رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الثاني 2 بقلم ولاء رفعت

رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الثاني 2 بقلم ولاء رفعت

رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الثاني 2 هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة ولاء رفعت في رواية بين فارس بلا مأوي فارس وزينب حيث تختبئ أسرار الحنين وتتشابك الأحلام تبدأ حكاية حب لا تعرف للزمن حدودًا. قصة لقاء قد يبدو عابرًا، لكنه يحمل في طياته وعدا بمشاعر عميقة وتحديات تفيض بالعواطف إنها رحلة تجمع بين الفرح والألم الأمل والخيبة حيث تتأرجح القلوب بين شوق اللقاء وصعوبة الفراق هنا تتداخل أرواح تبحث عن النصف الآخر في صراع بين الحلم والواقع ويظل السؤال هل يكفي الحب وحده ليصمد أمام رياح القدر
رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الثاني 2 بقلم ولاء رفعت

رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الثاني 2


غزت ملامحه إبتسامة سخرية وقال: 
_ أنت بالتأكيد بتهزر.
1

دك عصاه في الأرض ونبرة صوته الجادة تدل علي إصراره وكأنه أمر لاجدال فيه: 
_ وأني مابهزرش يا سليم بيه، هتدخل عليها بلدي ودلوق، ولا عندك مانع!.
2

حدجه الآخر بضيق من ألقاء عليه الأمر، فمن يكون هذا الجرذ ليلقي عليه الأوامر!  ، ويختتمه بسخرية وكأنه غير قادر علي فعله ، عقد ساعديه أمام صدره رافعاً إحدي حاجبيه وقال: 
_ و لو معملتش كده هيحصل أي؟.
2

رمقه بتحدي مجيباً: 
_ هتفضل خايتي مشرفة دار أبوها ومفيش سفر حداك،  من الآخر رچلها ماتعتبش باب دارنا غير لما يوحصل الي جولتلك عليه،  أنت وبشوجك بجي.
1

تحولت ملامح سليم من الصبر والبسمة المزيفين إلي أخري مليئة بالتجهم والظلام الذي كسا عينيه: 
_ الظاهر نسيت أنك بتتكلم مع مين يا رافع ياقناوي، عمال تؤمر وتهدد وناسي أن أختك بقت مراتي وأنا حر أدخل عليها ولا ما أدخلش وبالطريقة الي علي مزاجي أنا.
1

صاح رافع بذات وتيرة صوت الآخر: 
_ لع مانستش ياسليم بيه، أنت الي شكلك نسيت أنك مناسب صعايده ليهم عاداتهم وتقاليدهم وكل الي عطلبه منك حاچة بسيطة.
1

_ أصدك تقول عادات وتقاليد متخلفة  ولي عليها الزمن،  ولو لسه بتحصل أنا مش هقبلها،  والي هيحصل ما بيني وبين أختك محدش ليه دخل فيه.
3

تفوه بكل جبروت وكأن من يتحدث بشأنها ليست شقيقته: 
_ وأي الي يثبت لأهل النچع أن خايتي بعد ما هربت و رچعت إنها لسه بت بنوت!.
أقترب منه و وقف خلفه يوسوس إليه كأبليس ليثير غضبه ويرضخ لما يأمره به:
_ كل الناس خابرة بقصة الحب الي كانت مابين خايتي وبين ولد عمها فارس، ولما أني فرجتهم عن بعض وچيت أنت لأچل تتچوزها راحت جطعت شراينها وبعدها هربت ولما رچعت وعجدت عليها وبجت مارتك علي الورج  غفلتنا كلتنا وراحت له القسم والكل شافها وهي داخله وخارچة من هناك،  ها مستني أي بعد كل دي؟.
3

كان بالفعل كالشيطان بل هو أبليس ذاته، يثير أغوار الآخر حتي يفعل بشقيقته هذا الفعل البشع المرفوض تماماً،  كيف تسول له نفسه بجرحها وإهانتها بتلك الطريقة!.
فزوجها ليس بحاجة لإستفزازه نحوها،  فلديه علم بزيارتها إلي فارس ولم ينس هذا بل ينتظر الوقت المناسب لمعاقبتها وجعلها تخشي أن حتي أن تذكره في مخيلتها.
لكن كلمات رافع أثارت شئ ما بداخله كان يقرر تنفيذه حينما ينفرد بها لاحقاً، أستدار له وبداخل عينيه نظرة مبهمة لكن حين رآها الآخر إبتسم بإنتصار،  فقال سليم: 
_ يعني كل الي عايزه الإثبات،  لكن الطريقة دي بتاعتي أنا.
1

قالها وتركه وفتح باب الغرفة ليجدها تقف تتشبث في زراع والدتها بخوف، لاتعلم ما ينتظرها.

تبعه رافع قائلاً  : 
_ خليت چماعتي يحضرولك الأوضه الي هترتاحو فيها أنت ومارتك.
وأشار له نحو غرفة نومه الخاصة به و نوارة المختفية ولم يلاحظ بعد عدم وجودها.
1

تقدم منها سليم وأمسك بيدها الحرة: 
_ تعالي معايا.

أوقفته كالحائره تسأله: 
_ واخدني علي فين؟.

و قبل أن تتحدث والدتها أو تسأل فأسرع رافع قائلاً يرمقها ببسمة تشفي: 
_ هترتاحو هبابة جبل ماتسافرو يا عروسة.
1

صدقت رسمية ولدها بطيبة وحسن نية، فربتت علي إبنتها: 
_ روحي يابتي ويا چوزك أرتاحو،  لساتكو وراكو سفر وطريج طويل،  وأنتي بجي لك يومين منعستيش عاد.

قلبها يخفق من شدة الخوف لاسيما بعد تلك الإبتسامة التي ما زالت في أعين شقيقها، أنتبهت لضغطة قبضة سليم القوية علي أناملها: 
_ يلا يا زينب.

وفي ثوان كانت بداخل الغرفة ودلف خلفها،  أغلق الباب بقوة مما جعلها أهتزت بوجل وأعتصرت عينيها تردد بداخلها بعض الأذكار.

خلع العباءة ويليها سترته وألقاها علي أقرب كرسي وجلس فوقه، فلم تبرحها نظراته: 
_ واقفه عندك ليه كده؟.

وبدون أن تنظر له تتجنب النظر في عينيه ذات النظرات المرعبة، قالت: 
_ أني مرتاحة إكده،  رايد أنت ترتاحلك شوي، عندك السرير أهو أرتاح كيف ما أنت عايز.

خلع رابطة عنقه ثم  ساعة يده ووضعهما علي المنضدة التي أمامه في صمت رهيب زاد من خوفها لكنها تظاهرت بالثبات.

قطع صوته بهدوء الذي لايقل رعباً عن نظرات عينيه: 
_ ما إحنا مش داخلين الأوضة عشان نرتاح.
2

رفعت عينيها لترمقه بصدمة وإستفهام، فهذا الصوت الذي بداخلها ينذرها بالخطر،  نهض متقدماً نحوها بخطي في ظاهرها هادئ لكنها عكس ذلك: 
_ شكلك فهمتي سبب وجودنا هنا،  ولا أي يا عروسة؟.

أزدردت لعابها وبمجرد وقوفه أمامها مباشرة أبتعدت إلي الخلف متجهة نحو الباب لكنه سبقها إليه وأوصده بالمفتاح الموجود به.

ركضت إلي إحدي الأركان تمسك بثوب زفافها في وضع الدفاع: 
_ لو الي في دماغي ده صوح،  أحب أفكرك بوعدك ليا،  أن چوازنا علي الورج.
1

يبتسم وبداخله مُنتشي من السعادة، فتلك النظرات المرعوبة بداخل عينيها تغذي وحش ساديته وترضيه.
وفي لحظة غافله منها وجدته أمامها يمسك برسغيها: 
_ أنا موعدتكيش يا زينب،  أنتي وقتها كنتي بتملي شروطك وناسية إنك هاتتجوزي مين،  تحبي أعرفك مين هو جوزك،  مين الي المفروض متنطقيش غير إسمه علي لسانك!،  مين الي عينيكي مش هاتشوف غيره!،  مين الي نسيتي إنه جوزك و روحتي القسم عشان تشوفي إبن عمك ومخوفتيش لما يعرف هيعمل فيكي أي!.

ومع كل جملة يتفوه بها كانت قبضتيه تزداد ضغطاً حتي ظنت عظام أناملها سُحقت،  تأوهت من الألم الغير محتمل،  فقال بفحيح يلفح شفتيها: 
_ صرخي، محدش من أهلك بره يقدر يدخل ينقذك من أيدي،  عارفة ليه.

أردف ويدفعها علي الحائط بجسده ملتصقاً بها: 
_ تحبي أجاوبك عملي زي ما أخوكي طالب مني ومستني إثبات شرفك؟.

جحظت عينيها متناسية ألم أناملها،  أستعادت جأشها وقوتها برغم دموعها التي أنسدلت للتو: 
_ بعد عني،  علي چتتي الي عتجوله دي، و روح جول للحيوان أخوي خايتك أشرف منك ومن أمثالك كيفك إكده.
1
ضغط بجسده عليها بقوة قائلاً: 
_ ولما أخوكي من لحمك ودمك يشكك فيكي ويطلب مني دخلة بلدي،  منتظره مني أي عشان أتأكد،  ها؟.

رأت بداخل ظلام عينيه شيطان مارد لم يهدأ إلا عندما يكسر كبرياءها ويجعلها ذليلة أمامه،  فهي الآن تلعن شقيقها بكل اللعنات علي منح هذا الوحش الذي يسحق جسدها حق سلب عذريتها قهراً ورغماً عنها، فلا تجد سوي تلك الفكرة التي أتتها للتو فقالت بتأوه من بين أسنانها: 
_ لو رايد إثبات خدني عند الحكيمة في الوحدة الصبح وهي تكشف عليا وتجولك إني.

أغلقت عينيها بخجل وأردفت: 
_ إني بت بنوت ولا لاء.

قهقه وتعالت ضحكاته المخيفة، حتي توقف وعادت ملامحه الوحشية مرة أخري: 
_ عايزاني أخدك عندك الدكتورة يا زوزو،  أومال أنا لزمتي أي يا حبيبتي.
3

ترك يديها حتي عادت روحها لها فأخذت تفركهما من فرط الألم، ولم يمهلها أن تلتقط أنفاسها فجذبها من خصرها وبرغم ثوبها المتسع وذو عدة طبقات شعرت بأنامله وهو يغرزها بقسوة لتطلق تأوهاً نابعاً من أعماقها.

_ أهدي كده ده لسه بنقول يا هادي، يقولو عليكي أي وأنتي كل شوية تصوتي.

أجابت من بين دموعها وألمها: 
_ أجتلني يا سليم وريحني،  أني ماعيزاش أعيش وياك واصل.

أبعد يديه من خصرها،  ليعود صوت ضحكاته،  يحاوط وجهها بكفيه يقول بسخرية : 
_ ليه كده يا زوزو،  ده أنا حبيتك من أول ما شوفتك وأقسمت إنك هاتكوني ملكي مهما حصل وبأي طريقة.

جذبها فجاءة ودفعها إلي الفراش وأعتلاها: 
_ أنتي بتاعتي أنا،  ملكي أنا،  هاتعيشي معايا لحد مايفرقنا الموت،  فاهمة يا زينب.
1

كانت ملامحه تخيفها أكثر من كلماته،  أقسمت إنه ليس شخصاً طبيعياً بل مريضاً.
باغتها بنزع حجابها بعنف حتي تشعثت خصلاتها من أثر ذلك،  أخذت تقاومه وتدفعه لينهض من فوقها،  فكيف لعصفورة صغيرة بأن تدفع بوحش ضخم يريد إلتهامها!  .

أردف من بين أسنانه لاهثاً:
_ متقاوميش يا زينب،  عمرك ما تقدري تبعديني عنك،  أستسلمي لمصيرك.

لم تجد رد علي هذيانه من وجهة نظرها سوي تلك الكلمات ويديها تدفعه في صدره:
_ ده في أحلامك ياسليم، وأني لساتني كيف ما جولتلك علي چتتي لو لمست مني شعره،  وچوازي منك مجابل حياة فارس،  غير إكده ملكش حاچة عندي واصل.

من الحماقة أن تكون عاجزاً وفي وضع ضعيف للغاية وتتصنع القوة بدون إستخدام عقلك وذكاءك بحكمة، فالتفوه بنبرة التحدي والعند لن تأتي لك سوي بعواقب وخيمة،  وهكذا ما حدث
ليتها ما تفوهت بحديثها الأحمق هذا، فهي للتو أيقظت جانبه الآخر والذي كان يحاول كبحه وعدم إظهاره له حتي الآن.

نهض عنها وهو يجذبها من خصلاتها وحتي لا تصرخ ويسمعها من بالخارج،  كمم فاهها بقبلة وحشية،  ليست قبلة حميمية بين زوجين بل كانت تعذيب ومنعها من الصراخ، ولم يكتف بذلك،  أمسك بساعديها وقام بثنيهما خلف ظهرها وبجزء من لفافات حجابها الأبيض قام بتقيد معصميها.
ما زال يُقبلها متذوقاً دماء شفتيها بللذة، توقف عن تقبيلها ليتركها تلتقط أنفاسها اللاهثة، ليباغتها بجزء آخر من لفافات حجابها يكمم فاها ثم ألقي بها مرة أخري علي الفراش والظلام يسود عينيه و شيطانه المسيطر عليه، خلع ثيابه تحت نظراتها التي تتوسله ليتراجع عن ما سيفعله،  تتلوي في الفراش مستخدمة ساقيها في النهوض لكن هيهات، أصبحت مثبتتان بقبضتيه القويتين،  وأرتمي فوقها وشرع فيما عزم عليه، لم يرحم صرخاتها المكتومة ودموعها التي أنفجرت كالأنهار المتدفقة،  أنتزع روحها قبل نزع عذريتها بكل وحشية، أبتعد عنها وبنظرة إنتصار حدجها، دنا برأسه نحو وجهها وهي ملقاه كالجسد بدون روح ليقول لها بتهكم : 
_ ألف مبروك يا حبيبتي.
وقبلها من وجنتها ونهض، أرتدي ثيابه تاركاً قميصه مفتوحة أزراره،أقترب منها فرفعت ساقيها لتكور جسدها في وضع الجنين لتبتعد عنه ، جذب الشرشف الملطخ بدماءها بقوة من أسفل جسدها وأتجه به نحو الباب وقام بفتحه منادياً علي شقيقها الذي لبي نداءه وجاء له فقام الآخر بإلقاء الشرشف في وجهه،  ألتقطه رافع بسعادة عارمة،  ولم يتمهل فخرج و وقف أمام المنزل يخرج سلاحه وأطلق عدة أعيرة نارية متتالية وتبعه رجاله في الإطلاق كرسالة إلي أهل النجع  .
6

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ رحل الليل ليسطع شروق الشمس ومازالت القلوب علي ما أصبحت عليه،  فمنذ أن تركت منزل عائلة زوجها وجاءت إلي منزل عائلتها تجلس في غرفتها القديمة يجافيها النوم فالمشهد التي رأته بأم عينيها جعل النيران مندلعة في صدرها،  كيف تسول له نفسه ويقوم بخيانتها،  كانت تظن أن الأمر مجرد مشاعر فقط لاتعلم إنه سيصل إلي ما رأته خلف المنزل،  لعنت قلبها الضعيف الذي مازال يدافع عنه أمامها فضعفه هذا جعله يفرض سيطرته وقوته عليها،  فعندما تعترض أو تواجهه تثور أغواره و يمد يديه بالصفعات وينعتها بالإهانات والسباب وكأنها عبدة أو جارية لديه وليست زوجته ويجب عليه أن يعاملها بالمودة والرحمة.

دلفت والدتها لتطمأن عليها لتجدها تجلس علي وضعها كتمثال، عينيها شديدة الإحمرار والتورم من كثرة البكاء.
ربتت عليها بحنان وقبلتها لدي مفترق خصلاتها: 
_ لساتك منعستيش وعتبكي يا جلب أمك.

ألتزمت الصمت فأردفت سعاد: 
_ ولو تجوليلي حوصل أي ولا سوي فيكي أي چوزك،  ريحيني يابتي.

أصدرت شهقة وهي تجفف عبراتها وقالت بيأس:
_ لو جولتلك يعني،  هاتسوي له أي عاد،  ده ولا بيهمه حد وعيسوي الي في دماغه مهما أتحدتي وياه.
شهقت لتجهش ببكاء مجدداً،  فأكملت: 
_ جلبه كيف الحچر عليا،  لكن لغيري لاء.
1

عقدت سعاد بين حاجبيها وهي تفسر حديث إبنتها فسألتها: 
_ واه،  تجصدي لساته عيحب البت فاطنه.

خارت في البكاء وأرتمت علي صدر والدتها: 
_ أيوه ياماه، لساته بيعشجها و وصلت بيه البچاحة ولا جيته واخدها ورا الدار ونايم فوجيها ونازل فيها بوس،  آه يا جهرة جلبي ياماه.

_ باستك عجربة يا رافع يا واد خايتي ويحرج جلبك كيف ما عتسوي في بتي،  معلش يا جلب أمك، أني هاروح له وأتحدت وياه و أعرفه مجامه زين.

_ لاء ياماه،  ما تجوليلوش حاچة بالله عليكي،  ملهوش عزا العتاب واصل.

حدجتها سعاد بعدم فهم،  فأخبرتها إبنتها بهذا القرار الذي أصدره عقلها للتو ويحاول قلبها التراجع عنه لكن كبريائها هو المسيطر الآن.
_ أني هاطلب منيه يطلجني.
1
لطمت سعاد علي صدرها وكأن إبنتها تخبرها بفاجعة: 
_ طلاج!.

ـــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ غارقاً في أحلامه التي تنتهي كالعادة بكابوس مزعج يراها تبكي بحرقة وتمد له يديها تناديه لينقذها من تلك البؤرة المظلمة التي تجذبها بداخلها،  فهناك مشهد جديد أضيف هذه المرة وهو عندما أستطاع أنقذها وأنتشلها وجدها قد فارقت الحياة،  أخذ يهز جسدها يناديها من أعماق قلبه لتعود إلي الحياة،  لكن لا جدوي،  فكيف لروح فارقت جسدها أن تعود له مرة أخري!  .
1

_ زينب.
صاح بها وهو يستيقظ من النوم مذعوراً،  أغلق عينيه من قوة أشعة الشمس التي تزعج رماديتيه.

أنتبه لصوت رفيق دربه جنيدي: 
_ صحي النوم يا أبو الفوارس،  خلاص وصلنا وجرب الجطر علي محطة مصر.

حاول فتح عينيه بحذر حتي أستطاع أن يري،  فالسماء أعلاه ومع حركة القطار يشعر وكأنه يسبق السحاب والطيور المحلقة،  تذكر أحداث أمس فنهض بحذر حيث مازال هو ومن معه يتسطحا فوق القطار.
نهض بجذعه وجلس يثني أحدي ركبتيه يستند عليها بساعده،  يستنشق نسيم الصباح بعمق ويطلق زفرة بقوة، وخصلات شعره تداعبها نسمات الهواء الباردة.
_ صباح الخير يا چنيدي.

رد جنيدي الذي يزفر دخان سيجارة معلقة بين أنامله: 
_ صباح النور يا صاحبي،  يلا أچهز لأچل هنط جبل ما ندخلو المحطة.

غر فارس فاهه بتعجب: 
_ هنط كيف؟.

أجاب الآخر ويشير له نحو نهاية العربة التي يتسطحان أعلاها: 
_ هنجوم نمشي لحد آخر العربية دي وهننزل في الفاصل الي بينها وبين العربية التانيه،  بس يلا جوم هم جبل ما نتجفش من بتوع التفتيش والحكومة المرشجه في المحطة.

نهض كليهما وساروا بحذر  فهبطا بين العربتين وعندما هدأت سرعة وأصبحت بطيئة إستعداداً لولجه إلي المحطة،  قاما بالقفز معاً.

وبعد سير مسافة وصل كليهما إلي ميدان رمسيس،  فأوقفه جنيدي وقال: 
_ أجف أهنه عجبال ما أروح أعمل تليفون ونچيب لنا حاچة نفطرو.

_ هاتحدت ويا مين؟.

_ واحد بلديتنا عايش أهنه هجوله يشوفلنا مطرح نريحو فيه وشغل لأچل الواكل والشرب.

حك ذقنه يفكر فيما أخبره،  فقال: 
_ طيب روح ومتعوجش،  عاود بسرعة.

_ حاضر،  خليك أنت مكانك وماتتحركش كيف ما أنت شايف الدنيا واسعة وإحنا نمل ماشي فيها  وممكن نتوه من بعضينا.

ذهب جنيدي وجلس فارس ينتظره علي الرصيف، يتأمل الميدان الذي يعمه القليل من الهدوء  فمازالت معظم المتاجر مغلقة فالوقت مبكراً ،  تنهد بأريحية مستنشقاً الهواء و مد ساقيه أمامه علي الأسفلت وإستند علي يديه مائلاً بجذعه قليلاً إلي الخلف، أغمض عينيه ليراها في مخيلته،  زفر بشوق وحنين قائلاً: 
_ أتوحشتيني جوي يا جلب فا.....
1

قاطع جملته شئ ما أصتدم بساقه يتبعه صياح بصوت أنثوي: 
_ أنت يا أخينا،  قاعدلي علي الرصيف و واخد راحتك علي الآخر وفارد لي رجليك،  كنت هتكعبل علي وشي بسببك دلوقت.
2

فتح عينيه ليجد أمامه فتاة ذات بشرة بيضاء يزين وجهها بعض مساحيق التجميل تبرز جمال شفتيها الورديه وعينيها اللوزية تزينها عدسات لاصقة رمادية،  متوسطة الطول وجسدها متناسق، وبرغم جمالها الذي يجذب من ينظر إليها لكن يعلو وجهها بعض الحدية،  يبدو إنها ذات شخصية حادة إلي حد ما.
رد فارس بكل زوق و رقي: 
_ معلش لو كنت ضايجتك.

وضعت يدها في خصرها تتشدق بحنق: 
_ معلش!  ،  أصرفها منين دي والشوز بتاعي الأبيض أتوسخ ومنظره بقي زفت وكل ده بسببك.

ألقي نظرة علي حذائها فأخرج من جيب بنطاله المتسخ كيس صغير يحتوي علي محارم ورقية،  مد يده به إليها قائلاً:
_ أتفضلي مناديل أهه.

رمقته بإزدراء لهيئته المزرية بسبب ثيابه التي لم يبدلها منذ دخوله إلي السجن.
قالت بأنفة وعنجهية: 
_ ده الشوز كده هيتوسخ أكتر،  خلي مناديلك معاك.
ولوحت يدها برفض وتقزز، أثارت كلماتها وتعابير وجهها غضبه،  يبدو هدوءه وتعامله معها بالزوق كان خطأ، كادت تذهب فأوقفها بصوت غاضب: 
_ وجفي عندك.

ألتفتت له ونظرت إليه لتجد ملامحه الوديعة التي كان يتحدث بها منذ ثوان تحولت إلي أخري تركت بداخلها الشعور بالخوف لكنها لم تظهر ذلك بل قالت: 
_ بتكلمني أنا؟.

نظر علي يمينه ويساره بتهكم وقال: 
_ شايفه حد غيرك في الشارع عاد!،  أيوه بكلمك أنتي،  شكلك لساتك عيلة صغيرة أهلها مدلعينها دلع مرق وماسخ، و واخدة مجلب في نفسيها جوي،  وفوج كل دي جليلة الذوق.

إستمعت لكلماته بدهشة وذهول من هو لكي يتحدث معها هكذا وينعتها بكل ما قاله،  فتحت فاهها لترد إهانته لكنه سبقها: 
_ كلمة إكده ولا إكده هانسي إنك حرمة وهاسمعك كلام شين ميعچبكيش واصل،  يلا أمشي من أهنه.
صاح بجملته الأخيرة مما جعلها خشيت تنفيذ تهديده فمظهره وأسلوبه الحاد الذي تفوه به للتو جعلها تخشي منه ومن ما سيفعله إذا تطاولت عليه مرة أخري،  زفرت بحنق ترمقه بإزدراء من أعلي لأسفل ثم تركته وذهبت.
فقال لها: 
_ بصي علي قدك.

_ عتتحدت ويا نفسك ولا أي ياصاحبي؟.
قالها چنيدي الذي وصل للتو يحمل كيس مليئ بالشطائر وجلس بجوار فارس،  فأشار له الآخر نحو الفتاة التي وقفت في الجهة المقابلة لتستقل سيارة أجرة.
_ دي بت چاية تتشاكل علي الصبح أتحدت وياها بكل أحترام فشافت نفسها عليا،  أديتهملها فوج دماغها معرفتش تنطج ومشيت.

_ ولسه هاتشوف،  بنته مصر أهنه وشهم مكشوف تلاجي الواحدة منيهم تجف وترد عليك من غير خشا ولا حيا وصوتها يچيب لأخر الشارع.

_ مش كلاتهم يا چنيدي،  في كل مطرح فيه الزينة والشينة وبترچع للتربية والأهل والبيت الي خارچة منه.
1

فتح چنيدي الكيس الذي يحمله وأخرج منه الشطائر يفك لفافة الجرائد ويفترشها بينهما: 
_ فوكك من كل دي ويلا جبل ما الواكل يبرد،  چايب طعمية لسه خارچة من الزيت وفول وش الجدرة وفلفل حراج من الي جلبك يحبه.

وقبل أن يمد يده ليأكل سأله بترقب: 
_ وچييت الفلوس منين؟  .

تناول شطيرة وقضم منها قطعة وأخذ يلوكها بداخل فمه: 
_ مصالح كنت بطلع بيها من السچن،  خابر أنت الراچل الي رچالته هربونا ده كان مغرجنا سچاير و واكل آخر حلاوة،  والي محتاچ حاچة ويطلبها منيه يعطيها له، وكل ما يجع في يدي جرشين أتاويهم، وأهو نفعونا دلوق،  تخيل لو كنا علي عبد الحميد المچيد ومنملكش جرش واحد كان هيبجي وضعنا أي!  .

حدجه فارس ويراقب ردة فعله : 
_ أوعاك تكون چايبهم من الحرام.

ترك ما في يده يرمقه بإمتعاض مُزيف : 
_ عيب عليك لما تشكك في صاحبك وتجول إكده، أنا جولتلك چايبهم من مصالح ما سرجهمش.

تنهد بأريحية وقال: 
_ معلش، لو سؤالي ضايجك،  أصل أني ما أجبلش الحرام واصل حتي لو هاموت من الچوع.

أمسك جنيدي بشطيرة ومدها إليه: 
_ ماتجلجش ياصاحبي،  فلوس حلال،  خد كول بجي،  الراچل زمانه علي وصول.

أخذ منه الشطيرة وبدأ في إلتهامها بنهم: 
_ رد عليك إياك؟.

_ رد علي بعد ما رنيت عليه خمس مرات، وجالي إنه هيچي لنا خلال ربع ساعة، خابرته بمطرحنا.

أبتلع ما بفمه وقال: 
_ أنت واثج من الراچل دي،  لأحسن يبلغ  عنينا الحكومة ويسلمنا ليهم.

_ ماتخافش،  عم عربي ده راچل چدع جوي،  تجدر تجول الأب الروحي للي زي حالتنا إكده،  ما يهملش واحد في ضيجة غير لما يجف وياه ويساعده،  أطمن يا أبو الفوارس محسوبك لفيت الدنيا كعب داير وخابر الناس زين.

_ ربنا يستر.
قالها وقضم باقي الشطيرة.
ـــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ ما زالت حبيسة في الغرفة منذ ليلة ذبحها كما تسميها هي، تجلس علي التخت متكورة بثوب زفافها ،  جفت الدموع في عينيها من كثرة البكاء، تنظر في الفراغ ساكنة لم تتحرك كقطعة جماد بلا روح،  وعلي الطرف الآخر يتمدد نائماً ينعم بالراحة والسكينة وكأنه لم يقترف شيئاً.
1
صدح رنين تنبيه ساعة الهاتف حيث قام بضبطها قبل نومه ليستيقظ في هذا التوقيت إستعداداً للسفر.
أستيقظ وأغلق المنبه،  نهض ليجدها مازالت علي وضعها وبدون أي حركة وظهرها نحوه ،  وضع يده عليها فأنتفض جسدها بتلقائية وكأن مسها تيار كهربي.
أقترب منها حتي ألتصق بصدره العاري بظهرها وتحدث بجوار أذنها بصوته الذي باتت تمقته كلما تفوه إليها: 
_ لسه منمتيش من إمبارح، ده إحنا ورانا ساعات سفر كتير.

لم تجيب عليه وظلت علي وضعها،  وفجاءة وجدت يده تسللت إلي فمها لتكممه ويده الأخري تجذب خصلاتها بقوة،  فصرخت بآهه مكتومة وقال لها بفحيح: 
_ القاعدة الأولي لما أكلمك تردي عليا عشان ما أزعلكيش، و خدي بالك لما أأمرك تنفذي الي أقولك عليه في وقتها ده أحسن ليكي لأن عصيان أوامري ليه عقاب،  و لمصلحتك متخلينيش أوصل معاكي للمرحلة دي،  فاهماني يا زينب؟.
1

تعتصر عينيها من الألم وكفه المكمم لفمها يمنعهاومن الرد أو الصراخ، ترك خصلاتها ليغرز أنامله في زراعها: 
_ مشوفتش ردك علي سؤالي.

أومأت له وهي تزوم وتبكي في آن واحد، قام بإستدارتها إليه ليصبح وجهها أمام وجهه،  حدق في ملامحها الباكية والحزينة بصمت أغمض عينيه وأقترب بشفتيه علي وجنتيها ليلعق عبراتها ثم هبط علي خاصتها التي بها آثار دماء متجلطة ليقبلها،  تخشي أن تبتعد أو تصرخ فيعيد ما فعله بها،  فهي لا تتوقع أفعاله العنيفة معها، كلما تألمت كلما تري في عينيه لمعة تدل علي مدي سعادته برؤيتها في تلك الحالة.

أبتعد باللهاث وقام من أمامها قائلاً: 
_ أومي غيري فستانك وجهزي نفسك أدامنا ساعة عشان نتحرك.

وبعدما أنتهت من تبديل ثيابها،  وقفت أمام المرآه لترتدي حجابها فتفاجأت بملامحها التي ذبلت وهذا من ليلة فقط،  ما بال من لياليها القادمة معه!،  حاولت إخفاء آثار عنفه علي شفتيها بقلم الحمرة وكذلك بعض اللمسات تخفي شحوب بشرتها،  فهي لم تتحمل أي أسئلة من والدتها عند رؤية وجهها  وأيضاً لاتريد رؤية شقيقها لها بهذا المظهر الضعيف المنكسر.

خرجت من الغرفة فوجدته يقف يدخن سيجاره ورمقها بنظرة ذات مغذي، خرجت والدتها من المطبخ تحمل صينية الطعام: 
_ صباحية مباركة يا حبيبتي.
1

نظرت نحوه أولاً بإمتعاض ثم إلي والدتها بشبه إبتسامة خافته.

_ تعالو يلا أفطرو جبل ماتمشو،  ده أني كماني حضرتلكو واكل تاخدوه وياكو.

فقال سليم بإبتسامة شكر إلي حماته: 
_ تسلمي يا ماما، مفيش داعي للتعب ده كله الطيارة فيها كل حاجة،  وبعتذر مرة تانية أنا مبفطرش دلوقت، ولازم نمشي عشان الكابتن مستنينا من إمبارح في المطار.
3

تركت الصينية جانباً وقالت: 
_ علي راحتكو يا ولدي،  بس كل الي هاطلبو منك كيف أي أم،  خد بالك من بتي وحطها في عينيك.
1

تقدم نحو زوجته و حاوط خصرها يقربها منه قائلاً: 
_ من غير ما تقولي يا أمي،  زينب جوه قلبي قبل عينيا.
ونظر إلي التي تقف بجواره مبتسماً، بينما هي أستقبلت تلك البسمة كتصريح مُعلن عن الجحيم الذي ينتظرها علي يديه.

قامت رسمية وزوجها بتوديع إبنتهما، فطلبت منهما أن ينتظرا دقيقة حتي توقظ إبنها ليودعهم فكان رد زينب حاد وصارم: 
_ إياكي ياماه،  أني معوزاش أشوفه واصل،  وياريت تبلغيه إنه بالنسبة لي ملوش وچود.
1

قالت كلماتها وتركتهم جميعاً وخرجت مسرعة إلي الخارج لتجد السائق يفتح لها باب السيارة: 
_ أتفضلي يا هانم.

دلفت إلي الداخل وجلست تنتظر سليم الذي ألحق بها ودلف من الجهة الأخري،  وبعد ولوج السائق،  قال بأمر له: 
_ أطلع.

بدأت السيارة في التحرك و عينيها تنظر من خلال النافذة المعتمة علي منزلها النظرة الأخيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــ

_ و بداخل حارة في إحدي الأحياء الشعبية،  بعدما ترجلت من المركبة ذات الإطارات الثلاث،  ولجت إلي بناء قديم تملأه رائحة العطن وصياح إحداهن من الجيران توبخ صغارها بالسباب.
توقفت أمام الباب الخشبي ذو النافذة الزجاجية يحاوطها قضبان من الحديد،  أخرجت المفتاح وقامت بفتح الباب،  فولجت وهي تزفر من التعب،  جلست علي أقرب مقعد:
_ آه يا رچلي ياني.
خلعت حذائها وألقته جانباً،  أخذت تحرك في أناملها: 
_ ميتي ياربي تتوب عليا من الشقي والتعب دي،  نفسي أرتاح بجي.
1

طرقات مدوية علي الباب،  زفرت بتأفف وضيق: 
_ شكلي ماهشوف راحة واصل، حاضر يالي بتخبط چاية أهه.

نهضت بثقل تتحمل السير بصعوبة علي قدميها،  فتحت الباب لتجد هذا الرجل ذو الملامح البغيضة يقف أمامها ويمد رأسه ينظر إلي الداخل،  دفعته في كتفه وسألته:
_ رايد مني أي الساعة دي يا أبو سعيد؟.

_ فين باقي الفلوس الي قولتيلي هديهملك بعد يومين وأهو فات يومين ودخلنا في الرابع.

_ وأني جولتلك أصبر عليا لحد ما يجبضوني في العيادة،  ولحد دلوق الدكتور معطنيش ولا مليم،  وإكده ولا إكده هدفعهملك هاروح منك فين.

رمقها بنظره غير مستساغه لها وقال: 
_ ما أنا قولتلك هجبلك شريكه معاكي في السكن،  الشقه ماشاء الله كبيرة وأنتي لوحدك.

لوحت له بيدها برفض: 
_ وأني جولتلك لاء،  أني ماحبش الشريك في أي حاچة،  وإيچارك وهعطيهولك، ويلا هملني عشان راچعه من الشغل تعبانه ومجدراش أتحدت أكتر من إكده.

دفعت الباب في وجهه ودلفت إلي الداخل: 
_ أي الراچل الي كيف الحمي دي،  كتو البلا حرجلي دمي،  لما أروح أشوفلي حاچة أكلها.

دخلت المطبخ وفتحت الثلاجة فلم تجد سوي علبة جبن مفتوحة وكيس بداخله عدة أرغفة من الخبز،  وطبق آخر به ثمرة زيتون حادق،  وفي الباب زجاجتين مياه بارده، زمتت شفتيها وقالت: 
_ يعني بعد الچبنة الرومي والفلامنك والريكفورد والمشوي والمحمر يبجي دي حالي،  علبة چبنة طعمها كيف زيت التموين!،  تستاهلي يا فقر محدش جالك تسيبي الهنا والعز الي كنتي عايشه فيه وتهوربي،  ما هو مكنش ينفع أجعد ويا واحد بيشتغل عند جتال جتله،  وكمان هاجعد بصفتي أي عاد.
2

طبقت شفتيها وهي تفكر لتردف باقي حديثها مع ذاتها: 
_ واه ياسمية،  لتكوني وجعتي في حب الچدع!،  فوجي يابت عبدالحق الي زي دي هيبصلك علي أي يا حسرة،  آخرك تشتغلي حداه خدامة،  ده حتي الخدامة الي كانت بتيچي تنضف له شجته  شكلها أچنبية،  يعني محصلتيش الخدامة كمان، كفياني أحلام لما أروح أريح چتتي هبابة.
ـــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يجلس في غرفة النوم أمام الحاسوب ويحتسي فنجان القهوة الخاصة به،  بينما تخرج من المرحاض الملحق بللغرفة تلك السيدة التي تلف جسدها بمنشفة قطنية كبيرة وتغطي شعرها بمنشفة أخري صغيرة،  تلتقط ثيابها من فوق التخت وهي تقول: 
_ مش ناوي ترجع المكتب وتشوف القضايا المتأجلة،  العملاء عاملين يتصلو ويسألوني عليك و مش عارفه أقولهم أي.
3

ترك القدح علي الطاولة بعدما أنتهي من إحتساءه كاملاً وقال: 
_ مش عارفة تقوليلهم إنه في أجازة.

أرتدت ثوبها القصير وجلست علي طرف الفراش لترتدي جوربها الأسود الشفاف، تقول بتهكم: 
_ الي يسمعك يقول إنك واخد أجازة بجد،  ومش عمال تلف علي حتة بت ممرضة كحيانة متسواش في سوق البنات قرش واحد.

أغلق حاسوبه بهدوء،  وأستدار بجسده نحوها يرمقها بتحذير: 
_ هدير،  ياريت تخليكي في حالك وفي شغلك وبس.

وقفت وسارت نحوه تحدجه بإمتعاض: 
_ أمرك يا مستر صلاح.
وقفت أمامه تفكر في أمر ما لكسب وده مجدداً، فقالت بمكر:
_ طب والي يقولك علي فكرة توفر عليك وقتك ومجهودك ويخليها تيجي لحد عندك.

رفع حاجبيه وقال:
_ يبقي عملتي فيا معروف، ولو ده حصل و وصلتلها ليكي هدية وأنتي الي هتختريها.

ولت ظهرها له وجلست علي مسند الأريكة:
_ طب ممكن تقفلي سوستة الفستان الأول.

هز رأسه بإبتسامة فقام برفع السحاب لأعلي، نهضت وجلست بجواره وبزهو وفخر قالت:
_ تليفون صغير لحد من معارفك في الداخلية أو الأمن الوطني يجبيهالك لحد عندك.

رفع جانب شفتيه بتهكم وقال:
_ ده أي الذكاء ده، علي أساس إن معملتش كده، ده أول حاجة عملتها ولغاية دلوقت موصلوش ليها.

إبتسمت بخبث وقالت:
_ خد الجديد بقي، هي فكرة مجنونة شوية بس هتختصر عليك الطريق.

يستمع لها وفي البداية كان يرمقها مقطب بين حاجبيه لتبدأ ملامحه بالإنبساط ولاحت إبتسامة علي محياه، فأمسك بهاتفه ليبدأ بتنفيذ الفكرة.
2
ـــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــ
_ لو تجوليلي مالك يمكن أساعدك وأخرچك من حالة الكآبة الي أنتي فيها دي من وجت رچعتك من فرح بت خالك.
قالتها قمر إلي فاطمة، والأخري تنظر نحو الفراغ تتذكر ما حدث معها فقالت بإستنكار وبإندفاع: 
_ جولتلك مفيش يا قمر، مخنوجة شوي مش أكتر.

رمقتها قمر بإعتذار قائلة: 
_ حجك علي أني مجصدش أضايقك واصل.

زفرت الأخري بضيق مما قالته للتو،  فقالت: 
_ أني الي آسفه هبيت فيكي كيف الوابور،  أني لما ببجي مخنوجة مابعرفش أتحدت عاد،  وبرمي حديت دبش.

إبتسمت لها وربتت عليها: 
_ أني مبزعلش منك يا فاطمة،  أني متضايجة لأني شايفه حالتك دي ومعرفاش أساعدك ولا أخفف عنيكي،  يعلم ربنا من وجت ما دخلت الدار أهنه وأني بعتبرك كيف خايتي،  وفرحت جوي لما لاجيتك بتبادليني نفس الشعور،  بعكس بنات خالي الله يسهلهم ويسامحهم كانو ديماً بيعاملوني أني عيلة صغيرة ومليش عزا وعيتمسخرو عليا كل ما أتحدت وياهم.

ربتت فاطمة علي يدها وقالت:
_ دول بنات تافهين ومايفهموش حاچة واصل،  أنتي ماشاء الله عليكي عقلك سابج سنك لدرچة أني بستغرب كيف حداكي 18سنة.

_  الي شوفته من الدنيا مش جليل يافاطمة،  أتعلمت حاچات كتير عطتني عمر فوج عمري،  المهم هملينا مني دلوق،  أنتي أي الي حوصل وياكي،  رافع واد خالك جالك حاچة ضايجتك؟.
1

نظرت فاطمة لأسفل بخجل وتوتر وبعض من الخوف،  فقالت: 
_ هجولك بس بالله عليكي يبجي سر بينتنا.

أعتدلت الأخري في جلستها بإنتباه وقالت: 
_ عيب عليكي،  أني عمري ما بطلع سر حد واصل حتي لو كان يخص المحروجة مارت خالي،  وحطيها حلجه في ودانك الي يحكيلك سر غيرك هيحكي لغيرك سرك.

تنهدت فاطمة وبدأت تسرد لها ما حدث معها، فكانت الصدمة تعلو ملامح قمر والتي قالت: 
_ الله يخرب بيته كيف يسوي فيكي إكده، وأنتي كيف سمحتي له يجرب منك ويلمسك،  أهو سكوتك دي هيخليه ممكن يكررها تاني وتالت ويستحلها علي مزاچه.

_ أني مكنش بيدي أي حاچة،  معرفاش أي الي بيحوصل معاي لما بيجف قدامي، بمثل أني قوية ومبخافش لكن من چوايا ببجي مرعوبة جوي منيه،  والي حوصل إمبارح دي كنت كيف المتخدره مدرياش عيسوي أي غير لما بعد عني وفوجت لحالي وهملته وچريت منيه.

_ الي عتحسيه دي ما أسموش خوف،  ده حب،  لساتك عتحبيه و كرامتك منعاكي وخايفة لتضعفي قدامه كيف ما ضعفتي إكده.

كلماتها صادقة وكأنها قالت ما لم تكن قادرة علي البوح به، أطلقت زفرة نابعة من أعماقها: 
_ والحل يا قمر؟،  شوري علي الله يخليكي.

_ هما حلين ملهمش تالت،  الأول لو لساتك ريداه خليه يتجدملك تاني وتتچوزو،  والتاني إنك تبعدي عن طريجه وتنسيه  وده بأنك تتچوزي واحد يحبك ويخاف عليكي وينسيكي رافع ده واصل.

أجابت بإستنكار: 
_ وأني عمري ما هتچوزو أولاً ما أجبلش أكون ضرة أو زوچة تانية وثانياً لأچل طريج الحرام الي ماشي فيه.

_ يبجي تكملي حياتك وتتچوزي كيف ما جولتلك.

_ سبج وجولتلك الي عيجرب مني بيأذيه أو يجتله،  وأني مقدرش أشيل ذنب حد واصل.

_ أسمعيني زين، أنتي حكيتي لي عن الحكيم الي إسمه يحيي وإنه كل شوي يبعتلك رسايل أو يتصل لأچل يطمن عليكي.

أومأت لها بالإيجاب،  فأردفت الأخري: 
_ واضح جوي إن الچدع عيحبك ولو سمحتي له ممكن يچي ويطلب يدك، و رافع مايجدرش يجرب منيه لأنه غريب عن النچع وبتجولي كمان أنه من عيلة كبيرة يعني مؤكد ليه معارف تقال،  ولو خبرتيه وحذرتيه منه هيسوي حسابه وياخد حذره.

_ معرفاش بجي ياقمر،  خايفه أسوي أي خطوة أرچع يوحصل مصيبة وأرچع أندم بعد إكده.

صدح رنين هاتف قمر الذي أشتراه لها بكر حديثاً،  فقالت: 
_ واه شوفتي كنت هنسي كيف، أخوكي زمانه خلص درس الدين للولاد وچاي ياخدني لأچل نشتري شوية حاچات،  وأني لسه ملبستش خلچاتي.

أبتسمت فاطمة إليها وقالت بتمني وفرح: 
_ ربنا يسعدكو ويهنيكو ويتتملكو علي خير،  ويهدي أمي عليكي ويحنن جلبها عليكي.

ضحكت قمر وقالت: 
_ أيوه كتري من آخر دعاء دي، والله أني بحبها ورايدها تحبني كيف بتها ومستعده أسوي أي حاچة عشانها بس ترضي عليا الأول.

_ أمي چواها طيب و واحدة واحدة عتحبك،  معلش أستحمليها.

_ أستحملها العمر كله كفاية إنها أم الغالي.

ــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ يصعد ثلاثتهم درج هذا البناء القديم والذي يقع بالقرب من وسط البلدة،  وصلو إلي سطح البناء حيث توجد عدة غرف منفصلة وبرج خشبي يسكنه حمام زاجل.

_ أتفضلو يا چماعة،  حاچة  علي القد مؤقتاً، الأوض كلها عُزاب كيفكو إكده والأوضة الي هتجعدو فيها مفيهاش غير چدع واحد وده ماعيرچعش غير علي النوم و في حاله،  ها تأمرو بأي حاچة جبل ما أمشي؟.

ربت جنيدي علي كتفه بشكر وإمتنان: 
_ تسلم يا أبو سعيد الله يخليك.
1

هم بالذهاب فقال: 
_ جبل ما أهملكو صوح،  أني كلمت الراچل عن البضاعة وجالي تروحو تستلموها منيه بكرة جبل الضهر،  تاخدوها وتفرشوها كيف ما تريدو،  لكن خدو بالكو لازم تراضو أمين الشرطة المسئول عن أمن  المنطجة الي هاتبيعو فيها بدل ما يرازي فيكو ويسلط عليكو البلدية.
1

أومأ له كليهما فقال جنيدي: 
_ أطمن علينا إحنا نفوتو في الحديد،  نستلم البضاعة وعنسوي بأمر الله أحلي شغل دعواتك معانا بجي.

_ ربنا يوفقكم يا ولدي،  يلا فوتكو بعافية.

سار فارس نحو السور ينظر إلي أضواء المدينة وناطحات السحاب المحيطة بهم.
_ أي رأيك يا صاحبي،  عاچبك المطرح؟،  سطوح هواه يشرح الجلب وياسلام لو حداك چوزه مولعه بحچرين معسل محطوط فوجيهم جرش حشيش يبجي الچنة ونعيمها.

ألتفت له بوجهه وحدجه بإمتعاض: 
_ بص يا چنيدي لأچل نبجي متجفين الجرف دي عايز تشربه يبجي بعيد عن أهنه،  أني بكره الدخان وكل حاچة تبعه،  خلي ربنا يكرمنا ومايغضبش علينا.
1

أومأ له بمضض وقال: 
_ حاضر ياصاحبي،  ولعلمك بجي أني كنت بهزر، أني أخري سوچاره أو حچرين أشربهم في أي جهوة.

_ يبجي أحسن،  ناولني المفتاح خليني أريح من لف طول النهار.

أخرج من جيبه المفتاح وأعطاه إياه: 
_ أتفضل يا صاحبي،  إلا جولي صوح ناوي علي أي الأيام الچاية،  هتجول لأهلك أنك هربان ولا هاتسوي أي عاد.

لايعلم فارس ماذا سيفعل،  فالآخر لايعلم عنه شيئاً سوي سبب دخوله إلي السجن فقط.
تنهد وأجاب: 
_ لسه ما عرفش، دماغي واجفه عن التفكير،  وياتري الحكومة لما خابرت بالي حوصل هيسو ويانا أي،  بالتأكيد هيدورو علينا واحد واحد،  مش بعيد ينزلو صورنا ويعملو مكافاءة للي يدل علينا.

حك جنيدي فروة رأسه بتفكير وقال: 
_ ما أني نسيت أجولك إننا هنغير أسامينا دي لما ننزل ونشتغل.

رمقه بإستفهام:
_ كيف يعني؟.

أجاب جنيدي: 
_ أختارلك إسم غير فارس،  وأني كماني هغير أسمي!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــ
_ أنتهيا من إختيار غرفة النوم وقام بكر بدفع جزء كبير من ثمنها لصاحب المعرض وأتفق معه علي أستلامها غداً، ثم ذهبا معاً وقاما بشراء الكثير من الأشياء له ولها وفي نهاية اليوم، توقفا أمام مطعم شهير في المدينة فقال لها:
_ تعالي ما وكلك أحلي أكلة سمك وچمبري وشوربة سي فود.

وقفت أمامه وقالت:
_ وكيف هندخلو بالشنط دي كلاتها؟.

أجاب عليها وهو ينظر في ساعة يده:
_ ما أني كلمت واحد صاحبي حداه عربية جولتلو يعدي علينا أهنه وهعطيه الشنط وهو هياخدها يوصلها الدار.

إبتسمت من أسفل النقاب وبدي ذلك علي فيروزتيها:
_ إن كان إكده ماشي ياسي بكر.

أقترب منها وهمس بنبرة عذبة جعلتها وجنتيها تتوهج:
_ ما جولنا بكر بس يا روح جلب بكر.
فأقترب منها أكثر مردفاً:
_ خابره دلوق، نفسي أرفعلك النقاب وأشوف خدودك الي كيف التفاح الأحمر، من يوم كتب الكتاب ومفرجوش خيالي واصل.
_ السلام عليكم يا شيخ بكر.
كان صوت صاحبه الذي وصل للتو، فأنتفض كليهما بفزغ، فقال بكر:
_ الله يسامحك يا أخي خلعتني، أنت وصلت ميتي؟.

أجاب بإبتسامة ماكرة ويراقص حاجبيه بشكل مضحك:
_ من وجت التفاح الأحمر يا شيخنا.

لكزه بكر في كتفه بمزاح:
_ خليك في حالك أحسن لك.

غمز له بعينه قائلاً:
_ ماشي، الله يسهلو أوعدنا يارب.

ضحك بكر وقال مازحاً:
_ الله أكبر في عينك يا عزول.

_ بجي إكده، عتكبر في وشي عيني عينك وبجيت عزول كماني، هعديهالك بس لأچل خاطر العروسة.

_ طيب يلا خد الشنط وهملنا لحالنا.

مد يده وتناول الحقائب:
_ هات، ولما تخلصو مشواريكو أبجي أتصل عليا وجولي أچي أخدكو وأوصلكو.

ربت عليه شاكراً:
_ تسلم يا عبده أني هبجي ناخدو تاكسي.

_ علي راحتك يا صاحبي، سلام عليكم.

ألتفت بكر إليها وأثني ساعده إليها:
_ يلا إحنا بجي، أني هاموت من الچوع.

وضعت يدها علي ساعده وقالت:
_ بعد الشر عليك يا سي، جصدي يا بكر.

هز رأسه بضحك كدليل أنه لافائدة، دلف كليهما وصعدا إلي الأعلي فجلسا علي طاولة يحاوطها سور خشبي حتي تستطيع قمر رفع النقاب وتأكل بأريحية، طلب بكر من النادل وجبتين من السمك والجمبري المقلي وأطباق حساء مأكولات البحر اللذيذ.
أومأ النادل له بإحترام:
_ عشر دقايق يافندم والأكل هيكون جاهز، عن أذنكو.

وذهب، نهض بكر ليجلس جوارها وأمسك يدها وخلع قفازها ليجدها باردة الملمس:
_ واه، يدك كيف التلج أنتي بردانه ولا أي؟.

أجابت بخجل:
_ لاء.

وضع يدها بين كفيه وأخذ يدلكها حتي يدفأها جيداً فقال:
_ دلوق أحسن؟.

أومأت له:
_ أيوه.
سحبت يدها بلطف من بين يديه وأرتدت القفاز، فقال لها:
_ كفاياكي كسوف بجي، ده أني چوزك ورايدك تتعودي عليا، مش كل ما أجرب منك تبعدي، ولا ناوية تبعدي برضك عني لما يتجفل علينا باب واحد!.

أشاحت وجهها المغطي من الخجل، أخذ يقهقه من ردة فعلها فأردف:
_ طب أني جولت أي دلوق خلاكي تبعدي وشك؟، لاء إكده لينا جعده طويلة ويا بعض لما نعاود علي الدار.

_ مجولتليش هتدهن الأوضة لون أي؟.

_ عتغيري الموضوع، ماشي ماشي، أني هدهنها لون أبيض كيف الخشب، كيف تبجي الأوضة كلاتها أبيض في أبيض كيف القمر الي هيجعد فيها معاي.
وغمز لها بعينه

_ واه يا بكر، كفاياك بجي أني مجدراشي أتلم علي أعصابي من الكسوف.

_ إكده!، يلا أنتي بجي جطعتي برزقك، كنت ناوي أتحدت وياكي بكلام كتير جوي شايله چوايا وما صدجت خرچنا وبجينا لحالنا.

رفعت النقاب وجلست بزواية حيث لا يراها أحداً سواه، فقالت بإهتمام:
_ جول وأني سمعاك بجلبي جبل وداني.

خفق قلبه وكذلك قلبها فبدأ بالتحدث قائلاً:
_ خابره ياقمر أول يوم چيتي فيه المسچد لأچل تاخدي عمر، برغم مكنتش شايف وشك وحاولت أغض بصري عن عينيكي لكن جلبي كان شايفك، ما أعرفش لما رچعت اليوم ده وجعدت لحالي، لاجيتك شاغله تفكيري جعدت أستغفر ربنا ليكون وسوسة شيطان كيف يشغلني عن ذكر الله والقرآن، لاجيت الموضوع عكس إكده عاد، حسيت إن ربنا بعتك ليا لتكوني نصي التاني الي هاكمل بيه عمري وحياتي، والي بدعي ربنا كيف ما يچمعني بيكي في الدنيا يچمعني بيكي في الآخرة في الجنة بإذن الله يارب.

تنهدت بسكينة وهدوء برغم قلبها الذي يقفز بداخلها من كلماته التي جعلتها تحلق في السماء كعصفورة الفردوس، طالما تمنت فارس أحلامها مثله وها هو الحلم يتحقق بل أكثر ماكانت تتمني.

_ وأني كماني، لما شوفتك اليوم دي أتمنيت تكون نصيبي، مكنتش مصدجه وبكدب نفسي وبجول ده حلم وكفاياني أحلام، لفت الأيام لحد ما چيت لك برچليا وكأن القدر سوي معاي كل الي حوصل لأچل أبجي ليك في النهاية، ويوم ما جولت لمرات خالي أني خطيبتك وهبجي مارتك كنت هاجع من طولي، بعد ما دخلت الأوضه صليت ركعتين شكر لله وجعدت أبكي من كتر فرحتي، ودعيت كيف ما أنت دعيت أن تكوم چوزي دنيا وآخرة و في الچنة بإذن الله.

وقع قلبه بين يديها لتصبح ملكيته، فلم يتحمل مايعتريه من مشاعر  عشق وهيام، فجذبها بين زراعيه يعانقها قائلاً بنبرة عاشق متيم:
_ أني بعشجك جوي ياقمر، ربنا مايحرمني منك واصل.

