتى ظهرت كل تفاصيله واضحة للعيان .. كان من الواضح أن الفتاة متضايقه من حديث الشاب .. لكنه ظل يلف ويدور حولها .. التفتت اليه لتحدثه بحده .. لكنه ظل يضايقها حتى تطاول عليها بيده .. انتفض "مراد" وخرج من سيارته مسرعاً .. وتوجه الى الشاب وجذبه من ملابسه وقال بغضب :
- لم نفسك يله .. لو انت مش متربي وملقتش حد يربيك أنا أعرف ازاى أربيك
نظر اليه الفتى فى دهشة وصاح :
- وانت مالك ومالى أنا كلمتك
لكمه "مراد" فى كتفه بقبضة يده قائلا بغضب هادر :
- بتمد ايدك على واحده فى الشارع وأدام الناس عينى عينك كده .. ليه .. فاكر ان البلد دى مفيهاش رجاله
تجمع المارة وحاولوا تهدئة "مراد" الذى يبدو وكأنه قد استشاط غضباً .. فقال الفتى بخوف :
- خلاص محصلش حاجه .. أنا آسف
قال "مراد" بغضب بالغ :
- امشى من أدامى دلوقتى بدل ما أشلفطلك وشك
شعر "الفتى بالخوف من نظرات "مراد" النارية وتعبيرات الغضب التى حولته الى وحش كاسر يكاد أن يفتك بالفتى .. رحل الفتى وهم "مراد" بأنه يتوجه الى سيارته التى تسد الطريق فوقفت الفتاة أمامه قائله :
- ميرسي أوى لحضرتك على اللى انت عملته عشانى
نظر اليها "مراد" بإحتقار قائلاً بحده :
- ماهو العيب مش عليكي .. العيب على الراجل اللى سابك تنزلى من بيته بالمنظر ده .. واللى المفروض ميتقالش عليه راجل أصلاً
تركها وتوجه الى سيارته وقد اشتعلت وجنتاها من الخجل .
8
*****************************
جلس "حامد" فى بيته يشاهد احدى قنوات الرقص .. وصوت التلفاز يكاد يصم الآذان .. عندما رن جرس الباب .. توجه ليفتحه فوجد أمامه امرأة تكشف من جسدها أكثر مما تستر .. نظرت اليه بحده قائله :
- مفاجأة مش كدة
ظهرت عليه علامات الغضب وترك الباب مفتوح ودخل وعاد الى مكانه فوق الأريكة .. دخلت وأغلقت الباب ووقفت تنقل بصرها من التلفاز اليه وقالت :
- ممكن لو سمحت نتكلم شوية
قال بلامبالاه :
- مفيش حاجة نتكلم فيها
أمسك الريموت غاضبة وأغلقت التلفاز بعصبيه وقالت :
- لأ فى يا "حامد"
وقف وقال لها بغضب :
- انتى عايزه ايه يا "هايدى" بالظبط فى ليلتك اللى مش فايته دى
صاحب بغضب هى الأخرى :
- عايزه نتكلم فى المصيبة اللى أنا فيها دى
قال ببرود :
- اديكي قولتى المصيبة اللى انتى فيها .. انا دخلى ايه بأه
هتفت قائله :
- لا انت ليك وليك كمان .. مش انت السبب .. ولا أنا حملت لوحدى
صاح بسخرية :
- وأنا مضربتكيش على ايدك يا "هايدي" .. ومحدش قالك بتقى غبية ومتعمليش حسابك عشان حاجه زى كده متحصلش
قالت بتوتر بالغ :
↚
- يعني ايه يا "حامد" اتصرف ازاى دلوقتى .. وايه اللى يمنع اننا نتجوز
صاح ضاحكاً :
- نـــ ايه ؟ .. سمعيني تانى كده .. نتجوز .. ليه شيفانى عيل برياله هتعرفى تضحكى عليه بكلمتين .. أنا مش بتاع جواز يا كتكوته .. وانتى عارفه كده من الأول
قالت وهى تبكى :
- بس أنا دلوقتى فى مصيبة
قال ببرود :
- اتصرفى عندك مليون طريقة تنزلى بيها اللى فى بطنك
ازداد بكائها قائله :
- بس أنا خايفه يا "حامد" .. خايفة يجرالى حاجه
زفر بضيق وصاح بحده :
- بقولك ايه بطلى قلة مزاج على المسا .. روحى شوفى هتتصرفى فى مصيبتك دى ازاى وحلى عن سمايا
نظرت اليه بإحتقار قائله :
- مكنتش أعرف انك حقير للدرجة دى
قال بسخرية :
- وآديكي عرفتى .. يلا بأه الباب يفوت جمل
جلس مكانه على الأريكة وأعاد تشغيل التلفاز مرة أخرى .. فتوجهت "هايدى" بإنكسار الى الباب وفتحته وخرجت
3
******************************
بعد عدة أيام "طارق" الى مكتب الدعاية .. ودلف الى مكتب "مريم" قائلاً :
- ازيك يا آنسه "مريم"
نظر اليه الثلاث فتيات .. أومأت "مريم" برأسها قائله :
- الحمد لله .. اتفضل يا فندم
جلس "طارق" فى مواجهتها ووجهت شاشة الحاسب تجاهه لتريه التصميمات قبل طبعها .. قال لها مبتسماً :
- شغلك ممتاز فعلاً .. والتعديلات زى ما طلبتها بالظبط .. شكلك فعلاً بروفيشنال
شكرته قائله :
- شكراً لذوق حضرتك
تمعن فى وجهها قائلاً :
- انتى مضايقة منى فى حاجه
نظرت اليه فى دهشة وقالت :
- لأ
قال بإستغراب :
- أمال ليه بتتكلمى معايا ناشف كده .. أنا اعتذرتلك المرة اللى فاتت عن تعبك معايا فى الحملة وأكيد هراعى ده لما آجى أدفع الدفعة التانية من الفلوس
قالت بجديه :
- أنا مش مضايقه من حضرتك فى حاجه .. وأنا مش قصدى أتكلم ناشف بس دى طريقتى وده اسلوبى
ثم عادت تنظر الى الحاسوب قائله :
- ان شاء الله التصميمات هتدخل المطبعه من بكرة .. وخلال 3 أيام بالظبط هتكون كل حاجة جاهزة وتقدر حضرتك تستلمهم فى أى وقت
وقف قائلاً :
- تمام أوى .. حابب أتكلم مع أستاذ "عماد" شوية .. متعرفيش هو فى مكتبه ولا لا
نظرت اليه قائله :
- لأ معرفش .. تقدر حضرتك تسأل السكرتيره
أومأ برأسه قائلاً :
- تمام .. ومتشكر مرة تانية
بعد ربع ساعة .. قامت "مريم" وحملت حقيبتها قائله :
- سلام بأه أنا ماشية
قالت "مى" دون أن ترفع عينيها عن حاسوبها :
- سلام يا "مريم"
سألتها "مريم" :
- مش هتروحى
قالت "مى" بحنق :
- شوية كده .. لسه عندى شغل
قالت وهى تتوجه الى الباب :
- طيب سلام أشوفك بكرة
خرجت "مريم" من باب العمارة لتجد "خالد" يقوم بركن سيارته .. شعرت بالضيق من تلك الصدفة التى جمعتها به ثانياً .. حاولت السير فى طريقها .. لكنه رآها وأقبل عليها يوقفها قائلاً بغضب :
- بأه حته بتاعه زيك ترفض تمسكلى الحملة بتاعتى .. ليه فاكره نفسك مين .. انتى متعرفيش أنا مين ولا ايه يا بت انتى
نظرت اليه بحده ائله :
- مسمحلكش تتكلم معايا بالإسلوب ده
قال بسخريه :
- نعم .. متسمحيليش .. هو أنا محتاج اذنك .. أنا حالا هطلع لمديرك وأخليه يشوف شغله معاكى .. عشان تعرفى ازاى تبقى محترمة وازاى تتكلمي مع الناس المحترمة
قالت بصرامة :
- أنا محترمة غصب عنك .. ومش محتاجة حد يعلمنى ازاى أبقى محترمة
استشاط غضباً وقال :
- انتى ازاى تتكملى معايا كده .. انتى اتجننتى فى عقلك
سمع "طارق" جزء من الحوار عندما خرج من بوابة العمارة وهم بالتوجه الى سيارته لكن صوت الصراخ جذب انتباهه واسمتع الى جزء من الحوار واقترب منهما قائلاً :
- فى حاجه يا آنسه "مريم"
نظر اليه "خالد" قائلاً :
- انت مين انت كمان .. متخليك فى حالك
همت "مريم" بالمغادرة لكن "خالد" وقف أمامها قائلاً :
- استنى أنا لسه مخلصتش كلامى
قالت بصرامة :
- وأنا معنديش استعداد أسمع منك حرف واحد .. عندك مشكلة اعرضها على أستاذ "عماد" ومتضطرنيش أتصرف معاك تصرف ميعجبكش
صاح غاضباً :
- انتى فعلا اتجننتى فى عقلك .. انتى فاكرة نفسك مين يا بنت انتى ما تفوقى لنفسك
وقف "طارق" فى وجهه قائلاً :
- لأ لحد كدة وكفاية .. ازاى تتكلم معاها كده
التفت اليه "خالد" قائلاً :
- وانت مالك انت .. مالك وملها
قال "طارق" بحزم :
- انا خطيبها عندك اعتراض .. يلا اتفضل امشى
شعرت "مريم" بالدهشة لادعائه بأنها خطيبته .. لكن كان هذا كفيل بأن يرحل "خالد" وهو يرمقها بنظرات غيظ .. همت "مريم" بالمغادرة لكن "طارق" أوقفها قائلاً :
- هو بيضايقك ليه
قالت بتوتر :
- عشان رفضت أمسك الحملة الإعلانيه بتاعة شركته
نظر اليها مستفهماً :
- ورفضتى ليه
قالت بإقتضاب :
- عشان انسان مش محترم
ثم قالت دون أن تنظر اليه :
- بعد اذنك
أوقفها قائلاً :
- طيب تعالى اتفضلى معايا وأنا أوصلك
وجهت اليه نظرات نارية لكنها حافظت على هدوء صوتها قائله :
- آسفة مبركبش مع حد .. بعد اذنك
انصرفت "مريم" فى طريقها وعينا "طارق" تتابعانها لفترة ثم ركب سيارته وانطلق فى طريقه
13
****************************
جلست "مريم" كالعادة على الأريكة أمام التلفاز دون أن ترى حقاً ما يتم عرضه أمامها .. كانت فى عالم آخر .. تلقى نظرة كل فترة على الساعة المعلقة على الحائط .. وكالعادة تأهبت عندما اقتربت الساعة من الثانية عشر بعد منتصف الليل .. وتوجهت الى حقيبة الرسائل وأخذت تبحث عن الخطاب الذى يحمل رقم 54 .. دقت الساعة لتعلن الوقت الثانية عشر فتحت الخطاب بلهفة وشغف .. وعيناها تلمعان وبسمة صغيره على شفتيها .. قرأت بعينيها وقلبها وروحها :
- حبيبتى "مريم" .. كيف أنتِ الآن .. أتهتمين بنفسك حبيبتى .. أم عدتِ الى اهمال نفسك وطعامك مرة خرى .. أعلم أنكِ لا ترفضين لى طلباً ولا تعصين لى أمراَ .. لذلك إن كنتى تحبينني بالفعل فستهتمين بنفسك أكثر .. كيف حالك مع الله .. أتواظبين على قراءة وردك أم تتكاسلين .. أعرف جيداً أن حبيتى لا تتكاسل عن فعل الخير .. لكنى أذكرك فحسب .. لا تقطعين خيراً تفعليه .. وارمى سهماً فى كل خير تجديه .. حبيبتى طلبى هذا الإسبوع هو زيارة صغيرة منكِ الى والدتى .. التى أشفق عليها وعلى حالها .. أعلم أنها زيارة لا تفيد .. لكنى أريدك أن تقومى بها .. من أجلى يا "مريم" .. حبيبك : ماجد
ضمت الجواب الى صدرها واستنشقته لعلها تجد رائحة "ماجد" وقد علقت به .. ثم أضافته الى باقى الخطابات فى درج الكمودينو .. أنهت قراءة وردها ووضعت المصحف بجوارها وأغلقت النور .. ظلت شاردة قليلاً .. وعزمت فى الصباح على تنفيذ ما طلبه منها "ماجد" .. زيارة والدتــه التــى تعيـــش فى أحــد دور المسنيـــن .
↚
***************************
حاول "مراد" النوم لكنه شعر بالأرق ففتح الشرفة ووقف فيها .. همت والدته بغلق شباك غرفتها عندما رأته .. فتوجهت الى غرفته وطرقت الباب .. فتح لها "مراد" ودعاها للدخول .. قالت :
- شوفتك من شباك أوضتى عرفت انك صاحى
- مش جايلى نوم
جلست أمه على أريكة فى الغرفة وجلس بجوارها قائلاً :
- عمتو عامله ايه دلوقتى
نظرت اليه بتمعن قائله :
- كويسة .. بس مش هى اللى قلقانى
قال بقلق :
- "سارة" و "نرمين" كويسين
قالت بنبرة ذات معنى :
- أيوة كويسين بس انت اللى مش كويس يا "مراد"
قال "مراد" بهدوء :
- ليه مش كويس ليه ما أنا زى الفل أهو
نظرت اليه أمه بعتاب قائله :
- مش ناوى تفرحنى يا "مراد" و تتجوز وأشوف ولادك وأطمن عليك قبل ما أموت
قال "مراد" على الفور :
- ربنا يبارك فى صحتك وفى عمرك يا أمى
قالت بإصرار :
- رد على سؤالى .. ناوى تتجوز امتى .. ناوى تفرحنى بيك امتى
قال "مراد" بضيق :
- أمى لو سمحتى مش حابب أتكلم فى الموضوع ده
قالت أمه بحده :
- يعني ايه مش حابب .. انت هتفضل دافن نفسك بالحيا كده لحد امتى .. مفيش فى حياتك غير شغل وبس
قام "مراد" بعصبيه وقال :
- وأنا مش حابب يكون فى حياتى غير الشغل وبس
نهضت ووقفت فى مواجهته قائله :
- لأ .. أنا مش ممكن أسمحلك تضيع شبابك كده
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- أنا مبسوط كده
هتفت أمه :
- بس أنا مش مبسوطة يا "مراد" .. ولا انت مبسوط .. ده أنا حتى مبشوفكش بتبتسم .. انت مفيش حاجه بتعملها ولا بتفكر فيها غير شغلك .. حياتك فاضية يا "مراد"
قال "مراد" بحزم :
- لأ مش فاضية انتى و"سارة" و "نرمين" وعمتو ملينها عليا
قالت أمه بحده :
- "مراد" .. دور على عروسه .. ولو مش لاقى قولى وأنا أدورلك .. عايزه أشوفك متجوز يا "مراد" وعندك بيت واسرة
قال "مراد" بمرارة :
- ما أنا اتجوزت يا أمى .. اتجوزت
رقت ملامح أمه وقالت بحزن :
- مش كل البنات يا ابنى زى ......
قاطعها قائلاً بعنف :
- لأ كلهم زى بعض .. ميفرقوش حاجة عن بعض .. كلهم عينه واحده .. وأنا مش ممكن أذل نفسي لواحده فيهم .. ولا يبقى لأى ست تأثير عليا
قتربت أمه منه تحاول تهدئته فقال بحده :
- لو سمحتى يا أمى .. متفتحيش الموضوع ده تانى معايا .. أنا مش هتجوز أبداًً .. مهما قولتى ومهما عملتى .. وده قراري ومش ممكن أغيره أبداً
نظرت اليه أمه بأسى وأستسلام .. ثم غادرت الغرفـة فى صمـــت .. جلس "مراد" على فراشه وهو يغطى وجهه بكفيه ثم قام ودخل الشرفة مرة أخرى وجلس على أحد المقاعد شــارداً .. فى ظلمــة الليــل البهيم
استيقظت "مريم" فى الصباح التالى وقد عزمت على زيارة والدة "ماجد" كما طلب منها فى خطابه الذى قرأته بالأمس .. خرجت وركبت المترو كالعادة وتوجهت الى أحد دور المسنين .. دخلت غرفة والدة "ماجد" لتجدها مستلقية على فراشها تنظر الى سقف الغرفة فى صمت .. شعرت بالألم يغزو قلبها وهى تراها على هذه الحالة .. اقتربت منها .. لم تحرك المرأة ساكناً .. لم تنظر حتى اليها .. ظلت تنظر الى سقف الغرفة وكأنها لا تعى ما يدور حولها .. اقتربت منها "مريم" أكثر ومسحت بكفها على رأسها .. والعبرات تترقرق فى عينيها لحال المرأة النائمة على الفراش أمامها .. اقتربت منها احدى العاملات بالدار .. فالتفتت اليها "مريم" قائله :
- هى عاملة ايه دلوقتى ؟
قالت العاملة فى اسف :
- زى ما انتى شايفه .. مبتتكلمش ولا بتستجيب لأى علاج
قالت "مريم" بحزن :
- مواظبين على العلاج بتاعها
- أيوة من يوم ماجت واحنا بنهتم بيها وبحالتها .. ودكتور الدار كمان مهتم بيها لانها صعبانه عليه .. بس اظاهر انها هتقضى باقى أيامها وهى كده .. لانه بيقول انها مبتستجبش للعلاج نهائى
ألقت عليها "مريم" نظرة متألمه ثم التفتت للمرأة قائله :
- طيب ورجلها
- برده يا بنتى لسه ما بتقدرش تمشى عليها .. لا بتتكلم ولا حتى بتتحرك من مكانها .. ربنا يكون فى عونها
جلست "مريم" قبالتها على الفراش وتحدث اليها قائله :
- ماما .. ازي صحتك .. انتى مش عارفانى .. أنا "مريم"
لم تجد أى استجابه من المرأة .. فانحنت عليها تقبل رأسها وملامح الألم مرسومة على وجهها ثم توجهت "مريم" الى غرفة مديرة الدار وقالت لها :
- مينفعش أخدها تعيش معايا
قالت مديرة الدار :
- لو خدتيها يبأه تخلى بالك انها محتاج معاملة خاصة .. واهتمام 24 ساعة لانها مبتقدرش تعمل أى حاجه لنفسها .. انتى متفرغة
قالت "مريم" بأسف :
- لأ بشتغل .. وللأسف مضطرة أشتغل
قالت مديرة الدار :
- يبقى مش هتعرفى تهتمى بيها يا بنتى .. مينفعش تتساب لوحدها .. لازم مرافق ليها 24 ساعة .. من رأيى خليها هنا أفضل .. لانك مش هتعرفى تهتمى بيها الإهتمام المطلوب
قالت "مريم" بألم :
- طيب وحالتها الصحية .. مش ممكن تتحسن
- والله ده علمه عند ربنا .. بس هى مفيش عندها أى استجابة للعلاج .. ولا بتتفاعل حتى مع غيرها من المقيمين هنا .. ولا بتحاول حتى تتفاعل معاهم .. على طول لوحدها .. هى سامعة وشايفة كل حاجة .. بس مفيش استجابة .. واضح ان صدمتها كانت شديدة أوى
شكرها "مريم" ونهضت بأسى .. خرجت من الدار وهى تحاول أن تغالب دموعها التى انهمرت من عينيها رغماً عنها
******************************
دخلت "سهى" مكتب سكرتيرة "خالد" وقالت لها :
- أنا عندى معاد دلوقتى مع البشمهندس "خالد"
بعد عدة دقائق أدخلتها السكرتيرة .. توجهت الى مكتب "خالد" مبتسمة وقالت :
-ازي حضرتك يا بشمهندس
قال ببرود :
- الحمد لله اتفضلى
جلست وأخرجت ملفاً من حقيبتها وقالت :
- أستاذ "عماد" قالى آجى لحضرتك وأشوف تفاصيل الشغل اللى حضرتك عايزه
قال بنبرة متعالية :
- أيوة لانى مش هاجى شركتكوا تانى.. يعد كدة حد منكوا هو اللى يجيلى هنا وأشرحله اللى أنا عايزه .. لان اظاهر انكوا مبتعرفوش تختاروا الناس اللى بتشتغل فى الشركة .. وأنا لولا سمعتكوا فى السوق وجودة شغلكوا أنا مكنتش اتعاملت معاكوا تانى
ابتسمت "سهى" قوالت :
- أنا مش عارفه حضرتك مضايق مننا ليه .. بس عامة أنا واثقه ان حضرتك مش هتضايق من شغلك معايا
ثم ضحكت قائله :
- هى "مريم" معلش قفل شوية فممكن يكون ده ضايقك
قال بهدوء :
- دى مش قفل .. دى قليلة الأدب
ابتسمت قائله :
- معلش يا بشمهندس حقك علينا .. وان شاء الله هعملك أحسن من الشغل اللى كانت هتعمله "مريم"
ابتسم قائلاً :
- اما نشوف
↚
********************************
جلس الأربعة رجال معاً على طاولة الإجتماعات فبدأ "طارق" فى الحديث قائلاً :
- أنا شايف ان هى دى مواصفات المنتج اللى احنا عاوزينه
أخذ الجميع يتفحص ما أمامهم من قطع ملابس .. قال "سامر" :
- انا كمان رأيي كدة يا "طارق" وكمان دراسة الجدوى اللى عملناها بتقول ان الأرباح هتكون مضمونة ان شاء الله
قال "حامد" :
- يعني رغم انى لسه عند رأيي الأولانى اننا نريح دماغنا ونشتغل للطبقة الراقية .. بس دراسة الجدوى اللى اتعملت شجعتنى بصراحة .. وأنا شايف زيكوا ان المنتج ممتاز زى ما احنا عايزين
التفت "طارق" الى "مراد" قائلاً :
- وانت يا "مراد" ايه رأيك
قال "مراد" :
- ممتاز يا "طارق" .. بس معلش لازم نهتم بالفينيشينج أكتر من كدة
قال "حامد" بسخرية :
- أكتر من كدة ايه يابنى أنا شايف انه مناسب للطبقة المتوسطة دى .. يعني كويس أصلا اننا بنقدملهم منتج بالجودة دى والسعر ده
قال "مراد" بحزم :
- يا نشتغل صح يا منشتغلش .. وأنا بحب أهتم بالتفاصيل الدقيقة دى .. الفينيشينج كويس بس لازم يكون أفضل من كدة
قال "طارق" :
- خلاص مفيش مشكلة نهتم بالفينيشينج أكتر .. وأنا هبلغهم كدة فى المصنع .. بس مبدأياً أنا شايف انه كله تمام
قال "سامر" مستفهماً :
- مش المفروض نبتدى الدعاية .. يعني مش عايزين نتأخر لان الأيام اللى جاية موسم وعايزين نستغلها
أومأ "مراد" برأسها قائلاً :
- فعلاً معاك حق يا "سامر" .. أنا هتكلم مع مدير شركة الدعاية اللى بتعامل معاها ونبدأ فوراً ان شاء الله
قال "طارق" :
- لأ أنا أعرف شركة كويسة وتعاملهم ممتاز ومواعيدهم مظبوطة
التفت اليه "مراد" قائلاً :
- شركة ايه ؟
- اسمها رؤية
فكر "مراد" قليلاً ثم قال :
- مسمعتش عنهم قبل كدة
أخرج "طارق" من حقيبته أحد الملفات وأعطاها الى "مراد" قائلاً :
- دى تصميمات الدعاية اللى عملتها عندهم لشركتى
أخذ "مراد" الملف يتفحصه .. ثم قال مستفهماً :
- أخد منهم وقت أد ايه الشغل ده ؟
قال "طارق" مبتسماً :
- اسبوع
قال "مراد" بدهشة :
- اسبوع .. فترة صغيرة جدا على شغل عالى زى ده
- أيوة الديزاينر الى عملته واضح انها مجتهدة جداً
قال "سامر" مندهشاً :
- فعلاً الشغل ممتاز فى وقت قياسى
قال "مراد" بإعجاب وهو مازال يتفحص التصميمات التى أمامه :
- تنسيق التصميم ممتاز ومكان اللوجو والألوان نفسها والفونت .. بصراحة شغل عالى جداً
ثم التفت الى "طارقٌ" قائلاً :
- وجودة التصاميم بعد التنفيذ
قال "طارق" :
- لسه مستلمتش الشغل بعد يومين هستلمه ان شاء الله بس أنا اتعاملت معاهم قبل كدة من كذا سنة وخامات الورق كانت ممتازة
قال "مراد" بإهتمام :
- طيب تمام يبقى هاتلى رقمهم أو قولى عنوانهم وأنا هتواصل معاهم
صمت "طارق" قليلاً ثم قال :
- كدة كدة أنا بتعامل معاهم .. سبنى أنا اتفق معاهم على الحملة بتاعة شراكتنا .. وعامة احنا الاتنين ذوقنا فى الشغل واحد
قال"حامد" ساخراً :
- وأنا و "سامر" ملناش رأي فى القصة دى ولا ايه
التفت اليه "سامر" وهو ينظر الى التصميمات قائلاً :
- ديزاينر زى دي تسلمها نفسك وانت مطمن .. بجد شغلها راقى جداً
التفت الي "طارق" قائلاً :
- اسمها ايه يا "طارق"
نظر اليه "طارق" قائلاً :
- "مريم"
لوك "سامر" الاسم فى لسانه قائلاً :
- "مريم" .. بس ليه مش ماضيه على التصميمات بإسمها
هز "طارق" كتفيه قائلاً :
- معرفش بس أكيد عشان بتشتغل تبع شركة دعاية فالامضاء بتكون باسم الشركة مش بإسمها هى
قال "سامر" بحماس :
- على فكرة لو اشتغلت لوحدها هتعمل اسم جامد
قاطعهم "مراد" وهو يقف قائلاً :
- خلاص زى ما اتفقنا .. "طارق" اهتم بموضوع الفينيشينج والحملة .. سلام أنا راجع المكتب عشان عندى معاد دلوقتى
خرج "مراد" فهتف "حامد" قائلاً :
- الراجل ده مبيريحش نفسه أبداً .. ده ماكنة شغل
قال "سامر" وهو ينهض :
- وعشان كدة دماغه جامدة فى الشغل .. وتدخل معاه أى مشروع وانت مطمن .. يلا سلام يا شباب
قال له "حامد" مبتسماً :
- امتى افتتاح الجاليري بتاعك
ابتسم "سامر" قائلاً :
- يعني لسه شوية .. بظبط فيه .. بس قريب أكيد
قال "طارق" مبتسماً بحماس :
- ايه ده أخيراً نويت تعرض أعمالك على الناس
قال "سامر" :
- أيوة يا سيدى خلاص نفذت الفكرة اللى كنت بأجل فيها
قال "طارق" مشجعاً ايه :
- متقلقش يا "سامر" ان شاء الله هينجح نجاح كبير لانك فنان موهوب
قال "حامد" ساخراً :
- آه موهوب أوى هتقولى على مواهبه
التفت اليه "سامر" بحده :
- هو انت مبتعرفش تقول كلمة كويسة أبداً .. كل كلامك سخرية كده
نهض "حامد" وتوجه الى الباب قائلاً :
- سيبنالكوا انتوا الكلام الحلو .. يلا سلام أنا كمان مش فاضيلكوا
********************************
اقتربت "مى" من "مريم" الجالسه على مكتبها وقالت :
- ايه اللى حصل امبارح ؟
نظرت اليها "مريم" بدهشة وقالت :
- مش فاهمة .. ايه اللى حصل فى ايه
ألقت "مى" نظرة على "سهى" المندمجة فى عملها وقالت ل "مريم" بخفوت :
- نزلت امبارح بعدك على طول أجيب حاجة من السوبر ماركت اللى أدم العماره .. لقيتك واقفة مع الأستاذ "طارق" بتتكلموا وبعدين سبتيه ومشيتي
قالت "مريم" وهى تضرب بأصابعها فوق لوحة المفاتيح :
- مفيش اللى اسمه "خالد" ده وقفنى وكان بيغتت عليا .. فجه أستاذ "طارق" يشوف فى ايه
نظرت اليها "مى" وقالت بإهتمام :
- قالك ايه يعني
قالت "مريم" بنفاذ صبر وهى تنظر اليها :
- ما قاليش حاجه يا "مى" هيقولى ايه يعني سأل بس هو فى ايه .. واللى اسمه "خالد" ده عمال بيتغابي فى الكلام فأستاذ "طارق" حاشه عنى واضطر يقوله انى خطيبته عشان يسيبنى ويمشى
قالت "مى" بضيق :
- قال انك خطيبته ؟
قالت "مريم" بصوت خافت :
- أيوة اضطر يقول كده عشان "خالد" يحترم نفسه ويمشى
أومأت "مى" برأسها وعادت الى مكتبها ويبدو عليها علامات الضيق والحنق
3
↚
**************************
- مش عايز جنس مخلوج يعرف .. وحجك محفوظ
تفوه "جمال" بتلك العبارة وهو جالس مع أحد الرجال فى مكتبه .. قال الرجل بتوتر :
- بس آنى خايف يا "جمال" بيه
قال "جمال" بحده :
- خايف من اييه دلوجيت .. انت كل اللى مطلوب منيك انك تجبلى نسخه من الملف بس اكده ولا من شاف ولا من درى
قال الرجل بخوف :
- بس لو "عثمان" بيه درى بالموضوع والله ليطوخنى
هتف "جمال" :
- واييه اللى هيخليه يدرى بس .. انت لو عملت اللى جولتلك عليه مفيش حد هيعرف شئ واصل
ثم أخرج عدة رزم نقدية من الخزينه الموضوعه بجوار مكتبه وألقاها على الرجل قائلا:
- خد دول .. ولما تجبلى نسخة من الملف هعطيك زييهم
نظر الرجل الى المال وقد لمعت عيناه وقال :
- انت تأمر يا "جمال" بيه آنى خدامك وخدام عيلة الهوارى
نظر اليه "جمال" بسخرية قائلا :
- وعشان اكده بتشتغل عند عيلة السمرى مش اكده
قال الرجل بحرج :
- أصلهم بيدفعوا امنيح يا "جمال" بيه
أشار "جمال" الى الباب قائلاً :
- طب يلا روح اعمل اللى جولتلك عليه .. بس اوعى حسك عينك حد يدرى بالكلام اللى دار بيناتنا دلوجيت .. انت مش جد الوجوف جدامى ها
قال الرجل بسرعة :
- طبعا يا "جمال" بيه طبعا
*************************
دخل "طارق" مكتب "مراد" الذى كان يجلس بصحبة "سامر" .. قال "طارق" :
- سلام يا "مراد" أنا ماشى عايز حاجه
تطلع اليه "مراد" قائلاً :
- هتروح شركة الدعاية
أومأ "طارق" برأسه قائلاً :
- أيوة .. هتفق معاهم على الحملة بتاعة مشروعنا الجديد
فكر "مراد" قليلاً ثم قال :
- عرفت اللى احنا محتاجينه تحديداً مش كدة
- أيوة أيوة متقلقش .. يلا سلام
خرج "طارق" وتوجه الى سيارته لكنه وجد "سامر " خلفه يقول :
- جاى معاك يا باشا
ركب "سامر" بجوار "طارق" الذى سأله بدهشة :
- جاى معايا ليه
نظر اليه "سامر" بخبث قائلاً :
- عايز أشوف الفنانه اللى عملت التصميمات بتاعة شركتك .. يعني .. هى فنانه وأنا فنان فممكن نفهم بعض من أول نظرة
وغمز "سامر" بعينه .. انطلق "طارق" بسيارته صمت لفترة ثم قال بهدوء :
- متتعبش نفسك لأنها مش تيمك
ضحك "سامر" قائلاً :
- وعرفت منين انها مش تيمي
- لما تشوفها هتعرف وتتأكد ان كلامى صح
- سيبنى أنا اللى أحكم
قال "طارق" بهدوء :
- براحتك .. بس أنا حذرتك .. تاعب نفسك فى المشوار على الفاضى
دخل "طارق" و "سامر" الى مكتب "مريم" .. اقترب "طارق" من مكتبها قائلاً :
- مساء الخير يا آنسه "مريم"
رفعت "مريم" رأسها قائله :
- مساء النور يا أستاذ "طارق" .. اتفضل
جلس "طارق" و "سامر" .. ألقت "مريم" نظرة على "سامر" ثم وجهت الكلام الى "طارق" قائله :
- أنا قولت لحضرتك آخر مرة ان الشغل هيكون جاهز بعد بكرة مش النهاردة
ابتسم "طارق" قائلاً :
- لأ أنا مش جاى عشان الشغل بتاعى .. أنا جاى عشان عايزك تمسكى حملة تانية .. خاصة بمصنع ملابس وماركة جديدة نازلة السوق
قالت "مريم" بهدوء :
- بس الكلام عن جملة جديدة بيكون مع أستاذ "عماد" وهو بيختار الديزاينر اللى بيقوم بالحملة
رفع "طارق" حاجبيه قائلاً بتأكيد :
- لازام انتى اللى تمسكلى الحملة دى .. لاننا عجبنا شغلك انتى .. وبصراحة شريكى لما شاف شغلك انبهر بيه وعشان كدة عايزينك انتى اللى تمسكى حملة الدعاية بتاعتنا
كان كل من "مى" و "سهى" تتابعان الحوار الدائر بإهتمام .. قالت "مى" بشئ من الحنق :
- مفيش مشكلة يا أستاذ "طارق" .. حضرتك كلم الأستاذ "عماد" وأنا عن نفسي خلصت الحملة اللى شغاله عليها وممكن أمسك حملة حضرتك وأظن حضرتك جربت شغلى وعارفه كويس
التفت لها "طارق" وقال مبتسماً :
- طبعاً وشغلك ممتاز .. بس شريكي أعجب بشغل الآنسة "مريم" عشان كده عايزها تحديداً اللى تمسك حملتنا
فى هذه الأثناء كان هناك نظرات وابتسامات متبادلة بين "سامر" و "سهى" .. قال "طارق" لـ "سامر" :
- مش كدة يا "سامر" ؟
نظر اليه "سامر" وبدا وكأنه لم ينتبه للكلام فقال :
- ايه .. بتقول ايه
- بقولك اننا عايزين الآنسة "مريم" تحديدا اللى تمسك حملتنا مش كدة ؟
قال "سامر" بسرعة :
- أيوة أيوة طبعا .. شغلها ممتاز فعلاً
قالت "مريم" بهدوء :
- طيب حضرتك قول الكلام ده للأستاذ "عماد" وأنا عن نفسي معنديش مشكلة انى أشتغل فى الحملة الدعائية لحضرتك
ابتسم "طارق" قائلاً :
- تمام كدة . .هنروح حالا نتكلم مع أستاذ "عماد" .. وبكرة ان شاء الله هرجعلك تانى عشان نتكلم فى التفاصيل
قالت "مريم" :
- ممكن نتكلم فيها النهاردة بدل ما حضرتك تروح وتيجي تانى
ابتسم لها "طارق" مرة أخرى قائلاً :
- معلش خليها بكرة .. يلا سلام أشوفك بكرة ان شاء الله
خرج الاثنان وتوجها الى مكتب "عماد" للاتفاق على الحملة الجديدة .. ثم توجها الى سيارة "طارق" .. انطلق "طارق" فى طريقة فابتسم له "سامر" بخبث قائلً :
- هو فيه ايه بالظبط يا "طارق"
التفت اليه "طارق" بدهشة :
- مش فاهم تقصد ايه
- كان ممكن تقولها تفاصيل الحملة الموضوع مكنش هياخد 10 دقايق
نظر "طارق" أمامه ولم يعلق فضحك "سامر" قائلاً :
- معاك حق هى مش تيمي خالص
ثم التفت اليه بخبث قائلاً :
- بس خدت بالك من الموزه اللى كانت معاها فى المكتب
قال له "طارق" :
- مين قصدك .. انهى فيهم
- اللى كانت لابسه بدرى روز
مط "طارق" شفتيه قائلاً :
- مخدتش بالى منها
رفع "سامر" حاجبه قائلاً :
- آه صح .. ما انت كنت مركز فى حتة تانية
التفت اليه "طارق" قائلاً :
- "سامر" يا حبيبى .. خليك فى حالك أحسن
ابتسم "سامر" ونظر أمامه .. أما "طارق" فقد بدا عليه الشرود والتفكير
1
********************************
عاد "مراد" الى بيته وتوجه الى غرفة الطعام حيث كان الجميع مجتمعاً :
- مساء الخير يا جماعه
- مساء النور
مساء النور يا أبيه
قال "مراد" وقد بدا عليه الإرهاق :
- أنا طالع أغير هدومى وأنام
قالت له أمه بحده :
- مش هتتعشى يعني
- لأ مليش نفس .. تصبحوا على خير
دخل غرفته فوجت والدته خلفه .. دخلت وأغلقت الباب ووقفت أمامه . ثم .. أخرجت احدى الصور من جيبها ومدت يدها اليه .. أخذ الصورة بدهشة .. فوجدها صور لفتاة جميلة محجبة .. نظر الى والدته قائلاً :
- ايه ده ؟
قالن له "ناهد" بحزم :
- عروسة .. بنت واحدة صحبتى .. بنت عيلة كبيرة ومحترمة و مهندسة و .....
قاطعها "مراد" وهو يلقى بالصورة على الكمودينو قائلاً بضيق :
- تانى يا أمى .. تانى
صاحت بغصب :
- تانى وتالت ورابع وعاشر لحد ما تريح قلبي وتتجوز
صاح بحده :
- يعني هو جوازى اللى هيريح قلبك
- أيوة يا "مراد"
صمت قليلا وبدا وكأن عيناه تشتعل غضباً ثم قال بصرامة :
- ماما.. أنا مش هتجوز .. أنا مش هتجوز .. فاهمة معنى كلامى . أنا .. مش .. هتجوز .. أبداً
نظرت اليه أمه بغضب .. ثم تركت الغرفة وخرجت وأغلقت الباب خلفها بشدة .. زفر "مراد" بضيق وجلس على فراشه وقد بدا عليه الغضب .. التفت للصورة الموضوعه على الكمودينو بجواره ودون أن يلقى عليها نظرة أخرى مزقها قطع صغيرة ثم قام وألقاها فى سلة المهملات .
↚
******************************
عادت "مريم" الى بيتها .. وحضرت لنفسها الطعام وجلست تتناوله فى صمت وهدوء .. ألقت نظرة على باب الغرفة المغلقة بجوار غرفتها .. نهضت وكأن شيئاً يسحبها تجاه تلك الغرفة .. فتحت بابها ببطء .. وأضاءت النور .. وقفت تتطلع الى أثاث الغرفة بأعين دامعة .. اقتربت ببطء وجلست على الفراش .. وأخذت تتحسسه بأصابع يدها فى رقه .. نهضت وأغلقت الضوء والباب .. وتوجهت الى اللاب توب الخاص بها حملته الى فراشها وتدثرت بغطائها .. وفتحت أحد الملفت التى كُتب عليها "عائلتى" .. أخذت تتطلع لبعض الصور الموجودة فى الملف .. صورتها منذ عدة سنوات وقد بدت أصغر سناً وأكثر اشراقاً وبهجة .. وصورة تجمعها بفتاة تصغرها ببضع سنوات وكل منهما تعانق الأخرى وتبتسم للكاميرا .. وصورة تجمعها بإمرأة كبيرة وقد لفت "مريم" ذراعها حولها وقبلتها على وجنتها .. وصورة تجمعها بالمرأة وبالفتاة وبرجل كبير بدا عليه سماة الرجولة والصلابة .. أخذت تتحسس بأصابعها تلك الصورة على الشاشة وعيناها تزرف الدموع فى صمت .. وشفتيها ترتجفان وهى تطبق عليهما بشدة وكأنها تحاول حبس صرخة ألم كادت أن تخرج من أعماق روحها .. ثم توجهت الى ملف آخر عنوانه "حبيبى" .. أخذت تتطلع لعشرات الصور التى تجمعها بشاب طويل نحيل خمرى البشرة ذو ملامح مليحة .. عشرات الصور فى أماكن وأوضاع عديدة .. فى احدى البواخر فى النيل .. على أحدى الكبارى .. على شط البحر .. فى أحدى الحدائق .. عشرات الصور التى تبدو فيها "مريم" وكأنها فتاة أخرى .. فتاة تشع بهجة وسعادة وابتسامتها الجميلة لا تفارق ثغرها أبداً .. سقطت عبرة خلف عبرة .. وضعت الاب توب بجانبها على السرير ونامت بجواره وهى تنظر الى صورة تجمعها بذلك الرجل وهو يجلس على كرسي بجوارها وكلاهما يلبس دبلة بيده اليمنى .. وكانت هذه آخر صورة رأتها قبل أن تغمض عينيها وتغط فى النوم .
خرج "مراد" من غرفته فى الصباح ومر قبل نزوله على غرفة عمته .. طرق الباب فسمحت له بالدخول .. اقترب منها قائلاً :
- صباح الخير يا عمتو
قالت بوجوم :
- صباح الخير يا "مراد" يا ولدى
ابتسم وقال :
- ايه اخبار صحتك النهاردة
- تمام يا ولدى الحمد لله
تمعن "مراد" فى النظر اليها ثم قال :
- فى حاجة مضايقاكى يا عمتو ؟
صمتت طويلاً ثم نظرت اليه قائله بقلق :
- فى خراب هيحل علينا يا ولد أخوى .. جلبي مش مطمن وبحلم بأحلام جلجه منامى
جلس على الفراش بجوارها ونظر اليها قائلاً :
- ليه بتقولى كده يا عمتو .. وحلمتى بإيه
قالت "بهيرة" بجدية بالغة :
- جلبي متوغوش جوى يا ولدى .. ومجدرش أحكيلك الأحلام البشعة اللى بشوفها .. لأن سيدك وحبيبك النبي جال "لا تحدّث الناس بتلعُّب الشيطان بك في منامك "
قال "مراد" :
- عليه الصلاة والسلام .. ممكن تكون أطغاث أحلام يا عمتو .. متشغليش بالك بيها
لمست كفه قائله بجديه :
- خلى بالك من نفسك يا ولدى ومن أمك واخواتك
وضع "مراد" كفه الأخرى فوق كفها قائلاً بإبتسامه :
- متقلقيش يا عمتو .. كلكوا فى عنيا
- ربنا يبارك فيك وينورلك طريجك وما يشمت حدا فيك
2
******************************
أدخلت سكرتيرة "خالد" "سهى" الى مكتبه فقالت مبتسمه :
- ازيك يا بشمهندس
مدت له يدها فقام وسلم عليها مبتسماً :
- ازيك انتى يا آنسه "سهى"
قالت برقه :
- تمام الحمد لله .. معلش هعطلك شوية بس فى حاجات مش واضحة ومحتاجه أعرفها من حضرتك قبل ما أبدأ شغل
ابتسم لها بخبث وقد شعر بأنها حجه ليس إلا .. وقال :
- لا أبداً مفيش مشكلة اتفضلى استريحى
جلست "سهى" فقال :
- تحبي تشربي ايه بأه
قالت بمرح :
- أنا مبشربش غير عصير .. لا ليا فى الشاى ولا فى القهوة
ضحك قائلاً :
- فى حد ميشربش شاى ولا قهوة
قالت بدلع :
- أنا يا بشمهندس .. كل الناس بتستغرب لما بقول كده .. بس أنا مبحبهمش
نظر اليها بخبث قائلاً :
- حظهم وحش
ابتسمت بسرور .. وقد أخذ الإثنان يتطلعان لبعضهما البعض وعيناهما تقول الكثيــر.
******************************
جلس "طارق" قبالة "مريم" على مكتبها وأخذ يشرح لها طلباته فى الحملة الإعلانيه .. كنت تستمع اليه بإهتمام وتدون ما يقول .. لم يرفع عينيه عن وجهها .. شعر بالحيرة من نظرة عينيها الحزينة .. دائماً يرى الحزن فى عينينها .. أخذ يسأل نفسه .. تُرى ما سبب حزنها ؟ .. انتهى من الحديث .. فنظرت اليه "مريم" وقالت بجديه :
- تمام يا أستاذ "طارق" .. بس الشغل المرة دى هياخد وقت أطول يعني نقول من 10 أيام لاسبوعين
ابتسم قائلاً :
- مفيش مشكلة خالص .. وطالما انتى اللى ماسكة الحملة يبأه أنا مطمن جداً .. بصراحة شغلك ممتاز ودخل دماغى أوى .. وباين عليكي موهوبة فعلاً
شعرت بالخجل لإطرائه ولاحت ابتسامه صغيره على شفتيها وخفضت بصرها قائلاً :
- متشكره لذوق حضرتك
قال لها فجأه :
- تعرفى دى أول مرة أشوفك مبتسمه من يوم ما بدأت الشغل معاكى
اختفت ابتسامتها الصغيرة سريعاً ليحل محلها تعبيراً جاداًُ .. كانت "مى" ترمقهما شزراً .. وازدادت عصبيتها بعدما سمعت جملة "طارق" الأخيره .. قالت "مريم" بجدية :
- فى أى اضافات تحب حضرتك تضيفها
قال"طارق" :
- لأ كده تمام .. ومتشكر جداً انك وافقتى تمسكى الحملة بتاعتنا .. وان شاء الله مش هيكون آخر تعامل بينا
ثم قال:
- صحيح قوليلي اسمك "مريم" ايه ؟
قالت بخفوت :
- "مريم خيري"
نهض من مقعده ومد يده اليها قائلا بإبتسامه :
- تمام .. أشوف بعد 10 أيام ان شاء الله
قامت من مكانها وقالت بهدوء :
- أنا آسفه مبسلمش .. ان شاء الله الشغل يخلص فى معاده
أعاد "طارق" يده بجواره وابتسم قائلاً :
- برافو عليكي .. بتعملى الصح حتى لو كان صعب ومحرج
لم ترد وتجنبت النظر اليه .. قال قبل أن يغادر :
- مع السلامه وشكرا مقدماً على الشغل
خرج "طارق" .. فجلست "مريم" مرة أخرى على مكتبها .. التقت عيناها بعين "مى" التى بدا عليها الحنق والضيق .. قالت "مى" بتهكم :
- ما شاء الله عليه لماح أوى .. واخد باله اذا كنتى بتبتسمى ولا مبتبتسميش
قالت "مريم" بضيق وهى تلتفت الى حاسوبها :
- مفيش داعى للكلام ده يا "مى"
كتمت "مى" غيظها ثم عادت الى عملها وهى تحاول التركيز .. لكن عبثــاً
6
↚
********************************
توجه "أشرف" الى مكتب "عماد" .. فقال له :
- تعالى اتفضل يا "أشرف"
جلس "أشرفف .. فسأله "عماد" قائلاً :
- أخبار شغل مكتب الديكور ايه ؟
قال "أشرف" بحماس :
-لا حضرتك متقلقش الشغل عجبهم جدا وطالبين كميات تانية
ابتسم "عماد" وقال :
- ممتاز
تنحنح "أشرف" وقال :
- بصراحة أنا كنت عايز أتكلم مع حضرتك فى موضوع شخصي
- اتفضل يا "أشرف"
بدا عليه التردد وهو يقول :
- يعنى .. بصراحة .. أنا عايز أتقدم للآنسه "مريم"
اتسعت ابتسامة "عماد" وهو يقول :
- يازين ما اخترت .. مش هتلاقى أحسن منها يا "أشرف"
ابتسم "أشرف" وقال :
- عارف يا أستاذ "عماد" .. وبصراحة أنا مش عارف أتقدم لمين ..يعني حضرتك عارف ظروف "مريم" .. وأنا بصراحة اتحرجت أكلمها مباشرة .. ومبقتش عارف أعمل ايه .. ففكرت ان حضرتك تعرض عليها الموضوع وترفع عنى الحرج ده
قال "عماد" بسعادة :
- متقلقش أنا هعرض عليها الموضوع وان شاء الله خير
قال "أشرف" بتوتر :
- بصراحة أنا خايف ترفض
صمت "عماد" قليلاً ثم قال :
- مظنش ترفض يا "أشرف" انت انسان كويس وأى واحدة تتمناك
قال "أشرف" ببعض الضيق :
- بس حضرتك عارف موضوع "ماجد" .. يعني أنا خايف تكون لسه متعلقه بيه
قال "عماد" بجديه :
- "مريم" لازم تشوف حياتها .. اكيد مش هتفضل طول عمرها كده ..متخفش أنا أظن انها هتوافق ان شاء الله
قال "أشرف" بلهفه :
- يارب ان شاء الله
********************************
1
- انت مش هتيجي تتجدملى بجه يا "جمال"
قالت "صباح" هذه العبارة وهى تلتقى بـ "جمال" سراً فى مكانهما المعتاد .. قال بضيق :
- انتى شايفه الظروف عامله ازاى يا "صباح"
قالت بحزن :
- ظروف ايه يا "جمال" .. آني لما بخرج أجابلك ببجى مرعوبه لحدا يشوفنى .. ونفسى ما يبجاش اللى بينا فى السر كاننا بنسرج
قال "جمال" بحنق :
- انتى عارفه كويس العداوة اللى بين عيلتى وعيلتك يا "صباح" أنا خايف من اكده
هتفت "صباح" بحده :
- عداوة ايه اللى بتتكلم عنها يا "جمال" خلاص دى راحت لحالها .. من يوم اللى حصل والعيلتين اتحدوا سوا وجربوا من بعض
- بس لسه النفوس شايله يا "صباح"
- لأ يا "جمال" بيتهيجلك .. احنا خلاص معدش فى بينا وبينكوا أيتها عداوة .. ازاى يبجى فى عداوة بعد ما العيلتين حموا بعض وداروا على بعض عشان التار اللى عليهم
قال "جمال" وهو شارد :
- اه بس لو أعرف الحجيجه
تنهدت "صباح" بحسره قائله :
- خلاص "خيري" مات الله يرحمه .. ومات السر معاه
قال "جمال" مفكراً :
- تفتكرى مين فعلاً اللى كان ظالم ومين اللى كان مظلوم
قلت "صباح" بإباء :
- أخوى ما جتلش حدا يا "جمال" .. أخوى ميعملش اكده واصل
صاح "جمال" بحده :
- وآني عمى ميعملش اكده واصل .. آني متأكد ان أخوكى هو اللى عيميلها يا "صباح" .. وعمى هو اللى دفع التمن
قالت "صباح" بغضب :
- وليه ميكنش عمك اللى عيميلها وأخوى هو اللى دفع التمن
صاح "جمال" بغضب مماثل :
- جولتلك عمى ميعملش اكده واصل .. عمى كان راجل يعرف ربنا وكان سيد الرجاله وكل الناس كانت تحكى عن جدعنته ورجولته
قالت بتعالى :
- وآني كمان أخوى كان راجل من ضهر راجل .. وزبيبة الصلاه فوج جبينه
قال "جمال" بغضب وهو ينصرف :
- فتك بعافيه يا "صباح" .. كلامك بجه سم بيهري فى جتتى
نظرت اليه "صباح" بحزن وهو يبتعــد
***********************************
دخلت "مريم" مكتب "عماد" بعدما أرسل "صفاء" سكرتيرته فى طلبها .. تقدمت قائله :
- أفندم يا أستاذ "عماد"
أشار "عماد" الى المقعد أمام المكتب قائلاً :
- اتفضلى اعدى يا "مريم"
جلست "مريم" ونظرت اليه بإنتباه .. بدا وكأنه يفكر فى طريقه لعرض الموضوع عليها .. انتظرت أن يتحدث حتى قال :
- "مريم" .. فى واحد زميلك هنا فى الشركة .. طلب انه يتقدملك
شعرت "مريم" بالخجل والإحمرار بدأ فى غزو وجنتيها وأطرقت برأسها .. فأكمل "عماد" :
- هو عارف ظروفك .. وعشان كده معرفش يتكلم مع مين .. وجالى
ثم ابتسم قائلاً :
- أنا بعتبرك أخت صغيره ليا يا "مريم" وعشان كده بكلمك كأخ وبقولك .. الشاب ده ممتاز وفعلاً راجل محترم و ...
قاطعته "مريم" قائله بضيق :
- بعد اذنك يا أستاذ "عماد" .. انا معنديش استعداد للارتباط حالياً
قال فى هدوء :
- مش تعرفى هو مين الأول
قالت بحزم :
- مش هتفرق
صمت قليلاً ثم قال :
- "أشرف"
نظر اليه بدهشة .. وصمتت لحظات ثم عادت لتقول بحزم :
- زى ما قولت لحضرتك الموضوع ده مبفكرش فيه حالياً
بدا عليه الجزن لردها .. ثم قال :
- خلاص يا "مريم" اتفضلى على مكتبك .. بس أتمنى انك تفكرى كويس الأول .. انا مش هديله رد الا لما تفكرى وتردى عليا
قالت بجديه بالغه :
- أنا مش هغير رأيي أبداً يا أستاذ "عماد" .. فياريت حضرتك تبلغه من دلوقتى بدل ما ينتظر على الفاضى
ثم نهضت وقالت :
- بعد اذنك
عادت الى مكتبها وهى شارده تماماً ومقطبة الجبين .. انتبهت "مى" لحالها فاقتربت منها قاله :
- خير مالك .. كان أستاذ "عماد" عايزك فى ايه
قالت بضيق :
- مفيش
التفتت الى الحاسوب تكمل عملها فى صمت .. أخذت "مى" تمعن النظر اليها وقالت :
- لأ فى .. واضح على وشك انه فى .. قالك ايه ضايقك
نظرت اليها "مريم" وقالت بحده :
- تصورى ان "أشرف" قال لأستاذ "عماد" انه عايز يتقدملى
ابتسمت "مى" وصفقت بيدها بمرح وقالت :
- كنت واثقه ان احساسى صح .. يا سلام عليكي يا "مى" تفهميها وهى طايره
قالت "مريم" بضيق :
- "مى" قفلى على الموضوع
جذبت "مى" احدى الكراسى وجلست بجوارها وقالت بحده :
- ممكن أفهم انتى ليه رافضه .. "أشرف" راجل ممتاز بجد .. والكل بيشكر فيه
قالت "مريم" بنفاذ صبر :
- أنا ما قولتش انه وحش
- أمال ايه ؟ .. رفضاه ليه ؟
صمتت "مريم" فقالت "مى" بحده :
↚
- "مريم" فوقى بأه .. انسى "ماجد" بأه .. راح ومش هيرجع تانى
نظرت اليها "مريم" بألم وقد تجمعت الدموع فى عينيها .. رق قلب "مى" لحالها وقالت بهدوء :
- مش قصدى أضايقك .. بس لازم تعيشي حياتك بأه
تساقطت العبرات من عينيها قائله :
- مش قادرة يا "مى" .. مش قادره أنساه .. مش قادره
نظرت اليها بحنان وقالت :
- لازم تحاولى تنسيه .. وتعيشي حياتك
قالت "مريم" بشفتين مرتجفتين :
- أنساه ازاى يا "مى" .. ازاى أنساه .. "ماجد" كان روحى .. كان حياتى .. كان مستقبلى .. كان الحاجه الوحيدة اللى بتخليني مبسوطه وفرحانه .. كان الحضن الدافى .. كان الانسان الوحيد اللى بحس معاه بالأمان .. كان الهوا اللى بتنفسه يا "مى" .. فاهمه يعني ايه الهوا اللى بتنفسه .. يعني أنا دلوقتى ميته
قالت "مى" بحزم :
- لأ انتى عايشه مش ميته .. هو اللى مات يا "مريم" .. "ماجد" اللى مات مش انتى
انفجرت "مريم" فى البكاء قائله :
- أنا مت يوم ما مات يا "مى"
اقتربت منها "مى" وحضنتها قائله بأسى :
- الموضوع ده فات عليه أكتر من سنة يا "مريم" .. لازم تحاولى تنسى بأه
قالت "مريم" من بين شهقاتها :
- حتى لو مر عشر سنين مش ممكن أنساه أبداً .. ومش ممكن أتجوز واحد غيره .. أنا مراته هو وبس .. وان شاء الله ربنا هيجمعنى بيه فى الجنه .. وأبقى مراته هناك
رفعت "مريم" رأسها ونظرت الى "مى" بوجه مبلل بالدموع وقالت بصوت مرتجف :
- الواحده فى الجنة بتكون لآخر راجل اتجوزته .. وأنا مش عايزه أكون فى الجنه مرات حد تانى غيره .. انا عايزة أبقى مرات "ماجد" فى الجنة يا "مى" .. دى الحاجه الوحيدة اللى مصبرانى .. عشان كدة مش ممكن أتجوز واحد غيره .. مش عايزه أتجوز غيره يا "مى"
كانت "مريم" تبكى وترتجف بشدة .. نظرت اليها "مى" بأسى وحضنتها مرة أخرى لتهدئ من روعهــا .
2
********************************
خرج "عثمان" من سيارته مسرعاً وصعد سلالم الشركة بسرعة ودخل مكتبه ليجد رجلين ينتظراه بالخارج فأشار لهما بالدخول .. جلس أما مكتبه وقال لهما :
- فى اييه .. اييه اللى حصل
قال أحدهما :
- لجينا راجل يا "عثمان" بييه عم بيدور فى مكتبك على ورج .. بعد ما كل الموظفين روحوا بيوتهم .. كشفناه بكاميرات المراجبه .. ومسكناه وحبسناه فى المخزن
نهض "عثمان" وسبقهما قائلاً :
- تعالوا معايا
نزل "عثمان" الى المخزن وفتح الرجال الباب .. نظر الى الرجل المربوط الى الكرسي وقال بغلظة :
- انت ميين .. وميين اللى باعتك .. وكنت عم بتدور على اييه فى مكتبي
نظر اليه الرجل بخوف دون أن يتحدث .. فلكمه "عثمان" على وجه وسال دمه .. وصرخ به قائلاً :
- يمين بالله لو متكلمتش وجولتلى كل حاجه لكون طخك بيدى
قال الرجل بخوف :
- أبوس يدك يا "عثمان" بييه .. انا معرفش كيف الشيطان وزنى خلانى أعلم اكده
صرخ به "عثمان" قائلاً :
- جاوبنى يا ولد التيييييييييييت اييه اللى دخلك مكتبي ومين اللى وزك
بلع الرجل رقه بصعوبه وهو محتار أيتحدث أم يصمت .. فجأة أخرج "عثمان" سلاح من ثيابه وصوبه الى الرجل قائلاً :
- اتشاهد على روحك يا ولد التيييييييييييييت
أغمض الرجل عينيه وقال بسرعة :
- هجولك كل شئ يا "عثمان" بييه بس أبوس يدك ما تجتلنيش أنا راجل عندى مره وعيال
- جول انطج
بلع الرجل ريقه وقال بخوف :
- كنت عم بدور على ملف تبع مواعيد شحنات الألومنيوم اللى طالعه من المخزن عشان طلبيات المناجصة
صمت "عثمان" قليلاً ثم قرب وجهه من الرجل قائلاً :
- مين اللى جلك تعمل اكده ؟
قال الرجل بتوتر :
- "جمال" بييه
بدا وكأن "عثمان" تحول الى تمثال لا يتحرك .. ثم بدت ملامح وجهه وكأنه تحول الى وحش كاسر .. وقال بصرامة :
- أني هعرف كيف أربيك يا "جمال" الـتييييييييت
*******************************
جلس "مراد" مع "طارق" فى أحد المطاعم .. قال "طارق" :
- مش عارف ليه مش مرتاح ل "حامد" ده خالص
قال به "مراد" وهو يفكر بتمعن :
- أنا كمان مش مرتاحله كشخص .. بس فى الشغل هو كويس .. واحنا محتاجين علاقاته فى شراكتنا الجديده
قال "طارق" :
- على رأيك فعلا هو هيخدمنا جامد
صمت قليلاً ثم سأله "مراد" :
- عملت ايه فى موضوع شركة الدعاية
ابتسم "طارق" :
- لا متقلقش كله تمام .. اتفقت معاهم على كل حاجه وهستلم التصاميم بعد 10 أيام ان شاء الله
شرد "طارق" قليلاً ثم قال :
- عارف يا "مراد" .. البنت المسؤلة عن الحملة .. بنت محترمة أوى .. واحدة كدة تحس انها جد أوى وشخصيتها قوية وفى نفس الوقت تحس انها رقيقه اوى وضعيفه أوى .. مش عارف ازاى جامعه بين القوة والضعف فى وقت واحد
صمت "مراد" وقد بدا وكأن الحديث لا يعنيه .. فأكمل "طارق" :
- مش عارف ليه لفتت انتباهى مع انها عاديه جداً
ظل "مراد" يتناول طعامه وهو محتفظ بصمته .. فنظر اليه "طارق" قائلاً بمرح :
- وانت بأه مفيش واحدة عارفه تلفت انتباهك ولا ايه
قال "مراد" بجدية:
- لا مفيش
تمعن "طارق" النظر اليه ثم قال :
- على فكرة يا "مراد" انت غلط .. ليه بتعمم حكمك .. مش كل البنات زى بعضها .. زى ما مش كل الرجاله زى بعضها .. فى اللى زي "حامد" وفى اللى زي "سامر" وفى اللى زيك وزيي وغيرنا كتير .. كل واحد غير التانى
نظر اليه "مراد" وقال بحزم :
- أنا مش بعمم حكمى .. أنا بقول ان معظمهم معندهمش أصل وميعرفوش يحبوا ولا يخلصوا فى حبهم .. معظمهم أنانى عايز يتحب وبس .. تديلها كل ما عندك .. ومتخدش منها الا اللى تتفضل بيه عليك .. تديلها حياتك كلها .. وتستخسر فيك انها تكون جمبك
هتف "طارق" قائلاً :
- ليه النظرة السوداويه دى يا "مراد" .. ليه متديش لنفسك فرصة تانية
قال "مراد" بحزم :
- اديت نفسي فرصة تانية يا "طارق" وانت عارف كده كويس .. وبرده مفرقتش حاجه عن اللى قبلها
- "مراد" انت مليون واحدة تتمناك مش بقول كده عشان أجاملك بس فعلا انت من أرجل الناس اللى عرفتها فى حياتى
قال "مراد" بمراره :
- بس دايماً اللى بعوزها بترفضنى واللى بحتاجلها بتسيبنى .. أنا معنديش استعداد أذل نفسي لواحده مرة تانية .. أو أنتظر من واحدة تانى انها تقولى آسفه أنا مش هقدر أرتبط بيك أنا عايزه واحد طبيعي
تنهد "طارق" قائلاً :
- قولتلك مش كل البنات رد فعلها واحد .. زى ما فى دى .. فى دى
قال "مراد" بصرامة :
- وأنا بأه لا عايز دى ولا عايز دى .. أنا مرتاح كده .. أحسن ما تحصلى حاجه تانية وألاقى اللى بتطعنى فى ضهرى وتقولى مش هقدر أعيش معاك وعايزه أتطلق
صمت قليلاً ثم قال بجمود :
- انت مجربتش يعني ايه تمر بأزمة وتبقى محتاج لمراتك جمبك وتلاقيها بتفكر انها تسيبك .. مجربتش يعني ايه تترجاها انها تفضل جمبك وتلاقيها مكسوفه منك ومن اصابتك .. وتشوف في عنيها نظره تتمنى انك تتعمى ومتشوفهاش .. مجربتش يعني ايه تتقدم لواحده وأول ما تعرف ان رجلك مبتوره ترفضك .. انت مجربتش الاحساس ده يا "طارق" احساس مميت .. تحس أكن سكاكين بتقطع فيك .. تحس أن حد جاب سكينه تلمه وبيدبحك بيها ببطء .. أنا مش ممكن أهين نفسي تانى .. أو انى أقبل ان واحدة تعيش معايا وهى حسه بالنقص .. أو شايفه انى أقل من غيري .. وحسه انها مكسوفه منى .. مكسوفه تعرف الناس انى جوزها .. وانى عندى اعاقه .. مش ممكن أبداً هسمح لنفسي انى أضعف وأحتاج لواحده جمبي .. أو انى أترجاها تفضل جمبي ومتسبنيش .. وألاقيها رغم احتياجى ليها تصدنى بكل برود .. مش هقبل على نفسي الاهانة دى تانى
صمت "طارق" وقد أيقن أن كلامه مع "مراد" لن يفيد .. لأن جرحه أكبر من أن يُشفي ببضع كلمات للمواساه.
*****************************
عاد "مراد" الى بيته ليجد والدته فى استقباله قائله بعجاله وهى تشير الى الصالون :
- عروستك ومامتها أعدين جوه يا "مراد" يلا تعالى سلم عليهم
قال بإندهاش :
- عروستى مين
- بنت صحبتى اللى وريتك صورتها
قال بحزم :
- ماما احنا انتهينا من الكلام فى الموضوع ده
قالت بحزم هى الأخرى :
- أنا مش هبطل كلام فى الموضوع ده يا "مراد" .. شوفها واعد معاها يمكن تعجبك
قال بحده :
- مش هتعجبنى ومش عايزها تعجبنى
نظرت اليه أمه بغضب قائله :
- "مراد" لو مدخلتش ورايا الصالون تسلم على الضيوف اعرف انى غضبانه عليك
ثم تركته وانصرف .. كبح جماح غضبه بصعوبه .. ثم دخل الصالون .. نظر الى المرأتين وهز رأسه قائلاً :
- أهلا وسهلا
قالت المرأة الكبيرة مبتهجه :
- أهلا بيك انت يا "مراد" ازيك وازى صحتك
جلس على أحد المقاعد قائلاً :
- الحمد لله
كان يشعر وكأن بداخله بركان غضب على وشك الإنفجار .. كان حانقاً بسبب ذلك المأذق الذى زجته فيه ولدته .. ظل صامتاً .. ولم يوجه نظرة واحدة الى الفتاة الجالسه .. نظرت اليه أمه بعتاب ثم ابتسمت للفتاة قائله :
- منورانا يا "بسمة" دى أول مرة تيجي عندنا
ابتسمت الفتاة قائله :
- ده نورك يا طنط .. معلش انتى عارفه ان دراستى كانت فى محافظة تانية ومكنتش بنزل القاهرة كتير كنت ببقى مشغولة طول الاسبوع .. وفعلاً مبسوطة اني جيت مع ماما النهاردة
ابتسمت "ناهد" قائله :
- شوية وهييجوا البنات ولازم أعرفكوا على بعض ان شاء الله
قالت بمرح :
- وأنا كمان حابه اتعرف عليهم .. مع انى سمعت ان واحدة فيهم دماغها لاسعه يعني شكلى انا وهى هنبقى صحاب لانى أنا كمان لاسعه وبحب اللى دماغهم لاسعه
نظر اليها "مراد" متهكماً ثم نظر الي أمه وكأنه يقول (هى دى اللى انتى جيبهالى ) .. تظاهرت أمه وكأنها لم تفهم معنى نظراته .. وقالت للفتاة :
- انتى ما شاء الله عليكي عاقلة جدا وكمان بتتحملى السؤلية .. عرفت من ماما انك كنتى معتمدة على نفسك طول فترة سفرك
↚
قالت "بسمة" بفخر ضاحكة :
- طبعا يا طنط .. وكمان انا اجتماعية جدا وقدرت اكون صداقات كتير اوى فى المحافظة اللى كنت فيها يعني انا بقيت هناك اشهر من النار على العلم .. امشى فى الشارع بس قولى "بسمه" هتلاقى الناس تقول اه البنت الموزه اللى مفيش منها اتنين دى
ألقى عليها "مراد" نظرة أخرى متهكمة .. قالت والدة "بسمة" :
- مالك يا "مراد" يا حبيبى ساكت ليه
قال مراد" بهدوء :
- بسمعكوا
التفت "بسمة" اليه قائله بمرح :
- شكلك جد أوى فكها شوية .. وبعدين أنا اللى يعد معايا لازم يموت على روحه من الضحك .. لان عليا خفة دم محصلتش
نظر اليها "مراد" ببرود وقال :
- معلش اظاهر أنا اللى مبفهمش فى خفة الدم
تدخلت "ناهد" قائله :
- طبعا يا حبيبتى ده انتى زينة البنات .. ما شاء الله عليكي أدب وجمال وتعليم وكل حاجة .. ده انتى تتخطفى خطف
ضحكت الفتاة قائله :
- والله يا طنط هو على الخطف فأنا بتخطف فعلاً .. انا بيتقدمولى كتير أوى ما أقولكيش بس أنا اللى مش عجبنى حد .. اللى أتجوزه ده لازم يكون واد مخلص مفيش منه اتنين
قال "مراد" ساخراً :
- واد !
أكملت "بسمة" قائله بمرح :
- وبما ان عنيا عسلى فياريت يبقى عنده أوبشن العيون الزرقا أو الخضرا عشان نكون لايقين على بعض .. بس لو مفيش الا بنى خلاص مفيش مشكلة هرضى بالأمر الواقع
كانت نظرات "مراد" مليئة بالتهكم والسخرية .. نظرت اليه الفتاة وقد تضايقت من نظراته الساخرة .. قام "مراد" قائلاً :
- بعد اذنكوا
توجه الى غرفته فلحقت به أمه قائله :
- رايح فين والناس تحت .. هما جايين عشانى ولا عشانك
التفت اليها "مراد" قائلاً ببرود :
- والله مكنتش أعرف ان البنت هى بتتقدم دلوقتى وبتروح تشوف الراجل فى بيته .. ومع ذلك أعدت معاها عشان أريحك .. بالله عليكي انتى شايفه انها مناسبه ليا ؟
قالت بحده :
- مالها يعني ماهى بنت زى الفل أهى
تنهدت "مراد" قائلاً :
- ماما أنا بجد مرهق جداً وتعبت مناهده معاكى فى الموضوع ده .. تروح تشوفلها واد مخلص بأوبشن العيون الملونه .. تتجوزه وتفكها منى خالص
خرجت أمه وهى ترمقه بنظرات غاضبة .. دخل "مراد" الى شرفة غرفته .. ووقف شادراً وقد بدا عليه الإستغراق فى التفكير .. لم يشعر بمضى الوقت .. بعد فترة رآى "بسمة" وأمها تخرجان من البيت .. وقفا قليلاً أما سيارتهما التى أوقفاها أمام الباب .. سمع الفتاة تقول لأمها :
- مش كفايه انه معاق .. لأ وكمان راسم نفسه وعايش فى الدور .. قولتلك من الأول مش هينفعنى انتى اللى أصريتي انى آجى معاكى
شعر "مراد" وكأن خنجراً مسموم انغرس فى جراحه مرة أخرى .. ليسيـل الــدم منـه أنهـاراً.
خرجت أمه وهى ترمقه بنظرات غاضبة .. دخل "مراد" الى شرفة غرفته .. ووقف شادراً وقد بدا عليه الإستغراق فى التفكير .. لم يشعر بمضى الوقت .. بعد فترة رآى "بسمة" وأمها تخرجان من البيت .. وقفا قليلاً أما سيارتهما التى أوقفاها أمام الباب .. سمع الفتاة تقول لأمها :
- مش كفايه انه معاق .. لأ وكمان راسم نفسه وعايش فى الدور .. قولتلك من الأول مش هينفعنى انتى اللى أصريتي انى آجى معاكى
شعر "مراد" وكأن خنجراً مسموم انغرس فى جراحه مرة أخرى .. ليسيـل الــدم منـه أنهـاراً.
لحظات وسمع طرقات على باب غرفته .. لم يحرك ساكناً .. وقف واجماً مقطب الجبين سمع والدته من خلفه تقول :
- عجبك كده أهم مشيوا بسرعة ومرضيوش يعدوا أكتر من كده
التفت "مراد" اليها ببطء .. كانت النار تشتعل داخل عيناه .. زأر كأســـدٍ غاضب:
- مش عايز أبداً .. أبداً .. أسمع كلام فى موضوع الجواز ده تانى .. أنا مش عايز أتجوز .. ولا محتاج انى أتجوز
ثم أكمل بصرامة :
- لو جبتيلى سيرة الجواز تانى أنا هسيب البيت وأخد شقة أعد فيها لوحدى
قالت امه بحده :
- وليه متديش لنفسك فرصة انك تعرف البنت
قال بعنف :
- البنت اللى أول ما خرجت من باب بيتنا قالت لمامتها كفاية انه معاق .. هى دى اللى عايزانى أتجوزها .. عشان تتكبر عليا وتحسسنى بالنقص طول عمرى .. أنا لا هسمحلها ولا هسمح لغيرها انها تقلل منى أو تمس كرامتى .. عرفيها ان أنا اللى رافضها مش هى
قال ذلك ثم خرج من الغرفة بغضب .. تنهدت أمه بحسرة وحيرة وضيق .
توجه "مراد" الى سيارته وأغلق الباب بعصبيه وانطلق بأقصى سرعة .. كان الغضب بادياً على وجهه وهو يسير مسرعاً بدون وجهة محدده .. وكلما زاد افراز الأدرينالين فى دمه .. زاد من سرعة سيارته .. حتى كادت أن تنحرف عن الطريق .. كان يشعر بأن بداخله بركان ثائر .. يريد أن يفرغه ليرتاح .. لكن هيهات .. لا طريقه لإفراغه أبداً .. وصل الى الطريق الصحراوى .. ثم أوقف سيارته على جانب الطريق كان يلهثوكأن خرج من سباق للعدو .. استغرق الأمر ساعة ونصف حتى استطاع التحكم فى غضبه .. أدار مقود السيارة وعاد فى طريقه مرة أخرى .. أدار المسجل ليستمع الى ترتيل آيات الله .. فشعر بسكينه داخل قلبه .. ولانت ملامحه قليلاً .. وأصبح أكثر هدوءاً .. أثناء توجهه الى بيته .. سمع آذان العشاء ينطلق من مكبر أحد المساجد الصغيرة على الطريق .. أوقف سيارته وتوجه الى المسجد توضأ ووقف يصلى .. كان يطيل كثيراً فى سجوده وكأنه لا يريد لجبينه أن يفارق أرض المسجد .. ثم يبتعد عنه ليعود اليه مرة أخرى فى لهفه .. أنهى صلاته ورحل الجميع لكنه ظل فى المسجد .. أسند ظهره على أحد الأعمدة .. بدا عليه الوجوم والشرود .. اقترب منه الإمام قائلاً :
- مالك يا ابنى فى حاجه
نظر اليه "مراد" قائلاً :
- لا يا شيخ مفيش حاجه
تفرش الشيخ الأرض بجوار "مراد" وقال له :
- ارمى حمولك على الله .. هو وحده اللى بإيده الحل
تمتم "مراد:
- ونعم بالله
أكمل الشيخ :
- ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج .. الدنيا دى دار ابتلاء .. ولازم الواحد يصبر ويحتسب
ثم نظر الى "مراد" قائلاً :
- تعرف ان أى حاجه بتصيبك فى الدنيا بتكفر من سيئاتك وحملك فى الآخره .. تعرف ان حتى الشوكة لما تشكك بتكفر عنك سيئاتك .. ده مش كلامي أنا ده كلام النبي صلى الله عليه وسلم "لا يصيب المؤمن من هم، ولا غم، ولا أذى إلا كفر الله به عنه حتى الشوكة".. شوف رحمة ربنا بيك أد ايه
بدا على "مراد" التأثر فأكمل الشيخ قائلاً :
- الصبر يا ابنى نعمة من ربنا وثوابه عظيم .. بس أهم حاجه تصبر صبر جميل .. يعني تكون راضى .. مش تصبر بسخط ولأن مش قدامك حاجه الا انك تصبر .. لا .. تصبر وانت راضى وبتقول الحمد لله .. ربك بيقول { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }
أومأ "مراد" برأسه وابتسم للشيخ قائلاً :
- شكرا يا شيخ كنت محتاج أسمع الكلمتين دول .. ربنا يباركلك
ربت الشيخ على كتفه ثم نهض .. سكن "مراد" قليلاً ثم غادر المسجد وتوجه الى سيارته وهو يشعر بأنه أصبح أفضل حالاً وأكثر راحة .
***********************************
جلست "سارة" على فراشها تتأمل احدى الصور ولاحت على شفتيها ابتسامه صغيره .. اقتحمت "نرمين" أختها الصغرى الغرفة دون استئذان .. ارتبكت "سارة" وحاولت اخفاء الصورة خلفها قائله بحنق :
- فى حد يفتح الباب كده من غير ما يخبط
نظرت اليها "نرمين" بخبث قالئه :
- ايه اللى مخبياه ورا ضهرك
قالت "سارة" بتوتر :
- ملكيش دعوة حاجه متخصكيش
ثم اكملت بغضب :
- "نرمين" متفتحيش الباب كده وتهجمى على الأوضة .. ابقى خبطى الأول زى الناس المحترمة
قفزت "نرمين" اتجاهها وفى لحظة خطفت الصورة من يدها .. حاولت "سارة" انتزاع الصورة منها .. لكن "نرمين" كانت قد رأتها بالفعل .. فصاحت :
- يا حلاوة يا ولاد .. يادى الفضيحة ام جلاجل يادى الجرسه أم حناجل
قالت "سارة" بإرتباك وهى تخطف الصورة من يدها :
- فضيحة ايه متحترمى نفسك
أمسكتها "نرمين" من يدها وأجلستها على الفراش وجلست بجوارها قائله :
- قوليلى بأه ومن الأول وواحدة واحدة كدة .. صورة "طارق" بتعمل معاكى ايه .. وجبتيها منين
قالت "سارة" بتوتر وهى تنظر الى الباب المفتوح :
- قومى اقفلى الباب الأول
فعلت "نرمين" وعادت لتجلس بجوارها مرة أخرى .. قالت "سارة" بخجل :
- دى صورة كان "مراد" و "طارق" متصورينها مع بعض بس أنا قصيت الجزء اللى فيه "طارق" .. يعني مش هو اللى ادهالى أو حاجه عشان دماغك متروحش لبعيد
ابتسمت "نرمين" بخبث وقالت :
- آه جولتيلي يا بنيتى .. وبتعملى ايه بأه بصورة سي "طارق"
نظرت اليها "سارة" بحزن وقالت بصوت خافت :
- بحبه يا "نرمين" .. ومش عارفه أعمل ايه
قالت "نرمين" بجديه :
- طيب انتى حسه ان فى حاجه من نحيته
هتفت "سارة" بحنق :
- هو أنا بشوفه أصلا .. وبآله كتير مجاش عندنا .. مش عارفه "مراد" ليه مبقاش يعزمه كتير زى الأول
قالت "نرمين" بسخريه :
- قال يعني لو جه كتير هتعرفوا تتكلموا سوا
قالت "سارة" بحزن وهى تنظر الى الصورة :
- عارفه ان مفيش أمل
ابتسمت "نرمين" وقالت بمرح :
- بس بصراحة لو جيتي للحق يعني هو مش أمور .. "مراد" عنده صحاب كتير أحلى منه
نظرت اليها "سارة" بجديه وقالت :
- بس راجل وانسان محترم وذوق وأخلاقه كويسة وبعدين مش وحش .. هو مش وسيم أوى ماشى .. بس مش وحش
ابتسمت "نرمين" بخبث وقالت :
- أنا مالى يا ستى هو بتاعى ولا بتاعك
قالت "سارة" بحده :
- ايه بتاعى وبتاعك دى متحترمى نفسك يا "نرمين"
- يا ستى متزعلش كده بهزر .. هو لا حد يعرف يهزر معاكى ولا مع أخوكى .. ايه يارب البيت العقد ده
صمتت قليلا ثم قالت :
- وناويه تعملى ايه يا ست الكتكوته
قالت "سارة" بإستغراب :
- أعمل ايه يعني .. ولا حاجه طبعا
هتفت "نرمين" :
- يا فرحتى بيكي يا "سارة" .. عايشه فيلم حب من طرف واحد .. وحتى معندكيش استعداد تحاولى يبقى من طرفين
قالت "سارة" بدهشة :
- انتى عجيبة فعلا عايزانى اعمل ايه يعني اروح أقوله أنا بحبك ممكن لو سمحت تحبنى وتيجي تتقدملى
- لأ طبعا ما قولتش كده .. بس حاولى مثلا تلفتى نظره .. يعني مثلا روحى ل "مراد" الشركة .. وبصى ل "طارق" بصات ليها معنى و كمان ممكن ..........
قاطعتها "سارة" قائله بغضب :
- بس كفايه .. أنا غلطانه انى حكتلك أصلا ايه العك اللى بتقوليه ده .. أنا مستحيل طبعاً أعمل كده
صاحت "نرمين" وهى تنهض وتغادر الغرفة :
- براحتك بأه أنا نصحتك وانتى حره
خرجت من الغرفة لتترك "سارة" التى أخذت تتأمل الصورة مرة أخرى فى حزن
↚
****************************
جلست "مريم" تراقب ساعة الحائط .. ها هى على موعد مع خطاب آخر من خطابات "ماجد" .. دقت الساعة معلنة منتصف الليل ففتحت الخطاب رقم 55 فى لهفة وقرأت :
- حبيبتى "مريم" .. أتذكرين الزهرة التى أهديتها لكِ يوم أن كُتب كتابنا .. قلت لكِ يومها انها تشبهك فى رقتك وبراءتك .. ليس عندى ذرة شك فى أنك مازلتى تحتفظين بتلك الزهرة .. لم تخبريني أبداً أنكِ تحتفظين بها لكننى على يقين من ذلك .. حبيبتى طلب منكِ هذا الاسبوع سيكون صعباً قليلاً .. أريدك أن تتخلصى من تلك الزهرة .. تخلصى منها بالشكل الذى يريحك .. تخلصى منها اليوم يا "مريم" .. اليوم .. حبيبك ماجد
انهمرت العبرات من عينيها بغزارة وصاحت بغضب :
- ليه يا "ماجد" كده .. ليه
توجهت الى أحد الأدراج وأخرجت حقيبة صغيرة فتحتها وأخرجت منها ذهرة قد تجففت .. أخذت تنظر اليها بحسرة وكأنها شخص غالى لا تبغى مفارقته .. وضعتها بجوارها على الوسادة ونامت بأعين دامعه .. فى الصباح توجهت الى أحب مكان اليها .. كانت تقف فى هذا المكان مع "ماجد" يمزحان ويمرحان وهو يعلمها كيف تصطاد السمك .. وقفت قليلاً ثم أخرجت الزهرة من حقيبتها وألقتها فى المــاء وهى تنظر اليها فى ألم .
4
****************************
رن جرس هاتف "سهى" فاتسعت ابتسامتها عندما رأت اسم المتصل وردت بلهفه :
- ألو
- ألو ازيك يا "سهى"
قالت برقه :
- الحمد لله يا بشمهندس "خالد"
التفت كل من "مريم" و "مى" الى "سهى" التى تتحدث فى الهاتف .. التقت النظرات فقامت "سهى" من فورها وقالت :
- ثوانى يا بشمهندس هطلع أتكلم من بره عشان الشبكة
خرجت "سهى" فقالت "مى" بسخرية :
- عشان الشبكة ولا عشان الاتنين اللى كاتمين على نفسك فى المكتب
التفتت "مريم" الى حاسوبها تكمل عملها فى وجوم .. اقتربت منها "مى" قائله :
- مالك .. فى حاجه مضايقاكى
- تؤ
- ده العادى بتاعك يعني
ابتسمت "مريم" بمرارة قائله :
- بالظبط كده
عادت "سهى" مرة أخرة وعلى شفتيها ابتسامة واسعة لم تستطع مداراتها .. الفتت اليها "مى" قائله :
- متفرحينا معاكى
قالت "سهى" بفخر :
- مفيش .. البشمهندس "خالد" كان بيعزمنى على حفلة عيد ميلاده
نظرت الفتاتان الى بعضهما البعض .. ثم قالت "مي" :
- بشمهندس "خالد" مين ؟
قالت بدلع :
- صاحب شركة المقاولات اللى بنفذله الحملة بتاعة شركته
قطبت "مريم" جبينها وقالت :
- خلى بالك يا "سهى" .. ده انسان مش محترم
قالت "سهى" بسخرية :
- انتى اللى معقده يا "مريم" .. فكيها شوية يا بنتى مش كده .. مش هتتجوزى بطريقتك دى
نهضت "مريم" بعصبية وقالت :
- و أنا مش عايزة أتجوز أصلاً
ثم غادرت المكتب فالتفت "مى" الى "سهى" قائله :
- على طول كدة مبتعرفيش تنقى كلامك
هتفت "سهى" :
- أنا مالى اذا كانت صحبتك معقدة نفسياً تروح تشوفلها دكتور يعالجها .. أنا مقولتش حاجه غلط .. هى اللى منفسنه
خرجت "مى" للبحث عن "مريم" لكنها صدمت عندما رأتها واقفة مع "طارق" خارج المكتب .. وقفت بجوار الباب الخارجى للمكتب تتخفى وتستمع الى حديثهم .. سمعت طارق يقول :
- أيوة عارف انك قولتيلى انهم هيخلصوا بعد 10 ايام مش اسبوع بس قولت يمكن تكونى خلصتيهم بدرى
قالت "مريم" بجديه :
- لأ يا فندم مخلصتهمش ولو كنت خلصتهم كنت بعت لحضرتك ايميل .. عن اذنك
أوقفها "طارق" ونظر اليها قائلاً :
- انتى اضايقتى منى ولا ايه
قالت بنفاذ صبر :
- لا يا فندم وهضايق من ايه
قال "طارق":
- يعني عشان .........