أجابت عليه بكل ما تشعر به نحوه:
_ وأني كماني يا روح قمر، بحبك وبموت فيك، ميحرمنيش منك ولا من حبك وحنيتك عليا.
ـــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بعدما علم بذهبها لدي والدتها وبدون علمه، سأل والدته لتخبره بمهاتفة خالته لتخبرها الأخري بأنها لاتريد العودة بعد الكثير من التحايل عليها، فثار كالبركان غاضباً، حاولت والدته أن تهدأ من روعه لكنه أقسم إنه سيذهب إليها ولم يدخل المنزل سوي وهي في يده شاءت أم آبت،  فعليها طاعته.
1

ذهب إلي منزل خالته وطرق الباب بعنف،  فأستيقظت سعاد من نومها بنعاس قالت: 
_ حاضر يالي علي الباب،  ربنا يستر شكله ولد خايتي چاي بزعابيبه وناوي علي ليلة غابرة.
1

فتحت الباب لتجده أمامها،  دفع الباب علي مصرعه بهصاه الغليظة فأبتعدت بخوف من أمامه: 
_ مالك يا ولدي داخل كيف زعابيب أمشير إكده؟.
حدجها بملامح ثائرة وعينيه الحادتين الغاضبة: 
_ يعني معرفاش يا خالة علي سوته بتك!، كيف تسمح لها تيچي لك من دون علمي وكماني معيزاش ترچع.

أجابت بتوتر:
_ يعني هي چت عند حد غريب.

دك عصاه في الأرض وبصوت ثائر قال: 
_ من غير علمي،  والمره الي تخرچ من غير ماتستأذن چوزها تستاهل الي هايسويه فيها.

لطمت سعاد علي صدغيها خوفاً علي إبنتها من شر هذا الشيطان: 
_ أهدي يا ولدي وأغذي الشيطان،  مارتك ماسوتش حاچة عفشه لاسمح الله،  هي بس كانت واخده علي خاطرها منك شوي.

_ همليه ياأماي يجول ويهدد كيف ما هو عايز.
قالتها نوارة بعدما خرجت من الغرفة ورمقته بوجوم وعدم إكتراث لغضبه وتهديده

وثب بخطوة واحدة نحوها فوقفت بينهما سعاد حاجزاً خشية أن يفتك بإبنتها.
صاح بها:
_ مين الي جالك تخرچي من غير أذني؟.

حدجته بتحدي وبلا خوف منه كالسابق: 
_ أني،  ومن أهنه ورايح ملكش صالح بيا وأنسي إنك چوزي.

_ عتخرفي تجولي أي يا بت المركوب.

ردت بغضب مماثل لترد إهانته وسبه لها:
_ مركوب علي نفوخك أنت يا بعيد.
1
صاحت سعاد بها: 
_ ما تنكتمي يابت بجي،  وأنت يا رافع عيب  مينفعش الحديت يبجي بينتكم إكده،  سمعتو بينا أهل النچع.

_ ماتجولي للمحروجة بتك الي عيارها فلت وعترد عليا كلمة بكلمة،  قسماً بالله لأحاسبك علي الي جولتيه حساب عسير يا نوارة، لما نروحو دارنا.

صاحت بتهكم وحزم :
_ مش لما أعاود وياك الأول يا سبعي.

رمقها بتساؤل: 
_ يعني أي؟.

رمقتها سعاد بتحذير وأن تتراجع عن ما ستتفوه به،  فبادلتها إبنتها بعدم مبالاه وإنها قد حسمت أمرها،  أزدردت ريقها وقالت: 
_ يعني طلجني!.
_ بعدما أصطف بالسيارة أمام المنزل وهي بجواره تتلوي من قبضته المغروزة في عضدها،  وجدت لاجدوي فأخذت تردد من بين أسنانها: 
_ هملني أحسن ما أصرخ وأفضحك قدام أهل البلد.

_ وعتهدديني كماني يابت ال.....
صاح بها ثم هبط علي جسدها و وجهها بكفيه،  فتعالت صرخاتها بالإستغاثة،  خرج والديه من المنزل ليرا ماذا يحدث فوجدا نجلهما يعنف زوجته وينزلها من سيارته عنوة.
صاح به والده: 
_ واد يا رافع.

وركضت والدته للجهة الأخري لتنقذ إبنة شقيقتها: 
_ والله لو ما هملتها من يدك لاتكون ولدي ومتبريه منك ليوم الدين.

توقف عن ما يقترفه،  وحدج زوجته بتوعد قائلاً: 
_ عاچبك الفضايح دي!، لينا باب هيتجفل علينا إما وريتك.

أنزلتها والدته وأحتضنتها وقالت بتهديد له: 
_ ومارتك ما هتروحش وياك في مطرح واصل.

فقال خميس: 
_ أغزي الشيطان يا رافع وأدخل چوه،  وهمل مارتك مع أمك دلوق.

وقف بتحدي أمام والديه وأمسك بيد تلك المسكينة يجذبها نحوه: 
_ أديك جولتها،  مارتي وأني حر فيها.

جحظت عينين خميس بغضب: 
_ عتتحداني يا كلب.
وهبط علي وجهه بصفعة مدوية لأول مرة منذ أن كان طفلاً،  فأعاد بداخله أسوء ذكرياته وسبب ما جعله بهذا السوء.
2

_ والدار دي ملكش مطرح فيها غير لما تتأسف لمارتك وتحب علي راسها و فوج دي كله تتعلم كيف تحترم أبوك.
_ واه.
صاحت بها رسمية ولطمت علي وجهها،  بينما رافع ظل واقفاً أمام والده يحدجه بنظرات تجمعت بها كل الكراهية والحقد الذي يحملهما منذ الصغر إليه.
حاول ألا يصدر قولاً أو فعلاً منه إتجاه والده،  فشيطانه يتملك منه الآن، وحتي لا يفعل شئ يندم عليه لاحقاً تركهم جميعاً وصعد إلي داخل سيارته وأنطلق بها.

ربتت رسمية علي نوارة التي تبكي من ألم ماتلقته: 
_ تعالي چوه يابتي وأني هاچبلك حجك من حباب عينيه ربنا يهديه.

ردت نوارة بتوسل ورجاء: 
_ بالله عليكي أنتي يا خالتي همليني أرچع لأمي،  أني خلاص معوزاشي أعيش وياه تاني.
1

تنهد خميس بأسف عليها فقال لها: 
_ تعالي يابتي وأوعدك ما هخليه يچي چمبك غير لما يندم ويبوس يدك.
2

فقالت خالتها: 
_ عشان خاطري إسمعي حديت عمك هو عايز مصلحتك، يلا أدخلي ويانا ولا مليش خاطر عندكي، والواحدة منينا مهما حوصل بينها وبين چوزها ملهاش غيره في الآخر.
3

بدأ بكائها يخبو ورمقتهما بإستسلام، خاصة بعد رجاء خالتها إليها، وتذكرت كيف كان موقف والدتها الضعيف أمام ثورة غضب رافع عندما طلبت منه الطلاق، لم تتخذ أي موقف حاسم للدفاع عن إبنتها وتركته يعنفها ويوجه إليه أبشع الألفاظ وهو يجذبها من حجابها في مذلة ومهانة  خشيت أن تتدخل بينهما خوفاً منه،  فشعرت نوارة حينذاك شعور بالخذل فليس لديها من يحميها من غدر وظلم زوجها،  وها هنا الآن وجدت من دافع عنها هي خالتها وزوجها،  فأستسلمت للرجوع والعيش معهم،  فهما سندها وحمايتها من شر هذا الرافع وبطشه. 
ـــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1
_ آتي صباح اليوم التالي لتستيقظ عيون بعدما ذاقت نوم كان يجافيها الليالي المنصرمة، يحدق في سقف الغرفة المتكون من ألواح الخشب المتراصة ويتدلي من المنتصف سلك كهرباء في نهايته مصباح إضاءة من النيون الأبيض.
أنتفض من هذا الصوت البغيض الذي صُدر من أنف وفم صاحبه النائم علي الأريكة المقابلة للأريكة الأخري الذي يتمدد عليها.
هز رأسه مبتسماً بتهكم من ما يحدث معه وكيف آلت الأمور به حتي أصبح مما هو عليه، متهماً هارباً من العدالة يمكث في غرفة لا تفرق عن الزنزانة فكليهما أربع جدران مع الفارق البسيط إنه يملك حريته الآن، حتي لو كانت حرية زائفة محدودة، فعليه التنكر بإسم دون إسمه الحقيقي حتي لاينكشف أمره ولا يستطيع الوصول إلي براءته قبل عودته إلي السجن مجدداً، فجسده هو من تحرر بينما ذاته هي التي أصبحت أسيرة.
2

نهض وألقي بالدثار البالي جانباً، أخذ ثياب قد جلبها لهما عم عربي ليبدلوها بثيابهما المتسخة وخرج إلي المرحاض قبل أن يستيقظ الآخرون من ما يسكنون الغرف المجاورة، قام بالإستحمام مستمتعاً بالمياه ورائحة الصابون المنعشة، وبعد إنتهاءه أرتدي الثياب الجديدة بسيطة المظهر، ثم توضأ ليؤدي فرضه في الهواء الطلق.

وعندما ألقي تحية السلام، فقال له إحدهم يقف خلفه:
_ تقبل الله يا بلدينا.

وقف وألتفت إلي صاحب الصوت فوجده شاب يرتدي بدلة مهندمة ذو ملامح تتميز بالوسامة ويبدو إنه في نفس عمره، أبتسم الشاب ومد يده إليه:
_ أنا شريف شريك التالت في الأوضة، عم عربي كلمني وبلغني بوجودكو.

صافحه فارس ويرمقه بتعجب من مظهره الثري الذي يتنافي مع هذا السكن :
_ أهلاً وسهلاً.

لاحظ شريف نظراته فقال:
_ ميغركش البدلة والشياكه الي أنا فيها، ده لزوم شغلي، أصلي بشتغل في فندق كبير سوبر فايزر الويترز الي في المطعم هناك.

قال فارس بإقتضاب:
_ ربنا يوفجك.

_ تعالي بقي نفطر سوا، أنا جايب كباب وكفتة وصاية وعملت حسابكو معايا.

خرج جنيدي من الغرفة يتثائب قائلاً:
_ أني شامم ريحة كباب.

نظر كل من فارس وشريف إليه وأخذا يضحكا عليه.
وبعدما تبادلو ثلاثتهم الأحاديث أثناء تناولهم للطعام، نفض فارس يديه وقال:
_ الحمدلله، متشكرين علي الواكل يا أستاذ شريف.

رد شريف:
_ متقولش كده يا...
صمت وأردف بإستفهام:
_ ألا صح عاملين نتكلم مع بعض من بدري وكلنا وشربنا ومعرفش أسمائكو.

توقف جنيدي عن الأكل ونظر إلي فارس يغمز له بإحدي عينيه، فأجاب علي شريف وهو يفكر:
_ قاسم، إسمي قاسم.
1

وقال جنيدي بإبتسامة مصتنعة:
_ وأني چمال.

سألهما شريف مرة أخري:
_ أنتو قرايب ولا أصحاب؟.

نظر فارس إلي الآخر فقال جنيدي:
_ ولاد عم وأتدلينا من الصعيد علي أهنه لأچل نشتغلو.

هز شريف رأسه وقال:
_ أحسن ناس، عموماً زي ما شفتو كده برجع من شغلي الصبح باجي أفطر وأنام بصحي علي المغرب وبروح شغلي،يعني مش هاتحسو بيا خالص، فخدو راحتكو علي الآخر.

قال فارس:
_ ليه عتجول إكده، إحنا الي چايين عليك ويارب ما تكون متضايج من وچودنا.

إبتسم له بترحاب وقال بنفي:
_ بالعكس خالص، ده أنا فرحت لما لقيت ريس عربي كلمني وقالي هيسكن معاك جماعه تبعي وأضمنهملك برقبتي وفرحت لما قالي أنكو بلدياته، أصل عم عربي جدع جدا وخدوم وشكلكو متتخيروش عنه.

قال جنيدي رافعاً كفه بإمتنان:
_ الله يكرمك، ده من كرم أخلاجك، لا مؤاخذة بجي ممكن تجولنا الساعة حداك كام، أصلنا معناش موبايلات ولاد الحرام جلبونا في الجطر.

أخرج شريف هاتفه الحديث والذي يبدو باهظاً ليثير تساؤلات عديدة بداخل فارس.
_ الساعة تمانيه وربع.

نهض جنيدي وينفض بقايا الخبز من يديه:
_ إكده أتأخرنا، يلا بينا ياصاحبي، زمان الراچل الي مستنينا هيتصل بعم عربي وهيجولو دول ماچوش.

تناول كوب ماء وشربه كاملاً وأردف:
_ تسلم يدك علي الفطور يا شريف بيه، ده الواحد معدته نشفت من جلة الواكل لما كان في السچ.....
1

قاطعه فارس قبل أن يفتضح أمرهما:
_ يلا يا چمال مش وجته، أني هستناك عجبال ماتغير خلچاتك أكون شربت كوباية الشاي.
ــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــ 
_ كاد يجن جنونه،  لايعلم عنها شيئاً  فإحدي الرجال الذي كلفهم لمراقبة منزلها أخبره إنها ليست في المنزل حيث علم من الحارس بطريقة غير مباشرة إن زوجها قد أخذها إلي المشفي في حالة إعياء، جاءت في ذهنه الكثير من الظنون ويتمني أن لايكون قد حدث لها مكروهاً، ولكي يطمأن قلبه ويهدأ قرر الذهاب إلي منزل عائلتها الذي يحفظ مكانه عن ظهر قلب طالما كان يوصلها بالقرب منه أيام الجامعة.
وبعدما تناول فطوره في إحدي المطاعم القريبه من مسكنه،  أستقل سيارته وبدلاً من أن يتجه لمقر شركته ذهب إلي إتجاهاً آخر بدون ملاحظة تلك المراقبة التي كظله،  فهناك رجل ما يتبعه إينما ذهب وذلك منذ يومين،  وهناك من كانت تستقل سيارة أجرة وتتبعه لتجده يتجه إلي منزل أسرة من تدعيها صديقتها فأضرمت نيران الغيرة بداخلها وأخبرت السائق: 
_ أطلع ورا العربية السيلڤر ده ياسطا.

و في طريقه قام بشراء علبة فاخرة من الشيكولاتة،  وبعد قطع مسافة نصف ساعة من القيادة توقف أمام البناء،  ترجل من السيارة وأرتدي نظارته الشمسية وألقي نظرة علي البناء الذي لم ينس معالمه، فدلف إلي الداخل وصعد الدرج.

_ وبداخل منزل والد ندي، أنتهت والدتها من جلي الصحون بينما هي كانت تدرس لإبنتها: 
_ و دي تبقي أي؟.

أجابت الصغيرة وهي تستهجأ حروف الكلمة: 
_ ش.. ج.. ر.. ة،  شجرة.

ربتت والدتها علي رأسها: 
_ براڤو.

رن جرس المنزل،  فأنتبهت إليه وقالت: 
_ طيب أكتبيها هنا أدام الصورة بتاعتها عقبال ما أروح أشوف مين.

خرجت من الغرفة فأوقفتها والدتها: 
_ رايحة فين،  أدخلي أقعدي مع بنتك وأنا هاروح أفتح ليكون الأستاذ ليه عين وجاي يشوفك بعد الي عمله، ده يبقي هو الي جابه لنفسه.
1

تراجعت ندي وقلبها خفق تخشي إن يكون هو الزائر،  لاتريد رؤيته حالياً،  دلفت إلي غرفتها و وقفت خلف الباب وتنظر في خفاء.

فتحت والدتها الباب لتجد هذا الغريب بالنسبة إليها،  يخلع نظارته وأبتسم: 
_ صباح الخير يا أمي،  أنا علي الحسيني مدير مدام ندي وجيت أطمن عليها.
2

تنهدت بعد دهشتها حتي علمت هويته، فقالت: 
_ أتفضل حضرتك.

ولج إلي الداخل وعينيه تبحث عنها، لايعلم إنها قد رأته وقلبها كاد يتوقف من تلك المفاجأه بل الكارثة التي حلت فوق رأسها داعية ربها بأن يمر اليوم بلا كوارث.

أستقبلته والدتها في غرفة الضيوف،  قائلة: 
_ أتفضل يابني لما أروح أقولها،  تحب تشرب أي؟.

أومأ لها بإحترام وخجل: 
_ مفيش داعي لتعبك يا أمي،  أنا جاي أطمن علي مدام ندي وماشي علي طول.

_ و حد قالك إن أحنا مبنعرفش في واجب الضيافة؟.

_ حاشا لله يا أمي،  أنا قبل ما أجي فطرت وشربت قهوة فمش قادر.

قالت بإصرار وحبور: 
_ يبقي تحلي،  أنا عامله طواجن رز بللبن فرن هتاكل صوابعك وراه،  هجبلك طاجن.
2

أومأ لها بإستسلام: 
_ زي ما حضرتك تحبي.

_ عن أذنك يابني.

_ أتفضلي يا أمي.

ذهبت لتخبر إبنتها،  فدلفت إليها وحدجتها بنظرة ذات مغذي : 
_ قومي غيري هدومك،  المدير بتاعك جاي بنفسه يطمن عليكي ومعاه علبة شيكولاته،  أي العُبارة يا ندي هانم؟.

أزدردت ريقها وأجابت بتوتر: 
_ قصدك أي يا ماما،  أنا زي زيك قاعده معاكي ومعرفش حاجة.

رمقتها بعدم تصديق وقالت: 
_ طيب يا ندي، لما أضايفه تكوني خلصتي وطلعتي له.

ذهبت والدتها،  فزفرت الأخري بضيق: 
_ الله يحرقك ياعلي،  هي كانت نقصاك.

وألتفتت إلي إبنتها فلم تجدها، فأبدلت ثيابها علي عجالة و أرتسمت الجدية علي وجهها،  كانت تسير بخطي وئيدة إلي الغرفة،  ولجت إلي الداخل لتري صغيرتها تجلس بجواره وتضحك وتلهو معه،  نهضت عند رؤية والدتها وأمسكت بعلبة الشيكولاتة:
_بصي أونكل علي جابلي علبة شيكولاتة كبيرة وقالي كوليها أنتي ومامي.

_ سبيها وروحي كملي الهوم وورك الي أديتهولك.

أذعنت لها علي مضض فأمسك علي يدها الصغيرة ويعطيها العلبة وقال:
_ خديها يا حبيبتي.

نظرت بحزن طفولي:
_ لاء مامي هتزعقلي بعد ما أنت هاتمشي.

أحتضنها وربت عليها:
_ متخافيش أنا هقولها متزعقلكيش.

رفعت عينيها إلي أمها، فحدجتها ندي بتوعد وهي تجز علي شفتيها:
_ خديها يا لارا ويلا أدخلي جوه زي ماقولتلك.

ركضت الصغيرة بخوف وغادرت، نهضت ندي تقف بمنتصف الغرفة تعقد ساعديها أمام صدرها وبنبرة حادة سألته:
_ أنت مين سمحلك تيجي هنا؟.

رمقها بإستعطاف قائلاً:
_ ممكن تقعدي ونتكلم بهدوء ومن غير أي أنفعال، أنا جايلك بصفتي مدير شغلك عرف أنك كنتي في المستشفي وجه يطمن عليكي.

لوت شفتيها بتهكم وقالت:
_ ماشاء الله وكمان مراقبني والله أعلم مشغل جواسيس عليا أنا وجوزي، بص يا علي أنا حصلي كوارث من تحت راسك كتير، كنت هاموت بسبب....

صمتت ولم تكمل حينما دلفت والدتها تحمل صينية طاجن الأرز بالحليب، وضعته امامه علي الطاولة:
_ أتفضل بالهنا والشفا.

_ الله يهنيكي يا أمي.
نظرت أمها إليها بإستفهام عن سبب وقوفها هكذا وبعض الكلمات التي وصلت لسمعها.
ـــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــ
_ و في المخفر يسير متجهاً نحو مكتب رئيس عمله،  توقف أمام الباب وطرقه ليأتيه صوته من الداخل: 
_ أدخل.

فتح الباب وبجدية قال: 
_ صباح الخير يافندم،  طارق قالي إن هعدي عليك ضروري أول ما أوصل.

أشار إليه ليجلس قائلاً: 
_ صباح النور، أتفضل أقعد يا أكرم.

جلس أمام المكتب بإنتباه وبجدية بالغة بادية علي ملامحه،  فأردف الآخر: 
_ بالتأكيد طارق بلغك بسفرية سليم العقبي لأمريكا وحكاية جوازه من أخت رافع القناوي الي رجالتنا هناك عيونهم علي الأراضي بتاعته الي كل شوية يزرعها كوكايين ونحرقه له قبل ما حتي يسقيه.
1

_ أيوه بلغني بكده بس كان ورايا مهمة القبض علي العيال بتوع دار السلام وقولت أول ما هنقبض عليهم هبتدي تحريات عن رافع ده وأخته.

قال الآخر بزهو مبتسماً: 
_ وإحنا روحنا فين يا بطل، ده أنا كنت عايزك عشان أقولك إنك تعرفهم كويس أو بمعني الأصح تعرف إبن عمهم.

زاد إهتمامه بإنصات متسائلاً: 
_ و ده مين ده كمان؟.

_ فارس قاسم القناوي.

حاول التركيز في الأسم حتي تذكر صاحبه،  رفع حاجبيه بتعجب،  أردف الآخر: 
_ أيوه إبن صاحب والدك الله يرحمه،  وفضلتو فترة أصحاب لحد ما والدك توفي وأنت إنشغلت بعدها  في جوازك وشغلك،  شوفت الدنيا صغيرة إزاي!  .
1

_ أنا عمري ما جه في بالي أو مركزتش،  قولت ممكن يكون تشابه أسماء لأن والدي الله يرحمه الي كان عارفهم ومعرفتي بفارس كانت سطحية مجرد معرفة مش أكتر.

تنهد وعاد بظهره إلي الوراء مستنداً علي ظهر كرسيه بأريحيه،  ويتحدث بيديه: 
_ فارس ده بقي لسه راجع من فترة وفي نفس يوم رجوعه أتوفي والده الحاج قاسم ولما خلص مراسم الدفن أتقدم فيه بلاغ بأنه راجع من السفر ومعاه حمولة كوكايين حوالي عشرة كيلو وهيسلمها لتجار التوزيع هناك،  وبالفعل راحو فتشو البيت لاقو تحت سريره شنطة كبيرة بتحتوي علي نفس الي أتقدم في البلاغ،  قبضو عليه وفضل علي ذمة التحقيق لحد ما رحلوه علي النيابة،  ولو متابع الأخبار من يومين عربية الترحيلات الي كان فيها و معاه أخطر المجرمين من سفاحين وتجار مخدرات،  أتعمل للعربية كمين من رجالة واحد من المجرمين دول وطلعو بالأسلحه وقتلو كل الظباط والعساكر وهربو الي في العربية وحرقوها بالجثث الي قتلوهم.

_ أولاً دول بالتأكيد عصابة كبيرة الي عملو كده وليهم عيون في القسم الي كان فيهم الريس بتاعهم، ثانياً بالنسبة لفارس إستحالة تكون الشنطة دي بتاعته، والدي الله يرحمه كان ديماً بيحكيلي عن عم قاسم وإبنه وأخلاقهم ده غير الخدمات الي قدمها لوالدي في القبض علي مافيا المخدرات والسلاح لما كان بيجيلو مهمات في الصعيد، والي أعرفه عن فارس آخر حاجة إنه دخل هندسة ، فبالتأكيد فيه حاجه غلط في الموضوع أو دي مكيده من حد بيكرهه.

أومأ له وقال: 
_ بالظبط كده، هوجاري البحث عن العصابة دي وعن المساجين الي هربو والي من ضمنهم فارس صاحبك، فالوزارة بعته لكل مديرية أمن لكل محافظة أوامر بتمشيط المناطق المسئولة عنها ويلاقو المجرمين دول بأي طريقة، وباعتين لكل قسم قايمه بأسماء وصور المساجين.
_ وطبعاً حضرتك هتقولي مهمتك القبض علي فارس.

هز رأسه وقال:
_ و دي مهمتك المكلف بيها.

نهض أكرم بإمتعاض وقال معترضاً:
_ أنا بعتذر يا فندم، حضرتك عارف إن هدفي الأساسي هو سليم العقبي، ممكن تكلف حد غيري بمهمة البحث دي.
2

أمتعضت ملامحه فقال بحزم:
_ ده مش خيار يا سيادة النقيب، دي أوامر ولازم تتنفذ.

_ يا.......

قاطعه وأشار له بالإنصراف:
_ الكلام أنتهي، وأتفضل علي مكتبك وعايز كل يوم تقرير علي مكتبي لحد ما تلاقي فارس القناوي.

كظم أكرم حنقه بصعوبة، جز علي أسنانه وقبضتيه، فغادر المكتب وبداخله عاصفة تريد إقتلاع كل ما أمامها.
دلف مكتبه وتبعه إحدي مخبريه:
_ أكرم باشا، أكرم باشا.

صاح بغضب:
_ عايز أي أنت كمان علي الصبح.

تردد الرجل بتوتر وقال وهو يعود أدراجه:
_ خلاص يا باشا هجيلك وقت تاني.

زفر بنفاذ صبر:
_ أستني عندك، أنجز وأقول الي كنت جاي فيه.

أبتلع لعابه وأجاب:
_ علي الحسيني الي حضرتك مكلفني بمراقبته.

هنا تسمر وتهيأ لما سيقوله، فأردف الآخر:
_ خرج بعربيته وراح فطر في كافيه قريب من الفيلا بتاعته، والمفروض زي كل يوم يروح الشركة فلاقيته غير خط سيره ونزل قدام بيت وطلع فيه، الي أستغربته البيت ده يبقي الي ساكن فيه أهل جماعتك الست ندي هانم.

تحولت رماديتيه إلي الأسود القاتم، صاح في الرجل:
_ أخرج بره أنت دلوقت.

وأردف مع نفسه:
_ وصلت بيك الوساخة يا علي الكلب ورايح لمراتي في بيت أهلها، أنت الي جيت برجلك لقضاك.
وأخرج سلاحه من حافظته الجلدية وشد أجزاءه و وضعه مكانه مرة أخري، ثم غادر مكتبه وعينيه تندلع بنيران الإنتقام.
3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــ
إزدحام سيارات تتسابق أصوات أبواقها والمارة يسيرون علي الأرصفة ومنهم من يقف أمام المتاجر،  ولا ننسي أصوات البائعون فوق الرصيف كل منهم يعلن عن بضاعته وثمنها المغري للمستهلك، وعند تلك الزواية يقف كل من فارس وجنيدي أمام بضاعتهم التي تتكون من ثياب خاصة بالنساء.
_ قربي يا آنسه،  قربي يا مدام عندنا حرق أسعار تاخدي طقم والتاني عليه هدية.
يصيح بها جنيدي،  فضحك فارس وقال: 
_ الي يسمعك وأنت عتتحدت كيف الناس أهنه مايصدجش إنك صعيدي.

_ عيب عليك يا صاحبي، أني ممكن أتحدت لك كماني بالأفرنچي،محسوبك كان عيتعامل مع أچانب فأتعلمت منيهم حبة كلمات علي قدي.

_ طيب شوف الزباين الي چايين علينا عجبال ما أروح أچبلنا علبتين كشري.

و في المتجر المقابل لهما يقف هذا البائع خلف الكاونتر يرص الثياب أمام تلك السيدة وإبنتها.
_ وبكام الأسود ده يابني؟.

رد الشاب وهو ينظر إلي الورقة المعلقة بالقطعة: 
_ ده ب 120 جنيه وبعد الخصم ب 100 بس.

شهقت السيدة وصاحت بحنق: 
_ ميت عفريت ينطوطوك،  ده العيال الي علي الفرشة الي أدامكو بيبيعو الطقم كامل وب 50 جنيه بس.

زفر الشاب بضيق من أسلوب السيدة الحاد وتطاولها عليها فقال:
_ إحنا بضاعتنا أورچينال يا حجه والي بيتباع بره علي الرصيف بيبقي تقليد.

لاحظت تلك الحسناء التي تجلس خلف المكتب الخشبي هذا النقاش الحاد مابين الشاب العامل لديها وبين السيدة،  نهضت لتري ما الأمر.

_ أي الحكاية يا حموده؟.

_ كل الحكاية يا آنسة شهد أن الحجة بتسألني علي سعر القطعة وقولتلها علي السعر قبل وبعد الخصم لاقيتها هبت فيا وتقولي بتتباع بره أرخص والطقم كامل، فهمتها إن بضاعتنا أصلي والي بره ده تقليد معجبهاش الكلام.
2

رمقتها شهد بحدة وقالت:
_ و هو زي ما قالك كده يا مدام، دي أسعارنا والحمدلله زباينا كلهم يشهدو بجودة بضاعتنا، والسعر ده مش هتلاقيه في أي محل تاني لأننا بنزل بسعر الجملة.

رد السيدة بتهكم:
_ جملة أي، ده حتة قطعة واحدة وبميت جنية وبره الطقم ب 50 ونفس المصنع، أنتو الي بتستعبطو وعايزين تكسبو وخلاص فاكرينا زباين هبلة.

جزت شهد علي أسنانها وضربت بيدها علي الكاونتر:
_ شيل البضاعة يا حموده، وأنتي يا ست خدي القمورة بنتك وروحي أشتري من بره.

صاحت السيدة بتشدق:
_ ما براحه علي نفسك يا بت وأتكلمي عدل أحسنلك.

صاحت شهد بنفاذ صبر تلوح بيدها:
_بت ما تبتك يا وليه، هو عشان شايفني بكلم بإحترام ولابسه الي علي الحبل، فكراني بتاعت مامي وبابي، لاء ده أنا أقفل المحل عليكي أنتي وبنتك وأعلمكو الأدب، ده أنا شهد بنت الحاج نعمان الي أكبر شنبات فيكي يا وسط البلد كلهم بيقف له إحترام.
3

حدجتها السيدة بإزدراء وهمت بالذهاب ممسكة بيد إبنتها:
_يلا يابنتي من هنا بلا أرف، أشكال عره بصحيح.

وقفت شهد خلفها:
_ العره دي تبقي أنتي وبنتك يا.....
1

صمتت عند دلوف هذا الرجل ذو المظهر المهيب، يرتدي جلباباً وفوقه عباءه، يمسك في يده اليمني سبحة حباتها من المرمر، يغلب الشيب خصلات شعره.
سألها بصوته الرخيم:
_ مالك يا شهد عماله تزعئي وصوتك جايب آخر الدنيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــ
_ وقفت بالقرب من البناء بعدما ترجلت من السيارة ورأت الآخر يصعد إلي داخل البناء،  ترددت في أن تصعد أيضاً حتي لا يفهم إنها تتبعه إينما ذهب وتخشي من ردة فعله أمام صديقتها وعائلتها.
ظلت تنتظره حتي ينتهي من زيارته تلك لكن حدث مالم تتوقعه، رأت سيارة تقف أمام البناء وهبط منها أكرم،  أعتلت الإبتسامة ثغرها فها هو جاء من سيلقنه بدل الصفعة التي أعطاها إياها في الملهي،  آلاف الصفعات،  مهلاً يبدو الأمر أسوء من ذلك،  حيث أخرج أكرم سلاحه ويتجلي من ملامح وجهه عازماً علي الشر،  تخيلت إنه يطلق الرصاصات،  علي من يهواه قلبها برغم قساوته معها فلم تتحمل المشهد كخيال حتي،  شهقت بفزع: 
_ يانهار أزرق،  لما أطلع ألحقه قبل ما المجنون أكرم يموته.

وركضت تصعد خلفه.

وبالأعلي أنتهي من تناول الأرز: 
_ تسلم إيدك يا ماما،  أحلي طاجن رز بللبن دوقته في حياتي.
1

كادت تجيب علي شكره فقاطعها رنين جرس المنزل وطرق بعنف علي الباب،  نهضت والدة ندي: 
_ ده مين الي هيخلع الباب ده.

أنقبض قلب ندي من الخوف وتتمني أن لايكون هو الطارق،  ذهبت أمها ففتحت الباب،  دلف والشر يتطاير من عينيه،  يصيح بغضب باحثاً في الأرجاء: 
_ هو فين؟  .

صاحت به حماته بتعجب وغضب في آن واحد: 
_ مالك يا أكرم داخل تزعئ ولا عامل إحترام لأهل البيت.

لم يجيب عليها وذهب إلي غرفة الضيوف فتوقف عند عتبة الباب يحدج هذا الذي نهض فور رؤيته بكم من النظرات النارية.

وقبل أن تغلق والدة ندي الباب وتلحق به منعتها مروة التي دلفت بللهاث: 
_ أزيك يا طنط عاملة أي؟.

أجابت بإندهاش عليها: 
_ الحمدلله يابنتي مالك أنتي كمان؟.

_ بعدين يا طنط،  هو فين علي وندي.
قالتها وقبل أن تجيب عليها ركضت مسرعة إلي غرفة الضيوف،  ولجت إلي الداخل لإنقاذ من تعشقه،  وقفت بجواره وأمسكت في زراعه وبتمثيل متقن قالت: 
_ أزيك يا سيادة النقيب،  أعرفك علي علي الحسيني خطيبي،  بالتأكيد تعرفه وندي حكتلك عنه،  يبقي حبيبي وخطيبي ومديري في الشغل كمان، جينا نطمن علي ندي لما مبقتش تيجي الشركة، صح يا لول؟.

جز علي علي فكيه من حديثها،  فقد أستغلت الموقف عن جدارة لكنه حمد ربه بإنها قامت بإنقاذ الموقف وخاصة محبوبته، لم تمر الكذبة علي أكرم فحدج علي بإزدراء وكراهية،  وأجاب علي ببرود وتمثيل متبادل : 
_ صح يا حبيبتي،  ومفيش داعي تعرفينا علي بعض،  ولا أي ياسيادة النقيب؟  .

أعاد أكرم سلاحه بداخل حفظته،  ثم تقدم نحو ندي ووقف بجوارها ليحاوط جسدها بزراعه بتملك، وقال: 
_ آه طبعاً أستاذ علي غني عن التعريف،  ده كفاية جمايله معانا في القرية لما كنا في الساحل، وإن شاء الله هردها له قريب أوي.
1

قال آخر جملة بنبرة توعد شعر بها علي وكذلك ندي التي وجدت زراعه تضغط علي خصرها،  تكره إلتصاقه بها و ودت لو تدفعه بعيداً عنها لكن لاتريد أن يشمت بها هذا العلي ويفرح لأنه حقق هدفه وهو التفريق بينها وبين زوجها.
1

_ العفو يا سيادة النقيب،  جمايل أي إحنا أخوات.
وحدجه بإبتسامة صفراء،  فتدخلت مروة قبل أن يحتد الحديث بينهم: 
_مش يلا يا علي إحنا بقي، عشان لسه ورانا كذا مشوار.

كان متسمراً في مكانه يتبادل مع أكرم نظرات بآلاف الكلمات،  لكزته في زراعه: 
_ علي، بكلمك.

أجاب ومازال ينظر لأكرم وندي:
_ سمعك يا حبيبتي،  يلا بينا.
_ عايزه حاجة يا ندوش يا حبيبتي هبقي أكلمك فون بقي لما اروح.
قالتها مروة فأومأت لها الأخري: 
_ ميرسي يا مورو.

وقبل أن يذهب هو وهي ألتفت إلي ندي وقال: 
_ حمدالله على سلامتك يا مدام ندي مرة تانية.

هزت رأسها بطيف إبتسامة علي وجهها وشعرت بضغط زراع أكرم علي خصرها يزداد،  يبدو أنه يشتعل من داخله.
ذهب علي ومروة،  وبمجرد رحيلهما سار أكرم نحو باب الغرفة وأغلقه وحاول أن يرتسم الهدوء علي ملامحه،  باغتته ندي بنبرة حادة: 
_ أنت أي الي جابك؟.

ضغط علي قبضتيه يحاول كظم غضبه السريع كالعادة، فأجاب: 
_ جيت أطمن عليكي وعلي لارا.

رفعت إحدي حاجبيها وقالت: 
_ أنا تنساني خالص  وملكش دعوة بيا وبالنسبه لبنتك أنا هادخل أناديهالك تيجي تقعد معاك وتطمن عليها براحتك.
وهمت بالذهاب،  أمسكها برفق ولانت ملامحه برجاء: 
_ ممكن نقعد نتكلم شويه.

كادت تصيح في وجهه لكنها لاتريد أن يصل حديثها لوالدتها،  فقالت من بين أسنانها:
_ الكلام بينا أنتهي، و لو كنت فاكر بعد الي عملته فيا إن ممكن أسامحك يبقي بتحلم،  أنت موتني بالحيا،  حكمت عليا ونفذت من غير ذرة رحمة ولا كأني مراتك وأم بنتك،  ولا أبنك الي مات بسببك قبل مايشوف الدنيا، أنا مرضتش أمشي في إجراءات المحضر ضدك مش ضعف مني ولا عشان خايفه منك لكن مش عايزه أشوف نظرة لوم ليا في عيون لارا أو تكرهني.
1

بدأت عبراتها تتجمع علي مقلتيها،  وهو يقف أمامها منكس الرأس غير قادراً علي رفع عينيه في عينيها،  فأردفت ببكاء: 
_ هتبرر عمايلك إن سببها الغيرة،  هقولك مفيش حد مهما حصل من الي بيحبه يعمل فيه كده،  يذله ويكسره ، خلتني مجرد حطام بني آدم عايش، سيبني يا أكرم كل واحد يروح لحاله بالمعروف أحسن.
4

وقف أمامها و وضع كفيه علي كتفيها يرمقها بتوسل وإعتذار: 
_ آسف، ومش هبرر الي عملته معاكي وأستاهل أي حاجة هاتعمليها فيا ومش هطلب منك تسامحيني،  بس بالله عليكي إلا الي بتطلبيه مني ده، كله إلا أن أسيبك،  أنا مليش غيرك يا ندي أنتي ولارا بنتنا.

إبتسمت بتهكم من بين دموعها:
_ مبقاش ينفع،  أنت كسرت جوايا حاجات كتير،  أنت حولتني من واحدة كانت بتحب بيتها وحياتها لواحدة تانية بقت خايفة وضعيفة ومن أقل حاجة ألاقي دموعي تنزل لوحدها، كرهت نفسي وحياتي حتي بيتنا خايفة أرجعه وأفتكر الي عملته فيا، أوضتنا الي شافت أجمل لحظات مابينا بقت بالنسبه لي أوضة عذابي وجحيمي،  ربنا يعلم أن الي مخليني واقفه علي رجلي وبحاول أبقي كويسه هي بنتنا الي ملهاش ذنب في كل الي حصل.

_ وعشان خاطر بنتنا أديني فرصة أرجع حياتنا أحسن من الأول وأصلح كل حاجة، ولو كارهة الشقه أوي كده ممكن أشوف واحده تانيه المهم نكون مع بعض.

أومأت رأسها بالرفض، و ولت ظهرها إليه : 
_ مش قادر تفهمني ليه!  ،  أنا بقيت بخاف منك أنت،  الحب والثقة الي مابينا مبقاش ليهم وجود،  حبك أتحول لإنتقام دفعت تمنه غالي والثقة بقت خوف وعدم الإحساس بالأمان الي فقدته معاك.
1

كلماتها كالسياط الحديدية الآتية من نيران الجحيم،  جلدت قلبه بكل قوة،  تمني لو عاد الزمن به ولايفعل ما أقترفه،  كيف سيجعلها تعود له مرة أخري وتشعر معه بالأمان والثقة!  ،  لم يجد أي كلمة يتفوه بها فقرر الذهاب حالياً ويتركها مؤقتاً للأيام لعلها تنسي وتغفر له أخطائه.
_ أنا هامشي يا ندي،  هاسيبك فترة تهدي وتفكري مع نفسك وأي حاجة هتطلبيها أنا تحت أمرك،  إلا حاجة واحدة أنتي عارفها، لأن لسه بحبك وإستحالة نفترق،  سلام.
قالها وغادر مسرعاً ولم يلاحظ حتي وجود حماته التي كانت تقف في الخارج وسمعت كل ما دار بينهما.
1

ولجت إلي إبنتها وبملامح واجمه سألتها: 
_ عملتي أي يابنت بطني خلي جوزك كان هيموتك؟.
3

ألتفتت إليها ورمقتها بأعين متسعة فهذا آخر ما ينقصها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــ
نظرت لأسفل بتوتر ثم رفعت وجهها بإبتسامة تخفي خلفها خوفها منه:
_ مفيش يا بابا ده واحده كده كانت بتقل أدبها عليا أنا والولاه حمودة وقفتها عند حدها ومشيت.

ضيق عينيه وبإمتعاض يحدق بها:
_ شكلي كنت غلطان لما نزلتك معايا المحل بدل حبستك في البيت، معرفش أنك هتجبيلي مشاكل مع الزباين.

نظرت بإستنكار وبدفاع عن نفسها قالت:
_والله يا بابا هي الي غلطانه، واقفه من صباحية ربنا تقلب في البضاعه ومطلعه عين حموده معاها ولما جه يقولها السعر قلت أدبها عليه جيت أتكلم معاها وأفهمها هبت فيا وشتمتني عايزني أسكت لها!.

رد بتهكم:
_ لاء طبعاً تسكتي لها إزاي، ده كنتي تجبيها من شعرها وتخلي الي مايشتري يتفرج عليكي وفضحتنا تبقي بجلاجل.

تدخل حموده بدفاع عن إبنة رب عمله:
_ معلش يا حج، الست شهد كان عندها حق في الي عملته.

صاح به نعمان:
_ وأنا الي بقول عليك عاقل يا حموده، قولت ميت مرة الزبون مهما أتكلم ولا أعترض مينفعش نرد عليه بنفس أسلوبه، الي مش عجبه ميشتريش ولو حد أتجاوز حدوده تكلموني أجي أنا أتعامل، مش ده الي وصيتك بيه يا ست شهد؟.

أومأت له وتنظر لأسفل بخجل:
_ حقك عليا يا بابا، مش هتتكرر تاني، بس كنت عايزه أقول حاجة، العيال الي بره دول بجحين أوي، مكفهمش أنهم بيبيعو نفس الحاجات الي عندنا لاء كمان منزلين الأسعار جامد وكل ما حد يدخل ميشتريش ويروح لهم.
1

_ ربك الي بيقسم الأرزاق يا شهد يابنتي، و كل بضاعة ليها زبونها الي بيقدرها وعارف قيمتها،  فالي بيشتري حاجة بقرش مش زي الي بيشتري أم عشرة قروش،  وظروف الناس مش زي بعضها،  والحمدلله إحنا زباينا معروفين وبيجو مخصوص لينا.
2

هزت رأسها كدلالة علي إعجابها بحديث والدها: 
_ الله عليك يا حاج ده أنت دكتوراه.

_ أنا جبتك هنا عشان تتعلمي أصول التجارة وتعرفي تفرقي بين الزبون والتاني وأهم حاجه تتحلي بالصبر،  لازم تكوني صبوره لأنك لو فضلتي تتعاملي مع الناس بعصبيتك دي في خلال شهر المحل محدش هيهاوب ناحيته.

_ خلاص من هنا ورايح هحاول أكون هاديه ولو حصل موقف زي من شويه كده هناديلك تتصرف.

تنهد وبداخله يعلم أنها لم تتغير بسهولة: 
_ لما نشوف.

_ طيب لما أروح أطلب لينا شوية سندوتشات كده عشان مفطرتش من الصبح.

_ ما تخلي حموده يروح يشتري.

_ المرة الي فاتت الراجل ضحك عليه وأداله غير الي طلبه وكمان ناقصين،  وبالمرة أفك رجلي شوية ده أنا زهقت من قعدة المكتب.

ضحك نعمان وأخرج من جيبه ورقة مالية: 
_ روحي وخدي بالك من نفسك.

_ خلي أنا معايا يا حبيبي.

قالتها وخرجت تنظر يميناً ويساراً قبل عبورها الرصيف،  وفي طريقها أخرجت هاتفها فأصتدمت بإحدهم فوقع من يدها مرتطماً علي الأسفلت، تسمرت في مكانها كالتمثال، شهقت ولطمت علي صدغيها: 
_يالهوي الموبايل أبو خمس آلاف جنيه.

أنحني وألتقطه وأخذ يتفحصه فلم يجد به أي خدوش،  تنهد بأريحيه ومد يده به ليعطيها إياه: 
_ أتفضلي  الحمدلله لساته سليم مفيهوش ولا خربوش واصل.

مهلاً، هذا الصوت يبدو مألوفاً لها، رفعت عينيها لتتأكد من حدسها وفي ذات الوقت نظر إليها فتذكرها، هي نفسها الفتاة ذات اللسان السليط التي رآها بالأمس عندما كان جالساً علي الرصيف، وفي صوت واحد:
_ أنت!.
_ أنتي!.

ضيقت عينيها وسألته بحده وبداخلها تشعر بالتوتر من النظر في رماديتيه الغامضة:
_ أي حكايتك معايا يا جدع أنت، كل شويه تطلعلي من تحت الأرض وتخبط فيا!.
3

_ ما تجولي الحديت ده لنفسك، أنتي الي ماعتركزيش في طريجك، وعتغلطي كمان بدل ما تعتذري عاد.

قالت بإستنكار وإصرار:
_ أنا مش غلطانة.

_ لاء غلطانة.
صاح بجدية بالغة،  مما جعلها تراجعت خطوتين إلي الوراء و ركضت مثل الأمس،  ظل واقفاً ينظر في آثرها حتي أختفت مابين الزحام.
عاد إلي صاحبه ولم يلاحظ أختبأها ومراقبتها له.

قال جنيدي فور رؤيته: 
_ فين الواكل يا صاحبي؟.

أخرج ورقة صغيره من جيبه: 
_ المحل عليه زحمة كتير والواد بتاع الكاشير عطاني ورجة وفيها رقم دوري،  جالي تعال بعد عشر دجايج.

تفوه جنيدي بسخرية: 
_ حتي الكشري عليه طابور،  أني هاروح أشتري باكو بسكوت تصبيره،  أشتريلك معاي؟.

_ لاء شكراً.

و وقف يعلن عن بضاعتهما وتوالت الزبائن من السيدات والفتيات فمنهن من تشتري ومنهن أيضاً من تشاهد بدون شراء.
وهناك زوج من العيون التي تشبه حبات اللوز تراقبه،  فأشارت لعامل القهوة: 
_  يا هيما.

ركض إليها يحمل صينيه فارغه:
_أمرك يا ست البنات، تشربي أي؟.

أشارت له نحو فارس:
_ مين الشاب الي واقف أدام المحل ده أول مرة أشوفه النهاردة.

أجاب وهو يحك ذقنه النامية:
_ دول عيال جايين جديد يسترزقو وحظهم أن الأمين شوقي أجازة النهاردة لو شافهم كان جرهم علي القسم، حد فيهم ضايقك؟.
1

_ فشر مين ده!، محدش يقدر يضايقني، روح أنت وأبقي تعالي عشان تبقي تاخد الحساب.
1

ذهب الصبي، بينما هي ظلت واقفه تتأمل فارس قائلة:
_ ياتري أي حكايتك يا أبو عيون رمادي تجنن!.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تدلف سيارته الفراري السوداء ساحة هذا المنزل الذي صُمم من الصخور الحجرية والزجاج العاكس كالمرايا حيث من بالخارج لايري من بالداخل،  فهو إحدي أملاكه في تلك المدينة الصاخبة المعروفة بالنوادي الليلية ودور السينما والمسارح وأيضاً من الجانب المظلم شهيرة بعصابات مافيا السلاح والإتجار بالبشر.

فتح السائق الباب له فترجل و وقف يغلق زر سترته وأتجه إلي الداخل،  وقفت الخادمة تنحني له بإجلال وإحترام،  تقول بالإنجليزية الأمريكية: 
_ مرحباً بك سيدي.

أجاب عليها بأمر: 
_ أعدي الفطور وأجلبيه إلي الغرفة.

_ أمرك سيدي.
صعد الدرج الزجاجي بهدوء، لم يراها منذ وصولهما بالأمس، فعندما وصل كليهما من السفر جاء إليه إتصال هاتفي من إحدهم،  أمرها بالصعود إلي الغرفة لتستريح ريثما يعود.
فتح باب الغرفة ليجدها نائمة،  فكانت السابعة صباحاً بتوقيت ولاية لاس فيجاس فهناك عشر ساعات فرق توقيت بين مصر وولايات أمريكا.

تقدم منها وجلس بجوارها علي طرف التخت المستدير المحاط بأربع أعمدة يتدلي منها ستائر سوداء شفافة.
فك الزر وخلع سترته و وضعها جانباً ثم رابطة عنقه و قام بفك أزرار قميصه،  نهض ودلف إلي المرحاض ليستحم.

ما زالت نائمة كما هي بل ويبدو من ملامحها المقتضبة تري حلماً مزعجاً، تتمدد علي تخت في غرفة مظلمة مكبلة اليدين والقدمين، تسمع صوت فحيح أفاعي يحاوطها مما دب الرعب في قلبها وهمت بالصراخ لكن الصرخة لم تخرج منها، أخذت تتلوي حتي أضاء من فوقها مصباح ذو إضاءة شديدة جعلتها تغلق عينيها بإنكماش ثم قامت بفتحهما بإتساع عندما سمعت صوت ضحكاته المخيفة تقترب منها، فوجدته يعتليها حتي أصبح وجهه أمام وجهها مباشرة، وبنبرة أشد رعباً:
_ لازم تخافي لأنك تحت رحمتي، حياتك كلها ملكي يا زينب.
أنقض عليها كالوحش وظل صدي صوته يردد إسمها وهي تصرخ من أسفله.

شهقت وهي تنهض بجذعها ونظراتها يملؤها الذعر، تنظر من حولها حتي وقعت عينيها علي باب المرحاض يفتحه ويخرج مرتدياً مأزر قطني وخصلاته الفحمية منسدلة علي جبهته العريضة،أمسك بمنشفة قطنية صغيرة وأخذ يجفف شعره قائلاً:
_ صباح الخير.

لم تجيب.
أردف:
_ شكلك نايمة من إمبارح والدليل إنك لسه بالفستان الي عليكي.

نهضت من الفراش ولم تكترث لحديثه إليها متجهة إلي المرحاض، صرخة شقت حنجرتها عندما أوقفها قابضاً علي خصلاتها الغجرية، يقرب وجهه من وجهها وبصوت هادر:
_ لما أكلمك تردي عليا ولا مستعجلة علي عقابك.

عقاب!، تلك الكلمة يرددها علي مسمعها كلما قامت بالتمرد أو تجاهله، ماذا يقصد بها

ألقي بها بعنف وكادت تسقط علي الأرض، ألتفتت إليه وقالت بكراهية شديدة:
_ كيف رايد مني أتحدت وياك وأنت بتتعامل معاي بعنف وقسوة.

_ أنا مبتعاملش معاكي كده غير لما بلاقيكي بتعصي أوامري أو تتجاهلي كلامي، وسبق وحذرتك، وأعملي حسابك كل حركة ليكي هيسبقها أذن مني.

رفعت حاجبيها وبدهشة أعتلت ملامحها قالت:
_ كيف دي؟.

رفع زواية فمه جانباً وساد الظلام عينيه، أجاب وكأنه شخصاً آخر:
_ يعني أكلك شربك مواعيد نومك وصحيانك أي حركة ليكي قبلها تستأذنيني الأول.

قالت بسخرية معقبه علي حديثه المجنون:
_ ده ناجص تجولي دخولي للحمام بأذن كماني.

أومأ لها وقال: 
_ كده بدأتي تفهميني.

رفرفت أهدابها تحدقه بصدمة،  لم تستعب ما يقوله إليها،  أكمل حديثه: 
_ أنا عارف الي بقوله صدمة عليكي،  بس واحدة واحدة هتتعودي،  و زي ما قولتلك أي عصيان أو تمرد منك هيبقي مقابله عقاب.

سألت بسخرية: 
_ ويا تري يطلع أي العقاب دي؟.

أنبلجت إبتسامة علي ثغره لم تصل لسوداويتيه الحادة القاتمة: 
_ هاتعرفيه وقتها،  ولكل غلط عقابه الخاص بيه.

حدجته بسخط ولم تريد جداله في تلك الترهات التي يلقيها عليها، فقالت:
_ طيب يا سليم بيه، ممكن تعطيني تليفونك أتحدت ويا أهلي وأطمنهم عليا.

كاد يرد فقاطعه طرقات الخادمة وتقول من خلف الباب:
_ الفطور سيدي.

_ أدخلي أنيتا.
دلفت الخادمة تجر عربة أمامها فوقها أطباق مختلفة من الطعام وأقداح فارغة بجوارها براد شاي وآخر حليب.

أوقفت العربة أمام الأريكة المقابلة للتخت وقالت وهي تنظر لأسفل:
_ أي أوامر أخري سيدي؟.

أجاب بإقتضاب:
_ لا، أذهبي.
1

أنحنت بإحترام و غادرت، فقال للأخري:
_ أدخلي خديلك شاور وغيري هدومك عقبال ما ألبس وهستناكي نفطر.

أتجهت إلي المرحاض وهي تقول:
_أفطر أنت أنا مليش نفس عاد.

لم تجد منه رداً وتركها دلفت وأنتهت من أخذ حمامها وأبدلت ثوبها بثوب أبيض قطني بأكمام تصل لرسغها وطوله يصل إلي كاحليها، جمعت خصلاتها لأعلي علي هيئة كعكة، خرجت من المرحاض لتجده قد أنتهي من تناول الطعام ويرتشف الشاي، عينيه لم تبرحها حتي جلست علي مقعد قريب من الشرفة الزجاجية تتجنب الجلوس بالقرب منه أو حتي النظر إليه، تتأمل منظر الأشجار والأزهار في الخارج بصمت لاتعلم ما ينوي عليه إليها لمجرد إنها رفضت تناول الطعام فتركها تفعل ما تشاء علي راحتها، إذن لاتلومه علي ما سيفعله بها للتو.

_ أومي.
قالها بأمر فأنتبهت إليه و رمقته قائلة بإستفهام:
_ نعم؟.

أشار لها بسبابته بالمجيئ:
_ أومي وتعالي أقفي أدامي.
ودفع عربة الطعام من أمامه جانباً، زفرت بتأفف وتمتمت في نفسها:
_أستغفر الله العظيم، أبتدينا الچنان علي الصبح.
1

نهضت وأذعنت لأمره وقفت أمامه علي بُعد مسافة متر، أومأ لها بالنفي وقال:
_ أقفي هنا.
وأشار أمام قدميه، ففعلت كما أمرها.
أردف بأمر مرة أخري:
_ أقعدي علي ركبك وعينك لتحت.
5

رمقته بتعجب لما يتفوه به، فصاح بصوت هادر جعلها ترتجف من الخوف:
_ نفذي الي قولتلك عليه.

جلست علي ركبتيها وجسدها ينتفض وجلاً.
_ قولت عينيكي لتحت.
نظرت لأسفل، أنحني بجذعه نحوها فشعرت بأنفاسه وكأنها حرارة تتصاعد من مراجل تتأجج بداخلها المياه، مد يده إلي رأسها وجذب مشبك الشعر فأنسدلت خصلاتها، أزدردت ريقها بدون أن تتجرأ وتنظر له فقالت:
_ ممكن أفهم أني سويت أي دلوق؟.

أمسك بإحدي خصلاتها وقام ببرمها علي سبابته يجذبها مما سبب لها الألم:
_ لما أقولك هستناكي نفطر، يبقي ده أمر، مش أختيار، قولتي مليش نفس سيبتك تعملي الي أنتي عيزاه،بس زي ما نبهتك كل عصيان مقابله عقاب، وعقابك هاتفضلي علي وضعك كده لحد ما هقولك تقومي.
1

قالت بعتاب وتحاول منع عينيها من البكاء:
_ عيب ياسليم، أني مش عيلة صغيرة تسوي فيها إكده!.