قطع "طارق" كلامه وهو ينتبه لأول مرة الى الدبلة التى تزين أصابع يدها اليمني .. بُهت للحظات ثم سألها بصوت خافت :
- انتى مخطوبة
تتبعت "مريم" نظراته الى أصابع يدها ثم قالت بحزم :
- لا مش مخطوبة .. مكتوب كتابى
ظهر الضيق على وجه "طارق" .. فقالت "مريم" :
- بعد اذن حضرتك
ثم التفتت ودخلت المكتب دون أن تنتبه الى "مى" التى ظهرت علامات الحزن على وجهها
1
***********************************
- المسخرة دى متحصلش فى شركتى يا "حامد" انت فاهم
تفوه "مراد" بهذه العبارة فى غضب وهو يجتمع بـ "حامد" فى مكتبه بالشركه .. هتف "حامد" :
- مسخرة ايه وبتاع ايه .. انت اللى قفل يا "مراد"
قال "مراد" بغضب هادر :
- لما أشوفك انت وواحدة من الموظفين فى مكتبها وعمالين بتبوسوا فى بعض دى متبقاش مسخرة .. امال المسخرة تبقى ايه بالظبط
هتفت "حامد" بحده :
- انا حر أعمل اللى أنا عايزه أنا مش عيل صغير
قال "مراد" بصرامه وعيناه تشعان غضباً :
- تعمل اللى انت عايزه بره الشركة بتاعتى لكن طول ما انت فى الشركة تحترم نفسك يا "حامد"
قال "حامد" بغضب :
- انا محترم غصب عنك يا "مراد"
قال "مراد" بسخريه :
- ماهو واضح أوى .. ولعلمك البنت دى أنا هرفدها فوراً البنت اللى متكنش أمينة على نفسها عمرها ما هتكون أمينه على الشغل
دخل "طارق" المكتب وصاح قائلاً :
- فى ايه يا جماعة صوتكوا جايب لحد الأسانسير
قال له "حامد" بغضب :
- فى انه بيتدخل فى خصوصياتى وبيتكلم معايا أكنى عيل صغير
قال "مراد" فى غضب مماثل :
- خصوصياتك دى تبقى فى شركتك او بيتك او ان شاله فى الشارع لكن مش فى شركتى .. مش هاجى أسمح على آخر الزمن ان قذاره زى دى تحصل فى شركتى
صاح "حامد" بسخريه وتهكم :
- قذاره .. ده قصر ديل يا "مراد"
أسرع "طارق" قائلاً بحده :
- "حامد"
أكمل "حامد" وهو ينظر الى "مراد" ودون ان يلتفت لـ "طارق" وقال بقسوة:
- ماهو عشان مفيش واحدة راضيه تعبرك غيرت لما شوفتنى معاها .. وعمال دلوقتى تفش غلك فيا
ساد الصمت للحظات .. صاح "طارق" فى "حامد" :
- انت بجد زودتها أوى
بدا وجه "مراد" جامداً .. لا يحمل أى تعبيرات .. وبدت نظراته جامدة بارده .. وقال بهدوء :
- بكرة الصبح المحامى بتاعى هيكون عندك فى شركتك عشان فض الشراكة اللى بينا
صاح "حامد" بغضب :
- والله لأخليك تندم يا "مراد" .. مبقاش "حامد" ان مخلتكش تندم يا "مراد"
قال ذلك ثم خرج بعصبيه وأغلق الباب خلفه بعنف .. جلس "مراد" على مكتبه ووجه مازال جامداً .. جلس "طارق" قائلاًً :
- قولتلك قبل كدة انى مبرتحلوش .. سبحان الله من أول ما شوفته وأنا قلبي مقبوض منه .. أحسن اننا هنفض الشراكهمعاه .. واحد مقرف زى ده مش عايزين نتعامل معاه أصلاً
صمت "مراد" ولم يرد .. ثم قام وحمل موبايله ومفاتيحه وغادر المكتب .. تنهد "طارق" بضيق وقد شعر بالغضب لكلمات "حامد" الجارحه التى وجهها لـ "مراد".
1
*********************************
دخل "عثمان" مكتب والده فجأة وهو يصيح قائلاً:
- بوى بوى .. لجينا ولد "خيري" أخوى يابوى
هب "عبد الرحمن" واقفاً وقال بلهفه :
- بجد يا ولدى .. كام ولد عنديه .. وهما فين عرفت طريجهم كلياتهم
قال "عثمان" بحماس :
- ايوة عرفت كل حاجه يا بوى .. ولد "اسماعيل المنصورى" عرفنا انه عم يشتغل فى المباحث ومركزه بجه كبير جوى جوى .. كلمته ووصيته يجيبلى أرار الموضوع بس مرضيتش أجيبلك سيره الا لما أوصل لنتيجة
قال "عبد الرحمن" بلهفه :
- جولى بسرعة عرفت ايه عن ولد أخوك يا ولدى
قال "عثمان" :
↚
- عرفت ان هو ومرته وبنته الصغيره عيملوا حادثه .. كانوا راكبين تاكسي وخبطوا فى شاحنة كبيره .. الشاحنة انجلبت وانفجرت ومات اللى اللى في العربيتين
قال "عبد الرحمن" بتأثر :
- لا حول ولا جوة الا بالله
أكمل "عثمان" :
- ادفنوا كلياتهم فى القاهرة .. والراجل اللى كان معاه فى الشغل واللى رد علينا وجالنا انه مات هاد مكنش يعرف اى شئ عن عيلته .. بس ولد "اسماعيل المنصورى" عرف يوصل لكل شئ
قال "عبد الرحمن" :
- كمل يا ولدى باجيله كم ولد
قال "عثمان" :
- مش ولد يا بوى .. بنت .. بنت واحده وعايشه لحالها
صمت "عبد الرحمن" قليلاً .. فقال "عثمان" بحزم :
- مينفعش تعيش وحديها فى القاهرة يا بوى .. لازمن تيجى تعيش بيناتنا
أومأ "عبد الرحمن" برأسه قائلاً:
- عندك حج يا ولدى لازمن نلم نلحمنا مينفعش نسيبها تعيش لحالها
ثم التفت اليه قائلاً بحماس :
- من بكرة الصبح جهز العربية والسواج عشان هنطلع آنى وانت على القاهرة .. أنا مالى صبر حتى شوف حفيدتي بنت "خيري" ولدى الله يرحمه ويحسن اليه
5
*********************************
قال "خالد" وهى يتطلع الى عيني "سهى" :
- النهاردة عيد ميلادى والنجوم فى السما والقمر بين ايديا
كانا يرقصان معاً فى شرفة منزله الذى تقام فيه حفلة عيد ميلاده .. كانت "سهى" تشعر بالحرج لكنها أيضاً كانت تشعر بسعادة بالغه لكلمات الإطراء الذى يلقيها هذا الرجل الغني الوسيم على مسامعها .. ابتسمت قائله :
- ميرسي يا بشمهندس
ابتسم قائلاً :
- لأ بشمهندس ايه بأه خليها "خالد" على طول .. أنا شايف ان خلاص الرسميات معدتش تنفع بينا
ثم قال بخبث وهى يتطلع الى عينيها :
- ولا انتى شايفه ايه
ابتسمت قائله بدلع :
- ماشى يا "خالد"
قال بهيام :
- الله مكنتش أعرف ان اسمى حلو كده الا لما نطقتيه
- من الواضح انك بتعرف تتكلم كويس يعني شكلك مش سهل خالص
نظر اليها بجرأة قائلاً :
- هو فى حد يشوف القمر ويسكت .. قمر ايه هو أصلا القمر ييجى حاجه جمبك .. ده انتى جامده طحن
ضحكت بدلال وقالت :
- ميرسي يا "خالد"
توقفت نغمات الموسيقي ..فقال لها :
- خليكى هنا يا قمر هروح أجيب حاجه نشربها وآجى
أومأت برأسها مبتسمة .. دخل وتركها وهى تنظر الى السماء وتشعر أن أبواب الحظ انفتحت لها أخيراً .. عاد "خالد" وهو يحمل كأسين من الخمر وأعطاها واحداً .. نظرت بريبه الى كأسها وقالت :
- ده عصير ؟
افنجر "خالد" ضاحكاً وقال :
- عصير .. آه عصير .. عصير قصب .. بوزع فى حفلة عيد ميلادى على الضيوف عصير قصب
ابتسمت بتوتر وقالت :
- لو خمره فأنا مبشربهاش
أخذ "خالد" رشفة من كأسه وقال :
- ليه مبتشربيهاش
هزت كتفيها وقالت بإرتباك :
- مش عارفه .. عشان حرام
مط "خالد" شفتيه وقال :
- سيبك من الشيوخ اللى مفيش وراهم حاجة الا انهم يحرموا كل حاجة مش على مزاجهم .. ناقص يقولوا الهوا اللى بنتنفسه هو كمان حرام
قالت "سهى" بإرتباك :
- بس أنا بيتهيألى ان فى آيه بتقول ان الخمره حرام .. انا مش عارفه الآيه .. بس بيتهيألى كده
قال "خالد" وهو ينظر اليها :
- الحرام هو انك تشربي كمية كبيرة .. لكن لو كمية صغيرة مفيهاش مشكلة مش هتضرك .. تعرفى أصلاً ان الخمرة مفيدة جداً وليها فوايد كتيرة وان فى آيه فى القرآن بتقول كده
قالت "سهى" بدهشة :
- بجد
أومأ "خالد" برأسه وقال :
- أيوة بجد .. الآية فى سورة البقرة وبتقول : " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما منافع للناس "
لم يكن ما قاله "خالد" سوء تأويل للآيه فقط بل تحريف للآية الكريمه التى تقول {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} .. بدا على "سهى" شئ من الاقتناع بكلامه .. فحثها قائلاً :
- اشربي هتعجبك أوى
قربت "سهى" الكأس من شفتيها وأخذت رشفة صغيرة وهى تسمع صوتاً بداخلها يخبرها بأنها ترتكب اثماً ثم ما لبثت أن أسكتت هذا الصوت وتجاهلته واندمجت مع "خالد" فى الضحك والمزاح
دخلت "سهى" الى بيتها وهى تسير على أطراف أصابعها حتى لا يستيقظ أهلها .. دخلت غرفتها وهى تشعر بنشوة وسعادة بالغة .. لقد قضت سهرة رائعه مع فتى أحلامها والذى يبدو أنه أعجب بها هو الآخر
7
************************************
فى اليوم التالى سافر كل من "عبد الرحمن" و "عثمان" الى القاهرة للبحث عن ابنتهم "مريم" .. ذهبا الى العنوان الذى حصلا عليه .. لم يجدا أحداً فى المنزل .. انتظراها قرابة الخمس ساعات أمام الباب لا يتحركان من مكانهما .. أكد لهما الجيران أنها تبيت فى بيتها كل يوم .. ولا تبيت برة البيت أبداً .. وأنها تعود قبل المغرب من عملها .. انتظراها حتى رآى فتاة تصعد درجات السلم وتقف أمامهما فى دهشة وهى تراهما يجلسان على السلم أمام باب شقتها .. وقف "عبد الرحمن" بمجرد أن رآها .. أخذ يمعن النظر فيها وقد اغرورقت عينا بالدموع .. قالت "مريم" بدهشة :
- أفندم .. فى حاجة حضرك .. دى شقتى
اقترب منها "عبد الرحمن" فرجعت للخلف فى خوف وقالت :
- فى ايه حضرتك
قال "عبد الرحمن" بتأثر شديد :
- انتى بنت "خيري" .. بنت "خيري ولدى
نظرت اليه "مريم" بدهشة وقد عقد لسانها .. فقال بصوت مرتجف :
- ايوة انتى بنته .. أنا واثج انك بنته .. عرفتك بجلبي يا بنت ابنى .. آني جدك "عبد الرحمن" يا بنتى .. آنى جدك
ازدادت دهشت "مريم" واضطرابها وهى تنقل نظرها بين الرجلين .. فأشار "عبد الرحمن" الى "عثمان" قائلاً :
- هاد عمك "عثمان" يا بنتى .. عمك أخو بوكى الله يرحمه ويحسن اليه
كانت "مريم" تشعر وكأن لسانها عقد من الصدمة .. اقترب منها "عبد الرحمن" فتوترت .. فقال "عثمان" :
- وريها بطاجتك والصور يابوى يمكن تطمن شوى
أخرج "عبد الرحمن" من جيبه بطاقته وأعطاها لـ "مريم" أخذت تتفحص الاسم وقلبها يخفق بشدة .. مد يده وأعطاها عدة صور قائلاً :
- دى صور بوكى يا بنتى .. صورى آنى وهو وعمك "عثمان" وعمتك "صباح" وعمك" ياسين" الله يرحمه ويحسن اليه
تطلعت "مريم" الى الصور وقد أغرورقت عيناها بالعبرات وهى تتطلع الى صورة والدها وعائلته .. كانت تنظر صور والدها بشوق ولهفة .. تساقطت عبراتها الصامته .. لم يتحمل "عبد الرحمن" أكثر فضمها بشدة الى صدره وهو يردد :
- بنت ولدى .. ما عاد سيبك واصل .. احنا اهلك يا بنتى .. احنا منك وانتى منينا .. وحشتينى كتير .. دورت عليكي كتير .. على ولاد الغالى .. والحمدلله لجيتك .. الحمد لله .. الحمد لله
رغم العبرات التى كانت تتساقط من عينيها وشهقات بكائها الصغيرة التى خرجت منها رغماً عنها .. إلا أنها وجدت ابتسامة صغيرة وقد رسمت على شفتيها وأخذت تتمسك بيديها بملابس هذا الرجل الذى يعانقها .. تشبثت به وكأنها تخشى أن يتركها .. كالغريق الذى يتعلق بطوق نجاته .. لكم افتقدت هذا الحضن الحانى .. حضن عائلتها التى فقدتها منذ سنوات .. وذاقت بعدهم مرارة الوحدة واليتم والحرمان .. وها هو الله الآن قد رزقها بعائلة والدها .. لتعوضها عن فقدان عائلتهــا .. ولتخرجها من وحدتها القاتلــة المميتـــة .
دى صور ابوكى يا بنتى .. صورى آنى وهو وعمك "عثمان" وعمتك "صباح" وعمك" ياسين" الله يرحمه ويحسن اليه
تطلعت "مريم" الى الصور وقد أغرورقت عيناها بالعبرات وهى تتطلع الى صورة والدها وعائلته .. كانت تنظر صور والدها بشوق ولهفة .. تساقطت عبراتها الصامته .. لم يتحمل "عبد الرحمن" أكثر فضمها بشدة الى صدره وهو يردد :
- بنت ولدى .. ما عاد سيبك واصل .. احنا اهلك يا بنتى .. احنا منك وانتى منينا .. وحشتينى كتير .. دورت عليكي كتير .. على ولاد الغالى .. والحمدلله لجيتك .. الحمد لله .. الحمد لله
رغم العبرات التى كانت تتساقط من عينيها وشهقات بكائها الصغيرة التى خرجت منها رغماً عنها .. إلا أنها وجدت ابتسامة صغيرة وقد رسمت على شفتيها وأخذت تتمسك بيديها بملابس هذا الرجل الذى يعانقها .. تشبثت به وكأنها تخشى أن يتركها .. كالغريق الذى يتعلق بطوق نجاته .. لكم افتقدت هذا الحضن الحانى .. حضن عائلتها التى فقدتها منذ سنوات .. وذاقت بعدهم مرارة الوحدة واليتم والحرمان .. وها هو الله الآن قد رزقها بعائلة والدها .. لتعوضها عن فقدان عائلتهــا .. ولتخرجها من وحدتها القاتلــة المميتـــة .
دلف ثلاثتهم الى داخل البيت .. رحبت "مريم" بهم بحماس قائله :
- اتفلضوا .. اتفضلوا
جلس جدها وعمها فى حجرة الصالون وأخذا يتطلعان الى الشقة المتواضعة وأثاثها المتواضع .. استأذنتهم ودخلت المطبخ لتعد لهم الشاى .. لم تشعر بنفسها إلا وهى تسجد شكراً لله على أرض المطبخ .. تشكره لأنها أخيراً ستشعر أنها وسط عائلة كأى فتاة أخرى .. لها عم وجد وعمه .. يا ما أحلى ذلك .. أخذت تتسائل تُرى هل جدتها على قيد الحياة .. هل لدى عمها وعمتها أطفال .. هل سيرحب الجميع بها .. لكم تتمنى رؤيتهم جميعاً .. والتعرف عليهم .. عادت بلهفة حاملة أقداح الشاى وقدمتها اليهما .. جذبها جدها من يدها وأجلسها جواره قائلا :
- تعالى يا بنت الغالى ..اجعدى جمبى اهنه .. حاسس انى شامم فيكي ريحة المرحوم "خيري"
ابتسمت له وجذبها الى حضنه وقبل رأسها .. ابتسمت فى سعادة .. رفعت رأسها وقالت :
- أنا لسه مش مصدقة .. حسه انى بحلم .. أنا فرحانه أوى .. فرحانه أوى انكوا جيتوا وانكوا دورتوا عليا
قال "عبد الرحمن" بتأثر :
- من يوم ما عرفت بموت أبوكى وأنا عم دور على ولاده .. والحمد لله لجيتك يا بنتى .. الحمد لله
قال "عثمان" مستفهماً :
- انتى عايشه لحالك اهنه
نظرت اليه وابتسمت بخجل قائله :
- أيوة عايشة لوحدى
شعرت فوراً بالألفة مع جدها .. لكنها كانت متوجسه خيفهمن عمها .. ربما لتعبيراته الجامدة التى تظهر على ملامح وجهه .. ربما لو ابتسم لها لذاب الجليد قليلاً .. نظرت الى جدها قائله :
- أنا هقوم أحضر العشا
قال "عثمان" :
- لا نبجى ناكل فى البيت ان شاء الله .. يلا لمى خلجاتك عشان تيجي معانا
نظرت اليه "مريم" بدهشة وشعرت بالإضطراب قائله :
- آجى معاكوا فين
قال "عثمان" :
↚
- تيجي معانا البلد .. النجع .. بيت أهل أبوكى
بدت عليها الحيرة فقال "عبد الرحمن" :
- مش معجول نسيبك عايشه اهنه لحالك يا بنتى .. انتى مهما كان بنت وصغيرة والدنيا معدتش أمان
ارتطمت عيناه بالدبلة فى أصابع يدها اليمنى فابتسم قائلاً :
- انتى مخطوبة يا بنتى ؟
نظرت "مريم" الى دبلتها ولمستها بأصابعها بحزن وقالت بصوت خافت :
- مكتوب كتابى
اتسعت ابتسامة جدها وقال :
- ما شاء الله .. خلاص كلمى جوزك ييجى عشان نتعرف عليه ويتعرف علينا عشان يعرف انك ليكى أهل وعزوة
ترقرقت العبرات فى عينيها وقالت بصوت مرتجف :
- هو .. ميت
ظهر الحزن على وجه جدها وقد شعر بالحزن الذى بداخلها .. قال "عثمان" :
- وليه لابسه دبلته .. مات الله يرحمه .. لازمن تجلعيها للناس تفتكرك مخطوبه
تضايقت من طلب عمها .. لكنها تمالكت "مريم" نفسها وأخفت حزنها وضيقها سريعاً .. وابتسمت قائله :
- هو تيته موجودة .. يعني عايشه ؟
قال "عبد الرحمن" بإستغراب :
- تيته .. تيته مين ؟
قال "عثمان" :
- تجصد أماى يا بوى .. اييوه عايشه
ابتسمت بسعادة وقالت :
- نفسي أشوفها أوى .. بابا الله يرحمه كان بيحكيلى عنها كتير
ربت "عبد الرحمن" على ظهرها قائلاً:
- وهى كمان نفسها تشوفك كتير .. هى مستنيانا .. يلا جومى يا بنتى جهزى حالك
قالت "مريم" بتردد :
- بس مش هينفع آجى كده مرة واحدة .. يعني أنا عندى شغل .. ومش عارفه .. مكنتش متخيلة أبداً انى هفارق البيت ده
قال "عثمان" بحده :
- عيزانا نسيبك لحالك اهنه ولا اييه .. ليه عيلتك مفيهاش راجل ولا اييه
قالت "مريم" بسرعة :
- لأ مش قصدى يا عمو .. بس أنا أقصد ان فى مصالح ناس فى ايدي .. يعنى فى الشغل .. ومينفعش أمشى كده فجأة من غير معرف حد .. وكمان معرفش أنا طول عمرى عايشههنا .. معرفش عمرى ما روحت فى مكان تانى غير هنا
قال "عبد الرحمن" وقد شعر بالحيرة والتوتر داخلها :
- طيب يا بنتى .. هجولك على اجتراح وان شاء الله يعجبك
التفتت اليه قائله :
- اتفضل يا جدو
- بصى يا بنتى .. هنسيبك اهنه اسبوع .. تفكرى منيح .. وتعرفى صاحب الشغل انك هتمشى .. عشان بردك مصالح الناس اللى فى يدك متتعطلش .. وبعدين تيجي تعيشيحدانا شهر .. وتشوفى هترتاحى حدانا ولا ترجعى اهنه تانى
قال "عثمان" بحده :
- كيف يعني ترجع اهنه تانى يا بوى .. كيف تجول اكده
قال "عبد الرحمن" بصرامة بصوت مرتفع :
- مالك صالح يا "عثمان" .. الحكى بينى وبينها لا تتدخل واصل
سكت "عثمان" على مضد .. التفت "عبد الرحمن" الى "مريم" وقال بحنان :
- ايه جولك يا بنتى
ابتسمت "مريم" قائله :
- ماشى يا جدو موافقه
ابتسم "عبد الرحمن" وأخذها فى حضنه قائلاً :
- ربنا يبارك فيكي يا بنتى ويكملك بعجلك
نظرت اليه قائله :
- بلاش تروحوا النهاردة يا جدو .. خليكوا بايتين هنا النهاردة .. أوضة بابا وماما الله يرحمهم فاضيه .. وأنا بنضفها على طول .. باتوا فيها النهاردة
ابتسم "عبد الرحمن" قائلاً :
- ماشى يا بنتى .. كيف ما بدك
قالت له "مريم" بحماس :
- احكيلى عن المكان اللى عايشين فيه يا جدو
أخذ "عبد الرحمن" يحدثها عن بلدهم وبعض من عاداتهم وهى تستمع اليه وعلى ثغرها ابتسامه وفى عينها فرحه غابت عنها طويلاً .. قالت له عندما انتهى من حديث :
- أنا فرحانة أوى انى هعيش معاكوا هناك
قال "عبد الرحمن" وعلى ملامحه الجديه :
- قبل أى حاجه لازمن تعرفى الأول حكاية التار اللى كان على أبوكى الله يرحمه لعيلة "المنفلوطى"
قالت "مريم" بهدوء :
- عارفه يا جدو
- عارفه ايه بالظبط يا بنتى ؟
- بابا الله يرحمه قالى ان فى حد عندكوا اتقتل وهما اتهمومها فى بابا الله يرحمه .. وعشان كده هرب من بلده وجه القاهرة .. بس هو معملش كده .. مش هو اللى قتل الراجل اللى مات
سألها "عبد الرحمن" :
- مجالكيش حاجه تانى
- لأ قالى كده بس .. وأصلا مكنش بيحب يتكلم فى الموضوع ده
أومأ "عبد الرحمن" برأسه قائلاً :
- فعلاً محدش فينا بيحب يتكلم فى الموضوع ده .. بس لازمن تعرفى شئ .. محدش يعرف ان أبوكى مات .. لأن لو عيلة "المنفلوطى" خبرت انه مات وان معندوش الا بنت .. يبجى هياخدوا بتارهم من عمك "عثمان" يا بنتى .. وعشان اكده خبر موت أبوكى ما هيخرجش من عيلتنا .. كلياتهم عارفين انه هربان بره الصعيد .. لكن محدش يعرف انه مات الله يرحمه .. فهمتى يا بنتى ؟
أومأت "مريم" برأسها وقد شعرت ببعض الخوف .. ثم ما لبثت أن تناست خوفها وذكريات ماضى والدها .. و قامت "مريم" وحضرت العشاء لجدها وعمها .. ارتدت عباءة وشعرت بالخجل من الكشف عن شعرها بالرغم من أنهم محارمها .. كانت تشعر بالراحه مع جدها وكأنها تعرفه من زمان .. لكن خجلها الأكبر كان من "عثمان" الذى بدا جامداً فلم تستطع الشعور بالألفة تجاهه
قضت "مريم" ليلتها وهى تشعر بالراحة والأمان .. لأول مرة منذ سنوات تشعر بالأمان وهى فى بيتها .. تشعر بأنها ليست بمفردها .. كانت من فرط سعادتها لا تستطيع النوم .. كلما سمعت صوتاً فى الخارج ابتسمت .. ياه لكم تفتقد العيش مع غيرها .. لكم تفتقد أن تسمع فى البيت أصوات وحركات غير صوت جهاز التلفاز .. أصوات آدمية تعيش معها وتتحدث معها .. قامت على آذان الفجر .. خرجت لكى تتوضأ فوجدت جدها وعمها وقد استيقظا .. ابتسمت لهما قائله :
- صباح الخير
ابتسم "عبد الرحمن" قائلاً :
- صباح الخير يا بنتى
قال "عثمان" :
- صباح الخير يا بنت خوى
قال "عبد الرحمن" :
- سمعنا صوت مسجد جريب من اهنه
قالت "مريم" شارحه :
- أيوة يا جدو .. حضرتك انزل من العمار امشى شوية يمين هتلاقى المسجد
- طيب يا بنتى هننزل نصلى ونرجعلك
أومأت برأسها وأغلقت الباب خلفهما .. صلت الفجر وجلست تقرأ وردها .. سمعت صوت جرس الباب .. شعرت بالخوف لأول وهله .. ثم مالبثت أن تذكرت جدها وعمها .. ابتسمت بحزن وهى تحاول أن تتذكر متى آخر مرة سمعت فيها صوت هذا الجرس .. فتحت لهما وأدخلتهما .. قال "عثمان" :
- احنا هنمشى يا بنت خوى
قالت "مريم" بحزن :
- دلوقتى .. طيب نفطر سوا
قال "عبد الرحمن" بحزن :
- معلش يا بنتى بس جالنا تليفون ان جدتك بعافيه شويه
قالت بقلق :
- ليه مالها
- مفيش شوية تعب .. وكمان لينا مصالح هناك .. مينفعش نتأخر عليها واصل .. آنى كنت فاكر اننا هنرجع امبارح
شعرت "مريم" بالأسى .. جذها جدها الى حضنه قائلاً :
- هو اسبوع واحد زى ما اتفجنا وهنيجى ناخدك .. ماشى
أومأت برأسها قائله :
- ماشى يا جدو
آلمها رحيلهما سريعاً .. كانت تتمنى بقائهما فترة أطول .. طلبت من جدها ترك الصور معها .. جلست على فراشها وهى تتطلع الى صور أفراد العائله وهى مبتسمه وفرحه .. مضى وقت طويل لم تشعر فيه بهذه البهجة .. ذهبت الى عملها والابتسامه باديه على محياها وحيت "مى" و "سهى" قائله :
- السلام عليكم .. ازيكوا يا بنات
قالت "مى" :
- وعليكم السلام ازيك يا "مريم"
قالت "سهى " :
- الحمدلله ازيك انتى
قالت مبتسمه :
- كويسة الحمد لله
قالت لها "مى" وهى تتمعن فى النظر اليها :
- خير .. شكلك مبسوط
قالت "مريم" بسعادة :
- جدا يا "مى" جدا
صاحت "سهى" :
- ايه اتخطبتى ؟
نظرت اليها "مريم" وبدا وكأنها سمعت حديث يضايقها .. فقالت بضيق :
- لأ
مطت "سهى" شفتيها قائله :
- أمال ايه اللى يفرح غير كده
قالت "مريم" بسعادة :
- امبارح زارنى جدى وعمى
قالت "مى" بدهشة :
- جدك وعمك !
قالت "مريم" بابتسامه واسعة :
- أيوة وليا كمان عمه وجده
هتفت "مى" بسعادة :
- بجد ولا تهزرى
- أيوة بجد
- ما شاء الله .. أخيراً عرفتى طريق أهلك
ضحكت بسعادة :
- ومش كده وبس .. عايزينى أروح أعيش معاهم كمان
قالت "مى" بدهشة :
- تعيشي معاهم فين ؟
↚
- فى الصعيد
شهقت "سهى" قائله :
- الصعيد .. بتهرجى يا "مريم"
قالت "مريم" بهدوء :
- لأ مش بهرج .. دول كمان كانوا عايزنى أسافر معاهم امبارح .. بس أنا مرضتش أسافر بسرعة كدة
قامت "مى" من مكتبها وجلست أمام "مريم" قائله :
- بتتكملى بجد .. يعني فعلاً هتسافرى الصعيد
قالت "مريم" بحيرة :
- مش عارفه يا "مى" حسه انى متلخبطه .. بس كل اللى أعرفه انى ليا أهل ومش عايزه أبعد عنهم .. أنا تعبت أوى من العيشه لوحدى يا "مى" .. أنا حبه أكون وسطيهم .. حبه أعيش معاهم .. بس هى فكرة الصعيد دى اللى مخوفانى .. أنا مش عارفه نظام حياتهم ازاى .. وهعرف أعيش معاهم ولا لأ .. ومش عارفه أصلا هما كلهم هيتقبلونى وسطيهم ويحبونى ولا لأ .. خايفه أوى .. وعشان كده جدو قالى أجرب شهر .. ولو ارتحت خلاص أفضل عايشه معاهم .. ولو مرتحتش أرجع القاهرة تانى
قالت "سهى" بسخريه :
- وانتى فكرك هيسيبوكى ترجعى القاهرة .. أكيد لأ طبعا .. مش هيخلوكى ترجعى تعيشي لوحدك .. دول صعايده يا بنتى يعني بيغيروا على بناتهم موت
تنهدت "مريم" قائله بحيره :
- أنا استخرت ربنا .. وراضيه باللى يختارهولى
قالت "مى" بأسى :
- على الرغم من انى فرحانه انك أخيراً عرفتى أهلك وقابلتيهم بس اضايقت أوى لما عرفت انك ممكن تسافرى ومترجعيش تانى
ابتسمت "مريم" قائله :
- عارفه يا "مى" انتى هتوحشيني أوى أوى بس حتى لو سافرت أكيد هاجى هنا كل فترة .. وبعدين هيكون بينا تليفونات ان شاء الله
قالت "سهى" مبتسمه :
- ربنا يسعدك يا "مريم" انتى طيبه وتستاهلى كل خير
1
توجهت "مريم" الى مكتب "عماد" لكى تخبره بأمر سفرها وتركها للعمل قال بوجوم :
- بصراحة أنا مضايق جداً انى هخسر واحدة زيك يا "مريم" .. انتى أفضل ديزاينر عندى فى الشركة
ابتسمت قائله :
- متشكره يا أستاذ "عماد" ..بس فى كتير زمايلى هنا موهوبين أكتر منى
قال بجديه :
- لما أقولك انك أفضل ديزاينر يبأه بقول الحقيقة ومش بجاملك
صمت قليلاً وبدا عليه التفكير ثم قال :
- طيب يا "مريم" أنا عندى اقتراح .. ايه رأيك تستمرى فى العمل فى الشركة حتى وانتى مسافره
قالت "مريم" بدهشة :
- ازاى ؟
ابتسم "عماد" قائلاً :
- عن طريق الانترنت .. هنتواصل معاكى ونبعتلك الأوردرز المطلوبة وانتى تنفذيها وتبعتيها على الميل ومرتبك يوصلك عن طريق البنك
ابتسمت "مريم" وقد شعرت بسعادة غامرة لأنها لن تضطر الى ترك عملها الذى تعشقه .. قالت بسعادة :
- بجد متشكرة جداً يا أستاذ "عماد" .. انا فعلاَ مكنتش حبه أبداً أسيب شغلى لانى بحب شغلى أوى .. ومش متخيله انى ممكن أبعد عنه
قال "عماد" بسعادة :
- خلاص اتفقنا .. وربنا يوفقك فى حياتك يا "مريم" انتى مش بس ديزاينر ممتاز .. لأ وعلى المستوى الشخصى بنت ممتازة كمان
أطرقت رأسها بخجل وقالت لخفوت :
- شكراً يا أستاذ "عماد" .. بعد اذنك
خرجت "مريم" من مكتبه وقلبها يقفز فرحاً .. ستعيش وسط عائلتها وفى نفس الوقت ستستمر فى عملها بالشركة .
********************************
جلس "عبد الرحمن" على المائدة مع زوجته و"عثمان" و "صباح" .. قالت زوجته بلهفه :
- شكلها ايه يا حاج
ابتسم "عبد الرحمن" قائلاً :
- حلوة وصغيره بس سفيفه جوى شكلها مبتتغذاش منيح
قالت "صباح" :
- متجوزه يابوى ؟
- لا .. كان مكتوب كتابها بس جوزها مات
قالت زوجته بحسره :
- لا حول ولا جوة الا بالله .. يعني اترملت جوام جوام
قال "عبد الرحمن" :
- بس هى لساتها صغيره .. والحياة أدامها .. وان شاء الله نجوزها حدا من عيلتنا واحنا أولى بلحمنا
أومأ "عثمان" برأسه قائلاً :
- اييوه يا بوى نشوفلها حدا من عيلتنا مينفعش تبجى لحالها اكده خاصه من بعد ما اترملت .. مش عايزين حدا يتكلم عليها
- ان شاء الله يا ولدى .. ان شاء الله
1
********************************
صاح "حامد" بحنق :
- بعتلى المحامى بتاعه عشان يفض الشراكه اللى بينى وبينه .. وكل ده عشان ايه عشان شافنى ببوس موظفه عنده .. وهو مال أهله هى كانت من بقيت عيلته
قال "سامر" بحزم :
- انت عارف كويس يا "حامد" ان "مراد" صعيدي وطبعه حامى .. يعني أكيد مش هيشوف منظر زى ده ويسكتلك
قال "حامد" بحنق :
- ده راجل متخلف .. تصور طرد البنت من الشركة .. طبعاً جبتها وشغلتها عندى فى شركتى .. ولا الحوجه لسى "مراد" خالص
قال "سامر" بضيق :
- بس مكنش يصح تقول لـ "مراد" الكلام اللى سمعته من "طارق" ده
صاح "حامد" بغضب :
- هى مش دى الحقيقة ولا ايه .. مراته سابته زى الكلب الجربان واطلقت منه وراحت اتجوزت واحد تانى .. ولما فكر يخطب تانى والبنت رحبت بيه .. أول ما عرفت ان رجله مبتوره رفضته على طول .. كدبت أنا ولا دى الحقيقة
قال "سامر" بغضب :
- انت ليه معندكش احساس كده هو ذنبه يعني .. دى حادثة قضاء وقدر .. وبعدين دى حاجه متعيبوش "مراد" راجل وشهم وصعب دلوقتى تلاقى واحد زيه
صاح "حامد" بسخريه :
- ليه ان شاء الله جايب الديب من ديله .. شكلكوا كلكوا عينه واحده
صمت "حامد" قليلاً وبدا عليه التفكير ثم قال وهو يحاول أن يكظم غيظه :
- فاكر انه لما يطردنى بره الشراكه هسكتله .. بكرة يشوف أنا هعمل فيه ايه
قال "سامر" بقلق :
- هتعمل ايه يعني يا "حامد"
نظر اليه "حامد" وقال بحزم :
- اتفرج واتعلم
شعر "سامر" بالقلق من التعبيرات الباديه على وجه "حامد" .. ونظر اليه يحاول أن يخترق عقله ليعلم فيما يفكر .. وماذا ينوى أن يفعل .. وكيف ينوى الإنتقام من "مراد"
************************************
- مش هتصدج يا "جمال ".. لجينا بنت "خيري" الله يرحمه
هتفت "صباح" بهذه العبارة وهى تلتقى بـ "جمال" سراً فى مكانهما المعتاد قال "جمال" بلهفه :
- بنت بس معندوش ولاد ؟
قالت "صباح" :
- لا معندوش ولاد .. بنت بس والبنت التانيه ماتت معاه فى الحادثه هو ومرته
أومأ "جمال" برأسه وقال وهو يمعن فى التفكير :
- يبجى اكده لو عيلة "المنفلوطى" فكروا ياخدوا بتارهم منيكم يبجى أخوكى "عثمان" هو اللى عليه الدور
قالت "صباح" بهلع :
- وايه اللى هيعرف عيلة "المنفلوطى" ان أخويا "خيري" مات وان عنديه بنت واحده
قال "جمال" وقد لمع عيناه بخبث :
- معاكى حج .. وايه اللى هيعرفهم
نفض "جمال" الأفكار من رأسه واقترب من "صباح" قائلاً :
- اشتجتلك جوى يا "صباح"
حاول تقبيلها فابتعدت قائله :
- آني مضايجه منك جوى يا "جمال" .. حسه انك مش رايد تتجوزنى
قبلها قائلاً :
- كيف تجولى اكده يا "صباح"
- أمال ليه مش بتطلبنى من أبوى يا "جمال" .. آنى خايفه حد يتجدملى .. وأبوى يوافج عليه
قال "جمال" وهو يغير الموضوع :
- لما بنت "خيري" توصل عرفيني يا "صباح"
قالت "صباح" بحده :
- وانت عايز تعرف ليه يا "جمال"
قال "جمال" بنفاذ صبر :
- عرفيني وخلاص ملكيش صالح
نهض وقال وهو يغادر :
- فتك بعافيه أنا راجع الشركة عندى شغل كتير
نظرت اليه "ًصباح" بغل وهو يبتعد .
2
***********************************
↚
التف "مراد" حول طاولة الطعام مع أسرته فى أحد المطاعم الفخمة .. قالت "سارة" التى كان يبدو عليها الشرود والتفكير :
- أبيه أنا عايزة أشتغل عندك فى الشركة
نظر اليها "مراد" بدهشة قائلاً :
- تشتغلى فى الشركة
- أيوة
- تشتغلى ايه يا "سارة"
قالت بلهفه :
- أى حاجه فى المكان اللى انت تختاره
فكر "مراد" قليلاً ثم قال :
- لا يا "سارة" مش هينفع
قالت بإلحاح "
- ليه بس يا أبيه أنا هكون معاك .. وبعدين حطنى فى مكان مختلطش فيه بحد .. يعنى يكون اللى فى المكتب معايا بنات بس .. عشان خاطرى يا أبيه أنا حسه بزهق فظيع .. وبعدين هروح انا وانت سوا ونرجع سوا مش همشى لوحدى
تنهد "مراد" ثم قال :
- طيب يا "سارة" هفكر فى الموضوع وارد عليكي
قالت بحماس :
- بس عشان خاطرى مترفضش .. بجد أنا حبه أوى أشتغل فى الشركة
ابتسم قائلاً :
- خلاص سبيني أفكر
تلاقت نظرات "سارة" مع نظرات "نرمين" الى ابتسمت اليها بخبث .. فتجاهلتها "سارة" وتناولت طعامها فى صمت.. بعد قليل جاء لـ "مراد" اتصال هام فإستأذن منهم ليتحدث بالخارج .. خرج من المطعم ووقف على جانب يتحدث فى الهاتف .. ما كاد ينهى اتصاله حتى سمع سيدتان تخرجان من المطعم تقول احداهما للأخرى :
- خدتى بالك من "مراد خيري" وعيلته كانوا جوه
- أيوة شوفته صعبان عليا أوى بعد اللى حصله فى رجله
قالت الأولى فى أسى :
- وكمان مراته اللى سابته واتجوزت واحد غيره .. مسكين صعبان عليا أوى احساس صعب برده انه يحس ان مراته سابته عشان اعاقته واتجوزت واحد تانى وخاصه انه لسه متجوزش لحد دلوقتى
- طبعا يا بنتى صعب انه يلاقى واحده ترضى بيه أنا عن نفسي مرضاش أتجوز واحد أحس معاه بالنقص والناس بتبصله بشفقه وصحابي بأه يستلمونى تريقه ملقتيش الا واحد معاق
6
رحلت المرأتان .. دون أن تنتبها الى "مراد" الواقف فى أحد الأركان على مدخل المطعم .. شعر "مراد" بألم وغضب يغزوان قلبه وكيانه كله .. هذا ما يلاقيه من الناس إما الرفض وإما السخرية وإما الشفقه .. وثلاثتهم يكرههم كرهاً .. ولا يقبل على نفسه احداهن أبداً ..توجه الى داخل المطعم وقال لأسرته :
- يلا عشان نمشى
نظرت اليه "نرمين" قائله :
- لا يا أبيه سيبنا أعدين شويه لسه مطلبناش الحلو
صاح "مراد" فيها بغضب :
- قولت قومى حالاً
نظرت اليه أمه قائله :
- بتزعلقها ليه يا "مراد" .. خلينا أعدين شوية
نظر الى أمه قائلاً بحزم :
- أنا عايز أمشى عندى شغل .. ومش هينفع أسيبكوا لوحدكوا .. يلا قوموا معايا
نهضت الفتاتان وهما تشعران بالحنق والضيق .. شعرت والدته بأن شيئاً ما أصابه أو أن المحادثة الهاتفيه عكرت مزاجه للغايه .. أوصلهم الى المنزل دون أن يتفوه ببنت شفه .. ثم انطلق فى طريقه وهو لا يدرى وجهته .. فقط يدرى شئ واحد .. لا شئ فى هذه الدنيا يستطيع مداواة جراحه أبداً .
********************************
تعددت اللقاءات بين "خالد" و "سهى" .. كانت تخرج معه فى سيارته .. أخذها الى أماكن عده .. كانت تشعر بسعادة غامرة وهى تركب تلك السيارة الفارهه .. وتحاول الاقتراب منه أكثر فأكثر .. كانت تتمنى ألا تفترق عنه وأن توقعه فى حبها .. شعرت بأنها حققت هذا الهدف بالفعل .. فها هو "خالد" وقد أغمرها بالهدايا والفسح .. كانت تتمنى وهو يلبي .. ابتسمت لنفسها بسعادة والهواء المنعش يداعب وجهها من شباك السيارة .. مد "خالد" يده ونزع قطعة القماش الصغيره التى تسميها مجازاً حجاب .. ثم نظر اليها قائلاً :
- كده شكلك أحلى
ابتسمت له وعدلت من تصفيف شعرها وهى تنظر الى المرآة
لمس "خالد" شعرها قائلاً :
- طالما شعرك حلو كده بتخبيه ليه
ضحكت قائله :
- تعود بأه
- لأ مش عايزك تلبسيه تانى شكله وحش عليكي
ابتسمت قائله :
- بس لازم ألبسه أدام أهلى وأنا نازله من البيت .. بس أوعدك أول ما نتقابل هقلعه على طول
ابتسم قائلاً :
- ماشى يا جميل .. تحبي بأه تروحى فين النهاردة
قالت بدلع :
- اختار انت المكان
رفع حاجبه بخبث قائلاً :
- ومش هتعترضى
قالت بدلال :
- تؤ مش هعترض
بعد ربع ساعة من القيادة أوقف سيارته أمام العمارة التى يقطن فيها .. نظرت "سهى" الى العمارة بريبه ثم التفتت الى "خالد" قائله :
- مش ده بيتك
ابتسم قائلاً :
- أيوة يا حبيبتى
أوقف السيارة ونزل منها والتف حولها وفتح لها الباب .. نزلت وبدا عليها التردد ثم قالت :
- طيب مينفعش نروح مكان تانى
ابتسم لها قائلا :
- انتى خايفه منى ولا ايه
قالت بسرعة :
- لأ طبعا بس خايفة يعنى ان حد يشوفنا
جذبها من يدها قائلاً :
- محدش هنا يعرفك .. ولو عليا فمحدش له حاجه عندى
صعدت معه وهى تشعر بخفقات قلبها المتسارعه .. عاد الصوت بداخلها يخبرها بأنها تفعل شيئاً خاطئاً وبأنها تمادت كثيراً وتنازلاتها تكبر يوماً بعد يوم .. لكنها أسكتت هذا الصوت كالمعتاد وقالت له "أنا مش هعمل حاجه غلط مجرد زيارة صغيرة وهنزل على طول أنا كبيرة وعاقلة وأقدر أحافظ على نفسي كويس " .. دخلت الى البيت وهى متوتره قليلاً .. فضلت الجلوس فى الشرفة عاد اليها وقدم لها كأساً فقالت بدهشة :
- بالنهار كده
ضحك قائلاً :
- وفيها ايه يعني هى الخمرة ليها وقت محدد
قالت بقلق :
- لا بلاش مش عايزه
ابتسم قائلاً :
- خلاص براحتك
نظر اليها قائلاً :
- انتى ليه متوتره كده
- بصراحة أصل دى أول مرة أروح بيت واحد
- ما انتى جيتي هنا قبل كده
قالت بسرعة :
- بس يومها كان فى حفلة بس النهاردة مفيش غيري
اقترب منها قائلاً :
- ماهو حلاوتها ان مفيش غيرك
ابعدته عنها قائله :
- "خالد" انت عايز منى ايه بالظبط
لمعت عيناه قائلاً :
- لسه مفهمتيش .. حبيبتى أما عايز أتجوزك
شعرك بسعادة غامرة تجتاح كيانها كله .. شعرت وكأنها لمست النجوم بيديها وحصلت على نجمة منهم .. قالت بحبور :
- بجد يا "خالد" .. بتتكلم جد .. عايز تتجوزنى بجد
ابتسم واقترب منها قائلاً:
- أيوة طبعاً يا حبيبتى .. بتكلم جد .. من يوم ما شوفتك وانتى دخلتى دماغى .. ومبقتش بتمنى غير انك تكونى ليا
اتسعت ابتسامتها .. لكنها تحطمت وتلاشت عندما سمعته يقول :
- بس هنتجوز عرفى
صمتت قليلاً تحاول استيعاب ما قال .. ثم دفعته "سهى" بعيداً عنها وقالت بغضب :
- عرفى .. انت ازاى تعرض عليا حاجه زى كده .. انت فاكرنى ايه
حاول أن يقترب منها مرة أخرى فأبعدته عنها بعنف .. صاح غاضباً :
- انتى هتترسمى عليا ولا ايه .. ما انتى كنتى عارفه من البداية ان ده هيحصل
نظرت اليه وهى غير مصدقة أذنيها فأكمل بتهكم وسخرية قائلاً :
- بقيتي بتتحججى بأى حجة عشان تجيلى المكتب ولما عزمتك على عيد ميلادى كنتى طايره من الفرح .. ورقصتى معايا يوم عيد ميلادى ومفيش حاجه قولتهالك وعارضتيني فيها حتى لما ادتلك خمره تشربيها نفذتى كلامى ورضيتي تخرجى معايا وتقبلى منى هدايا وتيجى معايا بيتي وانتى عارفه انى عايش لوحدى .. فبلاش بأه الرسم ده وطالما أنا وانتى فاهمين بعض كويس وعارفين كل واحد فينا عايز ايه من التانى يبأه خلينا حلوين مع بعض وبلاش نعكر مزاجنا بكلام ملوش لزمه
كانت تشعر بصدمة شديدة .. من كلماته التى ألقاها على مسامعها .. حاول الإقتراب مرة أخرى .. ابتعدت عنه فوراً وتوجهت الى باب البيت وخرجت مسرعه .. نزلت درجات السلم وهى تكاد لا ترى من الدموع التى تنهمر من عينيها .. أوقفت سيارة أجرة .. وأسرعت مبتعدة عن هذا المكان وهذا الشخص الذى أشعرها أنها فتاة رخيصة يمكن شرائها ببضع هدايا وبضع كلمات.
5
**********************************
هاهى على موعد مع خطاب آخر من خطابات "ماجد" .. فتحت الخطاب بلهفة شديدة .. لكم كانت تتمنى وجوده معهالتخبره بأمر عائلة والدها.. قرأت ما كتبه "ماجد" لها :
- زوجتى الحبيبة "مريم" .. كيف هو حالك مع الله .. لا أريد أى شئ أن يشغلكِ عن وردك وأذكارك وقيامك وفعلك للخير يا "مريم" .. أتذكرين حديثنا معاًً ودعائنا معاً بأن نلتقى أنا وأنتِ فى الجنة من بعد هذا الفراق الذى كُتب علينا .. أنا هنا لا أدرى الى أين أوصلتنى أعمالى يا "مريم" وليس لى سواكى ليهديني ما يخفف عنى حملى الثقيل .. لن أطلب منكِ شيئاً محدداً .. لا أريد سوى ما فى استطاعتكِ فعله .. من أجلى ومن أجلك .. حبيبك "ماجد"
ابتسمت "مريم" وترقرقت العبرات فى عينيها وهى تعلم جيداً ما ستقدمه له .. توجهت الى أحد الأدراج فى غرفتها وأخرجت علبه صغيره .. فتحتها وأخرجت منها القطع الذهبيه التى بها .. وفى الصباح ذهبت الى الصائغ وباعت ما بجوزتها .. أخذت المال والابتسامه على شفتيها .. توجهت الى أحد المساجد التى تم بنائها حديثاً فى شارعها .. كان مسجداً صغيراً لم يتم الإنتهاء من تشطيبه حيث توقف استكماله بسبب قلة الموارد المالية .. سألت عن صاحب المسجد وذهبت الى محله الذى يقع فى نفس الشارع .. كان شيخاً ديناً .. أعطته "مريم" ما بحوزتها من مال جمعته من بيع مصوغاتها ومصوغات والدتها و أختها .. وطلبت منه أن يقوم بتشطيب المسجد بهذا المال ويقوم بفرش المسجد وشراء المصاحف .. شكرها الرجل كثيراً ودعا لها بسعة الرزق .. كانت "مريم" تشعر بسعادة غامرة لأنها لم تتصدق عن "ماجد" فقد بل شملت صدقتها أمها وأبيها وأختها .. وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من بنى لله مسجداً يذكر فيه اسم الله تعالى بنى الله له به بيتا في الجنة " .. دعت الله أن يتقبل الهدية التى أهدتها لأفراد عائلتها.. قال لها الرجل :
- قوليلى يا بنتى الصدقة ليكي ولا لحد متوفى
قالت "مريم" بإستغراب :
- لحد متوفى .. بس ليه حضرتك بتسأله ؟
قال الرجل مبتسماً :
- عشان يا بنتى احنا هنعمل يافته بأسماء الناس المتوفيه واللى أهلهم اتبرعوا للمسجد وهنعلقها فى المسجد عشان الناس تدعيلهم بالرحمة والمغفرة
أومأت "مريم" برأسها وأملته أسماء أبيها وأمها وأختها .. فقال الرجل بأسى :
- ربنا يرحمهم ويغفرلهم .. ماتوا مع بعض
قالت "مريم" بحزن :
- أيوة فى حادثة
↚
نظر اليها الرجل مشفقاً وقال :
- ربنا يجعل الصدقه دى فى ميزان حسناتهم وحسناتك يا بنتى
تمتمت بخفوت :
- آمين .. ولسه فى كمان جوزى
نظر اليها الرجل بحزن بالغ وقال:
- لا حول ولا قوة الا بالله .. ربنا يعوضك يا بنتى ويصبر قلبك .. قوليلى اسمه
قالت "مريم" بحزن :
- "ماجد" ... "ماجد خيري"
فى اليوم التالى ذهبت "سهى" الى عملها فى وجوم .. كان يبدو عليها الحزن وعلى عينيها آثار البكاء .. تطلعت "مريم" و "مى" كل منهما الى الآخرى .. لم تتحدث "سهى" طوال اليوم ولم تناكف فى "مى" كعادتها .. فقط انكبت فوق حاسوبها لكن بدا وكأنها لا تحرك الماوس تحت أصابع يدها .. فقط تنظر الى الشاشة شاردة .. ظلت هكذا طوال اليوم حتى آتى موعد الانصراف .. قالت "مى" لـ "مريم" :
- ها خلصتى
قالت "مريم" وهى منهمكة فى علمها :
- لأ لسه .. عايزة ألحق أخلص كل الشغل اللى ورايا قبل سفرى ان شاء الله
سألتها "مى" قائله :
- ليه مش أستاذ "عماد" قالك انك هتشتغلى عن طريق النت
نظرت اليها "مريم" ويبدو على وجهها علامات التعب وقالت :
- أيوة بس أكيد أول كام يوم مش هعرف أشتغل هكون مشغوله مع أهلى .. وعشان كده حابه أخلص جزء كبير من شغلى .. عشان ما أتأخرش فى تسليم الشغل
أومأت "مى" برأسها وقالت :
- ماشى يا حبيبتى .. أنا ماشية بأه أشوفك بكرة
- مع السلامة
خرجت "مى" وألقت "مريم" نظرة على "سهى" لتجدها فى دنيا آخرى تماماً .. نادتها قائله :
- "سهى" .. "سهى"
التفتت اليها "سهى" قائله :
- أيوة يا "مريم"
نظرت اليها "مريم" بقلق وقالت :
- انتى مش هتمشى ؟
قالت بوجوم :
- آه .. لا .. لسالى شويه
لحظات وانفجرت "سهى" فى البكاء .. شعرت "مريم" بقلق شديد اتجاهها فهبت واقفه واتجهت اليها وضعت يدها على كتفها قائله :
- "سهى" مالك فى ايه .. بتعيطي ليه .. "سهى"
حاولت "سهى" تمالك نفسها ووقف بكائها .. أعطتها "مريم" منديلاً من حقيبتها فكفكفت دموعها وقالت بصوت مرتجف :
- مفيش أنا كويسه
جذبت "مريم" أحد المقاعد وجلست بجوارها قائله :
- لا مش كويسه طبعاً .. قوليلى مالك ايه مضايقك يمكن أقدر أساعدك
نظرت اليها "سهى" وقالت :
- مش هتقدرى تساعديني
- جربي
صمتت "سهى" قليلاً ثم قالت بخجل :
- مش هقدر أحكيلك على المشكلة .. بس كل اللى أقدر أقولهولك انى اتهنت اهانه جامده أوى أوى .. والمشكلة اللى تعبانى انى شايفه نفسى غلطت فعلاً واستحق الإهانه دى
نظرت اليها "مريم" قائله :
- طيب طالما شايفه انك كنتى غلط .. يبقى تحاولى تصلحى الغلط ده
قالت "سهى" بمرارة :
- ياريت بس معدش ينفع اللى حصل حصل
قالت "مريم" بهدوء :
- لو معرفتيش تصلحى الغلط .. يبقى على الأقل توقفيه فوراً ومتكرريهوش تانى أبداً مهما حصل
نظرت اليها "سهى" وقالت بأعين دامعه :
- أنا حسه انى واحدة رخيصة أوى .. مش عارفه أعمل ايه وازاى أشيل الإحساس ده من جوايا
ربتت "مريم" على كتفها وقالت :
- "سهى" هكلمك بصراحة لانى بحبك .. ولانى طلبتى منى النصيحة .. "سهى" اعرفى حاجه واحده .. سعادتك فى قربك من ربنا مش فى بعدك عنه .. ربنا مبيحرمش الا الحاجات اللى بتضرنا فعلاً .. هو اللى خلقنا وهو أدرى بينا من نفسنا .. احنا اتخلقنا فى الدنيا دى مش عشان ناكل ونشرب وننام وبس .. لأ .. احنا اتخلقنا عشان نعبد ربنا .. نعبده صح زى ما قالنا .. مش نعبده بمزاجنا .. أكيد كلنا بنغلط .. بس فى فرق بين غلطه وغلطه .. وحتى لو اتنين غلطوا نفس الغلطه .. فى فرق بينهم .. لان الأول ممكن يتمادى فى الغلط ويستمر فيه ويموت عليه ويبعث يوم القيامة عليه .. أما التانى يعمل الغلط ويندم عليه ويبكى من الندم عشان غلط فى حق ربنا قبل ما يكون فى حق نفسه ويقرر انه ميعملش الغلط ده تانى طول عمره وربنا يقبل توبته ويموت وهو مفيش عليه الذنب ده
كانت "سهى" تستمع اليها فى استكانه وهدأت نفسها بعد سماع تلك الكلمات .. قالت "سهى" بشك :
- يعني لو مرجعتش للغلط ده تانى ربنا هيسامحنى أكنى مغلطتش أصلاً
ابتسمت "مريم" قائله :
- أيوة بالظبط كده .. الغلط ده يتمحى تماماً .. بس بشرط .. تكون توبه بجد .. وتندمى بجد .. وتقررى بجد انك مترجعيش لاى حاجه غلط بتعمليها .. وتصلحى من نفسك وتبعدى عن الحاجات اللى تغضب ربنا
أومأت "سهى" برأسها ثم قالت ل "مريم" :
- على فكرة متفكريش ان الموضوع كبير .. لأ دى حاجه بسيطة بس أنا اللى حساسه شويه .. يعتبر مفيش حاجه أصلا بس هما كلمتين بس اتقالولى واضايقت منهم
ابتسمت "مريم" قائله :
- تمام يا جميل .. ولو احتجتى تتكلمى تانى أو تسألى عن حاجه أنا موجوده
ابتسمت "سهى" قائله :
- على فكرة انتى طيبة أوى .. قفل آه .. بس طيبة
ضحكت "مريم" قائله :
- أنا قفل
شاركتها "سهى" ضحكاتها قائله :
- ده القفل يقولك قومى وأنا أعد مطرحك
ثم قالت :
- بس بنت جدعه .. وطيبة .. ومش غلسة وبتحدفى طوب زى "مى"
قامت "مريم" قائله وهى تتوجه الى مكتبها :
- "مى" على فكرة طيبة أوى هى كمان .. لو قربتى منها هتحبيها
جلست "مريم" على مكتبها .. ونظرت اليها "سهى" مبتسمه ثم عادت الى عملها .
******************************************
طرقت "سارة" باب غرفة المكتب الخاصة بـ "مراد" فى الفيلا .. سمعت صوته يدعوها للدخول .. دخلت وأغلقت الباب بهدوء وتقدمت وهى متوترة قليلاً وقالت :
- معلش يا أبيه عطلتك
نظر اليه "مراد" الذى بدا منهمكاً فى قراءة احد الكتب وقال :
- خير يا "سارة"
قالت بإرتباك :
- انت قولتلى هتفكر فى موضوع شغلى فى الشركة
وضع "مراد" الكتاب أمامه على المكتب وبدا عليه التبرم وقال بنفاذ صبر :
- نفسي أفهم هتستفادى ايه
قالت بحنق :
- يا أبيه أنا زهقانه من الأعدة فى البيت ..عايزة أحس انى بعمل حاجه مفيدة .. وبعدين هو أنا هشتغل عند حد غريب .. أنا هشتغل عندك فى الشركة
صمت "مراد" وبدا عليه التفكير .. طال صمته .. ثم نظر اليها قائلاً :
- ماشى يا "سارة" أنا موافق تشتغلى عندى فى الشركة
اتسعت ابتسامتها وقالت بسعادة :
- بجد يا أبيه .. يعني خلاص وافقت
قال "مراد" بحزم :
- أيوة .. بس بشرط هتشتغلى فى المكان اللى أنا أحدده
أمأت رأسها وقالت بحماس :
- ماشى يا أبيه موافقه
قال "مراد" وهو يعود أخذ الكتاب من فوق المكتب :
- خلاص بكرة ان شاء الله جهزى نفسك عشان ننزل سوا
قالت مبتسمه بحماس :
- ماشى .. شكراً يا أبيه
***********************************
قالت "نرمين" لـ "سارة" بسخرية وهما جالستان فى غرفة هذه الأخيرة :
- والله .. طيب كويس أوى انه حن واتعطف واتكرم عليكي ووافق انك تشتغلى فى شركته
ضحكت "سارة" وصفقت بيدها قائلاً :
- مش مصدقه .. الحمد لله انه وافق
قالت "نرمين" بحنق :
- أنا مش عارفه ايه السجن اللى احنا عايشين فيه ده .. ما البنات بتشتغل عادى وبيخرجوا لوحدهم عادى .. اشمعنى احنا يعني اللى محبوسين كده .. مبنخرجش الا مع "مراد" أكننا أطفال فى الحضانه .. هانت والسنة تبتدى فى الكلية وأخرج أشم نفسي شوية
ابتسمت "سارة" قائله :
- آل يعني لما تروحى الجامعة هتشمى نفسك .. "مراد" بيخلى السواق يوصلك ويرجعك ومش كدة وبس بيعرف كل مواعيد محاضراتك وسكاشنك
قالت "نرمين" بحنق :
- بس على الأقل هشوف ناس غيركوا .. دى حاجه صعبة أوى حسه انى مش بنت زى باقى البنات .. ده ولا السجن يا شيخة ايه ده
قالت "سارة" بهدوء :
- بصى هو "مراد" بيخاف علينا عشان بنات .. وانتى شايفه أصلاً البلد دلوقتى مش أمان خالص .. وكل شوية نسمع عن حوادث خطف واغتصاب وقتل وسرقة يعني هو معذور برده فى خوفه علينا
قالت "سارة" بغضب :
- بس مش كده يفكها شويه .. فيها ايه يعني لما تشتغلى فى الشركة ليه كل التفكير ده .. وايه المشكلة يعني لما نروح نزور صحباتنا ليه دايماً هما اللى ييجوا يزورونا واحنا مبنزورش حد .. ده حتى الخروج مش بيوافق عليه .. بالله عليكي دى عيشة .. دى عيشة تخنق بجد .. ده أنا مش عارفه أصلاً هنتجوز ازاى لا حد بيشوفنا ولا بنشوف حد .. حتى صحابه لما بييجوا يزوروه بيفرض علينا حظر تجول لحد ما يمشوا
قالت "سارة" بضيق :
- أهى دى الحاجه الوحيدة اللى مضيقانى
ابتسمت "نرمين" بخبث وقالت :
- بس طلعتى مش سهل يا سارة
- تقصدى ايه ؟
- يعني .. الراجل معدش بييجى قولتى تروحيله بنفسك
صاحت "سارة" بحنق :
- ايه تروحيله دى متنقى ألفاظك .. اخرجى يا "نرمين" شوفى حاجه اتسلى بيها غيري
قامت "نرمين" وقالت بتهكم وهى تغادر الغرفة :
- ده على أساس ان التسليه ماليه البيت
3
*******************************************
ذهبت "مريم" الى دار المسنين حيث تعيش والدة "ماجد" .. دخلت غرفتها .. وجدتها كما تتركها كل مرة .. نائمة على فراشها تنظر الى سقف الغرفة ويبدو أنها تسبح فى عالم آخر .. جلست بجوارها ومررت يدها على شعرها وقالت بحنان :
- ازيك يا ماما .. أخبارك ايه .. ماما .. ردى عليا .. أنا "مريم" .. "مريم" مرات "ماجد"
بدا وكأن المرأة لا تسمعها ولا تلفت اليها .. أكملت "مريم" وهى تنظر اليها بأسى :
- كان نفسي أعرف أخدك معايا يا ماما .. كان نفسي تكون صحتك اتحسنت وأقدر أسفرك معايا .. أنا مسافرة يا ماما .. مسافرة النجع .. أهل بابا الله يرحمه عرفوا طريقى .. وجولى .. وعايزنى أعيش معاهم .. وأنا خلاص كلها كام يوم وهسافرلهم
فجأة وجدتها "مريم" ولأول مرة تحرك رأسها تجاهها وتنظر اليها .. ابتسمت "مريم" بفرح وقالت :
- ماما انتى سمعانى مش كده .. فاهمة أنا بقولك ايه .. مش كده
ظلت المرأة تنظر اليها بدون أن تتكلم .. فأكملت "مريم" بحماس :
- ماما كلميني .. طيب هزى راسك .. أنا حسه انك فهمتيني لما قولتلك انى مسافرة النجع
تجمعت العبرات فى عين المرأة .. وبدا عليها التأثر الشديد ..مسحت "مريم" على رأسها وقالت لها بحزن :
- عارفه ان جرحى وجرحك كبير أوى .. بس أنا عايزاكى تتحسنى يا ماما .. احنا الاتنين ملناش الا بعض .. أنا عارفه ان نفسك ترجعى النجع تانى .. البلد اللى اتولدتى فيها وعشتى فيها .. وعشان كده عايزاكى تتحسنى عشان أقدر أخدك تعيشي معايا
ثم أكملت قائله بإبتسامه :
- أنا هبقى على تواصل مع مديرة الدار .. وكمان أكيد هاجى أزورك ان شاء الله .. والمرة الجاية الى أشوفك فيها تكونى اتحسنتى وأقدر أخدت معايا
قبلت "مريم" يد المرأة ووجنتها .. بدت نظرات المرأة اليها حانية للغاية .. ولاح شبح ابتسامه على شفتيها .. ابتسمت "مريم" بسعادة وهى ترى هذه الإستجابه منها .. توجهت الى مديرة الدار وأعلمتها بأمر سفرها وأخبرتها "مريم" أنها ستستمر فى الاتصال بها حتى تستطيعالإطمئنان على حالة والدة "ماجد" .. خرجت "مريم" من الدار ووجدت فى الخارج صندوقاً للصدقة من أجل الدار فتحت حقيبتها وأخرجت منها ما يسره الله لها ووضعته فى الصندوق بنية شفاء والدة "ماجد" .. كانت "مريم" تعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم "داووا مرضاكم بالصدقة" .. دعت لها أن يشفيها الله عز وجل وتعود الى رشدها مرة أخرى
1
كانت الزيارة التاليه هى الأصعب على نفس "مريم" لكنها أصرت عليها .. توجهت الى المقابر حيث دفن "ماجد" رفعت يديها ودعت الله له كثيراً والعبرات تنهمر من عينيها لتغرق وجهها .. ظلت واقفة وسط المقابر تنظر الى تلك القبور التى حولها .. يا الله كل هؤلاء فقدوا حياتهم وأرواحهم وتركوا خلفهم أمهات وآباء وأبناء وزوجات .. وأولئك سيلحقون بهم بدورهم .. كل فى ميعاده الذى كتبه الله له .. ظلت تنقل بصرها من قبر الى آخر وهى تتسائل ما الذى يدور داخل كل قبر الآن .. من من هؤلاء يتعذب بعمله ويتحول قبرة الى حفرة من حفر النار .. ومن يجازى بعمله الطيب ويتحول قبره الى روضة من رياض الجنة .. شعرت بالتأثر الشديد .. ظلت تدعو لـ "ماجد" ووالدها ووالدتها وأختها ولكل موتى المسلمين .. ثم أخيراً استدارت لتنصرف وهى تشعر أن فى قلبها جرحاً كبيراً تأمل أن يندمل يوماً ماً.
↚
*******************************************
كانت والدة "صباح" تجهز العديد من أنواع الطعام المختلفة .. وتضعها فى المبرد .. دخلت عليها "صباح" قائله :
- اييه كل الوكل ده ياماى .. احنا عازمين جبيله ولا اييه
ابتسمت لها أمها قائله :
- لا يا بنيتى .. بنت خوكى .. "مريم" .. جايه كمان كام يوم .. ولازمن نستجبلها امنيح
قالت "صباح" بتبرم :
- اييوة بس مش كل ده يعني .. أصلاً بوى جال انها سفيفه يعنى ملهاش فى الوكل
قالت لأم بغضب :
- اييه الكلام اللى عاتجوليه ده يا "صباح" .. امشى انجرى شوفيلك حاجه اعمليها .. لسه البيت عايزين نجلبه فوجيه تحتيه .. يلا يا بت مبتصليش اكده
قالت "صباح" بتهكم :
- والهانم بجه كانت بتشتغل اييه فى مصر
ابتسمت أمها قائله :
- مخبرش بس باين عليها بتشتغل شغلانه مهمه لانها جالت لابوكى ان فى يدها مصالح ناس متجدرش تسيبهم وتمشى من غير ما تجولهم .. وكمان أبوكى جالى انها باين عليها متنورة ومتعلمه امنيح
خرجت "صباح" من المطبخ متبرمه وهى تتمتم بحنق :
- آني أحسن منيها مليون مرة
7
*******************************************
دخل "طارق" الى مكتب "مريم" رفعت "مى" رأسها لترى القادم .. خفق قلبها بشدة عندما رأت "طارق" أمامها .. نظر "طارق" الى مكتب "مريم" الخالى ثم تطلع الى الفتاتان قائلاً :
- مساء الخير .. هى مدام "مريم" مش موجودة
شعرت "مى" بالخجل من أن تطلع اليه .. كانت تخشى أن تفضح عيناها ما يعتمل بداخلها فخفضت بصرها قائله بصوت خافت :
- فى مكتب أستاذ "عماد" شوية وراجعه
ابتسمت له "سهى" قائله :
- على فكرة هى مش مدام
نظرت اليها "مى" بحده .. التفت اليها "طارق" قائله بإستغراب :
- بس هى قالتلى انها متجوزة .. يعني مكتوب كتابها وفى دبلة فى ايدها
قالت "سهى" مبتسمه :
- أيوة كان مكتوب كتابها وخطيبها اتوفى من زمان
نظر اليها "طارق" بدهشة وقال :
- يعني هى مش مكتوب كتابها
قالت "سهى" وهى تتفحص تعبيرات وجهه بخبث :
- لأ زى ما قولتلك جوزها مات
قالت "مى" بحده وقد شعرت بالضيق الشديد لكثرة أسئلته عن "مريم" :
- لو سمحت هنا مكان شغل مش عشان نتكلم فى خصوصيات
التفت اليها "طارق" قائلاً :
- آسف مكنتش قصدى أتكلم فى خصوصيات
فى تلك اللحظة دخلت "مريم" الى المكتب .. التفت اليها "طارق" وابتسم ابتسامه واسعة .. نظرت اليه "مريم" دون أن تبادله الإبتسام ثم جلست الى مكتبها قائله بجديه :
- اتفضل يا أستاذ "طارق"
جلس "طارق" وهو لا يرفع نظره عنها .. شعرت بالضيق من نظراته المثبته عليها .. أخرجت ملف وحاولت بسرعة انهاء المقابله .. تطلع "طارق" الى الملف ثم قال مبتسماً :
- زى ما توقعت شغل من الآخر
ثم نظر اليها قائلاً :
- انتى مكسب لأى شركة تشتغلى فيها
شعرت "مريم" بالضيق من كلماته ومن نظراته ومن وجوده .. كانت نظرات "مى" مثبته عليهما وعلامات الحنق والضيق على وجهها .. أما "سهى" فكانت تنظر اليهما مبتسمه بخبث .. قالت "مريم" بجديه :
- لو مفيش تعديلات يبقى خلاص هنبتدى طباعة ان شاء الله من 3 ل 6 أيام وحضرتك تستلم الشغل
قال وهو ينهض :
- خلاص تمام ان شاء الله أشوفك بعد 3 أيام
نظرت اليه "مريم" وقالت بحزم :
- قولت من 3 ل 6 يعني الأفضل حضرتك تنتظر لما أبعت ميل بإن الأوردر وصل بدل ما حضرتك تيجي على الفاضى
نظر اليها نظره أشعرتها بالخجل فأخفضت بصرها .. قال مبتسماً :
- أفضل آجى بنفسي .. متشكر على الشغل الجامد ده
خرج من المكتب .. فهتفت "سهى" بمرح :
- يا سلام على التثبيت اللى كان عيني عينيك ده
التفت اليها "مريم" بحنق وقالت :
- "سهى" ايه اللى بتقوليه ده
قالت "سهى" ضاحكة :
- يا بنتى مشوفتيش كان بيبصلك ازاى .. لا وايه "أفضل آجى بنفسي"
قاطعتها "مى" بغضب قائله وهى تنهض من على مكتبها :
- "سهى" كفاية لو سمحتى .. "مريم" مبتحبش الاسلوب ده
قالت ذلك وخرجت من المكتب بعصبيه .. رفعت "سهى" حاجبيها بدهشة قائله :
- مالها دى
شردت "مريم" وهى تفكر فى سبب غضب وعصبية "مى" بهذا الشكل
1
*****************************************
دخلت "سارة" مع "مراد" الى أحد المكاتب .. كان مكتباً صغيراً فى حجرة صغيره .. التفت اليها "مراد" قائلاً :
- مهمتك يا "سارة" هى انك تدخلى كل المعلومات اللى فى الملفات دى على الكمبيوتر
أشار الى كومة من الملفات على المكتب وأكمل قائلاً :
- هبعتلك السكرتيرة تشرحلك بالظبط هتدخلى البيانات على البرنامج ازاى .. وبعدها تشتغلى لوحدك
قالت "سارة" بضيق :
- يعني شغلى هيكون فى الأوضة دى بس يا أبيه
قال بجديه :
- أيوة .. مش هتحتاجى أى حاجه تانيه .. الملفات موجودة والكمبيوتر موجود
قالت "سارة" برجاء :
- طيب يا أبيه مفيش شغله تانيه ممكن أعملها غير دى .. دى حاجه ممله أوى
قال "مراد" بحزم :
- احنا اتفقنا انك هتشتغلى الشغلانه اللى هخترهالك .. يلا اتفضلى على المكتب وهبعتلك السكرتيرة دلوقتى
جلست "سارة" على مكتبها واجمه .. نظرت الى الملفات على مكتبها وهى تقول فى نفسها " أنا اللى جبت ده كله لنفسي"
*******************************************
دخل "مراد" الى مكتبه .. وبعد دقائق حضر "طارق" الذى جلس قبالته على المكتب وهو يقول :
- ايه الأخبار .. المحامى عمل ايه مع "حامد"
قال "مراد" بهدوء وهو يتفحص الملفات أمامه :
- خلاص فضينا الشراكة ودفعنا الشرط الجزائي
قال "طارق" بإرتياح :
- أحسن غار فى داهيه
وضع الملف الذى فى يده أمام "مراد" الذى نظر اليه قائلاً :
- ايه ده ؟
ابتسم "طارق" قائلاً :
- ده شغل الفنانه اللى ماسكلنا الحملة
أخذ "مراد" الملف وتطلع الى التصميمات بإمعان .. ثم قال :
- تمام .. ممتاز
شرد "طارق" قليلاً .. تطلع اليه "مراد" قائلاً :
- هنبدأ امتى
قال "طارق" :
- متقلقش احنا مجهزين كل حاجه وعلى أول الاسبوع ان شاء الله كل الناس هتعرف اسم الماركة بتاعتنا
أومأ "مراد" برأسه وترك ملف التصميمات وعاد الى تفحص الملف الذى أمامه .. نظر اليه "طارق" قائلاً :
- "مراد" عايز أسألك على حاجه
قال "مراد" دون أن يرفع نظره اليه :
- اسأل
بدل على "طارق" التردد قليلاً لكنه قال :
- ازاى تلفت نظر واحدة ليك .. اذا كانت قفله كل الأبواب فى وشك
تطلع "مراد" الى "طارق" فى صمت .. ثم ابتسم قائلاً :
- هى مطلعه عينك أوى كده
ابتسم "طارق" قائلاً:
- بصراحة أيوة .. يعني حتى الكلام مش عارف أتكلم معاها .. بحسها انها بتقطم فى الكلام .. وكلامها ناشف وجد أوى
صمت "مراد" وأخذ يفكر قليلاً ثم قال :
- طيب خلى بالك ليكون فى حد فى حياتها
قال "طارق" بثقه :
- لأ مفيش .. هى كان مكتوب كتابها وبعدين مات من فترة .. وهى مش مرتبطة دلوقتى
قال "مراد" :
- بص يا "طارق" أنا مبحبش اللف والدوان .. أنا مليش الا فى الكلام المباشر .. يعني أنا لو مكانك هروحلها وأقولها أنا معجب بيكي .. وعايز أتقدملك .. ده لو انت فعلاً معجب بيها وسألت عنها كويس وواثق من أخلاقها وواثق انها انسانه كويسه وتصلح زوجه ليك
فكر "طارق" قليلاً ثم قال :
- يعني رأيك أقولها كده خبط لزق انى عايز أتجوزها على الرغم من انها مش مديانى وش خالص
قال "مراد" وهو يعاود فحص الملفات التى امامه :
- أنا قولتلك لو أنا مكانك كنت هعمل ايه .. انت حر بأه اختار الاسلوب اللى يناسبك .. لكن أنا بحب أجيب من الآخر
أخذ "طارق" يفكر فى كلام "مراد" .. وقد بدأ يميل الى وجهة نظره.
*****************************************
عاد "مراد" الى بيته وبصحبته "سارة" التى أشارت لها "نرمين" للذهاب الى غرفتها .. نظرت اليها "نرمين" وقالت بمرح :
- ها قوليلى عملتى ايه .. شوفتى "طارق"
ألقت "سارة" حقيبتها على السرير وقالت بحنق :
- لأ مشفتش حد .. مشفتش أى حد .. لا "طارق" ولا غير "طارق"
قالت "نرمين" بدهشة :
- ازاى يعنى
صاحت "سارة" بغضب :
- أخوكى دفنى فى مكتب فى آخر دور فى الشركة .. وأعدت طول النهارد أدخل أرقام على البرنامج بتاع الشركة لما خلاص جالى حول
ضحكت "نرمين" بسخرية قائله :
- كان لازم أتوقع كده .. أنا برده استغربت لما "مراد" وافق .. قولت يمكن تعبان ولا حاجه .. لكن كده اتأكدت انه سليم
جلست "سارة" على فراشها قائله :
- يعني لا شوفت "طارق" .. ولا شكلى هشوفه .. وبالمنظر ده شكلى هتعمى قريب ومش هشوف حد أصلاً
ضحكت "نرمين" وربتت على كتفها قائله :
- لينا الجنة يا بنتى لينا الجنة .. أنا راحه أوضتى
دخلت "نرمين" غرفتها .. لتجد هاتفها يرن .. ردت قائله :
- السلام عليكم
أتاها صوت رجل عبر الهاتف :
- ألو .. الآنسه "نرمين"
قالت "نرمين" بإستغراب :
- أيوة أنا .. مين حضرتك
↚
قال الرجل بصوت رخيم :
- أنا واحد عارفك بس انتى متعرفيهوش
قالت "نرمين" بحده :
- انت بتستهبل
قال الرجل :
- لأ مش بستهبل تحبي أثبتلك
قالت بحده :
- أنا هقفل السكة .. متتصلش هنا تانى
قال الرجل بسرعة قبل أن تغلق الخط :
- اسمك "نرمين خيري" وأخوكى الكبير "مراد" و عندك أخت أكبر منك اسمها "سارة" ووالدك متوفى .. وانتى فى آخر سنة فى الجامعة .. وعندك 22 سنة
قالت "نرمين" بإستغراب شديد :
- انت عرفت المعلومات دى كلها ازاى .. انت مين بالظبط ؟
قال الصوت هامساً :
- أنا معجب
قالت بسخريه :
- نعم .. معجب !
قال بنفس الصوت الهامس :
- أنا مش معجب بس أنا عاشق ولهان
قالت "نرمين" بحده :
- لو ماقولتش انت مين هقفل السكة
قال الرجل :
- بكرة تعرفى انى مش بعاكس يا "نرمين" .. وانى فعلا معجب بيكي .. وحابب أتعرف عليكي
قالت بحده :
- أنا مبتعرفش على حد
- أنا مش أى حد يا "نرمين أنا الراجل اللى هيبقى جوزك .. يعني تتكلمى معايا بإسلوب أحسن من كده
أغلقت الخط فى وجهه وهى تشعر بالدهشة من جرأة ذلك الرجل الذى يعرف عنها كل شئ .. جلست شاردة تحاول أن تخمن من يكون هذا الرجــل !
10
*************************************
تقابلت "صباح" مع "جمال" فى مكانهما المعتاد خلف أحد الأبنية التى لم يتم الانتهاء من بنائها .. قال "جمال" وهو يمعن التفكير :
- يعني هيا هتيجي كمان كام يوم .. وهتعيش حداكوا على طول
قالت "ًصباح" :
- بوى جال انها هتعد شهر وبعدين تشوف هتعد حدانا ولا هترجع مصر
نظر اليها "جمال" قائلا :
- شكلها اييه .. حلوة ؟
صاحت "صباح" بغضب :
- مالك انت حلوة ولا مش حلوة .. ان شاء الله تطلع قرد مسلسل انت مالك
قال "جمال" ضاحكاً :
- انت بتغيري ولا اييه
قالت "صباح" بحده :
- "جمال" آنى روحى فى مناخيري كفاية عليا المحروسة اللى عمالين يستعدوا لاستجبالها ولا كأن الوزير هيزورنا
قال "جمال" ساخراً :
- طبعاً مش بنت "خيري"
ثم أكمل بغل :
- "خيري" اللى ضيع مستجبل عمى واتشرد بسببه
قالت "صباح :
- تانى يا "جمال" ليه بتفتح الموضوع ده تانى عاد
قال "جمال" ببرود :
- خلاص جفلنا عليه
اقتربت منه "صباح" قائله :
- "جمال" آنى بدى نتلم فى بيت واحد بجه
قال لها "جمال" بنفاذ صبر :
- يووووه انتى يا معندكيش حكى الا حكى الجواز ده
صاحت "صباح" بغضب :
- اييوه آنى كنت حسه من الأول انك بتلعب بيا يا "جمال" .. كنت عايزنى أجيبلك أخبار الخلج حدانا مش اكده .. ومبدكش تتجوزنى واصل .. آنى اللى غلطانه أصلا وأستاهل ضرب التييييييت انى سمحت لواحد من عيلة "الهوارى" انه يجرب منى وهو مكنش يحلم يشوفنى حتى فى منامه
صاح "جمال" بتهكم :
- ليه فاكره نفسك مين عاد يا "صباح" .. متفوجى لنفسك وشوفى انتى من عيلة مين وآنى من عيلة مين .. انتى فاكره انى ممكن أتجوز واحدة من عيلتكوا .. ده انتوا أساساً عيلة تييييييييييييييت ومستحيل أتجوز منيكوا
دفعته "صباح" بيدها بغضب وقالت :
- والله العظيم لنتجم منيك يا جمال بكرة تشوف صباح هتعمل فيك اييه
دفعها "جمال" بيده قائلا :
- ابجى وريني هتعملى اييه .. هتروحى تجولى لأبوكى "جمال" كان بيسرح بيا يابوى .. عشان خوكى "عثمان" يفرغ طبنجته فى راسك ونرتاح منيكي
قال ذلك وانصرف .. وتركها تتلوى من الغضب والحقد والرغبة فى الإنتقام لكرامتها المهانه .
*****************************************
خرج "مراد" من شركته وطلب من السائق ايصال "سارة" الى الفيلا .. ثم التفت اليها قائلاً :
- مش هروح دلوقتى هتمشى شوية
- طيب والعربية يا أبيه
- مش مشكلة هاخد تاكسي
سار "مراد" فى شوارع القاهرة وتحت سمائها .. جلس على أحد الكافيهات المطلة على النيل .. وأخذ يتطلع اليه متئملاً ما حوله .. أخرج من جيبه دفتر صغير وقلم أنيق .. ظل يسطر بضع كلمات .. سرقه الوقت .. واندمج فى الكتابه .. كان متنفسه الذى يعشقه .. هو الكتابه .. كلما شعر بالرغبة فى البوح بمكنونات نفسه أخرج دفتره وقلمه ودون ما يشعر به من مشاعر وأحاسيس خفيه .. لا يعلمها الا هو وربه .. دفتر وراء دفتر .. حتى تجمع لديه أعداد كبيرة منها .. يحتفظ بها فى خزينة مكتبه .. كان يبدأ فى الكتابة بحال وينتهى بحال آخر .. كانت دائماً تريحه وتزيل حمل كتفيه الثقيل .. كان يشعر بنفسه أخف وبقليه أرق .. أطلق تنهيده عميقه .. وأخذ ينعش رئتيه بالهواء المنعش الذى يهب فى تلك الليلة الساحرة .. سمع صوت ضحكات طفل صغير .. التفت فوجد على بعد خطوات زوجين بصحبة ابنهما الصغير .. كان الصغير يضحك بمرح لمداعبة والده له .. نظر اليهم "مراد" مبتسماً .. كان كلما زاد الرجل من مداعباته زاد الصغير من ضحكاته واتسعت ابتسامة "مراد" أكثر .. بعد فترة أخذ الصغير يتلهى بالطعام أمامه وانشغل به .. فاقترب رأسى الزوجان من بعضهما البعض .. هو هامساً وهى مستمعه مبتسمه .. أشاح "مراد" بوجه عنهما وقد شعر بغصه فى حلقه .. ووغزة فى قلبه .. وقال في نفسه "ما شاء الله لا قوة إلا بالله" خشية أن يحسدهما دون أن يقصد .
فى الصباح صلت "مريم" صلاة الإستخاره للمرة التى لا تتذكر عددها .. وارتدت ملابسها واستعدت لإستقبال عمها "عثمان" الذى حضر بسيارته الفارهه وحمل حقائبها الى السيارة .. جلست بجواره فى المعقد الأمامى وهى تبتسم بسعادة فها هى مقبلة على موطن والدها وبيته وعائلته .. شعرت بأن السعادة قد آن أوانها .. تُرى هل كان شعورها صحيحاً أم خاطئاً ؟!
فى الصباح صلت "مريم" صلاة الإستخارة للمرة التى لا تتذكر عددها .. وارتدت ملابسها واستعدت لإستقبال عمها "عثمان" الذى حضر بسيارته الفارهه وحمل حقائبها الى السيارة .. جلست بجواره فى المعقد الأمامى وهى تبتسم بسعادة فها هى مقبلة على موطن والدها وبيته وعائلته .. شعرت بأن السعادة قد آن أوانها .. تُرى هل كان شعورها صحيحاً أم خاطئاً ؟!
كان "عثمان" صامتاً معظم الوقت .. لم يتحدث الا قليلاً .. وكانت هى لا ترغب فى ازعاجه بكثرة حديثها وأسئلتها .. فالتزمت الصمت .. وصلت "مريم" الى النجع بعد عناء السفر .. كان فى استقبالها جدها وجدتها .. خرجت من السيارة معانقة اياهم بشدة .. قالت جدتها وهى تبكى :
- بنت ولدى الغالى .. يا حبيبي يا ولدى .. الله يرحمك يا "خيري" .. ويرحم مرتك وبنتك
ترقرت العبرات فى عيني "مريم" وأخذت تتساقط على وجهها الذى تبدو عليه علامات التأثر .. أدخلاها الى البيت ... كان بيتاً كبيراً له مذاق وطابع خاص .. جلست بين جدها وجدتها التى قالت :
- بصيلي عشان أملى عنيا بشوفتك يا حبيبة جلبي .. ما شاء الله عليكي .. ربنا يحرسك يا بنيتى .. ربنا يحرسك
خرجت "صباح" لترحب بـ "مريم" .. قال "عبد الرحمن" مشيراً الى "صباح" :
- "صباح" عمتك يا بنتى .. أخت بوكى الله يرحمه
ابتسمت لها "مريم" وقامت لتسلم عليها .. تفحصتها "صباح" من رأسها الى أخمص قدميها .. وقبلتها بشئ من البرود .. قالت لها "مريم" بسعادة :
- أنا فرحانه أوى انى شوفتك يا عمتو
شهقت "صباح" قائله :
- عمتو ايه عمتو دى .. انتى عنديكي كام سنة
شعرت "مريم" بالإرتباك قائله :
- عندى 30 سنة
قالت "صباح" بتهكم وإستفزاز :
- آني بجه عندى 22 سنة .. يبجى مين اللى يجول للتانى يا عمتى
ابتسمت "مريم" قائله :
- معلش مكنتش أعرف سنك .. جدو ما قاليش .. وأنا مش بعرف أحدد سن اللى أدامى معلش متضايقيش منى يا "صباح"
قالت "صباح" ببرود :
- خلاص محصلش حاجه
قالت والدة "صباح" :
- يلا يا بنيتى روحى حضرى الوكل زمان "مريم" على لحم بطنها
قالت "صباح" بتأفف :
- حاضر يا أماى
جلس الجميع على الطاولة .. قالت جدتها وهى تضع الطعام أمامها :
- كلى يا بنتي .. كلى امنيح
ابتسمت "مريم" قائلاً :
- باكل يا تيته .. أنا أكلتى ضعيفة أصلاً
قالت "صباح" بسخرية :
- تيته !