أجاب وهو يربت علي وجنتها، ربت أشبه بالصفعة في حدتها:
_ ولما أنتي كبيرة وناضجة ليه بتعانديني ومصره إنك تستفزيني.

رفعت عينيها لتواجه خاصتيه وليتها ما نظرت إليه، قالت بصوت متحشرج وشيك علي البكاء:
_ أني فعلاً مليش نفس للواكل، معدتي بجالها يومين عتوچعني جوي.

قطب مابين حاجبيه وسألها:
_ ومقولتليش حاجة زي دي ليه؟.
3

أجابت بتهكم وكأنه يهتم لآلامها الذي هو السبب في حدوثها:
_ يعني لو جولتلك هتسوي لي أي عاد!.

قبض علي ذقنها بقوة وبغضب قال:
_ هكلملك الدكتور يجي يكشف عليكي ويكتبلك علي علاج، أي حاجة هتحصلك لو مبلغتنيش بيها هاحاسبك عليها، ومش محتاجه هقولك أنا هعمل فيكي أي وقتها.
2

حدجته بسخط وقالت:
_ ملهوش لازمة الدكتور، التعب الي أني فيه سببه نفسي وأنته خابر زين.

أدرك ما ترمي إليه من وراء كلماتها، نهض و وقف ينظر إليها وهي ما زالت علي وضعية جلوسها، جز علي فكيه وقال:
_ أحمدي ربنا علي بعمله لحد دلوقت معاكي، يعني العقاب الي أنتي فيه ده شئ لايُذكر، أنا كان ممكن أخليكي تقعدي نفس قعدتك دي بس من غير هدوم خالص، قولت لنفسي بلاش تقسي عليها في الأول كده، هي لما تجرب عقاب بسيط هتحرم ماتسمعش كلامك بعد كده.
2

فاض بها الكيل لتنهض وسألته:
_ أني سويت فيك أي لأچل تعمل فيا إكده!، أتچوزتني غصب و خدتني غصب حتي عيشتي وياك كليتها أوامر وغصب عني لازم أنفذها كيف ما أمرت وألا هتعاقبني وكأني لسه طفله بتتعلم، جولي لو ده إنتجام من الي سواه أخوي وياك هجولك وأني ذنبي أي!، كنت حاسبه هو.

لم يهتز قلبه لكلماتها أو للعبرات التي تجمعت في عينيها ونبرة صوتها التي تدمع لها القلوب وتدمي ألماً.
كشر عن أنيابه فصاح بها ويمسكها من عضديها يهزها بعنف:
_ أنا ما أتجوزتكيش إنتقام من الي عمله معايا أخوكي زي ما أنتي فاكرة، أنا أتجوزتك عشان أنا عايزك، وسليم العقبي لما بيحط حاجة في دماغه لو أنطبقت السما علي الأرض بياخد الحاجة دي وتبقي ملكه، وأنتي ملكي يا زينب، والي يفكر بس يبص لك أو حتي يحاول يبعدك عني هامحيه من الوجود.
أشتدت لهجته بشراسة وبدأ يظهر جانبه المظلم المسيطر، يدفعها نحو الفراش حتي سقطت عليه بظهرها،  تري في عينيه نفس تلك النظرة التي كانت في ليلة ذبحها كما أطلقت عليها.
أنتفضت وحاولت أن تنهض وتبتعد لكنه منعها قابضاً علي يديها ويحاوطها بجسده الذي يفوق قوتها أضعافاً.
_ فاهمة يا زينب، أنتي بتاعتي أنا وبس.
1

صرخت وهي تتلوي بجسدها أسفله:
_ هملني ياسليم، مش هعصاك واصل، أبوس يدك هملني.
2

ـــــــــــــــــــــ،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ لم يسمع توسلاتها ولم يراها أيضاً بل كان أمام عينيه مشهداً من أعماق ذاكرته السوداء، يري أمامه طفل صغير ذو خمسة أعوام يختبأ خلف الستار و رجل في العقد الرابع يعتلي فتاة شقراء مكبلة اليدين والقدمين علي تخت حديدي، يعتدي عليها بسوط من الجلد وتتأوه بألم مصتنع، فألقي بالسوط وأنقض عليها بضراوة وعنف، بينما هذا الصغير يتابع ما يحدث بخوف ورعب يبكي بصمت حتي لم يشعر بنفسه وهو يبلل بنطاله.
4

عاد إلي واقعه، فنهض من فوقها يلتقط أنفاسه وأرتمي متمدداً بجوارها، أسرعت بإلتقاط الدثار تغطي جسدها العاري بعدما قام بتمزيق كل ما كانت ترتديه من ثياب.
قام ليرتدي سرواله وأخذ من فوق الكمود علبة فتحها وألتقط سيجار من داخلها وقام بإشعاله، نهض وسار حتي توقف خلف زجاج الشرفة، قال:
_ أنا النهاردة هاعفو عنك وهاسيبك براحتك تتحركي زي ما أنتي عايزة، لكن بعد كده ما أوعدكيش بالأوبشن ده.
2
تريد أن تصرخ، لكن كيف الصراخ وحنجرتهاالتي تمزقت من ألم صرخاتها عندما كان يعتدي عليها أصبحت غير قادرة علي التفوه بحرفٍ واحد.
نهضت من فوق التخت ملتفة بالدثار وبكل ماتبقي لها من قوة واهنة ركضت إلي داخل المرحاض وأوصدت الباب، فتحت صنبور الإستحمام وصعدت إلي داخل الحوض أسفله بعدما ألقت بالدثار علي الأرض، أنهمرت المياه علي جسدها كإنهمار عبراتها من عينيها، جلست في الحوض حتي أمتلأ بالمياه، لم تعد قادرة علي التحمل أكثر من ذلك، فعليها أن ترضخ له وتصبح مجرد جسد يطاوع أوامره بلا نقاش يا أو أن تتخلص من هذا العذاب والجحيم بالتخلص من حياتها نهائياً، ومالبثت ثوان في التفكير حتي مالت للأختيار الثاني، لتستسلم لوساوس الشيطان مرة أخري، تمددت في الحوض وغمرت المياه جسدها بالكامل تُرحب بالموت غرقاً.
_ في وسط المدينة الصاخبة والأضواء الملونة المنتشرة في أرجاء الطرق والشوارع مصدرها لافتات الأندية الليلية والمتاجر،  وبداخل السيارة الليموزين يجلس يتابع أعماله في مصر عبر هاتفه،  بينما هي تتأمل شوارع المدينة من خلال النافذة،  تنظر بأعين خاوية من التعبير حيث أصبحت مسلوبة الإرادة تُنفذ أوامره بخضوع تام،  فقد بدأ الضعف يتملك من روحها.
أفاقت من حالة صمتها علي صوته يخبرها: 
_ جهزي نفسك قربنا نوصل،  وطبعاً مش محتاج أنبه عليكي رجلك متبعدش من جمبي ولا خطوة،  أي حد هيكلمك الإجابة علي أد السؤال، متشربيش أي حاجه تتقدملك غير لما تقوليلي الأول.

نظرت إليه بسخط وقالت: 
_ أني مبشربش الجرف الي عتشربو.

أمسك كفها وضغط عليه وبشبه إبتسامة مخيفه ونبرة تهديد: 
_ و مش عايز أشوف البصة دي تاني، ولما تتكلمي معايا عينيكي في الأرض،  مفهوم؟.
1

ظلت تنظر له بصمت حتي توقفت السيارة فأردف بأمر: 
_ يلا عشان وصلنا.

فتح إحدي رجال حراس الكازينو باب السيارة من الخارج، ترجل بهيبته وتبعته زوجته فمن لايعرف سليم العقبي وخاصة بعدما أخبر بقدومه صديقه صاحب الكازينو ورجل الأعمال ونجل أشهر عائلات المافيا بلاس فيجاس (دانيال ساتلوني)  ، فما عليه سوي أن أُعد له إحتفالاً خاصاً يليق به وبعروسه فالكل لديه فضول لرؤية من تلك المرأة التي أستحوذت علي قلب ال(Devil) فهذا لقبه في وسط رجال المافيا والعصابات،  فالشر وسليم وجهان لعملة واحدة.

وقف هذا الرجل الأصلع يستقبله بذاته،  رافعاً يديه بطريقة مسرحية قائلاً بالأمريكية: 
_ وأخيرا قد أتيت بعد غياب طويل أيها ال(Devil).

بادله سليم الإبتسامة وصافحه بمحبة:
_ كان لدي الكثير من الأعمال كما تعلم ياصديقي.

  نظر دانيال نحو تلك العروس التي تغطي رأسها بوشاح فمظهرها يبدو غريباً في هذا الوسط،  يعلم إنها عربية مصرية مسلمة مثل صديقه لكن يبدو إنها تتمسك بتعاليم دينها أيضاً وذلك جلي في مظهرها المحتشم.
2

مد يده إليها وقال:
_ مبارك لكما سيدتي الجميلة.

نظرت زينب أولاً إلي سليم فأبتسم من فعلتها تلك، وضع يده علي خصرها بتملك و قال بالنيابة عنها :
_ عذراً  دانيال فزوجتي لاتصافح الرجال.
1

رمقها دانيال بنظرة لم تفهمها فقال:
_ حسناً لايهمك سيدتي، هيا بنا ينتظركما الكثير من المفاجاءات بالداخل.

دلف ثلاثتهم إلي الداخل ليجدوا في إستقبالهم فتيات ترتدي ثياب عارية تقوم بنثر أوراق الورود عليهم وتهلل بفرح وبدأت الموسيقي، أقترب النادل يحمل علي كفه صينيه يعلوها زجاجة من الخمر وكأسين، تناول سليم الزجاجة وقام بإقتلاع غطاءها الخشبي فأنفجر محتواها بفوران أنسكب علي يده وعلي الأرض، تناول كأس وسكب القليل ليحتسيه علي دفعة واحدة، فسكب الكأس الأخري وأعطاها لها فأبعدت الكأس بعدم رغبتها بإرتشافه لكنه باغتها بالقبض علي خصرها بقوة يضمها إلي صدره بقوة هامساً بجوار سمعها:
_ أشربي البوءين دول وخلي ليلتك تعدي علي خير أحسنلك.
2
ردت بإعتراض وتصميم:
_ وأني مابشربش ولا عمري ما أحطها في خشمي واصل.

إبتسم إليها وأنامله يغرزها في خصرها مما سبب لها ألم جعلها لم تتحمل فأصدرت تأوهاً رغماً عنها
، فقال بأمر  لاجدال فيه:
_ وأنا قولت أشربي.
ودفع الكأس علي فمها فأبتلعت الخمر علي مضض معتصرة عينيها بتقزز من طعمه اللاذع الكريه،ولم تتوقع أن يدير جسدها بين يديه ويهبط علي شفتيها أمامهم بقبلة بدت إليهم قبلة رومانسية من زوج لزوجته كما يفعلون في حفلاتهم وأعراسهم لكنها كانت غير ذلك بالنسبة إليها.
1

قادهم دانيال إلي الطاولة المجهزة لهما عليها أشكال وأنواع مختلفة من زجاجات النبيذ والخمر والفاكهة والتسالي يتوسطها قالب حلوي عليه عبارة تهنئة ويعلو القالب شكل أصفاد مصنوعة من عجينة السكر تشبه الأصفاد الحقيقية تماماً.
وعندما رآها سليم تجهم وجهه ونظر إلي دانيال بإستفهام،  قهقه الآخر وقال له: 
_ هذه فكرة زوجتي،  دعني أعرفكما عليها،  تعالي حبيبتي.

تقدمت نحوه امرأة في بداية عقدها السادس ذات شعر قصير بللون البندق وعينين بللون أوراق الشجر وبشرة تدل إنها شقراء ويبدو لون خصلاتها مستعاراً، من يراها يظن إنها فتاة في العشرينات، تتمايل بخصرها الذي يشبه الساعة الرملية ترتدي ثوباً أسود بلا أكمام طويل وبه فتحة تظهر إحدي ساقيها ء، وحين وصلت لدي الطاولة أستدارت لتكون المفاجاءة والصدمة في ذات الوقت لديه.
3

_ أعرفكما بزوجتي وشريكة أعمالي ساندرا جابرييل.
قالها دانيال، لتمد زوجته يدها إلي سليم وترمقه بإبتسامة جلية يقابلها بنظرة آتية من وادي مظلم، يجز علي عظام فكه بقوة.
تفوهت بصوتها الأنثوي الرقيق الخادع:
_ أهلاً سيد سليم، و زواج سعيد.
3

بادلها المصافحة بقبضة علي يدها شعرت  بطقطقة مفاصل أناملها، وقال:
_ أهلاً سيدة ساندرا.

حدجت زينب بتفحص لاحظته الأخري وقالت:
_ زوجتك جميلة جداً.

نظرت زينب إليها بشبه إبتسامة:
_ شكراً لك ِ.

_ أتمني ما أعددناه قد أسعدكما، فعندما أخبرني دانيال بزيارتكما إلي الكازينو وأنكما حديثي الزواج، فأوصيت علي قالب حلوي خصيصاً لكما و الأصفاد.
صمتت لثوان ورمقت سليم بنظرة غامضة لتعود إبتسامتها المزيفة مجدداً، مردفه:
_ تعني الزواج يشبه الأصفاد تماماً كما يسمونه لديكم بالقفص الذهبي.

رمقتها زينب بإبتسامة ساخرة وبداخلها تقول:
_ وأنتي الصادجة قصدك سچن والحكم فيه إعدام جلبي وروحي الي عيموتو يوم ورا التاني علي يد واحد إبليس يجوله يا سيدي.
ونظرت بإزدراء نحوه بدون أن يلاحظها أحد، فسليم ما زال ينظر لساندرا.
تدخل دانيال وهو يحتضن جسد زوجته من ظهرها  :
_ لم تصدق سليم كيف تعرفت إلي ساندرا لأول مرة، ك....

قاطعته ساندرا وهي تبعد يديه عنها خصرها وأمسكت بإحداها :
_ يكفي دانيال ثرثرة، أتركنا نحتفل وبعد ذلك سنخبرهما كيف تقابلنا.

أذعن لها زوجها فقال:
_ سأذهب لأجري عدة إتصالات وسوف أعود لنكمل أحتفالنا.

أومأ له سليم وقال:
_ تفضل صديقي.

_ ما هو أسمك إذن أيتها العروس الجميلة؟.
تساءلت ساندرا ف رد بدلاً منها سليم وقال:
_ زينب.

_ يا له من إسم جميل.
أمسكت بكأس شاغر وقامت بفتح زجاجة نبيذ وسكبت القليل بداخله ، أخذت رشفة ثم أردفت بحديث خلفه الكثير من الرسائل الخفية توجهها إلي سليم لكن بللغتها اليونانية :
_ زوجتك تتميز بجمال هادئ، وكأنها خُلقت خاضعة من أجلك، أحسنت الأختيار سليم.

رمقتها زينب بإستفهام بينما هو لأنه علي دراية باللغة اليونانية التي تعلمها منذ زمن فعلم ما تقوله، نهض وقال لزوجته:
_ أنا رايح هاعمل حاجة خمس دقايق وراجع، ياريت متتحركيش من مكانك.

حدجته بسخط من طرفي عينيها وكأنها تخبره إلي أين سأذهب في هذا الجحيم الذي لا أعلم فيه أحد سواك.

نهض وغمز بإحدي عينيه إلي السيدة ساندرا التي قبل أن تلحق به قالت:
_ سأذهب لأبحث عن دانيال.

رمقتها زينب بإبتسامة صفراء:
_ تفضلي سيدة ساندرا.

وبداخل رواق طويل منير بضوء أحمر خافت، سارت تتلفت باحثة عنه، فجذبتها يديه وأدخلها في إحدي الغرف المتفرعة، ألقي بها علي مقعد جلدي وبنظرة آتت من قاع الجحيم أنحني نحوها:
_ ماذا تردين؟.

وبإبتسامة لعوب أجابت:
_ لا أريد شيئاً، أبتعدت كما طلبت لكن الصدفة عزيزي والقدر أرادا أن نلتقي مجدداً.

قبض علي نحرها بقوة ليث جامح يقول من بين أسنانه وعروق عنقه جميعها نافرة:
_ كفاكِ كذباً ومرواغة أيتها اللعينة، أعلم جيداً هدفك اللعين من وراء زواجك بدانيال، تريدين الأنتقام مني، لكن لن أدعكِ تصلي لمرادك.
3

وبدلاً من أن تتوسله بتركها،  قهقهت بسخرية وقالت وهي تضغط علي قبضته بكلتا يديها: 
_أصبحت قوياً وشرساً للغاية عن ذي قبل سليم.
2

كاد يجيب فقاطعه رنين هاتفه، أخرجه من جيب سترته، زفر محاولاً أن يهدأ من روعه عندما وجد المتصل دانيال.
ترك عنقها لتلتقط أنفاسها، وضع هاتفه في جيبه وقبل أن يذهب وقف أمامها وبتهديد لا رجعة فيه أخبرها:
_ أحذرك ساندرا، إياك والإقتراب مني وإلا سأجعل من جسدك الذي لايهرم طعام للكلاب في المزرعة خاصتي.

بصق نحوها وذهب، ضيقت عينيها بتوعد قائلة:
_ يبدو لا تعلم ماذا أصبحت ساندرا جابرييل.
ـــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــ
_ مع ولوج أشعة الشمس وزقزقة العصافير وبدأ الحركة في الخارج،  بدأت تستيقظ رويداً، لكن مهلاً تشعر بشئ ما يكبل بل يحاوطها بقوة فلا تستطيع الحركة أو التقلب،  فتحت عينيها وليتها كانت تحلم، فها هو جوارها بل يحتضنها بين زراعيه وساقيها منحصرة بين ساقيه، أصدرت صرخة جعلته أستيقظ مذعوراً،  أبتعد عنها ونهض يتلفت من حوله.
4

حدجته بنظرة تتطاير منها نيران تود إحراقه حياً: 
_ أنت كيف دخلت أهنه وكماني نايم چاري وفي فرشتي؟.

أمسك رأسه حيث أنتابه ألم شديد من أثر تناوله للخمر منذ الأمس،  فقال: 
_ ما خابرش عتجولي أي، آخر حاچة فاكرها كنت جاعد في الخماره ودبيكي أچه وخدني، والباجي ما فاكرش.
3

نهضت ثم لكزته بقوة: 
_ وكماني كنت سكران؟، كيف ما دارتش بوچودك!، خابر لو أمي أو أبوي أو أخواتي دخلو وشافوك معاي هيوحصل أي عاد؟  ،دي أقل حاچة هيطخونا بالنار .

أخذ يفرك عينيه الحمراوتين وأجاب بتهدج محاولاً إستعادة وعيه: 
_ ما جولتلك مافكرش حاچة،  أني كيفك أتفاچأت بوچودي أهنه.

ألتقطت عباءته وعمامته وألقتهم بين يديه لتدفعه للنهوض: 
_ طب يلا جوم و غور جبل ما حد يشوفك وتحصل مصيبة،  ويكون في علمك أني ماهعديلك علي الي تسويه دي.
أبعد كفيه عن وجهه فرمقها بإمتعاض قائلاً: 
_ عتهدديني يا فاطمة؟.

ردت بتحدي وبقوة عكس ما بداخلها من خوف ورجفة بيديها لم تغفلها سوادويتيه القاتمة: 
_ أفهمها كيف ماتفهمها،  أني ي.....

وثب بخفة فهد في أقل من لحظة يجذبها من يديها إليه حتي أصبحت ملتصقة به: 
_ فرچيني إكده هتسوي أي معاي.

_ همل يدي وبعد عني وأجصر الشر.

وبنبرة حادة كنظراته المخيفة: 
_ ولو ماهملتكيش؟.

ردت بتهديد زائف:
_ هصرخ وأفضحك في النچع كلاته.

ترك يديها لتهبط يديه إلي خصرها وألصقها به قائلاً بفحيح و نظرة مماثلة لما رآتها في ليلة زفاف شقيقته: 
_ صرخي أي الي مانعك عاد؟.

سهام رغبة وعشق تنطلق من عينيه صوب خاصتها،  فحدقتيها تهتز بتوتر منبلج كرجفة جسدها بين يديه،  لاتدري إنه يدنو بشفتي نحو شفتيها التي تدعوه دائماً لتذوقها فكم من آلاف المرات ألتقمها بضراوة في أحلامه، وها هي أمامه الآن،  لكن صياح جليلة بالخارج جعله تسمر في مكانه: 
_ بت يا فاطمة،  لساتك نعسانة لدلوق،  يلا جومي.

وحين أنتبهت لصياح والدتها أنتفضت ودفعته في صدره بكل قوتها فذهبت نحو الباب وأوصدته بالمزلاج لتعود إليه تتوسله بهمس:
_ يا لهوي أمي،  أبوس يدك خد حاچتك وأخرچ حتي من الشباك.

ألتقط أشياءه وقال: 
_ لسه حديتنا ماخلصش،  ومصيرنا نتجابل تاني يا بطتي.
قالها وسار نحو النافذة ليقفز منها لكنها أوقفته: 
_ وجف خليك.

رمقها بإبتسامة ماكرة فبادلته بنظرة إزدراء: 
_ هاراجب لك الطريج الأول لحد يشوفك وأنت طالع من عندي.

ألتقطت وشاحها من فوق المشجب وأرتدته بشكل عشوائي وذهبت نحو النافذة مدت رأسها إلي الخارج فوجدت إحدي جيرانها تقول: 
_ صباح الخير يافاطمة.

بادلتها التحية بإبتسامة زائفة من بين أسنانها: 
_ صباح النور يا خالة.

عادت إلي الداخل تزفر بقلة حيلة وبحنق قالت:
_ عاچبك إكده الوليه أم أنور چارتنا جاعدة أدام دارها عتنجي الرز والله أعلم هتدخل چوه ميتي.
حك ذقنه يفكر قليلاً فقال: 
_ خلاص أطلعي أنتي لعمتي وحاولي ألهيها بأي حديت وياريت لو خدتيها في أي مطرح غير بره عجبال ما أخرچ من الباب.

أتسعت حدقتيها وبتهكم قالت: 
_ عتهزر صوح!،  وأفرض شافك بكر ولا أبوي وأنت خارچ من أوضتي.

إبتسم بخبث وأقترب منها واضعاً يده علي كتفها قائلاً: 
_ وجتها هجول للشيخ واصف أن مستعد أصلح غلطتي وأكتب عليكي وأتچوزك.

_ ده لما تشوف حلمة ودنك.

رد بإستفزاز ومازال مبتسماً: 
_ ما أني عشوفها علي طول.

غرت فاهها: 
_ كيف دي؟.

راقص حاجبيه ليثير من حنقها أكثر: 
_ عشوفها في المرايه يا بطتي.
2

جزت علي أسنانها تمنع نفسها من الصراخ،  لكمته في صدره: 
_قسماً بالله أني ما شوفتش في برودك واصل.

_ يا فاطمة.
تناديها جليلة فأجابت الأخري بصياح: 
_ حاضر ياماه أني صحيت أهو وچايه دلوق.

ألتفتت له وقالت: 
_ خليك أهنه وماتتحركش، عجبال ما أشوف حل في المصيبة دي وربنا يستر.

_ ماتخافيش هستناكي.
قالها لتذهب وسحب وشاحها بدون أن تدري و وضعه أسفل أنفه وأخذ يستنشق عبق رائحتها التي آسرت كل حواسه بإستمتاع عارم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،ــــــــــــــــــــــــــ
_ تمكث بداخل مكتب الضابط منذ البارحة لاتعلم لما هي هنا وما هي التهمة الموجهة إليها، كلما سألت أحداً يصيح بها ويأمرها بالصمت المُطبق.
غلبها النوم رغماً عنها حتي أستيقظت بفزع علي صوت الضابط الذي دلف للتو.
_ وكمان نايمة،  أومي فزي يا روح خالتك أنتي مش في بيتكو.

أنتفضت بذعر و وقفت تتثائب: 
_ وليه الغلط بس يا بيه،  مش كفاية جابضين عليا من عشية إمبارح ولغاية دلوق مفيش حد عايز يجولي أني سويت أي!.

حدجها الضابط بحده وقال: 
_ ده أنتي مطلوبة بالإسم ومن مديرية الأمن   يبقي مليون في الميه عاملة مصيبة.

أزدردت لعابها وقالت بدفاع وتمنع عينيها من البكاء: 
_ والله يابيه أني ماجصدتش أفتح له دماغه هو الي دكتور شمال كان عايز لامؤاخذة يتحرش بيا وأني دافعت عن حالي و...

قاطعها رنين جرس الهاتف الداخلي للمكتب،  فأشار إليها: 
_ أخرسي مش عايز أسمع صوتك.

رفع السماعة وأجاب: 
_ أيوه يا باشا،  كله تمام سعادتك قبضنا عليها.
..........
_ تشرف طبعاً يا باشا ده القسم كله تحت أمرك.
..........
_ وأنا في إنتظار حضرتك،  مع السلامة.
1

وضع السماعة علي الهاتف ورمقها بإزدراء قائلاً: 
_ الفيلم الي حكتهولي من دقيقتين ده ياريت تشوفي لك حاجة غيره،  لأن سيادة العميد زياد البرديسي جايلك مخصوص وموصي عليكي وده معناه إنك وراكي بلوه كبيرة أوي.

أجتاحها شعور بالتوتر والخوف،  يبدو الأمر أكبر من ذلك فقالت: 
_ والله يا بيه كيف ماجولتلك إكده،  أني الحمدلله مابكدبش ولا بحب الكدب واصل.

رفع إحدي حاجبيه بعدم تصديقها:
_ كله هيبان،  الباشا علي وصول.

أنزوت في إحدي الأركان تخشي الجلوس لينهرها أو يصيح بها،  ظلت تردد الأستغفار بصوت غير مسموع ثم قالت: 
_ يارب.

طرقات علي الباب ألتفتت لدخول إحدي العساكر الذي أدي التحية وقال: 
_ زياد باشا وصل ومعاه ضيف تبعه يافندم.

نهض الضابط قائلاً: 
_ وأنت سايبهم واقفين بره وجاي تستأذني يا غبي،  دخلهم.

عقدت ساعديها أمام صدرها وتمسك بتلابيب عباءتها القطنية و وشاحها الخفيف التي أنسدلت منه علي جبهتها خصلاتها البنيه.

أنفتح الباب و ولج رجل ذو هيبة يرتدي بدلة رسمية وعندما رآه الضابط أسرع نحوه يصافحه بإجلال وإحترام.
_ القسم نور بمعاليك يا باشا،  أتفضل حضرتك.

_ تسلم يا سيادة النقيب،  أومال هي فين؟.

_ أهي ياباشا.
قالها وتقدم نحو سمية يجذبها من زراعها وألقي بها أمامه بعنف، صاح به العميد زياد: 
_ أي الي بتهببو ده،  أنا وصيتك عليها تخلي بالك منها مش تبهدلها.

توترت ملامح الضابط فقال: 
_ والله يا باشا أنا أفتكرتها عملت مصيبة كبيرة خاصة لما عرفت حضرتك جاي بنفسك تحقق معاها.

زفر بضجر من هذا الأحمق: 
_و لو أفترضنا إنها عاملة مصيبة من أمتي وأحنا بنعامل المتهمين بالطريقة المهينة دي!،  أتفضل يا سيادة النقيب سيبني معاها.
1

أومأ له بإعتذار: 
_ آسف يا باشا.
وغادر،  فألتفت زياد إليها وأشار بيده نحو المقعد المقابل له: 
_ أتفضلي يا آنسه سمية،  وبعتذر عن الطريقة الي عاملوكي بيها هم فهمو أوامري غلط.

رمقته بتوتر وقلق وطيف إبتسامة لاحت علي ملامحها: 
_ ولا يهمك يا باشا،  بس ممكن أعرف أني ليه مجبوض عليا؟.

إبتسم و رد: 
_ هو طلب شخصي من حد عزيز عليا مكنش عارف يوصلك ولجألي.

عقدت مابين حاجبيها وهي تدرك من هو هذا الشخص الذي يبحث عنها،  فقاطع تفكيرها صوت العميد منادياً: 
_ أتفضل يا متر.

فتح الباب ودلف مبتسماً بإنتصار،  تلاقت عينيها بزرقاويتيه،  أصدرت شهقة وهي تضع كفها علي فمها.
ــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــــ
7

_خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها لتجد جليلة تجلس علي الأريكة الخشبية وكأن جميع الأحزان والهموم هبطت علي رأسها، جلست جوارها وتثائبت بتصنع: 
_ صباح الخير يا ماه.

لوت شفتيها جانباً وقالت بنزق: 
_ ناموسيتك كحولي ياست فاطمة،  عماله أنادم عليكي بجالي ساعة وأنتي ولا أهنه كيف الجتيلة.

ألقت نظرة نحو غرفتها ثم أجابت: 
_ مكنتش سمعاكي لولا منبه تليفوني رن وصحيت.

ردت جليلة بسخرية: 
_ من حجك ما تسمعينيش،  نايمة ولا علي بالك الي حوصل ولا أمك الي جاعدة وجلبها الي هيوجف من القهر.

عقدت مابين حاجبيها متسائلة: 
_ ليه إكده يا ماه مالك بعد الشر علي جلبك؟.

رفعت ساقيها عن الأرض وقامت بثنيهما وأستندت بساعديها فوقهما وبحزن أجابت: 
_ أخوكي الشيخ الي حافظ كتاب ربنا الي عجول عليه العاقل الوحيد الي فيكو، خد مارته وهمل الدار وما أعرفش عنه حاچة من وجتها.

_ وهو سوي إكده من غير سبب!.
قالتها لتدرك جليلة ماترمي إليه إبنتها،  فتهربت بنظراتها وقالت بإستنكار: 
_ أني ماچيتش چمبه،  كل الحكاية كنت عچيب حاچات من السوج و تو ما رچعت لاجيت ريحة الدار شياط، چريت علي المطبخ لاجتهم واجفين عيتحدتو ومهملين الواكل يتحرج علي النار، ليه وليه عجول لمارته ليه يابتي ماخدتيش بالك من الواكل، أني إكده غلطانه!.
ضيقت فاطمة عينيها وقالت لها تحدقها بشك:
_ متوكده يا ماه إنك جولتيلها كيف ما بتحكيلي إكده؟.

رمقتها الأخري بحنق وقالت:
_ تجصدي أني بكدب عليكي يابت!.

أنتبهت قبل أن تتفوه إلي مقبض باب غرفتها الذي يتحرك، فتوترت وقالت بدون أن تدرك ماتتفوه به:
_ أيوه صوح.

صاحت بها جليلة:
_ هو أي الي صوح يا قليلة الربايه.

_ ما أجصدش ياماه، أني عجول يعني...
نهضت وأردفت:
_ أني هاهملك دلوق وهاروح  أحضر حالي لأچل ماتأخرش علي شغلي ولما أعاود نكمل حديتنا .

_ ماشي يابتي هي چت عليكي، يا خبتك يا چليلة القوية في عيالك، واحد ما أعرفش عنه حاچة والتاني مارته سحباه وراها كيف الخروف والتالته آخرة صبري بدل ماتهون عليا هملتني وعتهورب مني.

_ ليه عتجولي إكده ياماه،أني ما عهوربش منك واصل، أني بس معوزاش أتأخر وأبلة ميرڤت المديرة تسمعني كلمتين ملهمش عزا علي الصبح.

أشاحت لها بيدها وأخذت تتمتم بإمتعاض:
_ روحي ياختي ألحجي شغلك لتجولي أمي السبب، ياعيني عليكي يا چليلة بجيتي خلاص حمل تجيل ومحدش طايجك من ولادك.
3

هزت فاطمة رأسها بسأم فهي علي علم بطباع والدتها جيداً مهما أرتكبت من أخطاء لم تعترف بها بل وتكابر وترتدي ثوب المجني عليها دائماً، تركتها ودلفت إلي غرفتها وكادت تتحدث فلم تجده، تنفست الصعداء حينما رأت النافذة مفتوحة علي مصرعيها فأدركت إنه غادر من خلالها، ذهبت لتوصدها فتلاقت عينيها بعينين جارتهم وهي ترمقها بنظرة إشمئزاز قائلة:
_ ربنا يستر علي ولايانا.

بادلتها فاطمة بذات النظرة ولم ترد بل أغلقت النافذة في وجهها بعنف:
_ الله يسامحك يا رافع، أهي أم أويئ دي هاتروح تجول لأمي ده غير النچع كله وسيرتي هتبجي علي كل لسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،ـــــــــــــــــــــــ
_ يجذبها من يدها مغادراً مركز الشرطة وهي خلفه تتعثر في خطواتها حتي توقف بها أمام سيارته.
_ ممكن أفهم دلوق واخدني وياك علي فين؟.
سألته وملامحها ينبلج عليها الضيق والغضب بعكس ما تشعر به من داخلها.

دفعها برفق لتستند علي سيارته وحاوطها بين زراعيه: 
_أولاً وأنتي بتتكلمي معايا صوتك ميعلاش ثانياً بقي أنا كنت عمال أفهم فيكي ساعة جوه إنك هتيجي تعيشي في الشقة.

رفعت إحدي حاجبيها بتهكم واضعة يديها في خصرها قائلة: 
_ تصدج مكنتش خابره حديتك صوح،  ما أني كماني بجالي ساعة عجولك هتخليني أعيش في شجتك بصفتي أي إن شاء الله.

يعلم إن لديها كل الحق فهناك حقيقة واحدة مازال يكابر بالإعتراف بها،  غير مقتنع بمشاعره نحوها حيث يخبر نفسه دائماً إنه يشعر حيالها بالشفقة فهي تذكره بماضيه المؤلم لذا عندما ألقي بها في طريقه أقسم علي مساعدتها وعدم تركها في أيدي رجال سليم وتعهد علي حمايتها مهما كان الثمن.
لكن هناك سؤال يلوح عليه؛ ماذا بعد؟.

أطلق تنهيدة لعله يجد إجابة يقنعها بها: 
_ أنا هوديكي فعلاً تقعدي في الشقة وأنا هاروح أعيش في شقة تانية و هابقي أجي أطمن عليكي كل فترة غير ما هنبقي علي تواصل مع بعض في التليفون.

زفرت بنفاذ صبر وقالت بخفوت: 
_ الصبر من عندك يارب.
ثم قالت بصوت مرتفع بإصرار: 
_ وأنا بجولك لاء يعني لاء، وأظن أنت خابر زين من غير ما أشرح لك.

أطبق شفتيه بحنق فلم يجد سوي هذا الحل بل هو مرادها الذي لم تستطع مطالبته به : 
_ طيب لو قولتلك هاتروحي الشقة بصفتك مراتي هتقولي لاء؟.

أتسعت عينيها وغرت فاها فقالت بدهشة: 
_ مارتك!.

بإيجاب وجدية قال: 
_ أيوه مراتي علي سنة الله ورسوله، ودلوقتي هنطلع علي أقرب مأذون.

وبدلاً من أن تظهر له فرحتها وسعادتها باغتته بجملة ليس بوقتها بالنسبة إليه: 
_ هتتچوزني من غير علم أبوي،  ده كان دبحني ورماني للديابة،  ولا أنت نسيت الأصول يا صلاح بيه.

جز علي فكه حتي برزت عروق عنقه،  فليس من شيمه الغضب لكنها أثبتت تفوقها في إثارة حنقه وغضبه ونفاذ صبره سريعاً.
نظر في ساعة يده وهو يفكر ملياً،  أمسك يدها وفتح باب السيارة قائلاً: 
_ أركبي يلا.

أعترضت قبل أن تدلف: 
_ ماركباش غير لما تجول الأول هانروحو علي فين؟.

كور قبضته و دفعها في سيارته،  أجاب من بين أسنانه: 
_ هنسافر عشان أخلص باباكي من البلوه الي هترزي بيها أنا.

أرتسمت إبتسامة تغمر ثغرها ووجنتيها: 
_ أيوه إكده هركب وهاروح وياك وأني جلبي مرتاح.
صمتت لتعيد إجابته في ذهنها،  نظرت إليه بعدما جلس في مقعد القيادة جوارها.
_ واه،  أنت تجصد مين بالبلوه الي هاترازيك عاد؟.

هز رأسه ضاحكاً وقال: 
_ أنتي لسه واخده بالك؟.

عقدت ساعديها أمام صدرها وزمتت شفتيها لأسفل كطفلة صغيرة: 
_ بجي إكده،  أني زعلانة منك.

وقبل أن ينطلق بالسيارة قال بمزاح يقلدها: 
_ وأنا ميرضنيش زعلك عاد.

رمقها بإبتسامة خبيثة،  ليفاجئها بإختطاف قبلة من شفتيها المضمومتين،  شهقت بصدمة واضعة كفها علي فمها،  و وجنتيها أصبحتا كثمرتي بندورة في عز نضجهما.
_ ها،  لسه زعلانه؟.

هزت رأسها بالنفي وكفها ما زال علي فمها،  أخذ يقهقه علي ملامحها المصدومة والخجولة.
ـــــــــــــــــــــــــــ،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــ
_ تجلس أمام التلفاز شاردة في براثن أفكارها، تشتاق لرؤيته وسماع صوته بشدة لكن كلما مرت تلك الذكري السوداء عندما أعتدي عليها بوحشية وكأنها عاهرته وليست زوجته تتراجع عن مسامحته،  يكفي إنه قام بقتل نجلهما الذي كان مُضغة علي وشك أن تدب فيه الروح وبفعلته الشنعاء لم يعطيه فرصة للحياة،  هناك صوت من الأعماق يلومها أن تكف عن تمثيل دور الضحية المجني عليها من زوجها الظالم، بل هي ليست سوي مخطأه في حقه وحق نفسها أيضاً، سمحت لأهوائها التحكم بها غير مكترثة بأن ما فعلته خطأ فادح وها هي تدفعه ثمنه باهظاً الآن، ظلت تكذب وتحسب أن الكذب سينجيها لاتعلم من أتخذ طوق الكذب نجاة، فمصيره الغرق المحتوم في قاع مظلم لانهاية له، فالصدق منجي كما أخبرنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام،  ومن أتخذ العكس درباً له لايجد سوي الهلاك مصيراً له.

أستيقظت والدتها من النوم وخرجت من غرفتها،  رمقتها بصمت بدون أن تلقي عليها تحية الصباح فمنذ علمها بكل شئ قامت بنهرها وإلقاء كلمات اللوم والعتاب علي إبنتها، وفي ذات الوقت لم تعطي لزوجها حق فيما أقترفه فكلاهما مخطأ في حق الآخر.

عندما رأت والدتها نهضت بإستحياء قائلة: 
_ أحضرلك الفطار يا ماما؟.

حدقتها بإمتعاض وأتجهت نحو المرحاض: 
_ مش عايزه حاجة.

شعرت بالإحراج الشديد، أنتبهت لوالدها الذي أستيقظ منذ قليل وكان يؤدي فرضه وأنتهي منه  للتو، قال لها علي مضض: 
_ صباح الخير.

أجابت بشبه إبتسامة فهي تشعر بالخجل من والدها عندما أخبرته والدتها بالأمس: 
_ صباح النور يا بابا،  أحضرلك الفطار؟.

أدرك حزنها البادي علي ملامحها الذابلة كزهرة ربيعية باغتها الخريف برياح عاتية أقتلعها من جذرها وألقي بها في وادي سحيق حتي جفت بتلاتها وتكوم عليها الثُري بلا رحمة.

_ أنا مش جعان، بس ممكن تعمليلي فنجان قهوة وهاتهولي في البلكونة.

كانت دعوة منه إليها ليجلس ويتحدث معها، أومأت لها بسعادة وقالت:
_ من عينيا، عشر دقايق وأحلي فنجان قهوة لأحلي بابا في الدنيا.

بادلها بشبه إبتسامة، فمهما كبرت مازالت صغيرته المُدللة.
ذهبت لتعد فنجان القهوة بحبور، فربما والدها هو الشخص الوحيد الذي سيرشدها إلي بر الأمان ويخبرها ماذا عليها أن تفعل.
كانت القهوة علي وشك الفوران فقامت باللحاق بها وأطفأت الموقد، حملت الركوة وسكبت محتواها بداخل الفنجان، فوضعته أعلي صينية صغيرة وحملتها متجهة إلي الشرفة.
وضعتها علي المنضدة المستديرة أمامه:
_ أتفضل يا حبيبي، وعملتهالك سادة زي ما بتحبها.

أمسك بالفنجان وقبل أن يرتشف منه قال:
_ تعالي يا ندي أقعدي عايز أتكلم معاكي شوية.

خفق قلبها وتوترت قليلاً، جذبت مقعد بلاستيكي وجلست أعلاه أمامه وبخفوت قالت:
_ أنا عارفة حضرتك عايز تتكلم معايا في الي ماما حكتهولك عني وعن أكرم، بس قبل ما تحكم والله أنا ندمانة علي أي غلط عملته سواء قبل الجواز وحتي لما كذبت دلوقتي وخبيت عليه، كنت خايفة وبحمي بيتي وحياتي، مكنتش أعرف إن الكذب آخرته الخراب والفراق.

أنتهي من إحتساء قهوته وترك القدح أمامه، أعتدل في جلسته وبدأ يتحدث:
_ أنا منكرش لما عرفت الي حصل سواء منك أو من أكرم طبعاً أتضايقت وعمري ما كنت أتوقع ان الأمور توصل بينكو للدرجدي، ولو واحد غيري كان زمانه خد موقف حازم معاكو أقلها كل واحد يروح لحاله، لكن أنا بصيت في الأول والآخر لبنتكو الصغيرة الي ملهاش ذنب تتربي بين أب وأم منفصلين.
1

تستمع لأبيها وتنظر لأسفل بخجل وإحراج، فأخبرته:
_ وأنا بعترف بغلطي والي حضرتك هتقولي عليه هنفذو، بس مش عايزاك تكون زعلان مني أنت وماما.

_ أحنا عمرنا ما زعلنا منك يا ندي، إحنا زعلانين عليكي، مهما كان أنتي بنتنا الوحيدة و دورنا معاكي نوجهك للصح وعايزين نشوفك عايشة حياة سعيدة مع جوزك وبنتك، عمرنا ماهنفرض عليكي حاجة غصب عنك، ولولا إن أنا عارف أكرم كويس كنت قولتلك حل الموضوع ده هو الإنفصال، لكن فيه حل مناسب خاصة أنكو الأتنين غلطانين في حق بعض غير لسه ليا قاعده معاه عشان الي عمله غلط كبير في حقنا قبل حقك، المهم دلوقت أنتو محتاجين فترة نقاهة من الي حصل بينكو اليومين الي فاتو، وإن كل واحد يقعد يراجع نفسه ويعرف الي ليه والي عليه وبعد كده تتصالحو وتفتحو صفحة جديدة وترجعو لبعض، ولا أنتي ليكي رأي تاني.

أعتلت إبتسامة خافتة علي ملامحها فقالت:
_ الرأي رأيك يا بابا، وأنا فعلاً كنت ناوية أعمل كده، لو مش عشاني يبقي عشان بنتي و زي مت حضرتك قولت أكرم برغم الي عمله معايا هو بيحبني وباقي عليا وغلطه معايا أنا السبب فيه.

أمسك بيدها بين كفيه بحنان وربت عليها:
_ عين العقل، هي دي ندي بنتي حبيبتي.

جزت علي شفتها السفلي وفي عينيها طلب مترددة في قوله، فقال لها:
_ قولي عايزة أي وأنا سامعك.

إبتسمت وقالت:
_ طول عمرك بتفهمني من نظرة عيوني، بصراحة عايزة من حضرتك تتكلم مع ماما وتخليها تسامحني أنا مش عارفه أنام طول ماهي زعلانة مني.
_ دي بقي مهمتك أنتي، روحي كلميها وزي ماقولتلك هي مش زعلانة منك هي زعلانه عليكي، أنا هاسيبك تدخلي تقعدي معاها وأنا هقوم أعملكو أحلي طبق فول بالطحينة وعجة ولا موحشكيش الأكل من أيدي؟.

نهضت وعانقته بقوة:
_ ربنا يباركلي فيك يا حبيبي وميحرمناش منك أبداً.

ذهبت نحو غرفة والدتها لكن أنتبهت إلي رنين هاتفها بغرفتها، ركضت لتري من المتصل، وعندما أمسكت بالهاتف ورأت هوية المتصل أجابت علي الفور داعية أن لايكون حدث مكروهاً.
_ الو.
_ صباح الخير يا مدام ندي، مع حضرتك ميس چيلان من إدارة المدرسة.
ردت وأنتابتها حالة من التوتر:
_ أهلاً وسهلاً يافندم، هي لارا كويسة؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ دلفت إلي داخل الشركة و وجهتها مكتب المدير، وبعدما وصلت وجدت السكرتيرة تجلس أمام الحاسوب فسألتها:
_ مستر علي جوه؟.

أجابتها بعدم إكتراث وبهدوء إستفزازي، فلم تنظر إليها أيضاً:
_ لاء، مش جوه.

جزت علي فكها بحنق فقالت:
_ طيب هو ما أتصلش قال جاي ولا لاء؟.

أجابت ومازالت علي حالتها:
_ أه أتصل وقال مش جاي.

رمقتها مروة بإزدراء من أسفل لأعلي وقالت في نفسها:
_ ماشي يا بتاعة أنتي يالي شايفه نفسك، إما خليته يطردك زي الكلبة بره الشركة مبقاش أنا مروة.

غادرت الشركة وعقدت العزم بأن تذهب إليه، فآخر لقاء بينهما كان لدي منزل عائلة ندي فبعدما رحلا أستقلت سيارته بدون حتي إستئذانه وظل طوال الطريق لم يتحدث بحرف واحد، مما أثار قلقها هدوءه وصمته المُطبق هذا، تخشي إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة.
وقد كان، توقف في مكان نائي عن الزحام علي الطريق الصحراوي، ترجل من السيارة وأخذ يصرخ من أعماقه وكأنه يخرج ما بداخله من آلام لم يعد يتحملها.
أقتربت منه بحزن علي حاله وعانقته من ظهره لتهدأته، خارت قواه و جثي علي رمال الصحراء، أستدارت لتصبح أمامه حاوطت وجهه بين كفيها بصمت ترمقه بدموع قلبها النازف تتلمس شعيرات لحيته،تتخللها أناملها، وبدون تردد عانقته بقوة حيث دفنت وجهه في صدرها ليسمع نبضاتها التي تصرخ بحبها له وتخبره هي الوحيدة التي لا تكل عن عشقها إليه حتي لو لم يبادلها هذا، أخذ يبكي كطفل فقد والدته فأغرقت عبراته قميصها لتحتضنه أكثر ، فالعاطفة هي المحرك الرئيسي والمسيطر عليها، فمهما أقترف معها أو أخبرها بكلمات تطعن قلبها العاشق له، لم تستطع الإبتعاد عنه، هو جحيمها ونعيمها الزائف معاً، ولن تيأس ولاتتوقف عن جعل قلبه عاشق لها هي فقط، فهل ستنجح في ذلك!.

أستقلت سيارة أجرة وأخبرت السائق بالعنوان المنشود، وبعد مرور مسافة الطريق وصل أمام بوابة الفيلا، ترجلت وعندما رآها حارس الأمن رحب بها وفتح البوابة، ولجت بخطي شبه راكضة.
دلفت للداخل وسألت الخادمة عنه فأخبرتها الأخري بوجوده  في غرفته بالطابق الثاني ولم يغادرها منذ يومين، صعدت الدرج والقلق ينهش قلبها.
فتحت الباب و كما توقع حدسها، يتمدد علي الأريكة في حالة لا وعي مزرية، أمامه علي الطاولة صينية طعام لم يلمس منها شيئاً، مهلاً ما هذا الذي جوارها، أقتربت لتتأكد من هوية تلك الأشياء فكانت زجاجة صغيرة للغاية تحتوي علي مسحوق أبيض و ورقة مالية ملفوفة علي شكل أسطوانة رفيع وبطاقة إئتمانية علي حافتها آثر المسحوق.
شهقت حين أدركت إنه قد عاد لإستنشاق هذا المخدر اللعين مرة أخري.
2

لكزته في كتفه وصاحت به: 
_ تاني يا علي!،  رجعت لشم الأرف ده الي كنت هتموت بسببه قبل كده!.

يكاد يفتح جفنيه بصعوبة و رد بثمالة: 
_ أنتي جيتي أمتي؟.

_ الحمدلله إن أنا جيت عشان أعرف إنك رجعت للزفت ده،  أنا مش هاسيبك تدمر نفسك،  مش هاسمحلك.
وأمسكت بالزجاجة وركضت نحو المرحاض الملحق بالغرفة،  قامت بفتح غطاءها لتفرغ  محتواها بالحوض وفتح الصنبور عليها.
تفاجئت بوقوفه خلفها مباشرة يحدقها بنظرة نارية وقد تجمعت شياطينه أمامه.
سألها بنبرة أجفلتها، جعلت الخوف يسري كمجري الدم في عروقها:
_ أنتي بتعملي أي عندك؟.

ألتفتت إليه وجسدها ينتفض فوقعت الزجاجة من يدها المرتجفة علي الأرض وتناثر حطامها، أتسعت عينيه نحو الحطام حينها أدرك ما أقترفته للتو.
تسحبت قبل أن تثور مراجله وتحرقها حية، لكن سبق السيف العزل،قبل أن تخطو قدميها إلي الخارج جذبها من زراعها وصاح بها بغضب كعاصفة تقتلع جذور كل مايقابلها:
_ وأنتي مالك، عايزة مني أي.

وهبط علي وجهها بصفعات متتالية، أخذت تصرخ به:
_ أنا خايفة عليك أفهم بقي، حرام عليك.

أبتعد عنها بللهاث، ينظر إلي وجهها الذي أصبح مخضب بالأحمر القرمزي آثر صفعاته ولم تسلم شفتيها فأنسدلت الدماء من جانبيها، خارت في نوبة بكاء مردفة:
_ حرام عليك الي بتعمله في نفسك وفيا، فوء بقي وشوف مين الي بتحبك وبتخاف عليك، بتستحمل منك الي مفيش واحدة تقدر تتحمله.

ولجت كلماتها إلي داخل أذنيه بصوت لايسمع سواه منذ ليالي، بل ويراها هي من أمامه عندما كانت تبكي وتتوسله بالإبتعاد عنها حتي عندما صفعها.
أصبحت لديه الرؤية مشوشة أخذ يفرك عينيه بأنامله ويفتحهما بصعوبة وفي كل مرة ما زال يراها هي، أحس بوخزة في قلبه لتسيطر ذكراها علي حواسه، فلم يشعر بحال قدميه تتحرك نحوها، حاوط وجهها بيديه وبدأ يجفف دماء شفتيها بإبهاميه، يردد بنبرة حانية حالمة يهيم صاحبها عشقاً:
_ آسف حبيبتي، متزعليش مني.

أحتضنها ومال نحو عنقها بشفتيه يقبلها، تحركت من بين يديه هامسة بتيه في عالمه:
_ كفاية يا علي، خلاص.

مازال مستمراً في توزيع قبلاته التي أرتفعت إلي شفتيها، بينما هي قد أصبحت كالهلام لاتشعر ماذا يحدث معها بل كانت تبادله قبلاته وتتشبث بقوه في عناقه، حملها وغادر المرحاض ولم يفارق شفاها،  يبتعد لثوان حتي يسمح لكليهما إلتقاط أنفاسهما فيعود مجدداً يقبلها أقوي من ذي قبل يردد عليها كلمات العشق والوله غارقاً في أحلام يقظته لايدرك إنها ليست هي.
وهي لم تكن قادرة علي مقاومته،  خانها قلبها الذي جعل كل حواسها تستسلم له بكل سهولة،  لشفتيه وللمساته التي بدأت تتسلل إلي حجابها وثيابها تحررها قطعة تلو الأخري،  فكانت كالمغيبة وأستسلمت لشيطان الهوي ولحظات حتي أصبحت له قلباً وقالباً، لاتعلم إنها ألقت بنفسها إلي الهاوية وستواجه مصيراً ضارياً سوف تدفع ثمن فعلتها تلك أضعاف مضاعفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــ
_ تقف بداخل العيادة برفقة والديها،  وصغيرتها تجلس فوق سرير الفحص والطبيب يلف الجص علي ساعدها الأيمن فتبكي من ألم شرخ بإحدي عظمتي الساعد.
1

أنتهي الطبيب وقال: 
_خلاص خلصنا يا جميل.

سأله والد ندي والقلق منبلج علي ملامحه: 
_ هو الجبص ده هيقعد لحد أمتي يا دكتور؟.

_ أطمن حضرتك هم تلات أسابيع بالكتير وتيجي تفكه،  بس أهم حاجة تاخد الدوا بإنتظام مع الأكل الصحي زي اللبن والبيض ومنتجات الألبان.
كادت تحملها ندي فسبقها والدها قائلاً: 
_ عنك يابنتي.

خرج جميعهم إلي الرواق بالمشفي فسألتها والدتها: 
_ أنتي بلغتي جوزك بالي حصل لبنته؟.

تدخل والدها وقال: 
_ ملهاش لازمة يا أم ندي تقلق الراجل وتخضه،  إحنا نبقي نكلمه ونعزمه يجي يتغدي عندنا وكده كده هيعرف.

_ أنا نسيت فعلاً أقوله أتلهيت من الخضة علي لارا.

أشارت والدتها إلي نهاية الرواق قائلة بتهكم: 
_ والله أنتي وأبوكي غلابه هو فيه بتستخبي علي الحكومة،  قابلي ياختي.
1

ألتفتت ندي لتجده يسرع خطاه وقادماً نحوهم بملامح يسيطر عليها القلق والخوف والإمتعاض منها بذات الوقت،  تفوه وهو يلتقط أنفاسه: 
_ سلام عليكم يا عمي.

_ وعليكم السلام يابني.
_ أي الي حصل للارا،  أصل كنت قافل تليفوني ولاقيت واحد من رجالتنا جاي يقولي الجماعة راحت مدرسة البنت وخدوها علي المستشفي.

أجاب حماه: 
_ خد نفسك الأول،  الحمدلله خير،  هم أتصلو علي مراتك وقال لها كانت بتجري في الجاردن مع أصحابها وفجاءة وقعت علي دراعها فضلت تصرخ ولحقوها في عيادة المدرسة عمله لها الإسعافات الأوليه لحد ما روحنا خدناها،  و زي ما أنت شايفها أدامك أهي.

أقترب من إبنته ومسح علي خصلاتها قائلاً: 
_ حبيبتي ألف سلامة عليكي ياقلب بابي.
وقام بتقبيل رأسها، فاجاءته الصغيرة بكلماتها:
_ أنا زعلانه منك أوي يا بابي عشان سايبني أنا ومامي عند جدو ومش عايز تاخدنا عندك في شقتنا.

أعتراه الإحراج ولم يجد رداً علي كلامها، فربت جدها عليها بحنان: 
_ ما هو بابي جاي معانا عشان نتغدي كلنا مع بعض.

قال أكرم عندما وجد في عينين زوجته عدم الترحيب به:
_ معلش يا عمي خليها في وقت تاني.

لوت حماته شفتيها بإمتعاض، فتشدقت: 
_ ربنا يهدي الحال.

_ طيب يلا بينا عشان نروح قبل زحمة المرور.
قالها والد ندي، فقال الآخر:
_ معلش ياعمي أتفضل حضرتك أنت وماما عايز ندي أتكلم معاها ونبقي نحصلكو.

نظر والدها إليها وأومأ لها بأهدابه فقال:
_ خد راحتك يابني وإحنا هنستناكو في الإنتظار تحت.

_ لاء روحو أنتو عشان لارا وأنا هابقي أوصل ندي لحد البيت.

تنهدت حماته بنفاذ صبر وقالت:
_ يلا بينا إحنا يا حاج مش قادرة أقف أكتر من كده.

غادر الجميع المشفي بينما أخذها  أكرم وذهبا إلي أقرب منتزه، وبعدما جلس كليهما وطلب من النادل بإحضار كأسين من العصير الطازج، أعتدل في جلسته أمامها وسألها بجدية: 
_ ما أتصلتيش عليا ليه أول ما عرفتي بالي حصل للبنت؟.

أجابت بتحفظ:
_ نسيت، كان كل همي أشوف بنتي وأطمن عليها، وبعدين ما أنت لسه كنت قايل إنك  قافل موبايلك طبعاً كالعادة عشان شغلك.

زفر بسأم وقال:
_ ماشي يا ندي، عموماً أنا حبيت نقعد مع بعض سوا ونتكلم كأي زوجين عايزين يكملو حياتهم من غير مشاكل ونربي بنتنا في جو بعيد عن أي حاجة تأثر علي نفسيتها.

_ كلامك كله تمام، بس تفتكر إنه بسهولة نرجع نعيش مع بعض ولا كأن حاجة حصلت!.

أنحني نحو الطاولة بجذعه وشبك أنامل يديه معاً:
_ أنا غلطت وأنتي غلطي قبلها، ومش سهل علي أي راجل إنه ينسي الغلطه الي عملتيها حتي لو مكنتيش علي ذمتي وقتها، كون إنك سمحتي لراجل تاني غير الي بتحبيه يدخل حياتك حتي لو كانت نزوه عابره ده غلط لايغتفر، بس أنا عشان بحبك هحاول أنسي أو اتجاهل ونرجع لحياتنا الطبيعيه وكفاية لحد كده مشاكل وبعاد.

تنهدت من أعماقها فأجابت:
_ طيب والأمان والثقة؟.

رد بعملية تامة:
_ دول بإيدينا نرجعهم مع الأيام، بس وإحنا مع بعض لأن البعد والفراق بيضعفهم وزي ما بيقول المثل البعد بيولد الجفا.

أعطت لعقلها فرصة للتفكير في حديثه، لديه حق في كل ما قاله لكن تريد فترة نقاهة كما أخبرها والدها، فقالت:
_ أنا موافقة نرجع زي الأول وأحسن كمان بس بعض كام يوم أرتب فيهم نفسي وأفكاري.
رمقها بصمت لثوان وأدرك ماتقصده فقال:
_ وأنا معاكي للآخر يا ندي، هديكي فرصة أسبوع مش أكتر وخلال الأسبوع ده هنكون علي تواصل، نتكلم ونطمن علي بعض.
جاء النادل ووضع أمام كل منهما كأس العصير وزجاجة مياه وكوب زجاجي فارغ ثم ذهب،
أومأت له بموافقة وشبه إبتسامة خافتة، تحمحم أكرم وأردف:
_ في حاجة كده نفسي كنت أقولهالك من أول ماشوفتك النهاردة.

عقدت مابين حاجبيها بإستفهام، أمسك بيديها وبنبرة مليئة بالشوق والحب قال:
_ وحشاني أوي.
3

ــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــ

_ ترجلت من سيارة الأجرة أمام المتجر تتحدث في هاتفها:
_ أنا أدام المحل دلوقت، خد بالك من نفسك يا حبيبي ترجع بالسلامة.

_ شهد زي ما وصيتك مش عايز مشاكل مع الزباين وقبل ما تقفلي خلي الواد حموده يقفل الكهربا من لوحة المفاتيح.

_ حاضر يا بابا، أطمن، مع السلامة يا حبيبي.

وبعد إنتهاء المكالمة، دست يدها بداخل حقيبة يدها تبحث عن المفاتيح لكن لم تجدها، زفرت بتأفف:
_ يادي الحظ والزهايمر الي أنا فيه، لما أكلم الواد حمودة أأكد عليه لينسي مفاتيحه هو كمان.

هاتفت مساعدها المدعو حمودة لكنه أعتذر بعدم المجئ اليوم وهذا بسبب مرض والدته وإنه سيذهب بها إلي المشفي ولايعلم متي سيعود.

ألقت نظرة علي الأقفال الموصدة ثم أخذت تتلفت من حولها تفكر في كيفية فتحها، وقعت عينيها علي هذا القادم يحمل حقيبة كبيرة علي ظهره ويتبعه صاحبه الذي يحمل مثله، توقفا علي الرصيف المقابل وأنزل كل منهما حمولته.

وقبل أن تتحرك قدميها إليهما لتطلب المساعدة أوقفها صوت كم تكره صاحبه وتود أن يذهب للجحيم.
_ مساء العسل ياست البنات، محتاجة أي خدمة؟.

أغلقت عينيها في محاولة كظم حنقها، أستدارت له وبإبتسامة صفراء ساخرة ردت:
_ نعم!، عايز أي يا ممدوح؟.

حك لحيته وعينيه تتفحص كل إنشاً بها بجرأة إستفزازية:
_ عايز أخدم الجميل الي تقلان علينا ومش حاسس بينا.
و وضع كفه علي صدره يمسده، حدجته بإزدراء وبإمتعاض قالت:
_ متشكرين يا أخويا خلي خدماتك لزباينك أهو علي الأقل بينفعوك.

أقترب منها وهي تتراجع حتي حاصرها واقفاً أمامها وأستند بيده علي الباب الحديدي خلفها:
_ أخوكي أي يا شهد، ما تحسي بيا بقي ده أنا شاريكي ورايدك في الحلال.

صاحت وهي تدفعه ليبتعد عنها:
_ حلال مين يا راجل يا ناقص، ده أنت علي ذمتك تلاتة، ضافر كل واحدة فيهم برقبتك.

_ و ماله لما أتجوز الرابعة، الشرع محللي مثني وثلاث ورباع ولا ناوية تحرمي شرع ربنا وتكفري بقي.
صاح بها بتهكم

_ اللهي تتجوزك عقربة وتنزل فيك بديلها لحد ماتفضي سمها كله فيك ومتلاقيش مصل يداويك يابعيد، وبعدين أنت تعرف ولا تفهم أي في شرع ربنا، دول نسوانك شاكينك لطوب الأرض عشان مبتصرفش عليهم يابخيل يامعفن، وجاي بكل بجاحة عايز تضمني ليهم!.
1

رفع يده في وضع الهجوم:
_ لاء بقي ده أنتي زودتيها أوي ولازم تتربي.
1

كاد يلقنها صفعة لكن هناك يد أقوي منه قامت بمنعه، ألتفت ليري صاحبها فتلاقت عينيه برماديتين تحدقه بنظرة نارية جاءت من أعماق الجحيم لو تقاذف منها لهيبها لأحرقه حتي يتفحم ويتطاير كالرماد.
_ لو يدك كانت لمستها كان زمانك مدفون مكانك.
ثار غضب هذا الأحمق فصاح به:
_ وتطلع مين أنت كمان يا حليتها؟.

نفض فارس يده وكأنه يلقي بقمامة:
_ أني الي لو فكرت تجرب منيها  لأخليك ما تشوف الشارع تاني واصل.

تبدلت حالتها من الغضب إلي السعادة العارمة بداخلها وهي تري وتسمع تهديداته الجادة لهذا البغيض.
8

باغته ممدوح بدفعة قوية في صدره وقال:
_ شكلك أنت الي ماتعرفش مين هو ممدوح عنتر، ده أنا أفعصك يالاه زي الصرصار.

_ طيب أجصر الشر وروح لحالك أحسن لك.

لكزه بعنف في صدره مرة أخري:
_ أنا بقي طلعت في دماغي وعايز أشوف آخرك أي ياعم الشبح.

زفر فارس بنفاذ صبر وقال:
_ اللهم يطولك يا روح.

تدخل جنيدي قائلاً:
_ مين ده الي يدو شكلها هتتوحشو ياصاحبي؟.

صاح الآخر بسخرية:
_ده أنتو عصابة بقي، ولاه يا سكينه، يا حوكشه.

هرول شابين إليه يمتلك كل منهما طولاً فارعاً وجسداً قوياً لكن مظهرهما لايوحي سوي إنهما أجساد قوية بعقول عصافير.
أجاب إحدهما بصوت غليظ:
_ نعم يا كبير.

أشار له وللآخر علي فارس وجنيدي قائلاً:
_ العيال دي بتغلط في كبيركو.

رد المدعو حوكشه:
_ الي يغلط في المعلم نمسكو من قفاه وعليه نعلم.

و بدأ العراك مابين الأربعة، تسلل ممدوح جانباً حتي لايصاب بأذي، أوقفهم جميعاً صوت الأمين شوقي حيث ذهبت إليه شهد لتستغيث به  :
_ والله عال، خناقه وضرب ولا كأن فيه حكومة يا غجر.

قال ممدوح:
_ رجالتي يا أمين شوقي بيدافعو عن نفسهم، العيال دول جايين يهجمو علينا وإحنا قاعدين في أمان الله.

صاح فارس بإستنكار:
_ أبداً يا سيادة الأمين، الراچل دي لاجيته عيضايج الآنسه وأني مينفعش أشوف حاچة كيف إكده وأجف أتفرچ.

تممت شهد علي حديثه:
_ أيوه يا أمين شوقي، كل الي قاله صح، ممدوح كان بيضايقيني ولما وقفته عند حده كان عايز يمد إيده عليا.
وبدأت تبكي بتصنع، فقام ممدوح بسبها في نفسه:
_ آه يا بنت ال.....

وقال جنيدي:
_ و كمان بعد ما صاحبي عيجولو عيب إكده ما عاچبوش الحديت وراح نادم علي العيال دول لأچل يضربونا.

رمقهم شوقي جميعاً بتوعد وقال:
_ طيب يلا كلكو أدامي علي القسم منك ليه.

جفت الدماء في عروق كل من فارس وجنيدي حتي قال ممدوح:
_ قسم أي يا شوقي باشا، التاجر فينا عبارة عن سمعة ولو حد خد خبر إن دخلت القسم محدش هيدخلي محل وهيتقطع رزق الناس الي شغاله عندي.
فقال جنيدي:
_ وإحنا كمان يا سيادة الأمين محدش هيهاوب نواحي فرشتنا ودي لجمة عيشنا الي عنعيشو منيها.

أقترب ممدوح من شوقي ليدس في جيبه مبلغ من المال وهمس إليه:
_ كل سنة وأنت طيب ولو المدام والعيال لازمهم حاجة أبقي تعالي خدلهم من عندي وحسابك مدفوع مقدماً.

ظل ينظر إليهم جميعاً، يسير أمامهم ذهاباً وأياباً،فقال:
_ عشان خاطر المعلم ممدوح أنا هاسيبكو، وأنت ياض منك ليه.
موجهاً حديثه إلي فارس وجنيدي، أردف:
_ أنا حالف لكو من المرة الي فاتت لو شوفت وشكو في أي مشكلة هرميكو في الحبس!.

قال فارس بدفاع:
_ أحنا ما عنسويش مشاكل يا.....

قاطعه شوقي بغلظة:
_ خلاص يا عم الشهم عارفين عملت أي، بس خد بالك دي المرة التانية والتالته تابته ولو جبتلي وزير الداخليه نفسه ما هسيبك وهخليك تلف علي أقسام مصر كلها كعب داير سواء أنت أو صاحبك.

قال جنيدي بتوسل مصتنع:
_ حجك علينا يا سيادة الأمين ونوعدك هتكون آخر مرة.

_ لما نشوف يا أخويا، يلا كل واحد يروح علي أكل عيشه.

قالها وذهب، تمتم جنيدي بصوت لايسمعه سوي فارس وشهد فقط:
_ حرج أبو الي چابك راچل كيف المنشار طالع واكل نازل واكل.

ضحك فارس وقال:
_ أكتم ليسمعك وإحنا ماناجصينش رزالته.

_ يسمع ولا ما يسمعش ولا يغور في داهية، أني خلاص جفلت ومليش نفس أبيع النهاردة لو رايد تجف أنت خليك، أني هاروح أتمشي لحد الكورنيش وهعاود علي مطرحنا.

_ طيب خد بالك من نفسك وملكش صالح بحد.

_ حاضر ياصاحبي.
وألقي نظرة إلى شهد قبل أن يذهب فأردف:
_ متشكرين يا آنسة.

_ علي أي ده أنا الي المفروض أشكركو علي وقفتكو جمبي.

رمق فارس بغمزة من عينه فقال:
_ أحنا رچالة جوي و دمنا حامي، ولو مكنتيش بلغتي شوقي دي، كنا زمانا جطعنا شوية العيال دول والي إسمه ممدوح جبلهم.

لم تنظر له بل كانت مبتسمة إلي فارس وقالت:
_ طبعاً رجالة وسيد الرجالة كمان.
2

حك جنيدي فروة رأسه وقال منسحباً:
_ آه ماشي، الله يسهلو، عن أذنكو.

هم فارس بالذهاب فأوقفته شهد:
_ أستني يا...

_ قاسم، إسمي قاسم.

إبتسمت برقة ودلال خلاف طبيعتها وقالت:
_ عاشت الأسامي يا أستاذ قاسم، أنا كنت بس عايزه أعتذر لك عن اليوم إياه لما أتكعبلت فيك من غير قصد وأتخانقت معاك.
أومأ لها بملامح جاده لكن لم يُخفي عليه تلك النظرات التي تلمع في عينيها، فهي تذكره بمحبوبته:
_ ولايهمك يا آنسه حصل خير.

كاد يذهب مرة أخري فأوقفته للمرة الثانية وقالت:
_ معلش والله آخر مرة هوقفك،بس كنت طالبه منك خدمة صغيرة أصل بابا سافر يستلم بضاعة من بورسعيد وهيرجع بالليل وأنا الي هفتح لوحدي حتي الواد حموده الي شغال عندنا مش جاي، وأنا نسيت المفاتيح فممكن تساعدني أفتح الأقفال دي.

نظر علي البوابة وأقفالها فقال:
_ دي أجفال كبيرة ومش سهل تتفتح.

تذكرت شئ ما:
_ طب ثانية كده.
أنحنت ورفعت بنطالها قليلاً وأخرجت مدية صغيرة كانت تدسها في جوربها، أتسعت عينيه بدهشة وسألها متعجباً:
_ أي الي حداكي دي!.

تلفتت من حولها وقالت بخفوت:
_ دي مخلياها معايا للأمان مبطلعهاش خالص، حتي بابا ميعرفش عنها حاجة فياريت تخليها سر مابينا، وخوفت أطلعها أهدد بيها ممدوح فالسلاح يطول ويحصل له حاجة وأروح في داهيه.

رد بتهكم:
_ ما أنتي خابره زين أهو، أنصحك أرميها الحاچات دي للبلطچية.

_ خلاص أفتح بس بيها الأقفال وخليها معاك، أعتبرها كادو صغير.
أعتطها له فأخذ يقلبها بين يديه، فهز رأسه بشبه إبتسامة من تلك الفتاة التي تارة تكن كالحمل الوديع وتارة أخري كالعاصفة عندما تغضب.

حاول فتح الأقفال حتي نجح بعد عدة محاولات، فكانت تقف جانباً تراقب إنفعالاته وهو يشمر عن ساعديه وبرزت عروقه وعضلات عضديه الذي يجسدها قميصه ولم بستطع إخفاءها، وخصلاته شعره تبعثرت فوق جبهته لتزيده جاذبية و وسامة أكثر.
أنتهي من فتح البوابة والباب الذي يليها ورفعه لأعلي، فأستدار إليها قائلاً:
_ أتفضلي.
ومد يده إليها بالأقفال فوجدها شاردة في ملامح وجهه وخاصة عينيه، تحمحم وقال:
_ يا آنسة.
3

أنتبهت له فقالت بخجل:
_ معلش، شكراً تعبتك معايا، تعالي أتفضل نشرب كوبيتين شاي.

رفع يده بشكر وإمتنان:
_ شكراً، أني هاروح أفرش البضاعة ولو محتاچة أي حاچة نادمي عليا، عن إذنك.

قالها وذهب،فظلت تنظر نحوه، أطلقت تنهيدة حارة وقالت:
_ يخربيت تقلك، شكلك هتجنني معاك يا، قاسم.
ـــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــ
4

_ يقف أسفل المياه المنهمرة عليه بقوة،  يستند بكفيه علي الحائط الرخامي،  يغلق عينيه محاولاً إستيعاب ما تفاجئ به منذ قليل، فعندما أستيقظ من النوم وبدأ يعود إلي وعيه وجدها منزوية في إحدي الأركان يلتف الشرشف علي كامل جسدها وخصلات شعرها تغطي وجهها وجذعها، تبكي بنحيب،  غر فاهه بصدمة مُردداً إسمها،  وقبل أن ينهض ألتقط سرواله الملقي جوار السرير ليرتديه، وعندما نهض وقعت عينيه علي بقعة الدماء في الفراش فأستنتج فداحة ما أقترفاه سوياً،  وضع كفيه علي وجهه يلعن ذاته وينهرها، فهذا ما آخر كان يفكر به،  فهو لا يهواها لكن لايتمني لها الأذية أو الضرر،  وأي ضرر إنها كارثة عليهما أن يتحملا نتائجها معاً.
2

أنتهي من الإغتسال وأرتدي مأزره القطني،  خرج ليجدها مازالت بنفس الوضعية التي تركها بها،  سار نحوها وجلس أمامها علي ركبتيه،  أزاح خصلاتها حتي يتثني له رؤية وجهها، أزدرد ريقه قبل أن يتحدث بتوتر جلي: 
_ مروة،  ممكن كفاية عياط وتعالي نفكر هنعمل أي مع بعض.

رفعت وجهها شديد الحمرة من كثرة البكاء وجفون عينيها التي أصبحت منتفخة،  فأجابت بصوت متحشرج يخرج بصعوبة من فمها: 
_ نفكر!،  أنا ضعت خلاص،  سلمتلك نفسي من غير أي ذرة عقل،  مشيت ورا قلبي مقدرتش أقولك لاء لأول مرة، وآخرتها بقيت زيي زي أو واحدة.....
صمتت لتجهش في البكاء مجدداً،  شعر بالأسف الشديد نحوها فأحتضنها وربت عليها: 
_ متقوليش كده،  كل مشكلة وليها حل.

أبعدت وجهها عن صدره فأجفلته بسؤال لم  يضعه في الحسبان بتاً: 
_ والحل أي؟،  هتتجوزني؟

شعرت بإنتفاضة جسده وهو ينهض مبتعداً عنها،  ولي إليها ظهره، لايعلم إجابة سؤالها المباغت لعقله،  فالزواج بالنسبة إليه أمر قد حسمه من قبل،  لم ولن يتزوج سوي من عشقها بكل حواسه مهما كان الثمن، كيف يمكنه الزواج بغيرها حتي لو كان إصلاح لخطأه الفادح!.
3

_ زي ما توقعت طبعاً لاء،  لأن عمرك ما حبتني ولا هاتحبني،  أنا الي كنت معيشه نفسي ديماً في وهم وحطه أمل إنك هاتحس بيا وهتمل من جريك ورا ندي.
1

أقتصرت عليه كثير من الكلمات كان سيخبرها بها،  ألتفت إليها وقال: 
_ أنا مش قادر أفكر في أي حاجة دلوقت،  بس أوعدك مش هتخلي عنك وأسيبك في محنتك لوحدك.

كلماته أشعلت في داخلها نيراناً،  فتبدلت حالتها من رثاء نفسها إلي أخري يسيطر عليها الغضب والألم والغبطة،  خليط من المشاعر السلبية،  نهضت و وقفت أمامه: 
_محنتي!،  أصدك محنتنا،  كارثتنا أنا وأنت،  وأنا مش بخيرك،  أنت لازم تصلح غلطتك معايا،  يا أما ههد المعبد فوق دماغك ودماغي،  أقلها هاروح لجوز السنيورة سيادة النقيب،وأنت بقي فاهم الباقي.

حدجها غير مصدق كيف تبدل حالها بتلك السرعة،  كانت منذ ثوان كالشاه المذبوحة تبكي والآن أرتدت قناع القوة والتهديد بل وتلقي عليه أمراً ربما سيفكر به لاحقاً،  لكن أسلوبها الذي يمقته هذا جعله يتراجع عن أفكاره وعليه أن يظهر لها وجهه الثاني.
أمسك بعضدها و بنبرة خالية من الحياة بل تتلخص في تهديد و وعيد قال لها : 
_ تصدقي إن أنا إبن......  لما صعبتي عليا وكنت بفكر أساعدك،  لكن لما ظهرت وساختك للمرة التانية معايا خلتيني قررت أسيبك تتحرقي ولا تولعي بجاز، وفعلاً زي ما قولتي طول عمرك أنتي الي بتجري ورايا وفارضة نفسك عليا وعماله تخططي وتحلمي، ولعلمك بقي رد فعلك دلوقت أثبت لي إن التمثلية الي عيشتيني فيها دي مدخلتش دماغي خالص،  أنتي هتلاقيكي كنت مخططه لكده عشان تدبسيني وتخليني أتجوزك، قولتي لما أستخدم آخر كارت ليا معاه وأحطه أدام الأمر الواقع،  بس أنا بقولك عمره ما هيحصل يا مروة،  وليلتك شليها لوحدك.
4

قال آخر جملة وهو يوكزها بعنف في ذقنها ثم دفعها بقسوة يحدجها بنظرة إزدراء وإشمئزاز، أتجه نحو خزانته قائلاً: 
_ ياريت عقبال ما ألبس تكوني أنتي كمان لبستي ومش عايز أشوف وشك ده خالص.
ــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــ
_ تغلق صنبور المياه بعدما أنتهت من جلي الصحون والأواني،  مسحت بظهر يدها علي جبهتها لتزيل قطرات العرق،  يبدو عليها التعب وينتابها شعور بالدوار الخفيف تحاول مقاومته منذ الصباح.
جاءها صياح خالتها من خارج المطبخ: 
_ أطفي علي المحشي يا نواره،  زمانه أستوي.

ردت بصعوبة فحتي قوتها المنهكة غير قادرة علي التحدث: 
_ طفيت عليه من شوية يا خالة.

_ طيب معلش ولعي الفرن علي الفراخ تسخن هبابة.

_ حاضر.

أمسكت بالقداحة ذات الأسطوانة الطويلة وقامت بإشعال فرن الموقد، وأن تخللت رائحة الدجاج المتبل حاسة الشم لديها،  فأنقلبت معدتها وسيطر عليها الشعور بالغثيان،  ركضت علي المرحاض وأفرغت كل ما بجوفها،  وبداخلها يخبرها حدسها إن ما يحدث لها ربما له سبب طالما أنتظرته أكثر من عامين، لكنها لم تبالي وبررت هذا إصابة معدتها بالبرد فهي قد غفت بالأمس في هواء التكيف البارد بدون دثار مرتدية منامة خفيفة.
غسلت وجهها لعلها تفيق،  خرجت علي صوت رنين جرس المنزل،  فذهبت لتري من الزائر،  فتحت الباب، تبدلت ملامحها إلي الوجوم.
_ أزيك يابتي،  ما هتجوليش أتفضلي ياماه؟.

قالتها سعاد وكانت ملامحها تدل إنها نادمة وجاءت تطلب السماح من إبنتها.
زفرت نوارة بضيق وأشارت إليها قائلة بتهكم: 
_أتفضلي،  مهما كان دي دار خايتك وأني هنا مچرد ضيفة مش أكتر.

ولجت سعاد ولم ترد علي إبنتها، مهما قالت لها من كلمات فلن تعاتبها،  هي تعلم كم هي خذلتها عندما لجأت إليها من بطش وظلم زوجها وهي أكتفت بدور المتفرج تخشي حتي الدفاع عنها،  لذا عليها أن تتحمل أي ردة فعل من إبنتها.

أستقبلتها شقيقتها رسمية بترحب ولم تخفي عنها نظرة العتاب، فقالت: 
_ كيفك يا خايتي؟.

ردت سعاد بدون النظر إليها: 
_ الحمدلله زينه،  كيفك أنتي وأبو رافع؟.

_ كلاتنا بخير،  وبتك بجت أحسن وزينة من وجت ما بجت ماتشوفش زوچها.

عقدت مابين حاجبيها بتعجب فسألتها: 
_ واه،  كيف مابتشوفهوش؟.

أجابت بإمتعاض: 
_ من وجت ما چابها من عندكي ولجيناه عيبهدلها وجفنا له وأبوه سخفه كف محترم و جاله ملكش جعاد أهنه إلا لما تحب علي راس مارتك وتعتذر لها،  ومن وجتها ماشوفناش خلجته واصل.
1

لطمت علي صدرها وقالت: 
_ يا نهار طين،  و ده برضك ينفع يا أم رافع،  ولدك ماعدش صغير علي الي أبوه سواه وياه،  وأنتي خابره زين ولدك هيعاند وممكن يختار خراب بيته ولا نه يتأسف لبتي عاد.

رمقتها رسمية بإمتعاض وتعجب في آن واحد، ينبلج من حديثها الدفاع عن إبن شقيقتها غير مبالية لإبنتها المجني عليها.
_ واه يا سعاد،  أني احترت فيكي يا خايتي كل الي همك رافع والي حوصل وياه ولا همك بتك الي كسرها قدمنا ولا هان عليه يطيب خاطرها بكلمة عاد!.

خرجت نوارة من المطبخ تحمل صينية يعلوها أكواب من الشاي،  تسير بخطي وئيدة من التعب،  فقالت تعقيباً علي حديث خالتها: 
_ همليها يا خالة تجول الي ريداه، من ميتي وهي عتهتم بحالي، كل الي همها إن بيتي ميتخربش حتي لو چيت علي نفسي وأموت بالحيا.

شهقت سعاد وقالت بإستنكار: 
_ بعد الشر عليكي يابتي،  ليه عتجولي إكده!  ،  ربنا عالم أني بخاف عليكي قد أي وكل الي ريداه مصلحتك وتكوني زينة ويا چوزك.

رفعت زواية فمها بتهكم وقالت: 
_ حتي لو چوزي بيموتني!.

نظرت الشقيقتان إليها بدهشة،  فأردفت بنبرة تنضح بالقهر والألم التي تشعر بهما دائماً: 
_ أيوه كل يوم بيموتني وهو نايم چاري و جلبه وعجله مع واحدة غيري، حتي لما بكون في حضنه عينادم بإسمها هي وأسمعه وأكتم في صدري،وكل ما نتچمع وتكون موچودة ينسي الدنيا ومارته ويسرح فيها هي وبس،  جتلني ليلة فرح زينب لما شوفته بعينيا وهو عيحضنها ويبوسها كأنها هي الي مارته مش أني، عايزين أسوي أي وياه بعد كل دي!،  أكمل حياتي كيف؟.

رفعت رسغها نحو عينيها لتجفف بطرف كوم عباءتها عبراتها التي خدعتها وأنسدلت أمامهم برغم محاولتها كتمانها.
_ هملوني أختار الي يريحني ويريح جلبي الي مات علي يد الراچل الوحيد الي دج له وحبه،  وياريت ياماه متكلفيش حالك وتيچي تطلي عليا، أديكي شوفتيني أهه عايشة ويا خالتي وچوزها الي حسسوني أني بتهم وچابولي حجي الي مجدرتش تچبهولي الي من لحمها ودمها، أنسي ليكي بت ولا أجولك أتبري مني أحسن.
5

ألقت بكلماتها كالصاعقة علي رأس والدتها ودلفت إلي غرفتها،  أغلقت الباب خلفها بعنف،  مما جعل سعاد أنتفضت ولم تتحمل قسوة إبنتها معها فأجهشت بالعويل،  ربتت عليها رسمية بمواساه: 
_ معلشي يا خايتي، ما أنتي خابرها عتجول حديتها من ورا جلبها.

كادت سعاد تفتح فاهها لتجيب،  لكن قاطعها صوت هبدة قوية آتية من غرفة إبنتها،  نهض كليهما وفتحا الباب علي الفور،  فوجداها ممدة علي الأرض فاقدة للوعي.

وبعد قليل أتي الطبيب بعدما ذهب إليه زوج خالتها وجلبه معه علي عجالة،  فقام الآخر بفحصها تحت نظرات والدتها التي تبكي حزناً علي إبنتها وما وصلت إليه.

وعند إنتهاءه قام بتدوين أسماء مكملات غذائية وڤيتامينات،  نزع الورقة وأعطاها لخالتها التي قالت: 
_ خير يا دكتور،  هي مالها كفي الله الشر؟.

إبتسم الطبيب ليطمأنها قائلاً بحبور: 
_ أطمني يا حاجة، الإغماء ده طبيعي جداً لأنها أبتدت مرحلة الوحم.
كفت سعاد عن البكاء و غرت فاهها ببلاهة ثم قالت: 
_ إياك تجصد إنها....

أومأ لها مجيباً: 
_ حامل،  ألف مبروك.
2

لم تصدق أذنيها ورددت: 
_ إما أنت كريم يارب، الحمدلله والشكر لله.
ثم أردفت بخفوت حتي لاتسمعها شقيقتها:
_ بركاتك يا شيخنا وبركات الأسياد.

وأطلقت زغرودة بصوت جهوري قد وصل لأذان أهل النجع جميعهم،  كما هللت رسمية و زوجها بفرحة عارمة.

فأخبرهم الطبيب قبل مغادرته: 
_ أهم حاجة الراحة وتروح تتابع مع دكتور نسا وتوليد عشان تاخد بالها من صحتها وصحة الجنين،  يلا عن أذنكو وألف مبروك مرة تانية.

أوصله خميس إلي الخارج وأعطاه مبلغ من المال أكثر من ما طلبه وذلك بمناسبة هذا الخبر السعيد.
وبالداخل بعدما سمعت ما قاله الطبيب لم يبدو عليها أي إهتمام بل كانت نظراتها تنضح بالبرود واللامبالاه،  فما تمر به من ظروف عصيبة كسر بداخلها فرحة طالما أنتظرتها منذ عامين وأكثر.

قالت رسمية بفرحة: 
_ ألف مبروك يابتي،  أخيراً  ربنا كرمك أنتي و ولدي، ربنا يتتملك ويكملك حملك علي خير يارب وتجومي أنتي والمولود بالسلامة قادر يا كريم.

فقالت سعاد أيضاً: 
_ إحنا نتصل علي رافع وتو ما يعرف هتلاجيه چاي چري ويحب علي راسك ويدك ورچلك كماني.

أشاحت نوارة وجهها عنها ولم تتفوه بكلمة وآثرت الصمت،  فلم يفرق لديها علمه بخبر حملها أم لا!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــ
_ صدق الله العظيم.
قالهابعد إنتهاءه من تلاوة آيات الذكر الحكيم ثم أغلق المصحف،  ونهض ليتوضأ إستعداداً لأداء صلاة العصر وبعدها يبدأ تلقين الأطفال الدروس الدينية،  أستوقفه رؤية طفل نائم في إحدي أركان المسجد ومولياً ظهره، ذهب ليري من هذا الطفل كما أخبره قلبه إنه يعرفه جيداً.
جلس بجواره وأخذ يربت عليه ليوقظه فأستيقظ علي الفور وأستدار إليه فتفاجئ به،  فقال بكر بتعجب: 
_ عمر!.

نهض الصغير ويغلبه النعاس البادي في صوته:
_ شيخ بكر، معلش أصلي منعستش من إمبارح كنت خايف جوي وأني لوحدي.

_ لوحدك كيف يعني؟.
سأله بكر بعدم فهم،  ففسر الصغير مجيباً بحزن: 
_ أصلي أتخانجت ويا أمي وطردتني من الدار عشية إمبارح وجالتلي ملكش جعاد معاي يا إبن أبوك وخلي قمر تنفعك،  فضلت ألعب مع أصحابي لحد ما كل واحد عاود علي داره وملجتش مطرح أتاوي فيه غير أهنه في المسچد.

ردد بكر بأسف علي الصغير: 
_ لا حول ولا قوة إلا بالله،  وأي السبب الي خلاها تسوي معاك إكده؟.

رمقه بتوتر فقال: 
_ سمعتها عتتفج ويا خالي إنهم يبيعو الدار وعتجوله إن أبوي الله يرحمه كان كتبلها توكيل،  فجالها كيف هتبيعي من غير ما قمر تعرف وتوافج هي ليها في الدار ورث أمها الله يرحمها،  جالتله ما إحنا هنبيعها في الباطن وقمر تبجي تتصرف ويا الي هيشتريها هتكون هي وأخواتي وخالي هچو من البلد وأتدلو علي أي مطرح تاني محدش هيعرفه.

تجهم وجهه كيف لتلك المرأة التفكير في ظلم زوجته ألم يكفيها ما فعلته معاها!  ،  وتأتي الآن لتأخذ حقها عنوة!.

_ متوكد من حديتك دي ياعمر؟.

أجاب الصغير: 
_ والله ده كل حرف سمعته يا شيخ بكر،  ولما شافتني عتسنط عليهم جبصتني من جفاي وسألتني سمعت أي جولتلها كل حاچة وإكده حرام الي عتسويه يا أماه وقمر بت عمتي ماتستهلش منك كل ده،  جامت رفعاني من ياجة الترنج وفتحت الباب ورمتني بره الدار وجالتلي كيف ما خابرتك.
2

ربت بكر عليه بحنان وقال: 
_ معلش يا عمر،  الله يسامحها ويهديها، إحنا نخلص الدرس وتيچي معاي عند قمر تجعد حدانا.

أنبلجت فرحة عارمة علي محيا الصغير وقال: 
_ بچد يا عمي بكر؟.

أبتسم له بحب وداعب خصلاته بيده: 
_ أيوه بچد،  دلوق بجيت عمك ومن شوي كنت شيخ!.

ضحك الصغير: 
_ طب تحب أجولك أي؟.
وقبل أن يجيبه الآخر أردف الصغير: 
_ أي رأيك أجولك يابا بكر، بصراحة بحسك كيف أبوي الله يرحمه في حنيته وطيبته.

أومأ له بكر وأحتضنه بحنان أبوي وقال: 
_ جولي الي أنت عايزه يا حبيبي،  وأني بدعي ربنا لما يرزجني بالذرية الصالحة،  يعطيني ولد كيفك إكده دمه خفيف وراچل من صغره ويحفظ القرآن ويسمعه بصوت كيف صوتك الزين ده.

بادله الصغير العناق بقوة يشعر بالأمان الذي فقده مع والدته جاحدة القلب فقيرة الأخلاق.
مسد بكر فروة رأس الصغير فأخبره: 
_ يلا بينا نجوم نتوضأ،  شوي وعمك الشيخ واصف هيأذن.
1

نهض الصغير معه وذهب كليهما للوضوء.
ــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ في مكان آخر بداخل المنزل المتطرف علي حدود النجع والخاص بشقيقه زكريا،  فبعد أن قرر بكر الرحيل من منزل عائلته برفقة قمر هاتف شقيقه ليخبره إنه يريد المكوث في منزله الخاص لفترة حتي يجد منزل مناسب له ولزوجته ويقوم بإعداده.
وكانت قمر منذ أن دلفت إلي داخل المنزل وبدأت في إعادة ترتيبه حيث الغبار كان يملأ الأركان والأثاث ولم يكن مرتباً ونظيفاً،  فقضت نهار اليوم في التنضيف في أول يوم لهما حتي أنهكت قواها وتناول كليهما الطعام ثم غلبهما النوم، فكانت تنام في غرفة وبكر في غرفة أخري.
و اليوم هو التالي لهما،  تقف في المطبخ الذي يحتوي علي موقد بسيط متصل بإسطوانة غاز و هناك خزانه صغيرة تحتوي علي أواني قديمة وصحون وملاعق،  قامت بغسلهم من آثر الغبار المتراكم عليهم،  وبدأت في إعداد الطعام الذي قام بكر بشراءه لها في الصباح،  فأشعلت النيران علي الأواني وذهبت لتأخذ قسطاً من الراحة أمام التلفاز، أوصلت أسلاك التشغيل  بالمقبس المشترك فأضاء التلفاز، ألقت بجسدها علي الأريكة المقابلة لغرفة النوم المظلمة،  كادت تزفر بأريحية لكنها أنتفضت فجاءة وشهقت عندما رأت طيف ظهر في أقل من ثانية داخل الغرفة.

وضعت كفها علي صدرها الذي يعلو ويهبط من الفزع.
_ بسم الله الرحمن الرحيم، أهدي يا قمر هتلاجيه خيال حد معدي في الشارع من قدام الشباك.

نهضت لتتأكد من ظنها،  فوجدت زجاج وخشب النافذة كلاهما موصد ولم ينفذ منهما سوي بصيص من ضوء الشمس يتجمع في بقعة علي الأرض،  أعتراها إحساس بالبرودة وكأن أحدهم مر بجوارها وشعرت بأنفاس دافئة لفحت وجنتها فأنتفضت مرة أخري،  أطلقت ساقيها إلي الخارج تصرخ من الرعب.
أمسكت بجهاز تحكم التلفاز وظلت تضغط علي زر التقليب حتي توقفت لدي قناة المجد لتلاوة القرآن الكريم.

أبتعدت من أمام الغرفة وأخذت تردد كل الأدعية وأذكار التحصين وآية الكرسي رددتها أكثر من مائة مرة، ذهبت لتطفأ الموقد وقررت البقاء في المطبخ ،  ظلت هكذا ولم تشعر بمرور الوقت، أنتفضت للمرة الثالثة لكن تلك كانت طرقات علي باب المنزل تعلم من صاحبها، ركضت وفتحت الباب وما أن رأته في وجهها ألقت بنفسها علي صدره محاوطه جذعه وتشبثت بقوة به وأجهشت بالبكاء.
أثارت خوفه وقلقه،  فأبعد وجهها ونظر إليها بإستفهام: 
_ مالك يا قمر عتبكي ليه وخايفة إكده؟.

بدأت تهدأ قليلاً وأشارت له نحو الغرفة، رددت بتلعثم: 
_ عفريت،  الأوضة،  فيها.

حاوط ظهرها بزراعه وتقدم بها ليجلسا علي أقرب مقعد،  ربت عليها ليهدأها: 
_ أهدي إكده وأذكري الله،  عشان مافهمش منك حاچة واصل.

رددت الإستغفار ثم قالت بإعادة جملتها السابقة بترتيب: 
_ الأوضة فيها عفريت، شوفته مرة وحسيت بيه وماشي چمبي لما دخلت چوه.

لم يتمالك نفسه، فأطلق لضحكاته العنان حتي أدمعت عينيه مما جعل ملامحها تبدلت من الخوف والبكاء إلي الغيظ و الغضب، عقدت ساعديها أمام صدرها:
_عتتمسخر عليا يا بكر، شايفني عيلة صغيرة قدامك!.

قال من بين ضحكاته:
_ غصب عني والله، مش جادر أسمع وأشوفك وأنتي عتحكي بطريجتك دي وأسكت.

لكزته في زراعه:
_ أني زعلانة منك وملكش صالح بيا.

قالتها وأتجهت إلي الغرفة فصاح بمزاح:
_ حاسبي ياقمر العفريت مستنيكي چوه.

ترددت في الدخول لتغير وجهتها ودلفت في الغرفة المجاورة وقبل أن تغلق الباب، توقف عن نوبة الضحك وقال:
_ رايحة فين تعالي يا مچنونة، عاملك مفاچاءة، في حد واجف بره عايز يشوفك.

صاح منادياً:
_ تعالي يا صاحبي.

دلف الصغير و تو ما رأته ركضت عليه صارخة بإسمه، عانقته وحملته:
_ أتوحشتني جوي جوي ياعمر.

فباغتها الصغير بحديثه الذي يكبر عمره:
_ وأني زعلان منك جوي ياقمر.

أنزلته ودنت منه:
_ ليه يا جلبي عتجول إكده؟.

رد بعتاب رجل بالغ عاقداً ساعديه أمام صدره:
_ لأنك من وجت ما هملتيني ما بجتيش تسألي عليا ولا حتي هان عليكي تيچي الچامع تشوفيني ولو دجيجة، ما خلاص من لجي أحبابه نسي أصحابه.

عانقته مرة أخري ومسدت فروة رأسه قائلة:
_ أبداً والله يا نور عيني، أني بس كنت مشغولة عنحضر للفرح وكنت ناوية أچيلكو أعزم أمك وأخواتك مهما كان أنتو أهلي.

_ يعني خلاص هتتچوزي أنتي وعمي بكر؟.

_ أدعيلنا أنت بصوتك الحلو دي ربنا يتتملنا علي خير.

_ ربنا يتتملكو علي خير ويبعد شر أمي عنكو.

حدجته بتعجب من مغذي دعائه الأخير، نهض بكر وأقترب منه ليلهيها قائلاً:
_ الله الله يا قمر هانم أنتي وسي عمر، أول ما شوفتو بعض نازلين أحضان وحب وغرام وأني واجف چاركو كيف عود الجصب.

ضحكت قمر وقالت لإغاظته:
_ عمر ده حبيب جلبي ملكش صالح بينتنا.
وأخرجت لسانها بحركة كوميدية

ضحك عمر علي حديثهما ونظرات بكر المتوعدة إليها بمزاح فتدخل قائلاً:
_ ماتصدجهاش يا عمي أني موعدتهاش بحاچة واصل، علي طول بجولها أنتي كيف خايتي يابت الناس.
قهقه بكر وقال:
_ معلش يا أستاذ عمر أني خابر أخليها تبطل تچري وراك، ديتها معاي أحبسها ويا العفريت في الأوضة وأجفل عليها النور والباب.

_ لاء حرام إحنا نوديها لأمي أحسن.

جزت علي شفتها السفلي بحنق:
_والله عال أتلميتو علي بعض وبدأتو حفلة التريجة عليا، ماشي منك ليه، شوفو بجي مين الي هيغديكو عاد.

كتم بكر ضحكاته وأرتسم الجدية:
_ولايهمك ياض ياعمر تعال ننزلو المركز وأغديك عند أحلي حاتي عيسوي كباب وكفته تاكل صوابعك وراه، ونهملها لوحدها تاكل ويا العفريت.
قالها وركض من أمامها قبل أن تصل يديها لقطع الفواكه الزينة البلاستيكية وأخذت تلقي بها عليه وعلي عمر الذي ركض وراءه.

وبعد وصلة المزاح والفكاهة أخذهما وذهبو لتناول الطعام في إحدي المطاعم بالمدينة، فمن يراهم يظن إنهم عائلة بل وأسعد عائلة، لكن كان بكر يواري خلف إبتسامته وضحكاته غضب عارم من تلك الحية نفيسة وأقسم إنه لن يترك حق زوجته فكما وعدها بعشقه وحنانه تعهد بحمايتها وحماية ممتلكاتها وسيقف بالمرصاد لكل طامع في إرثها، قرر العمل في صمت، سوف يجلب حقها  ولم يخبرها بشئ، يكفيها حزن وألم من زوجة خالها أو والدته.

ــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــ
_ حل الليل بظلامه الدامس فيضيئ القمر والنجوم دروب العشاق القاحلة ويبث بداخل قلوبهم الأمل والحب والطمأنينة.
وعلي قارعة الطريق الذي يبعد عن أي مظاهر للحياة بمئات الأميال،  تقف تلك السيارة المعطلة ويجلس علي مقدمتها كليهما في إنتظار أي مساعدة أو شاحنة تمر لإغاثتهم.

_ الصبر من عندك يارب،  بجالنا أكتر من تلات ساعات ملطوعين في المطرح المجطوع دي ولا ظهر لنا كلب حتي يعبرنا.
قالتها سمية بتأفف،  ف رد عليها صلاح الذي يمسك بهاتفه باحثاً عن إلتقاط أي إشارة: 
_ الي يسمعك يقول إنك لوحدك مش معاكي أنا كمان زي زيك.

_ يعني عاچبك الي أحنا فيه!، أهو الليل چه علينا والله أعلم ممكن يطلعلنا ديب ولا سلعوه يخلصو علينا.

هز رأسه بسأم وبإبتسامة قال: 
_ الي يخاف من العفريت بيطلعلوله.

رمقته بمكر وقالت: 
_ أيوه ما أني خابره المثل ده زين،  بأمارة الي حوصل معاي.

وضع هاتفه في جيب سترته و وقف أمامها مباشرة،  أنحني نحوها فتراجعت إلي الخلف: 
_ أصدك أي يعني؟.

فتحت فاهها بإبتسامة بلهاء وقالت بإستنكار: 
_ طبعاً ما جصدكش أنت بالعفريت يا صلوحتي،  أني كان جصدي علي المشاكل الي حوصلت جبل ما أشوفك.

ضيق زرقاويتيه المنعكس عليها ضوء القمر قائلاً: 
_ آه،  بحسب.
حدجها بنظرة أربكتها ليردف: 
_ حلوة صلوحتك دي،  بس ياريت تخليها بيني وبينك بس.
1

أومأت له بإبتسامة: 
_ حاضر.

صدح عواء ذئب جاء من بعيد فأنتفضت وأمسكت في تلابيب سترته وقالت بخوف: 
_ يا مُرك يا سمية أهو ده الي كنت خايفة منيه.

قهقه علي كلماتها ومظهرها الساخر فقال: 
_ مش قولتلك الي بيخاف من حاجة بتطلعله، ويا عالم بقي الديب بعيد ولا قريب مننا وياتري ده واحد ولا كتير وإحنا أتنين بس.

ردت بتوتر متلفته من حولها بقلق: 
_ ما تهدي يا أبوصلاح، ده أنت لو جاصد ترعبني ما هتجولش إكده.

_ أعملك أي ما أنتي الي من ساعة ما العربية عطلت بينا خلتينا ننزل وكل ما أقولك تعالي نقعد جوه لحد ما تظهر عربية أو أي حد يساعدنا تقوليلي لاء كأني هاكلك لو دخلنا.

قالت بإعتراض: 
_ أيوه وألف لاء،  چوه العربيه هيبجي مكان مجفول علينا والجزاز فاميه، والشيطان شاطر ممكن يغلبني النوم وأنت تستغل الفرصة وتتغرغر بيا وأني نايمة.
2

أنتابته نوبة ضحك ويضرب كفوفه في بعضها البعض: 
_ يخربيت الأفلام الأبيض وأسود الي واكلة دماغك، الكلام ده لو الي معاكي عيل مراهق أو شاب لسه في العشرينات كل تفكيره في الحاجات دي،  ياسمية يا حبيبتي أنا واحد دخل الأربعين وفي مجال قابل فيه كل حاجة،  فمش معقولة هعمل الي بتقولي عليه ده،وكلها ساعات وهقابل والدك أطلبك منه للجواز!.

كانت تستمع إليه وقالت بداخل عقلها:
_ ما هو أنت لو ماسوتش إكده، أني الي ممكن هتهور عليك، وأنت حليوة وعيونك الزرجه الي عتلمع ولا ريحة برفانك الي مدوخاني، ده أني الي شكلي هاروح أچيب الشيطان من جفاه.
8

وجدته يحدق في وجهها بصمت يبدو إنه يقرأ أفكارها من خلال نظرات عينيها له، أزدرد ريقها بتوتر، أرتسمت الجدية وقالت بتصنع : 
_ برضك الأصول أصول،  أني أتربيت علي إكده.

غمز بإحدي عينيه وقال: 
_ ماشي،  خلينا ورا الأصول لما نشوف أخرتها.

هبت ريح باردة فأصابها الشعور بالبرد،  عقدت ساعديها وأخذت تفرك بيديها لتستمد قليل من الدفء،  خلع سترته و وضعها عليها: 
_ الجو شكله هيقلب برد،  تعالي بقي نقعد جوه ولا لسه مش واثقة فيا؟.

وجدت لديه حق،  فهي ترتدي ثوباً ذو بطانة خفيفة قد أشتراه لها في طريقهما لترتديه بدلاً من عباءتها القطنية،  تنهدت وقالت: 
_ عن شرط،  نخلي الأبواب مفتوحة.

فقال بنفاذ صبر: 
_ يبقي خلينا هنا في الطل أحسن.

أذعنت أخيراً له و وافقت علي المكوث بداخل السيارة،  عم الصمت بينهما وظلت تنظر بشرود إلي الخارج عبر زجاج النافذة، فأنتابه الشعور بالنعاس من هذا الملل،  ضغط علي زر فتمدد المقعد إلي الخلف كالمضجع،  أغلق عينيه وبعد قليل أنتبهت إليه لتجده يغط في النوم، أنحنت نحوه تتأمل ملامحه وبدون أن تشعر تفوهت بصوت مسموع ظنت إنها تردده في نفسها: 
_ خابر يا صلاح،  من أول يوم شوفتك فيه برغم كان يوم أسود ومهبب علي الي حصل معاي من صاحبك هولاكو، لكن أنت الحاچة الوحيدة الي هونت عليا أي وچع أستچدعتك جوي لما أنقذتني وخدتني حداك، عارفه أني كنت كيف الدبش وجتها بس غصب عني خوفت لتطلع كيف المدعوج سليم، والحمدلله طلعت أحسن بكتير،  وهتبجي أحسن وزين وهاحبك أكتر لو هملت شغلك المشبوه وياه وأتجيت ربنا وتوبت من الي أنت فيه.

فتح عينيه فتلاقت زرقاويتيه بعينيها الكحيلة ذات الأهداب الكثيفة قائلاً  بهدوء: 
_ أفهم من كلامك أنك فعلاً بتحبيني؟.
2

عادت أدراجها وأعتدلت في جلستها بخجل: 
_ واه كيف سمعتني وأني عتحدت في سري!.

إبتسم إليها وأجاب: 
_ لسانك مهنش عليه يخبي كلام قلبك وحب يسمعني الي كان نفسي أتأكد منه.

أشاحت وجهها للجهة الأخري بخجل أكثر وقالت بتوتر: 
_ خلاص بجي.

أعاد كرسيه في وضع الجلوس وأمسك بطرف ذقنها لتنظر في عينيه التي تسحرها بالنظر بداخلهما: 
_ مش خلاص،  أنا عايزة أسمعها منك صريحة من غير أي مقدمات.

أمسكت بتلابيب حجابها وقالت بتوتر:
_ ماجدراش، أجصد يعني كيف أجولهالك ويا عالم أنت كمان حاسس إكده من ناحيتي ولا چوازك مني مچرد شفجة وعطف منك.

قد صدمته بحقيقة طالما يخبأها عنها، فهو بالفعل لايعلم إلي الآن هل مايشعر به نحوها حب أم شفقة بسبب ما بداخله!.
أجاب بإستنكار :
_ بالعكس أنا هاتجوزك عشان أضمن تعيشي معايا وأنتي مطمنة وتكوني في حمايتي علي طول.

إرتفعت زواية فمها بتهكم وقالت:
_ ياه، كيف ما أني حسيت بالظبط، وأني ماهلومك واصل، عندك حق أنا فين وأنت فين، فرج مابين السما والأرض.

زفر بضيق لا يعلم كيف يفسر لها شعوره المتضارب بداخله فقال:
_ أنا عمري ما بصتلك النظرة دي خالص، ولو كنت كده زي ما بتقولي مكنش زماني قالب عليكي الدنيا لما هربتي وفضلت أدور زي المجنون لحد ما عرفت طريقك و وصلت ليكي.

_ أومال عتكابر ليه وتلف وتدور في الإچابة، منين ما عتحبنيش ومنين رايد تتچوزني، عايزه أفهمها.

هز رأسه بسأم وقال:
_ هتصدقيني لو قولتلك لأنك شبهي!.

رمقته بدهشة فأطلق تنهيدة وكأنه يزيح حملاً ثقيلاً من فوق صدره ليردف:
_ طفل عنده أربع سنين بعد ما كان عايش في سعادة وسط والده و والدته فجاءة لقي نفسه وحيد بعد ما والدته أتوفت بسبب إنها كانت مريضة كانسر، و والده بدل ماياخده في حضنه ويحتويه راح أتجوز واحدة كان شرطها إنها موافقة عليه بس مش هتربي عيال، والنتيجة أترمي عند جدته المسنة الي محتاجة حد يراعيها مش العكس، عاش الطفل مابين عطف الجيران علي حس جدته لحد ما بقي عنده عشر سنين وجدته ماتت، رجع لأبوه وياريته ما رجع، تخيلي عاش تحت رحمة مرات أبوه الي كانت بتحط له بواقي أكلهم كأنه حيوان وتنيمه علي الأرض في عز الشتا بغطا يا دوب يدفيه، والي كان ما خليه ساكت علي الذل والإهانة  كانت بتهدده لو أشتكي هتخلي أبوه يقعدو من المدرسة، ده غير كم من إتهامات هتلفقها ليه عشان يبقي العقاب مضاعف، سكت وأستحمل لحد ما كبر ودخل ثانوي عام وبيشتغل في نفس الوقت عشان يوفر فلوس لمصاريفه، كان أمنيته يدخل كلية حقوق ويبقي محامي ويدافع عن كل المظلومين، الوقت ده قرر إنه يسيب العيشة مع أبوه ومراته الشيطانة الي أتحولت معاملتها فجاءة من كتلة قسوة وشر لمعاملة تانية خالص فهم غرضها منه أي، مكفهاش الي عملته فيه وهو صغير كمان عايزه تستولي علي شبابه في علاقة  قذرة، ولما رفض وهددها إنه هيفضحها وهيقول لأبوه لو مابعدتش عنه راحت بكل وساخة وأتهمته بأنه حاول يعتدي عليها ومش بس كده وكمان أتهمته إنها شافته بيشرب مخدرات، أبوه طبعاً كالعادة مصدقش دفاعه عن نفسه وطرده في الشارع.
2

صمت قليلاً حيث خانته عبراته وأنسدلت بجانب عينيه، قام بتجفيفها بطرف أنامله وأستطرد حديثه:
_ فضل يعافر ويواجه مشاكل وصعاب كانت أقوي من أي حد في سنه يستحملها لحد ما أتخرج وخد الشهادة وجاتله فرصة سفر لفرنسا أشتغل هناك وكمل دراسته، وكأي مواطن عربي مسلم بيتعامل كدرجة تالته، و حظه تقع قضية رجل أعمال فرنسي ضد راجل أعمال أصوله عربية التاني الي كان رافعها وبمهارته وذكاءه المهني قدر يكسب القضية لصالح موكله العربي، ملحقش يفرح بالنجاح فبدأ الإنتقام من الفرنسي الي طلع شغال في المافيا وكان ليه وزنه كمان، أنتقم من خصمه والمحامي الي نال ن الحب جانب زي مابيقولو خد علقة موت كان هيروح فيها وقفله مكتبه، صاحبنا ميأسش أستني لحد ما يتعالج ويقف علي رجله وفي الوقت ده أتعرف علي رجل أعمال مشهور أسمه داغر العقبي وإبنه الي كان ماسك أعماله وقتها في باريس، كان داغر ليه تار مع الراجل الفرنسي ولما عرف الي حصل ليه علي أيد رجالته من محاولة قتل فأتفقو مع بعض عشان ينتقمو منه أشر الإنتقام، وفعلاً في خلال شهرين قلبنا الرأي العام علي الراجل ده الي مستحملش العواقب الي حصلتله من خسارة كبيرة في السوق حتي في المافيا قلبو عليه وأتفقو أنهم يصفوه وقبل ما يتخلصو منه لحق نفسه وأنتحر، من هنا بدأت علاقة الصداقة والمصالح مابين المحامي ومابين إبن رجل الأعمال المصري وبقي محاميه الخاص ، وكانت بداية كيان وإسم صلاح أيوب.
3

_ ياه، كيف ما جولت بالظبط، حكايتك عتشبه حكايتي مع بعض الأختلاف، أني كمان أتربيت في ذل مرات الأب وسلبية أبوي الي مسلملها كل حاچة وهي الأمر والناهي، كان كل الي يهمها تتخلص مني بأي طريجة ولولا زنها علي ودان أبوي الي كان رافض أكمل علامي بحچة البت مهما أتعلمت ملهاش غير بيت چوزها في الآخر، مكنتش دخلت  ثانوي تمريض وأكمل منه معهد وأشتغل في نفس الوجت، هي الي أجنعته يهملني أسوي الي نفسي فيه، ومن وجتها بجت ليا حياتي الخاصة وعيشت بعيد عنهم مرة في سكن ويا أصحابي، مرة أقعد عند جرايب أمي الله يرحمها وأهي الأيام بتعدي، وحياتي أنجلبت يوم ما وجعت في يد الي مايتسمي.