قالت "مريم" بإرتباك :
- طيب أقولها ايه
نظر اليها "عبد الرحمن" قائلاً بسعادة :
- جوليلها زى ما تحبي تجولى .. مفيش مشكله واصل
قال "عثمان" لـ "مريم" بحزم وهو يتطلع الى الدبلة فى يدها :
- ليه لابسه الدبلة .. مش جولتلك اخلعيها
قالت له "مريم" بهدوء :
- أسفة يا عمو بس مش حابه أقلعها
قال "عثمان" بحده :
↚
- لييه .. مش رايده تخلعيها لييه .. اكده الناس تفتكرك مخطوبة يا بنت خوى
قالت "مريم" بحزم :
- مفيش مشكلة لو افتكرونى مخطوبة
نظر "عبد الرحمن" اليها وقد شعر بضيقها فالتفت الى "عثمان" قائلاً بصرامة :
- مش وجته الحديث ده يا "عثمان" .. لكل مجام مجال
سكت "عثمان" على مضد .. بعدما انتهى الجميع من تناول الطعام .. شعرت "مريم" بالتعب الشديد والإرهاق .. انتبهت جدتها فقالت لها :
- جومى يا بنيتي ريحيلك شوية
قالت "مريم" معتذرة :
- معلش أنا آسفة بس تعبت من الطريق والسفر وأنا أصلاً مش متعودة على السفر
قال "عبد الرحمن" وهو يربت على ظهرها :
- جومى يا "مريم" جومى
أدخلتها جدتها الى غرفة مرتبة ونظيفه وقالت لها مبتسمه :
- دى غرفتك يا بنيتى .. هتبجى من اليوم ورايح بتاعتك انتى
ابتسمت لها "مريم" فقامت المرأة بمعانقتها طويلاً وكأنها تعوض بها ابنها الذى فقدته .. نظرت اليها جدتها والعبرات فى عينيها قائله :
- اتحرمت من أبوكى غصب عنى .. بس الحمد لله والشكر ليك يا رب انه عوضنى ببنته .. حته منيه
قبلت "مريم" رأسها وقد شعرت بالتأثر الشديد وقالت :
- أنا كمان فرحانه أوى انى وسطيكم .. لانى حسه انى وجودى بينكم هيعوضنى عن أهلى اللى راحوا
نامت "مريم" ملء جفونها تلك الليلة وهى تشعر بالراحة والطمأنينة .
***************************************
رن هاتفها فردت قائله :
- السلام عليكم
- ألو .. صباح الخير
قالت "نرمين" بحده :
- انت تانى .. انت عندك كام رقم بالظبط
ضحك قائلاً :
- ما أنا قولت أكيد لو اتصلت بالرقم اللى اتصلت بيكي منه قبل كده مش هتردى عليا .. فجبت خط تانى
قالت بسخريه :
- لأ ناصح .. على أساس انى هرد على ده يعني
- عارف انك ممكن مترضيش على ده تانى .. بس أنا عامل حسابى وجايب خطوط كتير .. خلى بالك أنا مفيش فى قاموسي كلمة يأس
أغلقت الهاتف ووضعت الرقم فى قائمة البلاك ليست .. ظلت تفكر كثيراُ فى محاولة تخمين هوية هذا الرجل .
****************************************
استيقظت "مريم" فى الصباح .. وهى تشعر بالنشاط .. قامت وفتحت شباك غرفتها لترى المنظر الجميل الذى تطل عليه غرفتها .. حملت فوطتها وفرشتها وتوجهت الى الحمام .. كانت سعيده للغايه وهى تشعر لأول مرة منذ زمن بعيد أنها تعيش مع أشخاص آخرين .. ستسمع صوتاً آخر في البيت غير صوت تنفسها المنتظم .. هبطت من الدرج لتستقبلها جدتها قائله :
- يا صباح الأنوار .. كيفك اليوم يا ابنيتي
قالت "مريم" مبتسمه :
- الحمد لله يا تيته .. ازيك حضرتك انتى
- منيحه يا بنيتي .. يلا عشان حضرنا الوكل .. كنت لسه هبعت "صباح" تصحيكي بس ما شاء الله عليكي بتصحى بكير
قالت "مريم" بحماس :
- أيوة أنا متعودة أصحى بدرى عشان شغلى
قالت جدتها مستفهمه :
- وبتشتغلى اييه يا بنيتي ؟
- ديزاينر
- اييه
قالت "مريم" مبتسمه :
- أقصد يعني مصممة جرافيك .. يعني بصمم لوح أعلانات يفت اغلفة كتب كروت مطويات
اتسعت ابتسامة جدتها قائله :
- ما شاء الله ما شاء الله باينك ذكيه كتير
ابتسمت "مريم" لطيبة جدتها .. فعانقتها جدتها وقبلتها قائله :
- ربنا يحفظك ويحميك يا بنت ولدى
دخلت "مريم" غرفة المعيشة فاستقبلها جدها بالترحاب قائلاً:
- صباح الخير يا بنتى .. نمتى امنيح
أجات "مريم" وهى تقترب منه وتقبل يده :
- أيوة يا جدو الحمد لله
التفتت قائله ل "عثمان" :
- صباح الخير يا عمو
قال مبتسماً ابتسامه صغيره :
- صباح الخير يا بنت اخوى
اتسعت ابتسامة "مريم" لابتسامة عمها .. بعد قليل حضرت "صباح" قائله :
- يلا عشان الوكل
التفتت اليها "مريم" قائله :
- صباح الخير يا "صباح"
ردت ببرود :
- صباح النور
التف الجميع حول طاولة الطعام ومثلما حدث بالأمس ظلت جدتها بجوارها تحثها على تناول المزيد من الطعام .. كانت "مريم" تنظر اليهم فى سعادة بالغة .. وشعرت بأن أيامها فى النجع .. ستحمل لها الخير .. والسعــادة .
1
***************************************
توجه "طارق" الى مكتب الدعاية بصحبة "سامر" الذى أصر على الحضور معه .. قال له "طارق" بضيق وهو يقود سيارته :
- عايز تيجي معايا ليه .. أنا هسلتم الشغل مش أكتر .. يعني مكنش فى داعى نروح احنا الاتنين
قال له "سامر" بخبث :
- انا مش رايح عشان الشغل .. رايح أظبط المزه اللى فى المكتب
التفت اليه "طارق" بحده قائلاً :
- انت مش شوفتها واتأكدت انها مش ستايلك يا "سامر" .. يعني متنفعكش .. هى مش بتاعة صحوبيه والعك اللى انت عايزه ده
ضحك "سامر" فإزداد غيظ "طارق" الذى قال بضيق الشديد :
- ماشى مفيش مشكلة حابب تجرب بنفسك جرب .. بس أنا متأكد انها هتصدك
قال له "سامر" ضاحكاً :
- يا ابنى أنا مش رايح عشان "مريم" دى .. أنا رايح عشان أم بادى روز .. دخلت دماغى بصراحه .. وشكل كمان الصنارة غمزت معاها .. ده اللى حسيته من نظراتها المرة اللى فاتت
شعر "طارق" بالراحة .. وقال لـ "سامر" محذراً :
- اعمل اللى تعمله بس مش عايز مشاكل مع الشركة دى .. فاهم يا "سامر" .. يعني عايز تعمل اى حاجه اعملها بره الشغل .. انت حر .. انت أدرى بمصلحتك
- متخفش يا "طارق" مفيش مشاكل ولا حاجه
دلفت الإثنان الى مكتب .. نظر "طارق" الى المكتب الفارغ ثم توجه الى "مى" قائلاً :
- صباح الخير .. هى آنسه "مريم" مش موجودة النهاردة ؟
اضطربت "مى" لرؤية "طارق" أمامها ..وشعرت بالألم يغزو قلبها لسؤاله عن "مريم" .. تطلعت اليه لحظة فى حزن .. ثم أسرعت بخفض بصرها قائله :
- "مريم" سفرت
قال "طارق" مستفهماً :
- هترجع امتى ؟
نظرت اليه "مى" بحده قائله :
- مش هترجع
قال بدهشة :
- ازاى يعني
قالت له "سهى" التى كانت سعيده بنظرات "سامر" اليها :
- سافرت عند أهلها فى الصعيد تعيش معاهم هناك ومش هترجع هنا تانى
شعر "طارق" بالضيق الشديد .. راقبت "مى" تعبيرات وجهه فى حنق .. قال "سامر" الى "سهى" وهو يرمقها بنظرات الإعجاب :
- يعني معدتش هتشتغل هنا تانى
بادلته نظراته وابتساماته قائله برقه :
- لأ .. بس لو حبين انها تستمر فى حملة شركتكوا مفيش مشكلة .. أستاذ "عماد" مدير الشركة قالها تستمر فى الشغل وهيبعتلها الأوردرز عن طريق النت .. يعني هتفضل تشتغل لحساب شركتنا
سألها "طارق" بلهفه :
- طيب معاكى رقمها ؟
نظرت اليه "مى" بحده وقالت :
- مستحيل طبعاً نديك رقمها
التفت اليها "طارق" وقال بهدوء :
- أمال هتفق معاها على الشغل ازاى
قالت بحنق :
- راسلها على ايميل الشركة زى ما العملاء الأجانب بيعملوا معانا
ابتسم "طارق" وقد شعر بالراحه لوجود خيط يوصله اليها فنظر الى "مى" قائلاً :
- طيب متشكر .. هروح لأستاذ "عماد" مكتبه أستلم منه الشغل اللى اتطبع
هم بأن ينصرف لكنه التفت الى "مى" قائلاً وهو ينظر اليها بتمعن :
- ممكن أعرف انتى بتكلميني بحده ليه
ارتبكت "مى" ولم تستطع النظر اليه لكنها ردت بتماسك :
- مش بتكلم بحده ولا حاجه .. لو حضرتك حسيت بكده فمعلش ممكن يكون بس من ضغط الشغل
خافت أن تنظر اليه فيكتشف كذبها .. قال "سامر" ل "سهى" مقترباً من مكتبها :
- أنا بأه مليش فى الشغل بالمراسله ده .. أنا أحب أتعامل مع الناس فيس تو فيس وبعدين عشان لو فى تعديلات أقدر أشرحها كويس .. وبصراحه حابب أتعامل معاكى
صمت قليلاً ثم ابتسم اليها قائلاً :
- ممكن رقمك .. يعني عشان لما احتاجك أوصلك بسرعة
ابتسمت "سهى" بسعادة ودونت رقمها على ورقة وأعطته اياها قائله برقه :
- اتفضل وتحت أمرك فى أى وقت يا استاذ .....
ابتسم لها قائلاً :
- "سامر" .. وانتى ؟
- "سهى"
↚
قال بخبث :
- آدى أول حاجة مشتركة بينا .. احنا الاتنين اسمنا بيبدأ بحرق السين
ربت "طارق" على كتف "سامر" وقال بنفاذ صبر :
- يلا يا "سامر"
خرج الاثنان وعينا "سهى" تتابعانهما ..نظرت اليها "مى" بغيظ وقالت بحده :
- انتى اتهبلتى فى عقك يا "سهى" .. من امتى بندى أرقام تليفوناتنا للعملا اللى بيجولنا
قالت "سهى" بنفاذ صبر :
- قالك عشان يعرف يوصلى بسرعة .. أمال شغله يتعطل يعني
قالت "مى" بحزم :
- كل الناس اللى مبتقدرش تيجي مكتبنا أو بيكونوا مشغولين .. بيراسلونا على ايميل الشركة .. على فكرة لو أستاذ "عماد" عرف حاجه زى كده أنا واثقه انه مش هيسكت
هتفت "سهى" بحده :
- انتى هتخوفيني بأستاذ "عماد" ولا ايه .. لا أنا مبخفش من حد .. عايزة تروحى تقوليله قوليله .. أنا محدش يلوى دراعى
عادت "مى" الى عملها وهى تشعر بالغيظ الشديد .. من "سهى" ... و من "طارق"
3
***************************************
التفت "سامر" الى "طارق" فى السيارة وهى يشير الى الورقه التى بيده قائلاً :
- شوفت يابنى بدون أى اعتراض ادتنى رقمها على طول .. مش قولتلك الصنارة غمزت معاها
نظر اليه "طارق" بتهكم وهو يقود قائلاً :
- ودى حاجه كويسه يعني ؟ .. انها تديك رقمها بالسهولة دى .. اذا كان البنت اللى مسافره مرضتش صحبتها تديني رقمها .. أكيد لانها عارفه ان ممكن صحبتها تعمل مشكله معاها لو ادتهولى .. يبقى اللى هنا فى القاهرة واللى سهل اوى تخطف رجلك لحد شركتهم تديك رقمها بسهوله كده
ثم قال :
- مش عارف بتستفيد ايه لما تعمل علاقة مع كل واحدة شوية .. وكل ما تزهق من واحده تسيبها وتدور على الجديدة
قال "سامر" مبتسماً بتهكم :
- اذا كان هما نفسهم مبيبقاش عندهم مانع للعلاقات دى .. هاجى أنا وأقول لأ
قال "طارق" بهدوء :
- سيدنا "يوسف" قال لأ
صاح "سامر" :
- ده سيدنا "يوسف" يعني نبي .. أنا مش نبي
ثم ضحك قائلاً :
- أنا شيطان
هز "طارق" رأسه وقد علم أن لا فائده من الحوار معه .. وشرد فى "مريم" التى تركت القاهرة فجأة توجهت الى الصعيد .. تُرى ما قصتها بالضبط ؟!
عاد "طارق" الى مكتبه .. وتوجه الى حاسوبه وفتح ايميله وهم بإرسال رسالة لـ "مريم" .. ظل متردده كثيراً .. الصفحة مفتوحة أمامه دون ان يكتب حرفاً .. كلما بدأ فى الكتابة عاد لمسح ما كتب .. حتى استجمع شجاعته وكتب لها :
- السلام عليكم .. آنسه "مريم" .. أنا روحتلك النهاردة الشركة وعرفت انك مسافره عند أهلك الصعيد وانك مش راجعه الشركة تانى .. وشغلك هيكون عن طريق النت .. أنا كنت حابب ان الكلام بينا يكون وجهاً لوجه بس للأسف سافرتى قبل ما أعرف أتكلم معاكى .. وكمان صحبتك رفضت تديني رقمك .. فملقتش غير انى أراسلك على ايميل الشركة .. مقدمة طويلة أنا عارف بس كنت حابب أعرفك السبب فى انى ببعتلك الكلام ده عن طريق الميل .. أنا مش عايز أقولك كلام يضايقك منى .. أو تعتبريه جرأة زايده .. بس أنا معجب بيكي جداً .. وشايف فيكي الزوجة المناسبة ليا .. كنت حابب تكونى هنا عشان أقدر آتكلم معاكى وأعرف ظروفك لانى معرفش معلومات عنك غير انك كنتى مكتوب كتابك وخطيبك اتوفى .. وعارف انك هترفضى الكلام معايا سواء نت أو تليفون لانى التمست فيكي انك بنت محترمة ومش ممكن تسمحى بحاجه زى كده وانك عارفه ربنا كويس وبتعرفى تحطى حدود لأى راجل أدامك مهما كان هو مين .. ودى حاجه أنا احترمتها فيكي جداً .. لانى زيك مليش فى العلاقات والكلام الفارغ ده .. أنا لما أعجب بواحده .. احب ان كل حاجه بينا تكون فى الحلال .. عشان ربنا يباركلنا فى بعض .. ولو أنا طلبت منك غير كده يبأه أنا لا بحبك ولا بصونك ومستهلكيش أصلاً .. عشان كده مفكرتش أطلب منك اننا نتكلم على النت أو التليفون .. أنا كل اللى طالبه منك رقم ولى أمرك .. وهتكلم معاه وان شاء الله آجى أزوركوا في الصعيد وأعرف ظروفك وتعرفى ظروفى .. ولو لينا نصيب فى بعض أكيد ربنا هييسر الأمور .. منتظر منك رسالة برقم ولى أمرك فقط .. مش طالب منك أكتر من كده .. "طارق عبد العزيز"
قرأ الرسالة مرات ومرات ثم أخيراً ضغط Send وقلبه يخفق بشدة وهو يفرك كفيه بقوة من فرط التوتر .. ليس أمامه سوى الإنتظار .. حتى ترى الرساله وترد عليها .
9
***************************************
اتصل "جمال" بـ "صباح" وأخبرها بضرورة لقائها فى مكانهما المعتاد .. ذهبت "صباح" وهى تتطلع خلفها خشية من أن يراها أحد يعرفها .. وغطت ونصف وجهها يطرحتها الطويلة .. استقبلها "جمال" قائلاً :
- حبيبتى وحشتيني جوى يا "صباح"
صاحت "صباح" بتهكم :
- لا والله .. بعد اييه .. بعد ما سميت بدنى بكلامك وجولتلى انك مش هتتجوز واحده من عيلتنا
اقتربت منها وابتسم قائلاً :
- ما انتى كمان استفزتيني يا "صباح" لما جولتى انك غلطانه انك خليتى واحد من عيلة الهواري يجرب منيكي
قالت "صباح" بحزم :
- جولى عايز اييه خليني أمشي يا "جمال"
اخرج من جيبه علبه قطيفه وقدمها لها .. نظرت الى العلبه بريبه وقالت :
- ده اييه ؟
ابتسم قائلاً :
- افتحيها
أخذتها صباح وفتحتها .. وجدت سلسلة ذهبية كبيرة .. نظرت اليها بإعجاب قائله :
- اييه ده يا "جمال" .. دى جميلة جوى
قال لها :
- عجبتك
قالت "صباح" بفرحه :
- جوى جوى يا "جمال"
ثم بدا وكأنها تذكرت شيئاً فأخفت ابتسامتها وقالت :
- مش هجبلها منيك .. انت عايز تضحك عليا بسلسله
قال لها هامساً :
- لا يا حبيبتى .. ده جزء من شبكتك
نظرت اليه بشك قائله :
- شبكتى
- اييوة طبعاًً .. هو أنا اجدر اعيش من غيرك يا "صباح" ده انتى اللى فى الجلب يا بت
قالت بدلال :
- أمال اييه الكلام اللى جولتهولى المره اللى فاتت يا "جمال"
أحاطها بذراعيه وقبلها قائلاً :
- سيبك من اللى فات آنى كنت متضايق شويه وفشيت غلى فيكي .. اذا مكنتيش انتى تتحمليني مين يتحملنى يا "ًصباح"
ابتسمت وهى فى أحضانه وقالت :
- طبعا أتحملك يا حبيب جلبي .. بس جولى امتى هتيجي تتجدملى بجه
قال هامساً :
- باجى الجليل يا "صباح" متجلجيش يا حبيبتى
قالت بدلال :
- طيب آنى ماشيه بجه
- استنى خليكي معاى شويه كمان ملحجتش أشبع منيكي
قالت بضيق :
- أعمل اييه لازمن أرجع البيت عشان أمى متدنيش الطريحه عشان سايبه اللى اسمها "مريم" دى لحالها
ابتعد "جمال" عنها فجأة وقال بإهتمام :
- تجصدى بنت "خيري" ؟ .. هى إجت
- اييوه إجت وأعده حدانا
قال "جمال" بحده :
- أمال مجولتليش ليه من الصبح يا بت .. مش أنا جايلك ومنبه عليكي لما توصل تخبريني
قالت بغضب :
- وانت مالك ومالها اصلا .. ملكش صالح بيها واصل ده دى
ثم قالت وهى تهم بالمغادرة :
- آني ماشيه بجه العواف
2
**************************************
دخلت "مريم" مع جدتها المطبخ تساعدها فى تحضير الطعام .. قالت جدتها :
- اجعدى انتى ارتاحى يا بنيتى .. "صباح" زمانها راجعه من عند خالتها
ابتسمت "مريم" وهى تشمر ذراعيها قائله :
- لأ يا تيته حابه أساعدك متخفيش أنا بعرف أطبخ كويس
ابتسمت جدتها وربتت على كتفها قائله :
- ربنا يبارك فيكي يا ابنيتي .. بس لو زهجتى أو تعبتى خلاص سبينى وأنا أكمل
عادت "صباح" لتجد "مريم" تساعد أمها فى المطبخ فقالت بتهكم :
- انتى بتعرفى تطبخى ولا هتبوظيلنا الوكل
التفتت اليها "مريم" وابتسمت قائله :
- متخفيش يا "صباح" بعرف أطبخ
قالت "صباح" بإستفزاز :
- بس أكيد مبتعرفيش تطبخى زيينا .. احنا عندنا أسرار فى الطبيخ محدش يعرفها غييرنا .. حتى التوابل اللى بنستخدمها مفيش منها عنديكوا فى مصر
قالت "مريم" وهى مازالت محتفظة بإبتسامتها :
- وأنا فرحانه أوى انى هتعلم منكوا الطبيخ بطريقتكوا .. أكيد طبعاً هتكون أحسن من طريقتى بكتير
ابتسمت لها جدتها وقد شعرت بمدى نضج "مريم" التى تدير الحوار بعقل وحكمة .. ونظرت الى "صباح" قائله :
- يلا يا بت .. ادخل غيري خلجاتك وتعالى ساعديني .. أخوكي وأبوكى زمانهم جايين .. يلا دجيجه وألاجيكى أدامى
خرجت "صباح" من المطبخ متأففه .. وهى تتمتم بكلمات غاضبة
***************************************
قال "جمال" الى والده "سباعى" وهو فى مكتبه بالشركة :
- تعرف ان بنت "خيري السمري " اجت الصعيد وعايشه مع أهل بوها
رفع "سباعى" نظره اليه قائلاً :
- وانت عرفت منين
قال بفخر :
- ليا مصادرى الخاصه
قال "سباعى" محذراً :
- مش عايز مشاكل يا "جمال" .. ملناش صالح مين اجه ومين مجاش .. متدخلش فى خصوصيات علية السمري .. مش عايزين مشاكل يا ولدى
قال "جمال" وهو يهم بالإنصراف :
- أمرك يا بوى
1
****************************************
عادت "مى" الى عملها .. ودخلت عرفتها وألقت بنفسها على فراشها باكيه .. فتحت أمها باب غرفتها فجأة بعدما سمعت شهقات بكائها من خلف الباب .. دخلت أمها وأغلق الباب واقتربت منها قائله :
- "مى" فى ايه .. بتعيطى ليه
اعتدلت "مى" فى جلستها ومسحت دموعها قائله :
- مفيش يا ماما .. مفيش حاجه
↚
جلست بجوارها على الفراش وقالت :
- لأ فيه .. قوليلى يا حبيبتى حصل حاجه .. حد ضيقك .. حد عملك حاجه
هزت رأسها قائله :
- لأ .. أنا بس مخنوقة شوية
نظرت اليها أمها بتفحص قائله :
- عشان سفر "مريم"
قالت "مى" دون أن تنظر اليها :
- أيوه
- بس أنا قلبي حاسس ان فى حاجه تانية
كادت أن تعاود البكاء مرة أخرى لكنها تمالكت نفسها قائله :
- لأ صدقيني مفيش حاجه
مسحت أمها على رأسها قائله بحنان :
- طيب براحتك بس اعرفى انى موجوده ومستعده أسمعك فى أى وقت .. أنا أكبر وأعقل منك وخبرتى أكبر منك فى الدنيا دى .. يعني أكيد هفيدك أكتر من أى واحده صحبتك .. وانتى عارفه انى دايماً بتعامل معاكى كصديقه مش كأم .. فأنا هسيبك برحتك لحد ما تيجي تحكيلى بنفسك على اللى مضايقك
قالت ذلك ثم نهضت وغادرت الغرفة .. ظلت "مى" تفكر فى كلمات أمها وهى فى حيرة من أمرها .
*****************************************
اقتربت "ناهد" من "مراد" الجالس فى الشرفة يقرأ أحد الكتب .. جلست على المقعد بجواره وقالت :
- "مراد" عايزه أتكلم معاك شويه
أغلق الكتاب قائلاً :
- اتفضلى يا ماما
تنهدت "ناهد" وهى تنظر اليه بأسى قائلاً :
- عارفه انك مش حابب تتكلم فى الموضوع ده بس يا "مراد" أنا نفسي أفرح بيك بأه
ظهر الضيق على وجه "مراد" فأكملت قائله :
- والله فى بنات كتير كويسة .. انت بس ادى لنفسك فرصه انك تتعرف على واحدة فيهم
شجعها صمته وهدوئه على الاسترسال فقالت بحماس :
- لو وافقت .. من بكرة هجبلك صور 10 عرايس شوفهم كلهم واتكلم مع كل واحدة فيهم واختار اللى قلبك يرتاحلها .. قولت ايه يا "مراد"
بدا عليه التفكير وظل محتفظاً بصمته فأكملت قائله بحنان :
- لو مش عايزنى أنا أدورلك على عروسه .. و فى واحدة انت حاطط عينك عليها قولى وأنا أخطبهالك
خرج "مراد" عن صمته قائلاً :
- لأ مفيش حد
ابتسمت قائله :
- خلاص يبقى زى ما اتفقنا .. هجبلك صورهم بكرة .. وشوف منهم مين تحب تتكلم معاها وتتعرف عليها .. ماشى يا حبيبى ؟
أومأ "مراد" برأسه موافقاً فاتسعت ابتسامة أمه ودعت الله أن يقذف بحب احدى الفتيات فى قلبه .
***************************************
- انت اتجننت يا "جمال" ازاى تطلب منى حاجه زى اكده
تفوهت "صباح" بهذه العبارة بغضب وهى تلتقى بـ "جمال" سراً فى مكانهما المعتاد .. قال لها "جمال" :
- انتى مش بتجولى انك مش طايجاها وعايزه تخلصى منيها
صاحت بحنق :
- بس مش للدرجادى يعني .. مش لدرجة انى أأذيها اكده
قال "جمال" وهو يحاول اقناعها :
- هى مش هتتأذى بالعكس دى هتتجوز يا بت وتسيبلك البيت تمرحى فيه لحالك .. وتروح هى على بيت جوزها ومش كل شويه يجولولك "مريم" عملت "مريم" سوت
فكرت "صباح" قليلاً ثم قالت :
- بس مين الراجل اللى هيرضى يعمل اكده .. وايه مصلحته يعني يجيب لنفسه مصيبه زى دى
قال "جمال" شارحاً :
- الفلوس يا بت .. الفلوس تعمل أكتر من اكده .. آنى بعمل اكده عشان صالحك يا "صباح" دى لو فضلت حداكم أكتر من اكده مش بعيد تلحس عجل أبوكى وتخليه يكتب كل حاجه بإسمها وتطلعى انتى وأخوكى من المولد بلا حمص
هتفت "صباح" قائله :
- يا مصيبتى هى ممكن تعمل اكده
قال "جمال" ينفث سمه :
- اييوه يا بت وأكتر من اكده كمان .. دى واحده كانت عايشه فى مصر لحالها يعني مخها يوزن بلد .. وأكيد أكيد جايه عشان تأش اللى وراكوا واللى جدامكوا وتاكل عجل أبوكى وأمك
تمتمت "صباح" بغل :
- بنت الـتيييييييييت
- ها جولتى اييه
قالت متردده :
- بس انت متأكد ان الموضوع هينتهى بجواز مش بدم ؟
قال بسرعة :
- اييوه اييوه متجلجيش أنا عارف دماغ أبوكى امنيح .. وبعدين طالما الراجل هيرضى يتجوزها خلاص ايه لازمته الجتل عاد
بدا عليه التردد مرة أخرى فقال لها :
- اعرفى انك اكده بتدافعى عن حجك وحج أخوكى .. وكمان بتحمى أبوكى وأمك من واحدة زى دى .. انتى بتعملى اكده عشان صالح عيلتك يا "صباح" .. وعشان تخلصى من الحربايه دى
قالت "صباح" بحزم :
- ماشى يا "جمال" آني موافجه
ابتسم "جمال" وقد شعر بالإرتياح وقال :
- وأوعدك يا "صباح" بمجرد ما الحكاية دى تخلص هتجوزك على طول يا بت
قالت بلهفه :
- بجد يا "جمال"
- اييوه طبعا أمال .. بس اثبتى انتى بس انك جدها وانك تستحجى تكونى مرت "جمال الهواري"
قالت بثقه :
- متجلجش يا "جمال" آني جدها .. بكرة تشوف
*******************************************
أخذ "مراد" يشاهد الصور التى أحضرتها والدته لعدة فتيات مرشحات لتكون احداهن زوجة المستقبل .. ظل ينظر الى صورة تلو الأخرى .. وهو يشعر أنه فى حيرة من أمره .. كلهن جميلات .. لكن .. ولا واحدة منهن جذبته ليفضلها عن الأخريات .. اعاد مشاهدة الصور مرة أخرى .. مرات ومرات .. ونفس الأمر .. لم يتوقف عند واحدة بعينها .. ترك الصور من يده وزفر بضيق ثم أحضر دفترة وقلمه .. وكعادته أخذ يبوح لدفتره بما يجيش فى صدره
فى اليوم التالى ذهبت "سارة" الى عملها مع "مراد" كالمعتاد .. توجهت الى الطابق الذى يحوى مكتب "مراد" و "طارق" وباقى الإداريين .. كانت تشعر بخفقات قلبها تتسارع .. لا تعلم ماذا تفعل .. ولا ماذا ستقول ل "مراد" اذا رآها .. لكنها أخذت تسير فى الردهة على غير هدى .. ثم شعرت بسخافة ما تفعل .. فتوجهت الى المصعد وانتظرت صعوده .. فى تلك اللحظة انفتح أحد الأبواب ورأت "طارق" يخرج منه .. ازداد خفقان قلبها بشدة وشعرت بتوتر بالغ .. كان بيده احد الملفات التى يتفحصها فبدا وكأنه لا يراها حتى توقف بجوارها أمام المصعد .. رفع رأسه ونظر اليها تلاقت أعينهما فشعرت بإضطراب بالغ .. هز رأسه مرحباً ففعلت المثل .. انفتح باب المصعد فنظر اليها مبتسماً وأشار الى المصعد بيده قائلاً :
- اتفضلى
ثــم .... نزل هو عن طريق السلالم .. تابعته "سارة" بعينيها حتى اختفى .
*******************************************
دخلت "صباح" الى غرفة "مريم" تحاول تفحص أغراضها .. دخلت "مريم" الغرفة فارتبكت "صباح" وقالت :
- كنت بدور عليكي
ابتسمت "مريم" وقالت :
- كنت مع جدو كان بيفرجنى على البلد .. بلدكوا حلوة أوى يا "صباح" .. وفيها أماكن جميلة .. جدو قالى انه هياخدنى آخر الإسبوع ويفرجنى على أماكن أجمل كمان من اللى شوفتها النهاردة
شعرت "صباح" بالحقد والحسد وقالت ببرود :
- امنيح
رأت "صباح" قلاده ذهبية فى رقبة "مريم" فأقبلت نحوها وأمسكتها قائله بإعجاب :
- جميلة جوى
ابتسمت "مريم" وقالت بسعادة :
- جدو جبهالى النهارده
نظرت اليها "صباح" وهى تحاول أن تخفى حنقها وضيقها وقالت :
- بجولك ايه يا "مريم" متيجي نخرج سوا وأفرجك على بلدنا صوح
قالت "مريم" بسعادة :
- طبعاً يا حبيبتى شوفى يناسبك نخرج امتى
قالت "صباح" بحزم :
- بكره ان شاء الله .. هنخرج سوا بكره
عانقتها "مريم" وقالت مبتسمه :
- أنا فرحانه أوى انى موجودة وسطيكم .. ربنا ما يحرمنى منكوا أبداً
*************************************
فى اليوم التالى خرجت "مريم" مع "صباح" .. التى أخذتها الى أماكن عدة .. كانت تتطلع الى هاتفها كأنها تنتظر شيئاً .. ثم رن هاتفها معلناً عن وصول رسالة فأجابت عليها ثم قالت ل "مريم" :
- يلا يا "مريم" هفرجك على مكان تانى
قامت "مريم" معها وهى تنظر الى الطبيعة والمبانى حولها والابتسامه على شفتيها .. كانت "صباح" تشعر بالتوتر .. وتنظر خلفها .. جذبت "مريم" من ذراعها وأدخلتها فى المكان الذى تلتقى فيه ب "جمال" وقالت لها :
- "مريم" خليكي اهنه آنى رجعالك كمان شوى
قالت لها "مريم" بقلق :
- ليه يا "صباح" هتروحى فين
قالت "صباح" :
- فى واحدة صحبتنى هتجابلنى جريب من اهنه هروح أخد منها حاجه وأرجعلك
قالت "مريم" :
- طيب خديني معاكى .. هقف بعيد مش هضايقكوا
قالت لها "صباح" بحزم وهى تغادر :
- لأ خليكي اهنه .. على الأجل تتحمى من الشمس .. آنى رجعالك مش هتأخر
قالت ذلك ورحلت دون أن تعطى "مريم" فرصة للإعتراض .. وقفت "مريم" تتطلع الى المكان حولها .. والى البيت الذى لم يكتمل بناءه .. فى تلك الأثناء وعلى بعد خطوات .. كان رجلاً ما يتابع ما يحدث .. وبمجرد أن رآى "صباح" تغادر وتترك "مريم" بمفردها ..جرى مسرعاً وذهب الى رجلين جالسان معاً على أحد المقاهى وقال لهما بهمس :
- الحجوا يا رجاله .. لجيت "جمال" ابن "سباعى" مع واحدة فى حته جريبه من اهنه وهاتك يا غرام
صاح أحد الرجلين بغضب :
- أعوذ بالله .. هى وصلت لاكده
قال الآخر بغضب :
- ده تييييييييت صحيح .. فاكر نفسه فين ده
قال الرجل وهو يلهث من الجري :
- يعني هنسيبه اكده يعمل اللى على مزاجه مع بنات الناس .. ليه هى البلد مفيهاش رجاله ولا اييه
هب الرجلين واقفين وذهبوا بصحبة الثالث الى مكان البيت .. بمجرد أن رآهم "جمال" الذى كان يتخفى بجوار البيت .. دخل على "مريم" التى فزعت لرؤيته وهجم عليها معانقاً اياها .. حاولت "مريم" ابعاده عنها ففشلت .. دخل الرجال وصاح أحدهم :
- بتعمل ايه يا "جمال" يا تيييييييييييييت
نظر اليهم "جمال" ليتأكد من أنهم قد رأوه بالفعل ثم قفز من الشباك وجرى فى اتجاه بيته .. وقفت "مريم" مصدومة مندهشة لا تدرى ماذا حدث ولماذا حدث .. أقبل عليها أحد الرجلين وهو يصيح بغضب هادر :
- انتى مين وبنت مين
قالت بصوت مرتجف والعبرات تتساقط من عينيها :
- أنا "مريم" .. بنت "خيري عبد الرحمن السمرى"
↚
نظر الرجلين الى بعضهما البعض وصاح فيها أحدهما :
- عيلة السمرى .. يعني من عيلتنا .. أنا ليا صرفه مع "عبد الرحمن" جدك و "عثمان" عمك اللى مش عارفين يربوا بنتهم
جرت "مريم" وهى منهارة ..لا تدرى حتى طريق البيت .. سألت امرأة كانت تسير فى الطريق فأرشدتها الى مكان البيت .. جرت مسرعه الى غرفتها .. وجلست على الفراش تلف نفسها بذراعيها لتوجف رجفه جسدها و تحاول استيعاب ما حدث .. ما هى الا دقائق حتى سمعت صوت طرقات عاليه على باب البيت حتى كان أن يتهشم .. ثم سمعت أحد الرجال يصيح قائلاً :
- "عبد الرحمن" .. شوفت اللى عملته بنت ابنك
قال "عبد الرحمن" بفزع :
- ايه اللى حوصل
قال الرجل بغضب هادر :
- بنت ابنك كانت بتجابل "جمال الهوارى" شفناها وهى فى حضنه ومسخرة وجله أدب
قال "عبد الرحمن" بدهشة :
- بنت ابني مين ؟
قال الرجل بغضب :
- جالتلنا ان اسمها "مريم"
قال الآخر بصرامة :
- لو معرفش كيف تربي بناتك يا "عبد الرحمن" احنا نربيهالك
كان "عبد الرحمن" مذهولاً مما يسمع .. تمتم قائلاً :
- لا مش ممكن
قال الرجل بصرامة :
- بجولك شفناها بعنينا وهى معاه هتكدبنا ولا اييه
لم يستطع "عثمان" التحمل أكثر هب فى اتجاه غرفتها فأسرع "عبد الرحمن" خلفه قائلاً :
- لا يا "عثمان" متجتلهاش دى بنت خوك
أخذت جدة "مريم" تصرخ وهى تلحق بهما .. اقتحم "عثمان" غرفة "مريم" فنظرت اليه "مريم" الجالسه على فراشها بفزع .. جذبها من شعرها وصفعها بقوة على وجهها وصرخ فيها قائلاً :
- على آخر الزمن جايه تفضحينا .. صحيح محدش عرف يربيكى ويعلمك الأدب .. ماشيالى على حل شعرك فاكره مفيش فى عيلتك رجاله ولا اييه
كانت "مريم" تبكى من الألم والصدمة والخوف .. خلصها "عبد الرحمن" من يده قائلاً :
- اتركها يا "عثمان" بجولك اتركها
جذبتها جدتها الى حضنها وأبعدتها عن "عثمان" الذى صرخ فى والده قائلاً :
- اتركها كيف يا بوى بعد ما جرستنا وسط الخلج
قال "عبد الرحمن" بصرامة :
- آنى هشوف حل للموضوع ده انت لا تتدخل واصل .. سمعنى يا "عثمان" لا تتدخل واصل
ثم خرج وهو غاضب بصحبة الرجال متوجهاً الى بيت علية "الهوارى"
2
***********************************
قال "سباعى" بحزم :
- اللى غلط يصلح غلطته .. "جمال" لازمن يتجوز "مريم"
تفوه "سباعى" بهذه العبارة بعدما أقبل عليه الرجال من عيلة "السمرى" وعلى رأسهم "عبد الرحمن" .. كادت الحرب أن تندلع بين العائلتين مرة أخرى .. ولم يكن حل أمام الجميع سوى زواج "مريم" من "جمال" .. أقبل "سباعى" تجاه "عبد الرحمن" قائلاً:
- متجلجش يا "عبد الرحمن" .. "جمال" هيتجوزها .. عرضك متصان متخافش
قال "عبد الرحمن" بصرامة :
- لو ده محصلش يا "سباعى" يبقى بتعلن الحرب بنفسك
أكد "سباعى" بثقه :
- جولتلك هيحصل .. احنا كمان ما بدناش حرب معاكم .. "جمال" هيتجوز "مريم" بنتكم آخر الاسبوع .. ومفيش الا عيلتنا وعيلتكم اللى هتعرف بعملة التنين دول .. طالما غلطوا يبجى يستهلوا جطم رجابيهم والغلطة دى تتصلح بالجواز بدل ما العيلتين ياكلوا فى بعض .. ما فيش حل الا اكده
قال "عبد الرحمن" بحزم قبل أن ينصرف هو والرجال :
- اتفجنا يا "سباعى" .. كتب الكتاب آخر الاسبوع
***********************************
صاح "سباعى" بغضب هادر :
- ملجتش الا بنت عيلة السمرى اللى تفضحنا معاها يا ابن الـتييييييييييت
- هى اللى غوتنى يابوى وجالتلى أجيلها فى هداك البيت
صرخ فيه قائلاً :
- ومدام هيه حرمه تيييييييييت .. بتسمع كلامها ليه الا اذا كنت تيييييييييت زيها
ثم قال بحزم :
- اخر الاسبوع هتكتب عليها والدخلة بعديها بيوم .. انت فاهم
قال "جمال"وعيناه تلمعاه خبثاً :
- فاهم يا بوى .. فاهم .. وموافج كمان
6
***********************************
لم تتوقف "مريم" لحظة عن البكاء فى حضن جدتها وظلت تردد :
- انا مظلومة والله العظيم مظلومة
ربتت جدتها على رأسها وهى تشاركها بكائها فى صمت .. أقبل "عثمان" واقتحم الغرفة ففزعت "مريم" وانزوت أكثر فى حضن جدتها التى أحاطتها بذراعيها لتحميها منه .. قال "عثمان" بغضب وقسوة :
- اعملى حسابك ان كتب كتابك على "جمال" هيكون آخر الاسبوع والدخلة بعدها بيوم
تجمدت "مريم" فى مكانها واتسعت عيناها من الدهشة وقالت بصوت مرتجف :
- ايه .. بتقول ايه .. "جمال" مين .. كتب كتاب مين
صرخ فيها :
- أمال كنتى عايز تمشى على حل شعرك ونسيبك تعملى ما بدالك .. هتتجوزيه يعني هتتجوزيه .. لازمن نتستر على اللى حوصل ده
هبت "مريم" واقفه وقالت بغضب :
- أنا مغلطتش .. أنا معملتش حاجه غلط .. هو اللى طلعلى فجأة وحضنى غصب عنى معرفش طلعلى منين ومعرفش ليه عمل كده .. أصلا انا معرفش حد فى البلد .. ولا عمرى جيت هنا .. ازاى يعني هعرف واحد فى الكام يوم اللى أعدتهم هنا .. وانا مخرجتش لوحدى أبدا .. بخرج مع جدو أو "صباح" .. ازاى هيكون عارفه واحد يعني
قال بقسوة :
- يا تتجوزى اللى فضحتينا وضيعتيى شرفك وشرفنا معاه يا هجتلك بيدي يا بنت خوى
واجهته قائله بحزم :
- مش هتجوزه
نظر اليها "عثمان" بغيظ ثم صفعها على وجهها مرة أخرى وصرخ فيها :
- طبعا لازمن تبجى بجحه وجليله الحيا ما انتى كنتى أعدالى فى مصر لحالك وأكيد كنتي هناك برده ماشيه على حل شعرك
صرخت أمه وهبت واقف وأخفت "مريم" خلفها وصاحت فى "عثمان" :
- أبوك جالك لا تدخل فى الموضوع ده يا "عثمان" .. امشى اطلع بره
خرج "عثمان" وهى يغلى من الغضب .. انهارت "مريم" على الأرض باكيه وجلست جدتها بجوارها وأخذتها فى حضنها .. نظرت اليها "صباح" التى جاءت على اثر صراخهم .. لم تكن لتجرؤ على أن تقص الحقيقة على أحد .. كانت تشعر بألم قاتل فى قلبها .. فقد اتفق معها "جمال" على أن رجلاً آخر هو الذى سيقوم بذلك ويتزوج "مريم" .. لم تكن تعلم بأن "جمال" أراد "مريم" لنفسه .
*******************************
قالت جدة "مريم" لـ "عبد الرحمن" فى غرفتهما :
- آنى مش مصدجه ان "مريم" تعمل اكده
قال "عبد الرحمن" واجماً :
- الرجاله شافوها مع "جمال"
ثم أكمل بحيره :
- لحجت منين تعرف "جمال" وتسلمه حالها اكده
قالت زوجته :
- وعشان اكده بجولك ان مستحيل تكون عملت اكده هى جالتلى انه طلعلها فجأة
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- خلاص مفيش فايده من الحديث ده ..لو متجوزتوش الناس هتفضل تتكلم عنها وعنا وانتى عارفه "عثمان" دمه فاير .. لو متجوزوش والله ليجتلها هى و "جمال" وتبجى الحرب بين العيلتين نارها جادت تانى
قالت زوجته بحسره :
- وذنبها ايه المسكينة دى .. اذا كان معملتش حاجه
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- مصلحة الجبيله فوج كل شئ .. لازمن يتجوزا يا اما هنشوف بحر دم بين العيلتين .. متنسيش ان اللى حوصل زمان لسه ناره مبردتش لحد دلوجيت
ثم قال بحيره :
- وبعدين يعني كيف معملتش حاجه .. يعني "جمال" هيجيب مصيبه لنفسه ويتجوزها غصب عنه ليه يعني
تنهد قائلاً :
- اللى رايده ربنا هيكون ومحدش هيجدر يمنعه واصل
******************************
التقى "جمال" بالرجل الذى أخبر الرجلين على المقهى برؤيته لـ "جمال" مع امرأه .. أعطى له رزم نقديه قائلاً :
- آدى بجيت حجك
قال الرجل فرحاً :
- تسلم يا "جمال"
ربت "جمال" على كتفه قائلاً :
- طلعت راجل .. كنت خايف لتبوظلى المصلحة
- عيب يا "جمال" هو أنا عيل ولا اييه .. ده أنا خلتهم أعدين مش على بعضهم وجاموا معايا يشوفوا اللى بيحصل .. بس انت شيطان يا "جمال" بجد شيطان .. مكنتش أعرف ان جلبك مغلول للدرجة دى من عيلة "السمري"
قال "جمال" بقسوة :
- العين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم .. زمان خدوا منينا حرمه بفضيحة .. ودلوجيت خدنا منيهم حرمه بفضيحة .. اكده معدش حد أحسن من حد
صمت لبرهه .. ثم قال بغل وعلامات الحقد والكره على وجهه :
- لا ومش أى حرمه .. دى بنت "خيري عبد الرحمن السمري" .. أخيراً عرفت أردلك اللى عيملته فينا يا "خيرى" .. وبنتك اتجرست زى ما مرت عمى اتجرست بالظبط.
قضت "مريم" ليلها باكيه حزينه .. لا يفتر لسانها عن قول "حسبي الله ونعم الوكيل فى اللى ظلمنى" ظلت ترددها دون غيرها .. حتى تعبت ونامت .. ظلت جدتها ساهرة بجوارها حتى اطمئنت لنومها .. دثرتها جيداً وعادت الى غرفتها .. ما هى الا أقل من نصف ساعة حتى استيقظت "مريم" راقبت الساعة التى تسير الى الثانية عشر الا ثلث .. جلست على الفراش فى انتظار مرور الوقت .. وما ان دقت الساعة معلنة منتصف الليل حتى نهضت من فراشها وتوجهت الى الحقيبة الصغيرة التى تحوى خطابات "ماجد" وأخرجت منها الخطاب الذى حان دوره بحسب ترتيب الأرقام وجلست على فراشها تقرأه :
- حبيبتى "مريم" .. أتذكرين كلماتك لى وأنا على فراش المرض .. كنت تذكريننى دائماً بفضل الصبر وبثوابه عند الله .. كنتى تذكريني بالآية التى فى سورة "هود" والتى تقول " إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " ... وبالآية التى فى سورة "النحل" والتى تقول " مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " ... وبالآية التى فى سورة "المؤمنون" والتى تقول " إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ " .. كنتى تذكريني بتلك الآيات وتتليها على مسامعى لأحتسب دوماً آلامى وعذابي ومرضى .. ها أنا الآن أذكركِ بتلك الآيات ليكن لكِ فيها سلوى على فراقى الذى أعلم أنه كان شاقاً عليكِ .. حبيبتي "مريم" .. أثق جيداً فى أن الله سيحفظكِ ويرعاكِ .. لأننى أعرفكِ جيداً أعرف أنك تحاولين قدر استطاعتكِ ألا تغضبيه وأن تفعلى ما يرضيه لذلك أعلم بأنه سيكون معكِ مثلما أنتِ معه .. أختم خطابي بتلك الآية الكريمه .. والتى ستكون طلبي منكِ هذه المره .. " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ ".
أنهت "مريم" قراءه الخطاب والدموع فى عينيها وضمت الخطاب الى صدرها قائله :
- ياااه يا "ماجد" .. لو تعرف أنا أد ايه كنت محتاجه أسمع منك الكلام ده .. كأنك حاسس بيا ومعايا
نهضت وتوضأت ووقفت بين يدي الله تبث له شكواها وترجو رحمته .. ظلت تصلى طول الليل ولا يفتر لسانها فى السجود عن قول "حسبي الله ونعم الوكيل" .. فقد أوكلته وهو حسبها .. أنهت صلاة الفجر وجلست تقرأ وردها حتى الشروق .. شعرت بالسكينة وبالراحة تغمرانها .. وكأن صُب فى قلبها الذى يشتعل بردأً وسلاماً .. فاطمئن وسكن .. شعرت بشعور غريب يجتاح كيانها نظرت من مكانها الى شباك غرفتها والى النور الصباح الذى بدأ يتسلل الى السماء .. شعرت وكأن دعائها قد استجاب .. شعرت بقشعريرة غريبة تسري فى جسدها كله .. ظل نظرها معلقاً بالسماء وصوت بداخلها يهتف "لقد استجاب الله لكِ" .. كبر هذا الشعور بداخلها حتى أدركته بكل حواسها .. كان هذا الشعور بداخلها كما لو كان يقيناً وأمر واقع .. حتى أنها وجدت الإبتسامه تتسلل الى شفتيها وقلبها يرقص فرحاً .. شعور غريب لم تختبره من قبل ولا تعلم سببه ولا حتى تعلم كيف شعرت به .. كل ما تعلمه هو أنا كانت فى تلك اللحظة واثقة من شئ واحد فقط .. "لقد استجاب الله دعائها"
***************************************
طرقت "مى" باب غرفة أمها فأذنت لها بالدخول .. قالت أمها :
- تعالى يا "مى"
كانت الأم جالسه على فراشها تشاهد أحد البرامج فى تلفاز غرفتها .. اقتربت منها "مى" وجلست بجوارها .. أغلقت الأم التلفاز والتفتت الى ابنتها تنظر اليها بإهتمام .. قالت "مى" بشئ من التردد :
- فاكرة يا ماما لما كلمتينى من كام يوم فى أوضتى وقولتيلى لو فى حاجه حبه أتكلم فيها أتكلم معاكى انتى لانك هتفدينى أكتر من صحابى
- أيوة يا حبيبتى فاكره
بدا عليها التوتر فجذبتها أمها من يدها وأجلستها بالقرب منها وقالت بحنان :
- تخيلى دلوقتى ان احنا صحاب .. مش أم وبنتها .. واتكملى براحتك
قالت "مى" بخجل :
↚
- فى عميل عندنا فى الشركة .. أنا كنت صممتله شغله من فترة .. دلوقتى رجع يتعامل مع مكتبنا تانى فى حملة جديدة و "مريم" هى اللى مسكاله شغله
صمتت فلم تقاطعها أمها .. أكملت "مى" بصوت خافت :
- هو انسان محترم أوى يعنى مشفتش منه حاجه وحشه .. وكمان مؤدب أوى وشخصيته حلوة .. يعني بصراحة .. أنا أعجبت بيه .. وحسه بحاجه نحيته
ثم تلئلئت العبرات فى عينيها وقالت :
- بس هو أنا حسه انه معجب بـ "مريم" .. لما بتغيب بيسأل عليها بإهتمام .. وفى آخر مرة طلب رقمها .. وحسه انه مش شايفنى أصلاً
صمتت أمها قليلا ثم قالت :
- عايز رقم "مريم" ليه
مسحت "مى" العبره التى تساقطت على وجنتها وقالت :
- هو انسان محترم أوى وجد .. يعني أنا حسه انه عايز يتقدم لـ "مريم" .. هو مش بتاع صحوبيه وكده .. وهو عارف ان "مريم" محترمة يعني أكيد عايز حاجه رسمى
قالت أمها وهى تنظر اليها بتمعن :
- وانتى حسه بإيه دلوقتى ؟
أجهشت "مى" فى البكاء وقالت :
- حسه انى بتقطع من جوه .. أنا فعلا حسه انى اتعلقت بيه أوى رغم انه بيتعامل معايا عادى جداً .. بس حسه ان هو ده الانسان اللى نفسي أرتبط بيه .. بس هو مش حاسس بيا خالص .. وكل ما يسألنى عن "مريم" أو يتكلم معاها أدامى بحس انى مخنوقة أوى ومضايقة أوى منه ومنها
ربتت أمها على ظهرها وقالت بهدوء :
- بصى يا "مى" .. أولا وقبل كل شئ انتى عارفه كويس ان الراجل اللى هتتجوزيه ده ربنا كتبهولك من قبل ما انتى تتولدى .. يعني مهما عملتى مش هتاخدى غير نصيبك اللى ربنا كتبهولك .. صح
أومأت "مى برأسها فأكملت أمها بحنان :
- عارفه ان اللى انتى حسه بيه دلوقتى شعور صعب .. بس حبيبتى الى ضايقتى فى كلامك انك قولتى انك لما بتشوفيهم مع بعض بتضايقي منه ومنها .. أولا يا حبيبتى لازم أفكرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .. و"مريم" صحبتك وأعز صحباتك .. وحتى لو مكنتش صحبتك وكانت مجرد زميله عاديه أو حتى واحده متعرفيهاش .. برده لازم تحبيلها الخير زى ما بتحبيه لنفسك .. لو هو الراجل ده ربنا اختاره لـ "مريم" محدش أبداً هيقدر يمنع ارتباطهم .. ولو ربنا اختاره ليكي انتى محدش أبداً هيقدر يمنع ارتباطه بيكي
هدأت "مى" قليلاً فأكملت أمها :
- الحقد والحسد أول حاجه بيدمروها هو صاحبهم اللى حاسس بيهم .. كل الناس فى جواها حسد .. مفيش حد مبيحسش الاحساس ده .. بس الفرق بين شخص والتانى هو الايمان .. اللى ايمانه قوى بيقدر يسيطر على مشاعر الحسد اللى جواه ويحولها لطاقة ايجابيه .. واللى ايمانه ضعيف بيسيب الشعور ده يتملك منه ويطغى عليه لحد ما يتدمر نفسياً ويحس انه كاره الناس وكاره نفسه .. اوعى تسيبي الاحساس ده يسيطر عليكي .. ولما تلاقى فى ايد غيرك حاجه انتى بتتمنيها بدل ما تحسديه وتحسي بالغضب وبالحقد .. قولى ما شاء الله لا قوة الا بالله .. ربنا يباركله فيها .. ساعتها الملايكه هتدعيلك زى ما دعيتيله .. وشوفى بأه الملايكة لما تدعيلك .. الملايكة اللى مفيش عليها ذنب واحد .. يعني أفضل من دعائك لنفسك مليون مره
لاحت الإبتسامه على شفتى "مى" وقد شعرت بالراحه تغمرها فأكملت أمها مبتسمه :
- "مريم" انسانه كويسة وتستاهل كل خير .. وانتى كمان كويسة وتستاهل كل خير .. وأكيد زى ما ربنا رزق "مريم" .. هيرزقك انتى كمان .. بس أهم حاجه تتقبلى تأخير الرزق بنفس راضيه .. مش صبر عشان مقدمكيش حل غيره .. لا نفس راضيه .. أنا راضيه يارب بكل اللى ترزقنى بيه وكل اللى تكتبه ليا لانك أدرى بمصلحتى ولانك عارف أكتر منى
ثم مسحت على شعرها قائله :
- اتفقنا يا حبيبتى
ابتسمت "مى" وألقت بنفسها فى حضن أمها قائله :
- ربنا يخليكي ليا يا ماما .. ريحتى قلبي ونبهتيني لحاجات مكنتش واخده بالى منها
قبلت أمها رأسها قائله :
- ربنا يريح قلبك كمان وكمان
3
****************************************
استيقظ الجميع فى بيت "عبد الرحمن" والتفوا حول طاولة الطعام .. كانت "مريم" هادئة ساكنه .. قال "عثمان" لأبيه وهو يرمق "مريم" بنظراته :
- اتفجنا مع الحاج "سباعى" على كل حاجه .. وكتب الكتاب هيكون اهنه فى بيتنا
قامت "مريم" قائله :
- بعد اذنكوا
هتفت جدتها :
- انتى مكلتيش حاجه يا بنيتي
نظرت اليها "مريم" قائله بوجوم :
- شبعت يا تيته
ثم دخلت غرفتها .. نظرت أم "عثمان" اليه بعتاب قائله :
- كان لزمن الحديث ده على الوكيل يا "عثمان" .. سميت بدن البنيه
قال "عثمان" متهكماً :
- ماهى عارفه انها هتتجوزه .. ولا كانت فالحه بس تجابله فى السر وتجل أدبها معاه
قاطعه "عبد الرحمن" بحدة قائله :
- لما تتكلم عن بنت أخوك تتكلم بإسلوب أحسن من اكده .. آنى لحد دلوجيت مش مصدج ان "مريم" تعمل اكده .. بس مضطر للجوازه لانى عارف ان ده لو محصلش الناس هتاكل وشنا يا اما هتتجلب لدم
قال "عثمان" بعنف :
- يمين بالله لو متجوزته لكون جاتلها هى وياه
قال "عبد الرحمن" بغضب :
- طول عمرك ما بتعرف تحل أمورك بهدوء .. ما كان فى ولادى غير "خيري" الله يرحمه هو الوحيد اللى كان عاجل وعجله يوزن بلد
ثم نظر اليه بإحتقار قائلاً وهو يغادر :
- سديت نفسي الله يسد نفسك
ظلت "صباح" تحاول الإتصال ب "جمال" الذى لم يجيب على أى من اتصالاتها .. كانت تشعر بغضب بالغ .. حبيبها سيتزوج من ابنة أخوها ..
وهى التى ساعدته فى تنفيذ خطته للإيقاع ب "مريم" والزواج بها .. كانت تشعر بغيرة فاقت قدرتها على الإحتمال فحولتها الى كلب مسعور يريد الفتك بمن تسبب بإشعال نار غيرتها .
******************************************
كانت "نرمين" تجلس مع عمتها "بهيرة" فى حديقة الفيلا .. قالت "بهيرة" :
- النجع وأهل النجع وحشونى جوى
بتسمت "نرمين" قائله :
- أنا نفسي أشوف المكان اللى بابا اتربى فيه
ابتسمت "بهيرة" قائله :
- ان شاء الله يا ابنيتى نبجى نروح كلياتنا
ثم تنهدت قائله :
- بس لما ربك يريد والأمور تتصلح
قالت "نرمين" بإستغراب :
- أمور ايه اللى تتصلح
- متشغليش بالك انتى با بنيتي دى مشاكل جديمه جوى متشغليش عجلك بيها
رن هاتف "نرمين" فوجدت رقماً غريباً استأذنت من عمتها وابتعدت قائله :
- السلام عليكم
- حبيبتى وحشتيني
قالت بجديه :
- انت مبتهزهأش
- منك لا طبعاً مستحيل أزهأ
- أفندم عايز ايه
- عايز أقولك انك قاسيه أوى وبسببك معرفتش أنام طول الليل .. كان نفسي أوى أكلمك واسمع صوتك بس تليفونك كان مقفول .. مجاليش نوم طول الليل من خوفى عليكي خوفت تكونى تعبانه أو حاجه حصلتلك ومحتجانى جمبك
قالت "نرمين" بخفوت :
- لأ مش تعبانه ولا حاجه وبعدين أعرفك منين يعني عشان أحتاجك جمبي لو تعبت
- انتى لسه مش حسه بيا يا "نرمين" .. ليه مش قادره تحسي انى فعلاً بحبك ... وانك بقيتي كل دنيتي .. صحيح متكلمناش مع بعض كتير بس أنا قريب منك أوى وشوفتك أكتر من مرة
قالت بإستغراب :
- شوفتنى فين
- أقولك ويبقى سر بينا
- أيوة قول
- أنا واحد من صحاب أخوكى "مراد" .. حبيت بس أقولك كده عشان تكونى مطمنه من نحيتي .. لانى طبعاً مستحيل أكون بلعب بأخت صاحبى
قالت "نرمين" بإستغراب :
- انت مين فيهم .. مين فى صحابه
- تؤ مش هقولك .. هسيب قلبك يدلك
ثم قال :
- سلام يا حبيبتى .. هكلمك تانى متقفليش تليفونك عشان مقلقش عليكي
أنهت "نرمين" المكالمة وابتسامه صغيره قد رتسمت على شفتيها
7
******************************************
اتصل "سباعى" بـ "بهيرة" قائلاً :
- لازم تيجي النجع يا بهيره .. "جمال "كتب كتابه آخر الإسبوع
قالت "بهيرة" بسعادة :
- بجد .. ما شاء الله أخيرا الواد ده هيعجل ويتجوز
تنهد "سباعى" بحسرة قائلاً :
- اييوه
قالت "بهيرة" بفرحه :
- مين اللى هيتجوزها .. من عيلة مين ؟
تنهد "سباعى" قائلاً :
- من عيلة "السمري"
اختفت ابتسامة "بهيرة" وقالت بوجوم :
- من بيت مين فى عيلة "السمري" ؟
- من بيت "عبد الرحمن"
قالت "بهيرة" بحده :
- واشمعنى يعني بيت "عبد الرحمن" .. واشمعنى عيلة "السمري" أصلاً .. "جمال" ملجاش غيرهم فى البلد ولا ايييه
قال "سباعى" بنفاذ صبر :
- أما تيجي هبجى أحكيلك .. المهم دلوجيت آني مستنيكي لازمن تحضرى
- ان شاء الله يا "سباعى" متخافش .. "مراد" لما ييجي هجوله وان شاء الله هجيلك اما بكرة أو بعده بالكتير
- طيب يا "بهيرة" بس خلى "مراد" ياخد باله وميتكلمش مع حد واصل وانتوا فى البلد
- متجلجش يا "سباعى" .. "مراد" عارف اكده امنيح
- طيب سلام دلوجيت
3
فى تلك للحظة دخلت "مراد" بسيارته من بوابه الفيلا وتوقف أمام الباب .. قامت عمته ونادته قائله :
- "مراد" تعالى شويه
أقبل "مراد" عليها قائلاً :
- ازيك يا عمتو .. اخبار صحتك ايه النهاردة
قبل يدها فقالت :
- امنيحه يا ولدى .. اجعد عايزه أتكلم معاك
جلس قائلاً :
- خير يا عمتو
ابتسمت قائله :
- "جمال" ابن عمك "سباعى" .. كتب كتابه آخر الاسبوع ان شاء الله
ابتسم قائلاً :
- ربنا يتممله على خير
↚
أكملت قائله :
- وأنا بدى أروح وانت طبعاً هتيجي معى
- طبعاً يا عمتو ان شاء الله نروح سوا
- بس يا ولدى آنى حبه أروح جبلها بكام يوم يعني مش معجول أروح يوم كتب الكتاب على طول
ابتسم "مراد" وأومأ برأسه قائلاً
- مفيش مشكلة يا عمتو ممكن نسافر بكرة ان شاء الله .. هرجع دلوقتى على الشركة وأخلص الشغل المهم عشان الكام يوم اللى هنعدهم هناك
ربتت على كتفه قائله :
- ربنا يحميك يا ولدى ويبارك فيك
6
***************************************
جلست "مريم" واجمة فى غرفتها على فراشها .. دخلت جدها الغرفة وجلس بجوارها .. لم تلتفت اليه "مريم" فقال لها :
- انتى منيحه يا بنتى
أومأت "مريم" برأسها وقالت بهدوء :
- أيوة كويسة لانى واثقة ان ربنا هيجبلى حقى لانه ميرضاش بالظلم .. وانتوا كلكوا ظلمتونى
نظر اليها "عبد الرحمن" قائلاً :
- اسمعيني امنيح يا بنتى .. آنى مش مصدج اللى اتجال عليكي .. عارف ان الرجال شافوكى معاه .. بس آنى مش مصدج .. بس يا بنتى لو متجوزتيش "جمال" هتبجى مشكلة كبيرة جوى .. من ناحية الرجال فى عيلتنا هياكلوا وشنا بسبب اللى حصل والكلام اللى اتنشر دلوجيت فى العيلة كلياتها .. ومن جهه لان محدش منهم هيسكت لو جولنا ما بدهاش تتجوزه .. ويمكن حدا منهم يتهور وتجلب لدم .. اسمعى يا بنتى كان بين عيلتنا وعيلة "الهوارى" مشاكل كتير.. راح فيها شباب زى الورد بسبب التار .. أسر بكاملها راحت فى الرجلين .. وممكن تكون البدايه حاجه تافهه جوى .. بس جلبت بدم .. وكل عيلة عايزة تاخد بتارها من العيلة التانية وهكذا واحد من عيلتنا مقابل واحد من عيلتهم .. استمر الوضع سنين طوال .. لحد ما حصل اللى وحدنا ووجف بحر الدم بيناتنا .. وآنى ما بديش نرجع للى فات تانى والعداوة بيناتنا .. ويضيع رجالتنا وشبابنا بسبب هاى العادة المتخلفة .. وعشان اكده انا و "سباعى" من سنين طوال عاهدنا بعض نعمل كل اللى فى وسعنا عشان نمنع المشاكل بين العيلتين .. ونوجف تيار الدم اللى بيناتنا
التفتت اليه "مريم" قائله بأعين دامعه :
- طيب أنا ذنبي ايه .. أنا مغلطتش .. ومش عايزه أتجوزه
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- آنى جولتلك ان مصلحة العيلة والجبيلة فوج كل شئ وبعدين احنا مش هنرميكي يا ابنيتى .. لو "جمال" معرفش يحافظ عليكي هناخدك منيه
قالت "مريم" بحنق :
- بعد ما أكون اتجوزته
قال "عبد الرحمن" :
- يا بنتى "جمال" ابن عيلة أكابر .. وعنده شركه بتاعته .. وراجل زين .. يعني مش هنرميكي لراجل مش من مجامك .. لا عيلة "الهوارى" عيلة كبيرة ومعروفة وسط الخلج
قالت "مريم" بغضب :
- وأنا ميهمنيش هو من عيلة مين أو عنده ايه .. أنا مش عايزه لا أتجوزه ولا أتجوز غيره .. هو ظلمنى معرفش ليه عمل كده وهو ميعرفنيش بس أنا واثقه ان ده بسبب العداوة اللى كانت بين العيلتين .. بس قادر ربنا ينتقم منه ويجبلى حقى
قام "عبد الرحمن" وقال بحزم :
- الكلام ده معدش له لزوم .. لان خلاص كل شئ اتحدد واترتب
قالت "مريم" بعند :
- ربنا معايا وهينصرنى أنا واثقه .. اعملوا اللى تعملوه مفيش مأذون هيرضى يجوزنى من غير ما أقول أنا موافقه
صاح "عبد الرحمن" غاضباً :
- انت دماغك ناشفه كتير
ثم تركها وانصرف .. وعادت "مريم" الى شرودها مرة أخرى ولسانها لا يفتر ترديد الآيه فى سورة الشعراء التى تقول " رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ" .. ظلت ترددها ولا تقول غيرها حتى فى صلاتها وسجودها كان هذا دعائها الوحيد " رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ "
****************************************
فى صباح اليوم التالى قاد "مراد" سيارته بصحبة عمته متوجهاً الى النجع .. وصلا بعد عناء السفر واستقبلهم "سباعى" بالترحاب .. أقبل علي "مراد" قائلاً :
- أهلا ومرحبا بإبن خوى
عانقه "مراد" قائلاً :
- ازيك يا عمى أخبارك ايه
ابتسم "سباعى" قائلاً بفرح :
- امنيح يا ولدى كيفك انت وكيف اخواتك البنات
قال "مراد" مبتسماً :
- بخير الحمد لله يا عمى .. ازي عريسنا أخباره ايه
أشار "سباعى" الى الداخل قائلاً :
- عندك جوه ادخله يا ولدى
ساعد "مراد" عمته "بهيرة" على الخروج من السيارة .. استقبلها "سباعى" قائلاً :
- كيفك يا بنت بوى
- الحمد لله يا "سباعى" كيفك انت ومرتك وابنك
- الحمد لله يا "بهيرة" الحمد لله
استقبل "جمال" .. "مراد" بالترحاب وعاقنه قائلاً :
- أهلا أهلا بـ "مراد" ولد عمى
قال "مراد" :
- أهلا بعريسنا .. مبروك يا "جمال" ربنا يتمملك بخير
قال "جمال" بسعادة :
- عجبالك انت كمان يا ولد عمى .. أمال فين عمتى مجتش معاك ولا اييه
- لا جت .. بره مع عمى
- ماشى هروح أسلم عليها .. يلا ادخل غرفتى ارتاح شوى
- ماشى يا "جمال"
توجه "مراد" الى غرفة عمته أولاً ووضع بها حقيبتها ثم توجه الى غرفة "جمال" ووضعه حقيبته بها .. دخل وأخذ دشاً خرج ليجد "جمال" جالساً على فراشه قائلاً بمزاح :
- ايه رأيك نشوفلك واحده من بلدنا مادام بنات مصر مش عاجبينك
ابتسم "مراد" قائلاً :
- هو انا أسيب ماما فى القاهرة تطلعلى انت يا "جمال" .. بقولك ايه عشان منخسرش بعض أفل على الموضوع ده خالص
ضحك "جمال" قائلاً :
- ماشى يا ولد عمى .. بس لو نويت جولى وأنا أختارلك عروستك .. آنى أعرف كل البنات اللى فى البلد .. ومنهم بنات ايييه يا بوى يحلوا من على حبل المشنجه
ضحك "مراد" قائلاً :
- يا ابنى انت كمان كام يوم وهتتجوز .. لو مراتك سمعتك بتتكلم كده متلومش الا نفسك
قال "جمال" :
- لا آنى أجول وأعمل اللى على كيف كيفي .. وهى مش هتكون أكتر من الكرسي اللى انت جاعد عليه ده
ابتسم "مراد" بتهكم وقال :
- بداية غير مبشرة .. ربنا يكون فى عونها
قال "جمال" وهو يغادر الغرفة :
- آنى أدرى بالطريجه اللى أعامل بيها مرتى .. يلا ارتاحلك شوى
التف الجميع حول طاولة الطعام فى بيت "سباعى" .. قالت "بهيرة" التى كانت تشعر بدوار موجهه حديثها الى أخيها :
- جولى بجه يا "سباعى ايه حكاية الجوازه دى بالظبط .. واشمعنى بيت "عبد الرحمن السمري"
فجأة وأمام أعينهم المندهشه سقطت "بهيرة" مغشياً عليها .. فزع "مراد" وهب واقفاً .. جثا على ركبتيه بجوارها وحاول أن يفيقها .. استجابت عمته له بصعوبه .. حملها مع "جمال" الى غرفتها وأحضروا لها الطبيب الذى قال :
- هى مكنش ليها سفر دلوجيت .. شكلها الضغط عندها عالى جوى .. والسفر تعابها بزيادة .. مطلوب راحه تامه وتاخد أدويتها بمعادها .. وكمان الأدوية بتاعة ضهرها تاخدها بإنتظام لان من الواضح انها مكنتش مواظبه عليهم .. وياريت محدش يجولها اى حاجه تضايجها او ترفع ضغطها لان ضغطها عالى كتير
تنهد "مراد" قائلاً :
- شكراً يا دكتور
انصرف الطبيب والتف الجميع حول "بهيرة" .. قالت والدة "جمال" :
- حمدالله على سلامتك يا "بهيرة" خوفتينا عليكى جوى
جلس "مراد" بجوارها وقبل يدها قائلاً :
- حمدالله على سلامتك يا عمتو
التفتت اليه قائله :
- تسلم يا ولدى
قال "سباعى" :
- ارتاحى يا اختى ولو احتجتى حاجه ناديلنا
أومأت برأسها وانصرف الجميع ليتركوها تنعم بالراحه
طلب "سباعى" من زوجته و من "جمال" اللحاق به فى غرفته .. أغلوا الباب خلفهم والتفت اليهم قائلاً :
- حالة "بهيرة" لا تسر عدو ولا حبيب .. مش عايزها تدرى بالمصيبة اللى وجعنا فيها عشان الضغط ميعلاش تانى
قال "جمال" :
- متخافش يا بوى مش هجيبلها سيرة واصل
سأله "سباعى" بقلق :
- جبت سيرة ل "مراد"
- لا متكلمتش معاه فى حاجه
- امنيح .. مجولوش حاجه مفيش داعى يعرف وعشان كمان ميجولش لعمته .. وان شاء الله الموضوع يعدى على خير .. وكتب الكتاب ينكتب فى معاده ونخلص من الورطة دى
**************************************
بعد يومين قال "عثمان" لـ "مريم" التى كانت تساعد جدتها فى المطبخ :
- اعملى حسابك ان بكره هنروح سوا عشان الكشف الطبي اللى بيطلبوه عشان كتب الكتاب
نظرت اليه ببرود قائله :
- مفيش داعى ..لانى مش هتجوز
اقتحم "عثمان" المطبخ صاح فى غضب :
- جولتى اييه سمعيني تانى اكده
أبعدته أمه قائله :
- "عثمان" روح شوف صالحك
نظر الى "مريم" بغضب قائلاً :
- بكرة الصبح تكونى جاهزه بكير سمعتى ولا مسمعتيش
قالت أمه وهى تخرجه من المطبخ :
- طيب هتكون جاهزه يلا انت امشى من هنه .. يلا دلوجيت
عادت "مريم" تكمل ما بيدها وهى تشعر بالحزن والأسى وعادت مرة أخرة تردد "رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ "
فى صباح اليوم التالى وفى المركز الطبي جلس "مراد" بجوار "جمال" الذى أخذ يهتف بحنق :
- مش عارف آنى لزمته ايه الكشف ده .. أهو عطله على الفاضى
قال له "مراد" :
- متقلقش الموضوع مش بياخد وقت
رن هاتف "مراد" فوجد أن المتصل والدته .. حاول التحدث معها لكن كان الصوت متقطعاَ بشدة فنهض قائلاً :
- ماما اقفلى وهطلع أتكلم من بره لان المكان اللى أنا فيه الشبكة فيه ضعيفه
التفت الى "جمال" قائلاً :
- هطلع أكلمها من بره وأرجعلك
- ماشى يا ولد عمى
1
↚
نزلت "مريم" من سيارة "عثمان" التى أوقفها أمام المركز الطبي قائلاً :
- اسبجيني انتى .. آنى هركن العربيه وآجيلك
ذهبت فى اتجاه المركز وعلامات الآسى على وجهها .. ستفعل كل ما يطلبوه منها حتى معاد كتب الكتاب .. لكنها لن توافق على الزواج أبداً حتى لو كان البديل هو موتها .. كانت تسير مكتئبه حزينه فما كادت توشك على الدخول من باب المركز حتى وجدت رجلاً خارجاً فرجعت خطوة الى الخلف لتسمح له بالمرور .. رفعت رأسها فارتطمت نظراتها بوجه الرجل .. لم تشعر بحقيبة يدها التى سقطت منها .. انحنى "مراد" والتقطت حقيبتها التى سقطت ونظر اليها قائلاً :
- اتفضلى
بدت "مريم" وكأنها لا تسمعه .. كانت تحدق فى وجهه بشدة بأعين متسعه .. أخذت نظراتها تتفرس فى ملامحه وهى تنظر اليهبذهول .. شعر "مراد" بغرابة نظراتها .. ظل متفرساً فيها هو الآخر يحاول فهم تلك النظرات الغريبة التى ترمقه بها .. كانت نظراتها تتسم بالدهشة والصدمة ثم مالبثت أن تحولت الى نظرة شوق ولهفه وكأنها حبيبه التقت بحبيبها بعد طول غياب .. قال "مراد" مرة أخرى وهو يحاول تفسير نظراتها :
- اتفضلى
مدت يدها تأخذ الحقيبة وهى لا ترفع عينيها عن وجهه فلمست يده .. نظر "مراد" الى يدها الموضوعه على يده ثم رفع نظره اليها .. لحظة وأفاقت لنفسها وشعرت بالخجل الشديد أخفضت بصرها وأخذت الحقيبة ودخلت الى المركز مسرعة .. تابعها "مراد" بنظراته وهو مازال مندهشاً من تمعنها فى النظر اليه بهذا الشكل .. دخلت "مريم" وجلست على أقرب مقعد وهى تشعر بأن قدماها ترتجفان ولا تستطيعان حملها .. وبضربات قلبها تتسارع ويزداد اضطراب تنفسها .. بدا عليها الذهول الشديد .. عندها رفعت نظرها لترى "جمال" الذى كان متجهاً للخارج ويبدو أنه لم ينتبه اليها .. حمدت الله على ذلك فلو جاء للتحدث اليها لما استطاعت التحكم فى أعصابها ولكانت صرخت فى وجهه بكل ما يعتمل فى داخلها من غضب .. خرج "جمال" و انتظر حتى أنهى "مراد" مكالمته ثم قال :
- خلاص خلصت
قال له "مراد" :
- طيب كويس يلا نمشى
التفت "مراد" ليلقى نظرة على المركز قبل أن يغادر وهو مازال مندهشاً من النظرات التى رمقته بها تلك الفتاة .. التقيا ب "عثمان" الذى دلف من بوابه المركز الخارجية فقال له "جمال" بسخرية :
- أهلا يا عم مرتى
قال له "عثمان" بغيظ وهو يسير فى طريقه :
- جبر يلمك
أطلق "جمال" ضحكه عاليه ساخرة وهو يتابعه بنظراته .. قال له "مراد" :
- مين ده
التفت اليه جمال قائلاً :
- عم مرتى
- بس شكله مضايق منك
ابتسم "جمال" بسخرية قائلاً :
- تعالى تعالى متشغلش بالك كتير
*************************************
- متأكد انها بنت "خيري السمري" ؟
ألقى "حسن المنفلوطى" هذا السؤال على أحد رجاله الذى رد قائلاً :
- أييوه متأكد .. وكتب كتابها هى و "جمال السباعى" آخر الاسبوع
كان "حسن المنفلوطى" رجل فى العقد السادس من عمره .. لكن تبدو عليه القوة والصلابة وتعبيرات وجهه التى تتسم بالغلظة والقسوة .. قال وكأنه يتحدث الى نفسه :
- يعني بنت "خيري" هياخدها ابن "سباعى"
ثم التفت الى الرجل قائلاً :
- لسه مفيش أخبارك عن "خيري السمري" أو "خيري الهواري"
- لأ يا حاج "حسن" مظهرش ولا واحد منيهم
قال "حسن" :
- أكيد "خيري السمري" هيظهر فى فرح بنته
قال الرجل :
- وان مظهرش ؟
قال "حسن" بحزم :
- ان مظهرش ومعرفتش أوصله لا هو ولا "خيري الهواري" .. يبجى لازمن الفرح ده يتحول لبركة دم .. والعيلتين يجعوا فى بعض
5
************************************
آتى اليوم الموعود وتعالت الزغاريد فى بيت "عبد الرحمن" كانت "مريم" تنظر الى ما حولها وكأن الأمر لا يعنيها .. كانت عازمة ومصرة على رفض هذا الزواج وأن تقف أمام هذا الظلم الذى وقع عليها .. لن تسمح لهذا المدعو "جمال" أن يحقق غرضه مهما كان السبب الذى دفعه لأن يفعل ذلك ويتزوجها بهذه الطريقه المهينه .. أصرت جدتها على ارتداء احدى العباءات المنقوشة .. امتثلت لطلب جدتها بعد الحاح لكنها اصرت على عدم وضع أى زينه .. لبست عبائتها المزركشة وارتدت حجابها والتف حولها النساء يصفقون ويغنون وهى جالسه بينهم فى هدوء
اجتمع رجال العائلتين بالأسفل فى انتظار حضور المأذون الذى سيكتب كتاب "جمال" على "مريم" .. كان "جمال" يبدو سعيداً للغاية ويرحب بالرجال بحماس والابتسامه لا تغادر شفتاه وهى مزهواً بنفسه وبإنتصاره .. قال أحد رجال "المنفلوطى" المندسين بين عائلة "الهوارى" لآخر :
- هو مين هاد ؟
أشار الرجل الى "مراد" الجالس بجوار "سباعى" ويتحدثان معاً .. قال له الرجل :
- معرفش بس اظاهر انه يجرب لعيلة "الهوارى" لانه جاعد وسطيهم واظاهر انه حد مهم لانه جاعد جمب "سباعى" بذات نفسه وبيتكلموا مع بعض
أومأ الرجل المندس برأسه وهو ينظر الى "مراد" بتمعن متفحصاً اياه .. ذهب وسأل أحد الرجال من عائله "السمري" عن "مراد" فرد الرجل :
- معرفش يا ولد العم .. اللى أعرفه انه جاعد فى بيت "سباعى" .. يمكن ابن حد من جرايبه .. معرفش بالظبط
ذهب الرجل بعيداً عن الأبصار وأخذ يتحدث الى هاتفه هامساً .
************************************
اقتربت زوجة "سباعى" من "بهيرة" النائمة فى فراشها والتفتت الى الخادمة قائله بهمس :
- خلى بالك منيها .. من ساعة ما اجت من مصر وهى تعبانه ومبتتحركش من السرير من ألم ضهرها ومن الضغط اللى عنديها .. لو فاجت واحتاجت حاجه متخليهاش تنزل من فرشتها وهاتيهالها انتى
قالت الخادمة :
- حاضر يا حجه متجلجليش ست "بهيره" فى عنيا .. مبروك لـ "جمال" بيه
- الله يبارك فيكي .. يلا فتك بعافيه اتاخرت عليهم
غادرت زوجة "سباعى" وماهى الا لحظات حتى أفاقت "بهيرة" وحاولت الجلسو .. أسرعت الخادمة اليها قائله :
- عايزة حاجه يا ست "بهيرة"
قالت "بهيرة" بصوت خافت من التعب :
- هما اهنه ولا مشيوا
- لا مشيوا راحلوا كلياتهم كتب الكتاب
أومأت "بهيرة" برأسها فأكملت الخادمة :
- والله سي "جمال" ده راجل ولا كل الرجاله مش عارفه ايه بس اللى وجعه فى العيلة دى
تمتمت "بهيرة" قائله :
- وآنى كمان مش عارفه اشمعنى اختار بنت "عبد الرحمن" .. ما البنات مليين البلد
قالت الخادمة :
- لا يا ست "بهيرة" مش بنت "عبد الرحمن"
التفتت اليها "بهيرة" وقالت بضعف :
- بتجولى ايه يا بت .. هيتجوز بنت "عبد الرحمن"
- لا يا ست "بهيرة" هيتجوز حفيدة "عبد الرحمن"
قالت "بهيرة" بدهشة :
- حفيدته مين .. "عبد الرحمن" معندوش حفيدة
ابتسمت الخادمة قائله :
- لا عنده .. بنت ابنه "خيري" .. لجوها من فترة وجابوها تعيش حداهم
اتسعت عينا "بهيرة" من الدهشة وقالت وعلامات الصدمة على وجهها :
- "جمال" هيتجوز بنت "خيري عبد الرحمن " ؟
- اييوه
هبت جالسه مكانها وكأنها تناست مرضها وآلامها وهتفت قائله :
- انتى متأكده ؟
قالت الخادمة بتوتر :
- ايوة متأكده
أزاحت "بهيرة" الغطاء بعنف وصاحت بصوت مرتجف وهى تغادر فراشها :
- مستحيل يتجوزها "جمال" .. مستحيل
لكنها ما كادت تقف حتى سقطت على الأرض مغشياً عليها .
ذهبت زوجة "سباعى" الى بيت "عبد الرحمن" واستقبلتها زوجة "عبد الرحمن" وأجلستها مع النساء فى الغرفة .. تطلعت زوجة "سباعى" الى "مريم" من رأسها الى أخمص قدمها وقالت بتهكم :
- هى مش هتيجي تسلم عليا وتبوس يدي ولا اييه
قالت زوجة "عبد الرحمن" لـ "مريم" :
- جومى يا بنتى سلمى على حماتك وبوسى يدها
قامت "مريم" وتوجهت اليها قائله :
- ازيك حضرتك
قالت لها بتهكم :
- امنيحه
عادت "مريم" أدراجها وجلست مكانها دون أن تفكر حتى فى تقبيل يد المرأة .. استمرت النساء فى التصفيق والغناء .. كانت هناك عينان تتطلعان الى "مريم" بحقد وحسد وغل دفين .. عينا "صباح" كانت تشعر بالنار تأكلها من كل جانب .. فها هى تلك الفتاة ستصبح بعد لحظات زوجة لحبيبها .. حبيبها الذى انتظرته سنوات طوال .. وملك حبه كل كيانها .. نظرت اليها وكأنها تريد تقطيع أوصالها .. وكأنها تريد تهشيم رأسها .. وكأنها تريد قتلها .. كانت تغلى من الغضب .. لم تشعر بنفسها الا وهى متوجهه الى غرفة والدها .. فتحت أحد الأدراج الذى كانت تعلم جيداً بإحتوائه على قطعة سلاح .. أخذتها وأخفتها فى ملابسها وخرجت من الغرفة والشرر يتطاير من عينيها .
1
************************************
جاء المأذون فصاح "عثمان" :
- المأذوج اجه
قال "عبد الرحمن" :
- على خيرة الله
صاح "سباعى" فى أحد الرجال :
- نادوا لـ "جمال" عشان نكتب الكتاب
نهض "عبد الرحمن" قائلاً :
- وآنى هروح أخد موافجة العروسة
سأل المأذون :
- فين العريس ؟
رد "سباعى" :
ثوانى وييجى العريس
لحظات وجاء "جمال" وهتفت بمرح :
- منورينا يا رجاله عجبال عندكم كلياتكوا
جلس "جمال" بجوار المأذون فى انتظار "عبد الرحمن" .. التفت الى "مراد" الجالس بجواره قائلاً :
- عجبالك يا ولد عمى
ابتسم له "مراد" وربت على كتفه
كان أحد رجل "المنفلوطى" المندس وسط الحضور .. يمعن النظر فى "مراد" الجالس بجوار "جمال" ويده تتحسس مسدسه الذى أخفاه بين طيات ثيابه
سُمع صوت الطلقات فى الهواء تعبيراً عن فرحهم بهذا الزواج .. كانت الطلقات تخترق السماء بعشوائيه .. لكن أحدى الطلقات لم تنطلق بعشوائيه .. بل انطلقت متعمدة .. متعمدة لأن تخترق أحد الأجساد .. انطلقت الرصاصة تعرف وجهتها جيداً .. تعرف فى أى جسد ستستقر .. ولم تخطئ الرصاصة وجهتها .. واستقرت فى الجسد الذى أطلقت من أجله .. لتنفجر الدماء من هذا الجسد قبل أن يسقط أرضاً .
سُمع صوت الطلقات فى الهواء تعبيراً عن فرحهم بهذا الزواج .. كانت الطلقات تخترق السماء بعشوائيه .. لكن أحدى الطلقات لم تنطلق بعشوائيه .. بل انطلقت متعمدة .. متعمدة لأن تخترق أحد الأجساد .. انطلقت الرصاصة تعرف وجهتها جيداً .. تعرف فى أى جسد ستستقر .. ولم تخطئ الرصاصة وجهتها .. واستقرت فى الجسد الذى أطلقت من أجله .. لتنفجر الدماء من هذا الجسد قبل أن يسقط أرضاً .
تعالى الهرج والمرج وبدأت النساء فى الصراخ قفز قلب "مريم" من مكانه وهى تردد :
- استر يارب .. استر يارب
↚
تجمهر الرجال وتعالت أصواتهم :
- اتصلوا بالإسعاف بسرعة
- مين ابن التيييييييت اللى عمل اكده
- هاتوا حاجه نكتم بيها الدم
ووسط الرجال المتجمعين حول بركة الدماء التى خلفها النزف .. كان "مراد" جاثياً على ركبتيه حاملاً رأس "جمال" فوق ذراعيه وأخذ يقول بصوت مضطرب :
- "جمال" .. متقلقش الإسعاف فى الطريق
ثم صرخ فى الرجال قائلاً :
- اقفلوا الباب كويس عشان اللى عمل كده ميهربش ومتسمحوش لأى حد انه يخرج من هنا
نفذ الرجال أوامره وأغلقوا البوابه الخارجية تماماً ولم يسمحوا بخروج أحد على الإطلاق
أخذ "سباعى" يردد :
- ولدى .. ولدى "جمال" .. مين اللى عمل اكده .. آه يا ولدى
ربت "عبد الرحمن" على كتفه محاولاً تهدئته .. تعالت أصوات صراخ النساء وخاصة أم "جمال" .. فصعد اليهم "عبد الرحمن" مسرعاً وصرخ فيهم قائلاً :
- أى حرمه فيكم هتفتح خشمها يمين بالله لطخها
انزوت النساء وهن يشعرن بالخوف من تهديد "عبد الرحمن" .. وكتمن صرخاتهن .. نظرت "مريم" من الشرفة مع النساء المتجمهرات فى الشرفة ورأت "جمال" نائماً على الأرض والرجال حوله .. نظرت اليه بأسى وقالت بصوت خافت :
- يمهل ولا يهمل .. اللهم لا شماته
فتح "عثمان" البوابه لتدخل سيارة الإسعاف التى حملت "جمال" و "سباعى" وزوجته وانطلقت الى المستشفى وانطلق خلفهم "مراد" بسيارته .. و "عبد الرحمن" بسيارته وقال لـ "عثمان" :
- خليك اهنه يا "عثمان" متسمحش لحدا انه يمشى لازمن نعرف مين اللى عمل اكده .. مين اللى استجرى يطخ "جمال" فى بيتي
- حاضر يابوى متجلجش
أمر "عثمان" الرجال بغلق البوابه لحين حضور الشرطة .. تجمهر الرجال وكل منهم يحاول تخمين هوية من أطلق النار على "جمال" .. قال أحد أفراد عائلة "السمري" :
- لا حول ولا قوة الا بالله
قال أحد رجال "الهواري" بغيظ :
- مش عارفين تحمونا فى بيتكم يا ولاد "السمري" .. ينطخ ابن كبيرنا النار فى داركم
قال أحد رجال " السمري" بحده :
- ملناش صالح باللى حوصل .. الله أعلم مين اللى عيميلها
قال أحد رجال "الهوارى" غاضباً :
- هيكون مين اللى عيميلها غير حدا منيكم
قال أحد أحد رجال "السمري" غاضباً :
- واحنا اييه مصلحتنا نعمل اكده مادام ابنكوا وافج يتجوز بنتنا
قال أحد رجال "الهواري" متهكماً :
- ما انتوا لو كنتوا عرفتوا تربوا بنتكوا مكنش حوصل اكده
وقامت معركه بين الرجال وتعالت أصوات النساء بالصراخ مرة أخرى .. دخلت "مريم" الى احدى الغرف الشاغرة وأغلقت الباب عليها .. كانت تشعر بالرعب وظل قلبها يخفق بشدة .. جلست على الفراش وظلت تستغفر ربها وتحاول أن تهدئ روعها وتوقف ارتجافة جسدها .. بعد لحظات حضرت الشرطة وفرقت الرجال .. وأخذوا أقوال الجميع وانفض الجمع .
*************************************************
فى المستشفى جلس "سباعى" مع زوجته و "مراد" و "عبد الرحمن" وبعض الراجل من العائلتين خارج غرفة العمليات فى انتظار خروج "جمال" .. بعد ساعتين خرج الطبيب من غرفة العمليات فأقبل عليه "سباعى" فى لهفة قائلاً :
- طمنى يا دكتور .. ولدى جراله اييه
قل الطبيب بهدوء :
- للأسف الرصاصة استقرت فى عموده الفقري ومحتاج عملية تانية
لطمت أم "جمال" قائله :
- ولدى .. ولدى
نهرها "سباعى قائلاً :
- اسكتى يا وليه واجفلى خشمك
وضعت كفها على فمها تكتم بكائها .. فقال "عبد الرحمن" للطبيب بلهفة :
- يعني هيبجى امنيح يا دكتور
قال الدكتور بأسف :
- كان نفسي أطمنكوا بس للأسف الرصاصة مستقرة فى مكان حساس وممكن تتسبب فى شلله طول عمره .. بس هنعمل اللى نقدر عليه ان شاء الله .. الأيام الجايه هى الىل هتحدد خطورة حالته
بكا "سباعى" قهراً على ابنه فاقترب منه "مراد" وربت على كتفه قائلاً :
- ادعيله وان شاء الله يبقى كويس
قال "سباعى" فى أسى :
- ربنا يجومك بالسلامه يا ولدى
2
*************************************************
بعدما أفاقت "بهيرة" أصرت على أن تأخذها الخادمة الى بيت "عبد الرحمن السمري" .. وعندما وصلت علمت من "عثمان" بما حدث لـ "جمال" فأسرعت بالذهب الى المستشفى مع رجل من عائلتها .. هرع "مراد" اليها بمجرد أن رآها فى بدايه ممر المستشفى وقال بجزع :
- عمتو ايه اللى جابك .. ليه قمتى من السرير
قالت بلهفه :
- طمنى على "جمال" هو امنيح ؟
أحاطها "مراد" بذراعيه وأجلسها على أقرب مقعد وقال :
- أيوة يا عمتو متقلقيش هو كويس وهو دلوقتى فى أوضة العمليات بيعملوله عمليه تانية
قالت بلهفه :
- كتب الكتاب انكتب ولا لاء يا ولدى ؟
قال "مراد" بأسى :
- لا للأسف اضرب عليه النار قبل ما المأذون يكتب الكتاب
تنهدت "بهيرة" فى راحه قائله :
- الحمد لله يارب .. الحمد لله
نظر اليها "مراد" بإستغراب وكاد أن يسألها عن سبب قولها لذلك لكن "سباعى" أسرع بالإقتراب منهما قائلاً :
- "بهيرة" ايه اللى جومك من فرشتك .. الدكتور جال متعمليش مجهود واصل
قالت "بهيرة" بحده :
- كيف تسمح بإن ده يحصل يا "سباعى" .. كيف تسمح لـ "جمال" انه يتجوز بنت "خيري السمري"
قال "مراد" بدهشة :
- "خيري السمري" ؟ .. مش ده اللى قتل راجل من عيلة "المنفلوطى" واتهموها فى بابا الله يرحمه
قال "سباعى" متنهداً :
- اييوه هو يا ولدى
ثم نظر الى "بهيرة" قائلاً :
- انتى متعرفيش يا "بهيرة" سبب الجوازه دى
صاحب بغضب :
- السبب واضح يا "سباعى" .. ابنك "جمال" بده ينتجم من "خيري" فى بنته .. انت بتعرف امنيح ان ابنك عايز يذل عيلة "السمري" ويكسر عينهم .. كيف بتوافج على الجوازه دى وكيف "عبد الرحمن" بيوافج يسلم بنت ابنه لـ "جمال"
قال "سباعى" بنفاذ صبر :
- اللى حوصل يا "بهيرة" ان "جمال" كان على علاقة ببنت "خيري" وكان بيجبلها فى السر ورجال من عيلتها ظبطوهم سوا و"جمال" نفسه اعترف بان فى حاجه بينه وبينها .. وعشان اكده اضطرينا نتستر على البنيه ونجوزها لـ "جمال" اللى اتفضحت معاه
نظرت اليه "بهيرة" بدهشة وقالت :
- كيف بنت "خيري" تسلم حالها اكده لـ "جمال" .. هى معندهاش عجل ولا اييه
سأله "مراد" :
- فى شهود على كده
قال "سباعى" :
- اييوه بجولك فى رجال من عيلتها شافوهم وظبطوهم مع بعض فى حته مجطوعه فى بيت عم يتبنى جديد وهما فى وضع مو منيح .. ساعتها راحوا لجدها البيت وجولى الرجال كلياتهم
قال "مراد" ساخراً :
- اظاهر ان مش الأب بس اللى معندوش أخلاق .. لا وبنته شربته منه كمان
ثم نظر الى عمه "سباعى" قائلاً :
- مكنش الفروض توافق على جوازه منها .. دى واحدة غير أمينه على نفسها ازاى تخليها تشيل اسم ابنك .. وايه يضمنلك انها معملتش مع غير "جمال" زى ما عملت معاه
قال "سباعى" بحده :
- الموضوع أكبر من اكده يا ولدى .. المشكلة كانت هتجلب دم .. واهى جلبت اهى .. أموت بس وأعرف مين اللى طخ "جمال" .. ياخوفى يكون راجل من عيلة "السمري" مجدرش يتحمل اللى حصل لبنت من عيلتهم ودمه غلى وطخ "جمال" .. ساعتها هيبتدى التار من أول وجديد بين العيلتين ومحدش هيجدر يوجفه عاد
بدت "بهيرة" وكأنها مستغرقه بشدة فى التفكير ثم قالت بحزم :
- بدى أجابل بنت "خيري"
قال "مراد" بدهشة :
- عايزه تقابليها ليه يا عمتو
قالت بحزم :
- ملكش صالح .. بدى أجابلها
قال "مراد"بنفاذ صبر :
- طيب يا عمتو تعالى أروحك دلوقتى .. خلاص الفجر باقيله كام ساعة .. وبكرة الصبح ان شاء الله أخدك عندها طالما ده هيريحك
6
↚
**********************************************
بعدما رحلت جميع النساء من بيت "عبد الرحمن" دخلت زوجته على "مريم" التى كانت تنام على فراشها متقوقعه على نفسها وهى تنظر الى فراغ الغرفة .. اقتربت منها جدتها وجلست بجوارها قائله بحنان :
- انتى امنيحه يا بنيتى
جلست "مريم" على فراشها ونظرت الى جدتها قائله بحده :
- تيته لو سمحتى احكيلى ايه اللى بيحصل .. أنا مش فاهمة حاجه .. مين عيلة "الهواري" دى .. ومين "سباعى" ومين "جمال" .. وليه فى مشاكل وضرب نار .. أنا مش فاهمة حاجه
تنهدت جدتها بحسره قائله :
- بصى يا بنيتي .. هحكيلك اللى حوصل زمان .. من زمان جوى كان فى بين عيلتنا وعيلة "الهواري" مشاكل جديمة جوى جوى وتار وجتل .. وكانت العيلتين بيكرهوا بعض كره العمى .. لحد ما فى يوم انجتل واحد من عيلة "المنفلوطى" .. ابن "حسن المنفلوطى" ..والعيلة دى كان فى بينا وبينهم مشاكل وكمان كان فى بينهم وبين عيلة "الهواري" مشاكل
كانت "مريم" تستمع الى جدتها بإهتمام فأكملت قائله :
- ابن "حسن النفلوطى" جبل ما يموت كتب بدمه على الأرض اسم اللى جتله .. كتب "خيري" .. وكان فى اتنين "خيري" .. خيري أبوكى اللى من عيلة "السمري" .. وخيري من عيلة "الهواري" اللى هو أخو "سباعى" .. وكان بينه وبين الاتنين مشاكل فمعرفوش يحددوا هو كان يجصد "خيري" مين فيهم
اتسعت عينا "مريم" من الدهشة وبدا عليها الصدمة .. أكملت جدتها قائله :
- الشرطة حججت مع الاتنين وطلعوهم الاتنين براءه لان مكنش فى أى دليل ضدهم غير الاسم الله كتبه ابن "حسن" جبل ما يموت .. لكن "حسن" أقسم انه يجتل التنين .. "خيري" أبوكى و "خيري" أخو "سباعى" .. ومكنش فى الا حل واحد .. ان العيلتين يهربوا ولادهم التنين على مصر .. ومن يوميها والعيلتين وجفوا الجتل بيناتهم وداروا على بعض
بدا على "مريم" التأثر وهى تستمع الى جدتها وتنهدت قائله بأسى بصوت منخفض :
- هو ده السر اللى كنت مخبيه عليا يا "ماجد"
قالت جدتها بدهشه :
- "ماجد" مين ؟
تجاهلت "مريم" سؤالها وقالت بحزن :
- بس بابا قالى انه مقتلش حد يا تيته وانه برئ
قالت جدتها بحزم :
- طبعا مجتلش حد .. أبوكى مكنش حتى بيحب يشيل سلاح .. أبوكى كان راجل بيعرف ربنا .. مستحيل يجتل .. اللى جتل ابن "حسن المنفلوطى" هو "خيري الهواري" مش أبوكى يا بنتى
اطمئنت "مريم" لتأكيد جدتها براءة والدها وقالت :
- صح يا تيته بابا كان يعرف ربنا مستحيل يعمل كده .. انا واثقه ان مش هو اللى قتل الراجل اللى مات
ربتت جدتها على كتفها قائله :
- يلا يا ابنيتى الفجر عم بيأذن .. صلى ونامى وارتاحى
خرجت جدتها وقبل أن تتوجه الى غرفتها مرت على غرفة "صباح" فوجدتها ساهره أمام الشباك المفتوح .. فزعت "صباح" لرؤيتها وهبت وقافه وقالت :
- خير فى حاجه ياماى
قالت أمها بدهشه :
- انتى منمتيش لحد دلوجيت يا "صباح"
قالت "صباح" بإرتباك :
- لا مجاليش نوم
- طيب يا ابنيتي صلى الفجر ونامى .. تصبحى على خير
خرجت أمها لتعود "صباح" الى مكانها أمام الشباك وشردت من جديد.
3
****************************************
صاح "حسن المنفلوطى" بدهشة :
- يعني اييه محدش منيكم هو اللى طخه .. أمال مين اللى طخه
قال أحد رجاله :
- معرفش يا حاج "حسن" .. فجأة انطخ ومحدش عرف مين اللى عيميلها
قال "حسن" ضاحكاً بسعادة :
- مش مهم مين اللى عيميلها .. المهم العيلتين وجعوا فى بعض خلاص
ثم ضاقت عيناه وقال بخبث :
- وان موجعوش نوجعهم
***************************************
فى صباح اليوم التالى استيقظت "نرمين" على صوت هاتفها .. نظرت الى الهاتف ثم ارتسمت ابتسام صغيره على شفتيها وردت قائله :
- أفندم
- صباح الخير يا حبيبتى
قالت محاولة تصنع الجديه :
- مش قولتلك متتصلش تانى
- يبقى بتقوليلي روح موت أحين.. لانى لو مسمعتش صوتك معناها ان الموت أحسنلى
- آه والاسطوانه دى شغلتها لكام بنت قبل كده
- "نرمين" لو قولتيلى الكلام ده تانى هزعل منك بجد .. متشبهيش مشاعرى نحيتك وكلامى ليكي بإسطوانه .. ده كلام من قلبي يا "نرمين" .. قلبي اللى انتى مش حسه بيه ومعذباه معاكى
قالت "نرمين" بصوت خافت :
- أنا أصلا مش فاهمة انت عايز ايه .. بتقول بتحبنى .. طيب وبعدين يعني
- عايز أشوفك
قالت بدهشة :
- تشوفنى ؟
-أيوة نتقابل .. فى حاجات كتير لازم نتكلم فيها الأول قبل ما أكلم "مراد" أخوكى .. لازم أشرحلك ظروفى بالتفصيل و آخد منك موافقه عشان محرجش نفسي مع أخوكى
صمتت "نرمين" وهى تشعر بالحيره .. فأكمل قائلاً :
- مش محتاج منك غير مقابله واحده بس .. نتكلم فيها ونحط النقط على الحروف وبعدها هكلم "مراد" على طول .. بس لازم نتقابل الأول يا "نرمين"
قالت "نرمين" بحيره :
- نتقابل فين ؟
قال الصوت بلهفه :
- فى أى مكان تختاريه .. انا مش هعترض .. شوفى المكان اللى يريحك
صمتت "نرمين" ولم ترد فقال :
- حبيبتى متخفيش منى .. أنا مش ممكن أأذيكي .. أنا بس محتاج أتكلم معاكى الأول قبل "مراد"
قالت "نرمين" بعد تفكير :
- طيب سيبنى أفكر شوية وهقولك قرارى
- طيب بس حبيبتى متتأخريش عليا .. عشان انتى وحشانى أوى ومن زمان مشفتكيش .. وكمان فرصة ان "مراد" مسافر وهتعرفى تخرجى براحتك
قالت بدهشة :
- انت كمان عارف ان "مراد" مسافر
ضحك الصوت قائلاً :
- طبعاً مش بقولك صحبه
ثم قال بهمس :
- واللى بيحب حد بيهتم بكل التفاصيل عنه .. خلى بالك من نفسك يا حبيبتى .. ومتخرجيش لوحدك و"مراد" مش موجود .. اتفقنا
ابتسمت قائله :
- ماشى .. أنا مضطره أقفل دلوقتى
- ماشى حبيبتى مع السلامه
- مع السلامه
أغلقت هاتفها وقد اتسعت ابتسامتها وشعرت بخفقات قلبها المتسارعه
**************************************
عاد "عبد الرحمن" الى بيته ظهراً فاستقبلته أسرته متساءلين عما حدث فطمأنهم قائلاً :
- الحمد لله شالوله الرصاصه .. وبيجولوا احتمال كبير يبجى امنيح .. الحمد لل كل على الله
قال "عثمان" بغيظ :
- آه لو أعرف مين اللى عيمل اكده وطخه فى بيتنا .. كنت جتلته بيدى
قالت زوجته :
- ومين اللى معاه
- أبوه وأمه و عمته وابن عمه
قالت زوجته بدهشه :
- ابن عمه مين ؟
قال "عبد الرحمن" وهو يتوجه الى غرفته :
- ابن "خيري الهواري"
خفق قلب "مريم" بشده والفتت الى جدتها تسرع خلفه قائله :
- جدو .. هو ابن "خيري الهواري" ده شكله ايه ؟
التفت اليها جدها قائلاً بدهشه :
- يعني اييه شكله اييه .. راجل زى باجى الرجاله
صاح "عثمان" بحده :
- فى واحده متربيه تسأل عن راجل غريب شكله اييه .. اظاهر انك عايزه تتربي من أول وجديد
التفتت الى عمها قائله بضيق :
- بسأل لسبب فى نفسي .. مش فضول وخلاص
قالت ذلك ثم توجهت الى غرفتها .. فتحت اللاب توب وجلست على فراشها وفتحت المجلد الذى يحوى صور "ماجد" .. وأخذت تتطلع اليها وهى تتمتم بحيره :
- معقول .. معقول أخوك .. نفس الشكل ونفس الاسم .. مش معقول كل ده صدفه
ثم قالت لنفسها بدهشه :
- بس ازاى أخوك .. وكان فين طول السنين دى .. وعايش مع مين .. معقول عايش مع أبوك .. طيب ليه محدش دور عليك .. يعني مامتك تبقى مراة الراجل اللى قتل واللى بابا اتظلم بسببه
تنهدت بقوة ووضعت كفيها على رأسها قائله :
- أنا هتجنن .. معدتش فاهمه حاجه ابداً
1
****************************************
نامت "بهيرة" ليلها فى احدى حجرات المستشفى بعدما ازداد عليها تعبها .. استيقظت فوجدت "مراد" الى جوارها .. فاقترب منها قائلا :
- صباح الخير يا عمتو .. ازي صحتك دلوقتى ؟
قالت بضعف :
- بخير يا ولدى الحمد لله
ثم قالت :
- كيف حال "جمال" ولد عمك
ابتسم قائلا :
- الحمد لله بخير .. لسه مفاقش بس الدكاتره طمنونا الحمد لله .. ان شاء الله تعدى على خير
- على الله يا ولدى على الله
صمتت قليلا ثم نظرت اليه قائله :
- ناديلي الممرضة تساعدنى ألبس عشان تاخدنى على بيت "عبد الرحمن السمري"
صاح "مراد" بدهشه :
- دلوقتى يا عمتو .. انتى تعبانه .. اجلى الزياره دى شويه .. مع انى مش فاهم سببها اصلا .. ليه تروحى تزورى واحده زى دى .. عايزه تتكلمى معاها فى ايه مهم كده
قالت "بهيرة" بحزم :
- جولتلك ناديلي الممرضة وملكش صالح بأى حاجه واصل
استسلم "مراد" لرغبة عمته .. وافق الطبيب على خروجها من المستشفى على أن تواظب على تناول أدويتها فى موعدها .. مرا على غرفة "جمال" الذى أفاق واطمئنا على صحته .. قال "جمال" متهكماً بصوت ضعيف :
- جيت أدخل دنيا كنت هخرج منها
قالت أمه بلهفه :
- بعد الشر عليك يا ولدى لا تجول اكده
ابتسم له "مراد" قائلا :
↚
- حمدالله على سلامتك يا "جمال" ان شاء الله تقوم بالسلامه وتبقى زى الحصان
- تسلم يا ولد عمى
دخلت الممرضة وقالت :
- لو سمحتوا كفاية لحد كدة وسيبوا المريض يرتاح
خرج الجميع من الغرفة وأصر "سباعى" و زوجته على البقاء فى المستشفى .. خرجت "بهيرة" مع "مراد" وتوجها الى بيت "عبد الرحمن" .. استقبلهم "عثمان" ببرود .. فواجهه "مراد" ببرود مماثل .. أدخلهم الصالون وذهب ليوقظ والده .. رحب بهم "عبد الرحمن" .. قالت "بهيرة" :
- عايزه أشوف حفيدتك يا "عبد الرحمن"
قال "عبد الرحمن" بقلق :
- "مريم" .. خير يا "بهيرة" .. عايزاها فى اييه
قالت بحزم :
- ملكش صالح يا "عبد الرحمن" .. عايزه أشوفها
أدخلها "عبد الرحمن" الى غرفة "مريم" فطلبت أن تمكث معها بمفردها فخرج "عبد الرحمن" وتركهما بمفردهما .. نظرت اليها "مريم" بدهشة وهى لا تعرف من تلك المرأة التى دخلت عليها غرفتها .. تفحصتها "بهيرة" من رأسها الى أخمص قدمها وقالت :
- اللى خلف مماتش .. فيكي من أبوكى كتير .. بس انتى أحلى منيه .. أكيد أمك كانت منيحه
ابتسمت "مريم" لإطراء المرأه وقالت :
- متشكره
أشارت "مريم" الى السرير قائله :
- اتفضلى حضرتك اعدى
جلست "بهيرة" دون أن ترفع عينها عن "مريم" التى جلست بجوارها .. بدأت "بهيرة" الحديث قائله :
- آنى عايزه أسألك سؤال واحد بس .. مش أكتر من اكده
قالت "مريم" بهدوء :
- طيب ممكن أعرف الأول حضرتك مين
قالت "بهيرة" :
- آني "بهيرة الهواري" .. أخت "سباعى" و "خيري"
نظرت اليها "مريم" بدهشة وقالت :
- حضرتك أخت "خيري الهواري " ؟
- ايوة يا بنتى أنا
قالت لها "مريم" بلهفه :
- أنا كنت عايزه أسأل عن حاجه مهمه .. ومكنتش عارفه أسأل مين .. وانتى أكتر حد هيفيدنى
- عن اييه عايزه تسألى يا بنيتي ؟
قالت "مريم" وهى تمعن النظر فى المرأة :
- "خيري" أخوكى .. اللى هرب من التار على القاهرة .. كان مخلف ولدين مش كده ؟
ضاقت عينا "بهيرة" وقالت :
- أبوكى حكالك اييه بالظبط
قالت "مريم" بحماس :
- لأ بابا محكاليش حاجه خالص .. بس تيته امبارح حكتلى عنكوا وعن جريمة القتل اللى حصلت .. واللى لفت نظرى اسم الراجل اللى من عيلتكوا اللى هرب هو كمان على القاهرة .. الراجل ده يبقى أبو جوزى
نظرت اليها "بهيرة" بدهشة قائله :
- أبو جوزك ازاى؟
قالت "مريم" بحماس :
- أنا مرات "ماجد" .. "ماجد خيري الهواري"
اغرورقت عينا "بهيرة" بالعبرات وقالت :
- مش معجول .. انتى اتجوزتى "ماجد" ابن خوى
قالت "مريم" بتأثر :
- أيوة .. ومكنتش أعرف انه ابن الراجل اللى فيه بينه وبين بابا عداوة .. محدش قالى لا بابا قالى ولا "ماجد" قالى
قالت "بهيرة" بلهفة :
- وينه ؟ .. وينه ابن خوى
اغرورقت عينا "مريم" بالعبرات وقالت :
- اتوفى .. من أكتر من سنة
أجهشت "بهيرة" بالكباء .. فلم تتحمل "مريم" فشاركتها بكائها .. ضمتها المرأة الى صدرها وقالت :
- كان نفسي أشوفه جبل ما يموت .. كان نفسي أشوفه جوى
شعرت "مريم" بالأمان فى حضن المرأة التى لم تصدق حتى الآن انها اتقت بها .. بعمة "ماجد" .. رفعت "مريم" رأسها قائله والعبرات تتساقط على وجهها :
- ادعيله ان ربنا يرحمه ويغفرله
قالت "بهيرة" بتأثر :
- ربنا يرحمك يا خوى انت وولدك
قالت "مريم" بإهتمام :
- أنا من يومين شوفت صدفه واحد شبه "ماجد" بالظبط .. شبهه بشكل غير عادى .. ده أخوه مش كده ؟ .. أخوه من أم تانيه ؟
صمتت "بهيرة" وبدا عليها التردد ثم قالت :
- ايوة أخوه .. "مراد"
ثم قالت بجدية بالغة :
- سيبك دلوجيت من اكده .. آنى عايزة أسألك سؤال وعايزاكى تقسمى بالله انك هتجولى الحجيجة ومش هتكدبي
قالت "مريم" بسرعة :
- من قبل ما أعرف السؤال .. والله العظيم مش هكذب وهقول الحقيقة
سألتها "بهيرة" وهى تفرس فى وجهها تراقب تعبيراته :
- فى حاجة حصلت بينك وبين "جمال" ابن "سباعى" زى ما الخلج بتجول ؟
قالت "مريم" بثقه دون أن يرف لها رمش :
- لأ مفيش .. ولا عمرى شوفته قبل كده
قالت "بهيرة" وهى مازالت تتفرس فيها :
- بس رجال من عيلتك شفوكى معاه
قالت "مريم" بحزم :
- كل الحكايه انى كنت خارجة مع "صباح" وسابتنى وراحت لواحده صحبتها فجأة لقيت اللى اسمه "جمال" ده طلعلى وحضنى وفى كام راجل دخلوا فجأة ومبقتش فاهمة أى حاجه ولا فاهمة مين دول ولا ايه اللى بيحصل بالظبط .. وفجأة لقيت نفسي مضطره أتجوز اللى اسمه "جمال" ده
أومأت "بهيرة" برأسها وتنهدت قائله :
- كان جلبي حاسس انه جاصدها
قالت "مريم" بإستغراب :
- قاصد ايه ؟
قالت "بهيرة" وهى تنهض:
- هتعرفى كل حاجة يا بنتى لكن فى وجتها .. أهم حاجه دلوجيت متجلجيش مش هخلى "جمال" ابن خوى يلمس شعره منيكى
ابتسمت "مريم" وهى تحمد الله أن رزقها بتلك المرأة لتقف بجوارها وتنصفها .. اقتربت منها "بهيرة" ومسحت على شعرها قائله :
-هنحكى كتير جوى مع بعض بس لما الأمور تهدى والمشكلة تتحل .. والكلام اللى دار بيناتنا دلوجيت عايزاه يفضل سر بيني وبينك لحد ما يحين أوان الكلام .. اتفجنا يا ابنيتى
اتسعت ابتسامتها قائله :
- حاضر .. حضرتك متقلقيش مش هجيب سيرة لحد
*****************************************
هتفت "سهى" فجأة :
- هاااااااااار اسود .. الحقى شوفى "طارق" كاتب ايه لـ "مريم"
رفعت "مي" رأسها وقالت بدهشة :
- كاتبلها فين
ضحكت "سهى" قائله :
- على ايميل الشركة .. شكله فاكر ان هى لوحدها اللى بتدخل عليه
قالت "مى" بدهشه :
- وانتى ايه يخليكي تفتحى ايميل مبعوت من الأستاذ "طارق" ده عميل "مريم"
ابتسمت "سهى" قائله :
- فضول .. وكان عندى حق .. قومى شوفى كتبلها ايه
قالت "مى" ونظرت الى الرسالة .. قرأتها وهى تحاول بصعوبة التحكم فى ذلك الألم الذى بدأ فى غزو قلبها .. قالت "سهى" :
- يا عيني .. شكله واقع لشوشته .. ميعرفش ان "مريم" قفل مسوجر
سألتها "مى" بإهتمام :
- الرسالة كانت مفتوحة لما دخلتى عليها .. يعني حد قراها قبلك ؟
- لأ مكنتش مفتوحة
أمسكت "مى" الماوس وحذفت الرساله .. صاحت "سهى" :
- حذفتيها ليه ؟
توجهت "مى" الى مكتبها دون أن تجيبها وأخرجت هاتفها من حقيبتها ثم ضربت بأصابعها فوق لوحة المفاتيح وسجلت أحد الأرقام على هاتفها ثم غادرت المكتب ووقفت أمام باب الشركة .. اتصلت بالرقم وقلبها يخفق بقوة .. أتاها صوت رجولى :
- ألو
صمتت قليلاً فقال :
- ألو
قالت بتوتر وهى تحاول وقف ارتجافة صوتها :
- ألو .. أستاذ "طارق"
- أيوة مين معايا
- أنا الآنسه "مى" من شركة رؤية للدعاية والإعلان
- أيوة ايوة أهلا بيكي يا آنسه "مى"
- أهلا بحضرتك .. أنا بس كنت عايزة أعرف حضرتك حاجة
- اتفضلى
قالت بإضطراب :
- الإيميل اللى حضرتك بعت عليه الرساله لـ "مريم" ده ايميل الشركة .. يعني مش "مريم" بس اللى بتدخله .. كل الديزاينرز اللى فى الشركة معاهم الباسوورد
صاح "طارق" بحرج :
- اووووف .. يعني تقصدى تقولى ان الناس كلها شافت رسالتى
قالت بصوت خافت :
- لأ .. انا و "سهى" بس
شعر "طارق" بحرج بالغ وقال وهو يشعر بالغيظ من نفسه :
- معرفش ازاى اتغبيت للدرجة دى .. أكيد طبعاً ايميل الشركة مش هيكون خاص بيها لوحدها .. موقف محرج جداً
قالت "مى" محاولة ضبط انفعالاتها :
- أنا بس حبيت أقول لحضرتك .. انى مرضتش أديك رقم "مريم" لانها مش بتدى رقمها لاى عميل ولا لأى راجل .. بس من رسالتك واضح ان حضرتك حد جد وعايز حاجه رسمي .. لان "مريم" واحدة محترمة ومش هتوافق بحاجه غير كده زى ما انت قولت عنها فى رسالتك .. وعشان كده أنا هديك رقمها هيكون التواصل معاها أسرع وكمان متقلقش أنا حذفت الرسالة اللى حضرتك بعتها يعني متقلقش محدش تانى هيشوفها
قال "طارق" بإرتياح :
- بجد مش عارف أشكرك ازاى
قالت بصوت خافت :
- لا أبداً مفيش حاجه
أعطته الرقم ودونه عنده .. ثم قالت :
- قبل ما اقفل بس أحب أقول لحضرتك حاجه .. "مريم" لسه متأثره بموت خطيبها .. يعني حبيت أقولك كده عشان لو رفضتك من أول مرة متستسلمش .. ده لو انت عايزها بجد .. يعني الموضوع هيبقى متعب شوية .. بس "مريم" بجد انسانه تستاهل ان الواحد يتعب عشانها
قال "طارق" برقه :
- انتى مخلصة أوى .. "مريم" محظوظة ان عندها صاحبه زيك
شعرت بالتوتر الشديد لإطرائه فأنهت المكالمة بسرعة :
- أنا مضطرة أقفل دلوقتى .. مع السلامة
أغلق الهاتف وحاولت ضبط انفعالاتها لتستطيع العودة الى داخل المكتب .. لكن رغماُ عنها سقطت عبرة حزينه على وجنتها فى صمت .
3
↚
*****************************************
كانت "مريم" فى غرفتها تقرأ وردها .. عندما سمعت صوت صراخ وضرب نار بالأسفل ..شعرت بالفزع .. وخرجت من الشرفة لتجد عمها "عثمان" ملقى على الأرض وغارقاً فى دمائه .. هرعت الى الخارج وهى تصرخ :
- الحقيني يا تيته .. الحقيني يا "صباح"
خرجت مسرعة وانحنت بجوار عمها وهى تبكى قائله :
- عمو .. عمو متمتش .. عمو
وضعت يديها على الجرح تحيط بنصل المطواة المغروزة فى جسده تحاول وقف النزيف .. أخرجت هاتفها من جيبها واتصلت بجدها الذى كان يزور "جمال" فى المستشفى .. هتفت قائله بهلع :
- الحقنى يا جدو عمو ضربوه بالمطوه
صاح "عبد الرحمن" بفزع :
- بتجولى اييه يا "مريم"
قالت وهى تبكى والدماء تغرق يدها :
- بينزف جامد أوى .. اطلبلنا الاسعاف بسرعة يا جدو .. عمو مبيردش عليا خايفة يكون مات
أغلق "عبد الرحمن" الهاتف وشرع فى طلب الاسعاف اقترب منه "سباعى" قائلاً :
- ايه اللى حصل يا "عبد الرحمن"
التفت اليه "عبد الرحمن" بلهفه قائلاً :
- الحقنى يا "سباعى" طعنوا "عثمان" بالمطاوى
صاح "سباعى" :
- لاحوة ولا قوة الا بالله
وقف "مراد" يتابع ما يحدث فى وجوم
وصل "عثمان" الى المستشفى بصحبة "مريم" و أمه استقبلهم "عبد الرحمن" وأخذ ينظر الى ابنه المحمول على النقالة والى ملابس "مريم" الغارقة فى الدماء .. صاحت "مريم" باكيه :
- ليه يا جدو عملو كده فى عمو ليه
أحاطها "عبد الرحمن" بذراعيه وأدخلها احدى الغرفة وأمر الطبيب الممرضة بإعطائها بعض المهدئات
اقترب "سباعى " من "عبد الرحمن" قائلاً :
- يمين بالله يا "سباعى" آنى ماليا دخل باللى حوصل .. ولو عرفت ان واحد من عيلتى هو اللى عيميلها لأكون مسلمه للشرط بيدى
قال "عبد الرحمن" واجماً :
- بعرف يا "سباعى" بعرف .. بس باجى الرجال ما بيعرفوا .. وفى رجال الغضب بيعميهم ومابيخليهم يشوفوا جدامهم
قال "سباعى" بحسرة :
- لولا اللى حصل لـ "جمال" كان زمانا خلصنا من المشكلة دى
اجتمع خارج المستشفى عدد كبير من رجال العائلتين وبدا وكأن معركة ستحدث بينهما .. خرج لهم كل من "عبد الرحمن" و "سباعى " .. أخذ الرجال يكيلوا الاتهامات لبعضهم البعض وتوتر الجو لولا تدخل الحكيمين "عبد الرحمن" و "سباعى" .. قال "عبد الرحمن " :
- يا رجاله "عثمان" امنيح .. وآنى متأكد ان الى عمل اكده بعيد عن عيلة "الهواري"
قال أحد الرجال :
- كيف يتعرف يعني يا "عبد الرحمن" .. معرفوش يهربوا من الجوازه جاموا جتلوا "عثمان" كمان
صاح أحد رجال "الهواري" :
- وليه متكنوش انتوا اللى طخيتوا "جمال" بعد ما فضح بنتكوا
صاح أحد رجال "السمري" :
- اتكلم عن حريمنا امنيح يا تييييييييت
قاح أحد رجال " الهواري" :
- مانتوا لو كنتوا عرفتوا تربوا بنتكوا مكنش ده حوصل
صاح أحد رجال "السمري" :
- انتوا اللى ابنكوا ناجص ربايه وبيتعدى على حرمة غيره
صاح "سباعى" غاضباً :
- خلاص مفيش داعى للكلام ده عاد .. الجوازه بين العليتين هتتم .. ومش عايز حد يفتح خشمه بالموضوع ده بعد اكده واصل
صرف "عبد الرحمن" الرجال الذين انصرفوا فى غضب وكل منهم ينظر للآخر شزراً
ما كاد "عبد الرحمن" و "سباعى" يدخلون المستشفى حتى استقبلهم "مراد" قائلاً :
- دخلوه أوضة العمليات .. ان شاء الله خير
رفع "عبد الرحمن" كفيه قائلا :
- يارب جيب العواجب سليمه
سمعا من خلفهم صوت "بهيرة" تقول :
- ايه اللى حوصل لـ "عثمان" صحيح اللى سمعته
هرع اليها "مراد" قائلاً بحده :
- عمتو ايه اللى جابك .. نفسي تريحى نفسك بأه .. انتى تعبانه
التفتت الى "عبد الرحمن" و"سباعى" قائله بحزم :
- الحكاية مش هتنتهى الا بالجواز .. ودلوجيت .. كتب الكتاب يتكتب دلوجيت
صاح "سباعى" بحنق :
- كيف يعني دلوجيت يا "بهيرة" .. مش لما "جمال" يفوق من اللى فيه .. ده لسه فى عمليه تانى بكره
قالت "بهيرة" بحزم :
- "مريم" مش هيتجوزها "جمال" .. مستحيل تكون لـ "جمال"
قال "عبد الرحمن" بحده :
- تجصدى اييه يا "بهيرة" .. لو محصلش الجواز ده هيكون فيها دم .. مينفعش ابنكوا يتعدا على حريمنا وتجولى مينفعش يتجوزها
قالت "بهيرة" :
- "مريم" هتتجوز .. بس مش "جمال"
ثم التفتت الى "مراد" قائله :
- هتتجوز "مراد" ولد خوى "خيري"
قال "مراد" بدهشة :
- بتقولى ايه يا عمتو
- اللى سمعته يا ولدى انت اللى هتتجوزها
صاح "مراد" بغضب :
- مش ممكن طبعاً .. مستحيل أتجوز واحدة ظبطوها مع ابن عمى
قالت "بهيرة" بحزم :
- متظلمهاش يا ولدى مش كل اللى بينشاف بيكون هو الحجيجة اسألنى آنى
قال "مراد" بحزم :
- مش ممكن أتجوزها يا عمتو شوفولها راجل تانى .. الرجاله ماليه العيلة
قالت "بهيرة" :
- انت اللى عليك الدور يا ولدى .. لو ابتدا التار بين العيلتين هيبجى انت اللى عليك الدور بعد "جمال" .. هاى العادة المتخلفة راح فيها رجال كتير .. مش عايزين نعيدها تانى .. مش كل الرجاله بتحكم عجلها .. فى رجاله بتمشى ورا غضبها من غير تفكير .. ودول بيحكموا غضبهم وبينسوا شرع ربنا .. وبسببهم هتجيد النار تانى بين العيلتين ومفيش حل الا الجواز .. لازمن تتجوز "مريم"
صمت "مراد" وهو يشعر بالحنق الشديد ثم قال بصرامة بعد تفكير :
- لو فاكرة انى ممكن اتجوزها واعيش معاها زى اى زوجين طبيعين فده مش هيحصل يا عمتو .. انا ممكن انقذ الموقف واكتب كتابى عليها مش اكتر من كده عشان المشكلة دى تتحل وبعدين نسافر القاهرة ونحل الموضوع
قالت "بهيرة" :
- وآنى مش عايزة أكتر من اكده يا ولدى تكتب عليها وتاخدها معاك على مصر لحد ما أتأكد ان الأمور اتحلت اهنه وبعدين أجيلكوا على مصر واللى رايده ربنا ساعتها هو اللى هيكون
زفر "مراد"بضيق ثم قال بعنف وهو يكظم غيظه :
- طيب .. ماشى .. بس فهميها ان طول ما هى اعده معايا ولحد ما حضرتك ترجعى القاهرة هتنفذ كل اللى هقولها عليه بالحرف .. أنا مش هسمح أبدا بالتسيب اللى هى كانت عايشه فيه .. لحد ما نشوف هنخلص من المشكلة دى ازاى.. ولو شوفت منها غلطة واحدة مهما كانت صغيره هطلقها فوراً ومش هسمحلها تستنى فى بيتي لحظه واحده .. ولو كلامى ده معجبهاش يبقى شوفولها راجل غيري يحل المشكله دى
قال "عبد الرحمن" بصرامة :
- بنت ابنى متربيه امنيح عيب تتكلم عنها اكده
ابتسم "مراد" بسخريه وتهكم وقالت "بهيرة" :
- فينها "مريم" ؟
أشار "عبد الرحمن" الى غرفتها .. دخلت "بهيرة" الغرفة لتجدها نائمة على الفراش وعلامات الارهاق على وجهها .. التفتت اليها الممرضة قائله :
- هديت دلوقتى بعد ما ادتلها المهدئ
أومأت "بهيرة" برأسها واقتربت منها قائله :
- كيفك يا ابنيتى
التفت اليها "مريم" بأعين دامعه وقالت بصوت مرتجف :
- ليه عملوا فى عمو كده .. كان شكله صعب أوى وهو واقع فى الأرض وعماله بينزف .. ليه عملوا فيه كده
مسحت "بهيرة" على شعرها قائله :
- ولو مسمعتيش كلامى ايديهم هتطول جدك وكل رجال عيلتكوا
قالت "مريم" وشهقات بكائها تتصاعد :
- ليه .. ليه كل ده
تنهدت "بهيرة" فى حسرة قائله :
- بعد عن ربنا وعن شرع ربنا .. للأسف فى ناس بيخلوا الأحكام والأعراف والعادات تتحكم فيهم حتى لو كانت بتخالف شرع ربنا
قالت "مريم" بتأثر :
- أنا مش عايزه حد من عيلتى يحصله حاجه وحشه أنا ما صدقت لقيتهم
ابتسمت لها "بهيرة" قائله :
- يبجى تسمعى اللى هجولك عليه .. وخليكي متأكده انى مستحيل أضرك أبدا يا ابنيتي ده انتى مرات الغالى ابن الغالى .. يعني مكانك فى جلبي من جوه يا "مريم"
ابتسمت لها "مريم" وقالت بضعف :
- عارفه يا عمتو انك مستحيل تضريني
مسحت "بهيرة" على شعرها مرة أخرى قائله :
- آنى أنقذتك من جوازك من "جمال" ابن خوى لانى عارفه هو عايزك ليه .. عايز ينتجم منيكي .. وعشان تخلصى من الورطة دى ومن المشكلة اللى دايره بين العيلتين .. مفيش الا حل واحد
قالت "مريم" بضعف :
- ايه هو
قالت "بهيرة:
- تتجوزى "مراد" ابن خوى
نظرت اليها "مريم" وقد اتسعت عيناها دهشة وقالت :
- اخو "ماجد"
- ايوة
- مستحيل .. مستحيل
قالت "بهيرة" بحزم :
- اسمعى كلامى ومتبجيش عنيده .. هو ده الحل اللى يخرجك من ورطتك .. وبعدها آنى بنفسي هحل موضوع زواجك منه .. بس نخلص من المشكلة اللى فى يدنا الأولى .. يا اما اكده .. يا اما تنتظرى بجه لما "جمال" يفوج وصحته ترجعله ويتكتب كتابك عليه
نظرت اليها "مريم" بحيرة والم وقالت :
- طيب شوفيلى حل تانى مفيهوش جواز
قالت لها "بهيرة" بحنان :
- لو كان فى مكنتش اتاخرت .. بس مفيش .. حل الورطة دى الجواز .. تسافرى فورا على القاهرة بعيد عن اهنه لحد ما ارجعلك وكل شئ هيتحل ساعتها وكل اللى مستخبي هيبان .. بس افضلى محافظة على السر ومتجبيش سيرة لحدا واصل لحد ما ارجعلك .. اتفجنا يا ابنيتي
بلعت "مريم" ريقها بصعوبة .. وأخذت تفكر وهى حائرة .. كانت تشعر بالضعف والوهن .. لا تدرى أهذا بسبب الأحداث المتتالية والتى لم تتخيل من قبل أن تحدث لها .. ام بسبب المهدئ الذى يسري فى دمائها .. كان الشئ الوحيد الذى تريده هو أن تعود الى حياتها الطبيعية .. الهادئة .. الساكنة .. بلا مشاكل وبلا دماء .. وبلا كره وحقد وضغينة .. حثتها "بهيرة" بحنان قائله :
- ها جولتى ايه .. هتحطى يدك فى يدى عشان أنقذك .. ولا أسيبك اهنه يعملوا فيكي اللى رايدينه ؟
نظرت اليها "مريم" دامعه .. وقالت بوهن :
- انا واثقه فيكي .. معرفكيش قبل كده .. بس كفايه انك تكونى عمة "ماجد" عشان أثق فيكي
ثم قالت :
- ماشى موافقه
ابتسمت "بهيرة" وقالت :
- امنيح يا ابنيتي امنيح
قالت لها "مريم" برجاء :
- متتأخريش عليا وتسبينى معاه كتير .. هنتظرك ترجعى وتحليلى الموضوع ده
قالت "بهيرة" بحنان" :
- متخافيش واصل .. متخافيش
↚
خرجت "بهيرة" وطلبت من "مراد" الذهاب واحضار المأذون .. قال "مراد" بحنق :
- بالسرعة دى
قالت "بهيرة" بصرامة :
- لازمن المشكلة تنحل بأسرع وجت .. بيكفى الدم اللى سال
توجه "مراد" الى خارج المستشفى وعينا "بهيرة" تتابعانه وتمتمت فى خفوت :
- كله سلف ودين ولازمن ترد الجميل يا ولدى
بعد ساعة .. حضر المأذون بصحبة "مراد" وفى مشهد غريب عجيب فى أحد زوايا المستشفى .. بدأت مراسم الزواج وأخذ المأذون يلقن كلماته لـ "عبد الرحمن" و "مراد" .. والتى انتهت بـ "مراد" وهو يقول بحنق وضيق شديد :
- قبلتُ زواجهــا.
عد ساعة .. حضر المأذون بصحبة "مراد" وفى مشهد غريب عجيب فى أحد زوايا المستشفى .. بدأت مراسم الزواج وأخذ المأذون يلقن كلماته لـ "عبد الرحمن" و "مراد" .. والتى انتهت بـ "مراد" وهو يقول بحنق وضيق شديد :
- قبلتُ زواجهــا
تنهدت "بهيرة" فى راحة وتوجهت الى غرفة "مريم" .. واقتربت من فراشها قائله بحنان :
- خلاص يا بنيتي كتبوا الكتاب
شعرت "مريم" بالألم فى قلبها وروحها ورغماً عنها تساقطت العبرات على وجنتيها وهى تحاول أن تكتم شهقات بكائها .. قالت جدتها لـ "بهيرة" فى حده :
- خلاص عيملتوا اللى رايدينه .. حججتوا حلمكوا بجواز ابنكوا من بنتنا
2
نظرت اليها "بهيرة" وقالت :
- فى حاجات كتير ما بتعرفيها .. وآنى مستحيل أضر "مريم" واصل
ثم التفتت الى "مريم" قائله :
- شدى حيلك يا بنيتي عشان تسافرى على مصر فى أجرب وجت .. لازمن تبعدى عن المشاكل اللى اهنه .. ومتجلجيش واصل "مراد" ولد خوى راجل وهيعرف يحافظ عليكي لحد ما أجيلك
ثم اقتربت من أذنها هامسه :
- بس لحد ما أجيلك متجبيش سيرة لحدا عن موضوع "ماجد" .. احنا مش ناجصين مشاكل دلوجيت .. ماشى يا ابنيتي
أومأت "مريم" برأسها فى صمت وهي تشعر بالإرهاق والوهن.. قالت "بهيرة"
- هسيبك دلوجتى ترتاحى
خرجت "بهيرة" من الغرفة واقتربت من "مراد" الذى كان واقفاً وعلامات الغضب والضيق على وجهه وقالت :
- اسمعنى امنيح .. أول ما تجدر تجوم وتجف على رجلها تاخدها طوالى على مصر .. وآنى هبجى أحصلكوا بس لما أطمن على الحال اهنه
أومأ "مراد" برأسه بصمت فأكملت قائله :
- مش لازمن أمك وأخواتك يعرفوا باللى حوصل
قال "مراد" بسخريه وتهكم :
- أمال أقولهم ايه .. حب من أول نظرة .. ومقدرتش أستنى لما أرجع القاهرة فكتبت عليها فى الصعيد من غير ما أعرف حد منكم ! .. لا وكمان مش قادر أتحمل فراقها فعجلت بالدخله وجبتها فى ايدي على القاهرة
قالت "بهيرة" بحده :
- جول اللى تجوله .. المهم مش عايزه أمك تعرف ان جوازتك فيها مشاكل .. مش عايزاها تسود عيشة البنيه .. لحد ما أجيلكم ونشوف حل للمشكلة دى
ثم أكملت بحزم :
- خلى بالك منيها امنيح حطها جوه عينك .. البنيه غليانه وملهاش حدا .. دى أمانه فى رجبتك حافظ عليها لحد ما أرجعلك
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- ربنا يسهل .. ولو انى مش طايق حتى أشوفها أدامى .. مش عارف ازاى هتحمل انى أدخلها بيتي وأأعدها مع ماما وأخواتى البنات
قالت "بهيرة" :
- متظلمهاش يا ولدى .. متظلمهاش
أقبل الطبيب مطمئناً الجميع على وضع "عثمان" قائلاً :
- الحمد لله جميع الأعضاء سليمه والمطوة اتضربت فى مكان خالى من الأعضاء .. هو بس نزف كتير ومحتاجين نقل دم لان فصيلته مش متوفره حدانا
قال "سباعى" بإهتمام :
- فصيلته ايه يا دكتور ؟
قال الطبيب :
- B نيجاتيف
قال "مراد" بسرعة :
- نفس فصيلتي
التفت اليه الطبيب قائلاً :
- طيب اتفضل معانا عشان ناخد منك عينه الأول نحللها
ربت "عبد الرحمن" على كتف "مراد" قائلاً :
- ربنا يبارك فيك يا ولدى
*******************************************
فى صباح اليوم التالى دخل "عبد الرحمن" غرفة حفيدته بالمستشفى للإطمئنان على صحتها .. وجدها جالسه فى فراشها ساكنه صامته تراقب السماء من شباك الغرفة .. اقترب منها قائلاً :
- كيفك دلوجيت
قالت بصوت مبحوح وكأنها انتهت للتو من البكاء :
- الحمد لله
جلس "عبد الرحمن" بجوارها على الفراش وأخرج من جيبة ورقة وفتحها أمام عينيها وأشار بإصبعه على موضع بها وقال :
- دى شهادة وفاة زوجك الأول .. مكتوب اهنه اسمه .. "ماجد خيري الهواري" .. انتى كنتى بتعرفى انه من عيلة "الهوارى" اللى بينا وبينها مشاكل ؟
هزت "مريم" رأسها نفياً وقالت :
- لأ مكنتش أعرف .. معرفتش غير لما جيت هنا
طوى "عبد الرحمن" الورقة وقال بحزم :
- اوعى تجيبي سيره لحدا واصل انك كنتى مرت "ماجد" .. وخصوصى "مراد" اوعى تجبيله سيره واصل .. لانى معرفش أبوه جاله ايه وفهمه ايه .. ومش عايزه يأذيكي يا بنيتي
قالت "مريم" بإستغراب :
- مش فاهمه .. ليه يأذيني لما يعرف انى مرات "ماجد" .. وليه الأسرار دى كلها .. وليه محدش بيجيب سيرة "ماجد" هنا كأنه مكنش موجود .. ليه كل ده
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- فى حاجات كتيره مبتعرفيهاش ومادام أبوكى الله يرحمه مجالكيش عليها يبجى الأحسن تفضلى مش عارفاها .. أهم حاجه اوعى تجيبي سيره لزوجك انت كنتى مرت أخوه أو انك بتعرفى مكان أخوه
صمت قليلا ثم قال :
- "بهيرة" بتعرف مش اكده
أومأت "مريم" برأسها قائله :
- أيوة عارفه .. وهى كمان قالتلى مجبش سيرة لحد
تمتم "عبد الرحمن" :
- كنت متأكد انها بتعرف .. وعشان اكده جوزتك لـ "مراد" مش لـ "جمال"
اقترب منها ووضع يده على ذراعها ونظر الى عينيها وقال بصرامة :
- الحاجة الوحيدة اللى بدك تعرفيها وتكون متأكده منيها ان أبوكى كان راجل زين ولا كل الرجال وكان يعرف ربنا .. مهما سمعتى غير اكده اوعى تصدجى أى كلمه تتجال على أبوكى
صمت "عبد الرحمن" قليلاً ثم قال :
- وينها "زهرة" أم "ماجد" .. لساتها عايشه ؟
قالت "مريم" بأسى :
- أيوة عايشة .. فى دار مسنين .. حالتها الصحية صعبة جدا .. مبتتكلمش ومبتتحركش .. صدمة موت "ماجد" الله يرحمه كانت شديده عليها أوى .. خاصة بعد وفاة بابا وماما واختى .. مقدرتش تتحمل كل ده وراحت فى دنيا تانيه
قال "عبد الرحمن" بأسى :
- اتعذبت كتير جوى .. واتظلمت كتير جوى .. ربنا يشفيها ويبرد نارها
ثم قال شارداً :
- يا ترى يا "بهيرة" ناويه على اييه .. هتكشفى المستور ولا هتسيبى كل حاجه لحالها اكده
نظرت "مريم" اليه بإستغراب .. شعرت بأن هناك أشياء كثيرة تخفى عليها .. صممت بينها وبين نفسها أن تكشف كل تلك الأسرار .. لكن دون أن تفضح أمرها كما أمرها "عبد الرحمن" و "بهيرة" .. أخذت تتساءل ... لماذا يحذرها الجميع من اخبار "مراد" بأنها كانت تعرف أخيه .. تُرى هل يعرف أصلاً أن لديه أخ .. واذا كان يعرف فلماذا لم يتلقى مع "ماجد" أبداً .. "ماجد" نفسه لم يخبرها أبداً بأن له أخ .. تُرى هل كان "ماجد" يعرف وأخفى ذلك عليها .. أم هو مثلها لم يكن يعرف بوجود هذا الأخ !!
***********************************************
- ماشى موافقة
نطقت "نرمين" بهذه العبارة وهى تشعر بشئ من التوتر الممزوج بالفرحه .. قال الصوت الرجولى بلهفه وسعاده :
- حبيبتى أنا مش قادر أوصفلك فرحتيني أد ايه .. أخيراً هشوفك .. ياااه انتى كنتى وحشانى أوى يا "نرمين"
ابتسمت بخجل وقالت :
- بس مش عايزة أتأخر .. نص ساعة بس
قال بسرعة :
- أمرك يا حبيبتى متقلقيش هنتكلم مع بعض ونحط النقط على الحروف بس .. مش عايز أكتر من كده
ثم قال بلهفه :
- تحبيى نتقابل امتى وفين ؟
قالت "نرمين" بحيرة :
- مش عارفه .. بس ياريت يكون مكان عام وفيه ناس كتير
ضحك الرجل وقال :
- انتى خايفه منى ولا ايه
قالت بتوتر :
- لأ بس مش هينفع أقابلك الا فى مكان عام
- طيب يا حبيبتى مفيش مشكلة هختار كافيه كويس ومليان ناس على آخره عشان تبقى مطمنه .. اتفقنا
ابتسمت قائله :
- اتفقنا
قال بلهفه :
- امتى ؟
فكرت قليلاً ثم قالت :
- يفضل النهاردة .. لان "مراد" احتمال يرجع فى أى وقت .. ولو رجع مش هعرف أخرج بسهوله
- خلاص اتفقنا النهاردة فى أى ساعة تحدديها .. وهفضى نفسي عشانك .. هنتظر منك تليفون تعرفيني المعاد اللى يناسبك
قالت بخجل :
- خلاص اتفقنا هشوف ظروفى هنا وهعرف أخرج امتى وأكلمك
- منتظر مكالمتك على أحر من الجمر يا حبيبتى .. هتوحشيني لحد ما اشوفك .. خلى بالك من نفسك .. لا اله الا الله
تمتمت مبتسمه :
- محمد رسول الله
أنهت المكالمة وهى تشعر بسعادة بالغه وبقلبها يقفز فرحاً .. فتحت دولاب ملابسها لتختار ما سترتديه فى تلك المقابله .. أخرجت معظم دولابها على السرير ووقفت أمام المرآه تحاول اختيار ما تراه جميل عليها .. نظرت الى ملابسها بحنق .. فقد كانت محتشمة للغاية .. ودت لو كان لديها شيئاً ضيقاً أكثر ليبرز جمال جسدها الأنثوى .. زفرت فى ضيق وهى تجرب ملابسها لتختار من بينهم .
**********************************************
خرج "جمال" من غرفة العمليات للمرة الثانيه .. طمأنهم الطبيب على حالته .. وعلى نجاح العمليه .. وأذن بالخروج لـ "مريم" .. خرجت "مريم" بصحبة جدها وجدتها وتوجهت فى بيتهما .. استقبلتهم "صباح" قائله :
- كيف "عثمان" دلوجيت يابوى
- الحمد لله يا بنيتى امنيح .. آنى جيت أوصل "مريم" وأمك يرتاحوا ورايح تانى دلوجيت على المستشفى
قالت "صباح" بلهفه :
- طيب خدنى معاك يا بوى
↚
فى المستشفى وفى غرفة "جمال" .. التف حوله "سباعى" و زوجته و "مراد" و "بهيرة" .. قالت أمه وهى تجلس بجواره باكيه :
- عين وصبتك يا ولدى عين وصبتك
قال "سباعى" :
- الحمد لله انها جت على أد اكده
قال "جمال" :
- مسكوا اللى طخنى ؟
تنهدت أمه فى حسره قائله :
- لا يا ولدى لسه الشرطة بتحجج
قال "جمال" بتهكم :
- هو الموضوع محتاج تحجيج .. أكيد اللى طخنى واحد من عيلة "السمري" ومش بعيد يكون "عثمان"
صاحت "بهيرة" بحده :
- وايه دليلك على اكده .. ولا رمى الناس بالباطل بجه سهل أوى اكده
ابتسم "جمال" بخبث قائلاً :
- يعملوا اللى يعملوه المهم انى هتجوز بنتهم
نظر الجميع الى بعضهم البعض ثم نظروا الى "مراد" الذى كان واقفاً دون أن يظهر أى شئ على وجهه .. فقالت أمه :
- يا ولدى خلاص .. الموضوع ده اتحل
قال "جمال" بدهشة :
- موضوع ايه اللى اتحل
قال "سباعى" :
- خلاص يا ولدى بنت علية "السمري" اتكتب كتابها
صاح "جمال" بحده :
- اتكتب كتابها على مين ؟
قال "سباعى" وهو يشير الى "مراد" :
- على ولد عمك
نظر "جمال" الى "مراد" بغضب :
- ليه تعمل اكده يا ولد عمى .. ليه تعمل اكده .. انت عارف انى كنت هتجوزها
قال "مراد" بحنق شديد :
- والله ان كان عليا أنا مش طايق أسمع اسمها اصلاً ولا عايز اتجوزها .. ولو الموضوع اتحل دلوقتى أنا مستعد أطلقها وأخلص من المصيبة اللى ربنا ابتلانى بيها دى
اقتربت "بهيرة" من فراش "جمال" وأمرت الجميع بالخروج للتحدث هى و "جمال" بمفردهما .. خرج الجميع فنظرت الى "جمال" وقالت بصرامة :
- آنى بعرف امنيح انت ليه عيملت اكده يا ولد خوى
صمت "جمال" ولم يرد فأكملت قائله وهى تمعن النظر اليه :
- انت كان بدك تنتجم من "خيري" نفسه .. ولما عرفت انه مات بجيت زى المجنون مستنى أى معلومة عن ولاده .. وأنى متأكده ان فى حدا من عيلة "السمري" بينجلك المعلومات دى .. كنت بتعرف ان "عبد الرحمن" بيدور على ولاد ابنه .. وكنت مستني يظهرله ولد عشان تفتن عنه لعيلة "المنفلوطى" .. لكن اتحسرت لما عرفت ان عنده بنت واحده .. ففكرت بطريجه تانيه للانتجام .. طريجه ترد بيها اللى حوصل زمان .. فوجعت البنية فى روطة وخليت علية "السمري" هما اللى يترجوك تتجوزها .. وانت ما بدك الا الانتجام من "خيري" فيها .. مش اكده يا ولد خوى
ظل "جمال" محتفظاً بصمته فنظرت اليه "بهيرة" بإحتقار قائله :
- مكنتش أعرف ان جواك حقد وغل اكده .. انت جواك سواد كبير يا "جمال" .. والسواد اللى فى جلبك ده عامى بصرك وبصيرتك وهيضيعك لو مافوجتش لنفسك يا ولدى .. النار مبتحرجش غير صاحبها .. فوج لنفسك واتعظ من اللى حصلك .. ده ذنب البنيه المسكينه اللى افتريت عليها وطعنت فى شرفها .. لو ضميرك مفاجش وصحى .. يبجى متلومش الا نفسك لان انتجام ربنا كبير .. ودعوة المظلوم مستجابه .. خاف من مكر الله يا ولدى خاف .. انت لساتك محتاج علاج كتير عشان تجدر تجف على رجلك من جديد .. ويا عالم هتجف ولا لا .. انت محتاج لربنا جمبك .. كيف هتدعى ربنا انه يشفيك وانت ظالم اكده .. كيف بدك ربك يستجيبلك وينجيك من اللى انت فيه وانت ظالم حرمه بتدعى عليك ليل ونهار .. بكررهالك تانى يا ولدى .. دعوة المظلوم مستجابه ومفيش بينها وبين الله حجاب .. هاى البنت ضعيفة ولحالها لكن سلاحها هو دعاها .. والسلاح هاد أقوى من ميت طبنجه وبندقيه .. سلاح فتاك يا ولدى خاف منيه
قالت ذلك ثم خرجت وتركت "جمال" خلفها واجماً شارداً .
****************************************
توقفت سياره فارهه على بداية الشارع المؤدى الى شركة الدعاية .. ما هى إلا لحظات حتى أتت "سهى" من بعيد تتهادى فى خطواتها .. فتحت باب السيارة وركبت والتفتت بجانبها وقالت مبتسمه :
- ازيك يا "سامر"
ابتسم لها قائلاً :
- ازيك انتى يا "سهى
قالت برقه :
- كويسه الحمد لله
انطلق بسيارته ثم التفت اليها متطلعاً اليها بجرأة قائلاً :
- بس ايه القمر ده .. انتى كل مرة أشوفك فيها بتبقى أحلى من المرة اللى قبلها
ضحكت بدلال قائله :
- دى أقل حاجه عندى
صاح بمرح :
- يا جامد انت
ثم قال :
- تحبي نروح سينما .. بقالى كتير أوى مدخلتهاش
قالت مبتسمه :
- مفيش مشكلة .. نروح سينما
توقفا أمام باب السينما يتفحصان الأفلام المعروضة .. قال "سامر" رومانس ولا أكشن ؟
التفتت اليه قائله بدلع :
- رومانس طبعاً مليش فى جو العنف ده
اقترب منها قائلاً :
- أحبك وانت رومانسي .. أنا كمان طالبه معايا رومانسية النهاردة
قطع "سامر" التذاكر ودخلا الى القاعة وجلسا فى مقعدهما .. بدأ عرض الفيلم .. وتشابكت الأيدي ومال بجسده تجاهها ليلتصق بها دون ممانعة منها .
5
**************************************
ساعدت جدة "مريم" فى توضيب أغراض "مريم" فى حقيبتها .. كانت "مريم" تشعر بالحزن والاسى لإضطرارها مغادرة بيت جدها .. اقتربت منها جدتها وعانقتها قائله :
- متجلجيش يا بنيتي مش هنتركك لحالك .. هنيجي نزورك .. ولما الحال يهدي اهنه أكيد هتيجي تزورينا
ترقرقت العبرات فى عين "مريم" وقال :
- مكنتش حابه أسيبكوا .. وياريتنى هرجع أعيش لوحدى .. لأ ده انا هعيش مع واحد معرفوش
قالت جدتها بأسى :
- ربنا يريح جلبك يا بنيتي ويسعد أيامك .. معلش ربنا وكيلك
تمتمت "مريم" :
- ونعم بالله
دخل جدها الغرفة واقترب منها مقبلاً رأسها قائلاً :
- لو احتجتى لأى حاجه اتصلى بينا هكون عندك طوالى .. وآنى كل فترة والتانية هتلاجيني حداكى فى مصر
ابتسمت له "مريم" بتأثر وقالت :
- تسلم يا جدو
عانقها "عبد الرحمن" والدموع تترقق فى عيناه وقال :
- على عيني أتحرم منيكي يا بنيتي .. بس ان شاء الله هتلاجيني حداكى دايماً .. واعرفى ان اهنه ليكي عيلة وعزوه .. وهنكون جمبك دايماً .. وبيتنا مفتوح ليكي فى أى وجت
تساقطت العبرات فى عينيها وهى تتعلق بثيابه كما تعلقت بها من قبل .
**************************************
- يعني ايه اتجوزت يا "مراد" ؟!
هتفت "ناهد" بتلك العبارة فى دهشه وهى تستمع الى خبر زواج ابنها منه عبر الهاتف فقال "مراد" بحنق :
- اللى حصل يا ماما
قالت أمه بحده :
- يعني ايه اللى حصل .. وطالما لقيت عروسه وعجبتك ليه ما قولتليش .. وهو فى حد يكتب كتابه فجأة كده ومن غير خطوبه
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- اللى حصل .. المهم دلوقتى احنا راجعين النهاردة ان شاء الله
قالت "ناهد" بدهشة:
- انتوا مين ؟
- أنا وهى
- ازاى يعني ؟ .. وعمتك ؟
- لا هتفضل هنا شوية
قالت "ناهد" وهى تتنهد بضيق :
- هقولك ايه يعني .. صحيح أنا كان نفسي انك تتجوز النهاردة قبل بكرة .. بس كان نفسي أفرح بيك وأحضر كتب كتابك
صمتت قليلاً ثم قالت مستفهمه :
- كتب كتاب بس مش دخله مش كده ؟
قال "مراد" بعصبيه :
- بقولك يا ماما راجعه معايا
صاحت "ناهد" بغضب :
- وكمان دخله .. ده انت بتستهبل بجد يا "مراد" .. ايه ده عمرى مشوفتش جوازه فى كام يوم .. اهلها ازاى رضيوا بكده .. انت فى حاجه مخبيها عليا ؟
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- لأ مفيش حاجه مخبيها .. وبعدين أهلى وأهلها عارفين بعض كويس .. يعني الموضوع بالنسبه لهم مش غريب .. وبجد مش هعرف أتكلم دلوقتى لانى مشغول جداً .. أنا جاى النهاردة بالليل نبقى نتكلم براحتنا
قالت وهى تحاول اخفاء ضيقها :
- ماشى يا "مراد" .. منتظراك انت وعروستك .. مش عارفه أقولك ايه .. مبروك يا ابنى .. طالما انت مرتاح ومبسوط أنا كمان هبقى مرتاحه ومبسوطه
تنهد قائلاً :
- الله يبارك فيكي
أنهى المكالمة وهو يزفر بضيق .. كان يشعر بغضب شديد لهذا المأذق الذى وجد نفسه بداخله .. وهذا الزواج الذى يرفضه عقله تماماً
********************************************
↚
هتفت "سارة" بدهشة :
- انتى بتتكملى جد يا ماما .. "مراد" اتجوز ؟
قالت "ناهد" بحنق :
- أيوة اتجوز .. وجاى هو ومراته النهاردة
صاحت "نرمين" بغضب :
- واحنا ايه بأه ان شاء الله .. لزمتنا ايه .. هو احنا مش أهله برده .. فى واحد يسافر يومين وفجأة يتصل بأهله فى التليفون يقولهم أنا اتجوزت وراجع أنا وعروستى
قالت "ناهد" بحزم :
- بقولك ايه يا "نرمين" أنا مش عايزه مشاكل .. خلاص هو مرتاح كده خلاص .. "مراد" مش صغير وأدرى بمصلحته .. أهم حاجه انه اتجوز أنا كنت هموت وأشوف اليوم ده
قالت "سارة" بإستغراب :
- بس مش غريبة ان "مراد" يغير رأيه بالسرعة دى ويقرر انه يتجوز
قالت "ناهد" :
- لأ مش غريبة .. لأن أصلاً قبل ما يسافر كان وافق انى أدورله على عروسه
قالت "نرمين" بتهكم :
- عايزه تفهمينى انه راح النجع وشاف واحده ماشيه فى الشارع قام مشى وراها وعرف بيتها واتقدملها واتجوزها
قالت "ناهد" بنفاذ صبر :
- لأ .. "مراد" قالى ان العيلتين عارفه بعض .. تلاقى عمته "بهيرة" هى اللى اختارتهاله وشافها وعجبته واتجوزها
هتفت " نرمين":
- ماما انتى مقتنعه باللى انتى بتقوليه ده .. "مراد" شاف واحده وعجبته واتجوزها كل ده فى أقل من اسبوع .. "مراد" أصلاً مبيقتنعش بأى بنت بسهولة .. وبعد جوازته الأولانيه بأه صعب جداً ومش سهل كده يتجوز فجأة
قالت "ناهد" بنفاذ صبر :
- بقولكوا ايه اللى حصل حصل .. حياته وهو حر فيها
قالت "نرمين" شارده :
- تفتكروا هيعيش معانا هنا ولا هياخدلها بيت لوحدها
نظرت اليها "نرمين" و "ناهد" فى حيرة .. فقالت "ناهد" :
- مش عارفه متكلمناش فى النقطة دى
قالت "نرمين" :
- معتقدش ان "مراد" ممكن يسيبنا عايشين لوحدنا من غير راجل وكمان الفيلا كبيرة
قالت "سارة" بحزن :
- افرضى هى أصرت انه يسيبنا
هتفت "سارة" :
- يعني هو هيروح آخر الدنيا يعني .. ممكن يشوفلها مكان قريب من هنا
قامت "ناهد" قائله :
- الكلام ده سابق لأوانه لما يبقى "مراد" ييجى نبقى نفهم منه هو ناوى على ايه
أوقفتها "نرمين" قائله :
- ماما أنا زى ما قولتلك خارجه النهاردة أجيب اللبس
التفتت اليها "ناهد" وقالت :
- يا بنتى استنى "مراد" أحسن
قالت "نرمين" بحنق :
- يا ماما هو أنا صغيرة .. وبعدين أنا هروح كارفور بس .. مش هلف فى حته تانيه
صمتت "ناهد" فترجتها "نرمين" قائله :
- يا ماما عشان خاطرى أبوس ايدك وافقى .. "مراد" راجع النهاردة بالليل يعني مفيش فرصة أخرج فيها الا النهاردة
قالت "ناهد" محذرة :
- مش عايزه تأخير .. ساعتين بالكتير وتكونى هنا
قالت "نرمين" بحماس :
- متقلقيش وقبل ساعتين كمان
- طيب وخدى العربية بالسواق معاكى
قالت "نرمين" بسرعة :
- لأ لأ مفيش داعى .. هاخد تاكسى عشان لو احتجتى العربية .. يلا سلام طالعه ألبس
غادرت "نرمين" مسرعة قبل أن تترك لأمها فرصة للإعتراض.
***************************************
توقفت سيارة الأجرة أمام أحد المطاعم الراقية .. تلفتت "نرمين" يميناً ويساراً .. ثم أخرجت هاتفها من حقيبتها الصغيرة وهمت بأن تتصل .. سمعت خلفها صوتاً يقول :
- اتأخرتى عليا أوى
التفتت لتفاجأ بـ "حامد" صديق أخيها .. نظرت اليه بدهشة واضطراب فابتسم قائلاً :
- شكلك مصدومة .. ايه مكنتيش متوقعه انه أنا
أخفضت بصرها وقالت بخجل :
- لأ مكنتش متوقعه
همس قائلاً بخبث :
- طيب ايه .. عجبتك ؟ .. مفاجأة حلوة يعني ولا وحشة
شعرت بالإحمرار يغزو وجنتيها ولم تستطع أن تتحدث فقال لها :
- طيب تعالى نتكلم جوه
شعرت بالتوتر الشديد والتفتت يميناً ويساراً خوفاَ من أن يراها أحداً يعرفها .. لمس "حامد" ذراعها بيده ليوجهها داخل المطعم نظرت اليه وجذبت ذراعها بسرعة .. ابتسم قائلاً :
- طيب ادخلى انتى
دخلت "نرمين" وهى تتفحص وجوه رواد المطعم .. اختار "حامد" احدى الطاولات فى احد زوايا المطعم .. كانت تشعر بالتوتر الشديد .. نظر "حامد" اليها وابتسم قائلاً :
- مالك متوتره كده
قالت بصوت مضطرب :
- مفيش .. أصل دى أول مرة أخرج فيه مع واحد
ابتسم ونظر اليها نظرة أشعرها بالخجل وقال :
- أنا مش أى واحد .. خلاص احنا نعتبر مرتبطين .. باقى بس موافقة أخوكى
اقترب النادل فسألها عما تشرب .. ذهب النادل لإحضار ما طلبوا .. فهمس لها "حامد" :
- وحشتيني أوى .. لما وافقتى انك تقابليني مكنتش مصدق نفسي .. تعرفى انى من الصبح من ساعة ما كلمتك وأنا مش عارف أركز فى الشغل
ابتسمت بخجل فقام وجلس على المقعد المجاور لها وقربه منها شعرت بالتوتر فابتسم قائلاً :
- ايه خايفه من ايه احنا فى مكان عام زى ما طلبتى أهو .. والناس حولينا من كل اتجاه .. بس مش حابب أعد بعيد عنك
كانت "نرمين" متوتره للغايه ومشاعرها مضطربة مزيج من السعادة والخوف .. همس اليها :
- ممكن أسمع صوتك .. انتى ما قولتيش حاجه من ساعة ما أعدنا
قالت بصوت خافت :
- أنا مش هتأخر همشى بسرعة .. فقول اللى انت كنت عايز تقولهولى
قرب رأسه منها قائلاً :
- كنت بس عايز أشوف ردك فعلك لما تعرفى أنا مين .. وأتأكد انك موافقة عليا .. عشان محرجش نفسي مع "مراد"
ثم قال :
- ها .. عجبتك ولا لأ ؟
ابتسمت وخفضت بصرها فى خجل .. فابتسم بخبث قائلاً :
- تمام كده السكوت علامة الرضا .. كده خدت موافقتك باقى موافقة أخوكى
رن هاتف "نرمين" فاضطربت ونظرت الى هتفتها وقالت بتوتر :
- دى ماما
قال "حامد" :
- ردى عليها
قالت بتوتر وهى تضع هاتفها فى حقيبتها :
- لأ أنا همشى أحسن
- استنى احنا ملحقناش نعد سوا
نهضت بالفعل وقالت :
- معلش فعلاً مش هينفع أتأخر أكتر من كده
حملت الأكياس التى تحوى الملابس التى اشترتها قبل القدوم الى المطعم .. فغادر "حامد" المطعم معها قائلاً :
- استنى هوقفلك تاكسى .. مع انى نفسي أوصلك بنفسي
قالت بصوت خافت :
- مش هينفع
ابتسم وأمال برأسه اتجاهها قائلاً بخبث :
- بكره كل حاجه هتنفع
أبتعدت عنه .. فأوقف احدى السيارات .. ركبت فى المقعد الخلفى فانحنى على الشباك وابتسم قائلاً :
- طمنينى عليكي لما توصلى
ابتسمت له وأومأت برأسها .. أخرج "حامد" بعض المال ودفع أجرة السائق ولوح لها بيده فنظرت اليها مبتسمه قبل أن تنطلق السيارة .. تابع "حامد" السيارة بعينيه وبمجرد أن رحلت التفت لأحد الرجال الواقفين فى أحد الجوانب أمام المطعم وأخذ منه هاتفه الذى كان ممسكاً به بيده .. أخذ "حامد" يشاهد الصور التى جمعته بـ "نرمين" داخل المطعم وخارجه ثم ابتسم ولمعت عيناه خبثاً وقال :
- قشطة أوى .. تسلم يا باشا نردهالك فى الأفراح
قال له الرجل ضاحكاً :
- انت .. ده انت شيطان .. ربنا يكفينا شرك
نظر اليه "حامد" قائلاً بمرح :
- طيب يلا بينا نشوف أى حته نسهر فيها .. مزاجى حلو أوى النهاردة وعايز أتبسط على الآخر
1
↚
************************************************
- خلى بالك منيها
قالت "بهيرة" هذه العبارة بنبرة حازمة وهى تودع "مراد" أمام سيارته .. فتنهد قائلاً :
- مع السلامة يا عمتو
عانقها مودعاً .. وسلم على "سباعى" قائلاُ :
- أشوفك بخير يا عمو
قال "سباعى" :
- طريج السلامة يا ولدى .. على مهلك وانت سايج .. الله معك
ركب "مراد" سيارته متوجهاً الى بيت "عبد الرحمن" .. فى بيت "عبد الرحمن" وقفت "مريم" تودع جدها وجدتها و "صباح" بأعين دامعه .. ما هى الا دقائق وأوقف "مراد" سيارته أمام الباب .. خرج اليه "عبد الرحمن" ورحب به قائلاً :
- أهلاً يا ولدى اتفضل اتفضل
سلم عليه "مراد" قائلاً بإقتضاب :
- معلش مضطر أمشى دلوقتى
قال له "عبد الرحمن" :
- طيب يا ابنى ثوانى أنادى لـ "مريم"
وقف "مراد" أمام سيارته فى انتظارها .. دخل "عبد الرحمن" الى البيت وحمل حقيبة "مريم" قائلاً :
- يلا يا بنتى .. جوزك بره
شعرت "مريم" بالإضطراب وبالألم يغزو بطنها وينتشر به من فرط التوتر .. قبلت رأس جدتها ويديها قائله :
- هتطمن عليكي بالتليفون دايماً يا تيته .. وان شاء الله فى أقرب وقت هاجى أزورك
قالت جدتها بأعين دامعة :
- ربنا ينورلك طريجك يا ابنيتي .. ويكفيكي شر ولاد الحرام .. مع السلامة يا غالية
خرجت "مريم" تسير خلف جدها .. التفت "مراد" وأسرع بحمل الحقيبة من يد "عبد الرحمن" .. هم بأن يضعها فى شنطة السيارة عندما وقعت عيناه على "مريم" .. تسمر فى مكانه وهو يمعن النظر اليها .. هربت من عيناه ونظرت الى يديها الممسكة بحقيبة يدها .. تعرف عليها "مراد" بمجرد أن رآها .. نعم انها نفس الفتاة التى قابلها أمام المركز الصحى والتى كانت تنظر اليه بإمعان شديد .. وضع الحقيبة فى السيارة فإلتفتت "مريم" تقبل يد جدها قائله بصوت مضطرب :
- مع السلامة يا جدو
قبل "عبد الرحمن" رأسها وقال :
- مع السلامة يا بنيتي .. خلى بالك من نفسك .. ولو احتجتى أيتها حاجه كلميني رقمى معاكى
دخلت "مريم" السيارة بجوار "مراد" وهى تشعر بتوتر لم تشعر به من قبل .. شعرت وكأنها عاجزة عن التنفس فى فرط توترها وهى جالسة الى جواره .. كانت تأخذ نفسها بصعوبة شديدة .. و .. انطلق "مراد" بسيارته بصحبة "مريم" فى طريقه الى القاهرة.
*********************************************
طرقت "سارة" باب غرفة "نرمين" فأذنت لها بالدخول .. وقفت "سارة" بجوار أختها فى الشباك قائله :
- أعده لوحدك ليه
قالت "نرمين" مبتسمه وهى تلعب بخصلات شعرها :
- عادى يعني
قالت "سارة" :
- "مراد" اتصل .. اتحرك على الطريق هو وعروسته
قالت "نرمين" بحده :
- أنا لسه مش مصدقه ان "مراد" اتجوز .. حاجه غريبه جداً .. مش فاهمه ايه سلق البيض ده .. وازاى هنعيش مع واحدة غريبة منعرفهاش
قالت "سارة" بهدوء :
- طالما عجبت "مراد" يبأه هى أكيد بنت كويسه
قالت "نرمين" :
- بقولك ايه متوجعيش دماغى أنا مبسوطة ومش عايزه حاجه تعكنن عليا
نظرت اليها "سارة" بإمعان قائله :
- وايه اللى باسطك كده .. متفرحيني معاكى
قالت "نرمين" بنفاذ صبر :
- "سارة" روحى شوفيلك حاجه اعمليها بعيد عنى
توجهت "سارة" الى الباب قائله :
- انا غلطانه أصلاً انى عبرتك وجيت أعد معاكى
خرجت "سارة" فإرتسمت ابتسامه على شفتى "نرمين" وهى تتذكر مقابلتها لـ "حامد" اليوم .
1
*******************************
ساد الصمت بينهما لأكثر من ساعة .. لم يتفوه أحدهما ببنت شفه .. اختلست "مريم" النظر الى "مراد" فخفق قلبها بشدة .. قالت فى نفسها : يا الله ما أشد الشبه بينهما كأننى أرى "ماجد" أمام عيناى .. بدا وكأن "مراد" الذى كان شارداً انتبه فجأة لوجودها بجواره .. التفت وألقى عليها نظره ثم عاد ونظر أمامه مرة أخرى .. تحدث فجأة قائلاً بحزم :
- ماما واخواتى ميعرفوش بتفاصيل الجوازه دى ولا بالمشاكل اللى حصلت فى النجع .. هنفهمهم ان جوازنا طبيعي .. يعني مش عايز حد فيهم يعرف الوضع بينا
قالت "مريم" وقد شعرت ببعض الراحة :
- هو حضرتك عايش مع مامتك واخواتك ؟
نظر اليها شزراً وقال بإقتضاب :
- أيوة
أخذت تفكر تُرى هل أخواته هو فقط أم أخوات "ماجد" أيضاً .. سألته قائله :
- هما أد ايه ؟
رد بإقتضاب :
- بنتين
ابتسمت فى نفسها .. سألته بإهتمام :
- اخوات حضرتك من نفس الأم والأب ؟
نظر اليها بدهشة وقال بحده :
- ايه السؤال الغريب ده
شعرت "مريم" بالحرج الشديد فتمتمت بخفوت :
- أنا آسفه
نظر "مراد" أمامه وبدا وكأنه يجاهد ليتحكم فى أعصابه .. قال بقسوة :
- مش عايزك تختلطى بيهم ولا تتكلمى معاهم كتير طول فترة وجودك معانا .. دول بنات محترمة ومتربين كويس .. ومش عايز حد يأثر عليهم
شعرت "مريم" بمهانة شديدة .. وبوغز الدموع فى عينيها لكنها تمالكت نفسها سريعاً .. فآخر شئ تريده هو البكاء أمام هذا الرجل القاسي .. ألقى "مراد" نظرة عليها ثم قال ببرود :
- جوزك اتوفى من أد ايه ؟
نظرت اليه بدهشة قائله :
- عرفت منين ؟
قال بسخرية :
- أكيد عرفت فى كتب الكتاب لما جدك ادى قسيمة جوازك وشهادة الوفاة للمأذون
صمت قليلا ثم أعاد سؤاله ببرود :
- مات من أد ايه ؟
شعرت بالحنق لأنه يتدخل فى خصوصياتها .. فقالت بضيق :
- من سنة
ضحك بسخرية قائلاً :
- سنة .. ولحقتى تنسيه وتدورى على غيره
شعرت "مريم" بالمهانة مرة أخرى فإسلوبه لم يكن محتملاً بالنسبة لها .. صكت على أسنانها وكظمت غيظها .. فأكمل "مراد" متهكماً :
- وملقتيش غير الصعيد .. أديكي اتدبستى فى جوازه
لم تتفوه "مريم" بكلمه نظر اليها فوجدها ساكنه هادئه لا تظهر أى من انفعالاتها الداخليه فأغاظه ذلك فأكمل ساخراً بقسوة :
- دلوقتى عرفت ليه كنتى بتبصيلي أوى ومركزة معايا أدام المركز الصحي
خفق قلب "مريم" والتفتت لتنظر اليه .. فتلاقت أعينهما شعرت بأن عيناه كعين الصقر مصوبتان اتجاهها وقال بوقاحه :
- اظاهر ان "جمال" مكنش مكفيكي
فاق ما قاله قدرتها على الإحتمال فصرخت فيه :
- وقف العربية .. بقولك وقف العربية
نظر "مراد" أمامه ببرود دون أن يمتثل لطلبها .. فتحت "مريم" باب السيارة وصرخت قائله :
- لو موقفتش العربية هنزل منها وهى ماشية
صرخ فيها "مراد" بغضب :
- اقفلى الباب ده وبطلى جنان
قالت بإصرار :
- بقولك وقف العربية دلوقتى حالاً يا إما هنزل منها وهى ماشية
ضغط "مراد" على الفرامل بقوة فأصدرت السيارة صوتاً مرعباً .. توقفت السيارة فأسرعت "مريم" بمغادرتها حاملة حقيبة يدها .. مشيت فى الإتجاه العكسي .. فى طريقها الى النجع مرة أخرى .. نظر اليها "مراد" من مرآة السيارة بغضب ثم انطلق بسيارته فى طريقة مرة أخرى .. مشت "مريم" مسرعة وهى تشعر بغضب بالغ .. كان غضبها يعميها على التفكير .. لا تعلم حتى الى أين ستذهب فى هذا الليل الذى قد أسدل أستاره .. وهى وحيده فى هذا الطريق الصحراوى الذى تسمع فيه من بعيد عواء الذئاب .. لكنها لم تعد تبالى بأى شئ لا تبالى أبداً .. سارت عدة أمتار ثم فجأة وجدت سيارة قادمة من الخلف وتقطع عليها الطريق لتتوقف أمامها .. التفتت لترتطم نظراتها بنظرات "مراد" الغاضبة .. ران الصمت عليهما لفترة .. ثم قال "مراد" بلهجة آمرة دون أن ينظر اليها :
- اركبي
↚
ظلت واقفه أمامه وهى فى حيرة من أمرها .. فأعاد ما قال بصوت أكثر قسوة :
- قولتلك اركبي
تنهدت "مريم" بعمق .. ثم لفت حول السيارة وأعادت الجلوس فى معقدها .. أدار "مراد" سيارته وعاد فى اتجاه القاهرة مرة أخرى .. صمت كلاهما .. كانت "مريم" تتنفس بسرعة وقلبها يخفق بإضطراب .. قال "مراد" بصرامة دون أن ينظر اليها :
- اياكى تكرريها تانى
لم تجيبه .. ولم ينتظر رداً .. وأكملا طريقهما فى صمت .. صمت لم يقطعه كلمة من أى منهما .. ولا حتى نظرة .