ضحك من جملتها الأخيرة قائلاً:
_ وربنا أنتي مشكلة ملهاش حل.

_ فاكرني عهزر، أني كل شوي أدعي عليه، خابر أنت العلامة الي عيلزقوها علي علب الكهربا بتاعت الچمچمة والعضمتين وتحتها أحترس خطر الموت، أهم المفروض يحطو صورة سليم بدالها هيلاجو الناس هتخاف وماهتجربش منيها وكمان علب السچاير لو حطو صورته إن التدخين ضار ومؤدي إلي سليم هتلاجي ناس أد إكده خافت وبطلت شرب السچاير.
6

يستمع لها في حالة ضحك هيسترية حتي بدأ يهدأ:
_ أبوس أيدك كفاية قلبي هيوقف من كتر الضحك.
رمقته بنظرة رومانسية حالمة وقالت بصوت عذب:
_ ألف بعد الشر علي جلبك.

أخذ يحدق في عينيها بصمت ثم قال:
_ ممكن تديني فرصة يا سمية؟.

علمت ما يقصده من وراء سؤاله، فمشاعره غير مستقرة حالياً وغير قادر علي الحكم عليها نحوها، لكن هي أقسمت إنها رأت بداخل زرقاويتيه شعاع نور مصدره يكمن في قلبه الذي ينبض إليها، بينما عقله يتخذ علاقتهما بآلية غير متأثراً بالقلب.
عادت بظهرها إلي الوراء وأجابت بصوت أخبره كم هي وقعت في عشقه من الوهلة الأولي:
_ أيوه هديك عمري كله، لكن بشرط واحد.

أعتدل وجلس منتبهاً إليها فأردفت بجدية وصرامة أنبلجت بداخل عينيها:
_ الخيانة، لو في يوم أكتشفت إنك عتخوني هيبجي آخر يوم ليا وياك وتنساني واصل، لأني ما هسامحش مهما إن كان، و وجتها لو قعدت تلف الأرض كلها عشان تلاجيني ما هتوصل ليا عاد.
1

أمسك بيدها وطبع قبلة بداخل كفها وعينيه لاتبرح خاصتها قائلاً:
_ وأنا أوعدك عمري ما هخونك وهكون كل حاجة ليكي، أمانك والحضن الي هيحميكي من غدر الزمن وأي حد هيحاول يقرب منك.

سحبت يدها فوجهها كان كثمرة الفروالة من شدة الخجل، أخذت تردد الشكر والحمدلله علي وهبها هذا الرجل النبيل والتي ستعمل علي تغيره بشتي الطرق، فالحب يفعل المعجزات كما قالو أجدادنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بعد إنتهاءه من عمل طوال اليوم في وسط الغبار وحرارة الشمس وجدال وفصال مع الزبائن،  حمل ماتبقي من بضاعته ولم يغفل طوال الوقت عن إهتمامها الواضح تماماً،  حيث كانت ترسل إليه مشروبات وبعض الشطائر خلال عامل المقهي المدعو هيما والذي لاحظ أيضاً هذا الإهتمام وكلما قدم إليه مشروباً وبرفقته طعاماً يغمز له بعينه وجملة يكررها في كل مرة :
_ ست البنات بتمسي عليك يا برنس الشهامة والجدعنة.
2

وكلما ينظر بعدها نحو المتجر يجدها تنظر إليه ترمقه بإبتسامة تكاد تصل لأذنيها،  فيبادلها بمثلها وبداخله لايريد أن يتمادي معها حتي لاتتعلق بشئ لم يستطيع أن يقدمه لها فقلبه وعقله ملكاً لأخري ومن المستحيل أن يعشق سواها حتي لو كانت في جمال شهد الذي يجعل جميع الرجال من حولها يتهافتون عليها ويتقربون من الحاج نعمان والدها من أجل الزواج منها،  من يترك فتاة في منتصف العشرينات صارخة الجمال ذات حسب ونسب والوريثة الوحيدة لوالدها الذي يمتلك متجر كبير وشهير في موقع ممتاز في وسط البلد وكما يمتلك أيضاً بناء من خمس طوابق في إحدي ضواحي الجيزة.
فهي حلم ومطمع  لكل رجل وشاب لهم سابق معرفة بها وبوالدها.

فتلك المعلومات لم يخبأها هيما عن فارس أثناء دردشة ودية بينهما، فكان لحديثه هدف ما فأجفله الآخر ب ردة فعله وهي عدم الإكتراث بكل هذا فأخبره بطريقة غير مباشرة إنه مجرد شاب فقير يسعي لكسب المال الذي يكفيه بالكاد، ولا يضع في ذهنه أي شئ آخر.
2

كانت تلك الأفكار تدور في فلك ذهنه وهو بداخل سيارة الأجرة الجماعية،  فأنتبه إنه علي وشك الوصول،  طلب من السائق الوقوف جانباً،  ترجل من السيارة وتذكر شيئاً ما كلما كان سيفعله تخونه ذاكرته وينسي.
سار إلي أقرب كشك وقال للبائع: 
_حداك محمول يا حاچ.

رد البائع صاحب الملامح الوديعة بصوت ذو بحة: 
_ أه يابني عندك جمب علب السجاير.

أمسك بالهاتف و نقر الرقم الذي يحفظه عن ظهر قلب بللهفة وإشتياق، لكن خابت آماله وفرحته فوجد الهاتف مغلق،  قام بالإتصال مرة أخري لكن علي رقم آخر وأنتظر حتي جاءه الرد: 
_ الو،  مين معاي؟.

رد بصوت منخفض وبسعادة عارمة: 
_ أني فارس يا عم چابر.

_ فارس،  فينك إكده يا ولدي أي الي حوصل وياك؟.

_ أني بخير الحمدلله وعايش بعيد عن النچع،  وكيف ماسمعت في الأخبار طلع علينا في عربية الترحيلات عصابة هربت كبيرها وهربنا إحنا كمان وربنا رزجني بصاحب چدع ما عيفرجنيش واصل.

_ طمنت جلبي يا ولدي الله يفك كربك ويظهر براءتك قادر يا كريم.

سأله بقلق:
_ لسه مفيش أخبار چديدة خابرك بيها المحامي؟.

أجاب جابر بقلة حيلة وإحراج: 
_ لسه والله يا ولدي،  خاصة موضوع هروبك دي صعب الموضوع أكتر،  خايف لأجولك تسلم حالك تلاجي الحكومه حاطه عليك وهيبهدولك أكتر وفي نفس الوجت بجول خليك مكانك لو أنت عايش زين لحد ما توصل لبراءتك أنت من ناحية وإحنا والمحامي من ناحية تانية.

تجهمت ملامحه و رد بسأم: 
_ إن شاء الله يا عمي،  أدعولي وخلي الخالة هنادي تدعيلي كتير،  أومال فينها إكده أتوحشتني جوي.

أجاب بتوتر فهو يخشي أن يسألها عن زينب وهي رغماً عنها ستخبره حتي لا يعلق قلبه وحياته عليها،  يكفيه آلام وأوجاعاً وظلم لن يتحمله بشر.
_ معلش يا ولدي،  أصلها كانت صاحية من الفچر ونامت من بعد صلاة العشا وأنت خابر صعب أصحيها.

أطبق شفتيه ثم قام بتفريقهما ليقول: 
_ سلملي عليها كتير لما تصحي وأني هبجي أتصل بيكو مرة تانية بإذن الله.

_ حاضر،  أنت محتاچ أي حاچة أبعتهالك؟.

_ لاء، ياعمي مستورة والحمدلله أني عشتغل ومعاي الي يكفيني وزيادة.

_ ماتنكسفش يا ولدي كله من خيركم،  مهما عطيتك كله من خير ابوك الله يرحمه.

_ الله يرحمه،  متشكر ياعمي خليك لوجت الحوچة.

_ ربنا ما يحوچك أبداً لحد واصل يا ولدي.

_ تسلم ياعمي،  مع السلامة.

أنتهي من المكالمة وقام بمحاسبة البائع، وسار نحو طريق المنزل،  فأوقفه رؤية شريف زميلهم الثالث بالمسكن،  يجلس بداخل سياره جوار إمرأه أربعينية يمسك بيدها ويقبل كفها وأتبعها بقبلة خاطفة علي وجنتها مع إبتسامة لم تفارق ثغره، وكاد ينزل فأوقفته السيدة وأعطته ظرف قام بفتحه واخرج منه بعض ورقات من المال ثم ألقاهم بداخل الظرف و وضعه في جيب سترته الداخلي.

كانت مئات الأفكار تدور بداخل عقل فارس فهل ما أدركه الآن هو صحيح!.
ألقي السؤال علي حاله ويخشي الإجابة المتوقعة:
_ ياتري حكايتك أي أنت كمان يا شريف؟.

ظلام حالك يتخلله أصوات خرير مياه النافورة وأضواء خافته تُنير الحديقة، منبعثة من المصابيح المثبتة بتلك التماثيل المنتشرة مابين الأشجار، مظهرها قابض لقلب الناظر إليها، فهي تماثيل لوحوش وشياطين كالتي تُزين بعض الكاتدرائيات في المدن الأوروبية.
وهناك قلب يجافيه النوم حيث صاحبته كلما أسدلت جفونها تأتيها أحلام تنقلب لكوابيس تصحو منها قبل أن تزهق روحها من هول ماتراه، فكما أخبرها إنه سيكون واقعها وأيضاً أحلامها.
لم تراه منذ الصباح عندما غادر المنزل حتي تلك الساعة، إنها الثانية بعد منتصف الليل.
ملت المكوث بداخل الغرفة فقررت مغادرتها والترجل في الحديقة.

وبعدما أن هبطت تلفتت من حولها وقامت بمناداة الخادمة:
_ أنيتا، أنيتا.

خرجت لها من المطبخ وأومأت بإحترام جلي، ثم تفوهت بالإنجليزية:
_ أمرك سيدتي.

_ أريد فنجان قهوة بدون سكر.

توترت ملامح الخادمة بحالة من الصمت لثوان، مما أثار دهشة زينب فسألتها:
_ ماذا هناك؟.

أخفضت بصرها لأسفل فأجابت:
_ عذراً سيدتي، ممنوع.

أعتلت الدهشة مرة أخري ملامحها مع قليل من الإنزعاج:
_ وما المانع الذي لا أعلمه؟.

_ سيدي من أمر بذلك، ممنوع القهوة وأي مشروب يحتوي علي مادة منبهة.

أستمعت إلي كلماتها لتنصدم بهذا الهراء وبدلاً ما تثير حنقها بل جعلتها ينتابها حالة من الضحك، تعالت قهقهتها.

لم تتأثر الخادمة ب ردة فعلها، فسألتها:
_ هل تردين شيئاً آخر سيدتي؟.

أومأت لها بالنفي ومازالت تضحك حتي توقفت عن الضحك، لم تكترث لما أخبرتها الخادمة به إياه، فدلفت إلي المطبخ بعدما تبدلت ملامحها إلي التجهم، تبحث عن مسحوق القهوة في الخزانة كالمدمن الذي يبحث عن المخدر، أوقفتها الخادمة قائلة:
_ أرجوكِ سيدتي أذهبِ من هنا، سيدي لو علم بعصيانك لأوامره سيؤذيني.

ردت الأخري وهي ما زالت تبحث:
_ لا تقلقي، أنا التي ستعاقب وليست أنتي.

كادت الفتاه تتحدث ليقاطعها ولوج سيدها القادم لتوه من الخارج، أشار إليها بأمر:
_ عودي إلي غرفتك، عملك قد أنتهي اليوم.

أومأت له بطاعة:
_ أمرك سيدي.

وغادرت علي الفور، بينما الأخري برغم الرعب الذي جعل قلبها يخفق وجلاً بقوة لكنها تظاهرت بعدم الإكتراث لوجوده، حصلت علي مبتغاها أخيراً وتناولت الركوة والفنجان وبدأت في تحضيرها، موليه إياه ظهرها، قامت بلف مقبض الموقد فلم يشتعل تأففت، كادت تجرب مقبض آخر للإشعال، فتفاجأت بيده سبقتها لكن ممسكاً بالركوة وقام بإلقائها في الحوض.
تسمرت بدون أن تستدير إليه، لا تريد النظر في عينيه، توقن جيداً كيف هي ملامحه الآن، أنتفضت عندما تحدث بنبرة تنذرها بالخطر:
_ كام مرة حذرتك من عصيان أوامري؟.
ألتزمت الصمت لكن لن تستطع السيطرة علي جسدها من الإرتجاف خوفاً، أزدردت لعابها وأعتصرت عينيها.

_ لما أكلمك تردي عليا.
صاح بصوت هادر ربما وصل لكل العاملين بالمنزل، فأستدارت رغماً عنها وأخفضت بصرها لأسفل متحاشية النظر إليه، قالت بنبرة يملؤها الخوف والتعجب في آن واحد :
_ و هو شرب فنچان الجهوة عصيان لأوامرك !.

صاح مرة أخري ليدب الرعب في كل خلايا جسدها:
_ سبق وقولتلك إن أي حاجة هتعمليها هيسبقها أذن مني فكنتي فكراني بهزر وأتريقتي علي كلامي وقتها، وعشان تعرفي إن أنا مبهزرش لازم تتعاقبي وتتعلمي تحترمي جوزك وتسمعي كلامه بعد كده.

هنا رفعت عينيها وكادت تتفوه لكنه أوقفها وباغتها بصفعة قوية مما جعل أذنها تصدر طنين مزعج لا يحتمل.
_ أمشي قدامي ومش عايز أسمع ولا حرف.
10


_ أطلقت الشمس خيوطها الذهبية في كل مكان بأرض المحروسة يصاحبها ترتيل آيات القرآن الكريم المنبعثة من مآذن المساجد لتعلن عن بدأ شعائر صلاة الجمعة.
وهنا بالأعلي فوق السطح يقف هؤلاء الشباب خلف بعضهم في صف أمام الحوض للوضوء، وفي آخر الصف ينتظر كلا من فارس وجنيدي ، فزفر الآخر بتأفف وضجر قائلاً:
_ ما تخلص يا أبو عمو ساعة عمال تتوضي أومال لو هتتسبح كنت سويت فينا أي!.

ألتفت لهم الشاب و أجاب بحده:
_ ما تصبر يا بلدينا أديك شايف الميه نازله سرسوب من الحنفيه.

رد جنيدي بإندفاع:
_ وأني مالي ما تخلص بجي ده أي الجرف ده.

أمسكه فارس من زراعه ليهدأه:
_ ما خلاص بجي يا چنيدي إحنا غلطانين برضو محدش جالنا نصحو متأخر والنهاردة الچمعة وكل الي ساكنين أهنه أچازة.

_ وإحنا بجي مكتوب علينا نصحو بدري لأچل نلحجو نغسلو وشنا.

أشار إليه الآخر نحو الحوض:
_ أتفضل يا عم دورك چه وجصر عشان نلحج نفطر لنا لجمه وبعدها نتدلي علي الچامع جبل الخطبة ماتبدأ.

وعندما أنتهي كليهما من الوضوء أتجها نحو غرفتهما فأوقفهما هذا القادم:
_ ياصباح الفل عليكم يا بلديات.

رد كلاهما تحية الصباح، فأردف:
_ يلا تعالو نفطر سوي جايبلكو سندوتشات طعمية وفول وصاية.

أبتسم جنيدي وقال بسخرية:
_ فول وطعمية! ، ياما چاب الغراب لأمه.

لكزه فارس بدون أن يري أو يسمع ثالثهما هامساً لصاحبه:
_ عتتمسخر بدل ما تشكر الراچل.

أجاب بنفس همسه:
_ ما هو الي محسسنا إنه چايب لنا كباب وكفتة.

هز فارس رأسه بسأم، أنتبه شريف إليهما فقال:
_ مالكم يا جماعة واقفين عندكو ليه؟، يلا سمو الله ومدو أيديكو قبل ما الطعمية ماتبرد.

كان فارس يحدجه بنظرات مبهمة لدي الآخر الذي جلس ليأكل ، تناول ثلاثتهم الشطائر، تحمحم فارس وهو يرمقه بإستفهام ليلاحظ شريف فسأله:
_ في حاجة يا قاسم؟.

أبتلع ما بفمه وأجاب:
_ ليه عتجول إكده؟.

أرتشف من الإناء الفخاري ثم أجاب:
_ عمال تبص لي ومبحلق فيا وكأنك بتشوفني لأول مرة.

تنهد وبداخله يريد أن يلقي عليه السؤال الذي يلح بداخل عقله، فوجد لسانه يتفوه تلقائياً:
_ كنت فين عشية إمبارح؟.

أنتابه التوتر الذي فشل في إخفاءه عن أعين فارس وهو ينظر إليه عن كثب:
_ كنت في الشغل زي كل يوم، في حاجة؟.

نفض يديه من آثار الطعام علي يديه ونهض قائلاً:
_ الحمدلله، هجوم بجي كيف ألحج الخطبة من أولها.

فأتبعه جنيدي:
_ وأني كمان خدني وياك، وأنت يا أستاذ شريف مش چاي ويانا؟.

أبتسم لهما بإحراج ويحك ذقنه الملساء:
_ معلش روحو أنتو أنا جاي من الشغل تعبان وجسمي مكسر، هبقي أصليها الضهر.

_ علي راحتك، يلا بينا يا ف... جصدي يا قاسم يا أخوي.

هبطا الدرج حتي خرج كليهما من البناء، تحدث فارس:
_ كنت هتغلط وتجول إسمي جدامه.

_ معلش يا أبو الفوارس لساتني بتعود علي أسامينا الچديدة.

طيف بسمة ساخرة أنبلجت علي محياه:
_ صدج المثل الي جال الكذب ملهوش رچلين.

_ غصب عننا بجي.

توقف فارس عن السير وقال:
_ ماأجصدش عليا وعليك.

تلاقي حاجبيه بإستفهام سأله:
_ أومال تجصد مين؟.

_ بيني وبينك أني مش مطمن لشريف ده واصل وجلبي حاسس أنه وراه حاچة مخبيها علينا، وأني إحساسي ديماً بيطلع صوح في الآخر.

_ وأي الي خلاك تحس إكده؟.

صمت لثوان فأجاب:
_ شوفته بعينيا عشية إمبارح في عربية ويا ست قد والدته عيبوس في إيديها وعطت له مظروف فيه فلوس ومن شوي لما سألته قدامك كنت فين جالي في الشغل، فليه يكدب إلا إذا كان مخبي حاچة!.

وضع جنيدي يده علي كتف الآخر وقال:
_ يا عم كبر دماغك وإحنا مالنا، ما تشغلش بالك واصل، خلينا في حالنا بدل ما إحنا الي نتفضحو ونروحو في داهية.

قهقه بتهكم بعدما تذكر حالهما:
_ علي رأيك إذا كان إحنا متداريين بكذبة، لا تعايرني ولا أعايرك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ألقي عليها أوامره وعينيه شديدة القتامة أقسمت في نفسها، إنها تري الآن أمامها إبليس بذاته، أفاقت علي دفعة قوية من يده فكانت علي وشك التعثر والإنقلاب علي وجهها، فأمسكها من ساعدها بقوة مما شعرت بألم من قبضته التي ستسحق عظامها.
_ لما أقول كلمة تتسمع علي طول، مبحبش أعيد كلامي.

ظل يدفعها كالشاه الذي يسحبها صاحبها ليذبحها، تتمني أن يخلصها من كل هذا الإرهاب النفسي ويقوم بإزهاق روحها، لا تعلم أن الموت حتي مجرد أمنية وهي في كنفه.

سار بها خارج المنزل وذهب إلي الخلف فتوقف أمام بناء قديم وأمامه أربعة من رجال الحراسة خاصته، أشار لهم بيده أن يذهبوا، أذعنوا لأمره، أستعادت قواها وشجاعتها لتقف أمامه قائلة:
_ هملني ياسليم ورچعني مصر لأهلي أحسن ليا وليك.

هل هي حمقاء!، أخبرها من قبل إن سبب تمسكه بها ، كيف لا تعلم إنها أصبحت من ممتلكاته ويجب عليها أن ترضخ وتذعن لكل أمر يلقيه عليها مهما كانت قيمته، لم تدرك حتي الآن إنها وقعت في براثن شخصية مريضة بالسيكوباتية بل والسادية؛ فسماعه إلي آنات وآهات آلام ضحيته يشعره بللذة ومتعة عارمة.

شبح إبتسامة بدي علي ثغره فقط وبقية ملامحه يسودها ظُلمة مرعبة، الوحش الذي بداخله يسيطر عليه.
مال برأسه مقترباً بشفتيه نحو خاصتها ليهمس بفحيح:
_ أنا ممكن أرجعك لأهلك في حالة واحدة.

تسلل بصيص من الأمل بداخلها لكنه تراجع عندما أردف وهو يفتح باب البناء ويدفعها إلي داخله بدون أن تنتبه:
_ لما تكوني جثة، وبشرط هتدفني في نفس القبر الي هاتدفن فيه.

أزدردت ريقها من أثر كلماته المخيفة علي مسمعها، لم تري في حياتها كم من الشر مثل الذي يقف أمامها.
_ و أي الفايدة الي هتعود عليك لما تأذيني وتعذب فيا؟.

دفع الباب بقدمه مما أصدر صوتاً جعلها أرتجفت، وأجاب:
_ لأن أنا عايز كده.
وأختتم جملته بنظرة دفعتها للتراجع إلي الخلف حتي أصتدمت بالجدار، تتلفت يميناً ويساراً لتكتشف إنهما بداخل مخزن قديم، مهلاً لما هذه السلاسل الحديدية المتدلية من الجدران والسقف!.

_ سليم، أوعاك تكون ناو.....

قاطعها ممسكاً بيديها الأثنين بقبضة واحدة ورفعهما لأعلي فوق رأسها وبيده الأخري جذب إحدي السلاسل المتدلية ليكبل يديها معاً:
_فكراني جايبك أفسحك هنا!، أحمدي ربنا إن أحنا مش في مصر كان زماني رميكي في الهنجر.

تفوهت بدهشة:
_ هنجر!.
وعندما بدأ بتكبيل يديها بالسلاسل أخذت تتلوي وتصرخ:
_ أنت عتسوي أي، همل يدي يا سليم.
لقنها صفعه ليحذرها:
_ مش عايز أسمع صوتك.
5

فاض بها الأمر من كبت عبراتها فأجهشت في البكاء، لم يهتز قلبه ويرأف بها قط بل أزدادت وحشيته، أنتزع وشاحها بعنف مما جعل إبرة مشبك حجابها خدشت عنقها،فشقت حنجرتها صرخة دوي ترددها في الأرجاء، فأسكتها بتكميم فمها بالوشاح ثم مال برأسه نحو الخدش الذي ذرف منه قطرات من الدماء وأخذ يلعقها بلسانه متذوقاً إياها،بينما هذه المسكينة ترتجف من الألم وصرخاتها تخبو من وراء مايكمم فاهها.
أبتعد ليحدق في عينيها بسعادة وإنتصار، مد إبهامه نحو وجنتها يزيل عبرتها ثم يتذوقها بتلذذ وهو يغمض عينيه قائلاً:
_ متعرفيش يا زينب أنا أد أي مستمتع أوي، بس لسه ناقص حاجة تانيه، هي أي ياتري.

تصنع التفكير بالأمر، فتح عينيه شديدة الظلام و أمسك بتلابيب ثوبها القطني قائلاً:
_ آه أفتكرت.
هزت رأسها له بالنفي ليتراجع عن ما سيفعله، وفي غضون ثانية شق ثوبها تحت مقاومتها الضعيفة، فأصبح جسدها عارياً لا يغطيه سوي قطعتي ثياب تستر عوراتها فقط.
كاد يمد يده ليمزق ماتبقي عليها فأوقفته نظرات عينيها المتوسلة إليه وأنينها المكتوم، أنحنت زواية فمه جانباً بإبتسامة إستفزازية:
_ أطمني مليش مزاج، بس حبيت أخليكي علي راحتك وأنتي هتقضي يومين حلوين هنا لوحدك.

جحظت عينيها بصدمة، سيتركها ليومين عارية في هذا المكان الموحش وفي الظلام!.
لايعلم أنها تخشي الظلام بل لديها رهاب منه، أخذت تهز زراعيها المعلقين وتبكي بقهر و توسل، لم يكترث لكل هذا.
_ معلش بقي مضطر أسيبك يا دوب ألحق أنام و ورايا حاجات تانيه أهم.
5

حاوط خصرها بين يديه وأقترب من أذنها بهمس وتشفي:
_ تصبحي علي خير يا حبيبتي.

قام بتقبيل وجنتها وغادر تاركاً إياها في حالة يرثي لها من الزعر والرعب، تدعو ربها من داخلها بأن ينجيها من هذا العذاب ومن بين يدي هذا الظالم.
ظلت تبكي وتبكي حتي تراخت ساقيها من الوقوف فجلست علي الأرض الباردة ملتصقة بالجدار وقد غلبها النوم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تتسحب علي أطراف أناملها عائدة إلي غرفتها وبعد أن أغلقت الباب همست إلي صغيرتها:
_ يلا ألبسي الشوز بتاعتك وتعالي ورايا قبل ما نناه تصحي.

سألتها الصغيرة ببراءة:
_ مامي هو أنتي ليه موطيه صوتك وخايفه لنناه تشوفنا وإحنا خارجين؟.

وضعت سبابتها أمام شفتيها:
_ هوس أسكتي هتفضحيني.

رن جرس هاتفها لتجده المتصل بها، يبدو إنه قد وصل وينتظرها أمام البناء كما أخبرها، أجابت:
_ أيوه أنا خلاص جاهزة ولارا كمان ونازلين دلوقتي.
_ خليكو وأنا هطلع أخدكو بالمرة أسلم علي عمي وطنط.
_ لاء بالله عليك خليك عندك وإحنا نازلين لك.
سألها بشك:
_ هو فيه حاجة ولا أي؟.
أجابت بتوتر:
_ أه، قصدي لاء مفيش ماما وبابا نايمين بيحبو يقيلو شويه الوقت ده فمرضتش أزعجهم.

تنهد وقال:
_ طيب يلا مستنيكو متتأخريش عشان نلحق نقضي اليوم كله.

_ حاضر، سلام دلوقت.

أغلقت المكالمة و وضعت الهاتف بداخل حقيبة يدها، أمسكت بيد صغيرتها وغادرت قبل أن تنتهي والدتها من أداء فرضها وتمنعها من الرجوع إلي زوجها عقاباً لكليهما بعدما علمت بكل شئ حدث بينهما.

خرجت من البناء لتجده يفتح زراعيه لصغيرته التي ركضت مناديه:
_ بابي.
عانقها بإشتياق يربت علي ظهرها بحنان:
_ حبيبة قلب بابي وحشاني أوي.

قبلته الصغيرة في ذقنه وقالت:
_ وأنت كمان واحشني أوي، بس أنا زعلانة منك عشان سايبنا أنا ومامي كل ده عند نناه.

وقبل أن يفسر لها سبب غيابه نظر إلي من تجرع شوقاً إليها و ود لو تكون بين زراعيه الآن
_ معلش يا حبيبتي بابي كان عنده شغل كتير وبيبات بره عشان كده كنت سايبكو عند جدو ونناه،وجيت أخدكو النهاردة نتفسح وبعد كده نطلع علي بيتنا، أوك؟.

ردت إبنته بسعادة:
_ أوك يا كرمله.

فتح باب السيارة الخلفي وأنزلها ليدخلها فجلست، ثم قام بفتح الباب الأمامي وقبل أن تولج إلي داخل السيارة أوقفها ممسكاً يدها بحب قائلاً:
_ وأنتي كمان وحشاني أوي، من غيرك البيت وحش وضلمة.

ظلت تحدق في رماديتيه لثوان فقالت بإقتضاب:
_ شكراً.

لم يكن متوقعاً إجابة مقتضبة وبهذا البرود المرتسم علي ملامحها، كان لم يصدق بالأمس عندما هاتفته وقالت أنها أخيراً ستعود إليه، تراقص حينها قلبه من الفرح ولايعلم بحال قلبها المنكسر الذي مازال يعاني من جراحه، فقررت أن تترك للأيام مدواة قلبها الجريح.

تلاقي حاجبيه بتعجب وتهكم بدي علي نبرة صوته:
_ شكراً!، أنا كنت فاكر الي مابينا أكبر من كده.

أطلقت زفرة وأجابت بجدية:
_ أرجوك يا أكرم متضغطش عليا أكتر من كده، أتفقت معايا نرجع بعد أسبوع وأديني رجعالك، لكن الي جوايا مستحيل يتصلح بسرعة، سيب الأيام تنسينا الي حصل يمكن نرجع أحسن من الأول.

هز رأسه بالموافقة، يجز علي أسنانه ومطبق شفتيه، يعلم أن لديها كامل الحق وما عليه سوي الصبر حتي ينال عفوها وغفران ما أقترفه في حقها.
أرتدي نظارته الشمسية وأشار إليها بالدخول للسيارة قائلاً:
_ أتفضلي.

_ كان كليهما طوال الطريق في حالة صمت و أخذت الصغيرة تثرثر لأبيها عن مغامرتها في الأيام المنصرمة، وبدون أن تنتبه والدتها لحديثها،قالت:
_ عارف يابابي مامي كانت علي طول قبل ماتنام تفتح الفون بتاعها وتجيب صورك وتفضل تعيط وتحضن الفون وتبوس صورتك وتقول بحبك أوي يا حبيبي.

هدأ من سرعة السيارة حتي توقف وألتفت إليها ليجدها قد غفت وتستند برأسها علي زجاج النافذة المجاورة لها، رفع يده ليلامس وجنتها بأنامله وقال بنبرة بالغة العشق والهيام:
_ وأنا بموت فيها ومقدرش أبعد عنها تاني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بداخل غرفة مكتبه في المصنع الخاص به يزفر دخان الأرجيلة في الهواء ويجلس دبيكي أمامه يرص له حجر الفحم المشتعل، وبعد أنتهاءه نهض قائلاً:
_ تمام إكده يا كبير؟.

أومأ له بدون أن ينظر إليه، فكان شارداً في أمر ما حتي قاطع تفكيره نداء هذا الرجل الذي يركض نحوه:
_ يا رافع بيه ، يا رافع بيه.

زفر بحنق وأجاب:
_ في أي يا متولي الزفت، الله يحرجك طيرت ليه النفسين.

ألتقط الرجل أنفاسه وقال:
_ في واحدة واجفة عتسأل عليك ورايده تجابلك عتجول إنها خالتك وأم چماعتك.

أعتدل في جلسته بإنتباه وإستفهام:
_ خالتي!، وچايه أهنه ليه الوليه دي.

ذهب ليقابلها وعندما رأته تصنعت الإبتسامة فقال لها:
_ كيفك يا خالتي؟.

أجابت مبتسمة وعينيها يكسوها لمعة فرح وسعادة:
_ بخير الحمد والشكر لله يا ولدي، كيفك أنت دلوق؟.

إبتسم بسخرية:
_ كيف ما أنتي شايفة بخير وزي الفل ومبسوط جوي جوي طول ما بتك بعيده عني.

ساد الوجوم ملامحها فقالت بعتاب :
_ الله يسامحك يا ولدي، عموماً أنا چيت لحد عندك لأچل ترچع لمارتك و....

قاطعها مشيراً إليها بيده:
_ كفياكي عاد يا خالة، أني ما هرچع الدار تاني، وبتك الي أختارت تبعد عني بمزاچها خلي دماغها تنفعها، وأني ما هطلجش ولا هرچع وخليها إكده زي البيت الوجف لا طايله سما ولا أرض.

رمقته بإمتعاض وقالت:
_ الحديت دي كان زمان دلوق مينفعش الي عتجوله واصل.

أجاب بتهكم:
_ وأي الي منفعوش عاد يا خالة!.

أبتلعت ريقها لكي تخبره بالبشري الساره التي من أجلها تحملت حديثه الأحمق:
_ لأن خلاص بجي يربطكو عيل چاي في السكة إن شاء الله.

غر فاهه وتبدلت ملامحه إلي الصدمة، يستوعب كلماتها شيئاً بشيئاً، فأردفت لتؤكد علي مسمعه:
_ أيوه مارتك حبلي وهتچيب لك الولد الي نفسك فيه، أي لساتك مارايدش ترچع لدارك وتفرح بالنعمه الي كنت بتتمناها بجالكو أكتر من سنتين!.

لايعلم بماذا يجيب، فوقع الخبر عليه كالصاعقة أوقعه في حيرة شديدة، ماذا يفعل الآن!
كان في قرارة نفسه فاض به الكيل ووصل إلي نهاية المطاف حتي قرر الإنفصال عن نوارة، لكن الآن قد أختلف الأمر.

أردفت وهي تنظر لهذا الحائر:
_ أي يا چوز بتي ساكت ليه؟.

حدجها بقليل من الصمت ريثما يرتب أفكاره المتناثره داخل عقله ثم تفوه بعد قليل وقال:
_ موافج نرچعو لبعض لكن بشرط.

سألته بللهفة وفضول:
_ شرط أي يا واد خايتي؟.

طيف بسمة شيطانية أنبلج علي وجهه:
_ ده هيبجي بيني وبين بتك ومحدش ليه صالح بالي بينتنا واصل، فاهمه يا خالتي؟.

هزت رأسها بصفاء نية قائلة:
_المهم ترچعو لبعضكم وماسامعش عنيكم غير كل خير.

حدق نحو الفراغ، يفكر فيما عزم عليه مردداً:
_ خير، خير إن شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ومعناه كلامك ده أي يا حاج؟.
سأله صلاح وملامحه محتقنة بالدماء من الغضب، أجاب والد سمية ببرود وإستفزاز:
_ كيف ما جولتلك إكده، أني مش موافج لأن سلو عيلتنا وبلدنا البت ماتتچوزش بره من العيلة.

جز علي أسنانه ويعتصر قبضته يحاول أن لا يتهور، متعجباً من هذا الرجل ذو المظهر الرث والفقر الجلي علي أثاث منزله وبرغم إلقاء عرض زواجه من إبنته مع إعطاءه الكثير من الأموال ويجلب لهم منزل في إحدي مدن المحافظة بدلاً من منزلهم القديم الآيل للسقوط، لكن ذلك العرض المغري قوبل بالرفض مما آثار جنون الآخر.
وكل هذا كان تحت مرأي ومسمع المختبأه خلف الباب وإبتسامتها تكاد تصل لأذنيها خاصة كلما بدي علي وجه صلاح الحنق الشديد.
_ واجفة تهببي أي عندك يا سمية هانم؟.

تشدقت بها زوجة أبيها بسخرية، فألتفت الأخري إليها وبنظرات إزدراء رمقتها:
_ خليكي في حالك يا مرات أبوي أحسن لك.

أتسعت عينيها وصاحت بحنق:
_ شوف البت بترد عليا كيف!، وكمان عتهددني!.

رمقتها بتحذير مشيرة إليها بيدها:
_ بجولك أي أطلعي من دماغي مش وجتك خالص.

حدجتها الأخري بتوعد وقالت:
_ بجي إكده؟، ماشي.

بينما في الخارج، مازال صلاح يتحدث بشتي الطرق لإقناع هذا الرجل الأحمق الذي قال:
_ أني ممكن أوافج لكن بشرط.

أنبسطت ملامحه أخيراً و أطلق زفرة بأريحيه قائلاً:
_ الي تؤمر بيه يا حاج وأنا تحت أمرك.

وقبل أن يجيب ألقي نظرة نحو إبنته التي تقف خلف الباب ثم عاد بالنظر إلي الآخر وقال:
_ تتچوز بتي وتجعدو ويانا أهنه.

غر فاهه بصدمة وصاح:
_ نعم!.

_ نِعم الله عليك يا صلاح بيه، هو ده شرط چوازك من بتي إلا إذا بجي.....

قاطعه صلاح مستسلماً حتي يظفر بها:
_ موافق، موافق، بس مش هقعد كتير عشان شغلي في القاهرة زي ما حضرتك عارف.

رجع بظهره إلي الخلف يستند علي ظهر الأريكة:
_ وفي الحالة دي تدلي علي مكان شغلك لوحدك وتهمل مارتك أهنه حدانا عجبال ماتخلص وتعاود لها تاني.

كان علي وشك أن يعترض لكنه أمعن التفكير، فكل مايشغله أن يتزوجها الآن ويمكنه التصرف بعد ذلك كما يشاء ويريد.

أومأ له علي مضض وقال:
_ حاضر يا حاج، موافق، أي طلبات تاني؟.

ضيق عينيه وبداخله قلبه يتطاير من الفرح، فأجاب:
_ لع، يلا نجرو الفاتحة.

رفع كليهما إيديهم لقراءة سورة الفاتحة وبعدما أنتهيا صاح والدها :
_ الشربات يا سمية.

تصنعت زوجة والدها الفرحة والسعادة فأطلقت الزغاريد، و ذهبت سمية وأعدت كؤوس المشروب وخرجت علي أستحياء تمسك بالصينية.
_ ألف مبروك يابتي.

ردت والخجل يكسو ملامحها:
_ الله يبارك فيك يابا، اتفضل.
أخفضت الصينيه ليأخذ كأسه، فقال لها:
_ روحي جدمي لخطيبك الأول.

سارت نحوه حتي وقفت أمامه تنظر له بإبتسامة نصر فقال لها بصوت لايسمعه سواها:
_ هي الحكاية كده!، بتتفقي أنتي وأبوكي عليا!.

أجابت بمكر وسخرية وصوت منخفض :
_ الي رايد يدوج العسل يستحمل قرص النحل يا حضرة الأڤوكاتو.

تناول الكأس ولايحيد عينيه من عينيها قائلاً بتوعد مبتسماً:
_ نتجوز بس وهوريكي الأڤوكاتو ده هيعمل فيكي أي.

بادلته نفس الإبتسامة:
_ أبجي قرب مني إكده وشوف أنا هسوي فيك أي.

أدرك من كلماتها إنها لم تفهم مقصده ونواياه الماكرة، أزدادت إبتسامته علي سذاجتها.
_ ده أنا الي هسوي وهطلع كل الي عملتوه فيا عليكي، صبرك عليا بس.

قهقهت بتهكم وقالت:
_ أبجي فرچني إكده، شكلك متعرفنيش لساتك عاد.
أمسك يدها وأنحني نحوها بجذعه مقترباً منها للغاية:
_ لينا باب هيتقفل علينا وسرير يلمنا وساعتها هوريكي أنا هاعمل فيكي أي.

وغمز لها بعينه، أنتفضت بخجل شديد تاركة الصينية فوق المنضدة وركضت إلي غرفتها، تحت ضحكاته التي لم يستطع كتمانها لتتبعها نظرة أخري مليئة بالحب الدفين وفرحة ستكتمل قريباً.
3

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ومعاك أحلي كوبيتين شاي لرجالة حتتنا الجدعان أوي أوي.
قالها هيما صبي القهوة وهو يعطي لكلا من فارس وجنيدي أكواب الشاي فقال الأول:
_ تسلم يا هيما عجبال لما نشربو ساقع فرحك إن شاء الله.

رد هيما مازحاً:
_ فال الله ولا فالك ياعم، أنا مش ناقص وجع دماغ خليني عايش سلطان زماني كده مستريح.

ضحك جنيدي وعقب علي حديثه:
_ ومين سمعك يا أبو عمو، كفاية رحمت نفسك من النكد ولا تصحي من النوم تلاجي بومة في وشك عتجولك شيل الزبالة وأنت ماشي وهات فلوس وطلبات مابتخلصش واصل.

إبتسم فارس من حديثهما وأفكارهما عن الزواج، ود ولو يخبرهما كم يتمني رؤية من يعشقها قلبه ويهواها والزواج منها والعيش معاها حتي الموت ، لايكل ولا يمل منها أبداً.
كما من أمنيات يتمناها المرء لكن مايتحقق ليس سوي هو المكتوب في صحيفة القدر.

وفي الجهة المقابلة في متجر الحاج نعمان، تخطو ذهاباً وإياباً منتظرة والدها من إنهاء مراجعة دفتر الحسابات لتحدثه في أمر ما، لكنها تخشي ردة فعله، أوقفها صوته وهو مازال منهمكاً في حساباته:
_ أخلصي ياشهد وقولي عايزة أي.

وقفت وأقتربت من مكتبه فجلست أمامه، أجابت بتردد واضح من نبرتها:
_ بابا كنت عايزة حضرتك في حاجة كده ومتفهمنيش غلط.

ترك ما في يده وأخفض عويناته قليلاً، يضيق عينيه بمكر قائلاً:
_ والحاجة دي بخصوص قاسم مش كده؟.

تحمحمت ثم أزدردت ريقها فأجابت:
_ يعني، يعني، بصراحة آه، هو حضرتك عرفت إزاي أن هاكلمك بخصوص قاسم؟.

أنحني للأمام وعقد ساعديه وأسندهما فوق سطح المكتب:
_ عيب لما تسألي سؤال زي ده لأبوكي الي حافظك وعارف كل الي بيدور في دماغك قبل ماتنطقي منه بحرف واحد.

زفرت بأريحية وقالت:
_ طيب بما أنك عارف أي الي هاكلمك فيه، أي رأيك تشغله هنا معانا في المحل؟.

رفع إحدي حاجبيه وأجابها بسؤال آخر :
_ وياتري طلبك ده عشان موقفه الشهم معاكي لما وقف لممدوح، ولا عشان حاجة تانيه؟.

توترت من مغزي كلماته ومايرمي إليه، فهي حقاً تريد أن يعمل لديهم ليس لموقفه النبيل معها لكن لأمر آخر لم تستطع إخفاءه، وها هو والدها يصارحها بما لاتجرأ البوح به، فيكفي حديث عينيها التي يتجلي بريقها كلما تنظر إليه أو تراقبه من خلف زجاج عرض الثياب.

منعها الخجل من الإجابة مباشرة، فأجابت بإستنكار:
_ حضرتك تقصد أي من الحاجة التانيه؟.

تنهد وإبتسامة لاحت علي ثغره:
_ أقصد الي فهمتيه ومكسوفه تقوليه.
عاد بظهره إلي الوراء ليردف:
_ الواحد فينا مهما خبي مشاعره وأنكرها بتيجي عيونه وتفضحه من غير مايتكلم وخصوصاً الحب، القلب لما يدق تحسي العيون فيها لمعة غريبة ولهفة ديماً علي الي بتحبه، و ده الي كان بيحصلي أول ماشوفت والدتك الله يرحمها، خطفت قلبي وعينيا من أول يوم شوفتها فيه، حسيت كأني طاير في السما وبفرحة ماتتوصفش، الحب يا شهد مشاعر جميلة وعظيمة بس مع الأختيار الصح والتفكير بالعقل والقلب مع بعض عشان ما نجيش في الآخر نندم وننجرح ونقعد نبكي ونقول ياريت.
1

كانت تستمع إليه بتعجب ودهشة منبلجة علي وجهها.
_ ياه يابابا، ده أنت طلعت رومانسي جداً وأنا ما أعرفش.

ضحك وقال:
_ ولا رومانسي ولا حاجة، ده خبرة سنين من التعليم الي علمته الدنيا للواحد فينا.

نظرت لأسفل بخجل وبدأت تتحدث:
_ غصب عني، كل ما أشوفه ببقي في حالة غريبة بقف متنحه مبعرفش أتكلم، لو قالي حاجة مبقدرش أرد عليه عكس ما بعمل مع أي حد لو قالي كلمة معجبتنيش، مش عارفه هل فعلاً حبيته ولا لاء، وهل ده صح ولا غلط!.

_ أنا هقولك كلمتين تحطيهم حلقة في ودانك، الي يحطك جوه عينيه ويشيلك فوق دماغه ويحترمك ده أديله قلبك وأنتي مطمنه، الحب أفعال، والفعل بيظهر في وقته خصوصاً وقت الشدة.

و من فرط خجلها من والدها قلبت دفة الحديث قائلة:
_ طيب نرجع لموضوعنا الأساسي، حضرتك موافق تشغله معانا؟.

هز رأسه مبتسماً:
_ حاضر يا شهد، هابعته له دلوقت الولاه هيما وهخليه يجي أعرض عليه الموضوع.

أعتلت الفرحة ملامحها الجميلة مثل روحها المرحة، حيث دقات قلبها تزداد بقوة كلما تتخيل وجوده أمام عينيها هنا في المتجر وتخشي أن يفتضح أمرها أمامه.

أرسل الحاج نعمان إحدي صبيانه إلي فارس لكي يخبره بأنه يريده في أمر ما، فوافق الآخر وذهب إليه، وعند ولوجه إلي داخل المتجر أختبأت في مكان قريب من مكتب والدها حتي يتثني لها سماع صوته وإجابته علي مطلبهم.

_ السلام عليكم يا حاچ نعمان.
قالها عندما دلف فأجاب الآخر بترحاب وحبور:
_ وعليكم السلام ورحمةالله وبركاته، أتفضل يا قاسم.

_ يزيد فضلك يا حاچ.
قالها وظل واقفاً، فأشار إليه نعمان نحو الكرسي:
_ أتفضل أقعد.

جلس وقال:
_ خير يا حاچ، جالولي أن حضرتك طالبني في أمر مهم.

_ أمسك سبحته وجلس بإعتدال:
_ خير إن شاء الله، أولاً حبيت أشكرك علي موقفك وجدعنتك مع بنتي.

وقبل أن يكمل حديثه قاطعه فارس قائلاً:
_ متجولش إكده، ده واچب وحق علينا لما نشوفو غلط زي ده وربنا عالم الآنسة شهد بعتبرها كيف خايتي.

ترددت الكلمة علي أذنها وياليتها ما سمعت، فكانت بمثابة السكين المشتعلة المتوهجة من النيران وأنغمست في قلبها بلا شفقة.

فتح إحدي أدراج مكتبه ومد يده ليجلب شيئاً ما:
_ و دي أخلاق ولاد البلد الجدعان، ربنا يبارك فيك، و دي حاجة بسيطة كده ياريت تقبلها مني.
أخرج له مبلغ من المال ووضعه أمامه، بينما فارس تلاقي حاجبيه معاً بضيق، نهض و وقف ليقول بنبرة جادة وبها قليل من الغضب:
_ عيب يا حاچ أنت إكده عتغلط فيا عاد، أني ماسويتش الي عملته لأچل تعطيني فلوس، بالعكس عشان دي أخلاجي وتربيتي و لو الموقف ده حوصل مع أي واحدة معرفيهاش هسوي نفس الي سويته ويا ممدوح.

أخفي إبتسامته وسعادته من ردة فعل هذا الشاب الذي أثار إعجابه منذ رؤيته، كم تمني لو كان لديه إبن مثله واليوم أثبت له ظنه عنه وهو إنه من الرجال القليلون ذوي الأخلاق والمروءة.

_ أقعد يا قاسم، مالك زعلت ليه، أنا بديلك الفلوس مش في مقابل الي عملته، أنا بديهالك كهدية.

رد بحزم وكبرياء بالغ:
_ شكراً يا حاچ خلي فلوسك معاك، أني مواخدش حاچة، الحمدلله معاي الي يكفيني.

شعر بالإهانة من هذا الموقف مما جعله يشعر بالإختناق فأردف:
_ عن أذن حضرتك أنا ورايا شغل.
تركه وغادر مسرعاً، ولم يري إبتسامة الحاج نعمان وهو ينظر إلي ورقات المال قائلاً:
_ أنا نظرتي عمرها ماخيبت أبداً.

خرجت من مكانها والحزن يكسو ملامحها، سألت والدها بنبرة تظهر ماتشعر به:
_ ليه عملت معاه كده يا بابا؟.

وضع المال في الدرج وأغلقه مجيباً:
_ كنت بتأكد من حاجة والحمدلله طلع زي ماتوقعت بالظبط.

غمغمت ببضع كلمات كالتائهه:
_ ماخلاص أديه بيعتبرني زي أخته.
صمتت قليلاً فتحولت ملامحها من نظرة حزن إلي أخري توعد وقالت بتحدي ونظرة ثاقبة نحوه عبر الزجاج :
_ والله ما هسكت هخليني وراه لحد ماهو الي يجي يتحايل عليا عشان أعبره بنظرة بس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ كان يوماً حافلاً ما بين التنزه داخل الحديقة المليئة بالملاهي ثم ذهب ثلاثتهم إلي إحدي المطاعم العائمة علي مياه نهر النيل، فأختتموا يومهم بالتسوق من إحدي المجمعات التجارية الشهيرة، فأبتضعو أشياء كثيرة وضعها أكرم بداخل حقيبة سيارته.
وفي طريق العودة تثائبت الصغيرة وغفت في نوم عميق، ألقي والدها عليها نظرة عبر المرآه قائلاً:
_ حبيبتي يا لارا نامت من كتر اللعب والجري، إن شاء الله بعد كده كل ويك إند هاخدكو وأفسحكو.

تسمع كلماته في صمت ولم تعقب، فسألها:
_ مالك يا ندي ساكته ليه من ساعة مامشينا من المول.

أجابت بدون أن تلتفت إليه حيث كانت تنظر إلي الخارج عبر النافذة:
_ مفيش، هاتكلم أقول أي!.

مد يده نحو يدها وعندما لمسها شعر برجفة جسدها من ملامسته، أبعد يده علي الفور وبداخله يشعر بالغضب الشديد من نفسه، كلما تذكر ما أقترفه بها من معاملته لها بقسوة وعنف جعلتها تخشي حتي ملامسته وبرغم عودتها معه لكنها ما زالت تتجنب التعامل معه، فطوال اليوم وهم بالحديقة كانت شاردة وكلما عرض عليها مشاركتهم في اللعب هو وأبنتهما ترفض وتجلس بمفردها في صمت مطبق.
وصل أخيراً أمام البناء، ركض إليه عم خضر حارس العقار:
_ أكرم باشا، حمدالله علي السلامة أنت ومدام ندي وست العرايس الصغيرة.

_ الله يسلمك يا عم خضر.
قالها وأعطاه المفتاح الخاص بحقيبة سيارته:
_ معلش ياعم خضر طلعلي الحاجات الي في شنطة العربية.

أومأ له بإحترام بالغ:
_أمرك ياباشا.

حمل صغيرته النائمة ودلف إلي داخل الفناء وبجواره ندي، دخل كليهما إلي المصعد وبعد وصولهما للطابق خاصتهما وخروجهما وقف أمام باب الشقة، تناول المفتاح من جيب بنطاله وبسبب حمله للصغيرة وقع من يده، أنحنت في نفس اللحظة التي دنا بها ليلتقط المفتاح من الأرض لكي تفعل المثل، تلاقت أعينهما وظل يرمقها لثوان وكأنه يعتذر لها ويخبرها كم هو يشتاق إليها كثيراً.
لم يشعر بذاته وهو يقترب بشفتيه من خاصتها وعندما أنتبهت لما هو مُقبل عليه ألتقطت المفتاح وقامت بفتح الباب ودلفت مسرعة إلي الداخل، أنتبهت لوجودها في غرفة النوم، عادت إليها ذكري هذا اليوم المشئوم، كانت تصرخ وتتلوي أسفله تتوسل له بالإبتعاد عنها بينما هو كان شيطانه مسيطر عليه، لم تنس ملامحه حينها حتي الآن، كان كالوحش الكاسر.

أغمضت عينيها وتهز رأسها يميناً ويساراً تريد أن تمحو كل هذا من ذاكرتها لكن دخوله الغرفة أفشل محاولتها.
_ أنا نيمت لارا في أوضتها وحطيت لك شنط الأكل علي الرخامة في المطبخ و أدي شنط الهدوم.

فتحت عينيها وهمت بالذهاب، أوقفها وأمسك يدها:
_ رايحة فين؟.

نظرت ليده ثم إليه وقالت بنبرة خالية من المشاعر:
_ رايحة أفضي الحاجات من الشنط وهادخل أنام جمب لارا.

كان علي يقين تام بما ستفعله، فلجأ إلي مهاودتها، فقال لها:
_ براحتك يا حبيبتي أهم حاجة إنك رجعتي تنوري بيتك وقلب جوزك الي بيعشقك ويموت فيكي.

إبتسامة مصتنعة أرتسمت علي ثغرها للتو:
_ شكراً، عن إذنك.
وغادرت لتتركه وقلبه ملتاع، كان يريد أن يطوقها بين زراعيه ويلقي عليها كل ما بداخله من إعتذار وآسف وشوق وحنين وحب جارف، قضي لياليه المنصرمة في سهاد، يجافيه النوم شارداً في ملامحها التي يحفظها عن ظهر قلب.
ألقي بجسده علي السرير يحدق في السقف، تدور في رأسه مئات الأفكار لجعلها تسامحه، نهض ليخلع سترته وذهب لأخذ حمامه وأرتدي ثيابه القطنية، تمدد لكي ينام لكنه فشل، ظل يتقلب علي جانبيه حتي زفر بضجر، نهض وذهب إلي الغرفة الأخري بخُطي هادئة ليجدها تغفو في السرير الآخر الموازي لسرير إبنتهما، تفحص ملامحها ليتأكد إنها نائمة وعندما أطمأن تمدد جوارها وأخذ يستنشق رائحة عطرها بإستمتاع، حاوطها بين زراعيه وقال:
_ تصبحي علي خير وهنا يا ندي قلبي وضي عيوني.
قام برسم قُبلة برومانسية حالمة علي وجنتها وقال بهمس:
_ تصبحي علي خير يا حبيبتي وضي عيوني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ رفعت أكمامها لأعلي وهمت بحمل دلو مليئ بالثياب التي أخرجتها من الغسالة للتو، رأتها خالتها تحمل الدلو فصاحت بها:
_ عتسوي أي يخرب عقلك، همليه وروحي ريحي علي ضهرك وأني الي هنشرو.

_ أني زهجت يا خالتي من الرقدة علي السرير، ما أنتي خابراني زين لو ريحت أتعب.

ربتت خالتها علي كتفها قائلة:
_ تعالي علي نفسك وأتحملي لحد ما ربنا يقومك بالسلامه أنتي والي في بطنك وأبجي أتحركي كيف ما أنتي رايده، إحنا ماصدجنا يابتي إنك بجيتي حبلي.

تنهدت بسأم:
_ ماشي يا خالتي، لما أروح أطفي علي المحشي لأنعس ويتحرج.

حملت رسمية دلو الملابس وصعدت إلي سطوح المنزل، بينما نوارة ذهبت إلي المطبخ أمسكت بقطعة من القماش القديم لتمسك بها غطاء الإناء لكي تتأكد من نضوج الطعام قبل إطفاء الموقد.
تناولت قطعة بالملعقة وكادت تتذوقها
_ السلام عليكم.
أوقفها صوته فأنتفضت ذعراً وألقت مابيدها وبدون أن تنتبه أمسكت بالغطاء الساخن من غير عازل، أطلقت صرخة مدوية.
أسرع نحوها ليمسك بيدها وفتح باب المبرد، تناول قطعة ثلج و وضعها علي يدها مكان الحرق ، تأوهت فقال لها:
_ معلش أتحملي.
رفعت وجهها فتلاقت عينيها بسوداويتيه الحادتين، تخشي ضعفها يظهر إليه، فأشاحت وجهها لتتحاشي نظراته التي تخترقها، بدأ بالتحدث:
_ كيفك يا نوارة؟.

وياليته ما تحدث، ذكر إسمها فقط علي لسانه يجعل قلبها يخفق بقوة يكاد ينخلع من صدرها وينطلق ليستقر بين ضلوع عاشقه.
أجابت بتوتر جلي في صوتها الخافت:
_ الحمدلله بخير.
أبعدت يدها فسقطت قطعة الثلج التي علي وشك الذوبان تماماً، ولت ظهرها إليه وسألته:
_ أغرفلك تاكل؟.

أقترب منها ليقف خلفها مباشرة حتي شعرت بأنفاسه، أجاب عليها:
_ لع، سيبك من الواكل وتعالي وياي في أوضتنا.

كانت علي وشك الإعتراض فأردف:
_ رايدك في حديت مهم.

ظنت إنه قد جاء ليعتذر إليها وطلب السماح، ذهبت برفقته وعند ولوجهما إلي داخل الغرفة أغلق الباب وخلع عباءته وحذاءه، فكانت من هي دائماً تفعل عنه ذلك لكنها أكتفت بدور المتفرج تنتظر حديثه الهام هذا.
أخرج من جيب جلبابه علبة السجائر والقداحة فأمسك بالسيجارة ليشعلها تذكر أمر حملها، نظر نحو بطنها ولايعلم هل يفرح أم لا، كان يريد هذا الطفل من الأخري وليست هي، لذلك كان غير مهتم بأمر الإنجاب من زوجته، كل مايهمه هي فاطمة، فاطمة وفقط!.

_ أي الحديت المهم الي رايدني فيه ياسي رافع؟.
سألته بجدية وتخفي مشاعرها الأخري نحوه، أطلق زفرة عميقة وقال بإقتضاب:
_ ألف مبروك.

ما هذا الجفاء الواضح في كلماته المقتضبة، والبرود المحتل ملامحه، كانت تتوقع ردة فعله علي خبر حملها غير ذلك تماماً.

_ وياتري رچوعك للدار عشاني ولا عشان الي في بطني؟.
سألته وتصتنع التماسك والثبات، تعجب من نبرتها وماترمي إليه، فأفحمها ب ردٍ مجفل:
_ دي دار أبوي يعني أرچع ليها وأمشي منيها كيف ما أنا رايد.

أبتلعت غصتها ولاتعلم كيف تجيب علي حماقته، فأكتفت بتلك الكلمات:
_ وأني ما أقصدش الي فهمته غلط، وعلي العموم حمدالله علي السلامة.
نهضت وأردفت:
_ أني رايحة أشوف خالتي.

أوقفها محذراً إياها من نبرته:
_ وأني لساتي مخلصتش الحديت عاد.

أستدارت إليه و وقفت أمامه عاقدة ساعديها أمام صدرها:
_ خير يا إبن خالتي.

رفع جانب فمه بإبتسامة هاكمة من جملتها السابقة، أشار إليها بتعجرف وبأمر قال لها:
_ أجعدي.

زفرت بضيق وهي تجلس علي الكرسي:
_ أديني جعدت أهه.

رفع حاجبيه متعجباً من أسلوب حديثها الذي لم يعجبه، أجتاز ذلك ليصل إلي مراده، فقال:
_ الموضوع الي هجولو لك دلوق هيبجي سر بينتنا أنا وانتي لحد ما هخبر بيه الكل.

أنصتت له بإمعان وحدسها يخبرها بأن ما سيقوله زوجها للتو لا يكن سوي كارثة بالنسبة إليها، لم يخطأ حدسها حينما تفوه الآخر بجدية وكأنه قد حسم أمره ولا جدال فيه:
_ أني قررت أتچوز.

_ منذ ذلك اليوم الأسود برغم إن ماحدث فيه بمحض إرادتها، ومن حينها حتي الآن تلعن نفسها آلاف اللعنات لإنها إستسلمت بين يدي من أستغل حبها له وقربها منه لأجل مصلحته الخاصة وهي الوصول لمن يهواها فؤاده،  غير مكترث لها بل يُلقنها الكثير من الإهانات خاصة في آخر لقاء جمعهما معاً.
تنعزل بذاتها في غرفتها تخشي رؤية أحداً من أفراد أسرتها ويلقي عليها بالأسئلة التي تخشاها ولا تعلم كيف ستجيب عنها بماذا ستتفوه!.
2

طرقات علي الباب متتالية جعلتها تنتفض من أسفل الدثار،  يتبعها نداء والدتها: 
_ أنتي يا مروة هانم،  قافله الباب ليه بالمفتاح؟.

تنفست الصعداء وأجابت: 
_ أوف، الواحد مش عارف ياخد راحته في البيت ده، نايمة يا ماما وقافلة الباب عشان عيال إبنك الأشقية.

صاحت والدتها من وراء الباب:
_ نامت عليكي حيطه، قومي يابت أفتحي عايزة أقولك علي حاجة.

أنتفخت أوداجها فزفرت من أعماقها بتأفف:
_ حاضر.

نهضت وقامت بفتح الباب، عقدت ساعديها أمام صدرها متفوهه بإمتعاض:
_ حاجة أي دي إن شاء الله؟.

دفعتها في كتفها من أمامها:
_ أوعي كده من وشي.
سارت نحو النافذة لتفتح الستائر مردفة بضيق:
_ياساتر، أي التربة الي حابسة نفسك فيها دي!، ريحة الأوضة مكمكمة.

إستدارت مقلتيها بإمتعاض وقالت:
_ياستي دي أوضتي وعجباني كده.

ألتفتت إليها والدتها ورمقتها بإزدراء قائلة:
_ طيب أتنيلي روقيها وهويها وحطي عود بخور، وخديلك دش وظبطي نفسك عشان جايلنا ضيوف.

زفرت للمرة المائة:
_ أوف بقي، ياربي مش هنخلص، وأنا مالي بضيوفك!، وبعدين أنا مش قادرة أقابل حد.

وضعت يديها بخصرها وقالت بتهكم لاذع:
_ دول مش عشاني يا روح أبوكي، ده العريس الي قولتلك عليه ومعاه جوز خالتك ومعتصم أخوكي هيسبقهم زمانه علي وصول.

أرتجف داخلها من التوتر، متذكرة ما أخبرتها والدتها عن هذا العريس ومدي إعجاب والديها به وبأخلاقه وإنه الرجل المناسب الذي تمنوه لإبنتهم، فماذا ستفعل!.
أخذت تتمتم بداخل عقلها بنعت وسب هذا العلي الذي قذف بها داخل الجحيم، تركها جريحة القلب، محطمة الذات.

تصنعت الثبات الإنفعالي حتي لاتشك والدتها في أمرها،فقالت بهدوء زائف:
_ مش وقته.

تشدقت الأخري:
_ هو أي يا عين أمك الي مش وقته؟.

رفعت وجهها لأعلي قليلاً:
_ مش وقته أن أتخطب وأتجوز، لسه شوية علي الخنقة دي.

كانت تظن بهذه الكلمات تقنع والدتها بالعزوف عن فكرة زواجها لكن لاتعلم إنها أضرمت شعلة من الغضب جعلت أمها تخطو نحوها وهي تتراجع إلي الخلف.
_ لسه أي يا عينيا؟.
سألتها بسخرية قابضة علي زراعها بقوة تهزها بعنف، فأردفت بصياح أهتزت له جدران غرفتها:
_ طب أي رأيك يا روح أمك هتتخطبي وهتتجوزي العريس ده، سواء عجبك ولا معجبكيش، يا إلا قسماً بالله هسلط عليكي معتصم أخوكي ولا هيبقي فيه خروج ولا شغل، وأنتي عارفة هيعمل معاكي أي، وياما أنا حوشته عنك وداريت عنك كتير.
2

فلتت زراعها بصعوبة من قبضتها، وقفت بتحدي وإصرار قائلة:
_ طُز في إبنك وفي العريس، و طُز فيكو كلكو،يكش تولعو بجاز في بعض.
2

تعجبت والدتها لصراخها المُجلجل هذا، همت بمغادرة الغرفة قائلة بتوعد:
_ صرخي، عيطي، أعملي الي أنتي عايزاه، وبرضو كلامي هيمشي وهتوافقي علي العريس، ويا أنا يا أنتي!.

دفعت الباب خلفها بقوة ثم أستندت عليه بجسدها الواهن وأخذت تبكي بحرقة وقهر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تقف أمام مرآه الزينة بداخل غرفتهما، تنظر إلي بطنها الذي لم يظهر بعد عليه إنتفاخ الحمل، تتذكر ليلة أمس وكلماته القاتلة لقلبها الذي يعشقه ولا يبادله أي مشاعر.
(حدث في ليلة أمس)

_ الموضوع الي هجولو لك دلوق هيبجي سر بينتنا أنا وانتي لحد ما هخبر بيه الكل.

أنصتت له بإمعان وحدسها يخبرها بأن ما سيقوله زوجها للتو لا يكن سوي كارثة بالنسبة إليها،  لم يخطأ حدسها حينما تفوه الآخر بجدية وكأنه قد حسم أمره ولا جدال فيه: 
_ أني قررت أتچوز.

أتسعت عينيها من هول صدمتها إثر ما تفوه به للتو، وتسمرت كالتمثال.
عم الصمت بينهما، فتسللت عبره علي وجنتها، وبصوت خافت يصل لأذنيه بصعوبة قائلة بتعجب ساخر:
_ هي دي ألف مبروك الي چاي تجولهالي!، وياتري تطلع مين دي؟.

أشاح وجهه لم يستطع أن يجب علي سؤالها، فيكفيها علمها بأمر زواجه بأخري.
تعالت شهقاتها من الألم الذي تشعر به وكأنه جلب سكين متوهج ويغرزه بداخل قلبها بلا شفقة، ولما يهتم لمشاعرها!، فهو لم يشعر قط نحوها بأي مشاعر، حتي في لحظاتهما الحميمية كان يتخيل الأخري وليست هي، كم هو قاسي القلب متبلد المشاعر.

توقفت عن البكاء عنوة، فأستعادت رباطة جأشها وقالت بسأم:
_ فاطمة، صوح؟.
إبتسامة سخرية تكسو ثغرها مُردفة:
_ طول الوجت وأني جلبي كان حاسس، وكنت بصبر حالي وأجول لنفسي يابت بكره هيزهق ويحس بيكي، مهما كان ده في الأول والآخر برضك چوزك ولما علمت إني حبلي علي قد ما فرحت لكن فرحتي الي أنتظرتها هي فرحتك أنت لما تعرف أني هچيبلك الطفل الي نفسك فيه، و بدل ما تاخدني في حضنك، چاي تجولي أتچوز!.

صاحت في آخر كلمة، رفع سبابته محذراً إياها:
_ وطي حسك يا نوارة أحسن لك.

فاض بها الأمر،  فصاحت بغضب هادر:
_ أوطي حسي!، يا چبروتك يا أخي!، ده كل الي همك، ومش همك جلبي الي عينحرج دلوق!.
نهض وقفز نحوها واضعاً كفه علي فمها وبغضب مستطير من سوادويتيه:
_ إكتمي إلا وربنا لأجطعلك لسانك.

أزاحت يده بكل قوتها من علي فمها وقالت:
_ ما أنا ياما كتمت حسي وأكتم في جلبي وأنت ولا هنا، وأخرتها رايد تتچوز عليا!، يا أخي اللهي
تتچوزك عجربة وتفضل تدوك فيك سمها وأخلص منك وأرتاح.

صاح بتهديد: 
_ لمي لسانك يا ولية إلا و قسماً بالله ل.....

قاطعته وبداخلها بركان من الغضب تتقاذف حممه في عنان السماء: 
_ اللهي يولولو عليك بدري لا تلحج تتچوز ولا تلحج تشوف إبنك الي خسارة فيك.

وصل لذروة غضبه الثائر،  رفع كفه لأعلي: 
_ أخرسي جبر يلمك.

أندفع الباب بقوة ودلفت والدته،  بفزع قائله: 
_ چري أي يا ولدي،  حسكم واصل للنچع كلاته،  حوصل أي؟.

كان يرمقها بنظرة حالكة وكأنه يتوعد لها،  حتي أنتبه علي صوت والداته: 
_ ما تردو علي سؤالي،  ولا أتخرستو دلوق!.

ألتقط عباءته وعمامته وهم بإرتدائهما ليرحل بدون أي كلمة، ثم غادر
هارباً من أسئلة والدته وحديثها حينما تعلم بنواياه.
2

(عودة للزمن الحالي)

ظلت ترمق صورتها  المنعكسة في المرآه، وبداخلها عقدت العزم،  لابد عليها التصرف بدلاً من قلة حيلتها وموقف المتفرج الصامت.
وبعدما أبدلت ثيابها بعباءه سوداء فضفاضة و وشاح ذو لون قاتم،  خرجت فكادت تصدم بخالتها التي أوقفتها: 
_ رايحة فين يابتي؟.

رمقتها بشرر من أفعال ولدها الظالم قائلة بحدة بالغة: 
_ همليني يا خالتي لحالي.

أمسكت يدها مانعة إياها من المغادرة،  وقالت بأمر: 
_ مهملكيش غير لما تجوليلي أي الي چري ليلة امبارح ومحدش فيكو رد عليا،  و كمان رايحة علي فين إكده؟.

جذبت يدها وأجابت: 
_ أبجي أسألي ولدك وهو هيجولك إذا قدر يجولك عاد.

تركتها في حيرة، وأكملت خط سيرها نحو منزل الشيخ واصف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تتسحب من المطبخ بخطي وئيدة حتي لاتشعر بها والدتها،  تحمل حقيبة معبأة أواني مملوءة بالأطعمة المختلفة،  أجرت إتصالاً هاتفياً وبهمس أجابت: 
_ أني چاية أهو إياكم تتغدو من غيري وجولي لأخوي مايشتريش واكل للعمال أني عاملة حسابهم،  يلا سلام.

_ رايحة علي فين يا فاطمة؟.
صاحت بها جليلة واقفة أمام باب غرفتها،  مما أفزعت الأخري،  تركت الحقيبة جانباً وهي تزدرد لعابها ثم تفوهت بتوتر منبلج علي ملامحها: 
_ أني، أني كنت را......

قاطعها رنين جرس المنزل ويصاحبه طرقات عنيفة علي الباب،  تعجبت كلا من فاطمة وجليلة،  ذهبت الأولي لتفتح الباب،  فتفاجأت بها واقفة أمامها والغضب يتطاير كالشرر من عينيها دفعتها  في كتفها بخاصتها و ولجت إلي الداخل تحت نظرات فاطمة الحانقة: 
_ العواف يا خالة چليلة.

رمقتها جليلة بإندهاش يتخلله بعض الضيق قائلة: 
_ الله يعافيكي يا نوارة.

ألقت نظرة علي غريمتها أولاً ثم أستدارت إلي الأخري،  ترفع وجهها لأعلي قليلاً بزهو  : 
_ متستغربيش ياخالة من مچيتي ليكم، والسبب أني رايده ألحج بيتي قبل ما يتخرب.

رمقتها جليلة بإندهاش: 
_ خراب أي كفي الله الشر يابتي.

حدجتها بإستعلاء وقالت: 
_ خراب بيتي يا خالة، وبتك السبب.

هنا لم تستطع فاطمة الصمت أكثر من ذلك،  فكانت تتركها تفعل ماتشاء، لكن إلي هذا الحد وكفي.

صاحت بتحذير وبدفاع عن نفسها: 
_ بجولك أي يا نوارة، أجفي عوج وأتحدتي عدل، أني ساكته لك من تو ما خطيتي دارنا، لكن هتلبخي في الحديت فخدي بعضك إكده من أصرها و عاودي علي دارك يابت الناس أحسن لك.

ألتفتت إليها والغضب والشر ينضح من عينيها كاللهيب مستعر: 
_ واه،  وكماني ليكي عين تهدديني يابت الشيخ واصف!.

نظرت نحو جليلة لتردف: 
_ جوليلي يا خالة،  الي تلوف علي راچل متچوز وكماني مارته حبلي تبجي أي؟.

أتسعت عيني جليلة بعدما تفهمت سبب مجيئها وغضبها، فسألتها بإستنكار:
_ تجصدي أي بحديتك؟.

صاحت مشيرة نحو فاطمة: 
_ أجصد بتك خرابة البيوت،  خطافة الرچالة.

_ أخرصي جطع لسانك.
صرخت بها فاطمة وهي تهبط علي وجهها بللطمة قوية.
فما كان من الأخري أن تتلقي الإهانة وتصمت، بل هجمت عليها: 
_ وكمان بتمدي يدك علي والله ما أهملك من يدي.

جذبتها من خصلاتها بعنف والأخري تدافع عن نفسها،  ولا تريد أن تؤذيها خاصة بعدما علمت إنها حامل.
تدخلت جليلة  لتبعد كلتاهما عن بعض،  آمره إياهما: 
_ بعدو عن بعضيكو منك ليها،  وأنتي يا نوارة عيب لما تدخلي بيوت الناس وتتهميهم بالباطل وكمان تغلطي فيهم.

ألتقطت نوارة أنفاسها بتهدج قالت: 
_ أني ما بكدبش يا خالة، أسألي بتك الأستاذة فاطمة بت شيخ المسچد!، رافع كان بيسوي معاها أي وجت فرح خايته ورا الدار!.

قالتها وحدجت فاطمة التي تسمرت في مكانها بعداء وتوعد،  فأردفت: 
_ هجولك أني الي شوفتهم بعينيا دول وهو رميها علي التبن وجاعد فوجها وبيبوسها كأنهم راچل ومارته.

نظرت فاطمة لأسفل بخجل و خوف من والدتها التي تكبح جموح غضبها أمام الأخري حتي لا تشمت فيهما.
اردفت مرة أخري: 
_ أني المرة دي عملت حساب للقرابة وصلة الدم الي بينتنا،المرة الچاية هتكون فضايح وچورس والنچع كلاته هيتفرچ ويسمع.
نظرت لهما بتهديد لتأكد علي وعيدها، ثم همت بالرحيل:
_ سلام.
غادرت بخطي سريعة وعندما خرجت من المنزل زفرت وكأنها تزيح جبل من فوق صدرها،لكن هناك سؤال ألقاه عليها صوت من أعماقها و هو
ماذا لو علم رافع بما أقترفته؟!.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تركض بملامحها الخائفة بداخل رواق مظلم وصوت أنفاسها المتهدجة يعلو، تنظر خلفها في كل خطوة نحو مصدر خوفها، حتي أصتدمت في صدره، فشهقت بفزع فطمأنها قائلاً:
_ متخافيش يا جلبي.

أتسع ثغرها بإبتسامة وسعادة:
_ فارس!.

ضمها إلي صدره وحاوطها بزراعيه يمسد علي خصلاتها ليطمأنها أكثر:
_ أيوه أني يا روح جلبي، متخافيش يا زينب رايدك تكوني قوية، أوعاكِ تضعفي.

دفنت وجهها في صدره وتشبثت بأناملها في ظهره قائلة بضعف وقلة حيلة:
_ مُعنتش قادرة يا فارس، كل يوم بتمني الموت وما طايلهوشي.

أبعد وجهها عن صدره ليتمعن بالتحديق في ذهبيتيها قائلاً:
_ بعد الشرعليكي يا جلبي، أياكِ تجولي إكده تاني، ده أني من غيرك ما أجدرش أعيش واصل.

ردت عليه بسأم والعبرات تملأ عينيها:
_ وأني ماعرفاش أعيش من غيرك واص...

قاطعها صوت إطلاق رصاص يعقبه صياح تكره صاحبه بشدة:
_ زينب، زينب.

كان فارس ينظر لها بنظرة الوداع الأخيرة غير قادراً علي التحدث ولو بكلمة.
أخذت تصرخ به:
_ لاء يا فارس ماتهملنيش أبوس يدك، لاء يا فارس.

بدأ جسده يتراخي ويتهاوي بين يديها، فأطلقت صرخة مدويه:
_ لا.

فتحت عينيها لتقابلها عتمة الظلام، فمازالت  آسيرة في هذا المكان الموحش منذ البارحة، مكبلة بالسلاسل الحديدية، وبرودة الهواء والصقيع يحاوطها وينهش جسدها المرتجف.
نهضت بصعوبة تتكأ علي إحدي ساقيها وبيدها الأخري تتحسس الجدار، وبرغم من الظلمة المحيطة بها شعرت بدوار يداهمها، و عندما أستطاعت الوقوف خارت قواها فسقطت علي الأرض.

وفي الخارج، تسير أنيتا وتحمل صينية طعام متجهة خلف المنزل، وعند رؤيتها فتح لها إحدهم من رجال الحراسة الباب، أخرجت من جيب جونلتها مصباح يدوي صغير وأضاءته، فشهقت عندما وقعت عينيها علي تلك الممدده علي الأرض بلا حركة وبجوارها آخر صينية طعام قد قدمتها إليها ليلة البارحة ولم تمسها كسابقتها.
خرجت مسرعة لتخبر سليم الذي كان يمارس تمارينه الرياضية في الحديقة.
_ سيدي،سيدي.
صاحت بها

نهض من فوق العشب ومسح قطرات عرقه من فوق جبهته، فسألها:
_ ماذا هناك أنيتا؟.

أجابت بقلق و خوف:
_ مدام زينب، يبدو إنها غائبة عن الوعي.

أنتفض بفزع عند سماعه ذلك، ركض إليها وقلبه يخفق خوفاً.
ولج إلي الداخل وقام بفتح لوحة مفاتيح الكهرباء بعد إبعاده لقطعة القماش الباليه من فوقها، وضغط علي المفاتيح، أصبح المكان مضيئ، ليجدها كما أخبرته الخادمة، أسرع نحوها وجثي علي إحدي ركبتيه، وضع يده علي زراعها يلكزها منادياً:
_ زينب، زينب.
2

لم تصدر منها أي حركة، فكانت كالجثة المسجاه، أمسك رسغها وبيده الأخري وضع أصبعيه الوسطي والسبابه علي موضع العرق النابض، زفر بأريحية وسرعان ماتبدلت ملامحه كالبركان الذي أنفجر لتوه، وهذا عند رؤيته لصينية الطعام التي لم تؤكل منها شئ.
نهض لينحني مرة أخري ويحملها مسرعاً إلي داخل المنزل ثم إلي غرفة النوم، فوضعها علي السرير و هاتف الطبيب ليطمأن عليها.
وبعد قليل جاء الطبيب وبعد الفحص قال:
_ سيد سليم، هل زوجتك لديها داء السكري؟.
1

ضيق مابين حاجبيه مجيباً:
_ لا أعلم.

قام الطبيب بتدوين عدة كلمات في دفتره الورقي، فنزع الورقة منه ثم أعطاها لسليم قائلاً:
_ هذه الأدوية مكملات غذائية لتقوية جسدها الضعيف، ويجب أن تجري بعض التحاليل لنطمأن علي مستوي السكر لديها.

أخذها منه وهو يومأ له، وبعد مغادرة الطبيب أغلق الباب وعاد إليها ليجلس بجوارها متأملاً ملامحها، بداخله يشعر بالندم حيال ما فعله معها فالأمر كان لايستحق هذا العقاب القاسي الذي كان سيودي بحياتها إلي الهلاك.
وضع أطراف أنامله علي جبهتها نزولاً لوجنتها ثم إلي شفتيها التي عند ملامسته لها أصابها رجفة طفيفة.
مسك يدها و وضعها بين كفيه فوجد أطرافها باردة، أخذ يمسدها حتي تشعر بالدفء ولو قليل، لكن بدون جدوي مازالت ترتجف، ترك يدها وأبعد الدثار من فوقها حتي يتثني له خلع ثوبها الذي قام بإلباسها إياه قبل مجيئ الطبيب لتعود كما تركها في المخزن بقطعتي ثياب فقط ثم خلع عنها الوشاح.
نهض ليخلع عنه ثيابه وأكتفي بسرواله ثم تمدد جوارها ليحاوط جسدها بالكامل بجسده بعد أن ألقي عليهما الدثار  ليمدها بالدفء أكثر.
أحتضنها بقوة وكأنها ستفر منه موصداً عينيه، مد يده إلي خصلاتها ليأخذ البعض منها وأخذ يستنشق رائحتها بمتعة غمرت كل حواسه، جاء في ذهنه كلمات الطبيب عندما تفهم منه بإحتمالية إصابتها بالسكري، لعن نفسه فربما إصابتها تلك مؤخراً، والسبب معاملته القاسية لها وإجبارها علي كل شئ وكأنها جارية أشتراها من سوق النخاسة.

وهنا بدأ ضميره بإيلامه وتوبيخه فلم يشعر بنفسه وهو يهمس لها أمام شفتيها بكلمات إعتذار :
_ آسف حبيبتي، سامحيني.
3

دفن وجهه في صدرها كالطفل الذي يختبأ في حضن والدته، يحارب بكل قوته تلك الذكريات التي تهاجمه بضراوة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ نهضت تلك السيدة من خلف مكتبها تحدج هذا الصغير ذو العشر سنوات بغضب: 
_ ولآخر مرة أسألك يا سليم أنت الي رميت الخشبة علي مستر ياسر؟.
رفع وجهه ليرمقها بعينيه الصغيرتين وملامحه المقهورة،  ليجيب عليها بإستنكار:
_ لاء مش أنا،  ده أشرف وحسام الي عملو كده.
1

جزت علي أسنانها و رمقته بتوعد: 
_ برضو لسه مُصر إنك تكذب، ماشي.

أطلقت زفرة بضيق ثم أردفت : 
_ أنا هخليك تحرم تكدب تاني وتبطل المصايب الي بتعملها كل شويه.
جذبته من يده بعنف وخرجت به إلي الفناء وكان حينذاك وقت إستراحة التلاميذ،  أشارت إلي عامل النظافة: 
_ يا عم شاكر هات باسكت فاضي.

أحضره العامل لها فأخذته ودفعته في يد الصغير: 
_ عايزاك تروح تلم أي حاجة واقعة في الجاردن ولو لاقيت فتفوته ورقه علي الأرض هاحبسك في أوضة لوحدك طول النهار.

أذعن لها بخوف وبدأ بإلتقاط القاذورات في وسط ضحكات وتنمر التلاميذ عليه، يشيرون نحوه ويحدجونه بإزدراء،  فكان كل ما يفعلونه يترك آثراً  سيئاً في نفسه، يشعر بالإهانة فأخذ يبكي بقهر.
ولم تكتف مديرته بذلك بل هاتفت والده ليأتي ويعلم ما يقترفه إبنه من مصائب وينكرها.

_ داغر بيه،  لولا إننا لمينا الموضوع مع مستر ياسر كان زمانه وصل لبوليس وقضية وإبنك يدخل الأحداث.

أجاب بتعجرف جلي من كلماته: 
_ إبن داغر العقبي ميعملش الي بتقوليه ده،  أنا إبني متربي أحسن تربية.

رمقته بسخرية وإستهزاء، أعتدلت علي كرسيها: 
_ إبنك يافندم كل يوم ليه مصيبة شكل،  حكيت لك منهم الي عمله النهارده بس،  ولو زي ما حضرتك بتقول أنه متربي تقدر تفسر لي إعتداءه علي زميلته بالضرب ولولا برضو أتكلمنا مع البنت وهديناها وقولنا لها متجبش سيرة لحد من أهلها كان زمان إبنك واقع في مشكله برضو.

جز علي فكه من الغيظ،  أستشاط غضباً من تلك السيدة ومن أفعال إبنه الذي يعلمها جيداً،  فتوعد له بأشد عقاب
فعندما وصل كليهما إلي القصر،  نزل من السيارة ممسكاً إبنه بعنف متجهاً به إلي الداخل ثم صعد الدرج والآخر يتعثر في كل خطوة حتي وصل إلي غرفة شاغرة بالطابق الثاني لايوجد بها أي أثاث أو فراش،  أوصد والده الباب ثم خلع حزام بنطاله وبملامح شيطانية أمر الصغير: 
_أدامك دقيقة تقلع هدومك كلها.

أرتجف الصغير وأجهش في البكاء متوسلاً والده: 
_ أنا آسف يا بابا.

صرخ به: 
_ آسف علي يا إبن ال.....  عملي مرة بلطجي ومرة صايع في المدرسة،  وتخلي حتة ست ملهاش لازمه تكلمني وتقولي إبنك عمل وإبنك هبب!.

قال الولد من بين بكاءه بدفاع عن نفسه بالكذب:
_ دي كدابه،  أنا معملتش حاجة.

_ وكمان بتكدب،  طيب أقسم بالله لأخليك تحرم تكدب ولا تجبلي الكلام مرة تانية.

جذبه من ثيابه وسط صرخاته وتوسله إليه،  نزعها عنه بوحشية ليجرده منها تماماً وأنهال عليه بحزامه الجلدي علي أنحاء جسده الصغير،  فتركه بعد وصلة من التعذيب أنهاها بحرمانه من الطعام ملقياً في وجهه زجاجة مياه فقط،  وكذلك حبسه في الغرفة لمدة يومين.
_ هتتحبس هنا يومين لحد ماتتعلم الأدب وتحرم تكدب وتسمع كلامي بعد كده.

وبعد غروب أشعة الشمس التي كانت تنير الغرفة،  حل الظلام فأكتشف عدم وجود مصباح إضاءه في الغرفة، فظل آسير الظلام طوال الليل إلا من بصيص من ضوء القمر يتسلل من النافذة، زحف بوهن نحو البقعة المضيئة علي الأرض، يبكي ويصرخ بكلمات غير مرتبة : 
_ مش هعمل كده تاني، آسف، هما الي بيضايقوني، أنا خايف.

أخذ جسده يرتجف،  وأسنانه تصتك في بعضهما البعض، ضم زراعيه يحتضن جسده،  يعتصر عينيه من الألم النفسي والجسدي، وفي تلك اللحظات تبدلت نظرات عينيه من البراءة إلي نظرة أخري خالية من المشاعر،  قد تكون بداخله شخصاً آخر، شخص قلبه لايعرف من المشاعر سوي القسوة والجفاء، يستمتع كلما رأي أحدهم يتألم أمامه وتزداد تلك المتعة أكثر عندما يكون هو المُعذب.

_ بابا،  آسف،  مش أنا،  هم الي بيضايقوني.
كلمات يتمتم بها وجسده يرتجف بشدة وقطرات العرق تملأ وجهه، وكأن قد أصابته حمي.
بينما هي أستيقظت أثر ما يحدث لديه، فكانت زراعيه تزداد إنقباضاً علي جسدها مما سبب لها الألم.
أتسعت عينيها خوفاً من ملامحه رغماً إنه نائم،  تفوهت بوجل وملامح خائفة: 
_جوم وبعد يدك عني.

لم يستيقظ فصرخت في وجهه: 
_ سليم.
لافائدة بل علت همهماته بالكلمات السابقة وأشتدت زراعيه من وثاقها بقوة فتأوهت بألم،  أفلتت إحدي زراعيها بصعوبة،  فلكزته بقوة في صدره صارخة:
_ بعد عني.

أستيقظ فجاءة مبتعداً عنها قليلاً،  يحدجها بنظرة قاتلة جعلتها تراجعت إلي الوراء،  وقعت عينيها علي جسده العاري لايقوم بستره سوي سروال قصير، وفي تلك اللحظة أنتبهت إلي جسدها أيضاً الذي لايغطيه سوي قطعتين من الثياب تكاد تخفي ما أسفلها.
شهقت بخجل وتوتر جذبت الدثار تلتحف به ثم نهضت من فوق السرير،  أبتلعت لعابها خوفاً من نظرات عينيه المرعبة التي لم تحد عنها.
_ أني،  أني كنت بصحيك لما لاجيتك عمال تترعش وتجول حديت مفهماش منيه حاچة، ده غير...

صمتت عندما نهض في صمت وتقدم منها، رفعت سبابتها محذرة إياه: 
_ أوعاك تجرب مني، بكفياك الي سويته فيا، قسماً بالله لو...

وقف أمامها مباشرة ليجذبها إلي صدره بحنان لم تعهده منه منذ أن رأته،  شعر برجفة جسدها من مجرد ملامسته وعانقه لها،  همس بجوار أذنها بللهجة آمره: 
_ متخافيش.

أخذت أهدابها بالرفرفة عدة مرات وهي تحاول إستيعاب أفعاله،  ما هذا الرجل المجنون تارة يعنفها ويقسو عليها بشدة وألقي بها في مكان موحش،  وتارة أخري تستيقظ لتجد نفسها بين زراعيه والآن يعانقها ويطمأنها بأن لا تخاف،  كيف ذلك!.

هدأت أنفاسها قليلاً،  فأبتعد عن معانقته لها ليحدق بداخل ذهبيتيها بنظرة تراها لأول مرة،  ظل هكذا لمدة خمس دقائق حتي قال بهدوء عكس سجيته واضعاً يديه علي كتفيها : 
_ أدخلي خدي دش وجهزي نفسك عشان خارجين.

تركها وذهب لتناول معطفه القطني وقام بإرتداءه ثم غادر الغرفة متجهاً إلي إحدي المراحيض الشاغرة في المنزل.
1

تنفست بأريحيه بعد ذهابه وقالت: 
_ وربنا راچل مچنون،  بس علي مين فاكر حبة الحنية دول هياكل بيهم عقلي يبجي أهبل وعبيط، أنا بكرهك ياسليم وهافضل أكرهك لحد ما أتخلص منك،  داهية تاخدك أنت وأخوي في ساعة واحدة يارب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ وأنتي هاتصدجي حديت المخبلة نوارة وهاتكدبي بتك!.
صاحت بها فاطمة لوالدتها التي ردت بغضب عارم: 
_ ولو هي عتكدب عليا ليه ما ردتيش عليها ودافعتي عن حالك وهي عتتهمك علي علاقة بچوزها والي حوصل وجت فرح زينب؟،  وجفتي كيف الفار المبلول جدامها.

تريد الفرار من تحقيق والدتها الإستفزازي، فقالت بإستنكار وإصرار مصتنع: 
_ وأني بجولك مفيش حاچه من دي حوصلت واصل،  وكمان خابره زين أني أطيق العمي ولا ماطيقش ولد أخوكي.

ضيقت جليلة عينيها غير مقتنعة أو مصدقة لكلماتها فقالت بتهديد و وعيد: 
_ أني خابرة حاچة واحدة بس،  وهي لو طلع حديت نوارة صوح، أقسم بالله لأكلم المأذون و ولد خالك ويچي يعقد عليكي وتتچوزو إحنا ما ناجصينش فضايح ولا چورس عاد،  كفاية عليا أخواتك الرچالة وعمايلهم.

أثرت الصمت وتحاشت الرد علي كلمات الأخري حتي لاتسبر أغوارها وتنفذ وعيدها الجائر،  ذهبت متجهة إلي غرفتها،  فأوقفتها والدتها: 
_ رايحة علي فين أني ماخلصتش كلامي.

لاحظت نظرات والدتها نحو حقيبة الطعام وكادت تسألها إلي أين كانت ستأخذها وتذهب فقالت علي عجالة: 
_ معلش ياما،  تو ما أفتكرت واحدة صاحبتي كانت رايدة مني خلچات لأچل تحضر بيهم   فرح ناس قرايبهم، لما ألحج أروح أوديهم لها،  سلام.

فرت من أمامها بسرعة البرق تحت نظرات والدتها المندهشة،  وعندما خرجت زفرت واضعة يدها علي صدرها،  تذكرت حديث نوارة فقالت بداخل عقلها: 
_ ماشي يا رافع الكلب وربنا لأفرچك وهفرچ الناس عليك.

أستقلت سيارة ذات الثلاث إطارات قائلة للسائق:  _ أطلع علي مخازن الخرده يا سطا.

وصلت في خلال دقائق معدودة، ترجلت وهي تتمم علي وشاحها.
وبالداخل يجلس علي مكتبه يتمعن النظر في دفتر ورقي يراجع الإيرادات،  طرقات علي بابه ودلف بعدها المدعو دبيكي: 
_ ألحج يا رافع بيه،  الست فاطمة چت بره وبتسأل عليك وعايزة تجابلك.

ألقي القلم ونهض غير مصدق: 
_ بتتكلم  چد؟.

أجاب مؤكداً بإشارة من يده: 
_ چد الچد يا كبيرنا.

أنبلجت سعادة عارمة علي ملامحه الحاده مهللة أساريره،  فقال بأمر: 
_خليها تدخل،  وتنبه علي المجاطيع الي بره محدش يدخل غير لما أنادم علي حد فيهم.

أومأ له قائلاً: 
_ أعتبره حصل يا رافع بيه.

هندم من جلبابه وكان لايرتدي العمامه،  فألقي نظرة علي إنعكاس صورته علي شاشة هاتفه،  يرتب خصلاته الفحمية وشاربه ولحيته المشذبة.
أندفع الباب بقوة لتدلف كالعاصفة الهوجاء بصياح علي وشك أن يصيبه بالصمم: 
_ أنت مين المتخلف الي قالك أننا هانتچوز؟.

أجاب ببرود وإبتسامة إستفزازية تجعلها تستشيط غضباً: 
_ أني المتخلف الي جولت.

بادلته ببسمة ساخرة قائلة بتهكم لاذع: 
_ الحمدلله إنك خابر نفسك زين، متخلف.

في لحظات أصبح واقفاً أمامها يحدجها بتحذير:  _ لمي لسانك أحسن لك،  إلا وقسماً بالله...

قاطعته بتحذير مماثل عاقدة ساعديها أمام صدرها: 
_ وإلا أي يا رافع؟، بلاش أنا بالذات الي تلعب معايا لعبتك القذرة دي.

أقترب منها وبنبرة حميمية ونظرات مليئة بالحب والرغبة: 
_ أومال عايزيني نلعبو أي بالظبط؟.

أدركت مقصد سؤاله الخبيث،  فتوترت ولم تظهر له ذلك بل دفعته في صدره لتبتعد عنه: 
_ لم حالك وأتعدل معاي،  ولأخر مرة أحذرك،  بعد عني يا رافع إلا وهخليك تبعد عني وعن النچع كلاته.

ضيق سوداويتيه القاتمتين وسألها بللهجة حادة:
_جصدك أي بحديتك ده؟.

ظل ينظر إليها حتي أدرك ما ترمي إليه، أشتد سواد عينيه فحدجها بنظرة نارية، جذب زراعها ليقربها منه وإبتسامة مخيفة تعلو ثغره قائلاً: 
_ رايده تبلغي عني الحكومة إياك !.
رفعت واجهها في مواجهته بكبرياء وبنبرة جادة لتؤكد علي ما تفوهت به:
_ أيوه، هسوي إكده، ما أني جولتلك مابخافش غير من الي خلقني.
عقبت جملتها بنظرة تحدي، لاحظت صدره يعلو ويهبط بقوه وصوت أنفاسه ترتفع، وقبضة يده تضغط أكثر علي ساعدها مما سبب لها الألم لكنها أخفته بداخلها.
تعلم إنه لايستطيع إيذائها في كل الأحوال، فأردفت بنفس اللهجة القوية:
_ أي؟،عتفكر تجتلني كيف!.

جز علي أسنانه وهدر من بينهم:
_ ماتختبريش صبري وياكي بدل ما ترچعي تندمي.

شبه ضحكة ساخرة خرجت من بين شفتيها، وقالت:
_ أني ندمانة علي حاچة واحدة بس.

رمقها بترقب ينتظر بقية جملتها، فأكملت وهي ترمقه بكراهية مصتنعة :
_ هي إن حبيتك في يوم من الأيام، بللعن جلبي الي دق لك، خابر أنت لو بتموت جدامي وبتخرج روحك، عمري ما هارچع لك ولا هاكون ليك، فياريت توفر مچهودك في الچري ورايا وتخليه لمارتك، أم ولدك الي چاي.

وبدلاً من أن يغضب،فاجئها بقهقهة مدوية، يظن إنها قد غارت عندما علمت بحمل زوجته ، فهو علي يقين جيداً برغم كلماتها القاسيه إنها مازالت تحبه، لكنها تكابر وتعاند وتتظاهر بالعكس.
كف عن الضحك ودفعها علي الكرسي ثم أنحني وحاوطها متكئاً علي المساند الجانبية، فقال بوعيد قد حُسم أمره :
_ هاتچوزك سواء بإرادتك أو من غيرها، ومش بس إكده، وهاتكوني أم ولدي التاني إن شاءالله.

بركان ثائر أنفجر بداخلها، و ودت لو كان حقيقياً كانت ألقت بحممه النارية في وجهه لتجد بديلاً أشد قسوة تترك أثر أقوي، فقالت:
_ ما تخلي حداك حبة كرامة، رايد تتچوز واحدة ماطيجاش تبص في خلقتك، مش شيفاك غير واحد خاين وخسيس ومچرم وفيه كل العبر، إبليس في هيئة بني آدم.

أعتدل وأبتعد عنها قليلاً حتي لا يطلق عليها غضبه ويؤذيها، ولي إليها ظهره وقال لها بأمر:
_ أخرچي بره.

نهضت وتبتسم بإنتصار، وقبل أن تغادر قالت:
_ نسيت أجولك صوح، ألف مبروك وربنا يقومها لك بالسلامة، بس ياريت تفهم مارتك عيب تدخل بيوت الناس وتغلط فيهم وتتهمهم بالباطل.

رفعت حاجبيها وأرادت إشعال مراجله ليحترق في جحيمه:
_ أه وكمان نسيت أجولك علي حاچة تانية، أنا مخطوبة، سلام يا واد خالي.

قالتها وذهبت مسرعة الخطي قبل أن يلحق بها، لكنه ما زال يقف في مكانه، ضرب الحائط بقبضته وقال بوعيد أقسم علي تنفيذه مهما كان الثمن:
_ ماشي يافاطمة أكدبي كيف ما انتي رايده، بكرة هتبجي بين يدي  غصب عنك وأني بجولك مبروك يا أم ولدي، وأنتي بجي يا نوارة حسابك معاي تجل جوي، أنتي الي چبتيه لنفسك .
2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أستيقظت من نومها العميق تتذكر أحداث الأمس،  فظهرت إبتسامة علي محياها سرعان ماتبدلت عندما تذكرت أمر هاتفها الصامت،  أخذت تتلفت باحثة عنه لتراه علي الكمود بجوارها،شهقت بمجرد فتح الشاشة حيث  وجدت خمسين إتصالاً وارداً من والدتها.
_ يا خبر أبيض، ده أنا نسيت أكلمها خالص زمانها زعلت أوي.

قامت بمهاتفتها: 
_ ألو، صباح الخير يا ماما.

_ لسه فاكرة يا هانم أن ليكي أم!، كده يا ندي كده تهربي من البيت خايفة لأمنعك ترجعي لجوزك!.

_ أسمعيني بس ه....

قاطعتها برفض: 
_ لا هاسمعك ولا تسمعيني وأعملي ما بدا لك بس لو جيت لي معيطه تاني هقفل في وشك باب الشقة وتولعو انتي وجوزك في بعض،  مليش دعوة بيكو تاني،  ومن غير سلام.
_ طب أس...

لم تعطها والدتها فرصة فأوصدت الهاتف.
نهضت و زفرت بضيق لاتعلم ماذا عليها أن تفعل فقالت بصوت خافت: 
_أستغفر الله العظيم، مبيجليش من وراك غير المشاكل يا سي أكرم.

ألقت نظرة علي إبنتها في السرير الموازي إليها، فوجدتها مازالت تغط في النوم ،دثرتها جيداً ثم خرجت وهي ترفع خصلاتها لأعلي وتعقدهم علي شكل كعكة،  وصلت لأنفها رائحة طعام آتيه من المطبخ.
سارت إلي هناك للتأكد من مصدر الرائحة، فتفاجأت بوجوده،  يقوم بتقطيع الخضروات من اجل إعداد طبق سلطة، أستدار إليها مبتسماً: 
_ صباح الورد والفل والياسمين.

بادلته بإبتسامة وأومات له قائلة بتثاؤب: 
_ صباح النور.

_ أنا عارف إنك مبتحبيش تفطري بدري، بس أنا عاملك حبة فول بالطماطم وطعمية محشية وسلطة بلدي حكاية ولا تقوليلي التابعي الدمياطي ولا الشبراوي.

تناولت الركوة من الخزانه المعلقة علي الحائط وملأتها بالمياه ثم وضعتها علي إحدي عيون الموقد:
_ معلش، مش هاقدر أفطر دلوقت، حاسة بصداع فظيع عشان نمت كتير، والقولون رجع يتعبني تاني.

تنهد بسأم ثم قال بإهتمام لها  :
_ طيب خلاص عندك جبن وبيض ولانشون، اعملك بيض بالبسطرمة؟.

أومأت له بنفي وقالت بإقتضاب:
_لاء، شكراً.

شعر بالضيق من معاملتها الجافة له منذ الأمس، فأغتاظ بشدة، وأفرغ حنقه في تقطيع بقية الخضروات.
_آه.

تأوه بألم ممسكاً بأصبعيه، ركضت نحوه بفزع ومدت يدها لتمسك بخاصته:
_ أضغط عليهم بسرعة.

أبعد يده وجز علي أسنانه بألم:
_ ده جرح بسيط متقلقيش.
ورمقها بنظرات عتاب، أمسكت بيده لتري الجرح وقالت: 
_ بسيط إزاي!،  ده الدم مش عايز يقف،  أستني هاجيبلك شاش ومطهر وبلاستر بسرعة من جوه.
لم يعقب،  بينما هي جلبت تلك الأشياء وعادت إليه مسرعة، أفرغت القليل من المطهر علي جرحه فأطلق تأوهاً من بين أسنانه،  فقالت له بتحفيز: 
_ معلش يا حبيبي أستحمل،  حل مؤقت بس لحد ما نروح المستشفي.

ماذا تفوهت!، أقالت حبيبي!، أسئلة تعجبية دارت في ذهنه للتو، إذن فعليه إستغلال تلك اللحظة في صالحه، أمسك يدها بحنان ليقربها إلي صدره وقال:
_ الجرح مش خطير لدرجة إننا نروح المستشفي.

ضغطت علي جرحه لمنع ذرف الدماء وقالت:
_ الدكتور لازم يشوفو عشان لو محتاج خياطة.

دفعها برفق نحو حافة الطاولة الرخامية المقابلة له حتي أصبحت هي محاصرة مابينه وبينها، فتفوه بصوت يعزف علي أوتار قلبها الذي ينبض من أجله:
_ و جرحي مش محتاج دكتور.

تحدث بمغزي أدركته، فأنتبهت إنها محاصرة ولا مفر أن تبتعد، كادت تفترق شفتيها لتحذره بالإبتعاد عنها، فلم يعط لها فرصة فأسكتها بقبلة بدأت بهدوء ونعومة حتي تحولت لقبلة عميقة ثم أعمق، يتذوق ثغرات فمها الذي طالما أشتاق لرحيقه في الأيام المنصرمة.

أرتفعت يديه علي زراعيها العاريتين حيث كانت ترتدي منامة ذات كنزة قطنية بدون أكمام وسروال قطني يصل لمنتصف فخذيها، ألتف زراعيه حولها معانقاً إياها بقوة، جعلها لم تشعر بشئ بل كانت تبادله هي أيضاً، يغمرها بحنانه وعشقه المتدفق، هبط بيديه علي خصرها ورفعها لأعلي وأجلسها فوق الطاولة ومازال يلتهم شفتيها، أبتعد بللهاث وقال بشوق جارف:
_وحشاني أوي أوي.

أمسك بساقيها فجعلها تلتف حول خصره وعاد لتقبيلها مرة أخري مردداً:
_ بحبك أوي يا ندي، بموت فيكي.

سيطر عليها سلطان العشق فأستسلمت بين يديه، أبتعدت بوجهها ونظرت له بهيام وشوق مماثل لتهمس أمام شفاه بنبره أثارت كل خلاياه:
_ وأنا بعشقك أوي يا كرملتي.
وأنهالت هي عليه بالعديد من القبلات علي وجنتيه وذقنه وشفاه.

_ أنتو بتعملو أي؟.

صوت صغير جعل كليهما ينتفض من الذعر والخجل، حيث هبطت ندي و وقفت مبتعدة قليلاً.
حك أكرم ذقنه بإحراج وقال:
_ مفيش يا لارا يا حبيبتي، مامي بس كانت...

أراد أختراع كذبة وخشي إنها لاتصدقه لاسيما إنها قد رأتهما في هذا الوضع المخجل أمام طفلة صغيرة، فألقي عتق الإجابة علي زوجته:
_ ماما هتقولك.

و هرب من أمامهما وتركها في مواجهة الصغيرة التي ظلت تنظر لها وكأنها فعلت جريمة شنعاء، أخذت تفكر في كذبة لإقناعها وتبعد أي أفكار سيئة تجول بخاطرها، دنت لمستوي قامتها متصنعة الهدوء وقالت:
_ لارا يا حبيبتي أنا قومت من النوم دماغي وجعاني وكنت بعيط من الوجع، فبابي شافني بعيط، خدني في حضنه وفضل يطبطب عليا عشان أخف.

نظرت إليها لثوان وهي تعيد كلمات والدتها في رأسها، فقالت:
_ أي ده نفس الي حضرتك بتعمليه معايا لما ببقي تعبانه وبعيط، بتاخديني في حضنك وبطبطبي عليا لحد ما أسكت.

أبتسمت لتؤكد عليها:
_ أيوه كده بالظبط، شطوره يا حبيبة مامي، يلا بقي روحي أغسلي وشك وأيديكي وتعالي عشان بابي محضرلنا فطار حلو أوي.

_ حاضر يا مامي.
ركضت إلي المرحاض كما طلبت منها ندي التي زفرت بأريحية وكأنها نجحت في مهمة شاقة، أرتفعت زوايتا شفاها بإبتسامة عذباء عند تذكرها ماحدث منذ قليل.

صوت تنبيه رسالة واردة يصدر من هاتفها في غرفة إبنتها، ذهبت لتري محتوي الرسالة، وما أن فتحتها حتي تجهمت ملامحها وأتسعت عينيها وهي تقرأ كلماتها بداخل عقلها:
(أوعي تفتكري عشان بعدت عنك الأيام الي فاتت يبقي كده نسيتك، أنا سيبتك ترتاحي شوية، فأستعدي بقي عشان خلاص قريب وهنبقي مع بعض زي ما كان لازم يحصل زمان ).

أزدردت لعابها بخوف، ظنت إنه قد سأم ملاحقتها ولاسيما بعد ما حدث لها، لكن ما أدركته الآن إنها علي مشارف حرب طاحنة بين أكرم و علي.
2

_ ندي، يا ندي.
يناديها وينتظرها أمام الغرفة حاملاً صينية الطعام:
_ بتعملي أي عندك، يلا تعالي قبل ما الطعمية ماتبرد.

ولت ظهرها إليه لتوصد هاتفها، وقد نسيت أن تحذف الرسالة من توترها :
_ مبعملش، حاضر روح وأنا جاية وراك.
ذهب فأطلقت زفره بعمق، فتحت إحدي أدراج الكمود وألقت الهاتف بداخله.
+

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تسللت من منزلهم بدون أن يراها أحد،  وضعت يدها في حقيبتها لتخرج غطاء الوجه الخاص بزوجة شقيقها لترتديه،  ولم تلاحظ زوج من العيون الجاحظة تراقبها من علي بعد أمتار قليلة كما أمره الآخر بأن يكون كظلها في كل مكان تذهب إليه.
ألقت نظرة في شاشة هاتفها تنتظر مكالمة واردة، وإذا برنين هاتفها يعلو فأجابت: 
_ الو يا دكتور يحيي،  أنت فين دلوق؟.

أجاب عليها وهو يقود سيارته: 
_ أنا يعتبر خلاص علي أول الطريق الداخلي للنجع.
باغتته بفزع قائلة: 
_ لا خليك عندك وأني چايه لك وياريت توجف في مكان مفيهوش حد واصل.

زفر بضيق قائلاً:
_ أي الرعب الي أنتي معايشنا في ده.

_ ما أنت خابر الي فيها بجي، ولا مستغني عن روحك إياك.

إبتسم ساخراً:
_ أصدك علي رافع يعني، ولا يقدر يعمل حاجة، أنتو الي أديتوله حجم وقيمة.
1

_ أنت والله ما عرفش حاچة، المهم أني چايه لك أهه، سلام دلوق.

سارت نحو الطريق الرئيسي وأشارت إلي إحدي سيارات الأجرة، فتوقفت سيارة، دلفت بداخلها قائلة:
_ مدخل النچع لو سمحت.

وكان خلفها يقود الدراجة النارية ويمسك بهاتفه:
_ رد بجي يا رافع بيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تجلس أمام المرآه تبكي، فهي الآن مرغمة علي الجلوس مع شخص لا تعلم عنه شيئاً سوي إسمه فقط، وبعد تهديد والدتها الجاد والتي أقسمت علي تنفيذه وهو حرمانها من الخروج والذهاب إلي عملها إلا إذا وافقت علي الزواج من هذا العريس الذي سيأتي بعد قليل.

دلفت والدتها لتطمأن إنها قد أصبحت جاهزة لمقابلة العريس الذي لا يوجد مثله و فرصة لم تجدها مرة أخري إذا قوبل بالرفض،  تلك وجهة نظر والدة مروة التي شهقت وضربت بكفها علي صدرها: 
_ يا ليلتك السوده عليكي و علي دماغك، أنتي لسه ملبستيش وعماله تنوحي زي الي ميت لها ميت!.

ردت ودموعها منهمرة علي وجنتيها كشلالات المياه المندفعة بدون توقف: 
_ عايزين مني أي؟، مش قولتلك هتنيل وأقابله عشان ترتاحي!.

أشارت عليها بتعجب ودهشة: 
_ و ده منظر واحدة المفروض هتقابل عريسها بعد شويه!.

نهضت وأشاحت بيديها صارخة بتهكم: 
_ عايزاني يعني أتحزم وأرقص له!، ما أنا لابسه وجاهزة  أهو.

رمقتها والدتها بنظرة نارية: 
_ ماشي يا مروة،  حسابي معاكي بعدين لما الناس تمشي،  إما وريتك مبقاش أنا.

_ في أي يا أمي صوتكو عالي كده ليه؟.
قالها معتصم شقيقها الذي ولج للتو،  فأشارت له نحو شقيقته وقالت: 
_ تعالي شوف الهانم أختك الي عايزه تكسفنا مع الناس،  لابسه لي أسود في أسود وعماله تعيط عشان لما يشوفوها يفتكرو إحنا غصبينها علي الجواز من إبنهم.
نظرت مروة إلي والدتها بإمتعاض، فسألها شقيقها: 
_ أه صح يا مروة أي الي أنتي لبساه ده، أي نعم المرأه لازم تلبس محتشم بس مش لدرجة السواد يعني!، وبعدين مالك مفحومه من العياط ليه وكأننا غاصبينك علي الجواز؟.

حدجت والدتها بسخط ثم نظرت إليه: 
_ غصب!  ، لاسمح الله أبداً.

جزت والدتها علي أسنانها بحنق شديد وقالت: 
_ شوف البت الي هتجبلي جلطة.

ثم ألتفتت إلي إبنها وقالت: 
_ الحلوة أختك كل ما يجيلها حد ترفضه من غير ما تسمع أو تشوف،  والي تعمل كده ميبقاش ليها تفسير غير حاجة واحده،  إنك مواعده واحد ومستنيه لما يحن عليكي ويجي يطلب إيدك ولا الله أعلم مخبيه لنا أي.