ال "مراد" بلهجة آمرة دون أن ينظر اليها :
- اركبي
ظلت واقفه أمامه وهى فى حيرة من أمرها .. فأعاد ما قال بصوت أكثر قسوة :
- قولتلك اركبي
تنهدت "مريم" بعمق .. ثم لفت حول السيارة وأعادت الجلوس فى معقدها .. أدار "مراد" سيارته وعاد فى اتجاه القاهرة مرة أخرى .. صمت كلاهما .. كانت "مريم" تتنفس بسرعة وقلبها يخفق بإضطراب .. قال "مراد" بصرامة دون أن ينظر اليها :
- اياكى تكرريها تانى
لم تجيبه .. ولم ينتظر رداً .. وأكملا طريقهما فى صمت .. صمت لم يقطعه كلمة من أى منهما .. ولا حتى نظرة .
بعد عدة ساعات عبرت سيارة "مراد" بوابة الفيلا .. نظرت "مريم" حولها وهى تتطلع الى الفيلا والحديقة فى ظلام الليل .. أخرجت هاتفها واتصلت بجدها قائله :
- أيوة يا جدو .. وصلت الحمد لله
- طيب يا بنيتي طمنتيني .. خلى بالك من نفسك .. ولو احتجتى حاجه كلمينى طوالى
نزل "مراد" من السيارة وأخرج حقيبة "مريم" وحقيبته .. مدت "مريم" يدها لتأخذ منه حقيبتها لكنه لم يلتفت اليها وصعد الدرجات الى باب الفيلا .. لم يحتاج الى اخراج مفتاحه .. فلقد فتحت أمه الباب بمجرد أن سمعت صوت السيارة .. صعدت "مريم" الدرجات خلفه ببطء وهى تشعر بتوتر بالغ .. كعابر سبيل ضل طريقه .. عانقته أمه قائله :
- حمدالله على السلامة يا "مراد" اتأخرتوا أوى كده ليه ؟
قال "مراد" بصوت متعب :
- لا اتأخرنا ولا حاجه يا ماما المسافة كبيرة أصلاً
نظرت "ناهد" خلفه تتطلع الى "مريم" الواقفه أمام الباب .. ابتسمت اليها قائله :
- أهلاً بيكِ .. ألف مبروك
اومأت "مريم" برأسها وقالت بتوتر بالغ :
- أهلا بحضرتك
أشارت"ناهد" بيدها قائله :
- اتفضلى ادخلى
دخلت "مريم" وهى تشعر بالإضطراب وقفت بجوارهما وهى لا تدرى ماذا تفعل وماذا تقول .. تفحصتها "ناهد" ثم رسمت ابتسامه على شفتيها قائله :
- زمانكوا تعبانين من السفر يلا اطلعوا ارتاحوا
أشار لها "مراد بإتجاه السلم الداخلى قائلاً:
- اتفضلى
صعدت "مريم" معه وهى واثقه كل الثقه أنه لم يبقى الا لحظات وتقفد وعيها من فرط التوتر .. كانت فى موقف لا تُحسد عليه .. متزوجة من رجل لا تريده ولا يريدها .. لا تطيقه ولا يطيقها .. ومرغمة على البقاء معه فى غرفته .. وليس هذا فحسب بل مطلوب منها أيضاً تمثيل دور العروس الجديدة أما أمه وأخواته .. فتح "مراد" باب الغرف وسبقها فى الدخول .. وقفت أمام الباب فالتفت اليها قائلاً بنفاذ صبر :
- ادخلى واقفلى الباب .. ماما زمانها طالعه أوضتها دلوقتى
دخلت "مريم" وأغلقت الباب .. تفحصت الغرفة بنظرة سريعة .. كانت تتسم بالطابع الذكوري .. لا يوجد بها أى لمسه أنثويه .. شعرت بحرج بالغ واشتعلت وجنتيها خجلاً ظلت واقفة أمام الباب المغلق تمسك حقيبة يدها بتوتر .. وضع "مراد" الحقائب بجوار الدولاب ثم التفت اليها متفحصاً اياها ثم قال بسخريه :
- اللى يشوف كده يقول أول مرة تدخل أوضة راجل
شعرت "مريم" بالخجل والحنق الشديد .. لكنه لم يكتفى ولن يكتفى .. اقترب منها ناظراً اليها بتهكم قائلاً بوقاحه :
- آه صحيح نسيت انك بتفضلى البيوت اللى لسه بتتبنى جديد
رفعت "مريم" رأسها ونظرت اليه بشراسة كقطة برية تهم بالإنقضاض على فريستها لتلتهمها وقالت بغضب :
- كفاية بأه .. كفاية اهانة .. مش هسمحلك تهنى أكتر من كده
قال "مراد" بعنف :
- انتى اللى أهنتى نفسك .. واحدة زيك لا عندها دين ولا أخلاق المفروض تتكسف من نفسها مش ترد ببجاحه
قالت بحده وهى تنظر اليه بغضب :
- أنا معملتش حاجه غلط عشان أتكسف منها اللى المفروض يتكسف من نفسه هو ابن عمك الغير محترم .. وأهو ربنا خدلى حقى منه ومرمى دلوقتى فى المستشفى لان دعوة المظلوم مستجابة وابن عمك افترى عليا وظلمنى
نظر اليها "مراد" بشك وهو يستمع الى كلماتها فأكملت بحزم وصرامة :
- لو جبت سيرتى على لسانك تانى بأى كلمة تمس شرفى اتأكد ساعتها انى هدعى عليك زى ما بدعى عليه بالظبط
صمت "مراد" وهو ينظر اليها متفحصاً ثم قال ببرود :
- الحاجه الوحيدة اللى عايزها منك انك تفضلى بعيده عنى
قالت بعنف :
- ومين قالك انى عايزة أقرب منك أصلاً .. أنا مجبرة على الجوازة دى زى ما انت مجبر عليها بالظبط
نظر اليها قليلاُ ثم توجه الى فراشه وأخذ وسادة وغطاء وألقاهم على الأريكة الموجود فى الغرفة ونظر اليها قائلاً ببرود :
- هتنامى هنا
شعرت "مريم" بالمهانه .. آخر ما كانت تريده هو النوم بجواره لكن إشارته لذلك بتلك الطريقة جعلها تشعر بالمهانه .. أكمل قائلاً :
- وزى ما فهمتك لا عايز أمى ولا اخواتى يعرفوا حاجه عن الوضع بينا لحد ما عمتو تيجى ونشوف حل للمصيبة دى
صمتت فقال وهو يغادر الغرفة :
- فى حمام فى الأوضة ادخلى غيري هدومك لان أكيد ماما هتطلعلك دلوقتى
قال ذلك ثم خرج و أغلق الباب خلفه دون أن ينتظر ردها .. تنهدت "مريم" بأسى وتوجهت الى الأريكة وجلست عليها وهى شاردة وعلامات الحزن على وجهها .. نظرت الى ساعتها فعلت أنه لم يبقى الا نصف ساعة على آذان الفجر فأسندت ظهرها وجلست تنتظر ميعاد الصلاة
نزل "مراد" للأسفل فوجد والدته تهم بالصعود وهى تقول له :
- سايب عروستك ونازل ليه
قال بنفاذ صبر :
- رايح أجيب حاجه من العربية .. انتى منمتيش ليه
قالت أمه بعتاب :
- يعني أسيب البنت تنام من غير عشا فى أول ليلة ليها هنا .. تقول علينا ايه
أومأ "مراد" برأسه فقالت "ناهد" وهى تصعد :
- أنا قولت لدادة "أمينة" تحضرلكم العشا وتطلعه أوضتك وهروح دلوقتى أطمن عليها قبل ما أنام ..خرج "مراد" وتوجه الى سيارته وجلس أمام المقود وهو يزفر بضيق .. رفع نظره الى شرفة غرفته التى أصبحت محتلة.
طرقت "ناهد" باب غرفة "مريم" .. فنهضت "مريم" بتوتر وفتحت الباب .. ابتسمت "ناهد" قائله :
- خفت تكونى نمتى
ابتسمت "مريم" بصعوبة وقالت :
- لا لسه
نظرت الي ملابسها وقالت :
- ولا حتى غيرتى هدومك
صمتت "مريم" فقالت "ناهد" :
- أنا معرفتش اسمك
- "مريم"
- وأنا "ناهد" مامة "مراد" طبعاً .. و "سارة" و "نرمين" كان نفسهم يشوفوكى بس للأسف اتاخرتوا أوى وهما ناموا .. الصبح ان شاء الله تتعرفوا على بعض
أومأت "مريم" برأسها فقالت "ناهد" قبل أن تغادر :
- دادة أمينة هتحضر العشا وتطلعلك بيه .. تصبحى على خير يا "مريم" أشوفك الصبح
تمتم "مريم" بضعف :
- وحضرتك من أهل الخير
أغلقت الباب وعادت الى مكانها على الأريكة .. أذن الفجر فنهضت وتوجهت الى الحمام وتوضأت .. احتارت كيف يكون اتجاه القبلة .. لامت نفسها لأنها لم تسأل "ناهد" .. شعرت بالضيق والحنق .. لحظات وسمعت طرقات على الباب .. ظنت أنه "مراد" فارتدت حجابها لتخفى شعرها .. فتحت لتجد امرأة بسيطة يبدو عليها الطيبة ابتسمت ببشاشه وهى تدخل الغرفة قائلاً :
- أهلا وسهلاً بالغالية مراة الغالى .. نورتى بيتك
نظرت اليها "مريم" وهى تضع الطعام على احدى الطاولات الصغيرة .. فالتفتت لها المرأة وقالت ببشاشه :
- أنا دادة "أمينة" .. أنا اللى مربية سي "مراد" من وهو صغير .. بس واعى تفتكريني عجوزة لا أنا لسه شباب برده
ابتسمت "مريم" لتلك السيدة الطيبة .. فقالت "أمينة" :
- أسيبك بأه ترتاحى وتتعشى
همت بالخروج فأوقفتها "مريم" قائله :
- بعد اذنك ممكن تعرفيني اتجاة القبلة
أرتها "أمينة" الإتجاة الصحيح وتركتها لتصلى الفجر .. وجدت "مريم" نفسها تبكى كثيراً فى السجود وهى تتضرع اللى الله عز وجل أن يحفظها ويقدر لها الخير ويصرف عنها السوء وينتقم ممن ظلمها وافترى عليها .. أنهى "مراد" صلاته فى المسجد القريب وأعاد أدراجه الى الفيلا وهو واجماً .. رفع نظره الى شرفة غرفته ليجد الضوء ما زال مضاءاً .. زفر بضيق وحنق .. طرق الباب عدة طرقات همت بأن تقوم لفتحه لكنه فتحه ببطء .. دخل وألقى نظرة على الطعام الذى لم تمسسه .. ثم توجه الى شرفة غرفته .. كانت "مريم" تشعر بالإرهاق وبالتعب الشديد .. ولكنها خجلت من أن تنام أمام أعين هذا الرجل الغريب .. أسندت رأسها على ذراع الأريكة وظلت تقاوم النعاس الى أن غلبها .. وقف "مراد" فى الشرفة وهو يشعر بالغضب والضيق .. كان الزواج هو آخر ما يريده .. خاصة ان كان زواج بهذه الطريقة .. زواج لانقاذ الموقف .. زواج من فتاة بعيدة كل البعد عن طباعه وأخلاقه .. أكثر ما يشعره بالضيق هو اضطراره الى مشاركتها غرفته .. عالمه الخاص .. الذى يشعر فيه بالراحة والسكينة بعيداً عن اعين الناس .. هذا المكان الوحيد الذى يظهر فيه عجزه واعاقته لأنه بمفرده لا يتطلع عليه أحد .. لا يرمقه فيه أحد بنظرات الشفقة او السخرية .. هو أمام الناس شخص كامل لا فرق بينه وبين أى رجل غيره .. يسير ويتحرك بطريقة طبيعية .. لكنه بينه وبين نفسه يشعر بنقصه .. وبإعاقته .. وبذلك الفراغ فى قدمه اليمنى .. ولا يدع أحداً أبداً مهما كان أن يراه بدون ساقه الصناعية .. وبالتأكيد فآخر ما يريده هو أن يظهر اعاقته أمام تلك الفتاة الغريبة التى تشاركه غرفته رغماً عنه .. قضى ليلته على أحد المقاعد فى الشرفة .. الى أن لاح نور الصباح.
*********************************************
- شكلها ايه يا ماما ؟
نطقت "سارة" هذه العبارة وهى جالسه مع أمها وأختها فى احدى شرف المنزل .. قالت "ناهد" وهى تحتسي من فنجان الشاى فى يدها :
- بنت عادية .. هادية.. ملحقناش نتكلم كتير عشان أكون انطباع عنها
سألت "نرمين" قائله :
- "مراد" ماقالكيش هسيب البيت ولا لأ
قالت "ناهد" :
- لأ طبعاً ملحقناش نتكلم فى حاجه
ثم زفرت بضيق :
- كنت حسه بإحساس بشع وانا بسألها عن اسمها .. عروسة ابنى ومعرفش حتى اسمها
قالت "نرمين" بحده :
- سي "مراد" هو السبب .. حد يعمل عملته دى .. ولا كأن له أهل
نظرت اليها "ناهد" محذره اياها :
- "نرمين" مش عايزين مشاكل من أولها .. أنا ما صدقت ان "مراد" اتجوز .. مش عايزه أى حاجة تعكرله مزاجه فاهمة
قالت "نرمين" بتبرم :
- طيب أنا مالى هو أنا اللى اتجوزت ولا هو .. هو حر
استيقظ "مراد" على ضوء الشمس الذى يلفح وجهه .. اعتدل فى الجلوس وهو يشعر بألام بالغة فى ظهره .. نهض ودخل الغرفة فوقع نظره على "مريم" النائمة بكامل ثيابها على ذراع الأريكة .. فتح الدولاب وأخرج ملابسه وتوجه الى الحمام .. استيقظت "مريم" على صوت الدش .. قامت فزعة تنظر حولها بإستغراب وهى تتساءل أين هى .. ثم تذكرت فتنهدت بأسى .. توجهت الى حقيبتها التى وضعها "مراد" بالأمس بجوار الدولاب وأخرجت ملابسها وانتظرت خروجه .. خرج "مراد" وهو يرتدى حلة أنيقة .. تلاقت نظراتهما فى صمت ثم توجه الى باب الغرفة مغادراً اياها .
↚
استقبلته "سارة" بالأسفل قائله بإبتسامه :
- حمدالله على السلامة يا أبيه والف مبروك
قالت "نرمين" :
- مبروك يا أبيه
رد "مراد" بإقتضاب :
- الله يبارك فيكم
قالت "ناهد" مبتسمه :
- أمال فين عروستك
قال وهو عابس :
- نازله كمان شوية
ابتسمت "ناهد" قائله :
- توقعت انك تتأخر فى النوم رجعتوا امبارح متأخر بعد سفر طويل
قال "مراد" وهو ينظر الى ساعته ويهم بالإنصراف :
- لا مضطر أخرج عشان عندى شغل
هتفت "ناهد" بدهشة :
- شغل ايه يا "مراد" .. ده انت مبقالكش يومين متجوز
قال "مراد" بضيق :
- وأقول للعملا ايه يعني معلش استنونى أصلى عريس جديد
قالت "ناهد" بضيق :
- يعني هتسيب عروستك وتنزل الشغل
قال وهو ينصرف :
- هى عارفه طبيعة شغلى متشغليش بالك .. مع السلامة
زفرت "ناهد" بضيق واستغرقت فى التفكير .. قالت "نرمين" بسخرية :
- وأنا اللى كنت فاكرة الجواز هيغيره .. لا الحمد لله كده اطمنت عليه
قالت "سارة" بإستغراب :
- ده غريب أوى .. ده حتى مش باين عليه انه مبسوط
قالت "ناهد" بشرود :
- يا خوفى يكون اتجوزها بس عشان يخلص من زنى عليه فى موضوع الجواز .. لو عمل كده يبقى بيظلم نفسه وبيظلمها معاه
نهضت وقالت وهى تغادر :
- أما أطلع أشوفها
خرجت "مريم" من الحمام لتسمع طرقات "ناهد" على الباب وهى تقول :
- "مريم" انتى صاحية ؟
قامت بسرعة بوضع الغطاء والوسادة فوق السرير وفتحت الباب .. ابتسمت لها "ناهد" قائله :
- صباح الخير
ابتسمت "مريم" :
- صباح النور
نظرت "ناهد" الى الطعام الذى لم يمسسه أحد وقالت بعتاب :
- ايه ده مكلتيش ليه يا "مريم"
- معلش مكنتش جعانه
- طيب يا حبيبتى انزلى يلا عشان نفطر سوا
أومأت "مريم" برأسها .. خرجت خلفها وتوجهت للأسفل .. قامت الفتاتان لاستقبالها .. ابتسمت لها "سارة" مرحبه :
- أهلا بيكي يا "مريم" ألف مبروك
قالت "نرمين" وهى تتفحصها :
- مبروك يا "مريم"
ابتسمت "مريم" وأومأت برأسها .. التف الجميع حول طاولة الطعام .. نظرت "مريم" الى الفتاتان فى محاولة ايجاد تشابه بينهما وبين "ماجد" .. قالت "ناهد" :
- مبتكليش ليه يا "مريم"
التفتت اليها "مريم" قائله :
- باكل يا طنط
قالت "ناهد" وهى تمعن النظر اليها :
- معلش هو "مراد" كدة بيحب شغله جداً وعلى طول مشغول .. فمتضايقيش انه سابك وراح الشغل
ابتسمت "مريم" فى نفسها بسخريه والتفتت الى المرأة قائله :
- لا أبداً أنا مقدره ان عنده شغل
ابتسمت "سارة" وقالت :
- شكلك عاقلة أوى أنا لو منك كنت زعلت
قالت "نرمين" وهى تتفحص "مريم" بنظراتها :
- أنا بأه لو منك كنت قومت الدنيا ما أعدتهاش
التفتت "ناهد" الى الفتاتان قائله :
- فى ايه يا بنات .. عندكوا كلمة حلوة قولوها .. مفيش يبقى اسكتوا
التفتت "ناهد" الى "مريم" قائله :
- برافو يا "مريم" الراجل يحب الست العاقلة اللى بتقدر ظروفه .. ربنا يبارك فيكي يا بنتى
ثم نظرت "ناهد" شزراً الى الفتاتان فأكملا طعامهما فى صمت
**********************************
توجه "مراد" الى شركته وانغمس فى عمله ليصرف تفكيره عن تلك الفتاة القابعة فى عقر داره والتى تحمل اسمه رغماً عنه .. فى منتصف اليوم سمع طرقات على الباب ثم انفتح الباب ليدخل "طارق" هاتفاً :
- ايه ده يا "مراد" يعني أعرف من بره انك جيت .. مهنش عليك تديني تليفون حتى
قام "مراد" وسلم عليه قائلاً :
- معلش يا "طارق" رجعت امبارح الفجر وأول ما جيت الشركة اتلخمت فى الشغل
جلس "طارق" قبالته وقال :
- ايه التأخير ده كله من قولت يومين وهترجع
زفر "مراد" بضيق وألقى القلم من يده بعصبيه .. نظر اليه "طارق" متفحصاً وقال :
- مالك فى ايه يا "مراد"
تنهد "مراد" بضيق وقال :
- وقعت فى مصيبة يا "طارق"
قال "طارق" بهلع :
- مصيبة ايه يا "مراد"
نظر اليه "مراد" قائلاً بحده :
- اتجوزت
نظر اليه "طارق" بدهشة مردداً :
- اتجوزت !
قال "مراد" بعصبية :
- أيوة .. اتجوزت جوازه ما يعلم بيها الا ربنا
قال له "طارق" بإستغراب :
- احكيلي يا "مراد" مش فاهم حاجه
تنهد "مراد" وقال بحده :
- اختصار الكلام كان فى مشاكل بين عيلتى وعيلتها وتار ودم وقتل والحل الوحيد كان جوازى منها
قال "طارق" بدهشة :
- وبعدين؟
قال "مراد" بحنق :
- وبعدين ايه هو أنا بحكى حدوته .. جبتها معايا هنا لحد ما عمتى ترجع من الصعيد وتشوفلى حل فى المشكلة دى هى قالتلى الوضع ده مش هيستمر كتير .. وهى لو متصرفتش أنا اللى هتصرف .. أنا معنديش استعداد أبداً استمر فى جوازه بالطريقة دى
قاطعهم طرقات السكرتيرة على الباب ودلفت تقول :
- أستاذ "سامر" بره وعايز يقابل حضرتك يا فندم
- خليه يتفضل
دخل "سامر "وسلم على الرجلين ثم جلس قبالتهما قائلاً :
- ايه يا جماعة الشغل متعطل ليه كل ده
قال "مراد" معتذراً :
- معلش يا "سامر" كنت مسافر
قال "سامر" بضيق :
- المشكلة ان التأخير ده عملنا مشاكل جامده
قال "مراد" بإهتمام :
- ايه اللى حصل ؟
قال "سامر" بغضب :
- الزفت اللى اسمه "حامد" .. سرق كل الشغل اللى كنا عاملينه .. اللوجو والبروشورز وكل حاجه وغير بس اسم الشركة وسماها بإسم شركته ودخل شريك مع اتنين رجال أعمال وبينفذ نفس مشروعنا
صاح "طارق" بغضب :
- ابن التيييييييييت
زفر "مراد" قائلاً :
- أهو ده اللى كان ناقص
قال "سامر" :
- طبعاً هنتعطل تانى لحد ما الشغل ده كله يتعمل من أول وجديد يعني مش أقل من اسبوعين
التفت "مراد" الى "طارق" قائله :
- حالا يا "طارق" تكلم شركة الدعاية يبدأوا الشغل من جديد وهعد أنا وانت نشوف التفاصيل الجديدة وتبلغهالهم
قال "طارق" بيأس :
- الديزاينر بتاعة حملتنا مختفية
قال "مراد" بحده :
- يعني ايه مختفية ؟
- يعني محدش عارف يوصلها ولا حتى صاحبتها .. تليفونها مقفول ومبتدخلش ايميل الشركة
قال "سامر" بسرعة :
- خلاص نشوف حد غيرها
قال "مراد" و "طارق" فى نفس واحد :
- لأ
مع اختلاف أسباب كل منهما .. نظر اليهما "سامر" قائلاً :
- ليه لأ
قال "مراد" شارحاً :
- الشغل اللى سرقه "حامد" مننا كان ممتاز وأنا عايز شغل فى نفس المستوى وأعلى كمان .. ومفيش ديزاينر غيرها بيطلعلى شغل مظبوط كده زى ما أنا عايز بالظبط .. ده غير انها بتنجز الشغل فى وقت قياسي واحنا أى تأخير مش فى صالحنا أبداً
قال "طارق" مؤكدا كلام "مراد" :
- معاك يا "مراد" فى كلامك وأنا هوصلها متقلقش
خرج "طارق" و تركهما .. كان "مراد" يغلى من الغضب لفعلة "حامد" الخاليه من الأخلاق .. والتى ستتسبب فى تعطيل أعمالهم .
2
*******************************************
كانت "مريم" تتمشى فى حديقة الفيلا بمفردها .. كانت الطبيعة حولها ساحرة خلابة جلست على أحد المقاعد تتأمل الخضرة حولها .. ظلت ساكنه فى مكانها لفترة طويلة .. سرقها الوقت فهى معتاه على البقاء بمفردها دائماً .. سمعت صوتاُ خلفها يقول :
- أعدة لوحدك ليه .. دورت عليكي كتير
التفتت "مريم" الى "سارة" قائله بحرج :
- معلش محستش بنفسي
جلست "سارة" بجوارها وقالت مبتسمه :
- ولا يهمك .. أنا كمان بحب أعد فى الجنينة هنا وبنفسي نفسي فيها .. بحب الهدوء زيك
نظرت اليها "مريم" قائله بإهتمام :
- انتوا التلاته اخوات من نفس الأم والأب ؟
نظرت اليها "سارة" بإستغراب قائله :
- أيوة
قالت "مريم" بلهفة :
- يعني اسمك "سارة خيري الهواري" .. و"نرمين" كمان ؟
قالت "سارة" وهى مازالت تشعر بالدهشة :
- أيوة
نظرت اليها "مريم" بتأثر شديد .. لم تصدق أنها جالسه مع أخت "ماجد" .. جزء منه .. أقرب الأشخاص فى هذا الكون اليه .. اغرورقت عيناها بالعبرات رغماً عنها .. قالت لها "سارة" بدهشة :
- "مريم" انتى بتعيطى ليه
نظرت اليها "مريم" بشوق وكأنها ترى "ماجد" أمامها وقالت وهى تحاول التحكم فى بكائها :
- مفيش .. حسه بس ان فى ناس وحشونى
ابتسمت "سارة" بحزن قائله :
- تقصدى أهلك
↚
قالت لها "مريم" والعبرات تتساقط من عينيها :
- دول أكتر من أهلى .. دول جزء منى .. وحشونى أوى .. حسه انى محتجالهم أوى جمبي .. حسه انى ضايعة من غيرهم .. بجد وحشونى أوى
كانت تقصد "ماجد" بكلامها .. بثت ما فى نفسها من كلمات محبوسة داخل صدرها .. أجهشت فى البكاء وتعالت شهقاتها .. تركتها "سارة" تفرغ ما بداخلها من شحنات عاطفية .. اقتربت منها وربتت على كتفها وقالت برقة :
- متقلقيش احنا برده خلاص نعتبر أهلك .. وانا و "نرمين" اخواتك .. مش كده ولا ايه
توقفت "مريم" عن البكاء ونظرت الى "سارة" وقالت بحنان :
- انتوا أكتر من اخواتى يا "سارة"
ابتسمت "سارة" قائله :
- خلاص يبقى متعيطيش طالما هتعتبرينا اخواتك
ابتسمت "مريم" وهى تمسح دموعها وتنظر الى "سارة" لا تريد مفارقتها .. كانت تشعر بسعادة بالغة وهى جالسه معها تنظر اليها .. لأنها أخته .. أخت "ماجد" .
2
******************************************
- "سامر" قولتلك ميت مرة أنا مبروحش بيت حد
قال "سامر" بضيق وهو يوقف سيارته على جانب الطريق :
- ليه يا "سهى" .. ايه المشكلة يعنى .. ايه الفرق بين البيت وأى مكان تانى بنعد فيه مع بعض
قالت "سهى" بحده :
- ازاى يعنى ايه الفرق .. طبعا فى فرق .. ازاى يعني أدخل بيتك كده .. وبأى صفه وكمان هتقول لأهلك ايه
قال "سامر" بنفاذ صبر :
- أنا أصلا مش آعد مع أهلى أنا ليا شقة منفصله فى عمارة بابا
قالت "سهى" بضيق :
- وكمان عايزنى أروح شقتك اللى آعد فيها لوحدك
التفت اليها "سامر" قائلاً :
- "سهى" .. انتى مبتحبنيش يا "سهى"
اغرورقت عيناها بالعبرات وقالت :
- والله العظيم بحبك يا "سامر" بس مش عايزة أعمل حاجه غلط
قال "سامر" برقه مقترباً منها :
- يا حبيبتى هو فين الغط ده .. ايه المشكلة يعني لما نعد نتكلم شوية .. اعتبرى نفسك فى أى مكان تانى مش فى البيت .. وأعدين بنتكلم زى ما بنتكلم فى أى كافى .. الفرق بس اننا هنكون على راحتنا ومحدش يضايقنا ويرخم علينا زى ما حصل آخر مرة
قالت "سهى" بعتاب :
- ما آخر مرة فعلاً زودناها يا "سامر" وكان شكلنا مش لطيف
قال "سامر" ببرود :
- والله أنا محدش له حاجه عندى .. اللى ليه حاجه ياخدها .. أنا وحبيبتى حرين مع بعض محدش يقولى يصح وميصحش
ثم أمسك يدها مقبلاً اياها وقال :
- مش انتى برده حبيبتى
ابتسمت قائله :
- طبعا يا "سامر" وانت كمان حبيبى
اقترب منها مقبلاً اياها .. وجدا فجأة طرقات على زجاج السيارة وأحد الرجال يصيح :
- اتقوا الله دى حتى لو مراتك ميصحش كدة فى الشارع
ثم رحل الرجل وهو يتمتم فى غضب .. فإغتاظ "سامر" وصاح :
- راجل قليل الأدب صحيح وهو ماله هو أعمل اللى يعجبنى
قالت "سهى" بتوتر :
- طيب يلا يا "سامر" نمشى من هنا أحسن
التفت اليها قائلاً بغضب :
- عرفتى بأه قولتلك ليه نروح البيت أحسن .. عشان الأشكال المتخلفة دى
ثم انطلق بسيارته فى ضيق.
2
********************************************
دخل "سباعى" الى غرفة "بهيرة" للإطمئنان عليها فوجدها ساكنة شاردة فقال :
- كيفك دلوجيت يا بنت بوى
التفتت اليه قائله بضعف :
- امنيحه يا "سباعى"
جلس على المقعد بجوار الفراش قائلاً :
- مالك يا "بهيرة" مش عجبانى واصل
تنهدت "بهيرة" فى أسى وقالت :
- حيرانه يا "سباعى" حيرانه .. معرفش أعمل اييه .. أخبر "مراد" بكل حاجه ولا أسيبه اكده ميعرفش حاجه واصل
قال "سباعى" بحده :
- انتى ليه بتدورى على المشاكل يا "بهيرة" ليه عايزه تفتحى فى الدفاتر الجديمة
قالت "بهيرة" بحده :
- "مريم" كانت مرت "ماجد" يا "سباعى" .. "ماجد" أخو "مراد"
صاح "سباعى" بدهشة :
- بتجولى اييه ؟ .. مرته
قالت "بهيرة" بحزن :
- ايوة كانت مرته .. ومات من سنة .. كان مرضان ومات
قال "سباعى" بأسى :
- لا حول ولا قوة الا بالله .. ربنا يرحمه هو وأبوه
التفت الى "بهيرة" وسأل بإهتمام :
- و "زهرة" لساتها عايشه
نظرت اليه قائله :
- مخبرش .. آنى معرفتش أتكلم معها امنيح .. مستنية الدنيا تهدى اهنه وبعدين أسافرلها وأفهم منها كل حاجه .. وساعتها هقرر أذا كنت هجول لـ "مراد" كل حاجة ولا لأ
صمتت قليلاً ثم قالت وهى شارده :
- "مريم" في يدها الخيوط كلياتها .. وهى الوحيدة اللى تجدر توصلهم ببعض
********************************************
كانت "مريم" جالسه مع "سارة" و "ناهد" فى غرفة المعيشة يتبادلون المزاح والضحكات .. أقبلت "نرمين" وجلست معهم فالتفتت اليها "مريم" مبتسمه :
- انتى عندك كام سنة يا "نرمين"
قالت "نرمين" بلا مبالاة :
- 22 سنة
ابتسمت "مريم" بحزن وقالت :
- لو أختى الله يرحمها كانت لسه عايشة كانت هتكون أدك بالظبط
نظرت اليها "ناهد" بحنان قائله :
- حبيبتى انتى اختك اتوفت
نظرت اليها "مريم" وقالت بإبتسامه حزينه :
- أيوة اتوفت فى حادثة
ثم قالت :
- مع ماما وبابا
قالت "ناهد" بأسى وقد ظهر عليها التأثر :
- لا حول ولا قوة الا بالله .. ربنا يصبرك
قالت "سارة" وقد شعرت بالحزن لأجلها :
- الله يرحمهم يا "مريم"
ابتسمت لهم "مريم" قائله :
- اللهم آمين
قالت "نرمين" وهى تعبث بهاتفها :
- قوليلنا بأه عرفتى "مراد" ازاى واتجوزتوا بالسرعة دى ازاى
بلعت "مريم" ريقها وقد شعرت بالإضطراب قالت بخفوت :
- العيلتين عارفين بعض وهما اللى رتبوا الجوازه
قالت "نرمين" بسخرية وهى تنظر اليها :
- يعني مشفتوش بعض ولا أعجبتوا ببعض قبل الجواز
قالت "مريم" بإرتباك :
- لأ شوفنا بعض مرة
قالت "نرمين" بشك :
- مرة واحدة بس ؟ .. ومن مرة عرفتى ان "مراد" هو فتى أحلامك و "مراد" عرف انك فتاة أحلامه
نظرت اليها "ناهد" بعتاب قائله :
- "نرمين"
قالت "مريم" مبتسمه بتوتر :
- نصيب .. ربنا قدرلنا كده
نظرت "نرمين" الى هاتفها الذى يضئ ويطفئ فى صمت وقالت بلهفه :
- بعد اذنكوا
صعدت "نرمين" الى غرفتها وأغلقت الباب وردت برقه ممزوجه بالخجل :
- ألو
- وحشتيني
ابتسمت قائله :
- ما انت لسه شايفنى امبارح
- ونفسي أشوفك كل يوم وكل ساعة
صمتت فقال :
- "نرمين" عايز أشوفك تانى
- مش هينفع
- ليه مش هينفع امبارح ملحقتش أعد معاكى سبتيني ومشيتي على طول
قالت بأسف :
- أنا أسفة اضطريت أمشى بسرعة عشان متأخرش
- لو ليا غلاوة عندك عايز أشوفك
- قولتلك مش هينفع
- طيب اقفلى عشان هبعتلك هدية على موبايلك
قالت "نرمين" بشك :
- هدية ايه
- اقفلى بس وهى توصلك
أنهت المكالمة .. لحظات وسمعت صوت نغمة الرسائل .. لاحت ابتسامه صغيره على شفتيها عندما رأت صورة لـ "حامد" ومكتوب تحتها "عشان أفضل معاكى على طول" .. كانت تشعر بسعادة غامرة .. وضعت الصورة فى أحد الملفات بالموبايل وأغلقته بباسوورد .. ونزلت الى الأسفل وكأن شيئاً لم يكن .
***********************************
عاد "مراد" الى البيت فى المساء .. فتح الباب وأرهف أذنيه فلم يسمع صوتاً .. لحظات وتعالت الضحكات من غرفة المعيشة .. أخذته قدماه الى هناك وأخذ يتطلع الى "مريم" و "سارة" الجالستان على أرض الغرفة وأمامهما لعبة بازل يحاولان جمعها .. كانتا منهمكتان فلم تلاحظان دخوله .. قال بصوت رخيم :
- مساء الخير
شعرت "مريم" بالفزع مبجرد أن رأته أمامها وهبت واقفه .. نظرت الى حجابها الملقى على الأريكة ودت لو امتدت له يداها لتغطى به رأسها .. لكنها لم تكن لتفعل ذلك تحت أنظار "سارة" حتى لا تثير شكوكها .. وعلى الرغم من احتشام ملابسها إلا أنها شعرت بدون حجابها وكأنها عاريه .. قالت "سارة" وهى ماتزال جالسه فى وضعها :
- مساء النور يا أبيه
قال "مراد" لـ "سارة" بهدوء :
- فين ماما و "نرمين"
قالت "سارة" مبتسمه :
- ماما فى المطبخ و "نرمين" فى أوضتها كالعادة
أومأ برأسه ثم غادر متجاهلاً "مريم" تماماً .. شعرت "مريم" بالتوتر .. قالت "سارة" :
- لو عايزة تطلعيله اطلعى ونبقى نكمل بعدين
التفتت اليها "مريم" ورسمت ابتسامة على شفتيها قائله :
- لأ هو أكيد هيغير هدومة وينزل .. تعالى نكمل
جلست بجوارها مرة أخرى .. لكن هيهات .. فالشعور بالمرح انتهى بمجرد أن رأته أمامها.
↚
********************************
توجه "مراد" الى غرفته وأخذ شاور وغير ملابسه .. تطلع الى حقيبة "مريم" التى مازالت بجوار الدولاب .. نزل ليتقابل مع والدته فى آخر السلم ابتسمت قائله :
- "مراد" انت جيت امتى
قبلها قائلاً :
- من شوية
ابتسمت قائله بمرح :
- طيب كويس تعالى احنا لسه متعشيناش .. تعالى نتعشى كلنا سوا
دخلا غرفة المعيشة فوجد "مريم" جالسه كما كانت بجوار "سارة" لكنها هذه المرة مرتدية حجابها .. قالت لها "ناهد" :
- يا حبيبتى قولتك مفيش راجل غريب هنا .. حتى كل اللى بيشتغلوا هنا ستات "مراد" مبيخليش راجل يدخل هنا خالص
شعرت "مريم" بالتوتر ورسمت ابتسامة على شفتيها قائله :
- لأ أنا لبسته عشان حسيت بالبرد وكسلت أطلع أجيب حاجه ألبسها
نادت "ناهد" الخادمة لتحضر شالاً من غرفتها لـ "مريم" .. أحضرت الخادمة الشال .. ألبستها اياه قائله بإبتسامه :
- لو لسه بردانه روحى البسى حاجة أتقل
ابتسمت "مريم" واغرورقت عيناها بالدموع بسبب تلك المعاملة الحانية التى افتقدتها منذ أن رحل أبواها وأختها .. لكم أمضت الليالى مريضة فى فراشها لا تقوى على النهوض لإحضار كوب ماء .. لكم أمضت الليالى ساهرة من ألم فى رأسها دون أن تجرؤ على النزول ليلاُ لإحضار الدواء .. أبعدت "مريم" عينيها بسرعة حتى لا يرى أحداً عبراتها التى تجمعت داخل عينيها مهددة بالإنهمار
تجمعت الأسرة حول مائدة الطعام .. جلس "مراد" على رأس الطاولة و "ناهد" قبالته و "نرمين" على يمينه و "سارة" على يساره .. همت "مريم" بالجلوس بجوار "نرمين" فقالت "ناهد" :
- "نرمين" بدلي الكرسى بتاعك مع "مريم"
قامت "نرمين" متبرمة وأجلست "مريم" مكانها .. شعرت "مريم" بالحرج والضيق لجلوسها بجوار "مراد" الذى لم يعيرها أى انتباه .. نظرت "سارة" الى "مراد" قائله بمرح :
- أخيراً لقيت حد مدمن البازل زيي .. بس "مريم" ايه ما شاء الله عليها حريفه
ابتسمت "مريم" ..فالتفتت اليها "سارة" قائله بتهكم :
- اللى أعرفه ان البازل دى لعبة أطفال
ابتسمت لها "مريم" قائله :
- لا فيها درجات صعوبة عالية متنفعش للأطفال
أومأت "نرمين" برأسها ببرود ثم عادت لتكمل طعامها .. قالت "ناهد" بمرح :
- أنا بأه مليش روح للبازل ده .. بس عارفه يا "مريم" هوايتي المفضلة ايه
نظرت اليها مبتسمه وقالت :
- ايه يا طنط
ضحكت "ناهد" قائله :
- لعبة الشطرنج .. عارفه انها لعبة رجالى بس أعمل ايه جوزى الله يرحمه خلانى أدمنها .. و "مراد" الله يسامحه بأه على طول مشغول ومحدش من البنات بيعرف يلعبها
قالت "مريم" بمرح :
- على فكرة بأه أنا كمان بموت فيها
قالت "ناهد" بدهشة :
- بجد
- أيوة بابا الله يرحمه علمهالى وكنت بلعبها معاه
قالت "ناهد"بمرح وهى تنظر الى "مراد" :
- ولا الحوجه ليك يا سى "مراد" خلاص معدتش هترجاج تلاعبنى شطرنج تانى
ثم نظرت الى "مريم" قائله :
- خلاص يبأ هطلعها بكرة من الدولاب وتورينى شطارتك .. بس خلى بالك حماتك جامدة أوى أنا بحذرك أهو
ضحكت "مريم" قائله :
- أكيد طبعاً يا طنط مش هاجى جمب حضرتك حاجه
نهض "مراد" فجأة وقال بوجوم :
- تصبحوا على خير
خرج من الغرفة وتتبعته عيون الجميع بإستثناء "مريم" .. نظرت "ناهد" الى "مريم" قائله :
- حبيبتى قومى شوفى جوزك ماله ..شكله مضايق من حاجه
استثقلت "مريم" المهمة بشدة .. ودت لو قالت لها أن آخر شئ يريده ابنك الآن هو أن يرانى .. لكن ما باليد حيلة لا يمكن اخبارها بذلك .. صعدت "مريم" وهى تقدم رجلاً وتؤخر الأخرى .. طرقت "مريم" على الباب طرقات صغيرة .. ثم أتاها صوته آذناً اياها بالدخول .. فتحت الباب ببطء ودخلت على استحياء . كان "مراد" جالساً على فراشه ويدت ملامحه جامده .. دخلت وأغلقت الباب وجلست على الأريكة لا تدرى ماذا تقول وماذا تفعل .. لحظات والتفت ينظر اليها قائلاً بحده :
- أولا شنطة هدومك بتعمل ايه جمب الدولاب
نظرت الي حقيبتها ثم نظرت اليه قائله :
- أمال أحطها فين ؟
قال ببرود :
- تفضى لنفسك مكان فى الدولاب وتحطى هدومك فيه .. لو ماما دخلت الأوضة وشافت شنطتك كده هتقول ايه
أومأت برأسها قائله بإقتضاب :
- حاضر هفضيها بكرة
قال بتهكم :
- ثانياً الحجاب اللى انتى لبساه ده أسميه ايه بالظبط .. فى واحدة تلبس حجاب فى بيت المفروض انه مفيهوش راجل الا جوزها
شعرت بالتوتر وأشاحت بوجهها فقال بغلظة :
- بلاش تمثيل واقلعى حجابك ده
نظرت "مريم" اليه بحده قائله :
- أنا مش بمثل
قال "مراد" بسخرية :
- عايزة تفهميني انك مكسوفه تقلعيه أدامى يعني
أشاحت بوجهها وهى تحاول كظم غيظها فأكمل بغلظة :
- ثالثاً بأه اذا كنتى فاكرة ان بقربك من ماما واخواتى ده ممكن يأثر عليا ويخلى جوازنا يستمر تبقى غلطانه مش أنا اللى أتحط أدام الأمر الواقع
هبت واقفة وقالت :
- قصدك ايه ؟
وقف هو الآخر فى مواجهتها .. زاد فرق الطول بينهما من شعورها بضألتها أمامه .. كان كالأسد المهيمن على من حوله مجبراَ اياهم على الخضوع لسطوته .. قال بقسوة وهو ينظر الى أعماق عينيها :
- يعني جوازى منك انقاذ للموقف بس .. مش أكتر من كدة .. ولا فى يوم من الأيام هيكون أكتر من كدة .. مهما كان السلاح اللى هتستخدميه .. فمصيره الفشل .. أنا ابتديت أفهمك كويس .. وأفهم انتى بتخططى لايه .. واللى فى دماغك ده مش هيحصل ابداً .. طلاقك أمر مفروغ منه .. بمجرد ما تيجي عمتى وأتأكد ان المشكلة اتحلت هتلمى هدومك وتسيبى البيت ده وتنسى انك دخلتيه أصلاً
واجته "مريم" بنظراتها .. كان مصراً على اذلالها واشعارها بالمهانة فقالت له بثقه :
- على فكرة اليوم اللى هطلق فيه منك وأسيب البيت ده هيكون يوم عيد بالنسبة لى
قالت ذلك ثم غادرت الغرفة وأغلقت الباب خلفها بهدوء.
نزلت الدرج فقابلت "سارة" التى قالت لها :
- نزله ليه يا "مريم" .. عايزة حاجه
قالت "مريم" بتوتر :
- لا مفيش .. هروح المطبخ أشرب
ثم قالت :
- طنط و "نرمين" تحت ؟
ابتسمت "سارة" قائله :
- لأ طلعوا يناموا وأنا كمان طالعه أهو
ابتسمت "مريم" قائله :
- طيب يا حبيبتى تصبحى على خير
- وانتى من أهل الخير
توجهت "مريم" للأسفل دخلت غرفة المعيشة التى لا ينيرها الا ضوء القمر المتسلل من الشرفة .. فتحت الشرفة وخرجت الى الحديقة ومشيت قليلاً ثم جلست على المقعد الذى جلست عليه فى الصباح .. أحاطت جسدها بذراعيها تلتمس الدفء .. لا تدرى الى كم من الوقت بقيت جالسه هكذا دون حراك .. شعرت بالنعاس لكنها كرهت الصعود الى غرفة "مراد" والنوم أمامه .. تمددت على المقعد وتوسدت ذراعها وأحاطت نفسها جيداً بالشال وأغمضت عينيها واستسلمت للنوم .
استيقظ "مراد" على صوت منبه الموبايل منبهاً اياه لصلاة الفجر .. قام فلم يجد "مريم" على الأريكة فتوضأ وصلى .. هم بأن ينزل ليبحث عنها لكنه عزف عن ذلك .. فبالتأكيد اختارت النوم فى أى غرفة أخرى بالمنزل .. سيتركها اليوم تنام حيث تريد ثم سيلفت نظرها فى الصباح الى ضرورة النوم داخل الغرفة حتى لا يشك أحداً بأمرهما .. واستسلم للنوم مرة أخرى على فراشه الوثير .
***********************************
فى صباح اليوم التالى استيقظ "مراد" على صوت هاتفه .. رد على "طارق" قائلاً :
- السلام عليكم أيوة يا "طارق"
- وعليكم السلام .. انت نايم ولا ايه
قال "مراد" وهو يحاول أن يفيق :
- أيوة لسه صاحى
قال "طارق"بعجاله :
- طيب أنا هعدى عليك دلوقتى عشان فى ورق مهم لازم يتمضى قبل ما أطلع على الجمارك
قال "مراد" وهو يجلس فى فراشه :
- طيب مستنيك
قام "مراد" ونظر الى الأريكة الفارغة والى الحقيبة التى مازالت بجوار الدولاب ثم زفر بضيق .
اتصل "طارق" بـ "مى" التى ردت قائله :
- السلام عليكم
قال "طارق" بلهفه :
- وعليكم السلام أخيراً فتحتى الموبايل
قالت بدهشة :
- مين معايا
- أنا "طارق" .. "طارق عبد العزيز"
خفق قلبها وشعرت بالتوتر وقالت :
- أيوة يا أستاذ "طارق"
- بكلمك بقالى يومين موبايلك مقفول حتى الشركة قالولى واخده أجازة
قالت بصوت خافت :
- معلش كان عندى ظروف وكنت أفله الموبايل
قال "طارق" :
- مش خير ان شاء الله
- أيوة خير مفيش حاجة
قال "طارق" بإهتمام :
- أنا بتصل بـ "مريم" كتير أوى بس موبايلها على طول مقفول
- أنا كمان بحاول كتير بس مش عارفة أوصلها
- طيب قوليلى اسمها بالكامل أنا ليا واحد صحبى من عيلة كبيرة فى الصعيد .. أنا رايحله دلوقتى وان شاء الله هيساعدنى أوصلها لاننا كمان محتاجينها فى شغل مهم جداً خاص بشركتنا
- اسمها "مريم خيرى عبد الرحمن السمري"
ابتسم قائلاً :
- ما شاء الله حافظه اسم صحبتك رباعى
قالت بصوت خافت :
- احنا صحاب من زمان
ابتسم قائلاً :
- ربنا يخليكوا لبعض .. ومتشكر أوى
- العفو
1
فى الأسفل استيقظت "مريم" على صوت العصافير التى تغرد على الشجر .. قامت واعتدلت فى جلستها وهى تشعر بألم فى كل أنحاء جسدها وبوغز كالشوك فى حلقها .. وقفت بصعوبة وأحكمت لف الشال حولها .. توجهت الى شرفة غرفة المعيشة فوجدتها مغلقة فلم تستطع الدخول .. فدارت حول الفيلا لتدخل من الباب الأمامى .. وجدت "مراد" واقف مع رجل آخر فأخفضت بصرها .. لكنها عندما اقتربت منهما رفعت رأسها فإرتطمت نظراتها بنظرات "طارق" .. وقفت تحدق فيه بدهشة .. وبادلها هو الآخر نظراتها المندهشة التى كانت أضعاف دهشتها .. كان يبحث عنها فى كل مكان ولم يتخيل أن يجدها فى بيت صديقه .. وقف كلاهما ينظر الى الآخر فى دهشة و "مراد" يراقب نظرات الإثنان لبعضهما البعض .. لم ينطق "طارق" إلا بكملة واحدة :
- "مريم" !
تمتمت بصوت خافت :
- أهلا بحضرتك يا أستاذ "طارق"
اقترب "مراد" من "طارق" وقال وهو ينقل نظره من "مريم" اليه :
- انتوا تعرفوا بعض ؟
قال "طارق" مبتسماً وهو يشعر بالسعادة لعثوره عليها أخيراً :
- أيوة طبعاً .. دى الآنسة "مريم" الديزاينر بتاعة حملتنا
صُدم "مراد" لما سمع والتفت بحدة ينظر الى "مريم" بدهشة .. اقترب "طارق" من "مريم" قائلاً :
- كنتى فين قلقتيني عليكي وموبايلك مقفول على طول .. حتى "مى" مش عارفه توصلك
قالت بصوت مضطرب :
- كان عندى ظروف
ابتسم "طارق" قائلاً :
- المهم انك كويسه
↚
بدا وكأنه انتبه لوجودها فى آخر مكان كان يتوقع أن يجدها فيه .. فقال بإستغراب شديد :
- بس انتى بتعملى ايه هنا ؟
جاءت الإجابة من "مراد" الواقف خلفه :
- مراتى
التفت "طارق" الى "مراد" بحده وقال له :
- ايه ؟
ردد "مراد" ما قاله ببرود :
- مراتى
نظر "طارق" الى "مريم" وهو لا يصدق ما يسمع .. نظر اليها وكأنه يرجوها أن تكذب ما قاله "مراد" .. كانا الرجلين ينظران الى "مريم" بدهشة .. "طارق" مصدوم من كونها أصبحت زوجة لأعز أصدقائه .. و "مراد" مصدوم من كونها ديزاينر حملته الإعلانية .. شعرت بالخجل من نظرات الرجلين اليها فأخفضت بصرها وقالت بصوت خافت :
- عن اذنكوا
صعدت الدرج وهى لا تدرى أن الرجلين فى الأسفل كانت أعينهما متعلقتان بها تتابعانها فى صمت .
- مراتى
نظر "طارق" الى "مريم" وهو لا يصدق ما يسمع .. نظر اليها وكأنه يرجوها أن تكذب ما قاله "مراد" .. كانا الرجلين ينظران الى "مريم" بدهشة .. "طارق" مصدوم من كونها أصبحت زوجة لأعز أصدقائه .. و "مراد" مصدوم من كونها ديزاينر حملته الإعلانية .. شعرت بالخجل من نظرات الرجلين اليها فأخفضت بصرها وقالت بصوت خافت :
- عن اذنكوا
صعدت الدرج وهى لا تدرى أن الرجلين فى الأسفل كانت أعينهما متعلقتان بها تتابعانها فى صمت .
ران الصمت عليهما وكل منهما يحاول استيعاب صدمته .. أول من فاق من صدمته هو "طارق" الذى التفت الى "مراد" ينظر اليه بحده وهو يقول :
- انت مكنتش تعرف ان "مريم" ديزاينر حملتنا وانى بدور عليها ؟
التفت اليه "مراد" الذى بدا شارداً وقال له :
- وهعرف منين انها الديزاينر اللى بندور عليها .. أنا معرفش هى بتشتغل ايه أصلاً .. ولا أعرف أى حاجه عنها
نظر اليه "طارق" بحده وزفر وهو يحاول أن يكظم غيظه وقال :
- انت قولتلى امبارح ان جوازك منها كان انقاذ للموقف وانك مستنى عمتك عشان تطلقها .. مش كدة ؟
أومأ "مراد" برأسه بصمت .. فانفعل "طارق" قائلاً :
- حرام عليك يا "مراد" حرام عليك
نظر اليه "مراد" بدهشة .. فأكمل "طارق" بغضب :
- يعنى حضرتك متجوزها عشان تقضيلك معاها يومين وبعدين ترميها وتطلقها اتقى الله يا "مراد" ترضى يحصل لواحده من اخواتك كده .. أى ان كان سبب جوازك منها حرام تطلقها وتتحسب عليها جوازه
نظر اليه "مراد" بغضب وقال :
- ايه اللى انت بتقوله ده .. انت فاهم الموضوع غلط يا "طارق" .. أنا قولتلك امبارح انى اضطريت أتجوزها عشان الدم اللى كان هيسيل .. وأنا مش معتبرها مراتى اصلاً دى مجرد واحدة أعده فترة مؤقته وهتمشى تروح لحالها وأنا معرفها كدة ومتفق معاها على كدة يعني مخدعتش حد
صمت "طارق" وهو يفكر فى كلام "مراد" ثم قال :
- يعنى هى عارفه انك هتطلقها ؟
قال "مراد" بحده :
- ايوة طبعا عارفه وده كان اتفاقى مع عمتو من الأول أكتب عليها عشان المشاكل مش أكتر من كده
- تقصد انكوا عايشين منفصلين ؟
قال "مراد" بحده :
- أيوة أنا مش طايق أشوفها أصلاً .. كل اللى حصل انى كتبت عليها وجبتها هنا لحد ما عمتو تتأكد ان الأمور هديت ساعتها هطلقها
هدأ "طارق" قليلاً .. فتفرس فيه "مراد" قائلاً :
- وانت ايه يهمك أصلاً فى الموضوع ده .. مالك انت أظلمها لا مظلمهاش
حاول "طارق" التحكم فى أعصابه وقال ببرود :
- لانى اتعاملت معاها كتير فى الشغل والبنت كويسة جداً فصعب عليا انها تتظلم كده بس بعد ما انت شرحت الوضع .. فكده الموضوع أهون شوية
نظر اليه "مراد" وقال بإهتمام :
- انت تعرف ايه عنها بالظبط ؟
نظر "طارق" الى ساعته ثم قال ببرود :
- أنا مضطر أمشى دلوقتى عشان الحق الجمارك
لم ينتظر رداً من "مراد" وتوجه الى سيارته وانطلق بها تحت نظرات "مراد" المتمعنه.
انطلق "طارق" بسيارته بعصبيه وهو يشعر بغضب كبير بداخله لتلك العادات المتخلفة التى أجبرت "مريم" على الزواج من "مراد" .. "مراد" الذى يعلم جيداً بالظروف النفسية العصيبة التى مر بها والتى ستجعله بالتأكيد أن يكون قاسياً مع "مريم" ضرب المقود بيده بعصبيه وهو يتخيل المعاناة التى تشعر بها "مريم" فى بيت "مراد" الذى من الواضح من كلامه عنها أمس واليوم أنه لا يطيق وجودها فى حياته
توجهت "مريم" الى غرفتها وهى تشعر بالدوار .. لحظات وسمعت طرقات على الباب فتحت لتجد "سارة" مبتسمه وهى تقول :
- صباح الخير يا "مريم" يلا عشان نفطر سوا
ابتسمت "مريم" بتعب وقالت :
- ماشى هغير هدومى وأنزل
نظرت "سارة" بإستغراب الى ملابس "مريم" والتى كانت نفس ما ارتدته ليلة أمس .. فقالت بدهشة :
- انتى نمتى كده
قالت "مريم" بإضطراب وهى تحاول تجنب الكذب :
- كنت الصبح فى الجنينة
أومأت "سارة" برأسها قائله وهى تنصرف :
- خلاص منتظرينك ان شاء الله
بدلت "مريم" ملابسها بصعوبة وهى تشعر بالوهن فى كل عضلة فى جسدها .. توضأت وصلت الفجر الذى فاتها وهى تشعر بالضيق الشديد لأنها لم تصليه فى ميعاده .. لم ترتدى حجابها لئلا تسمع تعنيفاً آخر من "مراد" .. عقصت شعرها للخلف وارتدت عباءة استقبال محتشمة .. فتحت الباب لتخرج لكنها فزعت عندما وجدت "مراد" أمامها كان يهم بطرق الباب .. ابتعدت لتفسح له الطريق للدخول .. همت بالخروج من الغرفة لكن "مراد" قال لها بحزم :
- استنى عايزك
أغلقت الباب ووقفت خلفه .. وقف "مراد" فى مواجهتا وهو يتفحص وجهها شعرت بالخجل فأشاحت بوجهها الى أن قال :
- انتى تعرفى "طارق" من زمان ؟
قالت "مريم" بهدوء :
- أستاذ "طارق" عميل فى شركتنا
- شركة ايه ؟
- اسمها رؤية للدعاية والإعلان
صمت "مراد" وهو مازال ينظر اليها بإمعان .. ثم قال :
- كنتى عارفه ان الحملة اللى انتى مسكاها هى حملة شركتى ؟
نظرت اليه "مريم" بدهشة وقالت :
- حملة شركتك ؟.. لا معرفش أنا افتكرتها شركة أستاذ "طارق"
أخجلها تفحصه فيها فأشاحت بوجهها مرة أخرى وقالت بإرتباك :
- أنا هنزل عشان مستنيينى تحت
قال ببرود :
- اتفضلى
خرجت من الغرفة وتبعها "مراد" .. توجها الى حجرة الطعام وجلس كل منهما فى مكانه .. ابتسمت "مريم" قائله :
- صباح الخير
قالت "ناهد" بمرح :
- صباح النور .. النهاردة صحيتى بدرى
قالت "مريم" وهى تشعر بوخز كالإبر فى حلقها :
- أنا متعودة أصحى بدرى .. بس امبارح اتأخرت لانى كنت تعبانه من السفر
قالت "سارة" التى كانت تجلس فى مواجهتها بمرح :
- قوليلي صحيح يا "مريم" انتى بتشتغلى
ابتسمت "مريم" قائله :
- أيوة بشتغل ديزاينر فى شركة دعاية
قالت "ناهد :
- بتعرفى ترسمى كويس ؟
- أيوة يا طنط
قالت "ناهد" بمرح :
- كويس أوى عشان ترسميني
قالت "مريم" بتوتر :
- معلش يا طنط أنا أسفه مش برسم أشخاص أو أى حاجه فيها روح
قالت "ناهد" بهدوء :
- ليه ؟
أجابت "مريم" :
- عشان حرام .. رسم حاجه فيها روح حرام
ألقى "مراد" نظرة عليها ثم عاد يكمل طعامه بصمت .. ابتسمت "ناهد" قائله :
- مكنتش أعرف انه حرام
قالت "مريم" بأسى :
- اوعى تكونى زعلتى منى يا طنط
طمأنتها "ناهد" قائله :
- لا يا حبيبتى أبداً .. انتى صح .. طالما حرام يبأه ربنا يباركلك انك مبتعمليهوش
عادت "مريم" لتكمل طعامها عندنا قالت "نرمين" :
- انسى بأه موضوع الشغل ده خالص لان "مراد" مستحيل يسمحلك انك تشتغلى
قالت "ناهد" :
- دى حاجة متخصكيش يا "نرمين"
بدا "مراد" لا مبالياً وكأن الحوار الدائر لا يعنيه فقالت "مريم" بهدوء :
- أنا اتفقت مع مديري انى أشتغل عن طريق النت ويحولى مرتبي على البنك يعنى مش محتاجة أروح الشركة
نهض "مراد" وقال :
- أستأذن أنا عشان اتأخرت
رحل دون أن يلتفت ل "مريم" التى كانت "ناهد" ترمقها بأسى وهى تشعر بالحنق من معاملة ابنها لزوجته .
**********************************
لم يستطع "مراد" التركيز على عمله .. كانت هناك أسئلة كثيرة تشغل باله لخصوص "مريم" .. اتصل بـ "طارق" وأخبره بضرورة الحضور الى مكتبه .. بعد عدة ساعات حضر "طارق" الذى بدا عليه الوجوم جلس قباله "مراد" دون أن يوجه له كلمة .. سأله "مراد" :
- ايه الأخبار
- كله تمام الحاجة فى الطريق
أومأ "مريم" برأسه وقام ودار حول المكتب ليجلس فى المقعد المواجه لـ "طارق" .. نظر اليه قائلاً :
- انت اتعاملت مع "مريم" كتير ؟
قال له "طارق" بحده :
- مش فاهم السؤال
↚
قال "مراد"ببرود :
- أقصد كنت بتشوفها كتير لما بتروح الشركة
قال "طارق" بهدوء :
- تعاملى كان معاها هى بس يا "مراد" يعني مكنتش بتعامل فى الشركة مع حد غيرها لانها المسؤلة عن شغلنا
أومأ "مراد" برأسه ثم نظر اليه قائلاً :
- متعرفش عنها حاجه .. يعني أمور شخصية
قال له "طارق" بنفاذ صبر :
- لأ معرفش
ثم نهض قائلاً أنا مضطر أمشى دلوقتى عشان عندى معاد مهم
خرج "طارق" وترك "مراد" غارقاً فى شروده
3
**********************************
كانت "مريم" تشعر خلال النهار بتعب شديد لكنها كعادتها كانت تتظاهر بالتماسك .. ظنت أنه برد من نومها ليلة أمس فى الحديقة طلبت من دادة "أمينة" دواء للبرد أخذته وأمضت نهارها بصحبة "سارة" و "نرمين" .. أما "ناهد" فقد خرجت فى ذلك اليوم لزيارة أختها .. فى المساء كان التعب قد أخذ منها مبلغه توجهت الى دادة "أمينة" مرة أخرى وأخذت منها دواء للبرد مرة أخرى .. ثم توجهت الى الفتاتان فى غرفة المعيشة قائله :
- أنا هطلع أنام يا بنات .. تصبحوا على خير
هتفت "سارة" :
- هتنامى بدرى كدة
قالت "مريم" بوهن :
- أيوة معلش .. هشوفكوا بكرة ان شاء الله
قالت "سارة" بإهتمام :
- طيب مش هتتعشى ؟ .. لو مش عايزة تستنى "مراد" خلاص نتعشى سوا أنا وانتى و "نرمين"
قالت "مريم" وهى بالكاد تستطيع الوقوف على قدميها :
- لا مليش نفس .. تصبحوا على خير
- وانتى من أهل الخير
توجهت "مريم" الى غرفة "مراد" .. حاولت أن تستبدل ملابسها بملابس أكثر راحة لكن أقل حركة كانت تشعرها بالألم الشديد فنامت كما هى على الأريكة ودثرت نفسها جيداً واستسلمت للنوم العميق
قالت "سارة" ل "نرمين" بعتاب :
- ليه حساكى بارده مع "مريم" ؟
التفتت اليها "نرمين" التى كانت تعبث بهاتفها قائله :
- مش بارده ولا حاجه
أصرت "سارة" :
- لأ بارده
قالت "نرمين" بنفاذ صبر :
- بصراحة حساها خنيقة أوى .. مشفتيش لبسها عامل ازاى .. فى عروسة جديدة تلبس اللى هى لابساه ده
قالت "سارة" بحده :
- وانتى مالك هو انتى جوزها .. هى حرة .. وبعدين يمكن عشان لسه مخدتش علينا وهى أصلاً شكلها بتتكسف
هزت "نرمين" كتفيها بلا مبالاة قائله :
- هى حرة على رأيك أنا مش جوزها
قالت "سارة" :
- ابقى اتعاملى معاها كويس يا "نرمين" .. حرام دى يتيمة وكمان طيبة أوى
قالت "نرمين" :
- طيب مع انى حساها جد أوى وكئيبة أوى زيادة عن اللزوم وأنا بتخنق من كده أوى
قالت "سارة" بعتاب :
- والله حرام عليكي دى عسولة أوى
قالت "نرمين" بتهكم :
- يختى مالك طالعه بيها السما كده .. أنا شايفاها عادية جدا مش عارفه "مراد" أعجب بيها ليه .. ده ان كان أعجب بيها اصلا .. بصراحة هى وأخوكى لايقين على بعض الاتنين عينة واحدة
قالت ذلك ثم نهضت وتوجهت الى غرفتها وأغلقت الباب جيداً وجلست على فراشها وهى تنظر الى صورة "حامد" على هاتفها وتبتسم لها .
4
*********************************
عاد "مراد" فى المساء وجلس على طاولة الطعام مع "ناهد" و " سارة" و "نرمين" .. بدأ الجميع فى تناول الطعام .. قالت "ناهد" :
- خالتك زعلانه منك أوى يا "مراد" عشان مبتسألش عليها انت والبنات
نظر اليها "مراد" قائلاً :
- خلاص تعالوا نروحلها آخر الإسبوع ونقضى اليوم معاها
قالت "ناهد" :
- أنا فعلاً اتفقت معاها على كده و كمان عشان تتعرف على "مريم"
حانت من "مراد" التفاته الى المقعد الفارغ بجواره .. ثم عاد ليكمل طعامه مرة أخرى .. قالت "نرمين" :
- أبيه نفسنا نخرج .. ما تاخودنا بكرة أى حته
قالت "ناهد" بسرعة :
- أيوة يا "مراد" ياريت تفضى نفسك يوم ونطلع كلنا أى مكان بصراحة أنا كمان عايزة أغير جو
أومأ "مراد" برأسه قائلاً :
- ان شاء الله أحاول أفضى نفسي يوم الإسبوع ده أو الاسبوع الجاى
قالت "سارة" بمرح :
- كويس أوى .. بحب أوى الخروجة اللى بنكون فيها كلنا مع بعض
نظرت اليها "نرمين" بغيظ قائله :
- على أساس اننا بنخرج لوحدنا يعني .. فالتغيير اننا نخرج مع بعض
حانت من "مراد" التفاته أخرى الى المقعد الفارغ بجواره .. ثم سأل وهو يتناول طعامه وكأن الأمر لا يعنيه :
- هى "مريم" فين ؟
قالت "ناهد" :
- رجعت لقيت البنات بيقولولى انها نامت بدرى النهاردة
أومأ برأسه ونهض قائلاً :
- انا داخل المكتب شوية
قالت "ناهد" :
- ماشى يا حبيبى
رحل "مراد" فالتفتت اليهم "نرمين" قائله بسخريه :
- ده حالهم ولسه مكملوش اسبوع جواز أمال بعد سنة هيحصل ايه
قالت "ناهد" بنبرة محذرة :
- "نرمين" لو سمحتى متدخليش فى خصوصيات "مراد"
دخل "مراد" مكتبه وحمل أحد الكتب من المكتبة ثم توجه الى أحد المقاعد الوثيرة وأخذ يقرأ الى أن سرقه الوقت .. بعد عدة ساعات توجه الى غرفته .. طرق على الباب بخفة ثم فتحه ببطء .. استطاع أن يرى "مريم" فى ظلام الغرفة نائمة على الأريكة متدثرة بغطائها .. دخل وأغلق الباب بدل ملابسه وهم بأن يتوجه الى فراشه عندما سمع صوت أنين .. التفت الى "مريم" فوجدها تأن بصوت خافت وبدت ملامحها كما لو كانت تعانى من خطب ما .. اقترب منها فرآى حبات العرق تنبت على جبينها سمعها تهمس بشئ ما .. فاقترب منها قائلاً :
- بتقولى حاجه
فتحت عينيها بصعوبة شديدة بدت وكأنها فى عالم آخر تمتمت بصوت متحشرج :
- عايزة "ماجد"
اقترب "مراد" منها أكثر وأرهف سمعه قائلاً :
- بتقولى ايه ؟
أغمضت عينيها قليلا ثم فتحتهما ببطء ونظرت اليه تتطلع الى وجهه قائله بصوت مبحوح :
- انت "ماجد" ؟
↚
سألها بإهتمام :
- "ماجد" مين ؟
أبعدت وجهها واستسلمت للنوم مرة أخرى .. وضع "مراد" يده على جبينها ووجههاً ليجد حرارتها مرتفعه للغاية .. حاول ايقاظها :
- "مريم" .. "مريم"
التفتت اليه ببطء وبدا وكأنها لا تستطيع فتح عينيها .. نزل مسرعاً الى الأسفل ونادى دادة "أمينة" وأخبرها بأن حرارة "مريم" مرتفعة توجهت معه الى غرفتها وتحسستها ثم قالت :
- يا حبيبتى دى قايده نار .. شكلها خدت دور جامد .. انا افتكرته برد عادى لما طلبت منى الدوا
قال لها "مراد" بإهتمام وهو يلقى نظرة على "مريم" :
- هى طلبت منك دوا
قالت "أمينة" بأسى :
- أيوة قالتلى جسمها واجعها وخدت برد فادتلها دوا أنفلونزا .. لو كانت قالتى حرارتها عاليه كنت ادتلها خافض حرارة كمان
توجه "مراد" الى هاتفه واتصل بأحد الأرقام .. لم يجب فعاود الاتصال مرات ومرات الى أن أجاب الطرف الأخر :
- ألو
قال "مراد" بإهتمام :
- أيوة يا "أحمد" أنا "مراد"
قال "أحمد" بصوت ناعس :
-أيوة يا "مراد" خير فى حاجة خالتى والبنات كويسين
- أيوة بس مراتى تعبانة شوية حرارتها مرتفعة جداَ ومش عارف أعمل ايه
قال "أحمد" وقد أفاق :
- طيب متقلقش أنا هلبس وأجيلك حالاً
جلست "أمينة" بجوار "مريم" تقوم بعمل كمادات لها علها تخفض حرارتها .. كانت "مريم" مازالت فى عالم آخر لا تعى ما يدور حولها .. قالت "أمينة " :
- هروح أعملها كوباية لمون دافيه وآجى
توجهت للأسفل .. كانت "مريم" تتمتم بكلمات غير مفهومة .. اقترب منها متفحصاً اياها .. سمعها تقول :
- "ماجد" .. "ماجد"
ظلت تردد الإسم كل فترة وأخرى .. الى أن حضر "أحمد" ابن أخت "ناهد" .. فإستيقظت "ناهد" على صوت سيارته .. نظرت "ناهد" الى "مريم" بعطف واقتربت منها لتتحسس وجهها وقالت :
- دى سخنة أوى
أخرج "أحمد" سماعته واقترب منها متفحصاً اياها .. وجد "مراد" نفسه وقد شعر بالضيق عندما تكشف جزء من جسدها ليستطيع "أحمد" وضع سماعتها ليتفحص رئتيها .. تعجب من هذا الشعور الذى راوده وهو الذى لا يهمه أمرها على الإطلاق ويعتبرها مجرد ضيفة فى بيته .. قال "أحمد" :
- شكلها خدت برد جامد .. عايزكوا تحطوها زى ما هى كده تحت الدش عشان الحرارة تنزل شوية
وأخذ يكتب الأدوية المطلوبه وأعطى الروشته الى "مراد" وأخرج حقنة من حقيبته قائلاً :
- الدوا ده تاخده هو والحقنة دى وان شاء الله الصبح هتكون أحسن
شكره "مراد" وتوجه معه الى سيارته مودعاً .. ثم اتصل "مراد" بالصيدلية وطلب منهم احضار الدواء .. عاد الى الغرفة ليجد "أمينة" و "ناهد" قد أخذا "مريم" ووضعاها تحت الدش كما أمرهم الطبيب عادا بها الى الداخل وشرعت "ناهد" فى تغيير ملابسها فإلتفتت "ناهد" له قائله :
- ساعدنى يا "مراد"
فتنحنح "مراد" وقال وهو يغادر الغرفة مسرعاً :
- هروح أشوف الدوا
بعد نصف ساعة تسلم "مراد" الدواء وصعد به الى غرفته ليجد "ناهد" جالسه بجوار "مريم" النائمة فى فراشه وتحتسى شيئاً ساخناً .. أخرج الدواء وقرأ الروشته ثم التفت الى أمه وأعطاها التعليمات .. قالت "مريم" وهى تشعر بالحرج لوجودها فى فراش "مراد" :
- أنا أسفه يا طنط تعبتك معايا
ابتست لها "ناهد" قائله :
- لأ أبداً يا حبيبتى لا تعب ولا حاجه بس قلقتينا عليكي أوى ليه مقولتيش انك تعبانه
تمتمت "مريم" بصوت خافت :
- أنا قولت شوية برد وخلاص
أعطتها "ناهد" الدواء .. ثم نهضت قائله :
- الحمد لله شكل الحقنة ريحتك كتير .. نامى واتدفى وان شاء الله تكونى بكرة أحسن .. لو احتجتى حاجه خلى "مراد" يناديلى
قالت "مريم" بتأثر :
- شكراً يا طنط
خرجت "ناهد" من الغرفة وتابعتها "مريم" بنظرها الى أن أغلقت الباب خلفها فأسرعت "مريم" بإزاحة الغطاء ونهضت من الفراش تحت أنظار "مراد" التى تراقبها وأخذت أحد الأغطية ووسادة فقال لها "مراد" :
- مفيش مشكلة خليكي نايمة هنا النهاردة
لم ترد "مريم" ولم تلتفت اليه وتوجهت الى الأريكة ونامت عليها ودثرت نفسها وأشاحت بوجهها عنه .. جلس "مراد" على فراشه يتطلع اليها بين الحين والآخر .. الى أن شعر بأنها استسلمت للنوم .. فتمدد على فراشه وظل يفكر فى صاحب الإسم الذى كانت تتفوه به أثناء مرضها الى أن شعر بالإرهاق فألقى نظرة عليها قبل أن يستسلم للنوم هو الآخر .
2
**********************************
استيقظ "مراد" من نومه فجراً كعادته أطفأ المنبه وما كادت قدماه تطأن الأرض حتى وقع نظره على "مريم" الساجدة فى أحد أركان الغرفة .. ظل ينظر اليها للحظات ثم توجه الى الحمام توضأ وخرج ليجدها وقد أنهت صلاتها وتوجهت الى الأريكة لتعاود النوم .. ألقى عليها نظرة قبل أن يخرج .. صلى فى أحد المساجد القريبه وعاد ليجدها تغط فى النوم .. جلس على فراشه وظل يتأملها بإستغراب .. شعر بأن هذه الفتاة كاللغز الذى يكبر كل يوم شيئاً فشيئاً .. نفض تلك الأفكار من رأسه واستسلم للنوم .
فى الصباح استيقظ "مراد" على صوت الباب وهو يُغلق .. نهض وهو يلقى نظرة على الأريكة الفارغة .. نزلت "مريم" لتجد "ناهد" و "سارة" جالستان معا أمام التلفاز .. قامت "سارة" وتوجهت نحوها قائله بلهفة :
- "مريم" عاملة
قالت "ناهد" بإهتمام :
- قمتى ليه يا حبيبتى خليكى مرتاحه النهاردة
ابتسمت "مريم" وقد سعدت لهذا الإهتمام منهما :
- الحمد لله أنا كويسة جداً
ثم التفتت الى "ناهد" وقالت بتأثر :
- متشكره جدا يا طنط على تعبك معايا امبارح
أشارت لها "ناهد" لتجلس بجوارها .. ربتت على ظهرها قائله :
- انتى دلوقتى عندى زى "نرمين" و "سارة" بالظبط فمتقوليش كده تانى
قالت "سارة" وهى تنصرف :
- هقول لدادة تحضرلك الفطار
التقت بـ "مراد" الذى كان متوجهاً اليهم فقالت له مبتسمه :
- صباح الخير يا أبيه كويس انك صحيت عشان "مريم" متفطرش لوحدها
قال "مراد" :
- صباح النور يا "سارة" .. هى فين ؟
أشارت "سارة" الى غرفة المعيشة وقالت :
- مع ماما بتتفرج على التى فى
دخل "مراد" الغرفة قائلاً :
- صباح الخير
ابتسمت له "ناهد" قائله :
- صباح النور يا "مراد"
ألقى "مراد" نظرة على "مريم" التى بدت أفضل حالاً قبل أن يجلس على أحد المقاعد .. لم تلتفت اليه "مريم" وظلت تتظاهر بمتابعتها للتلفاز .. قالت "ناهد" فجأة وهى تضحك :
- ايه ده "مراد" ملبسك الدبلة فى اليمين
اضطربت "مريم" وهى تنظر الى دبلتها .. تطلع "مراد" الى يدها فى صمت .. قامت "ناهد" بنزع الدبلة من يدها اليمنى ووضعتها فى اليسرى قائله بمرح :
- أيوة كدة بدل ما الناس تضحك علينا
شعرت "مريم" بالتوتر وهى ترمق دبلتها التى أصبحت فى يدها اليسرى .. دقائق وحضرت "سارة" لتخبرهما بأن فطورهما معداً .. قالت "مريم" وهى تشعر بالضيق :
- أنا شبعانه على فكرة .. شوية ولو جعت هاكل
قالت "ناهد" بإصرار :
- لا يا حبيبتى انتى تعبانه وبتاخدى دوا تعالى على نفسك معلش .. وبعدين "مراد" هيفطر معاكى عشان يفتح نفسك للأكل
سخرت "مريم" فى نفسها .. واضطرت مرغمة للتوجه خلفه الى غرفة الطعام .. ران عليهما الصمت .. الى أن قطعه "مراد" فجأة :
- انتى مش المفروض كنتى متجوزة ؟
صمتت "مريم" قليلاً ثم قالت دون أن تنظر اليه :
- كان مكتوب كتابى
طال صمته وبدا عليه التفكير .. ثم قال فجأة :
- مين "ماجد" ؟
خفق قلب "مريم" بشدة وهى تنظر اليه بدهشة .. فنظر اليها قائلاً ببرود :
- كنتى امبارح عماله تقولى اسمه طول الليل
توترت "مريم" وعادت الى اكمال طعامها دون ان تجيب .. فأعاد سؤاله بتهكم :
- مين "ماجد" ؟ .. ويا ترى ده قبل "جمال" ولا بعده ؟ .. مظنش انه بعده ملحقتيش يا دوبك عرفتى "جمال" من هنا واتدبستى فيا من هنا
نظرت اليه "مريم" وقالت بتحدى :
- وهتفرق معاك ايه عرفته قبل "جمال" ولا بعد "جمال" .. ولا حتى عرفته وأنا عارفه "جمال" .. ما هو اللى معندهاش أخلاق لدرجة انها تسمح لنفسها انها تعمل علاقة مع راجل غريب مش هيفرق معاها لو عملت علاقة مع راجلين فى نفس الوقت
ثم نهضت بعصبية وفتحت باب الشرفة ووقفت فيها .. كانت تغلى من الغضب .. ظل جالساً فى مكانه للحظات ثم توجه الى الخارج .. نظرت اليه "مريم" و هو يفتح باب سيارته ويهم بالركوب .. حانت منه التفاته فتلاقت نظراتهما للحظات قبل أن تتوجه "مريم" الى الداخل .
************************************
- وحشتيني ونفسى أشوفك
تسللت تلك العبارة عبر الهاتف الى أذن "نرمين" فردت بضيق :
- أنا مش فاهمة انت عايز ايه بالظبط
قال "حامد" بهيام :
- نفسي أشوفك تانى يا "نرمين" بجد وحشتيني
قالت "نرمين" بحده :
- انت مش شايف ان الحكاية سخفت أوى .. قولتلى عايز أقابلك مرة عشان محرجش نفسي مع أخوكى .. وقابلتك رغم ان دى أول مرة أعمل حاجه زى كده وبجد انت مش متصور أنا حسه بايه دلوقتى .. حسه انى مضايقة أوى من نفسي
قال "حامد" ببرود :
- انت معملتيش حاجه غلط احنا أعدنا فى مكان عام حتى مطولناش
قالت "نرمين" بضيق :
- بس أنا مش كده .. أنا مش بقابل حد ومش يتكلم مع حد .. ولو "مراد" عرف انت مش متصور ممكن يعمل فيا ايه .. انت متعرفش "مراد"
قال "حامد" بسخرية :
- لا عارفه كويس .. عقليه متخلفة
قالت "نرمين" بغضب :
- لو سمحت مسمحلكش تقول على أخويا كده .. "مراد" مش متخلف "مراد" راجل وبيخاف علينا
قال "حامد" بسرعة :
- حبيبتى أنا مش قصدى أنا بس من ضيقي قولت كده
قالت "نرمين" بحزم :
↚
- بص يا "حامد" .. أنا مش هقدر أتكلم معاك فى التليفون تانى .. لو انت فعلاً زى ما بتقول عايز تتقدملى خلاص عندك أخويا اتكلم معاه
قال "حامد" :
- طيب عايز أطلب منك طلب واحد بس
- ايه هو
- انتى عندك ايميل ؟
قالت وهى تشعر بريبه :
- أيوة
قال "حامد" :
- طيب تعالى نتكلم على الميل وافتحى الكام
قالت "نرمين" بعصبية :
- لأ مش هفتح الكام ومش هكلمك على الميل
قال "حامد" بإصرار :
- عشان خاطرى مرة واحدة بس
قالت "نرمين" فى حنق :
- قولت لأ .. ومعلش لو سمحت مضطرة أقفل
أنهى "حامد" المكالمة و قد اغتاظ مما فعلت فتمتم لنفسه :
- مش "حامد" اللى يتقاله لأ
1
*****************************************
جلس "طارق" واجماً فى مكتبه .. يشعر بالحزن والأسى .. يحاول أن يبحث عن مخرج لـ "مريم" من تلك الورطة .. امتدت يده الى هاتفه واتصل بـ "مى" .. اضطربت "مى" عندما رأت رقمه وخرجت من غرفتها وتوجهت الى أمها فى المطبخ وقالت :
- ماما أستاذ "طارق" بيتصل
التفتت الها أمها وقالت :
- طيب ردى عليه
وقبل أن تتحدث "مى" أخذت منها أمها الهاتف وردت بدلاً منها أمام نظرات "مى" المندهشة :
- السلام عليكم
رد "طارق" بإستغراب :
- وعليكم السلام .. ممكن أكلم الآنسه "مى"
قالت أمها :
- حضرتك الأستاذ "طارق" مش كده ؟ .. أنا مامتها
قال "طارق" بحرج :
- أهلا بحضرتك
قالت والدة "مى" :
- لحظة واحدة
أعطت الهاتف لـ "مى" المندهشة فقالت :
- ألو
قال "طارق" :
- أيوة يا آنسه "مى" .. آسف لو كنت أزعجتك
- لا اتفضل
قال بحزن :
- انا عرفت مكان "مريم" وحبيت أطمنك عليها
قالت "مى" بلهفة :
- هى فين ؟
- هى فى مشكلة وبما انك صحبتها فأكيد محتجاكى جمبها أنا مش هقولك على تفاصيل هسيبها هى تحكيلك .. بس أرجوكى خليكي جمبها .. ده رقم البيت اللى هيا فيه ..........
دونت "مى" الرقم وشكرته قائله :
- متشكره أوى
تمتم بخفوت :
- العفو .. خلى بالك منها .. مع السلامه
أنهت "مى" المكالمة ونظرت الى أمها قائله بإستغراب :
- انتى ليه رديتي قبلى ؟
قالت أمها وهى تحضر الطعام :
- عشان يعرف انك مبتخبيش حاجه عن أهلك وبتقوليلهم كل حاجه مهما كانت صغيره
ابتسمت "مى" فقالت أمها :
- كلمى "مريم" بأه وطمنينى عليها عشان البنت دى قلقانى أوى
اتصلت "مى" الرقم الذى أعطاها اياه "طارق" جاءها صوت أنثوى يقول :
- ألو
قالت "مى" :
- السلام عليكم .. لو سمحتى ممكن أكلم "مريم"
- طيب ثوانى
لحظات وردت "مريم" على الهاتف وهى تشعر بالريبة فهتفت "مى" :
- انتى فين يا بنتى كنت هموت من القلق عليكي
قالت "مريم" بإستغراب :
- عرفتى رقم البيت ده منين
قالت "مى" :
- من الاستاذ "طارق"
قالت "مريم" بدهشة :
- واداهولك ليه
قالت "مى" :
- قالى انك فى مشكلة ومحتجانى جميك .. خير يا "مريم" طمنينيى عليكي
قالت "مريم" بأسى :
- مش هعرف أكلمك دلوقتى يا "مى" ولا حتى هعرف أشوفك مع انك وحشانى أوى .. بالليل ان شاء الله هنتكلم سوا براحتنا هفتح موبايلي وأتصل بيكي على موبايلك ماشى ؟
تمتمت "مى" :
- ماشى يا حبيبتى منتظرة اتصالك
************************************************
- "بهيرة" يا "مراد"
تفوه "سباعى" بهذه العبارة عبر الهاتف فقال "مراد" :
- ملها عمتو
صاح "سباعى" بغضب :
- مصره تسافرلك بكرة على مصر .. والدكاتره منعينها من أجل حركه خد كلمها اهى يمكن تسمع كلامك
قالت "بهيرة" بصوت متعب :
- اييوه يا "مراد" يا ولدى
قال "مراد"بقلق :
- انتى عاملة ايه دلوقتى يا عمتو
قالت بضعف :
- امنيحه يا ولدى امنيحه جوى وان شاء الله بكره هكون عندك فى مصر
قال "مراد" بإصرار :
- عمتو متجيش الا لما الدكاتره يسمحولك بالسفر ولما يسماحولك أنا بنفسى هاجى آخدك
- لازمن آجى يا ولدى فى حاجات كتير لازمن أعملها
قال "مراد" :
- كل حاجه تتأجل عشان صحتك يا عمتو .. وأى حاجه محتجاها تتعمل هنا قوليلى وأنا اعملها
قالت "بهيرة" بصوت ضعيف :
- كيفها "مريم" امنيحه يا ولدى؟
تمتم "مراد" :
- أيوة كويسة
قالت "بهيرة" :
- خلى بالك منيها .. البنية مظلوكة .. ولد عمك هو اللى افترى عليهايا ولدى متصدجش كلام "جمال" .. دى حكاية جديمة هبجى أحكيلك عليها لما آجى وأتكلم مع "مريم" .. أهم حاجة عندى دلوجيت متظلمش البنيه الظلم وحش يا ولدى وآخرته سوده اسألنى آنى
قال "مراد" بضيق :
- مش فاهم ليه انتى الوحيدة اللى مقتنعه انها مظلومة على الرغم من ان فى شهود وعلى الرغم من كلام "جمال" نفسه
قالت "بهيرة" بحزم :
- آنى حلفتها تجولى الحج وجالتلى انها مظلومة
قال "مراد" ساخراً :
- قالوا للحرامى احلف
قالت "بهيرة" بحدة :
- آنى مش بنت امبارح يا "مراد" آنى أعرف امنيح اذا كان اللى جدامى بيكذب عليا ولا بيجول الحج
ثم تمتمت بضعف :
- آنى هجفل دلوجيت يا ولدى وهبجى أكلمك بعدين
قال "مراد" بقلق :
- انتى كويسه يا عمتو
قالت وهى تجاهد ليخرج صوتها متوازناً :
- ايوة امنيحه .. لو مش عايزنى آجى الا لما صحتى تتحسن يبجى تخلى بالك من "مريم" امنيح وتحطها جوه عنيك .. سامعنى يا ولدى
قال "مراد" ببرود :
- متقلقيش يا عمتو هى كويسة ومش بتأخر عنها فى حاجه
- ربنا يبارك فيك يا ولدى .. فى حفظ الله .. أشوفك بخير
***************************************
فتح "سامر" باب بيته وأشار الى "سهى" قائلاً ك
- منورة البيت اتفضلى
دخلت "سهى" البيت وهى تبتسم بتوتر .. أشار "سامر" الى أحد الأرائك قائلاً :
- ادخلى يا بنتى مالك متخشبة كده
دخلت "سهى" وجلست .. ذهب "سامر" الى المطبخ وأحضر كوبين عصير .. وجلس بجوارها قائلاً :
- ياه أخيراً مخك لان ورضيتي تيجي
قالت "سهى" بتوتر :
- بصراحة أنا كنت مرعوبة كنت خايفة ان حد يشوفنى وأنا طالعة العمارة
ضحك "سامر" قائلاً :
- يا بنتى جمدى قلبك متبقيش خفيفة كدة
مسك الريموت وأخذ يقلب فى الفنوات قائلاً :
- ها تحبي نتفرج على ايه
توقف عند احدى المحطات قائلاً :
- الفيلم ده كويس هيعجبك أوى
ابتسمت "سهى" وقد بدأ يقل توترها .. قال "سامر" :
- نطلب بأه الأكل عشان منضطرش ننزل
بعد قرابة الساعتين من الكلام والضحك والمزاح نظرت "سهى" الى ساعتها وهبت واقفه وقالت :
- ياااه اتاخرت أوى يا حبيبى .. همشى بأه
وقف "سامر" قائلاً وعلامات الحزن على وجه :
- حبيبتى خليكي شوية كمان
قالت بأسف :
- معلش يا حبيبى بجد اتأخرت أوى
ابتسم لها قائلاً :
- طيب بس دى متعتبرش زيارة مستنيكي تانى بكرة
قالت بحيرة :
- بكرة
↚
قال "سامر" بمتسماً :
- اديكي شوفتى أهو .. اعادنا هنا أحلى كتير من بره .. أعدين براحتنا ومحدش بيضايقنا .. ولا أنا عملت حاجه تضايقك ؟
قالت بسرعة :
- لا يا حبيبى أبداً
- طيب يبقى تيجى بكرة به ان شاء الله وهكون محضر كام فيلم حلوين نشوفهم سوا
ابتسمت قائله :
- خلاص اتفقنا .. يلا سلام
قبلها على الباب مودعاً .. خرجت "سهى" وركبت الأسانسير .. خرجت منه لتجد امرأة فى وجهها ظلت تتفحصها وتنظر اليها بإحتقار .. نظرت اليها "سهى" ببرود ثم غادرت المبنى .. صعدت المرأة الى شقة "سامر" وضربت الجرس .. فتح "سامر" قائلاً:
- ماما
قالت المرأة بحده :
- ميت مرة قولتلك متجبش الأشكال دى بيتك بطل الأرف ده يا "سامر" متنجسش بيتك يا ابنى
قال "سامر" بنفاذ صبر :
- ماما بقولك ايه مش عايز عكننه .. روحى شقتك يلا
قالت أمه بغضب :
- يا ابنى اتقى ربنا بدل ما ربنا يبتليك بمرض
قال "سامر" وهى يخرج ويغلق الباب بعنف :
- سايبهالك مخضرة
نزل وعين أمه تتابعانه بأسى وهى تدعو له بالهداية .