أبتلعت ريقها وتوترت ملامحها،  فأومأت بالنفي وبإستنكار قالت: 
_ حد!  ، حد أي؟.

رمقها شقيقها بغضب، فأقترب نحوها عدة خطوات وهو يسألها بنبرة تدل علي ما سيفعله إذا أخبرته ما تظنه والدتها صحيحاً.
_ بت يا مروة، الكلام الي ماما بتقوله ده صح؟،  أوعي تكوني ماشيه مع واحد من الشباب الي آخرهم مكالمات وفسح وخروج وفي الآخر ياخد الي عايزه منها ويرميها!.

بداخلها يرتجف خوفاً، ماذا إذا علم بما حدث معها!  ، لذا قلبت دفة الحديث لتقوم بتشتيته عن الأمر،  فأستجمعت كل قواها وشجاعتها لتصيح به: 
_ جري أي يا شيخ معتصم، الله يرحم موبايلك الي مكنش بيبطل رن مرة ليلي ومرة نانسي وهدير و حنان وغيرهم،  ده غير بنات الجيران الي كنت بتبدلهم زي كوتشيهاتك،  جاي تحاسبني وتقولي أوعي وإياكي.
1

رفع إحدي حاجبيه متحدثاً بزهو وإستنكار: 
_ أولاً ده كان زمان والحمدلله ربنا تاب عليا بعد ما أتجوزت، ومهما عملت أنا في الأول والآخر راجل الناس مش هتتكلم عليا،  لكن أنتي بنت يوم ما تعملي حاجه زي كده من ورانا هقطعلك رقبتك.

أتسعت عينيها من تهديد شقيقها ونفاقه الصريح،  فتشدقت: 
_ تقطع رقبة مين يا شيخ معتصم؟، أنت هتعملهم عليا وفاكرني صدقتك،  ده أنت بس لولا حماك من آخر خناقة هددك لو ملمتش نفسك بنته وأتعدلت هيخليك تطلقها وملكش قشايه في الشقه ده غير المؤخر النص مليون جنيه الي خلاك تكتبه لها غصب عنك بعد ما حفيت وراها ورضي يجوزهالك،  ولوليا أنا الي كنت بروح لمراتك وأهديها من ناحيتك وبعمل عليها فيلم وحوار عشان تصدق كان زمانك مرمي في السجن أو بتشحت في الشوارع،  ده غير عيالك الي هاتحرمك منهم.
3

أستدارت والدته وبملامح شديدة الغضب سألته: 
_ ده الظاهر في حاجات كتير حصلت من ورايا وأنا آخر من يعلم، صح ولا أي يا شيخ معتصم؟.

جز علي شفته بحنق شديد وأشار لشقيقته بتوعد  بدون أن تلاحظ والدتهما،  ألتفت لها ليجيب عليها: 
_ ماتصدقيهاش يا أمي،  هي مروة طول عمرها عشان تطلع نفسها  من مشكله تلبس الي أدامها مصيبه.

وكعادة والدتها قد أقتنعت بما قاله ولدها،  فعادت إلي موجة عاصفة الغضب المستطير: 
_ بصي يابت أدامك خمس دقايق تغيري الأرف الي لبساه ده وتلبسي الطقم الي حطيتهولك علي السرير إلا وأنتي عارفه أنا ممكن أعمل معاكي أي.
ثم أشارت إلي إبنها: 
_ يلا يابني لما نشوف أخرتها معها.

وبمجرد خروج والدتها وشقيقها،  عزمت علي أمر لا محالة للعزوف عنه.
جذبت حقيبة السفر خاصتها من أسفل السرير وقامت بفتح السحاب،  ثم فتحت الخزانه وأخذت كل ماتريده من ثياب ومتعلقات وأوراق خاصة بعملها،  وبعد إنتهائها،  تسحبت علي مهل لتراقب الأجواء لتجد الجميع مشغولاً حتي صغار شقيقها يلهون بداخل الشرفة بالألعاب،  أستغلت تلك الفرصة لتأخذ حقيبتها وبخطي سريعة غادرت المنزل وهاتفت إحدي أصدقاءها لتخبرها بالمجيئ والمكوث لديها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أغلق صنبور المياه وتناول المنشفة ليجفف جسده المبتل، ثم أتجه إلي المرآه التي تعلو الحوض وأخذ ينظر إلي إنعكاسه.
طرقات علي باب المرحاض قاطعت تأمله، يليها صوتها الذي أصبح ذو نبرة مليئة بالشجن:
_ الخلچات يا سي رافع.
1

فتح لها الباب ليتناول ثيابه فأشاحت وجهها بخجل، ضحك وبتهكم قال:
_ وش كسوف إياك!.

شعرت بسخرية من كلماته فأجابت بدون النظر إليه:
_ من يومي يا واد خالتي وأني بستحي الحمدلله ، الدور والباقي علي الناس التانية الي عينيهم بچحة ويسو الي علي هواهم من غير خشا ولا حياء.

أنتهي من إرتداء ثيابه منصتاً إليها، وشبح إبتسامة يلوح علي وجهه وهو يقول:
_ فعلاً عندك حق.

تعجبت من رده المقتضب، وظنت إنه لم يدرك مغذي حديثها، فهمت بالذهاب من أمامه، أوقفها قابضاً علي عضدها:
_ رايحه علي فين إكده؟.

رفعت وجهها وبإمتعاض أجابت:
_ رايحة أنشر الغسيل، لو رايد تاكل الواكل خُلص بس أستني لما خالتي وعمي يرچعو من العزا وأبجي أتغدو مع بعض.

إزدادت إبتسامته أكثر بعدما علم إنه لا يوجد في المنزل غيرهما فقط، لاحظت ردة فعله التي أخافتها لكنها لن تظهر له ذلك.

_ حلو جوي، يعني مفيش غيرنا أنا وأنتي في الدار؟.
سألها وعيناه تحدجها بتوعد غادر، أجابته والقلق يساورها:
_ أيوه، في حاچة؟.

إزدادت قبضته قوة مما جعلها تأوهت بألم، جذبها خلفه قائلاً:
_ ده في حاچات يا روح خالتك.

صرخت بألم وتحاول الفرار من قبضته:
_ آه دراعي يا سي رافع، همله أبوس يدك، هينكسر .

ألقاها بقليل من العنف علي الكرسي داخل غرفتهما ثم جذبها من خلف رأسها وكأنه يقتلع خصلاتها في قبضته، وبصياح هادر:
_ ده أني هكسرو وها كسر  رچليكي الأتنين لو خطيتي دار عمتي تاني يا فاچره.

أنفجرت باكية وهي تقول:
_ كنت رايدني أخدك بالأحضان وأنت عتجولي هاتتچوز عليا!، أي واحدة لو مكاني كانت سوت أكتر من إكده.

زاد من قبضته أكثر فأطلقت صرخة بنحيب وعويل،  أعتدل وجعلها تقف أمامه ليصبح وجهها مقابل وجهه وبملامح قاسية متجبرة قال: 
_ قسماً بالله لولا الي في بطنك لكنت ماخليت حته في چتتك سليمة، ويا ويلك لو كررتيها مرة تانية لايهمني وجتها إنك حبلي، فاهمة ولا لاء.

هدر بصوته المجفل وهو يهز رأسها بعنف ومازال قابضاً علي خصلاتها:
_ ماتردي.

صرخت باكية بخنوع وإستسلام:
_ فاهمة، فاهمة.

تركها بإشمئزاز وأتجه نحو المشجب ليأخذ عباءته وجلبابه ليرتديهما، وبأمر صارم قال لها:
_ جومي غيري خلچاتك، هانروح لعمتي لأچل تعتذري ليها هي وبتها.

وبرغم ما تشعر به من آلام نفسية وجسدية لكنها لم تتحمل أكثر من ذلك فصرخت به بكل تمرد:
_ وأني ماريحاش عند حد ولا هاعتذر كمان.

زجرها بنظرة آتيه من قعر الجحيم، وبصوت دب الرعب في أوصالها:
_ عتعصي أوامري يا بت ال......

وكاد ينقض عليها كالوحش الضاري، فجاء رنين هاتفه لينقذها من الهلاك بين يديه، أمسك بهاتفه ليري إسم المتصل إحدي رجاله المكلفين بمراقبة محبوبته، نسي أمر معاقبة زوجته تماماً و غادر الغرفة ليجيب:
_ عايز أي يا زفت الطين؟.

أجاب الآخر:
_ ألحق يا رافع بيه الست فاطمة خرچت من دارهم وجعدت تتلفت وبعدين طلعت حاچة من شنطتها أتاريه نقاب ولبسته وأتحدت في المحمول وبعدها طلعت علي الطريج وركبت تاكسي...

قاطعه بحنق وملل:
_ ماتخُلص يا زفت وجصر في الحديت، أدليت علي فين؟.

أجاب وهو يلتقط أنفاسه:
_ أصبر يابيه ما أني چايلك في الحديت أهو، روحت ماشي ورا التاكسي بالموتسيكل لحد ما نزلت في حته مفيهاش صريخ إبن يومين وفچاءه ظهرت عربية أتاريه الدكتور الي أسمه يحيي ركبت وياه ومشي علي طريج المركز لحد ما وجف قدام النادي الي علي البحر.

أستشاط غضباً حيث سبرت أغواره كفوران التنور:
_ خليك حداك وما تتحركش لحد ما أچي لك.

أغلق المكالمة و زفر باللهيب مستعر، و ظُلمة عينيه كظلام ليلة معتمة.
_حذرتك كتير ولا همك، ما تلومينيش بجي علي الي هاسويه وياكي يا فاطمة.

لم ينتبه إلي التي كانت تسترق السمع ، ركضت إلي غرفة أخري وأوصدت الباب خلفها، لتطلق لعبراتها العنان، تبكي بحرقة وبقلب ٍملتاع من القهر والألم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
_ ترجلت من سيارة الأجرة أمام الشركة،  أرتدت نظارتها الشمسية لتواري إنتفاخ جفنيها وإحمرار عينيها من الأرق والنوم الذي يجافيها منذ ليالي.

عبرت البوابة ثم وضعت إبهامها علي الجهاز الألكتروني لتسجيل مواعيد حضور وإنصراف الموظفين،  وما أن أنتهت أنتبهت إلي نداء تلك الفتاه التي تركض نحوها:
_ مروة، أي يابنتي مابترديش علي تليفونك ليه؟،  مستر علي قالب الدنيا علي الفايل بتاع مشروع جولدن سيتي الي أنتي شغاله عليه،  مش سيڤتيه وبعتيه له علي الإيميل ليه؟.

وبدون أن تجيب علي أسألتها أخرجت من حقيبتها ملف ورقي و دفعته في يد الأخري،  فأمسكته ونظرت في محتواه بصدمة:
_ أنتي لسه مخلصتهوش!، يا نهار مش فايت،  ده المفروض هيقدمه كمان نص ساعة لمندوب الشركة الفرنسية.

تحدثت بنبرة جافة بدون أي مشاعر: 
_ ما يهمنيش وماليش فيه، وبعدين أنا جاية النهاردة عشان أقدم إستقالتي.

غرت الأخري فاهها بعد أن تفوهت بتعجب: 
_ إستقالتك!.

تركتها مروة وذهبت إلي غرفة مكتبها لتأخذ كل ما يخصها من متعلقات، قامت بجمعهم داخل صندوق صغير.

_ مروة،  مستر علي عايزك في مكتبه بسرعة.
قالتها إحدي زميلاتها بعد أن دلفت وهي تلتقط أنفاسها.
زفرت بتأفف، فهي تبغض رؤيته بشدة،  لكن ماذا بيديها أن تفعل،  يجب أن تذهب إليه لتعطيه الملف وإستمارة إقالتها.
1

حملت الملف علي ساعدها وذهبت إليه، كادت تفتح الباب فأوقفتها السكرتيرة بتعجرف قائلة: 
_ أستني هنا لما أدخل أبلغ مستر علي.

رفعت مروة إحدي حاجبيها وتفوهت ساخرة: 
_ ده علي أساس إنه مش قالب عليا الشركة وباعت لي عشان عايزني!.

ردت الأخري بهدوء إستفزازي: 
_ والله دي تعليمات مستر علي وأنا بنفذها.
قالتها ثم دلفت وأردفت: 
_ عن أذنك.
دفعت الباب بقوة خلفها،  مما أثار حنقها وأخذت تسُب وتلعن تلك الحمقاء وأيضاً مَن يلقنها الأوامر.

خرجت بعد دقيقة تشير إليها للدخول: 
_ أدخلي.

تمتمت بصوت خافت:
_ دخل عليكي عزرائيل وخد روحك يا بعيدة.

دلفت إلي الداخل فوجدته جالساً خلف مكتبه ويعمل علي حاسوبه الخاص مرتدياً نظارة،  ظلت تنظر له وبداخلها يصرخ بكلمات لوم وعتاب، تتذكر كل لحظة قد جمعتهما سوياً في الحزن والسعادة في الفرح والبكاء، كانت لاتريد سواه حتي كُشف لها عن وجهه القبيح. أفاقت من شرودها علي قوله لها بدون أن يرفع عينيه: 
_ واقفة ليه عندك؟.

جلست وفي عينيها ألف سؤال، يديها ترتجف من هذا الصقيع الذي داهمها للتو، حيث تذكرت ذلك اليوم عندما كانت في منزله.
تشعر بكل همسة كان يلقي بها علي سمعها وبكل لمسه أغدق بها علي أنحاء جسدها، لينتهي الأمر بكارثة عليها تحمل نتائجها بمفردها كما أخبرها بكل أنانيه ودونيه.
2

تحمحمت حتي تتحدث بنبرة واهنة يبدو منها ضعفها:
_ أنا جيت النهاردة عشان أقدم إستقالتي.
وضعت الإستمارة فوق المكتب، ظل صامتاً ولم يبادلها قولاً سوي بعد دقائق، أغلق حاسوبه وخلع عويناته وألقاها أمامه علي المكتب غير مكترث، فأشار إليها نحو أذنه قائلاً بتهكم:
_ قولتي أي بقي من شوية؟.

تنهدت وأعتدلت في جلستها لتجيب بكبرياء محطم:
_ زي ما سمعت.

رفع زواية فمه بإبتسامة سخرية فسألها:
_ و ده من أي لا مؤاخذه؟.

رمقته بإزدراء فأجابت:
_ مزاجي كده.

تعالت ضحكاته التي تعجبت منها، وقال من بينها:
_ مزاجكك كده!، بقالي زمان مضحكتش والله، مش عارف أشكرك ولا أعملك أي.

أنتفخت أوداجها فأطلقت زفرة نارية من أعماقها:
_ ممكن تمضيلي علي الورقة عشان أخلص، وأتفضل الفايل أهو،  أبقي خلي حد يشتغل عليه.

ألتقطه من يدها ومازال يضحك حتي دمعت عيناه، وما أن فتح الملف ليري ماذا تقصد، فتوقف عن الضحك وتبدلت ملامحه تماماً علي النقيض.
ألقي بالملف فوق المكتب وبصياح قال:
_ نعم يا روح مامتك.

وقفت وأشارت له بتحذير:
_ لو سمحت ما أسمحلكش تكلمني بالأسلوب القذر ده، أنا مش واحدة من الأشكال إياهم  الي تعرفهم ولا زي ندي.

وبمجرد ذكر إسمها كأنها أضرمت النيران بداخله، في خلال ثوان نهض وكان أمامها قابضاً علي رسغها، فهدر من بين أسنانه:
_ إسمها ميجيش علي لسانك تاني يا و......

جذبت رسغها وأبتعدت لتتمكن من رد إهانته لها:
_ الو...... الي يجري ورا واحدة متجوزة ومخلفه قال أي عايز تنتقم منها، وأنت بمجرد تقف أدامها بتبقي زي العيل أبو رياله، ده أنت ناقص تبوس جذمتها عشان تخليها تطلق وترجعلك.
2

في خطوة واحدة أنقض عليها جاذباً وشاحها وبسبب قوته الجسدية التي تفوق جسدها أختل توازنها فوقعت لتصبح أسفل قدميه، أنحني نحوها قابضاً علي تلابيب كنزتها:
_ أنا و..... يا زباله يا بنت ال......، ده أنتي جيت لي الفيلا عشان يحصل الي حصل مابينا وتحطيني أدام الأمر الواقع عشان نتجوز.

وبكل ما أوتيت من قوة نهضت وركلته ما بين ساقيه:
_ أهو أنت الي...... وإبن ستين......

وقع علي أقرب كرسي له وأخذ يتلوي من الألم، يضم يديه لدي موضع الضربة، يتوعد لها ويسُبها.
وبخطي سريعة أخذت طلب إقالتها والملف الورقي و وقفت أمامه بتحدي:
_ الإستقاله مش عايزاها هاروح للفرع الرئيسي وهطلب نقلي في أي فرع تاني بعيد عن وشك.
قامت بتمزيق الورقة إلي فتات وألقتها نحوه، رفعت الملف لتمزقه إلي نصفين:
_ وبالنسبة لفايل المشروع أهو، وأبقي  إعتذر للمندوب بتاع الشركة الفرنسية و هات حد يشتغلك عليه من الأول.
2

أخذت حقيبة يدها وعلي وشك المغادرة وهو مازال في مكانه غير قادر علي النهوض وعلامات الألم والإمتعاض علي وجهه.

_ والله يا علي يا حسيني لو شتمتني أو مديت إيدك عليا تاني لهعملك عاهة مستديمه،  كفايه عليك الضربه الي خدتها وهتخليك لا تنفع ندي أو غيرها،  أتفو.
9

بصقت نحوه وذهبت علي الفور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ أستيقظ هذا الصغير لتوه، فنهض بجزعه وهو يحك عينيه، لفت إنتباهه ظل أسود علي الحائط رغماً من تسلل أشعة الشمس من خلال فتحات النافذة الخشبية إلي داخل الغرفة، تمعن النظر جيداً يحسب إنه ظل خزانة الثياب، لكن مهلاً الظل يتشكل علي هيئة إمرأة، حك عينيه مرة أخري وقلبه يخفق وجلاً مما يراه.
أغمض عينيه ويتمتم ببعض الآيات وأدعية التحصين ثم فتحهما ليجد الظل أصبح طيفاً ويقترب منه فأطلق صرخة:
_ ألحقوني.
2

خرجت قمر من المطبخ راكضة إليه، كما أستيقظ بكر من غفوته بفزع حيث كان نائماً في الغرفة المجاورة.
جذبت الصغير بين زراعيها وأخذت تربت عليه لتهدأته:
_ أهدي يا عمر ياحبيبي، هتلاجيك كنت بتحلم بكابوس.

أبتعد برأسه عن صدرها،  وأومأ بنفي: 
_ لع يا قمر مكنش كابوس،  أني لساتي صاحي دلوق ويا دوب بفتح عيني لاجيت ضل أسود علي الحيطه الي هناك دي.

أشار إلي الحائط فألتفتت لتنظر إليها هي وبكر الذي قال:
_ يمكن ده ضل الدولاب وأنت تخيلته حاچه تانيه.

هز رأسه برفض وبإصرار وخوف قال:
_ لاء يا عم بكر، والله ما ضل واصل، ده حاچه شبه واحده ست وفچاءة بجت زي الطيف.

رمقت قمر بكر بنظرة تخبره بها إن الصغير علي حق، فكما أخبرته من قبل ذلك إنها رأت مثل هذا الطيف سابقاً ولم يصدقها وأخذ يسخر منها بمزاح.

ربت بكر علي رأس الصغير قائلاً:
_ عمر حبيبي الي أعرفه راچل ما يخافش من حاچة واصل، وبعدين مش أني معلمك لو حسيت بحاچة كيف إكده تقرأ آية الكرسي والأدعية؟.

نظر إليه بكل براءه و قال:
_ والله جولت لكن أول ما صرخت الطيف أختفي.

لاحظ بكر الخوف المنبلج في فيروزتيها وتحاول أن لا تظهره، وكذلك أيضاً الرعب البادي علي ملامح الصغير، فأراد أن يغير من تلك الأجواء، لذا أخبرهما:
_ سيبكو من السيرة دي ومتخافوش، ربنا هو الحافظ، وأنت ياعمر جوم خدلك دش وچهز حالك وأنتي كمان يا قمر لأچل هاخدكو فسحة زينة جوي.

أتسعت إبتسامة الصغير وقال بسعادة غمرت ملامحه التي كانت فزعه منذ قليل:
_ بچد ياعم بكر؟.

أومأ له بكر:
_ اه بچد يا حبيب عمو.

قفز الصغير من فوق الفراش وعانقه بقوة، وفجاءة صاحت قمر:
_ يا مُري صينية البطاطس زمانها أتحرجت.

ركضت إلي المطبخ وفتحت فرن الموقد وأخرجتها لتجدها بالفعل قد أحترقت.
_ يا خيبتك القويه يا قمر يالي كل يومين تحرجي الواكل، زمان بكر هيجول عليا ست بيت فاشلة.

_ جصدك ست بيت زي القمر، إسم علي مسمي، صدج الي سماكي قمر.
قالها بكر بعدما دلف للتو، فأستدارت إليه ويبدو عليها الحزن قليلاً:
_ قمرك حرجتلك الواكل وشكلنا هنجضيها چبنة وبطيخ كيف إمبارح.

ضحك وأقترب منها وأمسك يدها، فطبع قبلة حانيه في كفها الوردي:
_ أني لو كلت عيش حاف بس وأنتي معاي ده عندي الدنيا ومافيها يا جلب بكر.
2

توردت وجنتيها كالعادة من الخجل، فقالت:
_ ربنا مايحرمني منك واصل يا سي بكر.

حاوطها بين زراعيه مستنداً علي الحائط وبنبرة عاشقة تجعلها غارقة في بحور عشقه:
_ يا سي أي؟.

تعالت أنفاسها وصدرها يعلو ويهبط بتوتر بالغ من الخجل الذي يختلجها للتو ، فقالت بصوت يكاد يسمعه بصعوبه من فرط خجلها:
_ ياسي بكر.
يقترب بشفتيه نحو وجنتها الوردية:
_ أني إكده ربنا راضي عني.

همست وهي تتحاشي النظر في عينيه بصعوبة:
_ إشمعنا؟.

أجاب وأنفاسه تضرب وجنتها بسخونه قشعرت بدنها:
_ عشان ربنا رزقني بيكي، أنتي چنتي الي في الدنيا وبإذن الله هتكوني حوريتي في الآخره.
وكاد يُقبل وجنتها.
_ أني چاهز يا عم بكر.
قاطعه الصغير الذي أحس إنه قد جاء في وقت غير مناسب، فتراجع إلي الوراء مبتسماً ويغمز بإحدي عينيه إلي بكر الذي أخذ يضحك من مايفعله هذا الصغير.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ علي ضفاف النيل وصوت وردة الجزائرية ونسمات الهواء العليل،  يضع النادل أمام كل منهما كأس العصير،  شردت في الكأس لاتعلم ماتفعله هذا صواب أم مجاذفه و ربما هناك من سيدفع الثمن!.
_ سرحانة في أي؟.

تفوه بها الطبيب يحيي فأنتبهت إليه وأجابت: 
_ ها؟،  مافيش.

تنهد وعاد بظهره إلي الوراء: 
_ بصي يا فاطمة الي أنتي قولتيه من شويه ده أسمه ضعف وخوف وجُبن،  وأنا عمري ماكنت ضعيف ولا جبان، أنا هادخل بيتكو ومعايا أهلي زي ما أي واحد بيجي يطلب إيد أي واحده، لكن جو أقابل والدك بره وأطلبك للجواز منه ده مليش فيه، أنا مش عامل عمله ولا عليا تار.

أطبقت شفاها بحيره ثم قالت: 
_ وأني خايفه عليك ليچرالك بسببي حاچة لاقدر الله.

أنحني للأمام و رمقها بقوة وإصرار : 
_ يبقي يوريني هيعمل أي.

_ هعمل فيك كيف ما بيعملو في ضحية العيد.
قالها رافع الذي وصل للتو واقفاً خلفها،  فأنتفضت من فوق الكرسي لتلتفت إليه بذعر، بينما الآخر وقف يحدجه بتحدي،  وقال له بسخريه:
_ أهلاً يا رافع بيه،  ياتري جاي تقعد معانا ولا جاي تقابل حد!.

دك عصاه في الأرض كإشارة تحذيرية إليه، ليس في مقدرته أن يرتكب أي حماقة في هذا المكان المليئ بأفراد الأمن التابعين للشرطة.
أشتد ظلام عينيه الدامس،  ومد يده فتراجعت فاطمة خوفاً مما جعله ينظر إليها بشبه إبتسامة لم تصل إلي سوداويتيه الحالكة، جذب الكرسي المجاور لها وجلس بشموخ ممسكاً بعصاه بكلتا يديه، فقال بتهكم ونظرات خلفها براكين ثائره يندلع من فوهتها حمم لو أطلقها علي القابع أمامه ليرديه قتيلاً لا محالة: 
_ تشرب أي يا دكتور ساجع ولا جهوة سادة؟.

أدرك يحيي ما وراء سؤاله،  فأراد أن يشعل ما بداخله ويجيب علي سؤاله الخفي: 
_ عيب عليك يا رافع بيه،  المشاريب دي عليا وبالمناسبه الحلوة دي هطلب لينا حاجة ساقعة.

كانت تراقب الأجواء عن كثب وقلبها يخفق بشدة، تريد الفرار أو حدوث معجزة ما تنتشلها من هذا المأزق،  أبتلعت لعابها وقالت: 
_ طيب عن أذنكو عقبال ما تطلبو المشاريب.

و كادت تنهض لكن يده التي قبضت علي فخذها من أسفل الطاولة منعتها من النهوض،  شهقت وأتسعت عينيها من فعلته، وبدون أن تلفت إنتباه يحيي حاولت أن تبعد يد الآخر، فباءت محاولتها بالفشل،  بل مال عليها وهمس حيث لايسمعه ثالثهما: 
_ أترزعي مكانك إلا وقسماً بالله لايهمني لا أمن وحكومة وهطلع السلاح الي معاي وأفرغه طلجاته كلاتهم في دماغ البقف الي قدامك.

أزدردت ريقها مرة أخري فأومأت له بإذعان وهمست إليه بتوسل: 
_ طيب ممكن تشيل يدك.

و في تلك اللحظة رآت في عينيه لمعة غريبة تصاحبها إبتسامة لم تستدل علي سببٍ لها.

_ آه.
تأوهت بعد أن قام رافع بقرصها  ثم نظرت إلي يحيي الذي شك في أمر مايحدث،  فأبتسمت بتصنع وقالت: 
_ چيت أجوم رچلي أتخبطت في الكرسي.
1

نهض يحيي غير مكترث لتلك القنبلة الموقوتة بجواره فقال لها: 
_ تعالي أوصلك.

هزت رأسها بنفي وهي تنظر إلي رافع تارة ثم إليه تارة أخري:
_ لاء ما خلاص مفيش داعي،  جصدي شكراً كلها دجايج و هاروح.
أتكأت علي حروف كلمتها الأخيره لكي يفهما إنها لاتريد إحدهما أن يذهب معها عند العودة إلي منزلها.

أشار يحيي إلي النادل وطلب لهما الثلاثة مياه غازية،  وبعد دقائق بعدد أنامل اليد الواحدة،  وضع النادل أمام كل منهم كأس شاغرة وبجوارها المشروب في إناءه المعدني المغلق.

بدأ رافع بتفريغ مشروبه في كأسه و برغم حديثه الموجه إلي يحيي لكن عينيه لاتحيد عن فاطمته التي تهز ساقها من التوتر وتقضم أظافرها.
_  مجولتليش يا دكتور هنفرحو بيك ميتي؟.

عقد يحيي ساعديه أمام صدره العريض وعاد بظهره إلي الخلف مستنداً علي ظهر الكرسي،  أرتسمت علي شفاه إبتسامة يعلم أن هذا الرافع لايمر الأمر بسلام ويريد إشعال معركة ضارية في الحال.
كان علي وشك أن يجيب عليه وكأنه يخبر صديقه وليس غريمه، لكنها رمقته بتوسل حتي لا يقول له إنه سيتقدم لخطبتها.
بينما يحيي أزداد إصرار وشجاعة،  فقرر مواجهة هذا الوغد الجالس أمامه، و كان رافع يحتسي من كأسه منتظراً إجابته: 
_ إن شاء الله قريب أوي.
صمت ليفكر في تكملة إجابته لكن عبراتها التي تجمعت في عينيها للتو أوقفته، فسأله رافع مرة أخري عن قصد: 
_ ومين ربة الصون والعفاف الي هاتتچوزها؟.
رفع الكأس إلي فمه ليرتشف القليل،  فأجاب عليه الآخر بإقتضاب: 
_الآنسة  فاطمة.

دب الرعب في أوصالها،  فهي تقسم بداخلها إنها تسمع الآن صوت أنفاسه التي تشبه صوت غليان الماء والأبخرة المتصاعدة تخرج من أذنيه.
عم الصمت بينهم جميعاً حيث ينتظر يحيي ردة فعل الآخر الذي ظل في هدوء زائف،  وفاطمة المترقبة لأي كارثة علي وشك الحدوث.
وإذا برافع يملأ كأسه مرة أخري و رفعه إلي شفاه ، وإذ فجاءو يقذف محتواه في وجه الآخر الذي لم يتقبل تلك الإهانة،  جذبه من تلابيب جلبابه وصاح به: 
_ أنت متخلف و.....

قبض علي يده وزمجر من بين أسنانه: 
_ شيل يدك لأجطعهالك يا دكتور البهايم،  أحمد ربنا إنها چت علي رشك بالساجع، خابر لو كنا في النچع دلوق لكنت خليت الست الوالدة بتقرأ الفاتحة علي روحك.

_ مش هحاسبك علي كلامك الي بيدل علي مدي جهلك وغباءك، بس أحب أعرفك أنا مبتهددش ولا بخاف من حد، و فاطمة هتكون ليا.

صاح بها يحيي ليري في عينيه القاتمتين تتراقص شياطينه الآتيه من جحيم أعماقه،  فهو لم يكن يكذب بل سينفذ تهديده الصريح إذا لم يكف عن اللحاق بمعشوقته.
مد الآخر يده إلي طيات جلبابه عند صدره وكاد يخرج سلاحه.
نهضت فاطمة وصرخت فيهما: 
_ وجف منك له وكفايه بجي لحد إكده،  أني خلاص ولا هاتچوز ولا بفكر في الچواز من الأساس،  والبركه فيكو والحمدلله،  واحد فاكر حاله خُط الصعيد يهدد ويجتل ولايهمه والتاني الي واخد حبوب الشچاعة و رايد ينجتل،  ربنا ياخدني ويريحني من وچع الدماغ دي.
1

أخذت حقيبتها من فوق الطاولة لتغادر، أمسك رافع برسغها وقال:
_ أستني أنا چا.....
قاطعته بسأم وبكاء جعله يريد قتل هذا اليحيي الواقف في صدمة لا يعلم بماذا سيتفوه:
_ معوزاش حد يچي معاي إلا وربي وما أعبد لأرمي حالي في النيل.

قالتها و ركضت تاركة كليهما،  والدموع أغرقت عينيها فكانت تركض حتي وصلت إلي خارج النادي،  سارت بجوار السياج تنعي حظها العثر، وقفت لتلتقط أنفاسها وتمسح عبراتها التي أغرقت وجنتيها، فأمتدت يد أخري بمحرمة لكنها ليست لتجفيف دموعها المنهمرة بل كانت لفقدان صاحبتها وعيها علي الفور، وقام هذا الشخص الملثم بحملها إلي داخل السيارة وأنطلق بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يمسك بقطع الثياب ويضعها بداخل كيس بلاستيكي وأعطاه لتلك السيدة فأخرجت من جذلانها النقود لتعطيها له،  أخذها وقام بتقبيل ورقات المال وبصوت منخفض قال: 
_ الحمد والشكر ليك يارب.
1

وقف جواره جنيدي ليقول بسأم جلي: 
_ واجفين من طلعة النهار و الشمس دلوق جربت تغرب ومبيعناش حاچة غير البيعة دي.

رد فارس بعد أن أرتشف قليل من الشاي: 
_ جول الحمدلله أحسن مامفيش.

زفر الآخر بتأفف: 
_ الحمدلله،  بس أني خلاص زهجت من وجفة الشارع الي مابجتش تچيب همها، عايزين نشوفو لنا حاچة أحسن وفلوسها أكتر.

رفع جانب فمه بسخرية وهو يرتب الثياب التي بعثرها الزبائن من معاينتها: 
_ حاچة تانية كيف المهندس ولا محاسب،  ويا تري هتعطيهم بطاجتك بأنهي إسم ليك!  ، أحمد ربنا ده لو كنا حدانا في النچع كنا زمانا هربانين في الچبل ويا المطاريد.

أخذ من يده الكوب وتجرع ماتبقي من الشاي علي دفعة واحدة وقال: 
_ صوح نسيت أجولك،  عم عربي أتصل عليا وبيجولي خد بالك أنت وصاحبك الحكومة عماله تدور علي المساچين الي هربو بعد الحادثة إياها.
شعر بإنقباضة في صدره عندما تذكر مصيبته، فبإمكانه أن يذهب الآن إلي أقرب مخفر للشرطة ويسلم نفسه لكن هذا الحل لن يجلب إليه حقه أو يظهر براءته، بينما وهو طليق و لو كانت حريته زائفة.
أنتشله من بؤرة أفكاره صوت عامل المقهي: 
_ قاسم،  الحاج نعمان عايزك ضروري.

عاد إلي واقعه وأنتبه لما قاله الآخر،  عقد ما بين حاجبيه متضايقاً، فقال برفض: 
_ قولو مش فاضي.

أقترب منه الآخر وقال: 
_ أنا عارف إنك زعلان منه لما عرض عليك فلوس.

رمقه فارس متعجباً: 
_ عرفت كيف؟.

حك ذقنه وأجاب: 
_ بصراحة سمعت الحاج وبنته الآنسه شهد وهما بيتكلمو عنك، ده طلع مبسوط منك أوي، وعايز يشغلك معاه في المحل.

تدخل جنيدي قائلاً:
_ أنت متأكد ياض ياهيما.
1

أومأ له وأجاب:
_ والله زي ما بقولكو كده، ده يابخت الي يشتغل معاه، كفايه هاتقعد مع القمر الي عنده.

عض جنيدي علي شفته السفلي وقال:
_ جصدك علي حتة الملبن بنته!.

ضحك هيما وقال :
_ دي لو سمعتك هاتعمل منك أنت الي ملبن، محدش يقدر يجي جمبها ولايقرب منها، بنت بميت راجل.

جز علي شفته السفلي مرة أخري معقباً:
_ بس فرسه، ولا أي يا عم قاسم؟.

رمقه بضيق وقال:
_ مليش أني في حديتكو الماسخ ده.

رد الآخر:
_ طب خلينا في حديتنا الماسخ وروح أنت شوف الراچل رايدك في أي، يا عالم فعلاً هيشغلك وياه علي الأجل واحد فينا يرتاح من وجفة الشارع وقرفه.

كانت تقف خلف الزجاج تراقبه كالعادة وعندما رأته يقترب من المحل، أبتعدت وقلبها ينبض بقوة، رمقها والدها بنظرة تحذيرية وأشار إليها:
_ أدخلي المخزن وراجعي البضاعة الجديدة.
جزت علي أسنانها بحنق، تريد البقاء لتراه عن قرب لكن والدها يعلم مايدور في رأسها، زفرت بضيق و ولجت إلي المخزن.
و في ذات اللحظة دلف فارس وألقي التحية:
_ السلام عليكم يا حاچ نعمان.

رد الآخر علي تحيته وأشار له ليجلس:
_ تعالي اتفضل أقعد يا قاسم يابني.

جلس وبملامح متحفزه تحدث:
_ خير يا حاج.

أمسك سبحته بكلتا يديه متنهداً،فقال:
_ بص يا قاسم، أنا راجل دوغري ولا ليا في اللف ولا الدوران، يمكن تصرفي معاك المرة الي فاتت زعلك مني وخدتها علي محمل الإهانة.

_ بس يا....

قاطعه مُردفاً:
_ عارف هتقول أي، عشان كده بعتلك لحاجتين الأولي أعتذرلك علي أي سوء تفاهم والتانية أنا بعرض عليك تشتغل هنا في المحل.

تأكد فارس من حديث عامل المقهي، لكنه تذكر أمر هام يخشي من الآخر أن يطلبه منه، وإذا بنعمان قائلاً:
_ متقلقش هديك مرتب أحسن من الي بتكسبه من وقفتك في الشارع والبهدلة الي بتشوفها من الزباين والبلدية.

تقف خلف باب المخزن الذي تركته مفتوح قليلاً لتسترق السمع، تدعو الله بأن يوافق علي مطلب والدها.
وبالعودة إلي الحاج نعمان وفارس الذي فكر في الأمر ملياً وجده صعباً للغاية، كيف سيخبره إذا سأله عن أمر هويته وماذا سيفعل إذا علم بحقيقته!.
رد وبداخله يقع في حيرة من أمره:
_ الحكاية يا حاج إني ما ضامنش ظروفي عاد.

لم يعطه فرصة للرفض فقال: 
_ أطمن يوم ماتحب تاخد أجازة وعايز تسافر في أي وقت لبلدك مش هامنعك بس تبقي بلغني من قبلها عشان أبقي عامل حسابي،  و صح بالنسبة لورقك وبطاقتك الي أتسرقو منك أنا هاتصرف وهطلعلك بديل ليهم، مش عايزك تقلق من أي حاجة.

رمقه فارس في صمت، لايعلم سر تلك الهالة المحيطة بهذا الرجل، ربما لأنه يشبه والده كثيراً في طباعه وأخلاقه الكريمة، تمني لو تقابل معه في ظروف أخري أفضل من ماهو عليه الآن.

_ ها قولت أي يا قاسم؟.
سأله نعمان وهو يرمقه واثقاً بعدم رفضه للعمل لديه، فأومأ له فارس بالإيجاب:
_ إن شاءالله يا حاج.

تنهدت من أعماقها وأخيراً، تحققت أول خطوة لتصبح معه حتي لو كان في مجال العمل فقط، فعقلها لم يكف عن التفكير به وقلبها يخفق بقوة كلما رأته عينيها التي تشبه عيون المها الشاردة.

مد نعمان يده إليه مصافحاً إياه:
_مبارك عليك شغلك الجديد.

حدجه بإبتسامة طفيفة:
_ الله يبارك فيك يا حاج.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ عايزة حاچة يا خالتي؟.
قالتها نوارة إلي خالتها التي تشاهد مسلسلها الهندي المفضل لديها، فأمسكت بجهاز التحكم الخاص بالتلفاز وأخفضت الصوت قليلاً: 
_ رايحة فين يابتي دلوق؟.

حاولت التماسك وألا تظهر لها حزنها من أفعال إبنها حيالها: 
_ رايحة أشجر علي أمي وأطمن عليها.

_ ماشي بس أوعاك تتأخري ما ناجصينش وچع دماغ من چوزك،  وأبجي سلميلي عليها وجوليلها الوليه أم إسماعيل عتجولك أبعتيلها فلوس الچمعية.

أجابت وهي تهندم من وشاحها وتمسك بمحفظة نقودها وهمت بالذهاب: 
_ حاضر يا خالة،  متجلجيش،  سلام.

و بعد ما خرجت أخذت تبكي رغماً عنها،  فهي بحاجة ماسة إلي حضن والدتها،  تريد أن ترتمي بين زراعيها وتطلق لعبراتها العنان كما كانت تفعل وهي طفلة،  تحتاج إلي تربيت والدتها الحاني وكلماتها التي تهدأ من روعها وتجعل نفسها تستكين،  برغم من موقفها نحوها منذ الأحداث الأخيرة وشعورها بالخذلان نحوها حينما وقفت في صف من يظلمها ويقهر قلبها.

كادت تصدم في إحدهن،  فقالت تلك السيدة: 
_ ما تحاسبي يا....
صمتت لتتحقق من ملامحها فصاحت بفرح وسعادة: 
_ أنتي نوارة بنت خالتي سعاد؟.

جففت عبراتها ليمكنها رؤية من هذه السيدة،  فتذكرتها: 
_ أنتي ماچدة بنت الحاچ مرسي الله يرحمه چارنا؟.

أومأت لها وبحبور وترحاب،  فتحت زراعيها إليها: 
_ أيوه أني،  يا مرحب بالغالية بت الغالين.

عانقتها بقوة وربتت عليها كعادة النسوة عند السلام والترحاب،  فقالت نوارة: 
_ تسلميلي يا حبيبتي،  أنتي رچعتي من أسوان ميتي؟.

جذبتها من يدها علي جانب الطريق وأجابت: 
_ لساتني واصلة العصاري إكده، چيت لأچل خايت چوزي يا عيني لساتها محبلتش بجالها أكتر من تلات سنين وحماتها الله يحرجها عماله تسمم بدنها بحديت كيف الحنظل وأخرة المتمه هددتها لو محبلتش في خلال شهرين هاتچوز إبنها لبت خايتها،  شوف الوليه الجرشانه،  اللهي چوزها يچيب لها ضرة وتكون صبيه وزينة جوي ويجعدها حداهم في الدار لأچل تنجهر وتحس بالي بتسويه في البت الغلبانه.

أستمعت بحزن وآسي إلي قصة غيرها، فتمتمت بمثل شعبي شهير: 
_ فعلاً صدج المثل الي عيجول الي بيشوف بلاوي الناس تهون علي بلوته،  ربنا يهدي لها حماتها.

ردت الأخري علي ذات الوتيرة: 
_ جصدك يحمد ربه علي النعمة الي هو فيها مهما كان عنده من إبتلاءات،  إلا جوليلي يا نوارة كيفك وكيف چوزك وياكي؟.

لاتعلم حقاً ماهي الإجابة،  هل تخبرها إنها تزوجت من رجل  وغد ذو قلب أقسي من الصخر!، أم تخبرها بزوجها الذي يعانقها وفي مخيلته أخري غيرها!، وبدلاً من ذا وذاك يأتي بكل جرأه وحماقة يقول لها إنه سيتزوج!.

_ نوارة،  نوارة،  شاردتي في أي عاد؟.
سألتها فأجابت الأخري بعدما أنتبهت إلي ندائها: 
_ كنت بفتكر حاچة إكده، وصحيح قبل ما أنسي أبقو خدي أخت چوزك و وديها لراچل كله بركة إسمه الشيخ برهومه أو حاچة كيف إكده مفكراش جوي.

رددت ماجده الإسم فصاحت بتذكر قوي: 
_ إياك تجولي الي موچود في البر التاني وفي بيت جديم وفي حته مجطوعه؟.

أنتابتها قشعريرة عند رؤية تعابير وجه الأخري التي تنبأها بأن هناك كارثة ستعقب إجابتها: 
_ أيوه هو،  كيف عرفتي؟.

شهقت بصدمة وقالت: 
_ أنتي مخبراشي الي حوصل؟،  الأسبوع الي فات جبضت عليه الحكومة بعد ما أتفضح علي يد صحفية كشفت عمايله الشين الهباب.

خفق قلبها بوجل لينذرها بطامة كبري قد لحقت بها،  فسألتها بتردد: 
_ عمايله شين كيف؟.

تلفتت يميناً ويساراً ثم أجابت وهي تلطم صدغها بخفة: 
_ يالهوي الي سواه لا ينحكي ولا يتجال واصل وربنا يستر علي ولايانا،  أدي أخرة الچهل وقلة الإيمان بالله.

أزدردت ريقها وقالت بنفاذ صبر: 
_ ما تخلصي وجولي هبب أي؟.

_ ولد الحرام عيضحك علي النسواين الي بجالهم ياما في الچواز و ما حبلوشي، بيعطيهم منديل يجولو فيه شوية كلمات قال أي دي دعوات للأسياد، أتاري حاطط في المنديل مخدر لأچل ينيمها ويعتدي عليها وهي كيف القتيلة قدامه، طبعاً الهبلة الي تحمل منهم تفتكر چوزها هو الي حبلها،  ربنا يستر علي ولايانا.
1

أتسعت عينيها وهي تستمع لما ذُكر للتو، فداهمها الشعور بالغثيان المفاجئ، أبتعدت قليلاً لتفرغ ما بجوفها،  ذهبت خلفها لتطمأن عليها: 
_ مالك يانوارة،  أنتي زينه؟  .

أومأت لها بالإيجاب وتركتها وذهبت بخطي أقرب للركض رغم من حالة الوهن التي بها،  بدون أن تنتبه لصاحب تلك الأذن الكبيرة الذي كان يسترق السمع و ذهب خلفها كما أمره رب عمله،  وهذا بعد ما أقترفته في منزل عمته.
1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.
تفوه بها المأذون فتعالت الزغاريد والمباركات وعبارات التهنئة مابين المدعوين من الأقارب والجيران والمعارف.
أطلقت زوجة أبيها زغرودة صاخبة أقرب إلي الصراخ وتلقي بالحلوي علي الحاضرين،  وقبل إنتهاء ما لديها قامت بإلقاء ماتبقي في الهواء ليلتقطه الصغار في سعادة.
ثم أقتربت من العروس التي تشبه البدر في ليلة تمامه،  عانقتها بقوة: 
_ ألف مبروك يا سمية ياحبيبتي.

رفعت جانب فمها بإبتسامة هاكمة وقالت من بين أسنانها: 
_ الله يبارك فيكي يا مرات أبوي.
فأردفت بصوت لايسمعه سوي الواقف جوارها بدون أن تنتبه إليه: 
_ الله ياخدك ويحدفك في نار چهنم ومتلاجيش ونس غير أبو لهب وفرعون وأستاذك وقدوتك أبليس.
2

أنحني نحو أذنها وقال بصوت أيضاً لايسمعه أحداً سواها ساخراً: 
_ شكلك بتحبيها أوي!.

أدركت سخريته فقالت:
_ أصلها چت عليا كتير جوي وأنا الي بيچي عليا مببطلش دعاء عليه بس مش بالموت،  بالعذاب،  الموت رحمة ميستحجهاش الي كيف مرات أبوي والتاني سليخ الزفت.

عقد مابين حاجبيه وملامحه يعلوها الإندهاش: 
_ سليخ!.

أجابت والإبتسامة تصل لأذنيها الأثنتين: 
_ جصدي سليم البيه بتاعك،  اللهي يهفه قطر ويفرمه تحتيه لأچل يبجي تجطيع وسلخ وفرم.
2

رفع كلا حاجبيه بنظرة معاتبة قائلاً: 
_ حرام عليكي،  ده المفروض أروح أشكره لأنه السبب في إني أعرفك.

أستدارت إليه بكامل جسدها: 
_ يعني أنت فرحان ومبسوط لما عرفتني؟.

سألها بمكر وإلتفاف: 
_ أنتي شايفه أي؟.

ضيقت عينيها بمكر مماثل مثله،فأجابت:
_ مشيفاش حاچة واصل.

رفع إحدي حاجبيه:
_بقي كده؟.

حدجته بإبتسامة خبيثة وقالت:
_ أيوه إكده، ولو مش عاچبك إحنا لسه فيها دلوق قبل ما المأذون مايمشي.

حاوط خصرها بزراعه وضغط بيده قليلاً مما جعل وجنتيها تتوهج إحمراراً من الخجل المفرط، وأقترب من سمعها وهمس بتوعد:
_ نتلم أنا وأنتي في أوضة واحدة ويتقفل علينا الباب وأنا هوريكي الي مش شيفاه ده كويس أوي.

شهقت بصدمة وهمست إليه:
_ أه يا سافل يا جليل الحياء.

ضغط علي خصرها أكثر وقال بعد أن أدرك سوء الظن لديها:
_ أنا قصدي أوريكي بحبك أد أي يا أم نية شمال.
1

أطبقت علي شفتيها بخجل شديد وإن رأت والدها قادم نحوهما ركضت نحوه وعانقته، فربت عليها وقال لها:
_ ألف مبروك يابتي ربنا يسعدكم ويهنيكم ويبعد عنكم شر العين والحسد.

_ الله لا يحرمنا منك يا أبوي ويخليك لينا يارب.
أبتعد عن معانقة إبنته فأمسك بيد الذي أصبح زوجها و وضعهما بين كفيه:
_ وأنت يا ولدي أني مش رايد منك غير حاچة واحدة بس، وهي تحط بتي في عينيك وتراعي ربنا فيها.

أومأ صلاح ثم رمق سمية بحب وسعادة قائلاً:
_ متقلقش يا عمي، سمية في قلبي قبل عيوني.

ربت والدها علي كتفه:
_ ربنا يباركلك فيها ويباركلها فيك.

_ ألف مبروك يا عريس.
قالها رافع الذي حضر للتو، فتبدلت ملامح سمية من الفرح والسعادة إلي التجهم والضيق، رمقته بإزدراء وقالت لزوجها:
_ أني هاروح أجعد ويا الحريم.
قالتها وذهبت وذهب والدها أيضاً فهو يبغضه منذ أن دلف إليه منزلهم عندما كان يبحث عن زينب، و وجه إليه أفظع الألفاظ والسباب وقام بتعنيفه و دفعه كالحشرة علي الأرض بدون رحمة.
فقال رافع وهو يضغط علي فكه بحنق متجاهلاً عدم ترحاب سمية و والدها له:
_ بس أي المفاچاءة دي يا متر، لما جالو لي المتر صلاح بيكتب كتابه علي سمية ما صدجتش غير لما چيت وشوفت بعيني، وبعتب عليك لأنك معازمتنيش .

إبتسم الآخر بتكلف وقال:
_ والله كل حاجه جت بسرعة والمفروض نرجع القاهرة عشان فيه شغل كتير ورايا متأخر.

مسح بإبهامه علي ذقنه وقال:
_ ماشي هعديهالك يا أبو صلاح،و ربنا يتتم بخير، إلا صوح سليم بيه وجت ما سافر هو وخايتي جافل المحمول وما عرفش نطمنو عليكم.

رفع الآخر كتفيه و زمت شفتيه لأسفل ثم أجاب: 
_ والله علمي علمك،  بس هو لما بيسافر ديماً بيقفل موبايله ومبعرفش أتواصل معاه غير من علي النت.

ردد رافع بإبتسامة هاكمة: 
_ النت!، طيب لو كلمته أبجي جوله متنساش إن لمارتك أهل رايدين يطمنو عليها.
3

بادله صلاح بذات الإبتسامة،  يهز رأسه قائلاً: 
_ حاضر،  هقوله.

وبعد إنتهاء هذا الحفل وعاد الجميع إلي منزلهم، وما زال صلاح يمكث في منزل أهل عروسه، يتمدد علي السرير لكن بدون أن يشعر بالراحة،  فهو بغرفة و معشوقة فؤاده في غرفة أخري،  يفصل بينهما جدار واحد يريد أن يحطمه ويأخذها بين أحضانه الدافئة.
ظل يتقلب يميناً ويساراً حتي آذان الفجر الذي دوي في أرجاء النجع،  أمسك هاتفه ليحدثها قليلاً لعل صوتها الحاني يجعله ينام بطمأنينه.
أجابت بصوت يتخلله النعاس: 
_ أيوه يا صلاح فيه حاچة؟. 

تنهد وأجاب بنبرة بشوق وهيام:
_ اه، مش عارف أنام وأنتي بعيده عني.

تثائبت ولا تدري إنها تتحدث إليه:
_ شد الستاره واجفل النور وأنت هتنام.
1

عقد مابين حاجبيه وقال:
_ ستارة أي الي أشدها!، ماتصحصحي كده وكلميني، بقولك مش جايلي نوم وأنتي بعيده عني، ينفع أجي لك وتاخديني جمبك يمكن أنام؟.

بدأت تفيق قليلاً فقالت:
_ أبجي أعملها عشان بدل ما تنام چاري، يچي  أبوي ينيمك چار چدي في القبر.
2

_ ده علي أساس إنك مش مراتي!.
تفوه بها بضيق وتعجب، فأجابت بسخرية :
_ ما أنت خابر الأصول  زين يا حضرة الأڤوكاتو.

زفر بتأفف وسأم:
_ أمري لله، خلاص قومي وفوقي كده عشان عايز أتكلم معاكي شويه، أصل بصراحة مش مصدق نفسي إنك بقيتي مراتي.

تثائبت مرة أخري وقالت:
_ وأني كمان.

بدأ يشعر بالضجر نحو إجاباتها المقتضبة والخالية من المشاعر:
_ طب أنا بحبك.

أجابت بآلية:
_ وأني كمان.

سرعان ما أبتسم بمكر من حالة اللاوعي التي بها الآن ، فقام بالضغط علي علامة تسجيل المكالمة  و قال:
_أنا عايز أخدك في حضني وأقطع شفايفك الحلوين دول.

_ وأني كمان.
أجابت ولا تدري ماذا يقول لها، أتسعت إبتسامته أكثر  ليكمل لعبته الماكرة:
_ طب أنا مش هاكتفي بأحضان وبوس، ممكن أزود حاجات كتير أوي.

تمتمت بصوت خافت أثر سيطرة النوم عليها:
_ وأني كمان.

أبعد هاتفه قليلاً وأخذ يضحك ثم عاد ليحدثها:
_ يعني موافقة نلعب مع بعض عريس و عروسة؟.

آتته همهمه منها بالموافقة غير مدركة ماذا يسألها، وغطت في نوم عميق وصوت أنفاسها قد وصل إليه عبر الهاتف.
_ سمسمه، أنتي معايا؟، شكلك سافرتي في النوم، تصبحي على خير يا حبيبتي.

أغلق المكالمة، و ضغط علي ملف التسجيلات فقام بإرسال التسجيل إليها عبر تطبيق الدردشة الشهير وأسفله ملصق يضحك ويخرج لها لسانه.
3

وبعد مرور ساعات قليلة أستيقظت من نومها، فتذكرت أن عليها النهوض لتجهيز نفسها للذهاب إلي مركز التجميل.
سحبت هاتفها من فوق الكمود فوجدت رسالة واردة وبجوارها إشعار التطبيق، تمددت بأريحيه علي السرير.
_ لما نشوف باعتلي أي.
ضغطت فسمعت المكالمة، أنتفضت من فوق سريرها:
_ ليلة أبوك زرجا كيف عيونك يا صلاح!.
6

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ فتحت عينيها رويداً بعد أن أيقظها أصوات الطيور والأبقار الآتيه من الغرفة المجاورة،  وما أن بدأت تتحرك بوئد تألمت حيث يديها مكبلتين بحبل متين وطرفه الآخر معقوداً في حلقة معدنية مثبته في حوض الماء التي ترتوي منها البهائم.
أتسعت عينيها بفزع فصرخت بإستغاثة:
_ ألحجوني،  ألحجوني.

أندفع باب الحظيرة و ولج إليها هذا الملثم يهدر بصوتٍ غليظ: 
_ لو جعدتي تصرخي لسنة قدام محدش هايسمعك واصل.

رمقته بخوف إثر مظهره وصوته الذي أرعبها: 
_ أنت رايد مني أي عاد؟.

أزاح لثامه ليظهر لها ملامحه بوضوح ولم تتعرف عليه بعد،  أجاب بحدية مكنونها الإنتقام: 
_ السؤال ده تسأليه لأخوكي الو....  .

عقدت حاجبيها بإستفهام: 
_ أني مافهماش جصدك.

بخطي دبت الرعب بداخلها أقترب منها حتي أصبح أمامها  ثم جلس في وضع القرفصاء، أبتعدت شفتيه ليجيب عليها: 
_ زكريا ضحك علي ورد خايتي بعد ما وعدها بالچواز  ولما بجت حبلي أتهرب منها.