2
********************************************
عاد "مراد" الى بيته فى وقت متأخر .. لم يسمع صوتاً قى البيت فصعد الى غرفته .. طرق الباب طرقات خفيفه ثم دخل .. لم يجد "مريم" فى الغرفة .. هم بأخذ ملابسه من الدولاب عندما سمع صوتاً قادماً من الشرفة .. اتجه الى الشرفة وأزاح الستارة قليلاً ليرى "مريم" واقفه تستند الى السور وتتحدث فى الهاتف .. فتح باب الشرفة قليلاً .. فسمعها تقول بعصبيه :
- بقولك كل حاجه حصلت بسرعة طبعا ملحقتش أصرخ .. لما حضنى أصلا اتخضيت لانى كنت فاكرة انى واقفه فى المكان ده لوحدى ولما حاولت أزقه لقيت فجأة رجاله حوليا وهو طلع يجري وأعدوا يسألونى انتى بنت مين
ثم أكملت بحده :
- يعني لو أنا واحدة وحشة أكيد مكنتش هقولهم أنا مين وكنت سيبتهم وجريت .. لكن أنا كنت مصدومة ولما عرفوا اسمى لقيتهم فجأة بيزعقوا جريت وروحت البيت وجم ورايا وحصل اللى حصل
- ---------------------
- تفتكرى .. لا طبعاً مكانوش هيسيبونى أهرب واحتمال كانوا موتونى ..
ثم قالت "مريم" بأسى :
- صعب أوى ما "مى" لما تحسي انك مظلومة والناس عماله تقطع فيكي بلسانها ومحدش مصدق انك بريئة .. أكتر حاجة وجعتنى لما قالى فى العربية متتكلميش كتير مع اخواتى دول بنات محترمة ومتربيين حسسنى كأنى واحدة من الشارع حسيت انى عايزة أعيط بس مسكت نفسي بالعافية عشان ميشمتش فيا
- ---------------------
- أعمل ايه مضطرة أتحمل لحد ما عمتو تيجي وتخلصنى منه هى وعدتنى انها هتخليه يطلقنى
ثم قالت بصوت كمن يوشك على البكاء :
- أول امبارح سمعنى كلام زى السم عشان كنت بتكلم وأضحك مع مامته واخواته فكرنى بعمل كده عشان ميطلقنيش .. قالى كلام صعب أوى خلانى نزلت أنام فى الجنينة مكنتش طايقة أنام معاه فى نفس الأوضة لحد ما تعبت وسخنت أوى
ثم أكملت بصوت مرتجف وأعين دامعه :
- تعرفى أكتر حاجه بتوجع هى انك تبقى عايشة مع حد يحسسك كل شوية انك واحده مش محترمة ورخيصة ودايرة على حل شعرك
أجهشت فى البكاء قائله :
- بيقولى كلام وحش أوى يا "مى" عمر ما حد أهانى كده
وضعت "مريم" كفها على فمها تكتمه حتى لا يصل صوت بكائها لأحد فى المنزل .. كان "مراد" يراقبها من خلف الزجاج ويستمع الى بكائها وقد عقد ما بين حاجبيه .. وقف الى أن سكنت وهدأ بكائها ثم التفت وغادر الغرفة وتوجه الى مكتبه بالأسفل جلس شارداً يسترجع كلماتها التى بثتها منذ قليل وهو يشعر بمزيج من الحيرة والأسى.
استيقظ "مراد" قبل الفجر بنصف ساعة ليجد الأريكة فارغة .. توضأ وأرتدى ملابسه وخرج يبحث عن "مريم" .. ظن انها فعلت كما فعلت من قبل ونامت فى الحديقة .. نزل الى الأسفل ليسمع تمتمه من غرفة المعيشة .. اقترب ببطء فرآى "مريم" تصلى حاملة مصحفها .. لم يصدر صوتاُ خشية منأن تنتبه اليه وتفقد تركيزها وخشوعها .. لا يدرى لما ظل ينظر اليها وشعور بالراحة والسكينة يغمر نفسه .. ظل دقائق واقفاً يراقبها .. ثم انصرف وغادر المنزل الى المسجد القريب .. أنهت "مريم" صلاة القيام قبل الفجر بلحظات ثم صلت الفجر وصعدت الى الدور العلوى طرقت باب غرفة "سارة" طرقات خفيفة .. فلم تجد استجابة فطرقته بقوة أكبر فتحت "سارة" الناعسة وهى تقول :
- فى حاجه يا "مريم"؟
ابتسمت "مريم" قائله :
- أيوة الفجر أذن قومى صلى يلا
فركت "سارة" عينيها وقالت :
- ماشى يا حبيبتى كويس انك صحتيني بقالى كتير مش بصليه
قالت "مريم" :
- بس اوعى تنامى تانى
ابتسمت "سارة" ابتسامه ضعيفه وهى تقول :
- لا فوقت خلاص
فعلت "مريم" المثل مع "نرمين" التى أجابت بحده قائله :
- كنت نايمة ربنا يسامحك
قالت "مريم" مبتسمه :
- صلى وكملى نوم
قالت "نرمين" بضيق :
- لما بصحى مبعرفش أنام تانى
ابتسمت "مريم" :
- أصلاً الافضل انك متنميش تانى البركة بتبقى فى الوقت ده .. يلا متكسليش وصلى
أومأت "نرمين" برأسها فى تبرم .. توجهت "مريم" الى غرفة "ناهد" فى تردد وطرقت الباب .. رأتها "سارة" وهى خارجة من غرفتها فإبتسمت قائله :
- لا متتعبيش نفسك ماما على طول بتصلى الفجر فى معاده
فتحت "ناهد" وهى مرتدية إسدال الصلاة وابتسمت وهى تنظر الى "مريم" و "سارة" قائله :
- ايه ده البيت كله صاحى ولا ايه
قالت "سارة" :
- آه "مريم" صحتنا عشان نصلى الفجر
قالت "ناهد" بعتاب :
- أخيراً .. طيب الحمد لله يا ست "سارة" ان فى حد قدر عليكي انتى و "نرمين" أنا فقدت فيكوا الأمل من زمان
ابتسمت "مريم" قائله :
- خلاص يا طنط سيبى صحيانهم عليا وأهو أخد ثواب من وراهم
قالت "ناهد" بمرح :
- ماشى يا قطة هعتمد عليكي فى الموضوع ده ربنا يعينك عليهم
عاد "مراد" من الخارج ليجد الثلاثة واقفين يتحدثون معاً فقال بإستغراب :
- فى حاجه
توترت "مريم" لرؤيتها اياه .. رؤياه دائماً تشعرها بالتوتر والإرتباك .. فقالت بصوت خافت :
- تصبحوا على خير
وهربت الى .. غرفته .. شعرت بالحنق .. فلا مهرب منه الا اليه .. قالت "ناهد" مبتسمه :
- مراتك ربنا يباركلها كانت بتصحينا عشان نصلى الفجر .. يلا روح نام بأه معدش الا كام ساعة وتقوم لشغلك
تمتم "مراد" :
- تصبحى على خير
- وانت من أهل الخير
دخل "مراد" غرفته .. حيث كانت "مريم" واقفة فى الشرفة يداعب وجهها نسمات الصباح الباردة .. وقفت شاردة تنظرالى الحديقة وما حولها .. فتح "مراد" باب الشرفة وقال لها بلهجة آمره :
- ادخلى
التفتت "مريم" التى فوجئت بوجوده .. نظرت اليه دون حراك فنظر اليها وأعاد ما قال :
- ادخلى
امتثلت لكلامه وتوجهت الى اريكتها أغلق "مراد" الشرفة بإحكام وأحكم غلق الستارة جيداً .. ثم توجه الى فراشه .. نامت "مريم" وقد أولته ظهرها .. أما "مراد" فقد غرق فى تفكير عميق .
1
**********************************
كان "مراد" غارقاً فى أعماله عندما وجد "طارق" أمامه .. شعر "مراد" بتغير صديقه فقال وهو ينظر اليه :
- مش عاجبنى على فكرة
قال "طارق"بتهكم :
- ليه بأه
ترك "مراد" القلم من يده ورجع بظهره الى الخلف ونظر الى صديقه متفحصاً وقال :
- حسك متغير .. معرفش ليه .. فى حاجة مضيقاك يا "طارق"
زفر "طارق" بضيق ثم قال بعصبيه وهو يتحاشى النظر الى عيني "مراد" :
- لا أبداً بس يمكن ضغط الشغل تعبلى أعصابي شوية
ابتسم "مراد" قائلاً :
- ماشى هحاول أقنع نفسي بكده
أمسك "مراد" قلمه مرة أخرى وعاود تفحص أوراقه عندما نظر اليه "طارق" وقال بشئ من التردد :
- انت بأه أخبارك ايه ؟
قال "مراد" دون أن يرفع رأسه :
- الحمد لله
قال "طارق" بصوت حاول أن يبدو عادياً :
- وأخبار عمتك ايه متعرفش هترجع امتى
رفع "مراد" رأسه ونظر الى "طارق" بتمعن وقال :
- لأ هى تعبانه شوية ومش هتقدر تيجي دلوقتى
قال "طارق" بشئ من الضيق :
- أنا مش عارف انت ليه مستنيها أصلاً يعني هى اللى هتطلق ولا انت .. طالما المشاكل فى الصعيد مش هنا خلاص طلقها وسيبها تشوف نصيبها
قال "مراد" بحزم :
- مستنى أتأكد ان المشاكل انتهت وان الطلاق مش هيسبب مشاكل تانية .. وبعدين لو سمحت يا "طارق" أنا مش حابب اسلوبك فى الكلام عن الموضوع ده
قال "طارق" وهو يحاول التحكم فى أعصابه :
- معلش يا "مراد" بس البنت فعلاً صعبانه عليا وحاسسها اتظلمت
قال "مراد" بهدوء :
- سألتك انت تعرف عنها ايه قولتلى متعرفش حاجه
قال "طارق" وهو ينهض :
- أيوة معرفش غير انها كان مكتوب كتابها وخطيبها مات
سأل "مراد" بإهتمام :
- اسمه ايه ؟
قال "طارق" بتهكم وهو يغادر الغرفة :
- معرفش اسألها
***********************************
قال "سامر" لـ "سهى" وهما جالسان معاً فى بيته ..
- حبيبتى ايه رأيك نسافر اسبوع مع بعض
قالت "سهى" بحنق :
- انت بتستهبل يا "سامر" وأقولهم ايه فى البيت
قال "سامر" ببساطة :
- قوليلهم طالعة رحلة مع صحابك
قالت "سهى" بعصبية :
- لا طبعا مستحيل يوافقوا انى أبات بره .. أسافر ماشى لكن من غير بيات
قبلها وابتسم قائلاً :
- خلاص يبأه نروح تقضى يوم فى أى مكان أنا وانت وبس يا جميل
نظرت اليه "سهى" قائله :
- وبعدين يا "سامر"
قال بدهشة :
- وبعدين ايه
قالت بأسى :
- وبعدين اخرة اللى احنا فيه ده .. مش ناوى تاخد خطوة بأه
قلبها قائلاً :
- أنا عايز آخد خطوات مش خطوة واحدة
أبعدته عنها قائله :
- "سامر" لو سمحت أنا بتكلم بجد
زفر "سامر" بضيق واعتدل فى جلسته قائلاً :
- مش فاهم قصدك يا "سهى"
قالت بعصبيه :
↚
- ايه اللى يمنع ان ارتباطنا يبقى رسمى يا "سامر" .. احنا الاتنين بنحب بعض ومفيش بينا مشاكل وانت ظروفك كويسة قولى بأه ايه يمنع
قال وهو يخرج سيجارة ويشعلها :
- للأسف يا حبيبتى مضطرين نأجل الموضوع ده شوية
قالت بحده :
- ليه يا "سامر" نأجله ليه
قال وهو ينظر اليها ويمرر أصابعه فى خصلات شعرها :
- عشان فى مشاكل دلوقتى فى البيت وعندنا حالة وفاة وطبعا مينفعش أخطب دلوقتى
قالت "سهى" بحزن :
- بس أنا نفسي ارتباطنا يبقى رسمى يا "سامر" .. نفسي ما أحسش انى بعمل حاجه غلط
اقترب منها أكثر وقبلها قائلاً :
- حبيبتى انتى مبتعمليش حاجه غلط وهو انتى مع واحد غريب انتى معايا انا ..
"سامر" اللى بكرة يبقى جوزك وتبقى مراته
قالت بلهفه :
- نفسي بأه يا "سامر" ده يحصل
عانقها قائلاً :
- هيحصل يا حبيبتى وقريب أوى بس مش طالب منك أكتر من انك تتحمليني شوية وتتحملى ظروفى لحد ما أقدر أتكلم معاهم فى البيت
ابتسمت قائله :
- ماشى يا حبيبى ولا يهمك
نظر اليها قائلاً :
- يعني هتقفى جمبي ومش هتتخلى عنى أبداً
قالت :
- أيوة طبعا يا حبيبى
ابتسم ونظر اليها بهيام قائلاً :
- طيب أنا عايز أطلب منك طلب والطلب ده هيثبت اذا كنتى فعلاً بتحبينى ومقدرة ظروفى ولا لاء
قالت له :
- اطلب يا حبيبى
قال "سامر" وهى ينظر اليها بخبث :
- تقبلى تتجوزيني
ضحكت بسعادة قائله :
- طبعاً موافقة
قال "سامر" :
- طيب قولى ورايا زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله
ضحكت "سهى" بمرح وقالت :
- زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله
قال "سامر" بخبث :
- وأنا قبلت زواجك
ثم قال :
- على فكرة احنا كدة خلاص يعتبر اتجوزنا
صاحت "سهى" :
- نعم .. لأ طبعا
قال "سامر" بثقه :
- لأ يعتبر اتجوزنا لأن الجواز عرض وقبول وانتى جوزتيني نفسك وأنا قبلت
قالت "سهى" بقلق وهى تبتعد عنه :
- انت بتهزر صح
- لأ طبعاً مبهزرش ده الكلام اللى بيقوله أى مأذون لما بييج يجوز اتنين لبعض واحنا قولناه يبقى خلاص متجوزين
هبت "سهى" واقفه وقالت بحده :
- انت بتستهبل يا "سامر" لا طبعا فى حاجات كتير ناقصة
جذبها من يدها وأعدها الى جواره ووضع ذراعه على كتفها وقال :
- طيب قوليلى ايه اللى ناقص
قالت بحيرة :
- ناقص ان يبقى فى مأذون وقسيمة جوازويبقى فى شهود
قال "سامر" :
- حبيبتى أولا تقدرى تقوليلى الناس زمان كانت بتتجوز ازاى .. قبل ما يكون فى مأذون وقبل ما يعملوا السجل المدنى .. هاا يعني ايام الرسول كان فى سجل مدنى ؟ طبعا لا .. كان فى مأذون .. طبعا لا .. كانت الناس بتتجوز بطريقتنا دى وبيكتبوا ورقة بينهم وبيبقى فى شهود وبيمضوا عليها كمان
صاحت "سهى" بحده :
- جواز عرفى ؟
قال "سامر" :
- الناس هى اللى أطلقت عليه الاسم ده لكن ده جواز طبيعى جدا
قالت "سهى" :
- لا طبعا مش طبيعى
قال "سامر" :
- يعني عايزه تفهميني ان كل الناس اللى كانت بتتجوز من قبل ما بخترعوا السجل المدنى كل دول جوازهم باطل ؟
صمتت "سهى" فى حيرة وهى لا تدرى ما تقول فأكمل قائلاً :
- لا طبعا .. ليه .. لان الجواز هو اللى احنا عملناه دلوقتى واحدة بتعرض نفسها وواحد بيقبل وربنا بيكون شاهد عليهم .. وعشان حقوق الطرفين بيكتبوا ورقة ويعملوا منها نسختين وبيكون عليها شهود وده اللى احنا هنعمله بالظبط
قالت "سهى" بأسى :
- وليه منتجوزش طبيعى زى ما كل الناس بتتجوز ونفرح أهلك وأهلى
قال "سامر" وهو يعانقها :
- حبيبتى أنا نفسي فى ده أكتر منك بس أعمل ايه فى الظروف اللى مضطرين نستحملها احنا الاتنين .. وقريب أوى المشاكل اللى عندى فى البيت هتتحل
نظر الى وجهها قائلاً :
- هااا يا حبيبتى ايه رأيك .. أنا فكرت فى كده لما لقيتك بتضايقي من وجودك هنا من غير ما يكون فى بينا حاجه رسمى .. جوازنا هيقلل احساسك بالذنب لانك مش هتبقى بتعملى حاجه غلط .. هتكون فى بيت جوزك يعني فى بيتك
نظرت اليه "سهى" بحيرة وصراع نفسي كبير بداخلها .. فأكمل "سامر" بهمس :
- أنا لو مكنتش بحبك مكنتش أصلا دخلتك البيت ده .. البيت ده مفيش أى واحدة بتدخله .. انتى الوحيدة اللى دخلته .. عارفه ليه .. لان ده بيتك يا "سهى" .. بيتك انتى وأنا جوزك انتى
نظرت "سهى" حولها تتطلع الى البيت ومازالت الحيرة فى عينيها فأكمل قائلاً :
- لو تحبي أنا ممكن أتصل بصحابي حالاً ييجوا ويشهدوا على جوازنا
قالت "سهى " بصوت خافت :
- لا يا "سامر" مش هينفع .. نستنى أحسن لما مشاكلك فى البيت تتحل
ابتعد "سامر" عنها ببرود وهب واقفاً وقال :
- يلا عشان عندى شغل ومضطر أمشى دلوقتى
وقفت ونظرت اليه بأسى اقتربت منه وحاولت أن تلمس ذراعه فنفضه بعيداً عنها توجه الى باب البيت وفتحه فى انتظار خروجها اقتربت منه "سهى" وقالت بأسى :
- "سامر" عشان خاطرى متزعلش منى .. بس مش هقدر بجد
قال ببرود دون أن ينظر اليها :
- يلا يا "سهى" لو سمحتى عايز أغير هدومى عشان ألحق معادى
قالت "سهى" بصوت حزين :
- طيب هنتقابل تانى امتى
قال ببرود :
- معرفش على حسب ظروفى
- طيب هكلمك أول ما أروح
لم يجيبها .. خرجت "سهى" وهى تشعر بالحزن والأسى.
***********************************
- قولتلك متتصلش بيا تانى لو سمحت
هتفت "نرمين" بهذه العبارة وهى تتحدث الى "حامد" عبر الهاتف فقال "حامد" بشئ من الحده :
- متبقيش عنيدة يا حبيبتى
قالت بحزم :
- بقولك متتصلش تانى .. ومقابلة مستحيل أقابلك .. بجد أنا مش فاهمة ازى كنت غبية كدة .. أنا اطمنتلك لما عرفت انك صاحب "مراد" ومتخيلتش أبداً انك ممكن تلعب بيا لأنك أكيد هتعمل حساب لأخويا .. بس بجد مش عارفه أقولك ايه أنا بجد بحتقرك أوى وبحتقر نفسي قبل منك لانى سمحتلك انك تتمادى معايا كده .. بجد لو سمحت كفاية كدة ومتتصلش بيا تانى
قال "حامد" بغلظة :
- ماشى يا "نرمين" .. مش هتصل تانى .. بس انتى اللى هتتصلى .. سلام
أنهت المكاملة وهى تشعر بتوتر بالغ .. جلست على فراشها مهمومة وحزينه .. طرقت "مريم" باب غرفتها ففتحت قائله :
- أيوة يا "مريم" فى حاجه
ابتسمت لها "مريم" قائله :
- أعده لوحدك ليه .. كلنا أعدين تحت تعالى اعدى معانا
قالت "نرمين" شارداه :
- لا مش عايزة
نظرت اليها "مريم" وقالت بقلق :
- مالك يا "نرمين" فى حاجة تعباكى
قالت "نرمين" بسرعة :
- لا مفيش حاجه مصدعة بس
قالت "مريم" بحنان :
- طيب يا حبيتبى هنزل أجبلك حاجه للصداع
قالت "نرمين" بسرعة :
- لا أنا أخدت خلاص شكرا يا "مريم" بس عايزة أنام شوية
- ماشى يا حبيبتى
أغلقت "نرمين" الباب ورمت بنفسها على فراشها وهى تشعر بالهموم تثقل كتفيها
بعد ما يرقب من ربع ساعة وجدت رسالة من "حامد" على هاتفها فتحتها وهبت من على فراشها واقفة وهى تردد :
- يا مصيبتي
سمعت بعدها صوت نغمة رسائل متتتالية .. كانت الصور تجمعها بـ "حامد" يوم أن تقابلا .. لكن الصور كانت معدلة أو بمعنى آخر محرفة .. فظهرت "نرمين" فى احدى الصورة و "حامد" ممسكاً بيدها عندما كانا جالسان معاً فى المطعم .. وفى صورة أخرى تُظهر "حامد" وكأنه يهم بتقبيلها .. وصورة التاكسى وهو يميل برأسه من الشباك لتقبيلها .. شعرت بقلبها يقفز من مكانه من شدة الفزع .. أتصلت به بأصابع مرتجفة .. لم يجيب من أول مرة ولا ثانى مرة أجاب فى الثالثه وقال بمرح :
- حبيبة قلبي .. كنت عارف انى مش ههون عليكي تحرمينى منك
قالت بصوت مرتجف :
- ايه الصور دى .. انت ازاى عملت فى الصور كده
قال "حامد" بمرح :
- دى صورى أنا وانتى يا حبيبتى لأول مقابلة بينا لحقتى تنسيها يا "نرمين"
قالت بصوت أوشك على البكاء :
- بس اللى فى الصور ده محصلش .. انت عملت ايه فى الصور .. وازاى صورتها أصلا
قال "حامد" ضاحكاً :
- ازاى صورتها فدى استعنت فيها بصديق .. أما ايه اللى عملته فى الصور فأنا ضفت عليها لمساتى .. ايه رأيك مش كدة أحلى .. آه صحيح يا "نرمين" كنت عايز أسألك تفتكرى هتعجب "مراد"
أجهشت فى البكاء قائله :
- حرام عليك .. أرجوك امسحهم لو "مراد" شافهم هيقتلنى
قال "حامد" :
- اسمعى كلامى وأنا أمسحهم
قالت من بين شهقاتها :
- مستحيل أقابلك أبدا مش هيحصل
قال "حامد" :
- وأنا مطلبتش أقابلك يا "نرمين" .. عايز منك حاجه تانية
توقفت عن البكاء وقالت بريبه :
- عايز ايه ؟
قال "حامد" :
- مش دلوقتى .. هقولك بعدين .. سلام يا حبي
أنهى المكالمة .. حاولت الاتصال به مرة أخرى لكنه لم يرد .. ألقت بنفسها على فراشها وقد أجهشت فى بكاء مرير
1
***********************************
عاد "مراد" من عمله ليجد أمه فى استقباله وهى تشير الى غرفة المعيشة قائله بحزم :
- عايزاك يا "مراد"
↚
شعر "مراد" بالقلق ولحق بها قائلاً :
- فى حاجه يا ماما .. البنات كويسين ؟
وقفت أمه فى مواجهته وقد عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بغضب:
- ملقتش الا بنت الراجل اللى قهر أبوك وتتجوزها يا "مراد"
صمت "مراد" قليلاً ثم قال :
- هى قالتلك
صاحت "ناهد" بغضب :
- هتقولى ازاى وانتوا من الواضح انكوا اتفقتوا مع بعض ان محدش يجبلى سيرة .. اكنى مكنتش هعرف فى يوم من الأيام
قال "مراد" بإستغراب :
- أمال عرفتى منين ؟
قالت "ناهد" بحده :
- اتصلت أطمن على عمتك .. مراة "سباعى" ردت عليا ولقتها بتقولى ربنا يكون فى عونك ازاى مستحملة بنت الراجل اللى جوزك اتظلم بسببه
نظر اليها "مراد" وقال مستفهماً :
- قالتلك حاجه تانى ؟
قالت "ناهد" ببرود :
- لا قالت كده بس واضطريت انى أعمل قدامها أكنى كنت عارفه ماهو مش معقول أحسسها انى آخر من يعلم ومش عارفه مين البنت اللى دخلت بيتي
شعر "مراد" بالراحة لأن أمه لم تعلم طريقة زوجه من "مريم" .. قال لها بهدوء :
- هى ملهاش ذنب فى اللى أبوها عمله زمان .. ربنا بيقول {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وحضرتك عارفه كده كويس
نزلت "مريم" الدرج وهمت بان تتوجه الى غرفة المعيشة عندما سمعت "ناهد" تقول بضيق :
- أيوة عارفه كده .. بس كنت اتمنى أعرف ده منك بدل ما أعرف من بره .. وكمان مش متخيلة ان مفيش بنت عجبتك فى البلد غيرها ده انا ياما جبتلك عرايس وتروح فى الآخر تتجوز بنت راجل زى ده
شعرت "مريم" بالألم وهى تستمع الى تلك الكلمات .. وتوجهت مسرعة الى غرفة "مراد" .. جلست على الأريكة وهى تستغفر الله عز وجل والدموع فى عينيها وتتمتم لنفسها :
- يا ربي أول ما بدأت أحس انى فى حد حنين عليا تتقلب الدنيا كده
تنهدت "مريم" بعمق وهى تحاول أن تتخيل معاملة "ناهد" لها بعدما علمت بمن تكون .. كان تلاقى من "مراد" الأمرين .. شعرت بأن أعصابها لن تتحمل ضغوطاً أخرى .. جلست تستغفر الله عز وجل عله يفرج كربها .. دقائق ورأت "مراد" يدخل الغرفة بعدما طرق الباب .. أغلق الباب خلفه فهبت واقفة وقالت :
- لو سمحت .. أنا عايزة أروح أعد فى شقتى
نظر اليها "مراد" صامتاً .. ثم قال :
- ليه ؟
قالت دون أن تنظر اليها :
- أنا غصب عنى سمعت جزء من كلام طنط "ناهد" .. مكنش قصدى أسمع .. وأنا شايفه ان معدش ينفع أستنى هنا
اقترب منها "مراد" فرفعت وجهها وابتعدت للخلف .. كان ينظر اليها بحده وقال بجديه بالغة :
- طول ما فى ورقة جواز بينا مش هسمحلك تسيبي البيت ده
علمت من نظراته ونبرة صوته أن الموضوع منتهى بالنسبة له .. قالت بحنق :
- طيب أنا كدة كدة لازم أروح هناك لانى محتاجة حاجات ليا فهروح بكرة ان شاء الله
قال "مراد" ببرود :
- مفيش مشكلة هروح معاكى
نظرت اليه قائله :
- لا مفيش مشكلة هروح لوحدى
قال بإصرار :
- قولت هروح معاكى .. جهزى نفسك على الضهر هرجع من المكتب أخدك
**********************************
فى الصباح حاولت "مريم" تجنب ملاقاة "ناهد" الى أن حضر "مراد" بسيارته وانطلقا معاً الى بيتها .. صعد "مراد" خلفها الدرجات المتهالكة .. توقفت أحد الأبواب التى يبدو عليها القدم .. دلفا معاً الى الداخل .. شعرت "مريم" بالتوتر الشديد لوجود "مراد" معها فى هذا المكان الخاص .. الذى يحوى ذكرياتها مع أسرتها .. أغلقت "مريم" الباب وقالت بتوتر :
- هخلص بسرعة
توجهت الى غرفتها و اخذت حقيبة من تحت الفراش وأخذت فى جمع ما أرادته .. فوجئت بـ "مراد" واقفاً أمام باب الغرفة المفتوح .. شعرت بالإضطراب .. نفس الإضطراب الذى يراودها كلما نظرت اليه .. أخذت عينا "مراد" تدوران فى الغرفة كعين الصقر .. يتفحص كل ما فيها .. وقع نظرة على الفراشين المتجاورين .. فنظر الى "مريم" قائلاً :
- انتى عندك اخوات
مرت سحابة حزن أمام عينيها قالت وهى تكمل حزم أشيائها :
- أيوة .. بس متوفية
لانت ملامح "مراد" قليلاً وهو ينظر اليها .. صمت قليلاً ثم قال :
- هى مامتك فى الصعيد مع أهل باباكى ولا عايشة هنا فى القاهرة ؟
بلعت "مريم" ريقها بصعوبة .. تباً لذلك لماذا يذكرها بكل ما فقدت .. قالت بصوت مرتجف دون أن تنظر اليه :
- اتوفت
قال "مراد" وهو يمعن النظر اليها :
- مامتك كمان متوفيه
أومأت برأسها فنظر اليها متفرساً :
- وانتى كنتى عايشة هنا ولا فى الصعيد ؟
- هنا
قال "مراد" بإستغراب :
- انتى كنتى عايشة هنا لوحدك
التفتت تنظر اليه وقالت بنفاذ صبر :
- أيوة أهلى كلهم ماتوا فى حادثة وأنا كنت عايشة لوحدى .. طبعا زمانك دلوقتى بتفكر ان أكيد كل الحاجات اللى سمعتها عنى صح وانى عملت اسوأ منها كمان .. ما هو مفيش واحدة عايشة لوحدها تبقى محترمة وعارفة ربنا
قالت ذلك ثم التفتت مرة أخرى توضب أغراضها .. ظلت نظرات "مراد" معلقة بها وشعور غريب يراوده .. أنهت ما تقوم به ثم التفت اليه قائله ببرود :
- خلصت
سبقها الى الخارج .. أثناء نزولهما فتحت احدى الجارات الباب وقالت :
- ايه ده مش معقول "مريم" .. فينك يا بنتى قلقتيني عليكى
اقتربت "مريم" من المرأة وقبلتها قائله :
- ازيك يا طنط وحشانى أوى
قالت المرأة بطيبة :
- وانتى كمان يا بنتى وحشتينى أوى انتى قولتى هتتصلى تطمنينى عليكي ولا اتصلتى ولا حاجه
قالت "مريم" بأسف :
- معلش يا طنط والله حصلت ظروف واتلبخت
ألقت المرأة نظرة على "مراد" الواقف خلف "مريم" .. ثم قالت لـ "مريم" :
- مين الأستاذ ؟
اضطربت "مريم" وشعرت بالتوتر .. لم يطاوعها لسانها على قول "زوجى" حاولت النطق بها لكنها لم تستطع .. تمتمت بصوت خافت :
- قريبي
ابتسمت له المرأة قائله :
- اتفضل يا ابنى تعالوا ادخلوا شوية
قالت "مريم" بسرعة :
- معلش يا طنط عشان مستعجلين هاجى لحضرتك تانى ان شاء الله
قالت المرأة بطيبة :
- طيب يا حبيبتى ربنا يوفقك .. زى ما قولتلك لو مش هتحتاجى الشقة عرفيني وأنا عندى اللى ياخدها
قالت "مريم" بهدوء :
- لا يا طنط محتجهاها أنا هرجع تانى بعد فترة ان شاء الله
قالت المرأة بحزن :
- ليه يا بنتى مرتحتيش مع أهل أبوكى ولا ايه
قالت "مريم" بأسى :
- يعني حصلت ظروف وهضطر أرجع تانى .. بس شوية كدة
ثم قبلت المرأة وعانقتها قائله :
- ان شاء الله هتصل أطمن عليكي .. مع السلامة
ودعتها جارتها قائله :
- مع السلامة يا حبيبتى خلى بالك من نفسك .. مع السلامة يا أستاذ
أومأ "مراد" برأسه وهو ينزل الدرجات خلف "مريم" .. انطلق "مراد" بسيارته ساد الصمت لدقائق الى أن قطعه قائلاً :
- كانت "جوزى" هتكون أفضل من "قريبي" خاصة وهى شيفانا نزلين مع بعض من شقتك
اضطربت "مريم" وخفق قلبها بشدة .. فتمتمت بصوت مضطرب :
- كدة أحسن عشان لما أرجع مضطرش أشرحلها ليه اتجوزت وليه اطلقت
ألقى نظرة عليها ثم عاود النظر الى أمامه مرة أخرى .. أوصلها "مراد" الى البيت ثم عاد الى مكتبه مرة أخرى .
دخلت "مريم" الفيلا وهمت بالصعود الى غرفتها عندما استوقفتها "ناهد" قائله :
- "مريم" عايزاكى لو سمحتى
توترت "مريم" وسارت خلفها حتى التفتت اليها "ناهد" قائله :
- بصى يا بنتى انتى دخلتى البيت ده وأنا مكنتش أعرف انتى مين يمكن لو كنت عرفت من الأول كان هيبقى رد فعلى معاكى مختلف .. بس أنا عرفتك وحبيتك يا "مريم" .. وبجد لما بقولك انى مش بفرقك عن "نرمين" و "سارة" فتأكدى انى بقول الحيقة
اغرورقت عينا "مريم" بالعبرات وحمدت الله فى سرها فأكملت "ناهد" مبتسمه :
- معلش اعذريني امبارح كنت منفعله واللى زود انفعالى انكوا خبيتوا عليا .. يعني كنت مضايقة جدا لان مراة "سباعى" عرفتنى انتى مين وأنا اللى عايشة معاكى فى بيت واحد معرفش
قالت "مريم" بسرعة :
- معاكى حق يا طنط انك تزعلى وتضايقى
ابتسم "ناهد" وربتت على ذراعها قائله :
- أنا أهم حاجه عندى سعادة "مراد" وأنا شايفاكى بنت مؤدية ومحترمة وطيبة ومش هلاقى لـ "مراد" أحسن منك
اتسعت ابتسامت "مريم" ومسحت العبرات التى تساقطت من عينيها رغماً عنها .. شعرت "ناهد" بالتاثر لمرآى عبراتها فعانقتها .. أغمضت "مريم" عينيها ودموعها تنهمر كالشلال .. كانت تخشى أن تعاملها "ناهد" بقسوة بعدما عرفت من تكون .. كانت "مريم" تشعر بإفتقادها لهذا الحضن الحانى الذى يحتويها برقه .. رفعت "ناهد" رأسها وقد اغرورقت عيناها قائله :
- بقولك ايه أنا مبحبش العياط ماشى
ابتسمت "مريم" وهى تمسح عبراتها قائله :
- ماشى
ربتت على ظهرها قائله :
- يلا يا حبيبتى اطلعى غيري هدومى عشان تاكلى انتى خرجتى من غير ما تفطرى
أومأت "مريم" برأسها وصعدت الى غرفتها وعينا "ناهد" تتابعانها فى حنو.
***********************************
- هتروح الجاليري بتاع "سامر"
تفوه "طارق" بهذه العبارة وهو فى مكتب "مراد" الذى قال :
- أيوة هروح عشان ميزعلش شدد عليا أوى
قال "طارق" متكاسلاً :
- مع انى مليش فى الرسم والمعارض بس مضطر أنا كمان أروح
نظر اليه "مراد" قائلاً :
- أيوة ضرورى تيجي ده أول معرض له وشدد علينا فعلاً
- طيب خلاص نتقابل هناك
أومأ "مراد" برأسه وعاد الى عمله .
فى المساء توجه "مراد" الى منزله وصعد الى غرفته وارتدى حلة أنيقة لحضور الجاليري .. أثناء نزوله توجه الى غرفة المعيشة .. فقالت "سارة" بمرح :
- ايه الشياكه دى يا أبيه
التفتت "مريم" بدون قصد الى حيث تنظر "سارة" فالتقت نظراتها بنظرات "مراد" فأشاحت بوجهها بسرعة .. قالت "ناهد" بدهشة :
- رايح فين يا "مراد" ؟
قال "مراد" بهدوء :
- فى واحد شريكى بيفتتح الجاليري بتاعه النهاردة و عزمنى عليه .. يلا مع السلامة
التفت ليغادر فأوقفته "ناهد" قائله :
- "مراد"
التفت ينظر اليها فاكملت بحزم :
- ومراتك يعنى ملهاش نفس تخرج
شعرت "مريم" بالحرج فأسرعت تقول :
- لا يا طنط أنا حبه أعد معاكوا
↚
لم تلتفت اليها "ناهد" بل أكملت وهى تنظر الى "مراد" :
- استناها لحد ما تلبس وخدها معاك
قال "مراد" بضيق :
- أنا مستعجل يا ماما
قالت "مريم" بحرج شديد :
- أنا فعلا مش عايزه أروح يا طنط أصلا معرفش حد هناك
قالت "ناهد" :
- تتعرفى لو متعرفيش حد تتعرفى وكفاية انك راحه مع جوزك مينفعش مناسبة زى دى يروح لوحده .. يلا قومى البسى
ثم التفتت الى "مراد" قائله :
- استناها مفيهاش حاجه لو اتاخرت شوية
التفت "مراد" الى "مريم" وقال بهدوء :
- يلا وحاولى متتأخريش
شعرت "مريم" بالضيق لوقوعها فى هذا المأذق .. نهضت متثاقله وارتدت ملابسها .. نزلت لتجد "مراد" ينتظرها فى البهو فقالت له بصوت خافت :
- أنا أسفة
لم يجيبها "مراد" ركبت بجواره وهى تشعر بالحنق والضيق الشديد لأن "ناهد" دون أن تدرى فرضتها عليه فرضاَ .
2
أخذ "سامر يرحب بضيوفه خاصة أولئك الذى أشادوا بلوحاته .. فجأة وجد يداً تربت على كتفه من الخلف التفت مبتسماً ثم تلاشت ابتسامته عندما وجد "سهى" أمامه .. قالت مبتسمه :
- مبروك يا "سامر"
قال "ببرود :
- الله يبارك فيكي
قالت بعتاب :
- ليه مبتردش عليا بتصل بيك كتير يا "سامر"
قال ببرود وهو يتحاشى النظر اليها :
- كنت مشغول
- يعني مشغول لدرجة انك متردش عليا ولا حتى تتصل بيا .. دى مش عادتك يا "سامر"
التقت اليها قائلاً بغلظة :
- اتعودى على كدة من هنا ورايح .. مش انت معتبرانى واحد غريب عنك .. خلاص خلينا أغراب كده
قال ذلك ثم تركها وتوجه الى احدى الفتيات ولف ذراعه حول خصرها وأخذ يهمس لها شيئاً بأذنها فانفجرت الفتاة ضاحكة .. ألقى "سامر" نظرة خبيثة على "سهى" التى وقفت تنظر اليهما وعلامات الاسى على وجهها .. اقترت منهما فى عصبية وقالت لـ "سامر" :
- لو سمحت يا "سامر" عايزه أتكلم معاك شوية
ترك "سامر" الفتاة متلكئاً ثم وقف أما "سهى" ينظر اليها دون أن يتحدث فقالت بحزن :
- ليه بتعمل فيا كده
قال "سامر" :
- انتى اللى عايزه كده .. مش انتى عايزة ميكنش فى حاجة بينا الا لما أتقدملك رسمى وتعاملينى زى ما بتعاملى أى راجل غريب خلاص خلينا كدة بأه لحد ما الظروف تتحسن
قالت "سهى" بعتاب :
- أنا ما قولتش نبعد عن بعض .. انا قولت نفضل مع بعض بس من غير الجواز ده
قال "سامر" بحده :
- ما هو مش بمزاجك يا "سهى" .. يا نقرب يا نبعد معنديش حلول وسط
قالت "سهى" والدموع فى عينيها :
- انت ليه بتعمل كده
-عشان انتى لحد دلوقتى مش عارفه تحبيني يا "سهى" ولا عارفه تثقى فيا .. انا أدامى مليون بنت لكن اخترتك انتى وانتى مش مقدرة ده
قالت برجاء :
- والله يا حبيبي مقدرة .. بس أنا...
بسط كفه أمامها وقاطعها قائلاً :
- كلمة واحدة .. عايزة تكونى معايا ولا لأ ؟
نظرت الى كفه الممدودة ثم اليه .. صمتت فحثها قائلا :
- كلمة واحدة عايزها منك .. آه ولا لأ
حسمت أمرها بعد حيرة ومدت كفها لتتشابك أيديهما قائله :
- أه .. آه عايزة أكون معاك
ابتسم لها "سامر" مقبلاً يدها .. فى تلك اللحظة لمح "مراد" وهو يدخل من الباب بصحبة "مريم" التى كانت تشعر بالحرج وهى تسير بجواره توجه "سامر" بصحبة "سهى" تجاه "مراد" لكنه توقف فجأة عندما رآى "مريم" بصحبته ونظر اليها بدهشة .. كانت دهشة "مريم" كبيرة عندما رأت "سهى" بصحبة "سامر" فقالت بدهشة :
- سهى !
قالت "سهى" بدهشة وهى تتطلع من "مريم" الى "مراد" :
- "مريم" !
قال "سامر" :
- ازيك يا "مراد" منور .. كنت هزعل منك أوى لو مكنتش جيت
ثم وجه حديثه الى "مريم" قائلاً :
- ازيك يا آنسه "مريم" ؟
نظر "مراد" الى "سامر" بحدة ثم نقل نظرة الى "مريم" قائلاً :
- انتوا تعرفوا بعض ؟
قال "سامر" بمرح :
- أيوة طبعاً دى الآنسة "مريم" ديزاينر حملتنا
قال "مراد" بسخرية :
- اظاهر ان الناس كلها عارفه انها ديزاينر حملتنا الا أنا
كان تركيز "مريم" مع "سهى" التى كانت ملابسها ملتصقة بجسدها بشدة .. وقد صبغت وجهها بالمكياج الصارخ ولا يخلو الأمر من ظهور جزء كبير من شعرها مع تساقط العديد من الخصلات على وجهها .. قالت "مريم" :
- "سهى" لو سمحتى عايزاكى شوية
انزوت الفتاتان فى أحد الجوانب وعينا "مراد" تتابعانهما .. نظر "مراد" الى "سامر " قائلاً بصرامة :
- انت عرفها من زمان ؟
قال "سامر" بلا مبالاة :
- روحت مكتبهم مرة مع "طارق"
ثم ابتسم بخبث قائلاً :
- بصراحة كنت رايح أظبطها لما شوفت شغلها قولت أكيد دى فنانة
ازدادت حدة نظرات "مراد" فأكمل "سامر" وهو يمط شفتيه :
- بس بصراحة ملقتهاش استايلى خالص
قال "مراد" وهو ينظر اليه بإمعان :
- يعنى ايه ؟
قال "سامر" متهكماً :
- جد أوى زيادة عن اللزوم .. متكلمتش فى كلمة واحدة بره الشغل حتى مكنش هاين عليها بتتسم فى وشنا
ثم وكزه "سامر" بكوعه بخفه وهو يغمز له بعينيه ويبتسم بخبث قائلاً :
- بس انت طلعت أسد .. عرفت توقعها .. انا كنت حاسس انك مش سهل
كانت نظرات "مراد" معلقة بـ "مريم" وقد شعر بشئ غريب يسيطر على كيانه كله .. كانت "مريم" تتحدث الى "سهى" قائله :
- ازاى يا "سهى" تخرجى معاه
قالت "سهى" بتأفف :
- "مريم" مش عايزة مواعظ الله يخليكي أنا اللى فيا مكفيني .. كل الحكاية انى جيت أباركله على الجاليري
قالت "مريم" :
- لما دخلت شوفتك ماسكة ايده يا "سهى" .. بس براحتك انتى أدرى بمصلحتك .. بس أحب أقولك عشان أكون خلصت ضميري أدام ربنا .. ان الراجل ده من ساعة ما شوفته قلبي اتقبض منه ومرتحتلوش أبداً فخلى بالك من نفسك
قالت "سهى" بنفاذ صبر :
- قولى لنفسك الكلام ده ما انتى داخله مع صحبك
قالت "مريم" بصرامة :
- ده مش صحبى .. ده جوزى
نظرت اليها "سهى" بدهشة وقالت :
- انتى اتجوزتى
أومأت "مريم" برأسها .. فقالت "سهى" بحدة وعصبية :
- طيب يلا عشان اتاخرنا عليهم
عادت الفتاتان .. وجه "سامر" حديثه الى "مريم" قائلاً بإبتسامه :
- "طارق" كان بيدور عليكي وقلب الدنيا عليكي كنتى مختفية فين ؟
لم يترك لها "مراد" فرصة للرد وأمسكها من ذراعها قائلاً لـ "سامر" :
- عن اذنك يا "سامر"
شعرت "مريم" بالحرج فنزعت ذراعها بهدوء من يده .. وقفا أمام احدى الصور .. تطلعت اليها "مريم" .. فى حين كان "مراد" يتطلع الى "مريم" .. التفتت "مريم" فتلاقت نظراتهما .. كان ينظر اليها متفحصاً كما يتفحص رواد الجاليرى اللوحات المعروضة أمامهم بأعين متفحصة .. أشاحت بوجهها خجلاً .. رن هاتفه فسمعته يقول :
- ماشى يا "طارق" خلاص هقوله .. لا أكيد مش هيضايق طالما الموضوع كده .. خلاص أشوفك بكرة فى المكتب
نظر "مراد" الى "مريم" قائلاً :
- خليكي هنا راجعلك
أومأت برأسها .. ذهب "مراد" ليخبر "سامر" بإعتذار "طارق" عن الحضور
اقترب أحد الرجال من "مريم" التى كانت تتفحص احدى اللوحات وقال لها :
- عجبتنى أنا كمان .. رقيقة أوى مش كدة
نظرت اليه "مريم" وتمتمت بخفوت :
- بعد اذنك
تركته ووقفت أمام لوحة أخرى وهى لا تدرى بأن عينا "مراد" كانت تراقب سكناتها قبل حركاتها .
عادا الى المنزل فى وقت متأخر لم يتحدثا معاً لا فى الحفلة ولا فى السيارة .. كان "مراد" يبدو شارداً متسغرقاً فى التفكير .. صعدا الى الغرفة فتوجهت الى الحمام وغيرت ملابسها وخرجت ليتبادلا الأدوار .. نامت "مريم"و تدثرت بغطائها وأولته ظهرها حاوت اغماض عينيها لكن النوم جفاها .. بدا على "مراد" أيضاً عدم الرغبة فى النوم .. أزاح الغطاء وجلس على فراشه يرمق "مريم" وقد بدا عليه التفكير العميق .. شعرت "مريم" بحركته فالتفتت لتراه جالسا على فراشه يتطلع اليها .. شعرت بالخجل فجلست فى مكانها .. التفت اليها "مراد" قائلاً بحزم :
- احكيليى اللى حصل فى الصعيد
نظرت اليه "مريم" بدهشة ثم قالت بسخرية:
- ليه مش حضرتك عارف كل حاجه .. كنت على علاقة بإبن عمك لحد ما الناس شافتنا سوا
ازدادت حدة نظرات "مراد" وقال بلهجة آمرة :
- مبحبش أكرر كلامى مرتين .. قولت احكيلى اللى حصل فى الصعيد
بلعت "مريم" ريقها وهى لا تفهم سبب طلبه لذلك وما الفائدة ان كان لن يصدقها أبداً .. تحاشت النظر اليه وقصت عليه ما حدث من أول خروجها مع "صباح" حتى قدوم الرجال الى بيت جدها .. مرت لحظات صمت من كليهما .. نهض "مراد" فجأة وأمسك بمصحفها الموضوع على الطاولة أمام الأريكة .. جلس على الطاولة وبدا قريباً منها .. ازداد خجلها واعتدلت فى جلستها أكثر .. أخذ "مراد" يفر صفحات المصحف ونظراته مركزة على "مريم" كنظرات أسد يتفحص فريسته قبل الإنقضاض عليها .. قال بصوت رخيم :
- تعرفى ايه عقاب اللى يحلف بالله كذب
نقلت "مريم" نظرها من المصحف فى يده اليه دون أن تتكلم .. فأكمل وهو مازال ينظر اليها نظرات بدت وكأنها تخترقها وتنفذ الى أعماقها :
- ده يبقى اسمه يمين غموس .. وده يمين كاذبه فاجرة .. وده من الكبائر وملوش كفاره .. تعرفى ليه اسمه يمين غموس ؟
لم يرف لـ "مريم" رمش نظرت فى عمق عيناه بثبات فأكمل قائلاً :
- لان صاحبه بيبقى مغموس فى الإثم .. ويوم القيامة بيتغمس فى النار بسببه .. ربنا بيقول فى سورة آل عمران { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم }
ظلت تنظر اليه بثبات فأكمل "مراد" بهدوء و بحزم :
- احلفى ان اللى قولتيه دلوقتى هو الحقيقة وانك مكدبتيش فى حرف واحد
صمتت "مريم" لحظات وكلاهما يتطلع الى الآخر بثبات ثم قالت بثقه شديدة :
- والله العظيم ما كدبت فى حرف واحد ومفيش حاجه حصلت أكتر من اللى حكيتها دلوقتى .. ولو كنت كدبت فى حرف واحد يارب أتغمس فى نار الدنيا قبل ما أتغمس فى نار الآخره
ظلت عينا "مراد" تنظرات فى عينيها والى تعبيرات وجهها بتمعن .. ثم أخفض بصره وقال :
- ليه "جمال" عمل كده .. يعني لو كان عايز يتجوزك ليه ميروحش يتقدم لأهلك
قالت "مريم" بحماس وقد شعرت بأنه بدأ يصدقها :
- أصلاً هو ميعرفنيش عشان يتقدملى .. أنا واثقه انه كان قاصد ان ده كله يحصل
نظر اليها "مراد" قائلاً وهو يفكر :
- يمكن شافك وعجبتيه وخاف يتقدم أهلك يرفضوه عشان المشاكل بين العيلتين
أزاحت "مريم" الغطاء وأنزلت قدماها على الأرض فقد كانت تشعر بالخجل من جلوسها أمامه بهذا الوضع ثم قالت بحزم :
- أصلاً أنا مروحتش الصعيد الا قبل المشكلة دى بكام يوم لحق فين شافنى وعجبته واتعلق بيا لدرجة انه يعمل كل الفيلم ده عشان يتجوزنى
↚
قال "مراد" وهو يمعن التفكير:
- يبأه زى ما عمتو قالتلى .. حساب قديم كان بيصفيه
قالت "مريم" بدهشة :
- حساب ايه
قال "مراد" بحزم :
- مش عارف .. بس هعرف .. لازم أكلم عمتو وأفهم منها كل حاجه
أومأت "مريم" برأسها وشردت قليلاً .. نظرت الى "مراد" فوجدته يتطلع اليها بنظراته فاحمرت وجنتاها واشاحت بوجهها .. نهض "مراد" قائلاً :
- نامى دلوقتى وأنا بكرة ان شاء الله هكلم عمتو
توسد كل منهما وسادته وكل منهما يفكر فى هذا الوضع الذى وصلا اليه .. ترُى ماذا ستكون نهاية المطاف ؟!
استيقظت "مريم" فجراً وتوضأت وارتدت اسدالها .. نظرت الى "مراد" النائم فى حيرة .. أتوقظه أم لا .. اقتربت منه .. يا الله ما أشد الشبه بينه وبين "ماجد" .. لم تكن لتجرؤ على النظر اليه وهو مستيقظ خشية أن يسئ تفسير نظراتها كما فعل من قبل .. لكنها الآن تتفرس فى ملامحه التى طالما أحبتها وعشقتها .. كان لديها عشرات الصور لـ "ماجد" لكن الصورة التى أمامها الآن حية تتنفس وتتحرك .. أخذت تتطلع الى ملامحه وهى تستعيد ذكرياتها مع "ماجد" .. وقفت دقائق عدة الى أن انفتحت تلك العينان لتنظران اليها فى ظلام الغرفة .. فزعت وانتفض جسدها ورجعت خطوة للخلف .. جلس "مراد" على فراشه وهو مازال ينظر اليها .. كانت تشعر بإضطراب وتوتر بالغ قالت بصوت مضطرب للغاية :
- الفجر .. وانت كنت نايم
كانت تتلعثم بشدة .. هربت من أمام ناظريه وخرجت من الغرفة وهى مغتاظه من نفسها بشدة .. صلت فى حجرة المعيشة وأيقظت البنات وأسرعت بالعودة الى الغرفة والتظاهر بالنوم قبل أن يعود "مراد" من المسجد
*********************************************
جلس "سامر" فى حجرة الإجتماعات فى انتظار حضور "مراد" و "طارق" .. دخل "طارق" واقترب من "سامر" قائلاً :
- ألف مبروك يا "سامر" وآسف جداً انى معرفتش آجى امبارح
جلس "طارق" قبالته فابتسم "سامر" قائلاً :
- ولا يهمك يا "طارق" .. "مراد" قالى امبارح
فتح "طارق" أحد الملفات التى أمامه وقال :
- ها ايه الأخبار بعت كام لوحة
ضحك "سامر" قائلاً:
- معظم اللوحات اللى كانت معروضة امبارح اتباعت
ضحك "طارق" قائلاً :
- كويس انى مجتش كان زمانك فلستنى .. أصلاً رسمك كتير بيعجبنى لو كنت جيت كنت خدتهم كلهم
قال "سامر" بخبث :
- سيبك انت من اللوح .. هو ايه اللى بيحصل بالظبط .. المزة بتاعتك لقيتها جايه امبارح مع "مراد"
قال "طارق" بإستغراب :
- مزة مين
ابتسم "سامر" وهو يغمز بعينه قائلاً :
- الديزاينر بتاعتنا اللى كل شوية تتحجج وتروح الشركة تشوفها
أغلق "طارق" الملف بعنف وهتف بـ "سامر" :
- انت قولت لـ "مراد" ايه ؟
قال "سامر" :
- ما قولتلوش حاجه عنك قولتله بس انى كنت رايح أظبطها وبعدين معجبتنيش
شعر "طارق" الضيق وهتف به :
- مكنش لازم تنطق أصلاً .. ممكن دلوقتى ياخد عنها فكرة غلط
قال "سامر" وهو يضيق عيناه :
- هى ايه الحكاية بالظبط
قال "طارق" بضيق :
- الحكاية ان "مراد" اتجوزها
هتف "سامر" بدهشة :
- ايه .. اتجوزها .. أنا كنت فاكرها صحبته
نظر اليه "طارق" بغيظ قائلاً :
- ليه من امتى كان "مراد" بيصاحب يعني .. انت مش عارف طبعه ولا ايه
قال "سامر" :
- ده أنا عكيت الدنيا آخر عك .. عشان كده حسيته غار لما قولته انى كنت رايح أظبطها
سأله "طارق" بإهتمام :
- غار ازاى يعني
قال "سامر" :
- مرضاش يخليها تتكلم معايا ولا حتى رضى يقف معايا وطول الوقت وهو واقف فى جمب معاها كإنه بيحرسها .. ولما حاولت أوجهلها كلام تانى استأذن وخدها ومشى
كان "طارق" يمعن التفكير فيما سمعه من "سامر"
كان "مراد" فى مكتبه وعلامات الالم على وجهه .. كان يشعر بألم شديد فى ساقه .. طوال الأيام الماضية لم يخلع ساقه الصناعية أبداً وذلك بسبب مشاركة "مريم" اياه غرفته .. لم يكن ليجرؤ على أن يظهر اعاقته أمامها .. كان يتحمل الألم أثناء نومه إلى أن اشتد به وأصبح لا يطاق .. فإضطر الى خلعها فى مكتبه .. وأمر السكرتيرة بإحضار "طارق" و "سامر" الى مكتبه .. بعد قليل حضر الاثنان فقال "مراد" محاولاً تجاهل الألم فى ساقه :
- خلونا نتكلم هنا
جلس الإثنان وقال "سامر" :
- طيب يا جماعة نتكلم الأول فى الماركة الجديدة والمشروع اللى متعطل ده
قال "طارق" موجهاً حديثه لـ "مراد" :
- "مريم" هتبتدى الشغل امتى الوقت مش فى صالحنا
اندهش "مراد" من شعور الضيق الذى راوده وهو يسمع اسم "مريم" من "طارق" بلا ألقاب .. ظهرت علامات الضيق على وجهه وتظاهر بالإطلاع على الملف الذى أمامه وهو يقول بجدية وحزم :
- اسمها "مدام" مريم
نظر اليه "طارق" بتمعن .. وظهر عليه الضيق هو الآخر .. فقال "سامر" :
- طيب هتبتدى الشغل امتى ؟
قال "مراد" وهو ينظر اليه :
- هتفق معاها النهاردة ان شاء الله
قال "سامر" :
- طيب تمام .. يبقى نجتمع معاها فى أقرب وقت ويفضل يكون بكرة عشان تبتدى هى الشغل من بكرة أو بعده بالكتير
نظر اليه "مراد" بحده وقال بحزم :
- مفيش داعى تيجى الإجتماع .. نتفق احنا التلاته على اللى احنا عايزينه وأنا هبلغها
قال "سامر" بتوتر :
- طيب تمام زى ما تحب أنا مكنش قصدى حاجه
تابع "طارق" "مراد" بعينيه والذى كان يبدو عليه العصبية ثم قال بهدوء :
- خلاص يا "مراد" زى ما انت قولت .. وعامة زى ما انت عارف ذوقى وذوقك واحد يعنى اتفق معاها انت على اللى انت شايفه وان شاء الله أنا و "سامر" مفيش اعتراض بالنسبة لنا
أومأ "مراد" برأسه دون أن ينظر اليهما .. وانتهى الإجتماع .. خرج "سامر" أولاً وقبل أن يخرج "طارق" بدا عليه التردد ثم التفت الى "مراد" قائلاً :
- اسمه "ماجد"
رفع "مراد" رأسه بحده ونظر الى "طارق" .. فأكمل "طارق" بهدوء :
- عامة هتلاقى عندك فى قسيمة الجواز كل بياناته لازم المأذون يكون كاتبها
قال ذلك ثم انصرف وترك "مراد" شارداً .. اذن فالإسم الذى كانت تردده "مريم" أثناء مرضها كان اسم زوجها .. تُرى أأحبته لدرجة أن تذكر اسمه فى مرضها وهو الذى توفى منذ أكثر من عام ! .. أيعقل انها مازالت تحبه حتى الآن ؟! .. أخذت الأسئلة تلاحقه دون أن بجد لها أى اجابه ..
************************************************
طرقت "ناهد" باب غرفة "نرمين" فتحت "نرمين" فى وجوم فقالت "ناهد" وهى تنظر اليها بإمعان :
- "نرمين" مالك .. بقالك يومين أعدة فى أوضتك ومش راضية تنزلى تعدى معانا .. فى ايه
قالت "نرمين" محاولة اخفاء ما تشعر به :
- مفيش يا ماما .. مصدعة شوية
اقتربت منها "ناهد" وتفحصت حرارتها وقالت :
- حرارتك عادية .. أمال من ايه الصداع اللى بقاله يومين ده
قالت "نرمين" بنفاذ صبر :
- خلاص يا ماما شوية وهيروح أنا هنام دلوقتى
قالت "ناهد" بحنان :
- طيب يا حبيبتى ولما "مراد" ييجى هخليه ياخدلنا معاد من الدكتورة ونشوف سبب الصداع ده ايه
قالت "نرمين" :
- ماما مفيش داعى أنا كويسة
قالت "ناهد" بإصرار :
- حبيبتى لازم نعرف سبب الصداع ده ايه ده بقاله يومين مش بيروح .. يلا نامى دلوقتى ولما ييجى "مراد" هصحيكى
دخلت "نرمين" وألقت بنفسها على الفراش وتركت لعبراتها العنان وهى تعلم جيداً أنه لا يوجد دواء فى العالم بإستطاعته أن يريحها ويشفى ما ألم بها .
************************************************
- كيفك يا ابنيتي وكيف جوزك
تلقت "مريم" اتصالاً من جدها وجدتها فكانت سعادتها غامرة وقالت :
- الحمد لله بخير يا جدو ازيك وازى تيته .. وعمو أخباره ايه دلوقتى
قال "عبد الرحمن" :
- امنيح يا بنيتي لا تجلجى .. من آخر اتصال بيناتنا وهو عم يتحسن يوم بعد يوم الحمد والشكر ليك يا رب
قالت "مريم" بتأثر :
- وحشتنى أوى يا جدو انت وتيته .. وازى "صباح" عاملة ايه
قال "عبد الرحمن " :
- امنييحه الحمده لله .. وانتى يا بنيتي وحشانا كتير ربنا يطمنا عليكي دايماً
اغرورقت عينا "مريم" بالعبرات بعدما أنهت المكالمة .. لكم اشتاقت اليهما بشدة ..
قال "عبد الرحمن" لزوجته :
- الحمد لله اطمنا عليها
قالت "زوجته: بأسى :
- وحشتنى جوى جوى يا حاج .. ياريت نبجى نروح نزورها جريب .. احنا علينا ليها حج بردك
قال "عبد الرحمن" وهو يتنهد بحسره :
- حج ليها ولأبوها .. ظلمته كتير جوى .. لولا ظلمى ليه كان زمانى عارفها من زمان .. ياريتنى كنت حوطت على "خيري" ولدى زى ما "سباعى" و "بهيرة" حوطوا على "خيري الهواري" .. كان زمانى متحرمتش منه ومن ولاده
قالت زوجته بحزن :
- ياما جولتلك يا حاج .. "خيري" راجل ويعرف ربنا بلاش تجسى عليه .. بس انت مكنتش بتسمع لحدا واصل
قال "عبد الرحمن" بأسى :
- كان الغضب والشك عميني .. والكلام اللى كنت عم بسمعه مكنش جليل .. كان لازمن أعرف انه بجه راجل وادرى بصالحه .. كان لازمن أبجى واثج فيه أكتر من اكده
قالت زوجته :
- خلاص يا حاج اللى فات مات .. ربنا يسامحنا كلياتنا .. كلياتنا أسأنا الظن فيه .. ربنا يجدرنا ونعوض بنته عن اللى عيميلناه فى أبوها الله يرحمه
**********************************************
دخل "سباعى" حجرة "جمال" بالمشفى وهتف قائلاً :
- كيفك دلوجيت يا ولدى
قالت زوجته الجالسه بجوار "جمال" تطعمه بيدها :
- امنييح يا حاج .. الحمد لله
قال "جمال" مبتسماً :
- امنييح يا بوى .. بس الوكل اللى عم توكلنى اياه أماى هو اللى هيجصف عمرى عن جريب
هتفت أمه فى عتاب :
- اكده يا "جمال" ده آنى عملالك الوكل ده بيدي ومرضيتيش حد يمد يده فيه غيري
قال "جمال" :
- تسلم يدك يا أماى
التفت "جمال" الى والده وقال :
- لسه مليجيوش اللى عيمل اكده يا بوى
قال "سباعى" وهو يجلس على أحد المقاعد :
- آنى لسه جاى من الجسم دلوجيت .. وعرفت انهم ليجيو سلاح مرمى فى صندوج الزبالة اللى جمب البيت .. عم يدوروا دلوجيت السلاح ده بتاع مين وبيجولوا هيبعتوه المعمل الجنائي عشان يعرفوا الرصاصة انطخت منيه ولا لا
قال "جمال" بغل :
↚
- آه لو أعرف مين اللى طخنى كنت جتلته بيدي
قال "سباعى" نحذراً :
- سيب الحكومة تتصرف يا ولدى هما أدرى بشغلهم .. ولما يعرفوا اللى طخك هما اللى هيجيبولك حجك منييه محناش عايشين فى غابة عاد
صمت "جمال" وهو يفكر بالتوعد لمن جرؤ وأطلق عليه النار يوم عرسه
************************************************** *
عاد "مراد" فى المساء حاملاً أحد الملفات فتح الباب وتوجه أولاً الى مكتبه .. وضع الملف على المكتب وأخذ فى البحث عن قسيمة الزواج التى وضعها فى أحد أدراج المكتب .. قاطعه فجأة اتصال هاتفى ينبئه بخبر زرفت له عيناه الدموع .. وبكى قلبه ألماً وحسرة ... موت عمته "بهيرة"
شعر "مراد" بالأمل فى قلبه وروحه لقد افتقد حضناً حانياً لا تقل محبته لها عن محبة "ناهد" .. استرجع وقال :
- انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيراً منها
قال "سباعى" بصوت باكى :
- الله يرحمها كانت ست مشفتش زييها .. الله يغفرلها ويرزقها الجنة
قال "مراد" وهو يحاول أن يفيق من صدمته :
- هجيلكوا حالا يا عمى
قال "سباعى" :
- بلاش تيجي يا ولدى .. عيلة المنفلوطي هيكون عينيهم مصحصحه لانهم هيبجوا عارفين ان أكيد "خيري" أو ولاده هيكونوا فى الدفنه
قال "مراد" بحزم :
- لازم أحضر دفنة عمتى يا عمى .. أنا جاى حالا
أغلق "مراد" الهاتف وهو يشعر بالحزن والأسى .. حملته قدماه بصعوبة الى أن توجه الى غرفة المعيشة حيث اجتمع الجميع وأنبأهم بهذا الخبر .. فتعالت الشهقات بالبكاء المرير .. كانت "مريم" تبكى تلك السيدة الطيبة من أعماق قلبها فلقد أحبتها ليس فقط لكونها أنقذتها من الزواج من "جمال" بل لأنها عمة "ماجد" لمست طيبتها وحنيتها فشعرت وكأنها افتقدت أمها للمرة الثانية .. أصرت "ناهد" على السفر مع "مراد" .. على الباب وقفت "سارة" تودعهما فالتفت "مراد" الى "سارة" الباكية قائلاً :
- مش هنتأخر يا "سارة" ان شاء الله هنرجع بكرة بالليل .. خلى بالك من أختك
صمت قليلا ثم قال :
- ومن "مريم"
أومأت "سارة" برأسها والدموع تنهمر من عينيها ..
1
دخلت "مريم" غرفة "مراد" وانهارت على الأريكة .. كانت تبكى "بهيرة" وتبكى الوضع الذى أصبحت فيه بمفردها .. فها هى منقذتها من هذا الزواج قد رحلت عن الدنيا .. جلست تسترجع وتدعو لها بالرحمة والمغفرة .. لم تشعر "مريم" بمضى الوقت وهى جالسه على الأريكة تحتضن قدميها الى صدرها .. أمسكت هاتفها الموضوع بجواها ونظرت الى الساعة التى تشير الى الثانية عشر الا خمس دقائق .. ياااه كم هى الآن فى أمس الحاجة لكلمة واحدة من كلمات "ماجد" .. تلك الكلمات التى تبث فيها الأمل وتحثها على الصبر وتطيب جروح روحها .. نظرت بلهفة الى تلك الأرقام وهى تتبدل كل دقيقة الى أن أتت اللحظة المنشودة .. قامت بلهفة وتوجهت الى الحقيبة الصغيرة التى تخفيها بين ملابسها فى الرف المخصص لها بالدولاب .. بحثت عن الخطاب الذى يحمل الرقم التالى .. أخذته بلهفة وجلست على الأريكة تحتضنه بين كفيها وتتعلق به كالغريق الذى يتعلق بقشة فى وسط بحر عميق مظلم .. همت بفتح الخطاب .. لكن يداها توقفت فجأة وتسمرت مكانها عندما وقع نظرها على الدبلة التى نقلتها "ناهد" من يدها اليمنى الى يدها اليسرة .. رفعت نظرها لتنظر الى فراش "مراد" وكأنها تنظر الى "مراد" نفسه .. توقف عقلها عن العمل للحظات ثم عاد ليعمل بسرعة جنونية .. أمن حقها أن تفتح هذا الخطاب ؟ .. هل هذا أمر صحيح ؟ .. أتعد هذه خيانة ؟ .. كيف خيانة وهذا ليس بزواج طبيعى ؟ .. حتى ولو لم يكن زواج طبيعى فهذا زواج أمام الله عز وجل ؟ .. هل لـ "مراد" عليها حقوق الزوج أم لا ؟ .. أليس من حق الزوج أن تحفظه فى نفسها ؟ .. أيصح أن تكون متزوجة من رجل وتقرأ خطابات رجل آخر ؟ .. هل هذه خيانة ؟ .. ظلت الأسئلة تقفز الى عقلها بسرعة لدرجة لم تستطع معها الإجابة على أى منها .. كيف لا تقرأ خطابات "ماجد" ؟ كيف تحرم منها ؟ .. تلك الخطابات هى سلواها الوحيدة فى هذه الدنيا؟ .. كيف تستطيع منع نفسها من فتح هذا الخطاب ومعرفة ما بثها اياه "ماجد" ؟ .. كيف تمنع نفسها من الشئ الوحيد الذى أبقاها محتفظة بعقلها بعدما آلم بها من مصائب ؟ .. كيف تمنع نفسها من الشئ الوحيد الذى يجعلها تتواصل مع "ماجد" كما لو أنه مازال حيا ؟ .. لكن كيف تخون "مراد" أمام الله إن كانت هذه بالفعل تعد خيانة ؟ .. أهذا فعلا محرم ؟ .. أهذه خيانة ؟ .. لا ولم ولن تكون خائنة .. تلك الكلمة القاسية لن تسمح بأن تنحدر لمستواها يوماً .. ظلت تحتضن الخطاب بين كفيها وفى عينيها ألم وحيرة كبيرة .. تقافزت العبرات من عينيها كل عبرة تصارع الأخرى لتسقط قبلها .. ظلت جالسه تحتضن الخطاب وهى لا تدرى ماذا تفعل .. وأخيرا حسمت أمرها ونهضت وأعادت الخطاب مرة أخرى الى الحقيبة بأيدٍ مرتعشة دون أن تقرأه .. أغلقت الدولاب ووقفت أمامه تسند جبينها اليه وقلبها يعتصر ألماً وقهراً وهو يقول : آسفة حبيبى لم يعد يحل لى قراءة خطاباتك الآن لأننى أصبحت زوجة لآخر .
دُفنت "بهيرة" وقد زرفت عليها دموع الرجال والنساء .. كانت "بهيرة" تتمتع بالحكمة ورجاحة العقل والطيبة وكان لها شعبية كبيرة وسط القبيلة .. صلى الجميع صلاة الجنازة وشيعوا جثمانها .. شارك "مراد" فى دفن عمته وقلبه يبكى قبل عيناه .. ظل يدعو لها ويستغفر لها الى أن حثه "سباعى" على مغادرة المقبرة .. توجه الجميع الى بيت "سباعى" كبير عائلة الهواري .. قدم "عبد الرحمن" واجب العزاء وجميع أفراد عائلة السمري الذين أحزنهم فقد تلك المرأة .. تجمعت النساء أيضاً فى بيت "سباعى" وقامت زوجته بواجب الضيافه .. بكت الكثير من النساء لفقدها فكل منهن تتذكر موقفاً طيباً من تلك المرأة فلكم ساعدت المحتاجين ورفقت بحال المظلومين ونصرت المستضعفين فكانت مثالاً للمرأة الصالحة .. فانهالت الدعوات لها بالرحمة والمغفرة
*************************************
أمضت "مريم" ليلها ساهرة وقد جفاها النوم .. خرجت فى الصباح لتجد "نرمين" و "سارة" جالستان فى الحديقة فلحقت بهما .. وجلست بجوارهما .. قالت "نرمين" بصوت باكى :
- مش قادرة أصدق انها ماتت واننا مش هنشوفها تانى
تمتمت "سارة" باكية :
- ربنا يرحمها
قالت "مريم" بتأثر :
- اللهم آمين .. بجد كانت ست طيبة أوى
ثم التفتت الى الفتاتان قائله :
- لازم تعملولها صدقة جارية يا بنات .. هو ده اللى هينفعها دلوقتى
أومأت الفتاتان برأسيهما فى صمت .. قالت "مريم" :
- بتصل بطنط "ناهد" كتير موبايلها مقفول .. هقوم أتصل بجدو وأشوف الأخبار ايه
قالت "سارة" :
- اتصلى بـ "مراد"
نظرت اليها "مريم" وأومأت برأسها بتوتر .. فهى لا تعلم رقم "مراد" وحتى لو علمت فما كانت ستجرؤ على الإتصال به .. اتصلت بجدها وعرفت منه أنهم انتهوا من دفنها .. لحظات واتصل "مراد" بـ "سارة" واخبرها أنهم سيضطرون للمبيت وسيحضرون فى الغد .. واتصل بمكتبه وأخبر سكرتيرته بسفره اليوم وبأن تعمل على الغاء كل مواعيده واجتماعاته لهذا اليوم ..
**************************************
- البقاء لله يا حبيبتى
قال "حامد" ذلك على الهاتف فهتفت "نرمين" بغضب وهى تغلق باب غرفتها جيداً :
- أفندم عايز ايه
قال "حامد" :
- تؤ تؤ اتكلمى معايا بإسلوب أحسن من كدة وإلا انتى عارفه كويس ايه اللى ممكن يحصل
أجهشت "نرمين" فى البكاء وقالت :
- انت عايز منى ايه حرام عليك .. "مراد" لو عرف هيقتلنى ويقتلك
قال "حامد" :
- وعشان ميعرفش هتعملى اللى هقولك عليه دلوقتى خاصة ان "مراد" مسافر يعني هتقدرى تتحركى بحرية
قالت بريبه :
- اعمل ايه
قال "حامد" :
- هتدخلى زى الشاطرة مكتب أخوكى هتلاقى عليه ملف اسمه "دراسات مصنع الملابس" هتجبيلى الملف وهكون مستنيكي فى العربية ادام الفيلا تيجي تسلميني الملف وامسح أدامك الصور ولا من شاف ولا من درى
قالت "نرمين" وهى تعاود البكاء :
- انت عاوزنى اسرق اخويا
- تؤ تؤ عيب عليكي دى مش سرقة
قالت "نرمين" بحده :
- لو لقى الملف مش موجود هيسألنا كلنا
قال "حامد" :
- متقلقيش يا قلبي انا هاخد منه نسخه وأرجعهولك تانى
قالت "نرمين" باكية :
- مش هقدر اعمل كده
قال "حامد" بغضب :
- طيب حلو اوى سلام بأه عشان عايز ابعت رسالة مهمة لاخوكى تجيبه من الصعيد على ملى وشه
هتفت "نرمين" بلهفه :
- لا استنى ارجوك اوعى تبعت حاجه لـ "مراد" ده هيموتنى
قال "حامد" ببرود :
- هستناكى ادام باب الفيلا الساعة خمسة .. خمسة ودقيقة هبعت صورك لاخوكى .. سلام يا حبي
أجهشت "نرمين" فى البكاء وهى لا تدرى ماذا تفعل اتلبي طلبه منها .. أم تخاطر بأه يرى "مراد" تلك الصور التى تم التلاعب بها والتى بالتأكيد ستثير جنونه ؟!
******************************************
فى الخامسة الا ربع فوجئت "نرمين" برسالة من "حامد" يذكرها بموعدهما أمام الفيلا .. وأرفق مع الرسالة احدى الصور التى تم التلاعب بها فأجهشت فى البكاء وهى تقول :
- حسبي الله ونعم الوكيل
كان خوفها من رد فعل اخيها أكبر من حذرها وأكبر من قدرتها على التفكير بوضوح .. فدخلت المكتب وأخذت تبحث عن الملف المطلوب .. لم تستغرق وقتاً فى البحث فقد كان الملف موضوعاً فوق المكتب وهو أول ما وقعت عليها عيناها .. أخذت الملف بأيدٍ مرتجفة .. وغادرت الفيلا دون أن يراها أحد .. مشيت فى اتجاه البوابة وقدماها تصطكان ببعضهما من شدة الخوف .. كانت تعلم بأنها تضيف الى رصيد أخطائها خطأ جديداً لكنها كانت تشعر بأنه ليس فى يديها حيلة فهى لن تخاطر بأن ينفذ "حامد" تهديده ويرسل الصور لـ "مراد" .. خرجت من البوابة لتجده قد اصطف سيارته على بعد أمتار جالساً أمام المقود وينظر اليها مبنتسماً .. شعرت بالكره الشديد له .. وانقلبت كل ذرة اعجاب له فى قلبها الى احتقار .. توجهت الى السيارة وهى تنظر حولها خشية ان يراها أحد ثم فتحت باب السيارة ومدت يدها بالملف .. أمرها قائلاً :
- اركبي لحد يشوفك
قالت له بتوتر :
- لا خد الملف وامسح الصور
أخرج هاتفه وقال :
- اركبي هتخلى الناس تاخد بالها مننا
نظرت حولها وركبت خشية ان يراها أحد فى مثل هذا الوقت .. بمجرد ان دخلت السيارة أحكم اغلاق الأبواب آلياً .. فزعت "نرمين" وحاولت فتح الباب ففشلت نظرت اليه برعب فضحك قائلاً :
- وقعت فى المصيدة يا جميل
أجهشت "نرمين" فى البكاء وهى تحاول فتح الباب قائله :
- افتح الباب .. ارجوك افتح الباب
قال "حامد" وهو يخرج من جيبة قطعة قماش مغمورة بسائل مخدر :
- أخوكى خسرنى صفقة بالملايين كل ده عشان بوست موظفه عنده طيب يشوف بأه اللى هيحصل فى أخته .. أخته الحلوة اللى أنا واثق انها هتخاف تفتح بقها بكلمة واحدة
كانت كلماته مفعمة بالكرة والبغض .. أخذت "نرمين" بالصراخ لكن قبل أن تصل صرخاتها الى أحد أطبق على فمها وأنفها بالمخدر ففقدت وعيها .. أدار السيارة وانطلق بها ...
لم تسير السيارة الا عدة أمتار ليضطر "حامد" الى الضغط على المكابح بعدما ظهرت أمامه "مريم" تمنعه من التحرك بسيارته وتضرب بيدها على السيارة من أمام وتصرخ مستنجدة بالناس .. لم يستطع التحرك الى الأمام فحاول الرجوع الى الخلف لكن صرخات "مريم" قد لفتت انتباه أحد المارة فأقبل على السيارة من الخلف فصرخت به قائله وهى تشعر بالإنهيار التام :
- أرجوك الحقنى .. الراجل ده خاطف اختى
انضم اليهما أحد المارة فلم يستطع "حامد" التحرك بسيارته .. فبحركة سريعة فتح الباب ودفع "نرمين" منه فتحركت "مريم" من مكانها أمام السيارة وأخذت تبعد "نرمين" عن عجلات السيارة فإنطلق "حامد" بأقصى سرعة .. جلست "مريم" بجوار "نرمين" تحمل راسها وهى تبكى :
- "نرمين" .. انتى كويسة .. ردى عليا عمل فيكي ايه
قال الرجل :
- شكلها اغمى عليها
حاولت "مريم" افاقتها ففشلت .. ساعدها الرجل على حملها داخل الفيلا شكرته وصرفته سريعاً .. فزعت "سارة" لرؤية "نرمين" فى هذه الحالة :
- "نرمين" .. ايه اللى حصل يا "مريم" .. أغمى عليها ولا ايه ؟
قالت "مريم" بلهجة آمرة :
- خليكي معاها هقفل البوابة وأرجعلك
خرجت "مريم" مسرعة وتأكدت من غلق البوابة جيداً ثم عادت ادراجها .. قالت لـ "سارة" :
- الدكتور اللى جالى يوم ما تعبت ده قريبكوا مش كدة
قالت "سارة" وهى تبكى :
↚
- أيوة قريبنا ده "أحمد" ابن خالتى
قالت "مريم" لهفة :
- بسرعة اطلبيه خليه ييجى
بعد فترة بدأت "نرمين" فى الإفاقه نظرت الى ما حولها بفزع وأخذت تصرخ وتبكى أخذتها "مريم" فى حضنها قائله :
- متخفيش يا حبيبتى انتى فى البيت
قالت "سارة" بإستغراب :
- هى ملها مفزوعة كدة
قالت "مريم" :
- "سارة" روحى هاتيلها كوباية ماية لو سمحتى
تعلقت "نرمين" بـ "مريم" وكأنها تخشى عودة "حامد" من جديد .. هدأت "مريم" من روعها وقالت :
- الدكتور قريبكوا جاى دلوقتى .. هنقوله ان اغمى عليكي .. ماشى .. متجبيش سيرة عن اللى حصل لحد ما أفهم منك الموضوع
أومات "نرمين" برأسها .. بعد نصف ساعة حضر "أحمد" .. كان شاباً فى الخامسة والعشرين متوسط الطول ابيض البشرة ذو عينين رمادتين .. قالت له "مريم" :
- عايزين بس نطمن عليها لانها تعبت شوية واغمى عليها
نظر "أحمد" الى "نرمين" التى يبدو عليها آثار البكاء فشرحت له "مريم" قائله :
- هى زعلانه على موت عمتها الله يرحمها
أجهشت "نرمين" فى بكاء حار فجلست "مريم" بجوارها وعانقتها .. فقال "أحمد" :
- متقلقيش هى بس تريح نفسها وتاخد الدوا ده وان شاء الله هترتاح كتير
أخذت "مريم" منه الروشته وشكرته .. فقال :
- هو "مراد" لسه فى الصعيد مش كدة
أومأت برأسها فقال :
- لو تحبوا أستنى معاكوا هنا .. لولا ان ماما تعبانه ونايمة فى السرير كنت كلمتها تيجي تعد معاكوا
قالت "مريم" بسرعة :
- لا مفيش داعى وكمان بلاش تقلق طنط .. هى "نرمين" شوية وهتبقى كويسة
أومأ برأسه ونظر الى "نرمين" بقلق ثم قال :
- طيب لو احتجتونى فى أى وقت كلمونى
قالت "مريم" :
- شكراً
أوصلته للبوابة وأغلقتها خلفه جيداً .. وعادت الى "نرمين" .. كانت "سارة" بجوارها جلست "مريم" أمام "نرمين" وهما يتبادلان النظرات .. قالت "مريم" بهدوء :
- احكيلى اللى حصل بالظبط
نظرت اليها "نرمين" قائله بصوت مضطرب :
- انتى شوفتيني ؟
قالت "مريم" :
- كنت واقفة فى البلكونة وشوفتك وانتى خارجة من البوابة ولقيتك بتركبي العربية معاه جريت ساعتها عشان أشوف مين ده اللى خرجتي تركبي معاه ومن غير ما تقولى لحد انك خارجة .. اول ما خرجت من البوابة شوفته وهو بيخدرك فجريت على العربية واعدت اصرخ لحد ما اتنين كانوا مشيين جم وساعتها هو خاف ورماكى من العربية
شهقت "سارة" وهى تقول :
- الكلام ده صح يا "نرمين" ؟
اجهشت "نرمين" فى البكاء وهى تقول :
- انا فى مصيبة .. "مراد" هيقتلنى
جلست "مريم" بجواها وعانقها قائله :
- حبيبتى اهدى واحكيلى كل حاجة عشان نقدر نتصرف
قصت عليهما "نرمين" كل شئ بالتفصيل من اول مكالمات "حامد" وخروجها معه الى ابتزازه لها بالصور .. ثم أضافت باكية :
- والله العظيم اللى فى الصور ده محصلش .. انا معرفش هو ازاى عمل كدة
قالت "مريم" بإهتمام :
- وريني الصور كدة
قالت "نرمين" :
- مسحتها
ثم قالت فجاة :
- لأ استنى آخر صورة اللى بعتهالى النهاردة ممسحتهاش
أخذت "مريم" تنظر الى الصورة جيداً بنظرات خبيرة ثم قالت بحزم :
- على فكرة واضح جداً انها متفبركة ده شغل فوتوشوب وشغل هواه كمان مش بروفيشنال
قالت "نرمين" وقد شعرت بالأمل :
- بجد يعني واضح انها مش حقيقية ؟
قالت "مريم" بثقه :
- ايوة لو دققتى فيها هتعرفى انها مش طبيعية .. وكمان انتى نسيتى ان أنا ديزاينر يعني اقدر بسهولة اميز الفرق بين الصورة الأصلى واللى داخل عليها تعديلات
قالت "نرمين" باسى :
- بس "مراد" لو شافها مستحيل يصدق انها متعدلة
قالت "مريم" بحزم :
- انتى ليه فكرتى بالشكل ده يا "نرمين" .. ليه فكرتى انه هيقتلك وليه فكرتى انه مش هيصدق .. أظن اخوكى عارفك كويس وعارف اخلاقك .. ايوة انتى غلطتى وكان المفروض تعترفى بالغلط ده بدل ما تصلحى الغلط بغلط اكبر .. الراجل ده كان هيفضل يبتزك طول عمرك ومكنش هيقف عند حده أبداً .. عارفه ليه ؟ .. لانه عرف واتأكد انك ضعيفة وجبانة ونقطة ضعفك هى خوفك من أخوكى .. عشان كدة قدر يستغل نقطة ضعفك دى كويس .. أما لو كنتى من البداية لما عرفتى انك غلطتى جيتى لـ "مراد" واعترفتيله بكل حاجة مكنش الراجل ده قدر يبتزك وكان "مراد" قدر يوقفه عند حده .. لكن للاسف انتى بضعفك وبخوفك سمحتيله انه يتحكم فيكي .. الحل كان فى انك تعترفى بغلطك وستتحملى عقاب اخوكى ساعتها .. كان الموضوع هيكون أسهل بكتير أوى من كل اللى حصل ده ..
قالت "نرمين" بأسى :
- انا كنت خايفة .. كنت خايفة "مراد" يعرف
قالت "مريم" بحزم :
- وخوفك ده خلاه يتحكم فيكي أكتر وطلباته تزيد أكتر وخلاكى تسرقى ملف من مكتب اخوكى وخلاكى تروحى تقابليه أدام الفيلا وتركبي جمبه فى العربية .. وأظن انتى عرفتى دلوقتى ايه اللى كان ناوى يعمله .. ولو كان ده حصل كان هيفضل برده يبتزك لانه عرف انك ضعيفة وهتخافى تحكى لاخوكى وكنتى هتفضلى فى الدوامة دى طول عمرك .. يبأه ايه الأسهل ..؟؟ انك تعترفى بغلط صغير وتتحملى عقابلك عليه .. ولا تتمادى وتصلحى كل غلطة بغلطة أكبر وأكبر ؟؟ وتضيعي نفسك وحياتك وتسمحى لواحد حقير زى دة انه يتحكم فيكي ؟؟
قالت "سارة" بقلق :
- طيب والحل دلوقتى
قالت "مريم" بحزم :
- لازم اخوكوا يعرف .. محدش هيوقفوا عند حده غيره
قالت "نرمين" باكية :
- طيب نحاول نحل الموضوع مع بعض وانتى يا "مريم" ممكن تتصلى بـ "حامد" وتهدديه
قالت "مريم" بصرامة :
- اللى زى ده عايز راجل يقفله .. لو أنا اتصلت هيعرف ان أنا كمان خايفة من "مراد" .. وهيعرف انه قدر يلمس نقطة ضعفنا كلنا .. ومستحيل هيتراجع .. وحتى لو تراجع .. اللى زى ده لازم يتربى .. لازم يعرف ان مش من الساهل انه يتعدى على حرمة غيره .. مينفعش واحد زى ده نسكت عليه .. لازم يتربي ويتعلم الادب
نظرت الى "نرمين" قائله :
- نامى دلوقتى وبكرة لما "مراد" ييجى انتى بنفسك هتحكيله كل حاجه
قالت "نرمين" بضعف :
- مش هقدر احكيله .. قوليله انتى يا "مريم"
نظرت اليها "مريم" وقالت بإصرار :
- لا يا "نرمين" انتى اللى هتحكيله .. يسمع منك احسن ما يسمع منى أو من أى حد تانى
دثرتها "مريم" وبقيت بجوارها الى ان نامت .. ودخلت غرفة "مراد" وهى تفكر فى هذا المأذق الذى وقعت فيه "نرمين" .
******************************************
فى اليوم التالى اتصل "مراد" بـ "سارة" ليخبرها بأنه و "ناهد" فى طريقه الى القاهرة .. ظلت "نرمين" تبكى طوال الوقت "وسارة" و "مريم" بجوارها يهدؤنها .. انتفضت بفزع عندما سمعت صوت سيارة "مراد" .. نزلت "مريم" وفتحت البوابة التى تغلقها طول الوقت بإحكام .. توقف "مراد" بسيارته ونظر اليها قائلاً :
- قافلين البوابة بالنهار ليه
قالت "مريم" وهى تتحاشى النظر اليه :
- عادى
سبقها "مراد" بسيارته التى اوقفها أمام باب الفيلا نزلت "ناهد" وسلمت عليها "مريم" قال "مراد" وهو يعود لركوب سيارته :
- انا راجع المكتب يا ماما
لفت "مريم" بسرعة حول السيارة وقالت له :
- لا .. لو سمحت فى حاجه لازم نتكلم فيها
تركتهما "ناهد" يتحدثان معاً وصعدت الى غرفتها .. نظر اليها "مراد" بقلق وقال :
- فى ايه
بلعت "مريم" ريقها بصعوبة كانت تخشى تلك المواجهة ولكنها تعلم أنها شئ لابد منه .. قالت بهدوء :
- ممكن نتكلم فى مكتبك لو سمحت
نزل "مراد" من السيارة وهو يرمقها بنظرات متفحصه .. سبقها الى المكتب فقالت :
- ثوانى وراجعه
لم يتكلم "مراد" بل سدد اليها نظرات تريد اختراقها لتصل الى معرفة ما يحدث .. صعدت "مريم" الى غرفة "نرمين" وقالت :
- يلا يا "نرمين" .. أخوكى مستنينا فى المكتب
قالت "نرمين" بفزع :
- قولتيله حاجه
قالت "مريم" وهى تنظر اليها بشفقة :
- لا يا حبيبتى قولتلك الاحسن انتى اللى تحكيله بنفسك
امسكتها من يدها وسحبتها ورائها .. كانت "نرمين" تشعر بأن قبلها على وشك التوقف من شدة الرعب .. دخلتا الى غرفة المكتب وأغلقته "مريم" خلفها .. نظرت "مريم" الى "مراد" الذى وقف وقد شبك يديه خلف ظهره وأخذ ينقل نظره بينهما فشعرت بالرعب هى الاخرى وعذرت "نرمين" فى خوفها .. لم تعد قدما "نرمين" قادرتان على حملها فجلست .. قال "مراد" بصرامة :
- فى ايه .. ايه اللى بيحصل بالظبط
اقتربت منه "مريم" وقالت بهدوء وهى تحاول أن تخفى توترها :
- "نرمين" عايزة تقولك حاجه .. بس لو سمحت خليك هادى واسمع كل كلامها للآخر .. هى هتحكيلك بنفسها .. يعني محدش فتنلك عليها .. لا .. هى اللى جتلك تتكلم بنفسها
التفتت "مريم" لتنصرف فنادتها "نرمين" قائله بصوت باكى :
- لا يا "مريم" عشان خاطرى متمشيش
اعادت "مريم" ادراجها .. نظر "مراد" الى "نرمين" وقال بقلق :
- فى ايه يا "نرمين"
نظرت "نرمين" الى "مريم" التى أومات برأسها تشجعها على الكلام .. فاخذت نفساً عميقاً وهى تحاول التماسك .. واخذت تقص عليه كل شئ بصوت مرتجف مبحوح من كثرة البكاء .. انتهت من كلامها وران الصمت فى الغرفة لا يسمع فيها الا صوت عقارب ساعة الحائط .. ما هى الا لحظات من السكون قبل أن تهب العاصفة .. صاح "مراد" وهو يمسكها من ذراعها ليوقفها بقوة :
- بتقولى ايه .. ايه اللى انتى بتقوليه ده
اسرعت "مريم" تحاول نزع ذراعها من يده وهى تقول بلهفه :
- براحة عليا .. هى غلطت ومعترفه بده وجت حكيتلك بنفسها
بدا وكأن "مراد" لم يسمع كلمة مما قالتها "مريم" واشتدت قبضته على ذراع "نرمين" الى ان صرخت وبكت من الألم وهو يصرخ قائلاً :
- دى التربية اللى انت اتربتيها .. دى الاخلاق اللى علمنهالك .. مش مكفيكى مقابلتك له راحه كمان تركبي معاه العربية .. افرضى كان قدر الحقير ده انه يخطفك .. عارفه كان هيحصل فيكي ايه يا "نرمين"
بدا وكأنه سيهم بضربها .. بكت "مريم" وهى تحاول تخليصها من قبضته وهى تقول :
- "مراد" لا يا "مراد" عشان خاطرى .. هى غلطت بس عشان خاطرى متضربهاش .. هى جت اعترفتلك هى لو كانت وحشة مكنتش اتكلمت .. سيبها بأه عشان خاطرى
كانت نيران الغضب تشتعل داخل عيناه ..دفعته "مريم" بقدر ما استطاعت وخلصت "نرمين" من قبضته وقالت لها بلهفه :
- بسرعة اطلعى على أوضتك
خرجت "نرمين" مسرعة وهى تبكى استقبلتها "سارة" بالخارج وأصعدتها الى غرفتها .. وقفت "مراد" وبدا وكأنه يوشك على الفتك بشخص ما .. قالت له "مريم" وهى تتحدث بسرعة :
- فكر قبل ما تعمل اى حاجه .. ما تأذيش نفسك مامتك واخواتك ملهمش غيرك .. لو اشتكيته انا هشهد عليه ودول كذا قضية فى بعض خطف وابتزاز يعني هيورح فى داهية ان شاء الله
بدا وكأنه لم يسمع كلمة مما قالت .. كانت تعبيرات وجهه تشع غضبا ويضم قبضتى يده بقوة .. ثم خرج مسرعاً متوجهاً للخارج .. شعرت "مريم" بالفزع .. خشت أن يتهور ويقتل "حامد" .. أسرعت خلفه بعدما أخذت طرحة لها كانت تركتها فى غرفة الجلوس لفت بها شعرها ونزلت مسرعة وفتحت باب السيارة وركبت بسرعة قبل أن ينطلق .. كانت عيناه تشعان غضباً بدا وكأنه لا يشعر حتى بوجودها معه .. خرج من البوابه وانطلق بسيارته كالسهم .. توقف بالسيارة أمام شركة "حامد" هم بالنزول فامسكته "مريم" من ذراعه قائله :
- فكر قبل ما تعمل اى حاجه تندم عليها
نظر اليها وبدا وكأنه يريد الفتك بها وصرخ فيها بغضب :
- اخرسى خالص .. ومتتحركيش من العربية .. لو نزلتى منها هموتك
خرج "مراد" من السيارة بعدما أحكم اغلاق ابوابها .. ظلت "مريم" تدعو وتستغفر ربها .. وهى تشعر بالقلق والخوف
صعد "مراد" الى الشركة وتوجه الى مكتب "حامد" كالثور الهائج الذى لا يستطيع أي شئ ايقافه .. قامت السكرتيرة تقول :
↚
- لو سمحت يا فندم .. ساعات العمل النهاردة انتهت
لم يتلفت اليها "مراد" بل لم يسمعها اصلاً اقتحم مكتب "حامد" الذى فزع عندما رآه .. أطبق "مراد" بقبضتيه على ملابسه ونزعه من الكرسي نزعاً ولكمه الى ان سقط ارضاً .. قال "حامد" للسكرتيرة بفزع :
- اطلبي السيكيوريتى بســـ ........
لم يكمل كلامه فقد أوقفته لكمة أخرى من "مراد" جعلت الدماء تنفجر من فمه وأنفه لتسيل على ملابسه .. لم يكد يفيق من اللكمة حتى أعقبه "مراد" بالأخرى وأطبق على ملابسه ليسدد له ركله بركبته اليسرى فى بطنه جعلت "حامد" يحبس أنفاسه من شدة الألم ويسقط أرضاً أمام قدمى "مراد" .. قال "مراد" وهو يقبض بأصابعه على شعره ويرفع رأسه :
- بتتعدى على أختى يا تييييييييييييييييت فاكرنى هسكتلك .. ليه مش شايفني راجل أدامك .. ده أنا هموتك بايدي .. أنا هربيك يا تيييييييييييييت من أول وجديد
أعقب كلامه بلكمة اخرى ألقت بـ "حامد" على الارض فى وضع الجنين وهو لا يقوى حتى على الصراخ من شدة الألم كان يتنفس بصعوبة وبجواره بركة من الدماء التى اتفجرت من فمه بعدما فقد بعضاَ من أسنانه .. اخذ "مراد" يكيل له الركلات حتى حضر السيكيوريتي وأبعدوا "مراد" عنه بالقوة .. خلص "مراد" نفسه من قبضتهم ثم اقترب من "حامد" وصرخ قائلاً :
- والله ما هسيبك يا تيييييييييييييييت .. وهطلع حالاً اعملك محضر فى القسم
حاول رجلى الأمن مساعدة "حامد" واتصل أحدهما بالإسعاف أما "مراد" ثم توجه الى المكتب وحمل حاسوبه وألقاه أرضاَ وحطمه تحطيماً ثم أخذ هاتفته الموضوع على مكتبه واخرج الميمورى ثم ألقى بالهاتف من النافذة ليسقطت متهشماً على الأسفلت بعدما عبرت احدى السيارات فوقه
التفت أحد رجال الأمن يحاول الإمساك بـ "مراد" فصرخ به "مراد" قائلاً :
- هتعمل ايه هتسلمنى للبوليس انا اصلا اللى رايح أبلغ دلوقتى عن التييييييييييييييت ده وهقول فى المحضر انى ضربته
نظر رجل الأمن الى "مراد" بشئ من القلق .. فقد كانت من الواضح من فرق الطول والحجم أنه إن دخل مع "مراد" فى معركة فسيخرج وحاله ليس بأفضل من "حامد" .. نزع "مراد" نفسه من يده وخرج من الشركة التى كانت خالية من الموظفين فى مثل هذا الوقت.
******************************************
قاد "سامر" سيارته حتى وصل الى المرفأ .. نزل وبصحبته "سهى" التى أحاط كتفيها بذراعه .. سارا حتى وصلا الى أحد اللانشات .. كان مجهزاً من الداخل كما لو كان يشبه منزل على الطراز الحديث .. كانت "سهى" منبهرة بجماله وقالت له :
- روعة يا "سامر"
ابتسم لها معانقاً اياها وقال :
- ده مكانى المفضل باخده واطلع بيه وانسى الدنيا كلها
ابتسمت قائله :
- حلو اوى بجد
أعاد ترتيب خصلات شعرها التى عبثت بها الرياح ونظر اليها قائلاً بهيام :
- هاا ايه رايك .. أجيب صحابي ؟
بدا عليه التردد فحثها قائلاً :
- حابب ان المكان ده هو اللى يكون شاهد على حبنا .. وعلى جوازى منك يا "سهى"
صمتت والحيرة والتردد فى عينيها فقال لها هامساً :
- انا بحبك اوى ومقدرش أعيش من غيرك .. احنا خلاص بقينا روح واحدة يا "سهى" ومش ممكن نبعد عن بعض أبداً .. يا ترى انتى بتحبينى زى ما بحبك ؟
أومات برأسها قائله :
- طبعاً بحبك يا "سامر"
قبل يدها وأخرج هاتفه واتصل بصديقين له ثم التفت اليها قائلاً :
- حالا وهيكونوا هنا
وبالفعل كما لو كان قد اتفق معهما مسبقاً .. لم يمضى الكثير من الوقت حتى أتى صديقاه .. ليشهدان على ما أسموه زواجاً .. وتركا الإثنين لينعمان بليلتهما الأولى فى هذا الزواج الباطل والذى افتقد شرطين مهمين من شروط الزواج الصحيح .. الشرط الاول هو الاشهار بين الناس والذى لم يتحقق فى هذا الزواج السري الذى اخفياه عن أعين الجميع .. وأما الشرط الثاني هو اذن الولى .. فلا يجوز للمرأة ان تزوج نفسها بنفسها فلابد لها من ولى كأب أو أخ أو عم أو خال حتى ولو كانت المرأة بالغة .. فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل ) كررها ثلاث مرات .. وقال الله عز وجل فى سورة النساء (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) .. لم يكن الشيطان ثالثهما فحسب .. بل كان الشيطان
متوغلاً فى أعماق كل منهما يزين لهما المعصية فتتحول النار الى جنة .. والخطأ الى صواب .. والحرام الى حلال .. والقذرارة الى لذة
*****************************************
أوقف "مراد" السيارة أمام قسم الشرطة تحت انظار "مريم" التى أخذت تنظر الى ملابسه الممزقة الدامية وهى لا تدرى اهذه دمائه أم دماء "حامد" .. كانت تشعر بالفزع لكنها خشيت الحديث معه وهو فى هذه الحاله .. خرج من السيارة دون أن يلتفت اليها وأحكم اغلاق السيارة .. ظلت قابعه فى السيارة لأكثر من ساعة الى أن رأته يعود أدراجه بعدما قدم البلاغ .. سار بالسيارة فى صمت .. التفتت تنظر اليه بدا أهدأ وان كانت مازالت علامات الغضب على وجهه .. توقف بالسيارة فى مكان خالى تجهله .. ساد الصمت .. لم تحاول قطع هذا الصمت .. نزل من السيارة ووقف يستند على مقدمتها وقد أولاها ظهره .. تركته لفترة طويلة واقفاً هكذا .. ثم نزلت من السيارة وتقدمت منه ببطء وحذر .. وقفت بجواره .. ثم قالت بصوت هادئ :
- انت كويس
لم يجيبها ولم يلتفت اليها .. فقالت :
- ممكن لو سمحت موبايلك أطمنهم علينا زمانهم قلقانين
بدا وكأنه لم يسمعها .. ثم بعد لحظات .. أخرج هاتفه من جيبه وأعطاه لها دون أن ينظر اليها .. أخذت الهاتف وبحثت فى سجل المكلمات الصادرة فقد تذكرت انه اتصل بـ "سارة" وهو على الطريق .. ثم ابتعدت قليلاً واتصلت بها :
- أيوة يا "سارة"
- ................
- أنا معاه
- ................
- ايوة كويس
-.................
- راح للراجل ده وبعدين راح القسم قدم بلاغ
- ................
- طيب ماشى لو فى جديد هبلغكوا .. بس طمنى طنط "ناهد" زمانها قلقانه
- ................
- ماشى .. مع السلامة
أنهت "مريم" المكالمة وعادت لـ "مراد" مدت يدها بالهاتف .. فلم يلتفت اليها .. أعادت يدها الممدودة وهى تتطلع اليه .. كانت تعلم بأنه يشعر بشعور قاسى للغاية .. صدمته فى تصرفات أخته و فى تصرفات هذا الرجل الذى يقول أنه صديق "مراد" .. بالتاكيد لم يكن ليتخيل ان يصدر منه شئ كهذا .. ثم خوفه وفزعه على اخته وما كان سيحدث لها لولا ان نجاها الله وحفظها .. ظلت واقفه بجواره ساكنه للحظات .. ثم تركته وعادت الى السيارة وهى تشعر بالوهن والإرهاق من تلك الاحداث المتلاحقة .. امضى عدة دقائق واقفاً ساكناً .. ثم رأته يلتف ويركب بجوارها .. ظنت بأنه سينطلق بالسيارة .. لكنه نظر اليها وتطلع الى ملابسها قائلاً بصوت هادئ :
- انت ازاى خرجتى كدة ؟
نظرت "مريم" بإضطراب الى ملابسها .. فقد كانت ترتدى عباءة استقبال داكنة اللون .. تصلح لأن ترتديها أمام الناس لولا أنها مخصرة قليلاً فأبرزت القليل من تفاصيل جسدها الأنثوى .. قالت بتوتر :
- دى عباية .. يعني فى ناس بتلبسها عادى
قاطعها "مراد" قائلاً :
- ضيقة متخرجيش بيها تانى
تلاقت نظراتهما .. لمحت نظرة غريبة فى عيناه لم تألفها من قبل .. أشاحت بوجهها بسرعة وهى تشعر بقلبها تتعالى دقاته .. فعل المثل وأشاح بوجهه ونظر أمامه وانطلق فى طريقه إلى البيت.
- ضيقة متخرجيش بيها تانى
تلاقت نظراتهما .. لمحت نظرة غريبة فى عيناه لم تألفها من قبل .. أشاحت بوجهها بسرعة وهى تشعر بقلبها تتعالى دقاته .. فعل المثل وأشاح بوجهه ونظر أمامه وانطلق فى طريقه الى البيت.
سبقته الى الداخل .. استقبلتها "ناهد" قائله بلهفه :
- ايه اللى حصل يا "مريم"
قالت "مريم" وقد بدا عليها الإرهاق :
- تعالى نطلع فوق يا طنط وهحكيلك انتى والبنات
دخل "مراد" البيت ودون أن يتفوه بكلمة دخل مكتبه وأغلق الباب خلفه .. صعدتا الى غرفة "نرمين" حيث كانت "سارة" جالسة بجوارها على الفراش .. قالت "نرمين" بلهفه :
- ايه اللى حصل يا "مريم" ؟
جلست "مريم" على أحد المقاعد وقالت :
- خرج من هنا وهو تعصب جداً كنت خايفة يتهور أو يعمل حاجة غلط .. معرفش لقيت نفسي بجرى وراه وبركب معاه العربية .. راح للراجل ورجع بعد فترة وهدومة مبهدلة وعليها دم بس أعتقد ده دم الراجل مش دمه هو
حثتها "ناهد" قائله :
- هااا وبعدين
قالت "مريم" :
- راح بعدها القسم يعني أكيد قدم بلاغ فيه
قالت "ناهد" بحرقه :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيه .. أنا مش عارفه "مراد" عرف الأشكال دى منين
قالت "سارة" :
- ما هو يا ماما الراجل ده يبان محترم وابن ناس .."مراد" هيعرف منين يعني ان أخلاقه كده .. أنا واثقه لو "مراد" كان عرف مكنش اتعامل معاه أبداً
التفتت "ناهد" الى "نرمين" قائله بأسى :
- آخر حاجه كنت أتوقعها يا "نرمين" هى انك تعملى كده وتخونى ثقتنا فيكي بالشكل ده
انفجرت "نرمين" باكية وهى تقول :
- والله معرفش عملت كده ازاى .. أنا فعلا غلطت جامد .. عشان خاطرى متزعليش منى يا ماما مش هيبقى انتى كمان كفايه "مراد"
اقتربت منها "ناهد" وأخذتها فى حضنها قائله :
- المهم انك تكونى عرفتى غلطتك يا "نرمين" ومهما حصل متكرريهاش تانى أبداً .. أنا عارفه ان "مراد" شديد عليكوا بس ده لمصلحتكوا يا بنتى .. الدنيا معدتش أمان .. ودلوقتى متقدريش تميزى بسهولة بين الكويس والوحش .. ربنا يحفظكوا يا بنتى انتوا وبنات السلمين
رفعت "نرمين" رأسها وقالت بأعين دامعه :
- "مراد" عمره ما هيسامحنى أبداً
ربتت "ناهد" على رأسها وهى تقول :
- اصبري عليه اكيد اللى حصل مكنش سهل عليه
قامت "مريم" لتتوجه الى غرفة "مراد" .. ما كادت تدخل الغرفة حتى انتبهت أنها مازالت تحمل هاتف "مراد" فى يدها .. فتركته فوق الكودينو .. ودخلت لتأخذ دشاً علها تريح أعصابها قليلاً .. خرجت وهى تفكر فى الأحداث التلاحقة التى حدثت فى اليومين الماضيين .. توقفت أمام هاتف "مراد" الذى يضئ ويطفئ فى صمت .. ترددت للحظة ثم أمسكته وتوجهت الى الأسفل .. طرقت الباب بهدوء .. لم تسمع صوتاً .. همت بالمغادرة عندما فتح الباب .. نظرت اليه كانت تبدو علامات التعب واضحة جلية على وجهه .. وكأن هماً كبيراً يؤرقه .. قالت بصوت خافت وهى تمد يدها بالهاتف :
- موبايلك
أخذه "مراد" منها وقال وهو يفسح لها الطريق :
- ادخلى عايزك
توجست خيفه ودخلت وهى تشعر بالتوتر .. سبقها وجلس الى أحد الأرائك آمراً اياها أن تغلق الباب .. فعلت فأشار لها بالجلوس على مقعد أمامه ففعلت وهى تشعر بالتوتر .. نظر اليها قائله :
- عايز أسمع منك اللى حصل بالتفصيل
قالت "مريم" :
- "نرمين" قالت كل حاجه
قال بحزم :
- عايز أسمع منك انتى
تحدثت "مريم" وروت له كل ما حدث وكل ما أخبرتها به "نرمين" .. ساد الصمت بينهما الى أن قال :
- انتى واثقه انه معملهاش حاجه
قالت "مريم" بسرعة :
- أيوة واثقه أنا كنت شيفاهم من فوق .. وأول ما لقيتها خرجت من الفيلا وبتفتح باب العربية نزلت جري .. وأول ما خرجت من البوابة شوفته وهو بيخدرها وساعتها جريت وقفت أدام العربية وصرخت لحد ما فى اتنين كانوا ماشيين ساعدونى
كان "مراد" يستمع اليها وهو يمعن النظر اليها .. ثم قال وكأنه يلوم نفسه :
- دى غلطتى انى مش حاطط سيكيوريتي على البوابة
قالت "مريم" :
- قدر الله وما شاء فعل .. الحمد لله ان الموضوع جه على أد كده
أومأ "مراد" برأسه فقالت "مريم" بشئ من التردد :
- تسمحلى أقول حاجة
نظر اليها وأومأ برأسه .. فقالت :
- أنا معاك ان "نرمين" غلطت وغلطت جامد كمان .. بس ده ميمنعش انك مشترك معاها فى الغلط ده حتى لو كان بنسبه بسيطة
عقد "مراد" ما بين حاجبيه قائلاً :
- ازاى يعني ؟
↚
قالت "مريم" بثبات :
- أنا عارفه انك بتخاف على اخواتك البنات ومعاك حق فى كدة .. بس مبتصاحبهمش ليه بدل ما تخليهم يخافوا منك بالشكل ده .. "نرمين" كانت مرعوبة منك وخايفه انك تموتها .. أيوة لازم تخاف منك وتحترمك بس مش لدرجة الرعب اللى هى عايشة فيه ده .. انت لو كنت صاحبتها كانت حكتلك ومخافتش أوى من رد فعلك .. كانت هتحس انك هتتفهمها وتعرفها غلطها .. انت بتتعامل مع اخواتك بطريقة ناشفة أوى .. هما بنات وتقدر تكسبهم بسهولة لو بقيت لين شوية معاهم
انهت كلامها وهى تشعر بالتوتر غير قادرة على تنبؤ ردة فعله .. بدا وكأنه يفكر فيما تقول .. فأضافت :
- أنا اسفه لو كنت اتدخلت فى حاجه متخصنيش .. بس أنا بحب "سارة" و "نرمين" جداً ويهمنى مصلحتهم
قال فجأة وهو ينظر اليها ويضيق عيناه :
- ليه ؟
قالت بدهشة :
- ليه ايه ؟
قال "مراد" :
- ليه بتحبيهم أوى كدة لدرجة انك تعملى كل ده عشان "نرمين" ؟
قالت "مريم" بصدق :
- لانى بحس انهم اخواتى فعلا .. وبعدين أنا معملتش حاجه .. أى حد مكانى كان اتصرف كده
أسند "مراد" ذراعيه الى قدميه وأمال بجسده مقتربا منها ناظراً اليها بتمعن قائلاً :
- أيوة كان أى حد هيتصرف زيك لو شاف "نرمين" واحد بيخطفها .. لكن أنا مش بتكلم عن كده .. أنا بتكلم عن انك دريتي عليها أدام "أحمد" وفهمتيه انها أغمى عليها .. واهتميتي بإنها تحكيلى بنفسها اللى حصل عشان عقابها يكون أقل وعشان وقع الأمر عليا يكون أخف لما أسمعه منها هى
صمتت ولم تدرى ما تقول فأكمل :
- معقول حبتيهم الحب ده كله وخوفتى عليهم كده وانتى مبقالكيش اسبوع فى البيت ده .. ده غير ان المعاملة اللى عاملتهالك كانت ممكن تخليكي تتصرفى العكس عشان تبينيلى ان أختى مش محترمة زى ما كنت فاكر
قالت "مريم" بحماس :
- "نرمين" محترمة فعلاً .. هى غلطت أيوة بس عرفت غلطها واتراجعت عنه . بلاش تقسى عليها
لمحت فى عيناه نفس النظرة التى رأتها فى السيارة فأشاحت بوجهها بسرعة .. لحظات وقال بصوت هادئ :
- اطلعى نامى انتى تعبتى النهاردة
خرجت "مريم" من الغرفة وعينا "مراد" تتابعانها الى أن أغلقت الباب .. قضى "مراد" ليلته ساهراً فى غرفة المكتب الى أن حان موعد صلاة الفجر فصلى وصعد الى غرفته .. كانت "مريم" قد أنهت صلاتها وجلست فى الشرفة تقرأ وردها .. سمعت صوت خلفها فإلتفتت لتجد "مراد" حاملاُ ملف فى يده وهو يقول :
- لقيت الملف ده على السرير
قالت "مريم" :
- أيوة دة الملف اللى "نرمين" خدته من مكتبك
قال بإستغراب :
- مش "حامد" خده منها ؟
نهضت ووقفت قبالته قائله :
- لأ لما زقها من العربية الملف كان معاها ووقع منها .. ولما فاقت وحكتلى على اللى حصل قولت أكيد الملف ده مهم فنزلت جبته والحمد لله كان لسه على الأرض محدش أخده
لمحت "مريم" شيئاً لم تعتاد رؤيته من "مراد" .. رأت شبح ابتسامه على شفتيه .. ترى هل يبتسم لها حقاً أم خُيل لها .. لم ينطق بشئ .. توجه الى الداخل وأخذ دشاً وغير ملابسه وخرج متوجهاً الى سيارته تابعته "مريم" بعيناها وهو ينطلق بسيارته وهى تشعر بشئ غريب يراودها .. شئ جعلها تعقد ما بين حاجبيها فى ضيق.
***********************************
داعبت نسمات الهواء شعر "سهى" الواقفة على ظهر اللانش .. فاقترب منها "سامر" وأحاطها بذراعيه .. ابتسمت مجاملة له .. لكن كان فى قلبها حيرة وخوف وقلق ليس له مثيل .. كانت تظن أنها ستنعم بالراحة والسعادة عندما تتزوج من تحب .. لكن الله نزع البركة من هذا الزواج الذى يغضبه .. فكانت السعادة والراحة أبعد ما يكون عنها .. نظرت الى "سامر" الذى تشى تعبيرات وجهه بسعادة تفتقدها .. التفتت اليه قائله :
- "سامر" امتى هتيجي تتقدملى ؟
تغيرت ملامح وجهه فى لحظة .. من السعادة الى الضيق والحنق وأجاب بحده :
- "سهى" فى ايه .. ده موضوع تفتحيه على الصبح كده فى أول يوم جوازنا
نظرت اليه بقلق قائلاً :
- أنا خايفة أوى يا "سامر"
اقترب اليها قائلاً :
- حبيبتى ازاى تخافى وأنا معاكى .. مش عايزك تخافى من أى حاجة طول ما أنا جمبك
قالت له بلهفه :
- بجد يا "سامر" .. يعني مش هتبعد عنى أبداً
قبلها قائلاً :
- حد يقدر يبعد عن روحه .. انتى روحى يا "سهى"
ابتسمت له وهى تكذب شعور القلق الذى يخفق به قلبها وهى تحاول أن تفرض على قلبها السعادة فرضاَ.
**********************************
- السلاح اللى تم استخدامه فى الجريمة مرخص بإسمك يا حاج "عبد الرحمن"
قال وكيل النيابة هذه العبارة فى مكتبه .. فقال "عبد الرحمن" بفزع :
- كيف يعني .. كيف حوصل اكده
قال وكيل النيابة :
- ده اللى أثبته المعمل الجنائي .. الرصاصة اللى انطخ بيها "جمال" كانت من مسدسك اللى لجيناه مرمي فى صفيحة زبالة جمب البيت
قال "عبد الرحمن" بغضب :
- لا حول ولا قوة الا بالله .. كيف يعني .. آنى مستخدتش السلاح ده واصل .. ولا أعرف كيف وصل لصفيحة الزبالة زى ما بتجول يا حضرة الظابط
قال وكيل النيابة :
- ياريت تقول كل اللى تعرفه يا حاج عبد الرحمن .. انت بتعرف امنيح ان حاجه زى اكده ممكن توجع العيلتين فى بعض ويبجى الدم للركب
هتفت "عبد الرحمن" :
- يمين بالله مخبرش كيف ده حوصل .. السلاح ده كان فى بيتي .. ومفيش راجل غريب هوب حدانا .. كيف يعني ده حوصل
قال وكيل النيابة :
- يبجى ابنك "عثمان" هو اللى طخ "جمال"
صاح "عبد الرحمن" قائلاً :
- كيف يعني .. وجت ما "جمال" انطخ كان "عثمان" جمبه .. كيف يعني هيطخه وسط الخلج دى كلياتها ومحدش هيشوفه
قال وكيل النيابة :
- الشهود بيجولوا انك أول ما اجه المأذون وجبل ما ينطخ جمال سبتهم ومشيت ..روحت فين يا حاج "عبد الرحمن"
قال "عبد الرحمن بسرعة :
- روحت آخد موافجة العروسة .. بنت ولدى
قال وكيل النيابة :
- فى شهود على اكده
قال "عبد الرحمن" بحيره :
- مخبرش .. مخبرش حدا شافنى وآنى داخل البيت ولا لا .. بس ملحجتش أطلع حدا الحريم .. وسمعت ضرب النار فرجعت تانى ولجيت "جمال" غارج بدمه
قال وكيل النيابة :
- للأسف هنضطر نحجزك عندنا يا حاج "عبد الرحمن" لحد ما نخلص تحجيج
هتف " عبد الرحمن" :
- لا حول ولا قوة الا بالله
أمر وكيل النيابة بحبس "عبد الرحمن" على زمة التحقيق .. وقع هذا الخبر كالصاعقة على رؤوس العائلتين .. وتأكدت شكوك الكثير من رجال عائلة الهواري بأن الفاعل من بيت السمري ..
3
- يا مصيبتى
تفوهت "صباح" بتلك العبارة بعدما علمت بخبر القبض على والدها .. أخذت والدتها تصرخ وتنوح .. كانت "صباح" تشعر بالرعب والفزع .. لم تتخيل أن يحدث هذا لوالدها .. ظلت تبكى وتنوح وتضرب رأسها بكفيها .. أسرعت بالتوجه الى غرفتها وأغلقت عليها الباب وجلست على فراشها تبكى وتقول :
- أعمل اييه بس يا ربي أعمل اييه
**********************************
صاح "جمال" بغضب بعدما علم الخبر من والدته :
- ولد التيييييييييييت وعامل فيها شيخ ومصلح
قالت والدته بغل :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيه هو وابنه وعيلته كلياتها .. كانوا عايزين يئهرونى على ولدى .. بس ربنا نجاه ووجعهم فى شر أعمالهم
قال "سباعى" بثقه :
- آنى متأكد ان "عبد الرحمن" ملوش يد فى الموضوع هاد
صاحت زوجته بحنق :
- أمال مين اللى له يد .. اذا كان الحكومة بذات نفسيها هى اللى جالت اكده .. هتعرف أكتر من الحكومة ولا اييه
قال "سباعى" بحزم :
- "عبد الرحمن" عاجل ميعملش اكده واصل .. وبعدين ايه اللى يخليه يطخ "جمال" .. طالما "جمال" كان وافج يتجوز حفيدته .. اييه مصلحته يعني انه يجتله جبل ما يكتب عليها
قالت زوجته بحقد :
- لانهم بيكرهوا ولدى .. وبدهم يجتلوه ..جبر يلمهم كلياتهم
صمت "سباعى" وهو يفكر فى كيفية الخروج من هذا المأذق والذى سيتسبب فى نشوب حرب ضروس بين العائلتين
**********************************
عاد "مراد" وقت الغداء على غير العادة .. فسعدت "ناهد" لرؤيته وقالت :
- ايه ده مش متعودين نشوفك فى الوقت ده يعني
قال "مراد" :
- سهرت طول الليل فقولت آجى أريح شوية
ربتت "ناهد" على كتفه قائله :
- طيب كويس عشان نتغدى سوا
دخل "مراد" مكتبه .. أمرت "ناهد" بتجهيز الطعام . ثم نادت لـ "مراد" .. توجه "مراد" الى غرفة الطعام ليجد "سارة" فقط الجالسه .. جلس قبالة "ناهد" .. ثم ألقى نظرة على المقعدين الفارغين بجواره .. ونظر الى أمه قائلاً :
- طبعاً "نرمين" مش قادرة توريني وشها
قالت "ناهد" :
- أيوة .. بتقولى مش عارفه ازاى هحطى عيني فى عينه بعد كده
قال "مراد" بحزم وهو يبدأ فى تناول طعامه :
- أحسن خليها تتربي
صمت قليلاً ثم قال وهو يتحدث بلا مبالاة وكأن الأمر لا يعنيه :
- فين "مريم" ؟
قالت "سارة" :
- بتتغدى مع "نرمين" فى أوضتها عشان متاكلش لوحدها
عاد "مراد" الى اكمال طعامه ويبدو عليه التفكير والشرود
فى غرفة "نرمين" .. قالت بأسف :
- "مريم" لو تحبي تنزلى تتغدى معاهم انزلى
ابتسمت "مريم" قائله :
- لا بالعكس أنا مبسوطة كدة .. عشان أعرف آكل براحتى
قالت "نرمين" بإستغراب :
- بس مفيش حد غريب تحت
ثم قالت :
- ولا انتى لسه معتبرانى أنا وماما و "سارة" أغراب
شعرت "مريم" بالتوتر ودت لو قالت لها .. أخوكى هو الغريب بالنسبة لى وليس أنتن .. لكنها قالت :
- لا طبعاً أنا بحس معاكوا انى بين عيلتى .. ومش حساكوا غرب أبداً
ابتسمت "نرمين" قائله :
- "مريم" لو كنت عملت أى حاجه تزعلك منى قبل كدة ياريت تسامحيني عليها
ابتسمت لها "مريم" وقالت :
- لا أبداً يا حبيبتى معملتيش أى حاجة ضايقتنى
قالت "نرمين" وهى تنظر اليها بإعجاب :
- بجد يا "مريم" أنا بحبك أوى .. وقفتى جمبي ولا كأنك أختى بجد .. دى لو كانت "سارة" مكنتش هتعرف تتصرف زيك كدة وتخرجنى من المشكلة دى
قالت "مريم" مبتسمه :
- معملتش حاجة .. انتى أختى يا "نرمين" انتى و "سارة" وبجد بحبكوا أوى
نظرت اليها "مريم" بحنان ودت لو قالت لها يكفيني أنكِ أخت "ماجد" لأعتبرك أنتى وأختكِ أختاى من دمى ولحمى .. وأخاف عليكما مثلما أخاف على نفسي .. تحولت نظرات "مريم" الى الآسى وهى تتذكر أنها لن تلبث أن تضطر الى مغادرة هذا البيت .. والإبتعاد عن تلك الأسرة التى تشعر بأنهم أهلها وبأنها واحدة منهم .
************************************
بعد الغداء .. جلس "مراد" مع "ناهد" و "سارة" فى الشرفة يحتسون الشاى الساخن .. بدا على "مراد" شئ من القلق .. ثم قال وهو يرشف من فنجانه :
- هى "نرمين" ناوية تزنب "مريم" جمبها ولا ايه
↚
قالت "ناهد" لـ "سارة" :
- اطلعى شوفيها يا "سارة" وخليها تنزل تشرب الشاى معانا
نهض "مراد" وهو يترك فنجانه قائلاً :
- لا خليكي أنا أصلاً طالع
صعد "مراد" للطابق العلوى .. هم بأن يطرق باب غرفة "نرمين" لكنه عزف عن ذلك وتوجه الى غرفته ليجد الشرفة مفتوحة .. اقترب منها ليجد "مريم" جالسة مستغرقة فى قراءة أحد الكتب حتى أنها لم تنتبه لوجوده خلفها .. كانت تضع بجوارها على المقعد الكبير كتاباً آخر .. انتفضت عندما رأت يد "مراد" تمتد لتمسك بالكتاب الموضوع بجوارها وأخذ يتفحص الغلاف .. لحظات .. ثم رفع نظره اليها قائلاً :
- أجاثا كريستى !
أشاحت "مريم" بوجهها وقد شعرت بالإرتباك .. فأكمل قائلاً :
- اختيار موفق .. أصلاً تشبهيها كتير
التفتت ورفعت رأسها تنظر اليه بتحدى قائله :
- تقصد انى عقلية اجرامية ؟
ضحك "مراد" حتى بدت نواجزه .. كانت تلك المرة الأولى التى تراه فيها ضاحكاً وتسمع فيها صوت ضحكاته فبدا لها مشهداً غريباً فظلت تتطلع اليه .. انتهت ضحكته بإبتسامه صغيره وهو ينظر اليها قائلاً :
- لا أقصد غامضة ومليانه أسرار
خفضت بصرها وأعادت النظر الى الكتاب بيدها .. ظل واقفاَ خلفها .. شعرت بتوتر بالغ .. حاولت التظاهر بأنه غير موجود .. لكن عيناها كانتا تمر على السطور دون أن تقرأها .. قال فجأة :
- خطيبك كان اسمه "ماجد" مش كده ؟
التفتت تنظر اليه وقد شعرت بخفقات قلبها المتسارعه .. أومأت برأسها بصمت .. فسألها قائلاً :
- انتى قولتيلى اتوفى من سنة مش كدة ؟
أومأت برأسها مرة أخرى وهى لا تدرى سر اهتمامه بمعرفة ذلك .. فسألها :
- و أهلك اتوفوا امتى ؟
نظرت "مريم" أمامها وقد ظهر فى عينيها سحابة حزن .. قالت بصوت خافت :
- من 3 سنين
ظهر شئ من الحنان فى صوته وهو ينظر اليها قائلاً :
- ليه عيشتى لوحدك ؟ .. ليه ماعيشتيش مع أهلك فى الصعيد ؟
قالت "مريم" وهى تنظر اليه :
- مكنتش أعرفهم ومكانوش يعرفونى .. لا عمرنا زورناهم ولا عمرهم زارونا
قال "مراد" بإستغراب :
- ليه ؟
ردت بحيرة :
- معرفش
أومأ برأسه وترك الكتاب بجوارها كما كان وخرج من الشرفة ليتركها غارقة فى بحور ذكرياتها .
**********************************
عادت "سهى" الى منزلها ودخلت غرفتها وألقت بنفسها على الفراش وانفجرت باكية .. كانت تشعر بمشاعر كثيرة متضاربة .. لكن شعورها الأكبر والطاغى كان الخوف .. كانت تشعر بأنها أجرمت فى حق نفسها .. حاولت كثيراً اخماد صوت الضمير بداخلها والذى تنجح دائماً فى اسكاته .. لكن هذه المرة فشلت فى اسكاته .. بل تعالى صوته أكثر فأكثر يشعرها بمدى جرمها فى حق ربها وحق نفسها وحق أهلها .. تعالى صوت هاتفها معلناً عن اتصال من "سامر" .. كانت تشعر بأنها لا تطيق مجرد سماع صوته .. لا تعلم كيف تولد هذا الكره والحقد اتجاهه بداخلها .. كيف وهى بالأمس كانت بين ذراعيه .. أغلقت هاتفها وجلست على فراشها تبكى كما لم تبكى من قبل .
**********************************
عاد " عثمان" من النيابة فإستقبلته والدته و "صباح" بلهفه .. قالت "صباح" :
- طمنى يا خوى .. بوى كيفه .. هيخرج امتى
قال "عثمان" وهو يجلس بتعب ويضع يده على مكان جرحه :
- معرفش هيخرج امتى .. ومانعيين زيارته .. أنا سيبتله اللبس والوكل مع عسكري وجالى هيوصلهمله
هتفت أمه بحسرة :
- كان مستخبيلنا ده كله فين .. اييه العمل دلوجيت يا ربي
قال "عثمان" بغيظ :
- أموت وأعرف كيف يعني "جمال" ينطخ بطبنجة أبوى .. كيف اللى طخ "جمال" جدر يدخل بيتنا وياخد الطبنجة منييه
ثم قال :
- كلمت المحامى .. بيجول انهم دلوجيت خدوا بصمات بوى وهيشوفوا هيا اللى كانت على الطبنجة ولا لا .. وخدوا بصماتى آنى كمان .. وخدوا بصمات ناس كتير من عيلتنا وعيلة الهواري
قالت أمه بحرقه :
- أشوف فيه يوم اللى عيمل اكده ولبسها للراجل الغلبان ده .. ده راجل حجانى ويعرف ربنا يترمى فى التخشيبة اكده .. حسبي الله ونعم الوكيل
قامت "صباح" مسرعة وتوجهت الى غرفتها وهى تشعر بالخوف والحيرة
**********************************
دخلت "ناهد" مكتب "مراد" وجلست أمامه قائله بجدية :
- "مراد" عايزين نتكلم شوية
أمال على المكتب ونظر اليها بإمعان قائلاً :
- خير يا ماما
صمتت "ناهد" قليلاً وأخذت تنقر على المكتب بأصابعها بعصبيه ثم نظرت اليه قائله :
- أنا عرفت انت اتجوزت "مريم" ليه يا "مراد"
رجع "مراد" بظهره الى الخلف وقال ببرود :
- ليه ؟
هتفت "ناهد" بتوتر :
- عشان موضوعها هى و "جمال" .. والمشكلة اللى كانت هتحصل بين العيلتين
بدا عليه التفكير ثم نظر اليها قائلاً بثقه :
- كل اللى سمعتيه ده مش مظبوط
قالت "ناهد" بإستغراب :
- ازاى يعني
قال "مراد" بحزم :
- يعني الكلام اللى اتقال على "مريم" مش مظبوط .. دى لعبة من "جمال"
هتفت "ناهد" بدهشة :
- لعبة ازاى يعني .. وهيستفاد ايه من كدة
قال "مراد" بضيق :
- معرفش .. بس عمتو قالتلى كدة .. وللأسف الله يرحمها ماتت قبل ما أعرف منها كل حاجه
فكرت "ناهد" قليلاً ثم قالت :
- بس انت وهى مش متجوزين برضاكم .. مش كدة يا "مراد" ؟
قال "مراد" بهدوء :
- أيوة احنا الاتنين اضطرينا نتجوز عشان المشاكل اللى كانت هتحصل
تفرست أمه فيه قائله :
- دلوقتى بدأت أفهم
قال "مراد" بدهشة :
- تفهمى ايه ؟
قالت أمه بضيق :
- أفهم ليه انت ومراتك بعيد عن بعض .. وبتتعامل معاك بحذر أكنك واحد غريب عنها .. وانت بتتعامل معاها أكنها واحدة متخصكش
ثم أضافت بعصبية :
- وناويين بأه التمثيلية دى تستمر لحد امتى ؟
زفر "مراد" بضيق وقال بنفاذ صبر :
- ماما مش وقت الكلام ده دلوقتى .. لو سمحتى نأجل الكلام ده بعدين .. أنا اللى فيا مكفيني
قالت "ناهد" وهى تنهض :
- ماشى يا "مراد" براحتك .. مش عارفه هلاقيها منك ولا من اخواتك
قال "مراد" يوفقها :
- ماما
التفتت "ناهد" فقال "مراد" بتعبيرات جامدة :
- "مريم" متعرفش بموضوع رجلى
تجمدت "ناهد" فى مكانها وهى تنظر اليه .. فأكمل قائلاً بحزم شديد :
- ومش عايزها تعرف .. أبداً
أومأت برأسها بحزن والدموع تتلألأ فى عينيها .. خرجت وتركت "مراد" غارقاً فى التفكير .
******************************************
قامت "مريم" من على الفراش فى حجرة "نرمين" قائله بصوت ناعس :
- أنا هدخل أنام بأه
قالت "نرمين" برجاء :
- خليكي شوية يا "مريم"
قالت "مريم" وهى تفتح عينيها بصعوبة :
- بجد خلاص جبت أخرى أول مرة أسهر كدة
ثم أضافت ضاحكة :
- يلا تصبحى على خير أشوفك بكرة أحسن شكلى هنام زى الحصان وأنا واقفة
ابتسمت "نرمين" قائلا :
- وانتى من أهل الخير
توجهت "مريم" الى غرفة "مراد" .. رأت الضوء يتسرب من تحت الباب فطرقت الباب الى أن أذن لها بالدخول .. دخلت "مريم" وأغلقت الباب خلفها لتجده جالساً مكانها على الأريكة يقرأ أحد الكتب فى يده .. وقفت مكانها وهى فى حيرة من أمرها .. رفع رأسه ونظر اليها قائلاً :
- ازى "نرمين" دلوقتى ؟
قالت "مريم" :
- كويسة الحمد لله .. أحسن كتير
أومأ برأسها ثم عاد ينظر الى كتابه متجاهلاً اياها تماماً .. قالت "مريم" :
- على فكرة فى حاجه جت فى بالى النهاردة
رفع عينه اليها يحثها على الكلام فأكملت :
- اللى اسمه "حامد" ده .. ايه اللى خلاه يعرف انك مسافر الصعيد فى اليوم ده الذات .. وكمان الملف اللى طلبه من "نرمين" عرف منين ان الملف ده فى البيت مش فى الشركة
بدا على "مراد" التفكير ثم نظر اليها قائلاً :
- تقصدى ايه ؟
قالت "مريم" :
- أظن والله أعلم فى حد بيساعده وبينقله أخبارك
قال "مراد" شارداً :
- والأغرب من كده ان الملف ده بالذات جبته معايا البيت فىآخر يوم كنت فيه فى الشركة قبل ما أسافر
قالت "مريم" بحماس :
- كده يبقى أكيد فى حد بيساعده
أومأ "مراد" برأسه وقد بدا عليه أنه اقتنع بكلامها وقال :
- بكرة هشوف الموضوع ده
عاد ينظر الى كتابه وكأن شيئاً لم يكن .. قالت بتوتر :
- فى حاجه تانية كنت عايزة أتكلم فيها
رفع نظره اليها مرة أخرى .. فقالت "مريم" بثبات :
- دلوقتى عمتو "بهيرة" الله يرحمها .. هى اللى كانت هتحل مشكلتنا دى .. وأنا كنت منتظرة انها ترجع القاهرة عشان الموضوع ده يتحل .. أقصد يعني الوضع اللى احنا فيه ده
بدا وجهه خالياً من أى تعبير فأكملت قائله بتوتر :
- أنا شايفه ان خلاص كده .. نخلص من الموضوع ده .. من غير ما حد من أهالينا فى الصعيد يعرف حاجه .. وأرجع بكرة على بيتي
ظلت نظرات "مراد" اليها جامدة .. احتارت فى تفسير معناها .. وأخيراً تحدث قائلاً :
- لا لسه شوية
قالت بحزم :
↚
- لا مفيش داعى نستنى أكتر من كدة .. وطالما أهالينا مش هيعرفوا حاجة يبقى خلاص مفيش مشاكل
قال "مراد" وهى يعاود النظر الى كتابه :
- لا مش دلوقتى لما أتأكد ان مفيش مشاكل هتحصل
قالت بحماس :
- مفيش مشاكل هتحصل .. طالما محدش منهم هيعرف حاجه
قال "مراد" بحزم وهو ينظر اليها :
- قولتلك مش دلوقتى أنا مش هخاطر ان مشكلة تحصل .. الأفضل نأجل الموضوع ده شوية
تنهدت "مريم" بضيق .. تابعها "مراد" بنظراته المتفحصه .. قالت "مريم" بحده :
- طيب لو سمحت عايزة أنام
ظهر المرح فى عيني "مراد" وقال بخبث :
- عايزانى أنيمك يعني ؟
نظرت اليه بدهشة وقد احمرت وجنتاها خجلاً وهتفت قائله :
- أقصد الكنبة .. انت آعد على الكنبة
اختفى المرح من عينيه وقال ببرود وهو ينظر الى كتابه :
- نامى على السرير
نظرت الى السرير بدهشه ثم عادت تنظر اليه هاتفه بحده :
- لأ
قال "مراد" بإصرار :
- قولتلك نامى على السرير
شعرت "مريم" بالإضطراب والتوتر كيف بإمكانها النوم فيفراشه .. شعرت بالضيق فحملت أحد كتبها ودخلت الى الشرفة تحت أنظار "مراد" التى تتبعها .. جلست على المقعد الكبير بالشرفة ورفعت قدميها بجوارها وأسندت رأسها الى ذراع المقعد وهى تقرأ كتابها .. لا تدرى كم مر عليها من الوقت قبل أن يغلبها النعاس وتغط فى نوم عميق .. نهض "مراد" من مكانه وتوجه الى الشرفة ليجد "مريم" نائمة وهى تحتضن الكتاب المفتوح .. اقترب منها بحذر وأخذ الكتاب من بين يديها برفق شديد .. كانت "ناهد" تهم بغلق نافذة غرفتها عندما رأت "مراد" داخلاً الشرفة وهو يحمل غطائه وغطاء "مريم" وأخذ يدثرها بهما جيداً وبرفق خشية ايقاظها .. أحكم وضع الغطاء عليها وهو يرمقها بنظرات حانيه .. أزاح بأصابعه خصلة من شعرها سقطت على وجهها بنعومة .. ثم أرجع ظهره للخلف يستند به على سور الشرفة وظل ينظر اليها ويتأملها نائمه .. اغرورقت عينا "ناهد" بالعبرات .. وهى ترى ابنها يعامل "مريم" بتلك الرقه التى تنافى طباعه الجامدة الصارمة .. كانت تشعر بالصراع الكبير الذى يشعر به ابنها بداخله .. كانت تعلم أن بداخله خوف كبير .. خوف من الحب .. خوف من الرفض .. خوف من أظهار اعاقته .. خوف من أن تتخلى عنه حبيبته مرة أخرى .. خوف من أن يُجرح فؤاده مرة أخرى .. خوف من أن يسمح للحب بدخول قلبه .. حتى لا يتألم عندما يحين وقت الخسارة .
استيقظت "مريم" فجراً .. لتجد نفسها نائمة فى الشرفة ومدثرة بالأغطية أزاحتهم وهى تنظر اليهم بدهشة .. قامت وهى تحملهم وتوجهت الى الداخل لتجد "مراد" نائماً على الأريكة بلا غطاء .. وقفت تنظر اليه بدهشة .. لحظات وانطلق منبه هاتفه .. فتركت الأغطية على الفراش ودخلت لتتوضأ .. خرجت لتجده مستيقظاً تجنبت النظر اليه تماماً .. قام وتوضأ ونزل للصلاة .. عاد "مراد" من المسجد ليجد "مريم" نائمة على الأريكة وقف بجوارها قائلاً بصرامة :
- مش قولتلك نامى على السرير
قالت دون أن تلتفت اليه :
- لأ
أزاح الغطاء عنها فالتفتت اليه بحده .. فأشار الى السرير قائلاً :
- هتقومى ولا أشيلك
نظرت اليه بدهشة .. فتحرك وكأنه سيهم بحملها فانتفضت تقوم بسرعة من مكانها وتوجهت الى الفراش فى تبرم وضيق .. تمتمت بصوت منخفض :
- عنيد
التفت اليها "مراد" قائلاً :
- بتقولى حاجه
نظرت اليه قائلاً :
- لأ
احتاجت لبعض الوقت قبل أن يستطيع النعاس أن يغلبها .
**************************************************
فى الصباح التقى الجميع على طاولة الطعام بإستثناء "نرمين" .. قالت "ناهد" برفق :
- "مراد" خلاص بأه .. خليها تعد تاكل معانا
قال "مراد" وهو يتفحص جريدته الصباحية :
- هو أنا قولتلها متعدش
قالت "ناهد" :
- هى مضايقة من نفسها ومكسوفة منك
قال "مراد" دون أن يرفع رأسه :
- والمطلوب منى ايه
قالت "ناهد" برجاء :
- اتكلم معاها
طوى "مراد" الجريدة ونهض قائلاً :
- لما أرجع ان شاء الله .. أنا خارج .. مع السلامة
قالت "ناهد" :
- مع السلامة
كانت "مريم" شاردة تماماً .. فظلت "ناهد" تنظر اليها بإمعان .. الى أن قالت :
- فى حاجه يا "مريم"
التفتت اليها "مريم" وابتسمت قائله :
- لا يا طنط مفيش حاجه
أومأت "ناهد" برأسها وغرقت فى شرودها هى الأخرى
**************************************************
- واثقة ان "حامد" متصلش بيكي وأنا مسافر ولا انتى اتصلتى بيه ؟
ألقى "مراد" هذا السؤال على مسامع سكرتيرته التى وقفت أمامه متوترة .. فقالت :
- أيوة واثقة يا فندم
قال "مراد" وهو يتفرس فيها :
- عارفه لو اكتشفت ان ده حصل منك هعمل فيكي ايه
قالت بإضطراب شديد :
- صدقنى يا أستاذ "مراد" متكلمتش مع أستاذ "حامد" ولا عرفته أى حاجه عن حضرتك
ظل "مراد" تنظر اليها بشك ثم صرفها قائلاً :
- طيب اتفضلى على مكتبك
خرجت السكرتيرة مسرعة .. التفت "طارق" الى "مراد" قائلاً :
- انت شاكك فيها ؟
قال "مراد" :
- أيوة .. مفيش حد غيرها يعرف انى خدت ملف مصنع الملابس معايا البيت فى اليوم ده بالذات
قال "طارق" :
- طيب هتعمل ايه
قال "مراد" بثقه :
- متشغلش بالك أنا هعرف أتصرف
قال "طارق" بدهشة :
- بس أنا مش فاهم انت بتقول ان فى حد بينقل لـ "حامد" أخبارك .. طيب هو أصلاً كان هيقدر ياخد الملف ازاى من جوه بيتك ؟ .. وايه اللى عرفك انه عارف أخبارك ؟
قال "مراد" وهو يعود لعمله :
- متشغلش بالك يا "طارق" .. بس ركز مع "سامر" لانى شاكك فيه هو كمان
قال "طارق" وهو لا يفهم شيئاً :
- طيب .. مش هقول أى معلومات مهمة أدامه
خرج "طارق" من مكتب "مراد" .. فترك "مراد" ما بيده .. أسند ظهره الى المقعد وقد بدا عليه التفكير .. أخرج هاتفه وبدا عليه التردد قليلاً .. ثم اتصل بـ "سارة" قائلاً :
- "سارة" بقولك ايه
- أيوة يا أبيه
- تحبوا تخرجوا النهاردة ؟
قالت "سارة" بفرح :
- أيوة طبعاً نحب أوى .. نروح فين ؟
قال "مراد" :
- زى ما تحبوا
قالت "سارة" بسعادة :
- خلاص هتكلم معاهم هنا فى البيت ونتفق على المكان وأتصل بيك يا أبيه
- تمام يا "سارة" .. هستنى اتصالك
انهت "سارة" المكالمة ثم توجهت الى الحديقة حيث يجلس الجميع وقالت بفرح :
- مش هتصدقوا .. "مراد" اتصل بيا وقالى هنخرج كلنا سوا وقالى كمان احنا اللى هنختار المكان
هتفت "نرمين" :
- تبهرجى .. يعني ميجيش يفسحنا الا وأنا وهو متخاصمين
قالت "سارة" بمرح :
- كويس هتبقى فرصة حلوة عشان تعتذريله وتصالحيه .. المهم دلوقتى هنروح فين
قالت "ناهد" لـ "مريم" :
- تحبي تروحى فين يا "مريم" ؟
قالت "مريم" بحرج :
- زى ما تحبوا انتوا
هتفت "نرمين" بمرح :
- بصوا بأه أنا شايفة اننا نستغل الفرصة دى أسوأ استغلال ممكن .. أصلها مبتتكررش كتير
قالت "سارة" ضاحكة :
- نعمل ايه يعني ؟
قالت "نرمين" :
- بصوا مش هو قال احنا اللى نختار المكان .. خلاص نقوله اننا عايزين نقضى يومين فى العين السخنة
قالت "سارة" :
- بتهرجى يا "نرمين" مستحيل يرضى طبعاً .. هو أكيد قصده انه هيفضيلنا ساعة ولا اتنين ونخرج فى أى حته هنا
قالت "نرمين" :
- يا عبيطة نقوله كده مش هيرضى فنقول حاجه أقل .. أما لو طلبنا الأقل على طول هيخليه هو أقل من الأقل بتاعنا .. فهمتوا حاجه
قالت "مريم" ضاحكة :
- تقصدى تعلى صقف تطلعاتك عشان لما يختار حاجه أقل تكون زى ما انتى عايزاها
قالت "نرمين" بمرح :
- عليكي نور .. هو ده اللى أقصده
قالت "ناهد" ضاحكة :
- شكلكوا هتخلوه يندم انه فكر يخرجكوا
قالت "نرمين" لـ "سارة" بلهفه :
- يلا يا "سارة" اتصلى قوليله عايزين نقضى يومين فى العين السخنة أكيد هيقولك لا مش هينفع .. تقومى قايلاله خلاص يوم واحد هيقولك برده مش هينفع قوليله خلاص هتخرجنا من دلوقتى لحد ما نتعب ونقولك خلاص كفاية
قالت "سارة" :
- انا مالى يختى قوليله انتى كده
قالت "نرمين" برجاء :
- عشان خاطرى يا "سارة" بأه انتى عارفه انى مش هعرف أتكلم مع "مراد" واحنا متخاصمين
أعطت "سارة" الهاتف لـ "مريم" قائله :
- قوليله انتى يا "مريم"
هتفت "نرمين" بلهفه :
↚
- أيوة قوليله انتى يا "مريم"
قالت "مريم" بحرج شديد :
- لا مش هينفع قولوا انتوا
طلبت "سارة" الرقم ووضعت الموبايل على أذن "مريم" قائله :
- لا محدش هيكلموا غيرك بس نفذى الخطه اللى قولناها عشان يخرجنا اليوم كله بدل ما يضحك علينا بساعة ولا اتنين
شعرت "مريم" بالتوتر وهتفت قبل أن يرد :
- "سارة" كلميه انتى .. أنا مش هعرف ........
لم تستطع أن تنهى جملتها لأنها سمعت صوت "مراد" يقول :
- أيوة يا "سارة"
نظرت "مريم" الى "سارة" برجاء وأبعدت يديها الممسكة بالهاتف .. لكن "سارة" أعادته الى أذنها مرة أخرى . كانت "ناهد" تتابع ما يحدث بصمت .. أمسكت "مريم" الهاتف ونظرت الى الجميع ثم قامت لتبتعد قليلاً فما كانت ستستطيع التحدث أمامهم حتى لا يلاحظ أحداً منهم مدى ارتباكها .. قال "مراد" :
- ألو "سارة"
قالت "مريم" وهى تنظر خلفها الى العيون المتطلعة اليها :
- أيوة .. أنا "مريم"
انتظرت أن يتحدث لكنه لم يفعل .. فقالت بتوتر :
- البنات أصروا انى أنا اللى أكلمك ومعرفتش أهرب
بقى صامتاً فأكملت بتوتر بالغ :
- هما بيقولوا انهم عايزين يطلعوا يومين العين السخنة
كانت تشعر بسخافة ما تفعل لكنها مضطرة حتى لا ينكشف أمرها أمام أخوته وأمام "ناهد" .. فأكملت قائله :
- هما أصلا عارفين انك هترفض بس هما ........
قاطعها "مراد" قائلاً :
- خلاص مفيش مشكلة جهزوا نفسكوا وأنا هخلص اللى ورايا وأكلمكوا
قالت بدهشة :
- يعني أقولهم انك موافق
قال بهدوء :
- أيوة
صمت كلاهما .. ثم قال :
- أنا مضطر أقفل دلوقتى عشان معايا تليفون تانى
قالت "مريم" بسرعة :
- تمام .. وأنا هبلغهم
أنهت "مريم" المكالمة وتوجهت اليهم فقالت "نرمين" بلهفه :
- ها .. اوعى تكونى منفذتيش الخطة
قالت "مريم" مبتسمه :
- لا نفذتها
صفقت "سارة" بيديها بمرح طفولى قائله :
- يبأه هنخرج طول اليوم .. يلا نفكر هنروح فين
قالت "مريم" مبتسمه :
- مش انتوا قولتوا عايزين يومين فى العين السخنة
نظر الجميع اليها بصمت فشعرت بالتوتر وقالت :
- قالى انه موافق وجهزوا نفسكوا على ما يخلص اللى وراه
ساد الصمت لحظة والكل ينظر اليها بعدم تصديق ثم صاحت "نرمين" :
- انتى بتهرجى صح .. "مراد" هيسفرنا .. هيسيب شغله ويسفرنا
أومأت "مريم" برأسها وقالت بهدوء :
- هو قال كده
تعالت الضحكات الفرحه وأخذت يتحدثن عن ترتيبات الإستعداد لهذه الرحلة .. وعيون "ناهد" مسلطة على "مريم" والابتسامه على شفتيها
**************************************
قال "طارق" بإستغراب :
- مش مصدق .. "مراد" هيسيب الشغل يومين ومش بس كده هيسافر يتفسح كمان .. ده انت مبتغبش من الشغل الا فى الشديد الأوى
قال "مراد" وهو يسرع من انهاء الأوراق التى أمامه :
- البنات بقالهم كتير مخرجوش .. وهما اللى اختاروا العين السخنة
نظر "طارق" الى "مراد" بأعين متفحصه وقال بخبث :
- البنات برده
رفع "مراد" رأسه ونظر اليه قائلاً :
- قصدك ايه
قال "طارق" مبتسماً :
- ربنا يهنيك يا "مراد"
نظر اليه "مراد" دون أن يتكلم فأكمل "طارق" :
- بجد بدعيلك من قلبي .. لانك راجل محترم وتستاهل كل خير
صمت "مراد" قليلاً ثم قال :
- انت فهمت الموضوع غلط
نظر "طارق" فى عين صديقه قائلاً :
- لا أنا فاهم صح .. وصح أوى
هرب "مراد" من عيني صديقه .. فقال "طارق" بهدوء :
- متخفش منها .. دى بالذات متخفش منها
نظر "مراد" اليه وقد بدا فى عينيه حيرة كبيرة .. فأكمل "طارق" :
- بس خلى بالك .. اللى أعرفه انها كانت بتحب خطيبها أوى .. وانها من يوم ما اتوفى وهى رافضة الإرتباط تماماً .. وانها مش من السهل انها تحب غيره
ثم أكمل :
- أنا مش بقولك كدة عشان أحبطك .. لا أنا بقولك كدة عشان أعرفك الوضع عامل ازاى .. عشان تتصرف على الأساس ده
ظل "مراد" محتفظاً بصمته فنهض "طارق" قائلاً :
- يلا أسيبك تخلص اللى وراك .. ومتقلقش سافر وانت مطمن أنا هبقى هنا فى الشركة
ابتسم له "مراد" قائلاً :
- تسلم يا "طارق"
خرج "طارق" وترك "مراد" ومشاعر كثيرة متضاربة تعتمل داخل صدره .. وحيرة كبيرة وخوف أكبر بداخله
5
***************************************
انطلق "مراد" بهم فى طريقهم الى العين الساخنة .. وصلوا الجميع الى الفندق الذى حجز فيه "مراد" لمبيتهم .. كانت "مريم" سعيدة للغاية وهى تتطلع الى الطبيعة الساحرة حولها .. فلم يسبق لها أن غادرت القاهرة يوماً الا عندما ذهبت الى أهل والدها فى الصعيد .. لم تكن "سارة" و "نرمين" أقل سعادة من "مريم" .. حجز "مراد" حجرة للفتاتان وحجرة لوالدته وحجرة له ولـ "مريم" .. ودت "مريم" ألبقاء مع الفتاتان لكنها لم تستطع البوح بذلك
صعد الجميع الى غرفهم اتفقوا أن يستريحوا من عناء السفر قليلاً ثم ينزلون لتناول طعامهم فى مطعم الفندق .. دخلت "مريم" الغرفة والتى كانت تحتوى على فراشان .. وتوجهت الى الشرفة كانت تنظر الى ما حولها وهى تردد :
- ما شاء الله .. سبحان الله
وقف "مراد" خلفها يتطلع اليها الى أن انتبهت والتفتت فأشاح بوجهه عنها بسرعة .. ووقف على بعد خطوات منها يطالع المشهد بدوره .. التفت اليها قائلاً :
- جيتي هنا قبل كدة ؟
قالت "مريم" مبتسمه :
- أنا مخرجتش من القاهرة الا عشان أروح الصعيد
قال وهو بنظر أمامه :
- البلد هنا هتعجبك أوى فيها أماكن خطيرة
ابتسمت وهى تتطلع الى الشمس التى بدأت فى الغروب .. خطفها المشهد فظلت تتطلع اليه ناسية كل شئ حولها .. التفت "مراد" يتطلع الى تلك النظرة فى عينيها والابتسامه الصغيرة على شفتيها .. بدا مستمتعاً بمشاهدتها بقدر استمتاعها بمشاهدة الغروب .. التفتت اليه فجأة فأشاح بوجهه بسرعة .. وقال وهو يدخل الغرفة :
- هشوف ماما والبنات هينزلوا امتى
توجه الجميع الى مطعم الفندق .. كانت "نرمين" تتطلع الى "مراد" بحزن وهى تتمنى اذابة الجليد بينهما .. أنهى الجميع تناول طعامه وقرروا التنزه فى القرية والتمتع بجمال وسحر الطبيعة ليلاً
فى صباح اليوم التالى .. استيقظ "مراد" ونظر الى فراش "مريم" ليجده فارغاً ومرتباً .. نهض ليجدها فى الشرفة .. وقفت "مريم" تستمتع بجمال المنظر فى الصباح .. دخل "مراد" الشرفة بعدما ارتدى ملابسه وسمعته يقول :
- صباح الخير
التفتت تنظر اليه وهى تشعر بالدهشة فهذه هى المرة الأولى التى يلقى عليها تحية الصباح .. تمتمت بخفوت :
- صباح النور
دخل الشرفة ووقف على بعد خطوات منها واستند الى سور الشرفة .. شعرت بالحرج فهمت بالدخول .. أوقفها قائلاً :
- "مريم"
راودها شعور غريب وهى تستمع الى اسمها بصوته الرخيم .. وقفت تتحاشى النظر اليه فقال :
- بخصوص الحملة الإعلانية بتاعة شركتنا .. كان المفروض أتكلم معاكى فى الموضوع ده من فترة بس كل شوية تحصل حاجات تخلينى أأجل الكلام .. بس احنا فعلاً مستعجلين جداً .. فياريت أول ما نرجع القاهرة تبتدى فيها
نظرت اليه "مريم" قائله بجديه :
- مفيش مشكلة .. عرفنى ايه اللى محتاجه بالظبط وأنا أبتدى في الشغل أول ما ارجع
قال لها :
- تمام .. طيب تحبي أتكلم مع مديرك .. ولا الاتفاق بيكون معاكى انتى
قالت "مريم" بإستغراب :
- مديري ؟ .. ليه ؟
قال "مراد" :
- عشان تكاليف الحملة
قالت "مريم" بجدية :
- لا طبعاً مش هاخد فلوس على شغلى
نظر اليها "مراد" قائلاً :
- ازاى يعني مش هتاخدى فلوس على شغلك
قالت "مريم" :
- انا أعدة فى بيتك وانت متكفل بمصاريف أكلى وشربي واقامتى .. ازاى عايزنى آخد منك فلوس تمن شغلى فى حملتك
قال "مراد" بحزم :
- دى حاجة ودى حاجة .. متدخليش الأمور فى بعض .. أنتى ملزمة منى طالما انتى على ذمتى .. أى ان كان سبب جوازنا .. انتى مراتى وكل حاجة تخصك ملزمة منى أنا
شعرت "مريم" بشعور غريب يغمرها وهى تستمع الى كلماته .. تجاهلت شعورها تماماً وقالت بهدوء :
- برده مش هينفع آخد فلوس على شغلى
قال "مراد" :
- تمام يبأه هتكلم مع مديرك وهو اللى هيوصلك فلوسك عن طريق البنك زى ما اتفق معاكى
قالت "مريم" وهى تتطلع اليه :
- انت ليه عنيد كده
نظر فى عينيها بثبات قائلاً :
- انتى اللى عنيده
ظلا ينظرات الى بعضهما للحظات .. بدا وكأن كل منهما يحاول أن يسبر أغوار الآخر .. ويغوص فى أعماقه ليستكشفه .. أشاحت "مريم" بوجهها فجأة وقالت :
- هشوف البنات صحيوا ولا لسه
تزل الجميع لتناول الفطار .. بدأووا فى التنزهة بالقرية وعلى شاطئ البحر
↚
استنشقت "مريم" النسمات المنعشة التى تهب من البحر فى اتجاهها فى سعادة .. كانت القرية شبه خاليه فى هذا التوقيت من العام .. فشعرت "مريم" بالراحة أكثر وهى تقف أمام البحر والسماء وكأنه لا يوجد شئ فى الدنيا سواهما .. شعرت بالسكينة تغمرها .. خلعت حذائها لتضرب مياة البحر أقدامها برقه .. ابتسمت وهى تستمتع بمداعبة الماء بقدميها .. كانت "سارة" و "نرمين" تسيران معاً على الشاطئ .. و"ناهد" جالسه بجوار "مراد" .. التفتت لتتطلع اليه لتجد أنظاره معلقة بـ "مريم" .. شعرت بالأسى وهى تنظر اليه فى صمت .. ثم قالت له بحنان :
- أنا حبتها أوى يا "مراد"
التفت "مراد" اليها بحده وقال بإستغراب :
- تقصدى مين ؟
قالت أمه :
- "مريم"
نظر "مراد" الى البحر صامتاً .. فأكملت أمه :
- البنت كويسة فعلاً .. ليه متحاولش انك ....
قاطعها "مراد" وعلامات الضيق على وجهه :
- ماما لو سمحتى .. ياريت متفتحيش الموضوع ده تانى
قالت "ناهد" بشئ من العناد :
- "مراد" بالله عليك انت مش حاسس بحاجه نحيتها .. أنا أمك وأكتر واحدة فى الدنيا دى تحس بيك .. أنا عارفه ان مشاعرك بدأت تتحرك نحية "مريم"
التفت اليها "مراد" وقال بعنف :
- لا طبعا مين اللى قالك كده
قالت "ناهد" بعناد :
- مش محتاجه حد يقولى أنا ليا عنين بتشوف
نظر اليها "مراد" قائلاً بحده :
- لا مش حاسس بحاجه نحيتها .. ولا هحس فى يوم من الأيام .. ريحي نفسك بأه يا ماما
نهض من مكانه فى عصبية وأخذ يسير على غير هدى
1
***********************************************
قال المأمور للظابط الجالس أمامه :
- جضية غريبة .. آنى مخبرش كيف اللى طخ "جمال" جدر ياخد طبنجة "عبد الرحمن" اللى بيأكد انها كانت فى بيته وان محدش غريب دخل البيت
قال الظابط بثقه :
- آنى بعرف الحاج "عبد الرحمن" امنييح مستحيل يعمل اكده يا فندم .. وبعدين ايه مصلحته فى طخ "جمال" يوم كتب كتابه على حفيدته .. آنى متأكد ان اللى عيمل اكده عايز ينتجم من "جمال" ومش رايد الجوازه دى تتم
قال المأمور :
- تفتكر المعلومات اللى جتلنا عن علاقة "جمال" بـ "صباح" بنت الحاج "عبد الرحمن" صوح
قال الظابط :
- لازمن ناخد اذن من النيابة وناخد بصماتها .. مش بعيد تكون هى اللى طخته عشان تنتجم منيه .. ده لو المعلومات اللى وصلتنا فعلا صوح وفي حاجه بيناتهم
قال المأمور وهو يرفع سماعة الهاتف :
- النهاردة اذن النيابة هيكون عنديك .. الجضية دى لازمن تنتهى فى أجرب وجت جبل ما العيلتين يجعوا فى بعض
************************************************
جلست "مريم" على احدى الصخور أمام البحر تتطلع اليه بإستمتاع حينما اقتربت منها "سارة" قائله :
- أعد معاكى ولا هتضايقي
التفتت اليها "مريم" قائله بسرعة :
- لا طبعا يا حبيتبى اعدى
جلست "سارة" بجوارها وهى تتطلع الى البحر هى الأخرى .. ظلت الفتاتان فى حالة شرود .. قالت "مريم" :
- المكان هنا حلو أوى
ابتسمت "سارة" قائله :
- فعلاً ياخد العقل
قالت "مريم" وهى تتطلع الى البحر فى هيام :
- عارفه نفسي فى ايه
- ايه ؟
- نفسي أخد مركب وأمشى بيها فى البحر ومرجعش للشط أبداً
ابتسمت "سارة" ووكزتها فى كتفها قائله بخبث :
- و "مراد" معاكى طبعاً
أخرجتها كلمات "سارة" من حالة الإستمتاع التى كانت تشعر بها .. نظرت مرة أخرى الى البحر صامته واجمة .. قالت "سارة" وهى تتطلع الى البحر بدورها :
- أنا كمان نفسي آخد مركب وأمشى بيها فى البحر ومرجعتش للشط أبداً
قالت "مريم" بخبث :
- لوحدك ؟
ابتسمت "سارة" بحزن .. تأملتها "مريم" قائله :
- شكلك كدة بيقول مش لوحدك
قالت "سارة" بوجوم :
- لا لوحدى .. هيكون مع مين يعني
استمرت "مريم" فى النظر اليها وقالت :
- طيب عيني فى عينك كده
قالت "سارة" :
- سيبك .. كبرى
ثم تركتها وأخذت تتمشى على الشط
اقتربت "نرمين" من "مراد" الجالس على أحد الكراسي أمام البحر .. رفع "مراد" رأسه لينظر اليها ثم يعود ليتطلع الى البحر مرة أخرى .. جلست "نرمين" على المقعد المجاور له .. بدا عليها التوتر .. ثم حسمت أمرها قائله دون أن تنظر اليه :
- عارفة انى غلطت .. غلطت أوى .. أنا آسفه أوى يا أبيه
ظل يتطلع الى البحر .. فأجهشت فى البكاء وهى تقول :
- أنا عارفه انى صغرت فى نظرك أوى .. بس والله العظيم أنا محترمة .. أنا مش عارفه ازاى عملت كدة
تطلع اليها "مراد" لفترة ثم قال :
- كنتى بتحبيه ؟ ولا كان تسليه ؟ ولا كان ايه بالظبط ؟
شعرت بالخجل .. فقالت بصوت خافت :
- أنا كنت حسه انه انسان كويس وكان الموضوع بالنسبة لى جد يعني مش تسليه .. بس بعد كدة فكرت بعقلى وقولت لو كان كويس كان جه كلمك على طول ومكنش عمل حاجه من وراك .. عشان كدة قولتله مش هرد عليك تانى ومتتصلش بيا تانى وعندك أخويا كلمه .. ساعتها هددنى بالصور
ثم نظرت اليه وهى تبكى قائله :
- والله قابلته مرة واحدة بس واعدت معاه عشر دقايق .. أنا مش بقول ان ده صح .. بس بقولك عشان تعرف ان ده بس اللى أنا عملته ومعملتش أكتر من كده .. حتى طلب يتكلم معايا على النت وأفتحله الكام وأنا رفضت
قام "مراد" وجذبها من يدها أوقفها أمامه وهى تنظر الى الأرض باكية وقال :
- مش عايزك تخبي عنى أى حاجة تانى يا "نرمين" .. أنا أخوكى الكبير وأنا أكتر واحد فى الدنيا دى بيحبك وبيخاف عليكي
قالت "نرمين" :
- عارفه يا أبيه .. أنا أسفه أوى .. عشان خاطرى سامحنى
قربها "مراد" منه وعانقها .. فأجهشت مرة أخرى فى البكاء وتعالت شهقاتها .. مسح على رأسها قائلاً :
- خلاص يا "نرمين" أنا هنسى الحكاية دى كأنها محصلتش .. بس توعديني انك متخبيش عنى حاجه تانى ولو أى حد كلمك تعرفيني
رفعت "نرمين" رأسها قائله بحماس :
- أوعدك يا أبيه .. أوعدك
ابتسم لها قائله :
- طيب يلا امسحى دموعك دى وناديلهم خلينا نروح نتغدى ونشوف مكان تانى نتفسح فيه مش هنفضل مقضينها اعاد على البحر
ابتسمت "نرمين" ومشت فى اتجاه أمها وأختها و "مريم" .
**********************************************
كانت "سهى" جالسه بين ذراعي "سامر" على ظهر اللانش .. كانت شاردة واجمة نظرت الى هاتفه الذى يمسكه بيده ويتصفح النت من خلاله فقالت بتبرم :
- انت على طول كده نت مبتفصلش
قال "سامر" :
- شيفانى بشيت يعني
قالت "سهى" :
- مش وقت جيم .. دى كلها ساعة وماشية
قال لها :
- متخليكي بايته معايا النهاردة
قالت "سهى" بضيق :
- مش هينفع المرة اللى فاتت نفدت منهم بصعوبة .. ده غير الكلام اللى بابا سمعهولى
قال "سامر" وهى يمط شفتيه :
- برحتك
رفعت "سهى" رأسها وقالت بضيق :
↚
- "سامر" هى الظروف اللى عندكوا فى البيت هتطول يعني
أغلق "سامر" هاتفه وصاح غاضباً :
- انتى يا بنتى غاوية عكننه .. مزاج عندك أول ما تشوفينى مبسوط تروحى فاتحه أم الموضوع ده
قالت "سهى" بحنق :
- "سامر" انت ليه مش حاسس بيا ومش مقدر مشاعرى
قام "سامر" من مكانه ونظر اليها قائلاً بحده :
- بصى يا بنت الناس .. لو جبتى تانى سيرة الجواز أنا من سكة وانتى من سكة أنا مش ناقص خنقة
دخل الكبينه وتركها والدموع فى عينيها وفى داخلها ندم كبير .. لن تتمكن من تجاهله أبداً.
*********************************************
انتهت "مريم" من فرش أسنانها وخرجت لتجد "مراد" نائماً على فراشه ملتفاً بلحافه وينظر الى سقف الغرفة .. توجهت الى فراشها وأخذت أحد الكتب وأضاءت المصباح بجوارها وشرعت فى القراءة .. شعرت بنظراته مصوبة تجاهها فالتفتت تنظر اليه قائله :
- لو النور مضايقك أطفيه
هز رأسه نفياً فعادت الى كتابها .. سألها قائلاً :
- أجاثا كريستى برده ؟
ابتسمت قائله :
- لأ
اتكأ على مرفقه ومد يده الأخرى اليها .. نظرت الي يده الممدوده ثم أغلقت الكتاب ومدت يدها به اليه .. تفحص الغلاف و المقدمة ثم قال :
- استمتع بحياتك !
قالت "مريم" :
- بحبه أوى ما بملش من قرائته أبداً
قال "مراد" وهى يفر صفحات الكتاب :
- قرأت كتير لدكتور محمد العريفي بس الكتاب ده مقرأتوش
قالت بحماس :
- لو قراته مرة هتدمنه الكتاب فعلاً روعة
نظر اليها قائلاً :
- خلصيه وهاتيهولى أقراه
قالت له :
- مفيش مشكله اقراه .. انا اصلا قراته كتير قبل كده .. وبعدين معايا كتب تانية ممكن اقراها
نظر اليها "مراد" متفحصاً :
- شكلك بتحبي تقرى كتير
قالت مبتسمة وهى تنظر أمامها :
- بابا الله يرحمه كان بيحب يقرأ كتير .. وعودنى على كده
ابتسم "مراد" قائلاً :
- أنا كمان خدت العادة دى من والدى الله يرحمه
حملت "مريم" أحد الكتب بجوارها وشرعت فى قرائته .. الى أن غلبها النعاس فوضعته على الكمودينو وأغلقت المصباح وأولت "مراد" ظهرها ونامت .. ظل "مراد" ساهراً يستمتع بقراءه الكتاب الذى شعر بأنه يستحق القراءة بالفعل .. أثناء قراءته عندما أوشك على تقليب احدى الصفحات وجد ورقة تسقط من الكتاب .. أمسك الورقة ونظر الى "مريم" النائمة .. ثم نظر الى الورقة المطوية فى تردد .. لكن فضوله غلبه .. ترك الكتاب من يده وفتح الورقة ليجد فيها :
- حبيبتى "مريم" .. بل مهجتى "مريم" .. بل نور عيني ونبض قلبي .. انتِ قمر فى سماى .. ونوراً فى دنياى .. وبحر شوق فى عيناى .. ورحيق حبك هو مرساى .. أحبك يا من توغل حبك الى كل كيانى .. وملك روحى وأبعد عنى أحزانى .. وجعلنى فى بحار عينيك أغرق .. وبلمسة يديكِ أُهرب .. من نار الدنيا الى جنتك .. فلا تحرميني أبداً من بسمتك .. يا أرق "مريم" فى حياتي .. يا كل حياتى .. حبيبك "ماجد".
قرأ "مراد" تلك الكلمات وهو يشعر بحرقة فى قلبه امتدت لجسده لتحوله الى جمرة مشتعله .. ألقى نظرة نارية على "مريم" النائمة .. وهو يشعر بغصة فى حلقة .. وضع الورقة فى الكتاب وأغلقه بعصبيه وألقاه على الكمودينو بجواره .. ثم نام على ظهره واضعاً يديه أسفل رأسه وهو يفكر وعلامات الضيق على وجهه
*******************************************
استيقظت "مريم" من نومها لتجد "مراد" غير موجود فى فراشه .. بعد نصف ساعة طرقت "سارة" الباب لتخبرها بأنهم سيتجمعون فى الأسفل لتناول الفطار .. حانت من "مريم" التفاته الى "مراد" الذى بدى واجماً .. اخذت تتساءل عن السبب فلقد كان يبدو مرتاحاً بالأمس .. نفضت تلك الأفكار من رأسها وقالت لنفسها: وما شانى ان كان مرتاحاً أم متضايقاَ هذا أمر يخصه هو وأموره ليست من شأنى .. توجه الجميع الى البحر ومعهم مضارب الراكيت .. بدأت "سارة" و "نرمين" فى اللعب معاً وأخذا يضحكان ويمزحان فقد كانتا كلتاهما سيئتان جداً فى ضرب الكره وفى صدها .. قالت "سارة " :
- تعالى يا "مريم" .. "نرمين" دى عاهة مش عارفه ألعب معاها
صاحت "نرمين" بغيظ :
- أنا عاهة أمال انتى ايه يا "سارة" مفيش مرة حدفتلك الكورة وعرفتى تصديها
قالت "سارة" :
- ما انتى اللى مش عارفه تحدفيها
وقفت "مريم" وأعطتها "نرمين" المضرب وأخذت تلاعب "سارة" .. كانت ضربات "مريم" موفقه لولا خبرة "سارة" الضئيلة فى اللعب .. قالت "سارة" بعد فترة وهى تنهج :
- تعبت
قالت "مريم" بحماس :
- لا عشان خاطرى نكمل لعب
قالت "سارة" :
- بتلعبي حلو اتعلمتيها فين ؟
قالت "مريم" :
- كنت دايماً بلعب أنا وأختى فى نادى قريب من البيت .. مش قادرة أقولك أنا بعشق الراكيت أد ايه
ثم صاحت بطريقة طفولية :
- عشان خاطرى يا "سارة" العبي شوية كمان
قالت "سارة" :
- لا يا ستى ايدي وجعتنى .. خلى "مراد" يلعب معاكى .. "مراد" .. "مراد" .. تعالى العب مع "مريم"
شعرت "مريم" بالحرج وهمت بأن تترك المضرب .. لكن "مراد" نهض وأخذ المضرب من "سارة" ووقف أمام "مريم" .. نظرت "مريم" اليه لترى نظراته الحادة المصوبة تجاهها .. وبدأ اللعب .. كانت ضربات "مراد" قوية وكأنه ينتقم من الكره .. أمسكت "مريم" الكره ووقفت تنظر اليه بثبات وتقابل نظراته المتحدية بثقه .. ثم قالت فى نفسها .. حسناً تريدها تحدى فليكن .. كانت ضربات "مريم" قوية بقدر ما كانت ضربات "مراد" قوية بدا وكأنهما لا يلعبان بل يفرغان شحنة بداخل كل منهما .. كان كل منهما يضرب الكره وكأنه يضرب كل ما يغضبه ويضايقه .. كانت ضرباتهما قوية قاسية واثقة تعرف وجهتها جيداً .. أخذت "ناهد" تتابع اللعب مع "سارة" و "نرمين" .. هتفت "نرمين" بدهشة :
- ايه ده ملهم بيلعبوا بعنف كده
قالت "سارة" وهى تنقل نظرها مع الكره :
- بس جامدين جداً فى اللعب هما الاتنين
أول من رفعت راية الإستسلام هى "مريم" التى شعرت بألم فى ذراعها .. رفعت كفها معلنة انتهاء اللعب .. فاقترب منها "مراد" قائلاً:
- بتلعبي حلو
قالت وهى تنهج بقوة وحبات العرق تتصبب منها :
- انت كمان بتلعب حلو
تلاقت نظراتهما للحظات .. ثم ترك "مراد" المضرب وتوجه الى حيث يجلس الجميع وعينا "مريم" تتابعانه.
أصر الجميع على "مراد" على أن يمد اقامتهم يومين آخرين .. فما استطاع تحت هذا الإلحاح من الجميع إلا أن يوافق.
**********************************************
فى المساء أخذت "مريم" قلم وبعض الأوراق وجلست على الأريكة تبدأ فى التخطيط والرسم الخاص بحملة "مراد" .. استغرقها الوقت حتى قال لها "مراد" .. الجالس على أحد المقاعد بجوارها يشاهد التلفاز :
- كفاية كدة وقومى نامى
قالت دون أن تنظر اليه :
- لا لسه شوية
قام من مكانه وأحضر الكتاب ووضعه أمامها على المنضده .. نظرت الى الكتاب ثم اليه وقالت :
- عجبك ؟
قال "مراد" وهو يجلس مكانه وينظر اليها ببرود :
- آه كويس
قالت "مريم" بإستغراب :
- كويس بس .. افتكرته هيعجبك
التفت اليها "مراد" وقال بنفس البرود :
-أنا ما قولتش معجبنيش
قالت "مريم" :
- شكلك بيقول انه معجبكش
قال "مراد" بتهكم وهو يتفرس فيها :
- بتحسي بيا للدرجة دى
شعرت "مريم" بالخجل والضيق من كلماته الساخرة وعادت الى رسمها مرة أخرى .. قام "مراد" وغادر الغرفة وأغلق الباب خلفه بحده .. نظرت "مريم" بإستغراب الى الباب المغلق وهى تحاول أن تصرف ذهنها عن التفكير فى "مراد" وتصرفاته
*******************************************
صفع "عثمان" "صباح" بحده فى مكتب المأمور وهو يقول :
- كيف ده حوصل .. كيف يا بنت بوى كيف
أجهشت "صباح" فى البكاء وقد أيقنت هلاكها .. قال المأمور :
- فحصنا البصمات بتاعتك يا آنسه "صباح" وقارناها بالبصمات الموجودة على الطبنجة اللى انطخ بيها "جمال" .. وكان التطابق تام
قال "عثمان" وهو يغلى من الغضب :
- والله لجتلك يا جليلة الرباية والله لجتلك
أمر المأمور أحد الحرس بأن يأخذ "عثمان" للخارج ..وما هى الا لحظات حتى خرج اليه "عبد الرحمن" الذى تم الافراج عنه .. قال "عبد الرحمن" بلهفه :
- اللى سمعته ده صحيح يا ولدى ؟ .. اللى طخ "جمال" "صباح" بنيتي
قال "عثمان" بغضب :
- اييوه يا بوى هى بنت التييييييييييييت دى
قال "عبد الرحمن " :
- لا حول ولا قوة الا الله .. ليه تعمل اكده لييه
قال "عثمان" بغضب :
- واضح يا بوى ليه عيملت اكده .. واضح ان مافيش حرمه نضيفه فى عيلتنا
صاح به "عبد الرحمن" :
- اجفل خشمك يا "عثمان" ومتتكلمش عن أختك اكده
قال "عثمان" :
- أختى اللى جرسيتنا وسط الخلج .. والله لجتلها بيدي دول
لحظات وحضر "سباعى" الذى هتف قائله :
- صوح اللى سمعته ده يا "عبد الرحمن" .. بنتك "صباح" هى اللى طخت ولدى
قالت "عبد الرحمن" بدهشة :
- ولحجت تعرف يا "سباعى"
قال "سباعى" بحده :
- هو آنى جليل فى البلد دى ولا اييه يا "عبد الرحمن"
قال "عبد الرحمن" بوهن :
- آنى محجوجلك يا "سباعى" واللى انت رايده هيكون
قال "سباعى" بضيق :
- آنى مش عارف هلجيها منين ولا منين الخلج أول ماهيعرفوا هتجوم جومتهم .. ربك يسترها يا "عبد الرحمن"
****************************************
جلست "مريم" على احدى الصخور فى البحر تراقب الأسماء الصغيره التى تسبح تحت المياة الشفافة الصافية .. اقتربت منها "سارة" وجلست بجوارها .. ابتسمت الفتاتان لبعضهما البعض .. قالت "سارة" :
- تعرفى يا "مريم" أنا و "نرمين" كنا خايفين "مراد" يتجوز واحدة تخليه يسيبنا تانى ويبعد عنا
قالت لها "مريم" بدهشة :
- تقصدى ايه
قالت "سارة" :
- مش عايزة أضايقك وافكرك بحاجه أكيد مش حابه تفتكريها .. بس فعلا مراة "مراد" الأولانيه مكناش بنحبها خالص
شعرت "مريم" بالدهشة وهى تسمع لأول مرة بأن "مراد" كان متزوجاً من قبل فأكملت "سارة" :
- أصرت عليه ياخدلها فيلا بعيد عننا .. هو عمل اللى يريحها بس برده كان كل يوم عندنا .. خاصة ان مفيش معانا راجل .. أنا عارفه انه مكنش حابب يبعد بس هى كانت مصرة
شردت "مريم" فى كلمات "سارة" اذن "مراد" كان متزوجاً من قبل .. تُرى أين ذهبت أانتهى زواجهما بالموت مثلها أم بالطلاق .. أخرجتها "سارة" من حيرتها قائله :
- بعد ما اطلقوا "مراد" تعب أوى .. واتغير معانا .. بقه صعب أوى .. بس احنا برده بنحبه هو شاف كتير .. وعشان كدة فرحنا ان ربنا عوضه خير ورزقه بيكى .. وانك موافقه تعيشي معانا ومأصرتيش انه يسيبنا وتعيشوا لوحدكوا
كانت "مريم" تستمع لكلماتها فى شرود فأكملت "سارة" :
- انا بحبك بجد يا "مريم" وبحس فعلا انك أختى
التفت لها "مريم" مبتسمه :
- صدقيني أنا كمان بحبكوا جداً يا "سارة"
بدا على "سارة" التردد ثم قالت :
- فى حاجة عايزة أحكيلك عنها يا "مريم" بس ياريت الموضوع يفضل بينا ومتجبيش سيرة لـ "مراد" أبداً
قالت "مريم" :
- متقلقيش يا حبيبتى أى كلمة تقوليهالى مستحيل أقولها لأخوكى ابداً
ابتسمت "سارة" واطمئنت وقصت عليها مشكلتها .. واعجابها بـ "طارق" صديق "مراد" .. واشتكت لها من كونه لا يعيرها أدنى اهتمام ثم اختتمت حديثها قائله برجاء :
- قوليلى أعمل ايه يا "مريم" ..ألفت انتباهه زى ما "نرمين" قالتلى ؟
فكرت "مريم" قليلاً ثم قالت :
↚
- بصى يا "سارة" لازم تعرفى وتتأكدى انك مش هتاخدى غير الراجل اللى ربنا كاتبهولك .. مهما عملتى مش هتاخدى حد غيره .. فلازم أى تصرف تعمليه تشوفى اذا كان صح ولا غلط .. حلال ولا حرام .. لانك كدة كدة مش هتقدرى تغيري قدر ومكتوب
ثم قالت :
- رأيي متعمليش حاجة أكتر من انك تدعى ان ربنا يرزقك الراجل اللى يسعد قلبك .. متدعيش انه يرزقك بـ "طارق" بالذات .. لا ادعى انه يرزقك بالراجل اللى يحافظ عليكي واللى يكون مناسب ليكي .. اللى فهمته من كلامك انك متعرفيش الأستاذ "طارق" أصلاً .. يعني محصلش أى حوار بينكوا ولا أى حاجة توضحلك شخصيته .. مجرد انه صاحب أخوكى وعارفه شكله .. وده مش كفاية عشان تحبيه .. انتى الاحساس اللى جواكى تعلق مش أكتر .. اتعلقتى بحد عارفه انه كويس .. بس مهما كان انتى متعرفيش شخصيته .. ويا ترى هيكون مناسب ليكي ولا لاء .. عشان كدة قولتلك لما تدعى ادعى ان ربنا يرزقك الراجل المناسب ليكي اللى يحافظ عليكي ومتدعيش انه يرزقك ب "طارق" بالتحديد لانك متعرفيهوش أصلاً .. ادعى ان ربنا يختارلك وخليكي واثقة ان اختيار ربنا ليكي هيكون أحسن مليون مرة من اختيارك لنفسك
أنهت "مريم" كلامها ونظرت الى "سارة" التى بدا عليها الإرتياح بعدما استمعت لتلك الكلمات .. قالت "سارة" مبتسمه :
- ياريتى كنت كلمتك من زمان كنتى خرجتيني من حيرتى دى
ابتسمت "مريم" وقالت :
- ادينا اتكلمنا أهو .. بس يارب فعلا يكون كلامى فادك
عانقتها "سارة" وقالت :
- فادنى كتير .. تسلمى يا "مريم"
********************************************
استطاع كبار العائلتين التحدث مع المأمور الذى كان يرغب أكثر منهما فى حل تلك القضية ودياً .. لأنه يعلم المشاكل التى كانت واقعة بين العائلتين منذ الأذل والتى تنتظر شرارة صغيرة لتبدأ نار الثأر فى الإشتعال مرة أخرى .. انتهت جلسة الصلح بـ :
- قبلتُ زواجها
والتى قالها "جمال" بحنق وضيق ويده موضوعه فى يد "عبد الرحمن" وهو يعلم جيداُ فى قرارة نفسه أنه وقع فى شر أعماله وبأن الله أعطاه ما يستحق
********************************************
فى المساء اجتمع الجميع امام حمام السباحة فى الفندق والذى كان فارغاً فى مثل هذا الوقت .. قامت "مريم" لتتمشى قليلا فقالت "ناهد" :
- متتأخريش يا "مريم" .. "مراد" زمانه جاى وهنتطلع كلنا بالعربية نتمشى شوية
أومأت "مريم" برأسها وسارت وهى تتهادى فى خطواتها وتتطلع الى الطبيعة يميناً ويساراً .. كانت مستغرقة فى التفكير فى حالها وفي مستقبلها الذى تجهله .. كانت تشعر فى قرارة نفسها بمشاعر غريبة عليها .. مشاعر متضاربة احتارت فى تفسيرها وفى فهمها .. لا تدرى الى كم من الوقت سارت .. لكنها نظرت فجأة حولها لتجد نفسها فى مكان تجهله .. كانت تحمل بيدها هاتفها لكنها لا تعرف الا رقم "ناهد" الذى حاولت أن تتصل به كثيراً دون رد .. ظلت تدور حول نفسها وهى تحاول تبين طريقها دون جدوى .. كان المكان حولها خالياً فلم تستطع أن تجد من يدلها على الطريق .. رأت البحر أمامها فسارت بمحازاته وهى تنظر الى الأنوار المضاءه على يسارها علها تتبين مكان تعرفه .. عاد "مراد" ليجد "ناهد" تهتف بقلق :
- "مراد" اتصل بـ "مريم" محدش في البنات معاه رقمها وموبايلى مش لاقياه
تسمر "مراد" فى مكانه .. فهو الى الآن لا يعرف رقم هاتفها .. قال "مراد" وهو يتطلع الى الفتاتان ليتأكد من أنهما لا تستمعان اليه :
- مش معايا رقمها
هتفت أمه بحنق :
- ازاى يعني مش معاك رقمها
عادت الى مكانها تبحث مع الفتيات عن هاتفها .. ثم قالت بلهفه :
- هطلع أشوفه فوق يمكن نسيته فى الأوضة
أخذ "مراد" يسير على غير هدى وعيناه تبحث عن "مريم" بلهفه ويسأل عنها كل من يجده أمامه .. شعر بالقلق من سيرها بمفردها فى هذا الليل وفى هذا المكان المنعزل .. خشى أن يصيبها مكروه .. فحث قدماه على السير وعيناه على البحث .. خفق قلبه بخوف وهو يتخيل أحد الأشخاص وهو يضايقها وهى تصرخ مستنجده دون أن يسمعها أحد .. اتصل بوالدته دون رد .. اتصل بـ "سارة" وقال بحده :
- أيوة يا "سارة" لسه ملقيتوش موبايل ماما ؟
- لا يا أبيه بندور عليه
صاح بغضب :
- هيكون فين بس دوروا كويس .. وأول ما تلاقوه كلميني
كانت "مريم" تنظر الى ما حولها وهى تشعر بالرعب كان المكان موحشاً .. وحتى الأنوار المضاءة على اليسار لا تشير الى أى مكان تعرفه .. تعالى صوت البحر الهادر ليزيد من خوفها .. اتصلت بـ "مى" قائله بلهفه :
- "مى" ازيك
هتفت "مى" بفرح :
- "مريم" ازيك أخبارك ايه
قالت "مريم" بلهفه :
- "مى" معاكى رقم استاذ "طارق"
قالت "مى" بدهشة :
- عايزاه ليه
قالت "مريم" وهى تتلفت حولها خوفاً :
- بصى أنا و "مراد" وعيلته سافرنا العين السخنه .. وأنا تهت ومش معايا غير رقم مامته ومبتردش عليا .. عايزاكى تتصلى بأستاذ "طارق" تجبيلى منه رقم "مراد"
قالت "مى" :
- طيب يا حبيبتى ثوانى وهكلمك
اتصلت "مى" بـ "طارق" وشرحت له الوضع وقالت :
- فلو سمحت اديني رقم أستاذ "مراد" عشان أبعته فى رسالة لـ "مريم"
قال "طارق" :
- لا مفيش داعى .. انا هكلمها
شعرت "مى" الضيق وقالت :
- ماشى .. مع السلامة
أنهت "مى" المكالمة وهى تشغر بغيرة شديدة .. اتصل "طارق" بـ "مريم" وطمأنها قائلاً :
- متخفيش يا مدام "مريم" اوصفيلي بس المكان اللى انتى فيه وأنا أقولك ترجعى ازاى .. انا اللى حاجز لـ "مراد" فى المكان ده وعارفهكويس
قالت "مريم" وهى تلتفت حولها :
- مش عارفه أنا جمب البحر بس معرفش أنا فين بالظبط
قال "طارق" :
- طيب مفيش أى حد أدامك تسأليه
التفتت حولها وقالت بخوف :
- لا مفيش خالص
قال "طارق" مطمئناً اياها :
- طيب متقلقيش أنا هكلم "مراد" وأديله رقمك .. بس متخفيش ان شاء الله "مراد" هيلاقيكي
اتصل "طارق" بـ "مراد" وأملاه الرقم فقال "مراد" بدهشة :
- انت عرفت منين ؟
قال "طارق" :
- مش وقته يا "مراد" .. كلمها شوف هى فين باين عليها انها مرعوبة أوى
اتصل بها "مراد" فأجابت بصوت قلق :
- أيوة
قال "مراد" بلهفه :
- "مريم" انتى كويسة
قالت بصوت مضطرب :
- أيوة كويسة
قالت "مراد" :
- انتى فين اوصفيلي المكان اللى انتى فيه
كان "مراد" يسير أثناء التحدث اليها وعيناه تبحث عنها .. نظرت حولها وأجابت :
- أنا ورايا البحر .. بس مش عارفه أنا فين بالظبط
قال بلهفه :
- طيب لما خرجتى من حمام السباحة مشيتي ازاى ؟
قالت بصوت مضطرب :
- معرفش مكنتش مركزة
هتفت قائلاً بعصبية :
- ازاى يعني مكنتيش مركزة
أجابت بصوت كمن يوشك على البكاء :
- كنت سرحانه ومخدتش بالى
حاول "مراد" التحكم فى أعصابه وقال بصوت أهدأ :
- أنا آسف .. بس أنا عايز أعرف مكانك .. حاولى توصفيلي المكان حواليكى
لكن "مراد" هتف فجأة :
- خلاص يا "مريم" شوفتك
هتفت غير مصدقة :
- بجد .. الحمد لله
أغلقت الخط وبحثت حولها لتجد "مراد" قادماً اتجاهها .. شعرت بالفرحه بمجرد أن رأته وابتسمت وقالت بأعين دامعه :
- كويس انك لاقيتنى .. كنت خايفة أوى
نظر اليها بلهفه بأعين متفحصه وقال :
- انتى كويسة
أومأت برأسها وهى تمسح العبرات الى تساقطت من عينيها رغماً عنها .. نظر اليها بحنان قائلاً :
- طيب يلا نرجع الفندق ..
رن هاتفه فقال :
- أيوة يا ماما .. خلاص لقيتها .. أيوة احنا فى الطريق .. ماما الموبايل هيفصل شحن حالاً
وبالفعل لحظات وانقطع شحن الهاتف .. قال "مراد" بجدية :
- بعد كدة لما تمشى وتحسى انك توهتى اقفى فى المكان اللى انتى فيه ومتمشيش أكتر عشان متتوهيش أكتر
أومأت برأسها مد يده وأمسك بهاتفها تحت نظراتها ..تلامست أيديهما فشعرت بالإضطراب وأبعدت يدها سريعاً .. دون رقمه وسجله بإسمه على هاتفها وقال :
- لما نرجع اديني رقمك .. مينفعش نبقى مش عارفين أرقام بعض
أعطاها هاتفها فأخذته .. كانت "مريم" تسير معه وهى تحاول أن تهدئ من خفقات قلبها التى كانت تتسارع من شدة الخوف .. التفت اليها "مراد" قائلاً :
- أحسن دلوقتى
قالت بصوت أكثر ثباتاً :
- أيوة الحمد لله
سارا عدة دقائق قبل أن يظهر لها المكان الذى تعرفه .. كان مقبلاً اتجاههما مجموعة من الفتيات الاتى يضحكن ويتمازحن وهن مرتدات ملابس غير محتشمة .. رغماً عنها التفتت "مريم" تجاه "مراد" لتتبع نظراته .. كان ينظر بجواره فجذبت انتباهه الضحكات فنظر أمامه لحظة قبل أن يخفض بصره أرضاً .. تسلل اليها شعور بالسعادة .. لحظات قبل أن تشعر بالضيق من نفسها وأخذت تحدث نفسها .. ما شأنك أنتِ يا "مريم" نظر أم لم ينظر ما شأنك به لماذا تهتمين ما يخصه ليس من شأنك .. عقدت ما بين حاجبيها فى ضيق أفاقت من شرودها على صوت الهاتف فى يدها .. رأت رقم "طارق" الذى اتصل منه منذ قليل .. نظر "مراد" الى هاتفها فالتفتت اليه ومدت له يدها بالهاتف قائله :
- ده الأستاذ "طارق" .. ممكن يكون كلمك ولقى موبايلك مقفول
أخذ "مراد" الهاتف من يدها ورد :
- أيوة يا "طارق" .. فصل شحن .. أيوة لقيتها خلاص .. لا كله تمام .. متشكر يا "طارق" .. سلام
أنهى "مراد" المكالمة وهى ينظر الى "مريم" بإمعان قائلاً :
- انتى اتصلتى بيه لما تهتى
قالت "مريم" بسرعة :
- لا اتصلت بـ "مى" صحبتى وهى زميلتى فى الشركة .. قولتلها تتصل بيه
صمت "مراد" ثم عاد يتفرس فيها قائلاً :
- رقمك معاه من زمان
قالت "مريم" وهى تنظر اليه :
- لأ أنا مدتهوش رقمى اصلاً .. ومبديهوش لأى عميل .. ممكن يكون خده من "مى"
أومأ "مراد" برأسه .. تلاقت أنظارهما فى صمت .. كل منهما ينظر الى عين الآخر بحذر وقلق وخوف .. كانت نظرات كل منهما تصرخ فى الآخر قائله .. ابتعد عنى لن اسمح لك بإختراق أسوار قلبي .. لكن نفس السؤال أخذ يتردد فى أعماق كل منهما .. تُرى هل سأستطيع حقاً الصمود ؟
- أنا كنت شاكك فيها من الأول
قال "مراد" هذه العبارة بعصبية .. فقال "طارق" :
- وايه مصلحتها فى كدة
قال "مراد" بغضب :
- الهانم أكيد كانت بتاخد منه فلوس .. ماهى مش هتعمل كده لله فى لله
قال "طارق" بحده :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيها .. انسانه معندهاش ضمير
قال "مراد" بحنق :
- لولا التسجيل اللى حطيته فى المكتب مكنتش اكتشفت ان سكرتيرتى عميلة عند "حامد" وبتنقله كل تحركاتى
قال "طارق" بحنق :
- بس يا "مراد" مكنش المفروض تكتفى بطردها .. كان المفروض توديها فى ستين داهية بالتسجيل اللى معاك
قال "مراد" :
- هى بنت برده .. صحيح تتساهل قطم رقابتها عشان خاينة للأمانة بس بردة بنت مينفعش أبلغ عنها وأدخلها اقسام
قال "طارق" وهو ينهض :
- طيب هروح أشوف مكتب توظيف محترم يبعتلنا سكرتيرة محترمة
زفر "مراد" بضيق .. فأكثر ما يكرهه فى حياته .. الخيانة .. بكل أشكالها وأنواعها
*******************************************
دخل "جمال" منزله وعلامات الضيق على وجهه فإستقبلته "صباح" قائله :
- كنت فين يا "جمال"
قال "جمال" بضيق :
- كنت بشم هوا يا "صباح"
قالت بعتاب :
↚
- فى عريس يسيب مرته فى البيت ويخرج ولسه مفاتيش اسبوع على جوازهم
هتف "جمال" بغضب :
- كانت جوازه ما يعلم بيها الا ربنا
هتفت "صباح" بحنق :
- ليه بجه ان شاء الله .. مش انت اللى كنت بتجولى انك نفسك فى اليوم اللى تتجوزنى فيه يا "جمال" نسيت كلامك الحلو اللى كنت بتسمعهولى
قال "جمال" بتهكم :
- كنت مغفل يا "صباح" .. ياريتنى كنت انشكيت فى لسانى جبل ما أجول كلمة واحدة منه يا "صباح"
قال ذلك ثم زفر بضيق ودخل حجرة النوم يشاهد التلفاز تحت نظرات "صباح" الغاضبة
4
**************************************
أمسكت "سهى" هاتفها الذى لم يفارق يديها الا نادراً طيلة اليومين الماضيين .. لكن كالعادة رفض "سامر" الإجابة على أى من اتصالاتها .. كآخر حيلة لديها اتصلت بمكتبه فأخبرتها السكرتيرة أنه منشغل ولديه اجتماع .. فقالت "سهى" بصوت كمن أوشك على البكاء :
- طيب لو سمحتى لما يخلص اجتماع قوليله "سهى" اتصلت بيك وعايزاك ضرورى
- حاضر يا فندم
أنهت السكرتيرة المكالمة وتوجهت الى مكتب "سامر" قائله :
- الآنسه "سهى" اتصلت يا فندم وقولتلها زى ما حضرتك قولتلى
قال "سامر" بلامبالاة :
- طيب لو اتصلت تانى قوليلها سافر يومين ولو سألتك فين قوليلها متعرفيش
- حاضر يا فندم
***************************************
عاد "مراد" الى البيت فى المساء ليجده ساكناً .. توجه الى غرفة المعيشة ليجدها فارغة .. صعد الى غرفته وطرق الباب ليجد "مريم" جالسه على الأريكة تتطلع الى حاسوبها الموضوع على قدميها :
- السلام عليكم
نظرت اليه قائله :
- وعليكم السلام
أغلق الباب وهو يتطلع اليها قائلاً :
- أمال فين ماما واخواتى ؟
قالت "مريم" بهدوء :
- راحوا لخالتك .. هما كلموك أدامى انت نسيت
قال "مراد" وقد بدا عليه التذكر :
- أيوة أيوة .. معلش نسيت
عادت "مريم" الى عملها مرة أخرى أمام الحاسوب .. دخل "مراد" الحمام وأخذ دشاً واستبدل ملابسه ثم نظر اليها قائلاً :
- اتغديتي
قالت :
- أيوة
أخرج هاتفه يتفحصه .. فنظرت اليه "مريم" قائله :
- لو مكنتش اتغديت أقول لدادة "أمينة" تحضرلك الغدا
نظر اليها مبتسماً :
- مبحبش آكل لوحدى .. لو هتاكل معايا ماشى
قالت بحرج :
- انا اتغديت
قال وهو يغادر الغرفة :
- أنا نازل المكتب
توجه "مراد" الى مكتبه .. بعد ما يقرب من ساعة ذهبت اليه "مريم" وطرقت الباب أذن لها بالدخول .. وقفت أمامه قائلاً :
- خلصت تصميم اللوجو ياريت تشوفه عشان لو محتاج تعديل أعدله قبل ما أحطه على البروشورز وباقى التصميمات
أشار "مراد" الى المنضدة أمام الأريكة فوضعت عليها حاسوبها وجلس "مراد" ينظر الى التصميم .. تابعت تعبيرات وجهه بإهتمام وقالت :
- لو محتاج أى تعديل مفيش مشكلة قولى وأنا أعدله
قال "مراد" دون أن ينظر اليها :
- لا ممتاز .. بجد ممتاز
ابتسمت "مريم" وقد أسعدها اطراءه ..رفع رأسه ونظر اليها مبتسماً :
- شكلى هستغلك وأعمل تجديد لكل تصميمات الشركة والمصنع
قالت بحماس :
- ما فيش مشكلة ... أصلاً أنا بحب شغلى جداً وبعتبره هواية مش حاجة مفروضة عليا
سألتها "مراد" :
- اتعملتى فين ؟
قالت "مريم" وقد اختفت ابتسامتها :
- جوزى الله يرحمه هو اللى علمنى
اختفت ابتسامة "مراد" هو الآخر وأشاح بوجهه عنها .. لاحظت "مريم" التغير الذى طرأ عليه واستغربت من ذلك .. حملت الحاسوب قائله بتوتر :
- هبتدى فى البروشورز من النهاردة ان شاء الله وما أخلصها هوريهالك
قال "مراد" دون أن ينظر اليها :
- ارتباطكوا استمر أد ايه ؟
بلعت "مريم" ريقها بصعوبة وقالت بصوت خافت :
- سنتين
نظر "مراد" اليها متفرساً فيها وقال :
- وليه متجوزتوش .. ليه استنيتوا ده كله ؟
قالت "مريم" بشئ من الضيق :
- حصلت ظروف خلتنا نضطر نأجل جوازنا
هربت من نظراته المتفحصه قائله :
- بعد اذنك
غادرت "مريم" غرفة المكتب لتترك "مراد" غارقاً فى التفكير .. تُرى الى أى مدى أحبته ؟ .. أأحبته الى درجة أن تخلص له حتى بعد موته ؟ .. تُرى لماذا أحبته ؟ .. كيف جعلها تحبه لدرجة ألا تستطيع رؤية رجلاً غيره ؟ .. لم ينسى ما أخبره اياه "طارق" من رفضها الزواج بسبب حبها لخطيبها الراحل .. تُرى هل من الممكن أن يدق قلبها للحب مرة أخرى ؟ .. هل من الممكن أن تقبل العيش مع رجل ...... !! .. عند هذه النقطة أرغم عقله على التوقف عن الإسترسال و قام الى مكتبه وجلس يطالع أوراقه وملفاته ليصرف عقله عن التفكير فيها وفيما يخصها .
صعدت "مريم" الى غرفة "مراد" وجلست على الأريكة وهى غارقة فى التفكير هى الأخرى .. تُرى لماذا حدث الطلاق بينه وبين زوجته ؟ .. تُرى كيف كان شكلها ؟ .. أأحبها ؟ .. لماذا اذن انفصلا ؟ .. هل مازال يتذكرها ؟ .. أيتمنى العودة اليها ؟ .. كم دام زواجهما ؟ .. ومنذ متى انفصلا ؟ .. ظلت الأسئلة تتقافز على عقلها الى أن أرغمت عقلها عن الإنشغال بعملها الذى بين يديها.
2
عاد الجميع الى البيت والتفوا حول طاولة الطعام .. قالت "نرمين" بمرح :
- كانت أعدة حلوة أوى يا ريتك كنتى جيتي معانا يا "مريم"
قالت "مريم" مبتسمه :
- معلش كان عندى شغل
قالت "سارة" لـ "مراد" :
- خالتو عزمتنا كلنا يا أبيه آخر الاسبوع .. حاول تفضى نفسك
قالت "سارة" بحماس :
- وأنا يا أبيه حاول تفضيلي نفسك عايزه أشترى لبس جديد وشوية حاجات كدة عشان الكلية
قال "مراد" :
- خلاص نخرج بكرة ان شاء الله تشترى انتى حاجتك وكمان "سارة" و "مريم" يخرجوا ويغيروا جو
قالت "سارة" بحماس :
- تمام أوى .. بس خلى بالك يا أبيه أنا ليا زى ما "نرمين" هتشترى بالظبط .. مش معنى انى خلصت كلية انى مش هشترى لبس جديد
ابتسم "مراد" قائلاً :
- ماشى يا "سارة" عنيا ليكي
ابتسمت "مريم" وهى تراقبهم .. سعدت كثيراً للعلاقة الودودة بينهم .. قالت "ناهد" مبتسمة :
- أنا بأه بتخنق من اللف كتير سيبونى بأه أنعم بيوم من الراحة والإستجمام
قالت "نرمين" ضاحكة :
- تقصدى يا ماما ان احنا عملينلك ازعاج يعني .. ده احنا التلاته قطط صغننه
ضحكت "ناهد" قائله :
- "مريم" آه قطة .. أما انتى و "سارة" لما بتتجمعوا مع بعض بتقلبوا بغبغانات وبتصدعولى دماغى
قال "مراد" لأمه :
- متيجي معانا يا ماما
قالت "ناهد" :
- لا يا حبيبى اخرجوا انتوا واتبسطوا
*************************************
دخلت "صباح" غرفة النوم وجلست بجوار "جمال" الذى بدا مندمجاً فى مشاهدة أحد الأفلام .. اقتربت منه وقد تزينت وتعطرت .. قالت له :
- متجفل البتاع ده يا "جمال" وتيجى نجعد نتكلم شويه
قال "جمال" وهى ينظر اليا شذراً :
- هتكلم في اييه يعني .. خلينى مع الفيلم أحسن
قالت "صباح" بحنق :
- يجطع الفيلم على بيتفرجوا عليه .. آنى عروسة يا "جمال" المفروض تهتم بيا أكتر من اكده
صاح "جمال" :
- يجطع الجواز على البيتجوزوا .. آنى دماغى مش فيا يا "صباح" روحى شوفيلك حاجة تشغلك بعيد عنى أحسن العفاريت بتتنطط أدام عيني السعادى
قالت "صباح" بغضب :
- ماشى يا "جمال" بكرة تندم وتجول آنى معرفتش أجدر جيمتها
قام "جمال" من مكانه ووقف بجوار الفراش قائلاً بتهكم :
- حوش حوش .. ليه ان شاء الله فاكره نفسك مين يا "صباح" السفيرة عزيزة .. ده لولا انى اتنازلت عن المحضر وجفلنا على الجضية كان زمانك دلوجيت نايمة فى البورش يا "صباح" والبراغيت بتشغى فى جتتك
وقفت "صباح" بمواجهته قائله بغضب :
- ماهو لو مكنتش انت ناجص وجليل الأصل مكنش ده كله حوصل .. جولتلك يا "جمال" مش "صباح" اللى يدحك عليها .. ده آنى ألففك البحر كعب داير وأرجعك عطشان
دفعها بيدها الى الفراش قائلاً :
- طيب اكتمى .. اكتمى أحسن أديكى كف يكتمك للأبد يا "صباح"
1
*********************************
فى اليوم التالى خرج "مراد" مع الفتيات الى أحد المولات التجارية .. تقدمت الفتاتان فالتفتت "مريم" قائله لـ "مراد" بحرج :
- آسفه انك اضطريت تاخدنى معاك
قال "مراد" وهو ينظر اليها :
- مين قالك انى واخدك معايا غصب عنى
قالت بإرتباك :
- يعني .. المفروض كنت تخرج مع اخواتك بس .. لولا انهم الصبح أصروا انى أخرج معاهم
قال "مراد" ببرود :
- أظن انا من بالليل وأنا قايل انك هتخرجى معانا
أشار بيده قائلاً :
- اتفضلى
أخذت الفتاتان وقتاً طويلاً فى المشاهدة والشراء توجه "مراد" الى الملابس المعروضة وانتقى بعضها وحملها بيده ثم توجه الى "مريم" قائلاً :
- ادخلى قيسيهم
نظرت "مريم" اليه بدهشة وحرج قائله :
- لا شكراً أنا مش عايزة أشترى حاجه
قال "مراد" بحزم :
- مبحبش أكرر كلامى مرتين
قالت "مريم" بحنق :
↚
- و أنا مش عايزة أقيسهم
قال بعند :
- هتقيسيهم
زفرت بضيق .. لاحظت أن البائعة تقف بجوار "مراد" فلم ترد التمادى أكثر فى هذا النقاش فأخذتهم من يده وتوجهت الى أحد الكبائن المخصصه للبروفة وبمجرد أن أغلقت الستارة فتحها "مراد" فنظرت اليه بدهشة .. فقال بحزم :
- قيسيهم فوق هدومك.. متقلعيش هدومك لأن فى ناس معندهاش ضمير بتحط فى البروفة كاميرات مراقبة
أومأت برأسها وهى تشعر بشعور غريب يسيطر عليا وهى ترى هذا الحرص والإهتمام منه .. أغلقت الستارة مرة أخرى ونفذت ما قال .. خرجت بعد عدة دقائق قائله :
- أيوة مظبوطين .. بس لو سمحت أنا اللى هدفع تمنهم
نظر اليها بحده وأخذهم منها وأعطاهم للبائعة قائلاً :
- هناخد دول كمان
شعرت "مريم" بالضيق فلا ينقصها الا أن يدفع ثمن ملابسها أيضاً .. وقف الجميع فى الخارج يتفقون على المكان التالى الذى سيذهبون اليه .. كانت "مريم" شارده فلم تتابع حديثهم .. مر من خلف "مريم" بعض الشباب الذين كانوا يتحدثون ويمزحون معاً .. فرجع أحد الشباب الى الخلف وهو يضحك مع أصدقائه ولم ينتبه الى أنه سيصطدم بـ "مريم" التى توليه ظهرها .. فجأة وجدت "مريم" "مراد" يحيطها بأحد ذراعيه ويجذبها اليه بقوة فإرتطمت بصدره وهى تشعر بالدهشة مما فعل .. وبيده الأخرى دفع الشاب الذى كان مازال يرجع للخلف دون أن ينتبه .. التفت الشاب بعدما ارتطم بيد "مراد" ونظر اليهما قائلاً :
- أنا آسف والله مخدتش بالى .. معلش أنا آسف
قال "مراد" بجديه :
- خلى بالك وانت ماشى
تمتم الشاب مرة أخرى :
- أنا آسف معلش
شعرت "مريم" بالحرج من وجودها فى أحضان "مراد" بهذا الشكل فإبتعدت عنه ودفعته عنها بشكل أثار انتباه "سارة" و "نرمين" .. كانت تشعر بإرتباك شديد .. فقال "مراد" :
- يلا تعالوا على العربية وبعدين نبقى نشوف هنروح فين تانى
صعدت "مريم" بجوار "مراد" فى السيارة وهى تتحاشى النظر اليه ..
1
*******************************************
قال "حامد" للظابط الذى يحقق معه فى البلاغ الذى قدمه "مراد" ضده :
- "نرمين" هى اللى ركبت معايا بمزاجها يا حضرة الظابط
قال الظابط :
- بس يا "حامد" بيه فى شاهد شافك وانت بتخدرها فى العربية
قال "حامد" :
- شاهد مين ؟
قال الظابط :
- زوجة "مراد" بيه .. هى اللى شافتك وانت بتخدر الآنسه "نرمين" وبتفقدها الوعى
قال "حامد" ببرود :
- كدابه .. وبتحاول تدارى على أخت جوزها .. "نرمين" أغمى عليها فى العربية وكانت راكبة معايا بمزاجها
قال الظابط :
- طيب ليه زقتها ووقعتها من العربية ومشيت
قال محامى "حامد" :
- محصلش .. كل الحكاية ان مراة أخوها لما شافتها أغمى عليها فى العربية و "حامد" بيه بيحاول يفوقها أصرت انه ينزلها وفعلا نزلها من العربية وشالها لحد ما دخلها الفيلا وبعدين مشى
قال الظابط بشك :
- أمال ليه "مراد" بيه قدم البلاغ ده
قال المحامى :
- غيرة ومنافسة غير شريفه .. لأن "حامد" بيه خرج من الشراكة معاه وشارك رجال أعمال تانيين .. فحب "مراد" بيه يردهاله بسبب الخسارة اللى خسرها من انسحاب "حامد" بيه
1
***************************************
جلست "مريم" فى المساء مع "ناهد" فى حجرة المعيشة يلعبان الشطرنج .. صاحت "مريم" مبتسمه :
- كش ملك
قالت "ناهد" :
- ياربي .. مفييش ولا مرة أكسبك فيها
ضحكت "مريم" قائله :
- قولت لحضرتك انى بعرف ألعبها كويس
قالت "ناهد" ضاحكة :
- مش محتاجة تقوليلى أديني شوفت بنفسي
ثم قامت قائله :
- ظبطيهم تانى مكانهم على ما أروح أعمل فنجان قهوة
نهضت "مريم" قائله :
- خليكي يا طنط وأنا هروح اعملها لحضرتك
قالت "ناهد" مبتسمه :
- لا دى قهوة عربي مش هتعرفى تعمليها .. يلا رتبي اللعبة على ما أرجعلك
جلست "مريم" تعيد القطع الى مكانها على لوح الشنطرنج .. دخل "مراد" الغرفة ونظر اليها والى ما تفعله .. ثم قال :
- بيقولوا بتعرفى تلعبي كويس
ابتسمت ابتسامه صغيره وقالت :
- يعني .. بيقولوا
فوجئت به يجلس قبالتها على الأريكة قائلاً بتحدى :
- طيب وريني شطارتك
تلاقت نظراتهما للحظات قبل أن تخفض "مريم" بصرها وتبدأ اللعب .. عادت "ناهد" لتجد "مراد" جالساً قبالة "مريم" يلعب معها فابتسمت وانسحبت الى غرفتها بهدوء .. بعد فترة من اللعب كانا كلاهما ينظر الى لوح الشنطرنج ويركز تركيزاً شديداً .. قال "مراد" دون أن يرفع رأسه :
- انتى ملكيش صحاب ؟
اندهشت "مريم" لسؤاله ونظرت اليه قائله :
- أيوة ليا
قال "مراد" وهو ينظر الى القطع المرصوصة أمامه بتركيز :
- أصلك لا طلبتى تزوريهم ولا طلبتى يزوروكى
قالت "مريم" بحرج وهى تنظر اليه :
- اتكسف اطلب انهم يجولى هنا .. وبعدين هى واحدة بس هى اللى قريبة منى وصحاب من زمان
قال "مراد" :
- "سهى" ولا "مى" ؟
اندهشت "مريم" لتذكره أسم الفتاتين فقالت بهدوء :
- "مى"
رفع "مراد" رأسه ونظر اليها قائلاً :
- و "سهى" ؟
قالت "مريم" بهدوء :
- زميلتى فى الشركة ومع بعض فى نفس المكتب بس مش صحاب أوى
أومأ برأسه وأعاد النظر الى اللعبة .. قال "مراد" بهدوء :
- تحبي تزوريها ؟
ابتسمت "مريم" قائله :
- أكيد .. دى "مى" وحشتنى أوى بجد
نظر اليها "مراد" مراقباً ابتسامتها وهو يقول :
- عندها اخوات شباب ؟
قالت "مريم" :
- لا هى بنت وحيدة
قال "مراد" :
- طيب ممكن أخدك ليها بعد بكرة لو تحبي
قالت بسعادة :
- خلاص تمام وأنا هتفق معاها على كدة
صمت "مراد" قليلاً ثم قال :
- مع انى شايف ان الأحسن هى تجيلك وممكن أبعتلها العربية بالسواق يجيبها لحد هنا ويوصلها تانى .. أقصد عشان تكونى أعدة براحتك معاها .. وأساسا أنا طول اليوم مش موجود يعني محدش فى البيت الا ماما والبنات
ثم قال وهو ينظر اليها بحنان :
- عشان أكون مطمن عليكي
شعرت "مريم" بخفقات قلبها تتسارع وهى تتطلع الى تلك النظرة الحانية فى عينيه .. وجدت الخوف يتسلل الى قلبها .. نهضت مسرعة وقالت :
- أنا تعبت وعايزة أنام تصبح على خير
غادرت الغرفة ونظرات "مراد" تتابعها .. لم تشعر برغبة فى النوم .. فوقفت فى الشرفة شاردة وهى تشعر بالضيق من نفسها ومن تلك المشاعر التى تعتريها بين الحين والآخر .. توجه "مراد" الى مكتبه وهو يفكر فى "مريم" وفى ردود أفعالها تجاهه .. حانت منه التفاته الى الدرج الذى يحوى قسيمة الزواج .. فتحه وأخرج القسيمة وفتحها وهو شادراً وأخذ يتطلع اليها لأول مرة منذ أن استلمها من المأذون .. كانت عيناه تمر على الكلمات فى تكاسل .. وفجأة اتسعت عيناه وتجمدت ملامحه وأخت دقات قلبه تتعالى بسرعة .. مرر عينيه على أحد السطور مرات ومرات الى أن تأكد بأن تلك الكلمات مكتوبة بالفعل وليس محض تهيآت .. هب من مقعده فجأة توجه الى غرفته وأغلق الباب خلفه بعنف .. كانت "مريم" لا تزال فى الشرفة دخلت فزعة من صوت الباب الذى انغلق بقوة .. نظرت الى "مراد" قائله :
- فى ايه ؟
نظر اليها "مراد" بحدة شديدة ورفع الورقه أمام عينيها دون أن يتفوه بكلمه .. قالت "مريم" بدهشة :
- ايه ده ؟
قال "مراد" بصوت يشوبه الغضب :
- قسيمة جوازنا
شعرت "مريم" بالخوف الشديد .. أيقنت بأنه اكتشف حقيقة كونها كانت زوجة لأخيه .. اقترب منها وعيناه تلمع غضباَ .. رجعت للخلف فى خوف فقال بصوت هادر :
- "ماجد خيري الهواري" .. انتى كنتى مراة أخويا ؟ .. مراة "ماجد" أخويا ؟
صمتت وهى لا تدرى ما تقول فصاح بغضب :
- انطقى .. انتى كنتى عارفة ان "ماجد" أخويا ؟
أومأت برأسها ايجاباً فازداد اشتعال النار فى عينيه وصرخ قائلاً :
- وليه ما قولتليش من الأول انك كنتى مراته
قالت "مريم" بإضطراب شديد وهى على وشك البكاء من شدة الخوف :
- عمتو .. عمتو "بهيرة" قالتلى متكلمش الا لما هى ترجع من السفر .. قالتلى مجبلكش سيرة أبداً عن الموضوع ده وهى هتقولك بنفسها
أخذ "مراد" يتطلع الى القسيمة مرة أخرى .. وكأنه لا يصدق ما يرى .. ولا يصدق ما يسمع .. قالت "مريم" بصوت خافت :
- أنا مش فاهمة هى ليه قالتلى مجبلكش سيرة .. بس حسيت ان فى حاجه خطيرة فى الموضوع وعشان كدة متكلمتش
ثم أكملت :
- انت كنت تعرف ان عندك أخ ؟
نظر اليها "مراد" بحده وقال بعنف :
- أيوة كنت عارف ان عندى أخ
صمت قليلاً ثم قال بجمود :
- بس اللى أعرفه انه مات من زمان .. من واحنا صغيرين
نظرت اليه "مريم" بدهشة وقالت :
- مين قالك كده .. مين قالك انه مات وهو صغير
قال "مراد" بحيرة مشوبة بالحدة :
- بابا اللى قالى كده .. وعمتى كمان قالتلى كده .. اللى أعرفه ان عندى أخ ومات واحنا صغيرين
شعرت "مريم" بالدهشة .. نظر اليها "مراد" قائلاً :
- كان عايش مع مين طول السنين اللى فاتت ؟
شعرت "مريم" بالتوتر .. تُرى أتخبره الحقيقة أم لا ؟ .. أتخبره بأمر أم "ماجد" الموجودة حاليا فى دار المسنين ؟ أم تخبره بالسر الأكبر والذى لم تطلع عليه أحد حتى الآن ؟ .. تًرى لماذا أخفوا عليه أمر أخوه ؟ .. لماذا أخبروه بأنه مات وهو صغير ؟ .. لماذا تجاهلوا وجوده وكأنه لم يولد أصلاً؟ .. ألهذا الأمر علاقة بوالدها ؟ .. قالت فى نفسها لا لن أخبره بأننى أعرف مكان أم "ماجد" ولن أخبره عن سرى الذى أحتفظ به لنفسى الى أن أفهم جيداً ما يدور حولى .. أخشى أن أخبره بكل ما أعرف فتنقلب الطاولة ضدى وأنا لا أفهم شيئاً مما يحدث .. لماذا كل هذه الأسرار؟ .. لابد من وجود سبب .. سبب جعل عمته تشدد عليها ألا تخبر "مراد" بنفسها عن أمر أخيه .. يجب أن أسبر أغوار الحقيقة وأصل اليها .. يجب أن أكشف كل تلك الأسرار التى تحيط بـ "مراد" و عائلته .. قالت بتوتر وهى تتحاشى النظر الى عينيه :
- معرفش كان عايش مع مين وهو صغير .. بس لما عرفته كان عايش لوحده
أومأ "مراد" برأسه وأشاح بوجهه عنها .. بدا وكأنه لا يستطيع النظر اليها .. غادر الغرفة .. وغادر المنزل كله .. ركب سيارته وهو يشعر بالإختناق .. يشعر بشئ ثقيل يجثم على صدره .. الفتاة التى تزوجها هى زوجة أخيه الراحل .. أخيه الذى ظن أنه مات وهو صغير .. لماذا أخفوا عنه أنه مازال على قيد الحياة .. لماذا يشعر بأن "مريم" مازالت تخفى عنه الكثير .. لماذا شعر وهو ينظر فى عينيها بأن هناك سر خطير تخفيه .. سر أكبر من أمر أخوه الذى لم يعلم عنه شيئاً طول تلك السنوات التى ظن فيها أنه ميت .. يجب أن يكتشف الحقيقة .. يجب أن يرغم "مريم" على اخباره بكل ما تعرفه .
*********************************************
أوقف "مراد" سيارته أمام النيل ولم يشعر بنفسه الا وآذان الفجر يصل الى مسامعه .. صلى الفجر وتوجه الى البيت .. كان الجميع نيام .. هم بالصعود الى غرفته لكنه أحجم عن ذلك توجه الى غرفة المكتب وافترش الأريكة ونام فوقها .. فى الصباح التف الجميع حول طاولة الطعام .. كان "مراد" يتحاشى النظر الى "مريم" الجالسه بجواره ويبدو على وجهه علامات الضيق .. أخذت "مريم" تختلس النظر اليه الى أن قام فجأة وقال :
- أنا ماشى
فى المكتب شعر الجميع بتوتر "مراد" وعصبيته فى القاء الأوامر على الموظفين .. حتى "طارق" لم يسلم من تلك العصبية .. صاح "مراد" :
- يعي ايه الشحنة تتأخر فى الجمارك .. أمال بس فالح سافر يا "مراد" وأنا فى الشركة بدايلك يا "مراد"
قال "طارق" بهدوء :
↚
- انا مليش ذنب يا "مراد" وبعدين راجلنا اللى فى الجمارك بيقول ان التأخير على الكل
صاح "مراد" بغضب وهو يلقى بأحد الملفات على المكتب بعصبيه :
- وراجلنا ده مش قادر يتصرف .. وهى دى أول مرة نشحن فيها .. عمرنا ما اتأخرنا كده .. هو لو مش عارف يعمل شغله يقول واحنا نشوف حد غيره يعرف يمشى الشغل
نظر اليه "طارق" قائلاً :
- "مراد" انت مالك فى ايه بتشاكل دبان وشك ليه .. الراجل مغلطش وقولتلك التأخير على الكل
صمت "مراد" قليلاً ثم أخذ مفاتيحه وهاتفه وغادر المكتب فى عصبيه .. توجه الى سيارته ومشى بها على غير هدى .. كان يسير بسرعة عالية وهو يشق طريقه بين السيارات .. كان يشعر بغضب وضيق كبير بداخله .. شعر بأنه ناقم على "مريم" بشدة .. لأنها لم تخبره بأمر زواجها من أخيه .. وتركته يــ .....! حرك رأسه لينفض تلك الأفكار منه .. ظل يردد لنفسه .. هى كغيرها لا تساوى عندى شيئاً .. لا فرق عندى بينها وبين أى فتاة أخرى .. لم ولن اشعر باى شئ تجاهها .. قلبي كما هو لم يمسسه أحد .. ولن يستطيع أحد اقتحام أسواره
*********************************************
مرت عدة أيام كان يتحاشى فيها "مراد" ملاقاة "مريم" أو الحديث معها أو حتى النظر اليها .. وذات مساء عاد "مراد" الى البيت ودخل غرفة المكتب وأغلق الباب خلفه .. قالت "ناهد" بدهشة :
- مش عارفه ماله بقاله كام يوم عصبي جداً ومش طايق حد
قالت "نرمين" :
- أنا كمان لاحظت كده
قالت "سارة" :
- أكيد مشاكل فى الشغل .. انتوا عارفين "مراد" أى حاجه تهمه بياخدها على أعصابه
شردت "مريم" وهى تشعر بالضيق .. تًرى لماذا هو غاضب .. أغاضب لأنه لم يكن يعلم بأمر أخيه وبأنه مازال على قيد الحياة ؟ .. أم غاضب لأن "مريم" كانت زوجة أخيه الراحل ؟ .. ثم ما شأنه ان كانت زوجة أخيه أم لا .. فزواجها بـ "مراد" مؤقت وليس زواجاً حقيقياً .. نهضت "مريم" وأحضرت حاسوبها كانت تؤجل تلك المحادثة لكن الوقت قد حان ويجب أن تنهى عملها الذى طلبه منها .. طرقت باب غرفة المكتب فظنها والدته فقال :
- اتفضلى يا ماما
ظهرت الحدة فى نظراته عندما رفع رأسه ليجد "مريم" واقفه أمامه .. قالت "مريم" بصوت حاولت أن يبدو ثابتاً :
- انا خلصت الشغل ياريت حضرتك تشوفه قبل ما نوديه المطبعه
مد يده فأعطته الحاسوب وضعه على المكتب أمامه وظل ينظر اليه بعينان بدتا وكأنهما لا تريان ما أمامها ثم قال بقسوة :
- زى الزفت
شعرت "مريم" بالضيق من تعليقه الخالى من الذوق وقالت وهى تحاول التحكم فى أعصابها :
- ايه بالظبط اللى مش عاجبك فيه
قال "مراد" بعنف وهو ينظر اليها :
- كله .. كله مش عاجبنى
تنهدت "مريم" وحاولت كظم غيظها وقالت :
- يعني تحب أغير التصميم كله من أوله لآخره ؟
قال ببرود :
- أيوة .. واللوجو كمان
نظرت اليه "مريم" بحده وهى تقول :
- بس حضرتك قولتلى من كام يوم ان اللوجو ممتاز
قال "مريد" بعناد :
- غيرت رأيي .. عيدي كل حاجة تانى
صاحت "مريم" بحنق :
- وطالما مكنش عاجبك قولتلى ممتاز ليه كنت قولى انه وحش
قال "مراد" بحده :
- انتى مش هتعمليني أقول ايه وما أقولش ايه
قالت "مريم" بعصبيه وهى تحمل حاسوبها من أمامه :
- شوفلك ديزاينر غيري
نهض "مراد" من مكانه وأمسكها من ذراعها بعنف وصاح بغضب :
- يعني ايه أشوف ديزاينر غيرك وهو لعب عيال
قالت "مريم" بغضب مماثل وهى تتطلع الى عينيه :
- انتى ليه بتتعامل معايا كده .. مش ذنبي انى كنت مراة أخوك
ازدادت قوة قبضته على ذراعها الى أن ظهر الألم على ملامحها .. لحظات وخفف من قبضته ثم أزاحها تمام وتوجه الى مكتبه وجلس عليه وهو يسند رأسه الى قبضتى يده .. قال بحزم :
- اخرجى لو سمحتى
غادرت "مريم" المكتب وهى تشعر بالأسى صعدت الى غرفته فما كادت تفتح الشرفة لتقف فيها الا ووجدت "سهى" تتصل بها وتهتف وهى تبكى بحرقة :
- أنا ضعت يا "مريم"
هتفت "مريم" بدهشة :
- "سهى" بتقولى ايه
قالت "سهى" وشهقات بكائها تتعالى :
- أنا اتجوزت "سامر" عرفى
صاحت "مريم" :
- يا مصيبتى .. بتقولى ايه .. عرفى يا "سهى"
قالت "سهى" :
- المصيبة انه منفضلى خالص وبيخلى السكرتيرة تقولى انه مش فى المكتب ومسافر مع انى استنيته تحت الشركة وشوفته وهو بيركب العربية
ثم أخذت تصرخ وتصيح وقد بدا أن أعصابها قد انهارت تماماً :
- أنا ضعت يا "مريم" ضعت خلاص .. مش هيرضى يتجوزنى
كانت "مريم" تشعر بالألم وهى تستمع الى صرخات "سهى" وبكائها فأخذت العبرات تسقط على وجنتيها وهى تقول :
- حبيبتى اهدى هيحصلك حاجه
صاحت "سهى" وهى تصرخ :
- أنا مش عارفه أعمل ايه .. اعمل ايه دلوقتى .. لو أهلى عرفوا هيموتونى
قالت "مريم" بأسى :
- طيب انتى فين وأنا أجيلك
قالت "سهى" بصوت منهار :
- أنا خلاص قررت أموت نفسي فى المكان اللى ضيعنى فيه "سامر" ..هحرق اللانش اللى حياتى اتدمرت عليه .. اللانش اللى قالى انه أول مكان يشهد حبنا .. ده مكنش حب يا "سامر" ضحكت عليا يا "سامر"
ثم قالت بصوت باكى :
- ياريتنى كنت سمعت كلامك من زمان مكنش ده كله حصل .. ادعيلى يا "مريم" ان ربنا يرحمنى ويغفرلى .. بالله عليكي ادعيلى
أنهت "سهى" المكالمة فشعرت "مريم" بالفزع وأخذت تردد :
- "سهى"
عاودت "مريم" الإتصال بها بأصابع مرتجفة لكنها على ما يبدو أغلقت هاتفها .. نزلت "مريم" ببسرعة واقتحمت مكتب "مراد" وهتفت وهى تبكى :
- "مراد" الحقنى
هب "مراد" وقفاً والتف حول المكتب ووقف أمامها قائلاً :
- مالك يا "مريم" فى ايه ؟
قالت وهى تبكى :
- "سهى" زميلتى فى المكتب كلمتنى وقالتلى انها هتموت نفسها .. أنا خايفة أوى
قال "مراد" وهو يحاول استيعاب ما قالت :
- تموت نفسها .. ازاى يعني
قالت "مريم" بأسى :
- "سامر" صحبك اتجوزها عرفى
شعر"مراد" بالصدمة مما سمع فأخذت "مريم" تقول :
- قالتلى ان عنده لانش أخدها عليه وهى هتروح هناك دلوقتى وتولع فيه وفى نفسها
ثم قالت باكيه :
- أرجوك يا "مراد" ساعدنى
جذبها "مراد" من ذراعها وأمرها قائلاً :
- طيب اطلعى بسرعة غيري هدومك على ما أتصل بـ "سامر"
حاول "مراد" الاتصال بـ "سامر" مرات عديدة دون جدوى .. نزلت "مريم" مسرعة فقالت بلهفه :
- رد عليك
قال "مراد" :
- لا .. بس أنا عارف مكان اللانش بتاعه خدنا هناك قبل كده
انطلق "مراد" بسيارته وبصحبته "مريم" التى أخذت تستغفر ربها وتدعوه أن يحفظ "سهى" وينجيها .. كانت مضطربة للغاية وترتجف من شدة الخوف والفزع .. التفت اليها "مراد" يتطلع اليها .. أمسك كتفها بيده قائلاً :
- متخافيش هنلحقها ان شاء الله
أومأت برأسها وهى مازالت تدعو الله عز وجل .. سار "مراد" بأقصى سرعة الى أن وصل الى المرفأ .. أوقف سيارته فى الخارج ومن حسن حظهما أن "مراد" كان يمتلك زورقاٌ فى هذا المرفأ فأظهر التصريح للمسؤل ودخل الإثنان وهما يسرعان الخطى نظر "مراد" يميناً ويساراً ثم قال :
- مش فاكر هو يمين ولا شمال
قالت "مريم" بسرعة :
- كل واحد فينا يروح من طريق
نظر "مراد" الى "مريم" التى تبتعد وهو يشعر بالضيق لإضطراره تركها بمفردها .. ولكن حياة انسانه فى خطر ويجب انقاذها قبل فوات الأوان .. أخذت "مريم" تتطلع الى الزوارق واللانشات على جانبيها وهى تبحث بعينيها عن "سهى" .. الى أن توقفت فجأة .. كانت "سهى" واقفة على ظهر اللانش وتنظر الى البحر وتوليها ظهرها ..تمتمت "مريم" :
- الحمد لله .. الحمد لله
نادتها "مريم" :
- "سهى" .. "سهى"
لم تلتفت اليها "سهى" بل بدت وكأنها لا تسمعها
قفزت "مريم" بحذر الى ظهر اللانش وهى تشم رائحة نفاذه تنبعث من اللانش .. اقتربت من "سهى" قائله :
- "سهى"
لكن كل شئ حدث فى لحظه .. فى لحظة تركت "سهى" عود الثقاب المشتعل الذى تحمله لتحيط النيران باللانش من جميع الجهات وتتوسطه "سهى" و "مريم" التى أخذت تنظر الى النيران المشتعلة على حواف اللانش والتى تمنعها من المغادرة .. توجهت "مريم" مسرعة الى "سهى" وصاحت :
- ايه اللى عملتيه ده يا "سهى"
جذبتها "مريم" من ذراعها وصعدت لها الى سطح اللانش العلوى .. أمسكتها "مريم" من ذراعيها وصرخت فيها قائله :
- هو ده الحل فى نظرك .. انك تموتى بالشكل ده .. بدل ما تحاولى تستغفرى ربنا وتكفرى عن ذنبك .. عايزة تنتحرى يا "سهى"
بدت "سهى" وكأن قواها قد خارت من شدة البكاء فصاحت بها "مريم" وهى تقربها من الحافة :
- يلا نطى .. نطى بسرعة اللانش بيولع
فى تلك اللحظة اقترب "مراد" من اللانش ليرى "مريم" و "سهى" واقفتان على ظهر اللانش الذى تشتعل النيران به من جميع الجهات .. قفز قلبه من مكانه وشعر بالهلع وهو يرى "مريم" وسط النيران .. جرى فى اتجاه اللانش وهو يصيح :
- "مريم" .. "مريم"
صاحت "مريم" فى "سهى" :
- نطى يا "سهى"
نظرت اليها "سهى" بأسى ثم نظرت الى المياة وقفزت فيها ثم سبحت الا أن استطاعت الخروج من الماء
وقف "مراد" أمام اللانش الذى يحترق وهو يصيح بـ "مريم" الواقفة بالأعلى :
- نطى فى البحر يا "مريم"
نظرت اليه "مريم" ثم الى البحر تحتها .. شعرت بالخوف الشديد .. فهى لا تعرف السباحه .. وتخشى الماء .. ظلت متجمدة مكانها وهى لا تدرى ماذا تفعل .. النيران تحيط باللانش وتمنعها من الخروج .. وان لم تقفز فستطال النيران الدور العلوى الذى تقف فيه .. صاح "مراد" فيها :
- "مريم" .. نطى بسرعة
نظرت "مريم" مرة أخرى الى البحر المظلم تحتها وهى تبكى بصمت وتمتم :
- يارب ساعدنى
↚
تقدمت خطوة لكنها خافت ورجعت الى الخلف وهى تمسك فى أحد الأعمدة وتبكى .. نظر "مراد" حوله فلم يجد أحداً يستنجد به .. ثم نظر الى "مريم" التى تقف تستند الى العمود باكيه .. ثم نظر الى النيران المشتعلة والتى كان أهون عليه من فقدانها .. خلع الجاكيت وغمره فى الماء ثم أمسكه من الخلف ورفعه الى رأسه يحتمى به ثم قفز وسط النيران المشتعلة والتى تتصاعد ألسنتها الى عنان السماء .. صعد الى الدور العلوى واقترب من "مريم" التى كانت ترتجف خوفاً .. نظرت اليه "مريم" بدهشة وتوقف بكائها وهى تقول :
- انت ازاى نطيت للمركب
وأمسك "مراد" رأسها بين كفيه ونظر اليها بفزع وقال لهفه :
- انتى كويسة ؟
أومأت برأسها وعيونها معلقة به لا تصدق أنه قفز فى النار من أجلها .. وجهها الى الحافة قائله :
- نطى يا "مريم"
قالت بخوف وهى تعاود البكاء :
- أنا خايفة .. مبعرفش أعوم
أحاطها "مراد" بذراعيه وطمأنها قائلاً :
- متخفيش أنا معاكى .. هنعد ل 3 وننط سوا
قبل أن يبدأ بالعد .. تمسكت به بشدة ونظرت اليه بخوف قائله :
- اوعى تسيبنى
قفز كلاهما الى الماء ثم أوقفها "مراد" وأحاطها بذراعه الى أن خرجت من الماء وقد تبللت ملابسهما تماماً .. أدارها اليه وصاح فيها بغضب وصدره يعلو ويهبط بسرعة :
- انتى مجنونة ازاى تعملى كده ؟
قالت بضعف وبصوت مرتجف ومازال قلبها يخفق بجنون :
- أنا طلعت المركب قبل ما هى تولع فيه .. مكنتش أعرف انها رشت فيه بنزين ومخدتش بالى من الكبريت اللى هيا مسكاه
قال "مراد" بألم وهو ينظر الى عينيها وقد غشت عيناه الدموع :
- مفكرتيش هعمل ايه لو كان جرالك حاجه .. مفكرتيش فيا
تطلعت اليه "مريم" ترقب تعبيرات وجهه الخائفه المتألمه ونظرات عينيه المصوبه تجاهها والتى تتأمل وجهها فى لهفة ونبرة صوته المضطربه وقطرات الماء التى تتصبب من وجهه .. فجأة وجدت نفسها بين ذراعيه يضمها اليه بشدة كما لو كان يخشى أن تفلت منه .. شعرت بدقات قلبه المتسارعه وبأنفاسه المتلاحقه .. سمعته يتمتم بصوت خافت :
- الحمد لله .. الحمد لله
حاولت "مريم" التحرر من بين ذراعيه لكن "مراد" كان يطبق عليها بشدة ويداه تتشبثان بها بإحكام .. شعرت "مريم" بمشاعر كثيرة متضاربة .. لكنها أسكتت كل تلك المشاعر وسمحت لشعور واحد فقط أن يطفو ويسيطر على كل كيانها .. شعور الأمان الذى شعرت به وهى بين ذراعيه .. أغمضت عينيها لتنعم بهذا الشعور الذى لطالما افتقدته.
- مفكرتيش هعمل ايه لو كان جرالك حاجه .. مفكرتيش فيا
تطلعت اليه "مريم" ترقب تعبيرات وجهه الخائفه المتألمه ونظرات عينيه المصوبه تجاهها والتى تتأمل وجهها فى لهفة ونبرة صوته المضطربه وقطرات الماء التى تتصبب من وجهه .. فجأة وجدت نفسها بين ذراعيه يضمها اليه بشدة كما لو كان يخشى أن تفلت منه .. شعرت بدقات قلبه المتسارعه وبأنفاسه المتلاحقه .. سمعته يتمتم بصوت خافت :
- الحمد لله .. الحمد لله
حاولت "مريم" التحرر من بين ذراعيه لكن "مراد" كان يطبق عليها بشدة ويداه تتشبثان بها بإحكام .. شعرت "مريم" بمشاعر كثيرة متضاربة .. لكنها أسكتت كل تلك المشاعر وسمحت لشعور واحد فقط أن يطفو ويسيطر على كل كيانها .. شعور الأمان الذى شعرت به وهى بين ذراعيه .. أغمضت عينيها لتنعم بهذا الشعور الذى لطالما افتقدته
طال عناقهما وكأن الوقت قد توقف وخلى العالم الا منهما .. لم يشعران إلا بالأمان الذى يشعر به كل منهما فى حضن الآخر .. لم يقطع عليهما تلك اللحظة الا صوت حراس المرفأ القادمون بإتجاه الحريق وأصواتهم تتعالى :
- هاتوا طفاية الحريق بسرعة
- حد يتصل بالمطافى يا شباب
شعرت "مريم" بالفزع عندما سمعت تلك الأصوات التى تعالت فجأة بالصياح .. نظر "مراد" الى الخلف حيث الرجال مقبلون فى اتجاههم ثم نظر اليها قائلاً بحنان :
- متخفيش
شعرت "مريم" بالإضطراب وبالحرج الشديد ابتعدت عنه وابتعد عنها .. التفت "مراد" يتحدث الى الرجال وهو يطبق على ذراع "مريم" بيده :
- اللانش بتاع واحد صاحبى أنا هكلمه حالا
التفت الى "مريم" وأعطاها مفاتيح السيارة قائلاً :
- اعدى فى العربية انتى وهى واقفلوها عليكوا كويس
أومأت برأسها وتوجهت الى "سهى" التى تجلس على أرض المرفأ تبكى .. وجذبتها من ذراعها وتوجهت بها الى السيارة تحت أنظار "مراد" الذى أخذ يساعد الرجال فى اطفال الحريق حتى لا يمتد الى اللانشات المجاورة له
2
أغلقت "مريم" السيارة من الداخل كما أمرها "مراد" ثم التفتت الى "سهى" التى جلست بجوارها فى المقعد الخلفى وقالت :
- انتى كويسة ؟
قالت "سهى" والدموع تتساقط من عينيها :
- ياريتك كنتى سبتيني أموت
هتفت "مريم" بحده :
- حياتك مش ملكك عشان تنهيها وقت ما تحبي .. حياتك دى ملك لربنا .. ربنا حرم علينا اننا ننهى حياتنا بإيدينا .. ربنا بيقول فى سورة النساء : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً" .. انتى بتهربى من ايه لايه يا "سهى" .. انتى فاكره بعد ما تموتى خلاص كده هترتاحى ؟ .. لا يا "سهى" فى حياة تانية بعد الموت .. حياة أبديه .. هتتحاسبي فيها عن كل اللى عملتيه فى الدنيا .. النبي صلى الله عليم وسلم قال : "مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً" .. وقال كمان : " مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة "
صمتت "مريم" قليلاً ثم قالت :
- ليه تموتى على ذنب كبير زى ده .. انتى مش عارفه ان من مات على شئ بُعث عليه يوم القيامة ؟
قالت "سهى" وهى تبكى :
- ازاى أعيش بعد اللى حصل ده يا "مريم" أنا اتفضحت خلاص وحياتى ضاعت
قالت "مريم" :
- أنا مش هقولك ازاى عملتى كده .. وازاى رخصتى نفسك كده .. وازاى سبتى واحد يضحك عليكي كده .. بس هقولك حاجة قولتهالك قبل كدة يا "سهى" انتى بعيد عن ربنا .. قربي منه ومش هتخسرى .. قربي منه يا "سهى" لان سعادتك فى القرب منه مش فى البعد عنه
قالت "سهى" ودموع الندم تغرق وجهها :
- أعمل ايه يا "مريم" قوليلى أعمل ايه
قالت "مريم" :
- استغفرى ربنا وتوبي يا "سهى" وعاهديه انك مش هتغلطى تانى أبداً مهما حصل .. لو توبتى بجد هتحسي ان نارك بردت شويه .. عارفه ان اللى حصل مش سهل .. بس انتى غلطتى يا "سهى" والغلط له تمن .. وغلطتك كبيرة وعشان كدة تمنها غالى .. بس اخلصى التوبة وخليكي مع ربنا .. وهو مش هيضيعك لو كنتى فعلاً معاه بقلبك وبكل جوارحك .. ربنا كبير ورحيم .. بس لازم تكونى صادقة فى توبتك .. وصادقة فى لجوئك له .. وصادقة فى ندمك وفى دموعك وفى دعائك
انتفضت "مريم" وهى تسمع طرقات على الزجاج خلفها .. التفتت لتجد "مراد" فتحت الباب فأعطاها غطائين واحد لها وواحد لـ "سهى" .. قال لها وهو يلقى نظرة على "سهى" :
- الأمور تمام ؟
أومأت برأسها فقال برقه وهو يتطلع الى عينيها بنظرة جعلت وجنتيها تحمران خجلاً وتهرب بعينيها :
- اقفلى الباب زى ما كان
أغلقت باب السيارة من الداخل .. وتابعته بعيناها الى أن اختفى عن أنظارها .. أفاقت من شرودها على "سهى" تقول :
- تفتكرى لو استغفرت ربنا هيسامحنى .. تفتكرى ممكن يسامحنى على كل الحاجات الغلط اللى عملتها .. انا غلطت كتير أوى يا "مريم"
قالت "مريم" بحنان :
- ربنا كبير أوى يا "سهى" وبيسامح ويغفر .. تعرفى ان ربنا بيتجلى فى السماء الدنيا وبينادى فى الثلث الأخير من الليل ويقول : "من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" .. متخيله ده .. متخيله ان ربنا سبحانه وتعالى هو اللى بيسأل مين عايز يستغفرنى عشان أغفرله ! .. ومحددش عن أى ذنب بيستغرفه .. يعني الكلام عام وشامل أى حد بيستغفر مهما كان الذنب اللى أذنبه
لفت "مريم" أحد الأغطيه حول "سهى" والغطاء الآخر حولها .. كانت أسنانها تصطك ببعضها من شدة البرد وهى الجالسه فى السيارة .. أخذت تفكر رغماً عنها فى "مراد" الواقف فى هذا البرد وملابسه مبتله تماماً .. حاولت أن تبحث عنه بعينيها لكنها لم تكن تراه من مكان جلوسها فى السيارة .. فجأة وجدت "سهى" تقول بخوف :
- "سامر"
تتبعت "مريم" نظرات "سهى" التى كانت مصوبة على "سامر" الذى أوقف سيارته على مقربه من سيارة "مراد" وأسرع الخطى الى داخل المرفأ.
اقترب "سامر" من "مراد" قائلاً فى لوعة :
- ايه اللى حصل يا "مراد"
نظر "سامر" مصدوماً الى اللانش المحترق والذى خمدت ناره بمساعدة "مراد" و الحرس .. فهتف فى الحرس بغضب :
- مين اللى عمل كده .. ازاى يبقى اللانش فى حراتكوا ويحصل كده .. اتصلولى حالاً بالمدير بتاعكوا .. أنا هوديكوا كلكوا فى ستين داهية
قال "مراد" بحزم :
- "سامر" ملوش داعى الكلام ده
جذبه "مراد" من ذراعه ليبتعد عن أسماع الرجال فقال "سامر" بغضب :
- أنا هوديهم كلهم فى ستين داهية
قال "مراد" بصرامة :
- "سهى" هى اللى حرقت اللانش
نظر "سامر" الى "مراد" بدهشة وقال :
- "سهى"
قال "مراد" بحده :
- أيوة ولعت فى اللانش وهى جواه
نظر اليه "سامر" مصدوماً وقد ألجم لسانه .. فقال "مراد" بعنف :
- أنا عارف ان تصرفاتك مش صح بس متخيلتش انها توصل للجواز العرفى
قال "سامر" ببرود :
- دى حياتى وأنا حر فيها
قال "مراد" بحده :
- اتفضل انهى الموضوع مع الحرس .. مش معقول هتعملها مشاكل ويحبسوها
أخذ "سامر" ينظر الى لانشه المحترق بغيظ شديد وهو يقول :
- استفادت ايه دلوقتى لما حرقته .. غبية
عاد "مراد" الى السيارة وركب خلف المقود .. وانطلق بسيارته .. سألته "مريم" :
- ايه اللى حصل
نظر اليها فى مرآة السيارة قائلاً :
- قولت لـ "سامر" انها هى اللى حرقته وكانت عايزه تنتحر .. وهو هيحل المشكلة مع الأمن
كانت "سهى" قد هدأت تماماً وألقت رأسها للخلف وقد خارت قواها .. مسحت "مريم" على شعرها فى حنان .. التفتت لترى عيني "مراد" مركزتان عليها فى المرآة .. شعرت بالخجل الشديد وهى تتذكر عناقهما منذ قليل .. قال "مراد" :
- على فين ؟
نظرت "مريم" الى "سهى" بشفقه وقالت :
- تحبي نروحك البيت يا "سهى" ؟
قالت "سهى" بضعف :
- أيوة ياريت تروحونى
قالت "مريم" بإهتمام :
- وهتقولى لأهلك ايه وهدومك مبلوله كده
قالت "سهى" بإبتسامه ساخرة حزينه :
- ده لو خدوا بالهم منى أصلاً .. زمانهم دلوقتى فى سابع نومه وفاكرين انى نايمه فى أوضتى
شعرت "مريم" بالأسى عليها .. أوصلها "مراد" الى بيتها .. فقالت لها "مريم" محذره :
- مش عايزة تصرفات مجنونة تانى يا "سهى" فكرى فى كلامنا كويس
قالت "سهى" بضعف :
- متخفيش .. ومعلش تبعتك معايا يا "مريم"
ثم نظرت الى "مراد" قائله :
- آسفه على تعبك يا أستاذ "مراد"
أومأ "مراد" برأسه .. نزلت "سهى" من السيارة ودخلت بيتها .. ونزلت "مريم" لتركب بجوار "مراد" وتركت الغطاء بالخلف .. فجذبه "مراد" ولفه على كتفيها .. شعرت بالحرج وتحاشت النظر اليه .. وصلا الى البيت .. كانت "مريم" تشعر بالتعب والإرهاق .. كان الجميع نيام .. صعدا الى الغرفة فحملت "مريم" ملابسها وهمت بأن تتوجه الى الحمام بالخارج فأوقفها "مراد" قائلاً :
- لا خليكي انتى هنا
↚
حمل ملابسه وخرج من الغرفة .. أخذت دشاً وتوجهت الى الفراش وهى تجد صعوبة فى ابقاء عينيها مفتوحتان .. عاد "مراد" ليجدها تغط فى نوم عميق .. اقترب من الفراش مبتسماً ومسح بيده على شعرها برقه ودثرها جيداً .. ثم توجه الى الأريكه وهو يشعر بألم شديد فى ساقه .. نام على الأريكة وألقى نظره على "مريم" النائمة ثم خلع ساقه الصناعية بعدما اشتد به الألم وأصبح غير محتمل لكنه تركها مكانها تسد فراغ ساقه تحت الغطاء .. وغط فى نوم عميق .. بعد عدة ساعات شعرت "مريم" بشئ يداعب وجنتها فاستيقظت وفتحت عينيها بصعوبة لتجد "مراد" واقفاً بجوارها ويبتسم قائلاً :
- الفجر أذن يا كسلانه
لم تستطع فتح عينيها فأغمضتهما مرة أخرى وعادت للنوم .. وجدته يربت على كفتها برفق قائلاً :
- "مريم" قومى صلى ونامى تانى
استيقظت هذه المرة .. وخرجت من الفراش بتكاسل توضأت وصلت ثم عادت الى النوم مرة أخرى تحت نظرات "مراد" الحانيه
*********************************************
فى الصباح استيقظ "مراد" وهو يشعر بنغزات كالأشواك فى حلقة وظل يعطس كثيراً .. كانت "مريم" مازالت تغط فى النوم .. اقترب منها وأخذ ينظر اليها طويلاً ثم ارتدى ملابسه وتوجه الى الخارج .. جلس على الطاولة مع أمه فى الحديقة قائلاً :
- هما البنات لسه نايمين
قالت "ناهد" :
- أيوة محدش منهم بيصحى بدرى كده .. واضح ان "مريم" كمان لسه نايمة
قال "مراد" وهو يهم بالإنصراف :
- أيوة نايمة .. أنا ماشى يا ماما عايزة حاجه
قالت له بإستنكار :
- مش هتفطر
قال "مراد" :
- هفطر فى الشركة عندى شغل كتير النهاردة
عطس مرتين فنظرت له أمه بتفحص قائله :
- خد حاجة للبرد يا "مراد" شكلك بردت امبارح كان الجو برد
لوح لها قائلاً :
- حاضر .. يلا سلام
توجه "مراد" الى شركة "سامر" وطلب مقابلته فأذت له السكرتيرة بالدخول استقبله "سامر" وعلامات الإرهاق على وجهه قائلاً :
- معرفتش انام طول الليل وجيت هنا المكتب ألهى نفسي بأى حاجه وأول ما كلمتنى الصبح استنيتك ومرضتش أمشى
قال "مراد" وهو يجلس أمامه :
- "سامر" ايه الحكاية بالظبط
قال "سامر" بتبرم :
- مفيش اتجوزت عادى يعني .. دى كل الحكاية
قال "مراد" بإستنكار :
- هو العرفى بأه عادى دلوقتى ؟ .. ده مش جواز أصلاً
قال "سامر" بضيق :
- أنا بعتبره جواز
قال "مراد" بحزم :
- البنت كانت هتموت نفسها امبارح .. ده مأثرش فيك خالص كده ؟
هتف "سامر" بغضب :
- واحدة غبية هعملها ايه يعني .. حد يعمل عملتها السودة دى
تنهد "مراد" قائلاً :
- هى طبعاً غلطانه .. غلطانه انها حاولت الانتحار وغلطانه انها سلمتك نفسها بورقة ملهاش أى قيمة .. بس انت مشترك معاها فى الغلط ده وبتتحمل جزء من المسؤلية .. حاول تراجع نفسك يا "سامر" .. وتصلح الغلط اللى حصل ده
****************************************
استيقظت "مريم" ووجدت الأريكة فارغة حملت هاتفها واتصلت بـ "سهى" :
- صباح الخير ازيك يا "سهى"
قالت "سهى" بصوت مجهد :
- ازيك يا "مريم"
قالت "مريم" بقلق :
- عاملة ايه دلوقتى
تنهدت "سهى" قائله :
- كويسة يا "مريم" .. كويسة متقلقيش نفسك
- طيب يا حبيبتى أنا كنت بطمن عليكي .. مش عايزة حاجة منى ؟
- تسلمى يا "مريم" ربنا يباركلك انتى بجد بنت جدعة أوى ياريتنى صاحبتك من زمان وسمعت كل اللى قولتيهولى
قالت "مريم" :
- الوقت لسه مفاتش يا "سهى" فى ايدك تغيري كل حاجة وتخليها أحسن .. هقوم أفوق كده وأفطر وأرجع أكلمك تانى
- ماشى يا "مريم" هستنى اتصالك
- ماشى يا حبيبتى مع السلامة خلى بالك من نفسك
نهضت "مريم" متكاسله .. بدلت ملابسها ونزلت للأسفل لتجد "سارة" و "نرمين" و "ناهد" فى غرفة المعيشة :
- صباح الخير يا جماعة
- صباح النور
قالت "نرمين" :
- هقول لدادة "أمينة" تحضر الفطار كنا مستنيينك أنا و "سارة"
ابتسمت "مريم" وجلست فالتفتت لها "ناهد" قائله :
- شكلك مرهق
ارتبكت "مريم" قائله :
- يعني شويه
قالت "ناهد" :
- "مراد" برده كان شكله تعبان وهو نازل النهاردة وأعد يعطس كتير
شعرت "مريم" بالحزن لعلمها بأنه مريض .. وأخذت تفكر فى أحداث الأمس ووقوفه بملابس مبتلة فى الهواء الطلق بالتأكيد أصابته نزلة برد .. ودت لو اتصلت به لتطمئن عليه لكنها ما كانت لتجرؤ على فعل ذلك
*******************************************
توجهت "مريم" الى المطبخ حيث كانت دادة "أمينة" واقفة تؤدى عملها .. قالت لها :
- تحبي أساعدك
التفتت "أمينة" ونظرت الى "مريم" مبتسمة وقالت :
- متحرمش منك يا ست "مريم"
جلست "مريم" على الطاولة الصغيرة فى منتصف المطبخ وقالت لها :
- انتى عايشة هنا من زمان يا دادة
قالت "أمينة" بمرح وهى تكمل عملها :
- يوووه من زمان أوى .. من أول ما سي "خيرى" الله يرحمه اشترى الفيلا .. أنا اللى مربية سي "مراد" و "سارة" و "نرمين" .. دول ميقدروش يستغنوا عنى أبداً ولا أنا أقدر استغنى عنهم
ابتسمت "مريم" وقالت :
- ربنا يخليكي ليهم
التفتت "أمينة" اليها قائله :
- حتى لما الظروف داقت بيهم بعد موت سي "خيري" الله يرحمه مرضتش أسيبهم أبداً حتى وقت ما كانوا مش قادرين يدفعولى مرتبي والفيلا دى كانت مرهونه وخسروا كل حاجة
عقدت "مريم" حاجبيها وهى تستمع بإهتمام فأكملت "أمينة" بحماس :
- قولت أبداً لو هشتغل بأكلى وشربي بس مش مهم المهم مبعدش عنهم أبداً مهما اتعرض عليا من فلوس فى بيوت تانية
ابتسمت "مريم" لإخلاص المرأة فأكملت "أمينة" بفخر :
- سي "مراد" هو اللى رجع كل حاجة زى ما كانت .. طبعاً راجل من ضهر راجل .. وقدر يقف على رجله ويرجع الفيلا دى ملكهم وقدر يكبر الشركة لحد ما بقت حاجة كبيرة أوى
ابتسمت "مريم" وهى تلاحظ اعجاب "أمينة" بـ "مراد" الذى ربته وكبرته .. قالت "أمينة" كمن تبوح بسراً :
- بصراحة لما عرفت ان سي "مراد" اتجوز فرحت أوى أوى ده كان مقاطع الجواز ومبيطقش سيرته
ضيقت "مريم" عينيها وهى تحاول استنباط ما ترمى اليه المرأة .. سألتها "مريم" بإهتمام :
- هو "مراد" ومراته الأولانيه اطلقوا من امتى ؟
قالت "أمينة" :
- اطلقوا من ست سنين
شعرت "مريم" بالدهشة ست سنوات ولم يفكر فى الزواج مرة أخرى .. تُرى أكان يحبها الى هذه الدرجة ؟ .. لماذا طلقها اذن ؟ .. كانت تفكر فى اجابات لتلك الأسئلة فى حيرة عندما أخرجتها "أمينة" من حيرتها قائله :
- ربنا يسامحها بأه سابته وراحت اتجوزت واحد تانى .. بس هى الخسرانه عمرها ما هتلاقى حد زى سي "مراد" لا فى أخلاقه ولا فى حنيته .. هى اللى مش وش نعمه
فكرت "مريم" .. اذن فزوجته هى التى تركته .. تُرى لما فعلت ذلك .. لم ترد سؤال "أمينة" أكثر حتى لا تشك فى الأمر .. فهى زوجته وهى أكثر شخص من المفترض أن يعرف كل شئ عنه .. شردت وهى تحاول أن تخمن اجابات الأسئلة التى تدور فى رأسها
*******************************************
عاد "مراد" من الخارج وهو يشعر بأن التعبت قد أخذ منه مبلغه .. ازداد العطس وازدادت ارتاجفة جسده وشعوره بالوهن .. اتقبلته "ناهد" قائله :
- شكلك تعبان أوى
قال "مراد" معانداً :
↚
- لا أنا كويس هاخد حاجة للبرد وأدخل أنام
هاتفت "ناهد" قائله :
- انت لسه مخدتش حاجه للبرد .. بتستهبل يا "مراد" ما أنا قايلالك الصبح
قال "مراد" وهو يصعد الدرج :
- نسيت كنت مشغول هاخد دلوقتى
توقف والتفت الى أمه قائلاً :
- فين "مريم" ؟
قالت "ناهد" وهى تنظر اليه بإمعان :
- فى المطبخ
نظر "مراد" فى اتجاه المطبخ ثم التفت الى أمه وقال بصوت هادئ :
- هى كويسة ؟ يعني مش تعبانه ؟
هزت "ناهد" رأسها نفياً وهى مازالت تنظر اليه الى أن صعد الدرج الى غرفته .. دخلت "ناهد" المطبخ لتجد "مريم" جالسه تتحدث مع "أمينة" فقالت لها :
- "أمينة" لو سمحتي هاتى حاجة للبرد عشان "مراد"
شعرت "مريم" بالقلق وقالت :
- هو تعبان أوى
نظرت اليها "ناه