جحظت عينيها من ما يتفوه به عن شقيقها،  تعلم مدي فساد أخلاقه لكنها لم تتوقع أن يصل إنحرافه إلي حد الزنا والفجور،  ولما لايفعل هذا، فهو علي شاكلة صديقه وإبن خاله الذي تعلم كل ماهو سيئ علي يديه.
أزدردت لعابها ثم سألته: 
_ وأفترضنا الي جولته صح أني ذنبي أي؟.

أحتقن وجهه بالدماء كدليل علي غضبه العارم،  صاح بها: 
_ ورد راحت لأخوكي بجالها أيام ولساتها مارچعتش لحد دلوق، ملهاش أثر في أي مطرح،  حتي أخوكي من وجت ماهي أختفت هو كمان أختفي، تجدري تجوليلي ده معناته أي!.

أدركت الآن سبب إختطافه لها، فقالت:
_ طيب لو الحكاية إكده، أحسن لك تبلغ الحكومة، خطفي مش هيرچعلك خايتك.

وبعد حديثها أخبرها صوت نابع من داخلها أن القادم أسوأ، وهذا ما أكده لها الآخر:
_ حكومة!، شيفاني مركب قرون لأچل أروح ليهم وأجولهم مصيبة خايتي!.
أطلق زفرة عميقة ليردف حديثه: 
_خابره، أني إكده ولا إكده ناوي أجتلها وأخلص من عارها لكن مش قبل ما أخلص علي الو..... أخوكي وجبلها هسوي فيكي كيف ما سوي فيها وقدام عينيه، وإكده نبجو خالصين.

أتسعت عينيها غير مصدقة ما سمعته، يريد قتل شقيقها وقبل ذلك يعتدي عليها!،صاحت بتهديد منبلج:
_ أنت أتچننت إياك، خابر عيلتي يبجو مين؟.

أجاب بسخرية وملامح هاكمة:
_ أيوه خابر يا بت الشيخ واصف وأخوكي التاني الشيخ بكر وخالك خميس الي مترشح إنه يبجي عمدة النچع و ولده رافع القناوي صاحب مصنع ومخازن الخردة، ولا يهمني كل ده، أني كل الي رايدو أعرف خايتي فينها سواء عايشة ولا ميته وأجتل أخوكي وجبلها هاعرفه كيف يضحك علي بنات الناس جوي.
خفق قلبها بخوف يبدو حديثه خالياً من التهديد بل هو وعيد، فقالت بتهديد مماثل لعله يتراجع عما سيفعله:
_ و رافع إبن خالي زمانه هيعرف إني ما رچعتش دارنا وهيجلب الدنيا عليها واطيها، ولو وصلك أقل حاچة هيسويها إنه يجتلك.

أخرج من جيبه إسطوانة شريط لاصق وهم بالإقتراب منها قائلاً:
_ و عقبال ما يوصلي هكون نفذت  الي جولتلك عليه.
وكمم فاهها بقطعة من الشريط.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وبالعودة إلي النجع في منزل والد سمية، تجول غرفتها ذهاباً وإياباً وهي تستمع مراراً وتكراراً  إلي هذا التسجيل الذي أرسله إليها وقرأته عندما أستيقظت لتوها، تستشيط غيظاً:
_ إما فرچتك كيف تسوي معاي إكده، مبجاش أني سمية.

وضعت هاتفها في جيب عبائتها ثم تناولت وشاح ودثرت به رأسها لتذهب إليه، وما أن وصلت أمام الغرفة التي يمكث بها وجدت الباب موارباً، أختلست النظر إلي الداخل فلم تجد له أثراً، ألقت نظرة من حولها لتطمأن من عدم رؤية إحدهم لدخولها إلي غرفته خاصة زوجة والدها اللعينة.
وضعت يدها علي مقبض الباب بتأني وبدأت تخطو إلي الداخل باحثه عنه.
_ علي فكرة كنت مستنيكي.
1

أفزعها صوته الذي فاجائها من الخلف، أنتفضت ذعراً مرددة:
_ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

وضعت يدها علي صدرها تلتقط أنفاسها إثر فزعتها، رفع جانب فمه بإبتسامة لعوب وبتهكم مازح قال:
_ شوفتي شيطان ولا أي؟.

عادت إلي طبيعتها المعهودة، لم تتمالك غضبها وحنقها من فعلته، ضيقت عينيها مقتربة منه:
_ لاء وأنت الصادج، شوفت أستاذ ورئيس قسم الي بيتعلم عنده الشيطان.

ضحك رغماً عنه فأزداد غضبها، لكمته في صدره العاري ولم تلاحظ هذا عندما تأوه بزيفٍ:
_ آه ياقلبي.

شهقت عندما وقعت عينيها عليه حيث لايرتدي سوي بنطال وجذعه عارياً، وضعت علي الفور كفيها علي عينيها وأبتعدت إلي الوراء قليلاً:
_ واه، عيب الي أنت عتسويه دي، كيف جالع خلچاتك من فوج و واجف قدامي إكده!.

خطي نحوها عدة خطوات ليدنو منها بهمس ماكر:
_ أنا كده بالنسبة لي لابس وبعدين لازم تتعودي، عشان أنا مابقعدش غير كده علي طول.
إبتسامة خبيثة جلت علي ثغره ليردف:
_ عريان.

أخفضت كفيها وفتحت عينيها لتجده أمامها مباشرة، فكادت تنهره، أوقفها صوت زوجة أبيها منادية:
_سمية، يا سمية.
لطمت وجنتها بخوف:
_ يا مُري.
وركضت نحو الباب لتوصده قبل أن تراها الأخري برفقته داخل الغرفة وبهذا المظهر الذي عليه.
كادت تستدير فأصتدمت به لتجده يحاوطها بجسده، وبذلك أصبحت محاصرة بينه وبين الباب الموصد، أتسعت عينيها وبتحذير همست له حتي لاتسمعها من بالخارج:
_ بَعد عني أحسن لك إلا وق....

قاطعها بدفعها بجسده هامساً أيضاً بأنفاسه علي وجنتها المكتنزه:
_ متقدريش تعملي حاجة، عارفة ليه؟.

أزدردت لعابها وبداخل عقلها تفوهت:
_ والله أنت غلبان ده أنا ماسكة نفسي عنك بالعافيه، كفايه عيونك الزرجا الي هتخليني أسوي فيك كيف حمدي الوزير ما سوي في ليلي علوي في فيلم المغتصبون.
4

أجابت علي سؤاله بسخرية وهمسٍ متهكم:
_ وچايب منين الثقة دي يا حضرة الأڤوكاتو!.

مسح بطرف لسانه علي شفاه السفلي تبعها بإبتسامة ماكرة، فأتبعت حديث نفسها:
_ لاء  أبوس يدك بلاش ضحكتك دي.

رفع يده نحو وجنتها الملساء ليتلمسها بأطراف أنامله وكأنه يعزف علي أوتار القيثارة:
_ هقولك جايبها منين بالليل، ولا تحبي أقولك دلوقتي؟.

أزدردت ريقها للمرة المائة، فرفعت كفيها لتدفعه بخفة في صدره، لكنه لم يتزحزح من أمامها قيد أنملة:
_ لا تجولي ولا أجولك، وأوعي إكده، وروح أستر حالك بأي حاچه بجي.

حك ذقنه وهو يبتسم كثعلب ماكر:
_ ليه يا سمسمتي، ده حتي كلها ساعات وهاتشوفيني كده.
وأشار إلي جذعه العاري، أطلقت زفرة حارة من أعماق جوفها:
_ الصبر من عندك يارب.
همست بها بصوت غير مسموع، فأكملت بصوت خافت لايسمعه سواه:
_ أتحشم يا صلاح أحسن لك، بكفياك الريكورد الي بعتهولي والمقلب الي سويته فيا عاد.

فتح فاهه ليطلق ضحكة عالية، فلحقت به كممت فاهه بكفها،ولم تلحق بتحذيره حيث دوت طرقات علي الباب من الخارج، فأجاب صلاح بعدما تحمحم ودون أن يفتح:
_ مين؟.

أجاب الطارق:
_ أفتح يا ولدي، أني عمك عبدالحق، رايد أتحدت وياك في كلمتين.

تحمحم الآخر مرة أخري وقال بصوت مرتفع:
_ حاضر يا عمي ثواني هاغير هدومي وطالع لك.

وفي ذات الوقت تقف متسمرة في مكانها وترتجف خوفاً من إكتشاف إبيها بوجودها في الغرفة التي يمكث بها الآخر، فهذا منافي للعادات والتقاليد والأصول المتعارف عليها رغماً من إنها قد أصبحت زوجته في الأوراق الرسمية.

دنا بالقرب من أذنها وبهمس أقشعر له بدنها:
_ أول ما أطلع له هاخده علي أوضة الضيوف وأنتي أرجعي أوضتك قبل ما حد يشوفك،تمام؟.

أومأت له في صمت، فظل يحدق بزرقاويتيه في عينيها التائهة في بحور خاصتيه.
وبالفعل قام بإرتداء قميص قطني ومشط خصلاته علي عجالة وقبل أن يذهب أقترب منها وهي مازالت في مكانها تنظر له بشرود، أستغل حالتها ليختطف قبلة طفيفة من ثغرها المكتنز:
_ بحبك يا سمسمتي.
قالها و غادر سريعاً فشهقت بخجل ثم أستدارت نحو إثره وقالت:
_ وأني بعشجك يا صلوحتي.
قالتها وذهبت نحو الباب لتشرأب بعنقها وتراقب الطريق فوجدته خالياً هكذا كانت تحسب، غادرت علي الفور دون أن تلاحظ زوجة والدها التي تراقبها منذ دلوفها إلي الغرفة وحتي مغادرتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تحمل سعاد صينية الطعام و وضعتها أعلي المنضدة، فألتفتت باحثة بعينيها عن إبنتها: 
_ هي راحت فين البت دي؟.

خرجت نوارة من غرفتها مرتدية عبائتها وتمسك بوشاحها الأسود لترتديه.

_ واه!، رايحة علي فين إكده قبل ما تفطري؟.
سألتها والدتها لتجيب الأخري وهي ترتدي الوشاح أمام المرآه المعلقة علي الحائط في مدخل الردهة:
_ معاوده علي دارنا،  خالتي أتصلت عليا وجالتلي أرچع قبل ما رافع يرچع ومايلاجنيش.

رفعت حاجبيها بدهشة: 
_ هو أنتي بايته عندي من ليلة إمبارح من غير علم چوزك يا نوارة!.

زفرت بتأفف وأستدارت إليها: 
_ أيوه يا أماه، لأن البيه بجاله يومين بره الدار وماعرفش عنه حاچة واصل،  وأتصل عليه ألاجي محموله مجفول،  ومتجلجيش أني أستأذنت خالتي قبل ما أمشي.

تنهدت بسأم لا تملك شيئاً لإسعاد إبنتها: 
_ معلشي يابتي،  كل الي أجدر أجوله لك أتحملي لحد ماربك يجومك بالسلامة،  يمكن العيل الي في بطنك يچي للدنيا يغير الأمور بيناتك أنتي وچوزك وتبجي للأحسن.

وبمجرد أن ذكرت والدتها أمر جنينها أتسعت عينيها كمن لدغها عقرب، تحدق في الفراغ كالتائهة أو المجذوبة.
_ الي في بطني!  .

أقتربت منها والدتها والدهشة تكسو ملامحها،  فسألتها بحذر: 
_ مالك يابت؟، واجفة متنحه إكده ليه عاد؟.

لم تجب الأخري فحديث إبنة جارتهم التي قابلتها ليلة أمس ما زال يدور في خلدها، ومنذ دخولها منزل والدتها لم تكن قادرة علي التحدث في هذا الأمر وتهربت بالنوم.

أمسكتها سعاد من رسغها لتهزها: 
_ انطجي يا أخرة صبري،  أوعاك يابت بتفكري تسوي حاچة إكده ولا إكده،  أنتي لما چيتي إمبارح ولاجيتك مجدراش تتحدتي هملتك ترتاحي وجولت لحالي الصباح رباح ياسعاد هي هتيچي تحكيلك لحالها.

سرعان ما تجمعت الدموع في عينيها الحمرواتين،  لم تذق النوم طوال الليل بل كانت في عالم آخر،  آلاف السناريوهات تتخيلها لو علم زوجها بسر حملها،  أفاقت علي قبضة والدتها فنظرت إليها وأطلقت لعبراتها العنان، وصوت نحيبها يعلو.

فزعت الأخري من بكاء إبنتها والخوف والقلق يسيطر عليها: 
_ في أي يا نوارة؟، ما تخلعيش جلبي عليكي يابتي وريحيني،  جوليلي اي الي حوصل وياكي؟.

سحبت يدها وجلست علي أقرب كرسي لها لتجيب من بين بكائها: 
_ الي في بطني مش ولد رافع.

تسمرت سعاد أمامها وأنتصب شعر رأسها من هولما ذكرته إبنتها للتو،  أبتلعت ريقها في إستيعاب تفسير ما سمعته.

_ عتجولي أي يا بت بطني،  خابره الي عتجولي زين؟.

لم تجب لتجهش في البكاء مرة أخري،  فاض الكيل بالأخري ونفذ صبرها لتنقض عليها وأخذت تعنفها وتصيح بها: 
_ ساكته ليه!  ، أنطجي يا بت ال......

نهضت بإنتفاضة مبتعده عن والدتها لتصرخ بتلك الكلمات: 
_ كيف ما سمعتي إكده،  الي في بطني مش ولد رافع،  ده يبجي ولد الراچل النصاب الي خدتيني له لأچل يديني من بركاته وأحمل،  أتاريه نومني بمخدر و سوي عملته ونتيچتها بجيت حبلي.

أنقضت عليها والدتها مرة أخري قابضة علي وشاحها الذي كاد يخنقها: 
_ عتجولي أي يا بت ال....،  مين الي ولد مين،  شكلك أتچننتي إياك.

تخلصت من قبضة والدتها بصعوبة،  لتلتقط أنفاسها وقالت بصوت متهدج: 
_ وأني چيالك عشية إمبارح جابلت ماچدة بت الحاچ مرسي الله يرحمه،  كنا بنتحدتو والحديت چاب بعضه،  جالتلي...

ألتقطت أنفاسها بشهيق وأردفت: 
_ جالتلي إنهم جبضو علي الشيخ برهوم السبوع الي فات،  كشفته بت صحفية،  فاكره لما جالك أطلعي بره وهملتيني وياه لوحدينا عطاني منديل وجالي أدعي فيه، أتاري المنديل حاطط لي فيه مخدر لأچل يسوي عملته لو صابت معاه وحبلت يبجي إكده عالچني ولو خابت يبجي برضو مستفيد إنه طلع بمصلحة الو.....  الواطي.

كانت الأخري تستمع لها وحمم بركانية تتدفق في كل خلاياها، الدم يفور في رأسها كفوران التنور، أخذت تلطم صدغيها بنواح وعويل :
_ يالهوي، ياخرابي، يا مصيبتك الواعرة ياسعاد،
يا مُري لو طلع حديتك صوح، يبحي ولدك إبن حرام!.

وفي ذات الوقت كان في الخارج يقف هذا الدبيكي وكاد يطرق الباب فأوقفه صياح نوارة بالداخل والذي وصل لأذنه بقوة:
_ وأنتي خابره لو رافع عرف إن الي في بطني مش ولده هو هيسوي فيا أي عاد؟.

وثبت سعاد نحوها لتكمم فاه الأخري تحذرها:
_ إكتمي، إكتمي وأكفي علي الخبر ماچور، وإياكي تتحدتي ولو بحرف مع أي مخلوق، دي هيبجي فيها موتك لو چوزك عرف.

حاولت منع نفسها من البكاء وتجفيف وجنتيها بكفيها، ونهضت قائلة:
_ أنتي السبب يا أماه، الله يسامحك، ياما جولتلك أني ماريداشي أروح لمشايخ ولا زفت وخليها علي الله هو الي بيرزق.

أقتربت منها وربتت عليها بمواساه:
_ حجك عليا يابتي، كنت رايده أساعدك وخوفت ليجهرك ويتچوز عليكي، وعلي يدوك روحنا لكذا حكيم وكلاتهم جاله ليكي معندكيش أي حاچة واصل وممكن تحبلي في أي وجت، وأستنينا سنة ورا التانية، جولت مابدهاش يمكن حد ماسوي لكم عمل بأنكم ماتحبليش.

أنفجرت الأخري بغضب كامن:
_ عمل أي و زفت أي، أديني مشيت وراكي وآخرتها وجعت في مصيبة ما عرفاش هتخلص علي أيه.

وقف دبيكي بالخارج في حالة ذهول ليقول في نفسه:
_ يا وجعه مربربه، ده رافع بيه لو عرف الي سمعته دي هيجلب الدنيا وما يصحش برضك إنه يبجي علي عماه ويربي عيل مش ولده، وبعدين يا دبيكي!.
وبالعودة إلي الداخل، أمسكت بحقيبتها و عزمت علي الذهاب،فأوقفتها والدتها:
_ طب أجعدي وكولي لك لقمه.

رمقتها نوارة بغضب وكادت تفتح الباب:
_ سلام.

ركضت نحوها لتحذرها:
_ إياك يا نوارة تحكي مع حد الي حوصل.

حدجتها بإمتعاض وقالت:
_ ماتجلجيش يا أماه محدش بيروح للموت برچليه، عن أذنك.

خرجت مغلقة الباب خلفه وما أن أستدارت فشهقت بفزع:
_ دبيكي؟، أي الي چابك أهنه؟.

تحمحم وقال بتردد:
_ أني، أني رافع بيه باعتني لأچل ترچعي.

أبتلعت لعابها بخوف، تخشي سماع هذا الدبيكي لأي حرف تفوهت به بالداخل، أرتسمت القوة علي ملامحها:
_ و هو في الدار دلوق؟.

أجابها ونظراته  المريبة أربكتها:
_ أيوه، ومنتظرك هناك، وجالي متعاودش غير وهي وياك.

رمقته بإزدراء وبأمر أشارت له:
_ طب يلا قدامي لما نشوف أخرتها ويا البيه بتاعك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تقف تلك الشاحنة الكبيرة أمام متجر الحاج نعمان وبالخلف يهبط من داخل صندوقها رجل تلو الآخر يحمل كل منهم صندوق من الكرتون ويدلف به إلي داخل المتجر، فقال أخرهم:
_ كده البضاعة كلها حطنيها في المخزن يا حاج، أي أوامر تانية؟.

أخرج نعمان من جيب جلبابه محفظته الجلدية وتناول منها العديد من الأوراق ذات فئة المائتين جنيه ليعطيها للرجل:
_ خد دول أنت والرجالة.

تراجع الرجل في أخذهم مربتاً علي صدره بإمتنان:
_ خيرك سابق ياحاج، ملهوش لزوم.

تنهد نعمان فقام بدسهم في يده:
_ والخير كتير الحمدلله.

أنفرجت أسارير الآخر فرفع يده في وضع الدعاء:
_ الله يبارك لك ويعمر بيتك ويرزقك كمان وكمان.

أبتسم نعمان برضا وسعادة، ذهب الرجل وبرفقته البقية.

_ قاسم، يا قاسم.
نادي بها علي فارس الذي كان بالداخل يراجع الصناديق المحملة بالثياب عبر دفتر ورقي مدون به أرقام وبيانات كل صندوق والبضاعة التي يحتويها، وعند سماعه نداء الحاج نعمان ركض إليه:
_ نعم يا حاچ أمرك؟.

وضع يده علي كتفه قائلاً:
_ ما يؤمرش عليك ظالم يا بني، أنا رايح مشوار لحد شبرا وراجع تاني، أنا عارف إنك تعبت كتير النهاردة بس عايز منك تراجع كل صندوق وتقيد الي ناقص ولو فيه أي حاجة بلغني في التليفون.
أوما فارس بطاعة وإحترام:
_ حاضر يا حاچ، أعتبره حصل.

ربت عليه وقال:
_ تسلم يابني، أومال فين شهد؟.

أجاب مشيراً:
_ سمعتها كانت بتجول رايحة تچيب حاچة وراچعة.

أقترب نعمان و وقف أمامه مبتسماً:
_ كنت عايز أقولك خد بالك منها لحد ما أرجع، أنا عارف إنها بتعمل مشاكل مع الزباين وكذا مرة أحذرها بس الي فيه طبع بقي.

أبتسم رغماً عنه وأومأ له بعينيه:
_ أطمن ياحاچ، الآنسه شهد في عينيا ولو حوصل أي حاچة أني هاتصرف.

غادر بعدما أتي أحدهم له بسيارته، وبعدها ولج فارس إلي الداخل، فأشار لزميله في المتجر:
_ أنا چوه في المخزن يا حموده ولو فيه حاچة نادم عليا.

أومأ له الآخر بالإيجاب.
عادت شهد وتحمل في يديها أكياس بلاستيكية وحقائب منها تحمل شعار مطعم شهير في المنطقة والأخريات تحمل شعار متجر للثياب.
تلفتت يميناً ويساراً فلم تجده، سألت المدعو حموده:
_ هو راح فين؟.

حدجها حموده بمكر وأجاب:
_ قصدك علي مين الحاج ولا قاسم؟.

تركت ما بيدها علي الكاونتر لتزجر الأخر بنظرة تحذيرية:
_ حمودة!، لم نفسك أحسن لك، بدل ما أنت عارف.

أشار لها بكفيه رجاءً:
_ والله بهزر معاكي يا آنسه شهد، مش قصدي حاجه.

رفعت حاجبها وبحده قالت:
_ ولا تقصد، خليك في حالك لو عايز تاكل عيش وتكمل معانا.

أنقلبت ملامحه بخوف من تهديها فقال:
_ آسف يا آنسه شهد، أوعدك مش هاكررها تاني.

تنهدت وحملت الحقائب:
_ أيوه كده أتلم، أومال أستاذ قاسم راح فين؟.

أجاب بجدية:
_ دخل المخزن بيراجع البضاعة.

وفي لحظة أسرعت إلي هناك تحت إندهاش الآخر الذي قال وهو يحك فروة رأسه:
_ دي شكلها الحكاية جد وكلام الي أسمه ممدوح طلع صح، وأنا مالي خليني في حالي أحسن.

يقف أمام صندوق مفتوح ويخرج علب مغلفة يدون أرقامها  في الدفتر ولم يشعر بدخولها وهي تقترب منه بخطي وئيده تتأمل هيئته، يقف بشموخ وصلابة، مهلاً يترك ما بيده جانباً علي إحدي الصناديق المتراصة ثم مد يديه إلي أزرار قميصه، حيث يشعر بالحر في هذا المكان الذي لايوجد به سوي فتحة تهوية واحدة فقط، مهلاً تصنمت عندما شرع في خلع قميصه ليصبح بالقميص القطني ذو الحمالات فقط، وقفت تحملق بإنبهار عضلات زراعيه البارزة وصدره العريض، يبدو إنه يمارس الرياضة للحصول علي هذا القوام الرجولي.

_ يا نهار برونزي زي لون بشرتك، حرام عليك الي بتعمله فيا ده.

وصلت رائحة الطعام التي تحمله إلي أنفه فأستدار ليري مصدرها فرآها تقف بشرود، تحمحم بحرج وألتقط قميصه وأرتداه علي الفور، فقالت في عقلها مرة أخري:
_ ليه لبست القميص، ماتخليك بفانلة قطونيل الي هتاكل منك حتة دي أحسن.
5

_ فيه حاچة يا آنسة شهد؟.
سألها ولكنها تقف كالمغيبة تحدق به، خطي نحوها:
_ آنسة شهد؟.

أنتبهت إليه يقف أمامها، فسألته بهيام ونظراتها التي يعلم هويتها جيداً:
_ ها، كنت بتقول حاجة؟.

تحمحم مرة أخري وأرتسم وجه الصلابة والجدية:
_ كنت بسألك فيه حاچة يا آنسه شهد؟.

_ يا لهوي علي إسمي وأنت بتنطقه.
تفوهت بداخل عقلها، ثم أجابت عليه:
_ عايزه أحضنك...
تحمحمت بخجل لتبدل كلماتها:
_ قصدي أنا كنت جعانة فروحت جبت أكل لينا هايعجبك أوي، و كمان عرفت من بابا إنك أتقلبت في القطر ومعكش أي حاجة، فياريت تقبل الهدية البسيطه دي وشوفهم كده لو فيه حاجه مش عجباك أو مش علي مقاسك هبدلهالك.

تلاقي حاجبيه بتعجب من كل هذا الإهتمام البالغ، فقال ومازال محافظاً علي نبرته الجادة:
_ طبعاً أني بشكرك علي إهتمامك، بس معلش أني ماجدرش أخد حاچة.

قالها و ولي إليها ظهره ليتظاهر بالعمل، زفرت بحنق وقالت في نفسها:
_ أي ده شكله زعل ولا أي!، وأنا الي كنت فكراه هيفرح ويبدأ يفكر فيا زي ما بفكر فيه وهموت عليه!.

ركضت نحوه وقالت:
_ أنت أتضايقت مني؟، أنا والله ما أقصد حاجة ابداً، طيب بص خدهم وهخصم تمنهم من مرتبك لو ده هيرضيك يعني.
وحدجته بنظرة توسل بأن يوافق ولا يردها خائبة، شبه إبتسامة ظهرت علي ثغره الذي سلب لُبها المجذوب به.

_ إن كان إكده ماشي، أني موافج.

أنفرجت أساريرها بفرحة عارمة، مدت يدها إليه بالحقائب:
_ حيث بقي كده أتفضل، ويلا عشان نلحق الأكل قبل مايبرد.

حك فروة رأسه من الخلف قائلاً:
_ معلش، مش هاجدر أكل دلوق غير لما أخلص الي في يدي الأول.

تركت أكياس الطعام جانباً وعقدت ساعديها أمام صدرها:
_ وأنا جعانة أوي ومش هاكل غير لما تاكل معايا وخليني بقي هاموت من الجوع ده غير لسه واخده حقنة الأنسولين.

رمقها بإستفهام فأومأت إليه:
_ أه عندي السكر، خدته وراثة عن ماما الله يرحمها.
حدق بها لثوان في تردد ثم قال:
_ ألف سلامة عليكي.

أمسكت يده بجرأه لتجذبه خلفها:
_ الله يسلمك ياسيدي، يلا بقي ده أنا جايبه أكل هايعجبك أوي.

كادت تخطو نحو الباب فأصتدمت بالصناديق رغماً عنها، لاحظ فارس الصناديق العلوية وهي تتهاوي وتسقط، تراجع إلي الوراء وجذبها بقوة فأرتطمت بصدره وسمعت صوت أرتطام الصناديق علي الأرض خلفها، لم تكترث للنظر حتي عليهم بل رفعت عينيها ذات العدسات اللاصقة نحو خاصته الرماديتين، لم تصدق نفسها هي الآن بين زراعيه ملتصقة بصدره تشعر بأنفاسه ونبضات قلبه أسفل كفها.
أزدرد ريقه وأبعدها برفق:
_ بعتذر لو كنت شديتك بقوة.

لمعت عينيها ومن فرط قوة نبضات قلبها تخشي أن يسمعها، فقالت بداخل عقلها:
_ بتعتذر ليه!، ده أنا هاين عليا أوقع كل الصناديق عشان تشدني في حضنك زي ما عملت.

أفاقت علي صوت حموده الذي أتي للتو ليطمأن بعدما سمع صوت الصناديق التي وقعت:
_ أي الي حصل؟.

أستدارت إليه بينما فارس أنتابه التوتر والإحراج كون وجوده مع إبنة رب عمله بمفردهما في مكان ضيق كهذا، فكان علي وشك الإجابة لكنها سبقته بحدتها المعتادة:
_جري أي يا حمودة هو أنت أعمي!، الصناديق واقعه أدامك أهي، تعالي أرفعهم.

أستغل فارس الفرصة فقال:
_ لاء روح أنت يا حمودة شوف الزباين وأني هارفعهم بنفسي، وأنتي يا آنسة شهد روحي أتفضلي علي مكتبك ولو محتاچة أي حاچة أبجي خلي حموده ينادم عليا.

وصلت إليها رسالته المستتره من بين كلماته بأن عليها الإبتعاد عنه،  رفعت إحدي حاجبيها بحنق وتجز علي أسنانها بغيظ لم تستطع إخفاءه، ولكي تسترد كبريائها الذي تبعثر أشارت له بعجرفة:
_ ياريت لما تخلص الي وراك تجيب لي الدفتر علي مكتبي عشان  أراجع الي كتبته وبعدها تروح تطلب لي واحد كابتشينو من الكاڤتريا الي علي ناصية الشارع.

أدرك غضبها الكامن من وراء حديثها، فأظهر بسمة جانبية أشعلت نيرانها فأستشاطت غيظاً،  زفرت بقوة و غادرت المكان وفي طريقها ركلت الصندوق بكل قوتها لكنه سبب لها ألماً فتأوهت مما جعله أطلق ضحكة رغماً عنه، ألتفتت له تحدجه بشرر متطاير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ فتحت الباب بالمفتاح الخاص بها،  ولجت إلي الداخل فوجدت خالتها تمسك بطبق من الأرز وتقوم بتنقيته من الحصي.
_ السلام عليكم يا خاله.

نهضت رسمية و بادلتها التحية: 
_ وعليكم السلام يا نوارة، مجولتليش ليه إنك هتبيتي عند أمك؟.
1

تنهدت وألقت بحقيبتها علي الأريكة ثم خلعت وشاحها: 
_ معلش كنت تعبانه وماجدرتش أعاود،  فينه إبنك؟.

أجابتها وهي متجهة نحو المطبخ: 
_ بيقيل له ساعتين قبل الغدا،  أدخلي غيري خلچاتك وأطلعي واكلي الطيور.

_ حاضر يا خالة.
دخلت غرفتها فقابلتها رائحة دخان الأرجيلة الذي يزفره بقوة، يتمدد علي السرير ويشاهد أحدي الأفلام الأجنبية علي شاشة هاتفه.
ضغطت زر الإضاءه المنغلق بدون أن تلقي التحية عليه أو حتي تكترث له، خلعت عبائتها السوداء وألقت بها غير ملاحظة سوداويتيه الحادتين يتابعها و مازال يسحب الدخان ويزفره  مما سبب إليها السعال.

_ حمدالله علي السلامه يا نوارة هانم.
قالها بسخرية، وبعد أن ألتقطت أنفاسها والإنتهاء من السعال:
_ الله يسلمك يا رافع بيه.
قالتها بسخرية مماثلة مع تعابير ملامحها المستهزأه به
أوقف مشاهدة الفيلم و ألقي بعصا أرجليته فوق الكمود المجاور له لينهض في هدوء قاتل، بينما هي كانت ترتدي عباءة قطنية وترفع خصلاتها لأعلي، فباغتها بجذب خصلاتها بقبضة عنيفة فأطلقت صرخة مدويه:
_ آه، همل شعري يا رافع وإلا...

قاطعها بجذبها نحوه:
_ وإلا أي يابت سعاد!، أياكي تكوني فاكرة إن بعد مابجيتي حبلي فده يديكي الحق تسوي الي علي مزاچك، تخرچي وتبيتي بره الدار من غير ما تجوليلي وترچعي علي كيفك ولا كأن ليكي راچل عاد.

أستدارت بصعوبه حتي تصبح أمامه لكن مازالت خصلاتها في قبضته:
_ أوعاك تكون مفكرني هبلة ونايمة علي وداني، وحركاتك دي مابجاش ليها عزا عندي، ولا أنت ماشي بمبدأ خدوهم بالصوت قبل ما يغلبوكو!.

أدرك ما ترنو إليه، ترك خصلاتها وعقد مابين حاجبيه متسائلاً:
_ تجصدي أي؟.

رمقته بعينين تغمرها دموع حارة تأبي الإنهمار مرة أخري أمام ذو القلب القاسي المتبلد الذي لايشعر بقهرة قلب من تعشقه، يذيقها من العذاب ويلاته كل يوم ولا يبالي لتلك النيران التي تحرق روحها.
_ أجصد إنك عايش حياتك علي هواك ولا كأني مارتك وليا حقوق عليك، حط حالك مطرحي وجولي لو أني الي كنت عشجانه عليك واحد وبسوي وياه كيف ما بتسوي مع الست هانم الي داير وراها في كل مطرح.

جذبها من عضدها حتي كاد يقتلعه من جسدها وهدر بها:
_ كنت دفنتك بالحيا ولا خليت الدبان الأزرج يعرفلك طريج چرة.

أبعدت عضدها الذي ألمها بشدة وقالت بنبرة أوشكت علي البكاء:
_ يبجي ليا الحق أدفنك حي وده يبجي العدل، لكن أني ما سويش إكده،لأن وكلت أمري للخالق ياخد لي حجي منك وتدوج من نفس المُر الي بتدوجه لي كل يوم، وتبكي بالدموع ندم وحسرة.

لم يتمالك نفسه عكس ماتوقعت ردة فعله، أخذ يضحك ويعلو صوت ضحكاته للعنان حتي توقف قائلاً:
_ تصدجي بجالي زمن ماضحكتش وحديتك دي خلاني ضحكت غصب عني، ياه يا نواره مكنتش خابر جلبك أسود جوي إكده!.

رفعت وجهها بشموخ وكبرياء:
_ جلبي عمره ما كان أسود، وچيت أنت ومليته بالسواد وخلتني بدل ما أدعي لك أدعي عليك.
وضع كفه علي وجنتها يربتها بخفة:
_ طيب يا نوارة، لآخر مرة بجولك لو كررتيها تاني وعتبتي بره باب الدار من غير علمي لأكون مكسرلك رچليكي الأتنين، سامعه يابت خالتي؟.

أزاحت يده و حدجته بإزدراء في صمت وذهبت من أمامه.
طرقات عنيفه علي الباب يصاحبها صوت الجرس بدون إنقطاع، خرجت علي أثره رسمية وكذلك زوجها خميس من غرفته فكان نائماً وتابعهما رافع يرتدي جلبابه فوق سرواله وقميصه القطني، أرتدت نوارة وشاحها علي عجالة وذهبت لتري من الطارق فأزاحها رافع من أمامه:
_ خشي چوه لما أشوف مين الي بيخبط كيف البهيمة دي.

وما أن فتح الباب ليجد عمته جليلة في وجهه تدفعه إلي الداخل وتصرخ به متسائلة:
_ فين بتي يا رافع؟، خطفتها ولا سويت فيها اي عاد؟.

نظر الجميع إليه ولم يستعب ما قالته جليلة، فتدخلت والدته:
_ اهدي إكده يا أم زكريا وجولي لنا أي الي حوصل.

صاحت الأخري:
_ أهدي كيف طول ما ولدك ورا كل مصيبة تحصل لبتي!.

تحدث رافع بصوته الغليظ غير مكترث لما تقوله عليه عمته بل يريد معرفة ما حدث مع فاطمته :
_ مالها فاطمة يا عمتي؟.

أشاحت بيديها في وجهه وتشدقت:
_ شوف الواد، يجتل الجتيل ويمشي في چنازته، وعامل حاله ما عرفش حاچة.

صاح بها شقيقها ليوقفها عن النواح:
_ ما تنطجي يا خايتي وجوليلنا حوصل أي لبتك ولو ولدي له يد حتي لو من بعيد أني الي هاتصرف وياه.

حدج رافع والده بغضب في صمت، فأجابت جليله ببكاء يتخلل صوتها ذو البحة:
_ كنت فاكرها نايمه لحد الضهر، هملتها وروحت أعزي چماعه تبع چوزي ورچعت المغربية  دخلت أوضتها ملجتهاش،  أتصل عليها تليفونها مجفول، جولت يمكن صحيت وأني مش موچوده وراحت تحضر كتب كتاب البت سمية، جعدت أستناها وما رچعتش لحد مانعست غصب عني وتو ماصحيت دلوق تو ما چيت لكم .

أتسعت عينيه وألسنة اللهب المشتعلة تتراقص بداخل مقلتيه:
_ عتجولي أي يا عمتي، كيف ما رچعتش من إمبارح؟، وليه ما چيتيش وجولتي لي تو ما تأخرت.

_ يعني مش أنت الي خاطفها يا ولدي؟.
سألته والدته، ليجذبه والده من تلابيب جلبابه:
_ قسماً بالله لو طلعت أنت الي ورا خطف بت عمتك ل....

صاح بوالده مبعداً يديه عنه:
_ ما جولت ماليش صلة بموضوع إختفائها ده واصل، أني فعلاً كنت وياها إمبارح.

لم يريد ذكر إنها كانت برفقة الطبيب في النادي، فأردف:
_ كنا بنتحدتو في موضوع إكده وعازمتها نجعدو شوي علي النيل، أتخانقت وياي وهملتني، أفتكرتها عاودت عليكم، قسماً بالله ده كل الي حوصل.

فقال خميس:
_ مش ممكن تكون راحت عند بكر أخوها وباتت حداه؟.

تذكر رافع أمر يحيي الذي كان يتفق معها علي الزواج فقال في نفسه:
_ والله يا فاطمة لو طلع الي في دماغي ده صوح لأكون مخلص عليكي وهو قبل منك.

تركهم وذهب إلي الداخل تحت نظرات نوارة، تناول عبائته والعمامة كليهما، ثم ألتقط عصاه وخرج.

فسألته والدته:
_ رايح فين يا ولدي؟.

أجاب وهو يرتدي حذائه:
_ رايح أدور علي فاطمة.

كلماته كانت كفيلة بإشعال النيران في قلب التي بالداخل تراقب الأجواء في صمت مُطبق،لكن دموعها لم تتوقف عن الهطول، كانت تخشي أن لايكون للدجال صلة بما في أحشائها لكن الآن تمنت أن يكون الأمر بالفعل حقيقي، وما تحمله ليس إبن رافع لترد له الصاع صاعين عما يفعله معها من خيانة وجراح لا يوجد دواء لها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ توقفت تلك السيارة الفارهة أمام إحدي ناطحات السحاب الشهيرة بالاس فيجاس،  ترجل منها السائق ليفتح الباب لسيده الذي هبط بزهو كعادته و أتبعته هي بحسنها الخلاب مرتدية ثوباً حريرياً باللون الأسود و وشاح باللون الذهب المنطفأ،  يزين وجهها بعض لمسات مساحيق التجميل.
أمسك يدها بحنان لم تعهده معه وقام بتقبيل ظهر كفها بنعومة ثم وضعه فوق ساعده،  فأقترب من أذنها وهمس بصوته الرخيم: 
_ عايزك ما تفكريش في أي حاجة غير أنك تتبسطي يا حبيبتي.

رمقته زينب بتعجب من تصرفاته الغريبة،  فمن بعد زيارة الطبيب وحاله قد تبدل علي النقيض،  أصبح يعاملها بحنان وإهتمام،  يحاول إرضائها بشتي الطرق،  بينما هي توقفت عن الصياح في وجهه والتمرد وأكتفت بالبعد النفسي عنه حيث تتواجد برفقته جسدياً لكن روحها هائمة في عالم آخر،  ظن إنها رضخت إليه أخيراً وستذعن إلي كل أوامره.

دلفا كليهما في المصعد الزجاجي المطل علي خارج البناء،  فرأت ما يحاوط الناطحه من مباني مماثله لها وأنوار عديده شديدة الإضاءه.
توقف المصعد في آخر طابق،  يوجد به مطعم خاص، لايذهب إليه  سوي رجال محددون مثل شاكلة سليم ودنيال وما يعمل معهم من رجال المافيا.

أستقبلتهم نادلة ترتدي ثياباً فاضحة لجسدها،  فقالت لهما: 
_ أهلاً وسهلاً بك سيد سليم،  لقد أعددنا الطاولة الخاصة بك.

أومأ إليها بإبتسامة قائلاً بإقتضاب: 
_ شكراً.

بادلته بإبتسامة مغناج: 
_ العفو سيدي.

لاحظت زينب نظرات الفتاة التي أدركت من خلالها أنها تعرف زوجها جيداً فقالت له: 
_ واضح إنها تعرفك،  ياتري دي كانت واحدة من خاضعاتك؟.

تجلت إبتسامة علي محياه،  فجذب إليها الكرسي لتجلس وجذب آخر و وضعه بجوارها ليجلس ملتصقاً به مما جعلها أنتفضت لاسيما عندما حاوط كتفيها بزراعه وقال: 
_ بدأنا نغير أهو،  تقدم حلو أوي.

تجهمت ملامحها وردت بنبرة حادة: 
_ ومن جالك أني غيرانه عاد؟، ده مچرد سؤال مش أكتر.

هبط بيده إلي خصرها وضغط بخفه عليه: 
_عيب لما تكدبي علي جوزك حبيبك.

إبتسامة هاكمة لاحت علي محياها: 
_ چوزك!،  حبيبك!  ، ومنين چايب الثقة دي يا سليم بيه.

أبعد يده عن خصرها ليرفع كلا يديه إلي وجهها ويحاوطه بكفيه،  تخترق قاتمتيه خاصتيها الذهبيتان المحاوطه بأهداب كثيفة: 
_ بالنسبة لكلمة جوزك ده أمر مفروغ منه،  وأنتي ملكي،  إما بالنسبة لحبيبك،  واحده واحده وهتحبيني ومن غير غصب.

وضعت كفيها علي يديه لتزيحهما لكنها فشلت في ذلك لتجد  يديه متشبثه بفكيها، فقالت بإمتعاض:
_ وأنت خابر زين جلبي بيحب مين، وما الحب إلا الحبيب الأولِ.

برغم ماشعر به للتو من نيران مندلعه يريد إطلاقها عليها وشياطينه تهمس له بأن يلقنها عذاب يجعلها تتوسله الرحمة،  لكنه تمالك غضبه وتظاهر بعكس ما بداخله،  متصنعاً إبتسامة باهته، ويلمس بطرف إبهامه شفاها السفلي: 
_ حبيبتي زوزو لسه ماتعرفش حاجه عن سليم العقبي الي كل ما هتقرب منه وهاتحس بمشاعره ناحيتها ساعتها هي الي هاتعترف بنفسها أد أي إنها بتحبه ويمكن تعشقه.

أفترقت شفتيها لتجيب عليه بما يثير حنقه بل بغضبه وتفسد عليه تلك الليلة الرومانسية الحالمة  ،  فأوقفتها تلك الموسيقي الصادرة من سماعات متفرقة علي الجدران لتشعر بالنغمات تتخلل كل خلايا جسدك لتتراقص معاها علي كل إيقاع لها.

نهض وأنحني أمامها بشكل كلاسيكي،  يمد يده إليها: 
_ تسمحيلي ياحبيبتي بالرقصة دي؟.

لم يدع لها الموافقة أو الرفض،  جذب يديها برفق وحنان ليرفعها أعلي كتفيه وهو حاوط خصرها،  لاتعلم ماذا تفعل، يضغط عليها معنوياً،  تغيره المفاجئ لم تجد له مبرراً سوي إنه يخطط لأمر ما تجهله وهذا ما جعلها تشعر بالخوف بل الرعب.

رفع يده من خصرها إلي منتصف ظهرها ليدفعها إلي صدره: 
_ شكلك مابتعرفيش ترقصي،  ممكن تسبيلي نفسك خالص.

زفرت بسأم وضجر: 
_ وأني أصلاً موافجتش إننا نرجص.
رفعها من منتصف ظهرها  فشهقت بفزع فوجدته يتحرك بها كأنها تتطاير في الهواء علي نغمات معزوفة كلاسيكية تعود إلي القرن المنصرم.

بدأ يلقي عليها بعض الكلمات عله يكسب قلبها و ودها: 
_ عارفه أنا حاسس بقي وأنتي في حضني كده؟.

لم ترد فأردف: 
_ببقي نفسي تاخديني في حضنك أنتي كمان وتضميني أوي.

باغتته بسؤال: 
_ مش غريبة؟.

قطب مابين حاجبيه مجيباً: 
_ وأي الغريب في كلامي؟.

نظرت في داخل عينيه وتقسم إنها تري بداخلهما عكس ما يفعله معها الآن تماماً،  فهو شيطان يرتدي قناع الملاك.
_كل حاچة بجت غريبة،  تصرفاتك وياي،  حتي حديتك سبحان الله بقدرة قادر من أمر ونهي وتهديد وعنف لحب وحنية و رومانسية.

أطلقها علي بُعد زراعه وجذبها مرة أخري لتلتصق بصدره: 
_ مسألتيش نفسك أي سبب التغير المفاجئ؟.

أجابت بسخرية: 
_ سببه لما حبستني في المخزن من غير هدومي والبرد هري چتتي وكنت بحس بالموت كل ساعه لحد ما حسيتش بحالي غير وأني في السرير والدكتور بيجولك چالي السكر!  .

جز علي فكه كلما تذكر الأمر الذي أقترفه بها آخر مرة: 
_ أنا بعترف إن قسيت عليكي بس أنتي السبب والي وصلتيني لكده،  أنا كل الي طالبه منك تسمعي كلامي بدون مجادله، أوامري كلها تتنفذ ولو ده حصل أوعدك وقتها هخليكي تعيشي أجمل أيام حياتك.

رددت بداخل نفسها ساخرة: 
_ وأنت الصادج،  أسود أيام حياتي. 

ظل يراقصها في صمت لكن عينيه كانت تخبرها بالكثير، بينما هي لا تفكر سوي فيما يمتلك فؤادها وكيف تهرب من هذا السجان لتذهب وتبحث عن فارس عشقها مهما كان الثمن!.
_ زينب؟.
همس بها لتشعر بسخونة أنفاسه علي شفاها، حدجته بتوتر وخوف: 
_ نعم.

توقف عن الرقص وعينيه تهبط علي منبع حديثها،  فأرتفعت نظراته مرة أخري في ذهبيتيها لم يكن يحدق بها وحسم بل كانت عينياه تخترق روحها مما جعل قلبها يخفق بقوة،  تخشي إنه يقرأ ما تعزم عليه،  لكنه فاجئها بإلتقاط شفاها بين خاصتيه وأخذ يقبلها وكأنه يتذوق قطعتي من الشهد بنعومة و رقة بالغة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أشتعلت الأضواء الملونة في كل أرجاء النجع وتعالت الموسيقي معلنة عن قيام مراسم حفل زفاف صلاح أيوب علي سمية إبنة عبدالحق ،  أُطلقت الزغاريد من أفواه النساء،  بدأ عازف المزمار بعزف الموسيقي التي تعود للفلكلور الصعيدي وتبعه الرجال الآخرون بالضرب علي الطبلة والدفوف،  وإلقاء زوجة أبيها بأوراق الزهور الجافة علي العروسين، ذهبت إحدي الفتيات إلي سمية لتجذبها وترقص،  فأمسكت الأخري بيد زوجها وترقص معه أمام الحضور بفرح وسعادة علي نغمات الموسيقي.
كان صلاح يفتقر للرقص الصعيدي فناوله إحدي الشباب عصا غليظه ليرقص بها مع عروسه،  وقد كان أختطفتها منه سمية لترقص بها هي وكأنها راقص بالعصا محترف.
أقترب صلاح منها قائلاً: 
_ سيبي العصاية من إيدك بدل ماتيجي في راس حد وإحنا مش ناقصين.
ردت عليه ومازالت ترقص: 
_ ما تخافش يا صلوحتي،  مارتك تعرف ترجص بالعصا زين جوي،  حتي شوف الحركة دي.

أخذت تلف من حولها وترفع العصا في الهواء وتلتقطها،  لم تنتبه لطرف ثوبها الطويل الذي تشابك في كعب حذائها المرتفع، فأختل توازنها وأسرع إليها ليلحق بها قبل أن تقع فهبطت العصا فوق رأسه بقوة.
3

رأت الدماء تدفق من جبهته فصرخت بأعلي صوتها: 
_ صلاح!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ خلاص يا بابا عشان منتأخرش.
قالها أكرم منادياً علي زوجته،  فخرجت من غرفتها تعلق يد حقيبتها علي رسغها: 
_ جاية أهو يا حبيبي،  خلاص خلصت،  ثواني بس هلبس الشوز.
2

نظر خلفها وتسائل: 
_ أومال فين البنت؟.

أجابت وهي تهندم من إلتفاف وشاحها حول وجهها أمام المرآه المجاوره لباب المنزل: 
_ بابا جه وأنت نايم وشبطت فيه فخدها معاه.

وبعد أن كان علي وشك إدارة مقبض الباب توقف وخطي نحوها: 
_ بتتكلمي بجد؟.

نظرت له عبر المرآه مبتسمه، تهز رأسها إيجاباً: 
_ اه،  ومالك مش مصدق ليه؟.

حاوطها من الخلف وعقد ساعديه أسفل صدرها و دنا بشفاه نحو أذنها: 
_ هو إحنا ينفع نلغي الخروجه دي ونقضي وقت جميل هنا.
وأشار لها نحو غرفة النوم،  أستدارت لتصبح في واجهته تمسك ذقنه بأطراف أناملها الرقيقة تلمسها بنعومة: 
_ ما إحنا ممكن نخرج عادي ونرجع ونقضي برضو وقت جميل هناك.
وأشارت بسبابتها أيضاً إلي الغرفة، رفع يده إلي طرف وشاحها وبدون أن تشعر قام بفكه وخلعه عنها: 
_ حرام نضيع فرصة زي دي.
وهبط علي عنقها بقبلات ناعمة،  تتحرك من بين يديه: 
_ أستني بس أصبر هقولك.

زمجر بالرفض ومازال يلثم جيدها،  فتفوهت مرة أخري وتدفعه برفق في صدره: 
_ أسمعني بس.

لم يمهلها أن تتحدث فأسكتها بإلتهام شفاها وحملها وأتجه بها نحو الغرفة ليكمل ما بدأ به.
وبعد قليل، نهض من فوقها بلهاث يلتقط أنفاسه ليتمدد بجوارها،  بينما هي جذبت الدثار علي جسدها العاري وألتفتت إليه لتجده يفتح درج الكمود ويسحب سيجارة من العلبة والقداحة،  كاد يشعلها فأخطفتها من يده،  فرمقها بضيق: 
_ أي الي عملتيه ده؟.

ألقت بهم بعيداً وأقتربت منه لتتوسد برأسها صدره العاري وبأناملها تداعب شعيراته المتناثره،  وبدلال أجابت: 
_ عايزاك تبطل تدخين، وماتشربش تاني.

نظر نحوها وسألها بغموض: 
_ خايفة عليه؟.

نهضت لتعتدل في جلستها وأجابت: 
_ آه طبعاً خايفة عليك.

حدق في عينيها لثوان ثم سألها مرة أخري: 
_ بتحبيني يا ندي؟.

عقدت ما بين حاجبيها بتعجب ودهشة: 
_ مالك يا حبيبي،  عمال تسألني أسئلة المفروض أنت عارف إجابتها.

تنهد وتجلت إبتسامة لاتعلم أن كان سعيداً أم ماذا! : 
_ أنا بس بحب أسمعها منك.

نهضت من جواره لتعتليه ومازالت تحتفظ بالدثار عليها فقامت بجمع خصلاتها الغجرية وألقتها علي جانب واحد أعلي كتفها الأيسر لتظهر له ترقوتها من الجهة اليمني وأتضح عليها وشم أسود بالحناء: 
_ أيوه يا أكرومتي بحبك وبخاف عليك، لأنك حبيبي و جوزي وأبو بنتي.

رد عليها وعينيه علي الوشم يحاول قراءته: 
_ أوعديني يا ندي إن عمرك ما هتخبي عليا حاجه تاني مهما حصل.

فاجئتها كلماته،  ظنت لوهلة إنه قد علم بأمر الرساله الأخيرة،  لكن كيف وهي قد حذفتها!  ،  لاتريد أي شئ يعكر صفو حياتهما مرة أخري،فهي تدرك مدي غيرته القاتلة عليها وخاصة من هذا المدعو علي، أرادت إخفاء توترها  فأنحنت للأمام حتي كاد صدره يلامس خاصتها وتفوهت أمام شفاه: 
_ أنا عارفه إنك ممكن تكون لسه زعلان مني أو متضايق من كل الي حصل،  بس أوعدك أن عمري ما هخبي عليك أي حاجة تاني.

أمسك طرف ذقنها وقال بهيام وعشق: 
_ أفتكري كويس إنك وعدتيني.

هزت رأسها بالإيجاب،  ضيق مابين حاجبيه بإستفهام: 
_ ده أي الي مرسوم علي رقبتك؟.

أجابت بدلال وأناملها تداعب خلف أذنه: 
_ ده تاتو بس بالحنا السوده روحت رسمته في البيوتي سنتر الي في الشارع الي ورانا.

وجدت ملامحه يسودها التجهم ليتحول إلي الغضب يجذبها من عنقها:
_ وياتري عشان ترسميه روحتي قلعتي حجابك وهدومك عشان يرسمولك التاتو!.

أزدردت ريقها بخوف من إنقلابه المفاجئ،فأجابت بتردد:
_ لاء، لاء، قصدي أنا خلعت بس الحجاب وخلتني بالبندانه والشيميز نزلته شويه من علي كتفي يعني مقلعتش حاجه، وبعدين ده في قسم المحجبات يعني كل الي هناك بنات وستات بس.

هزها بقليل من العنف:
_ برضو لاء، أول وآخر مرة تعملي حاجة زي كده تاني، عايزه ترسمي زفت أجب لك واحدة لحد البيت وكمان متقلعيش قدامها، محدش يشوف خصلة منك غيري أنا ومحارمك بس، أنتي فاهمه؟.

أومأت له بطاعة:
_ حاضر.

ترك عنقها و أطلق زفرة من أعماقه ليعود مرة أخري ينظر إلي الوشم فجعلها دنت إليه:
_ وأي المكتوب ده.

أجابت بدلال:
_ بعشقك يا أكرم، بس بالاتيني.

_ امم، لاتيني!،قربي كده لما أتأكد بنفسي.

أطلقت ضحكة أثارت كل حواسه فجذبها إليه وأنقض علي موضع الوشم بشفاه تاره وبأسنانه تارة أخري لكن بقليل من العنف، فأخذت تتأوه:
_ آه، حرام عليك سنانك بتوجع.

قال من بين قبلاته علي جيدها:
_ عشان تحرمي تكرريها تاني.

أطلقت صرخة يصاحبها ضحكات:
_ خلاص، خلاص حرمت والله.

و في الشقة المقابلة لمنزلهم يصدر صوت مزعج كان لحفار يثقب الجدار، يقوم به عمال صيانة التكيف، فهبط أحدي الجيران من الطابق الأعلي وعلي ملامحه الضجر:
_ يا عم خضر، أنت يا عم خضر.

خرج له عم خضر حارس العقار:
_ نعم يا رأفت بيه.

_ أي صوت الحفر ده والساعة 12 بالليل!، مش عارفين ننام و أمي ست مريضة ومش حمل أي صوت مزعج، الكلام ده مينفعش غير بالنهار.

رد خضر بإعتذار:
_ حقك عليا يا رأفت بيه، ده عمال الصيانه بيركبو التكيفات في الشقه عشان الساكن الجديد جاي بكره  الصبح هيقعد فيها.

زفر رأفت بسأم وقال:
_ طيب معلش كلمه وقوله يخليهم يكملو بكره.

أجاب خضر علي مضض:
_ حاضر.
وأتجه إلي داخل الشقه يتمتم:
_ وأنا مالي ومال الأرف ده كله.

أخرج هاتفه من جيب بنطاله ليهاتف الساكن الجديد:
_ الو.

أجاب الآخر وهو يقود سيارته بعد أن ضغط علي زر الإجابة في عجلة المقود:
_ أيوه يا عم خضر، في حاجة؟.

_ أه يا بيه، الجيران بيشتكو من صوت الشنيور الي شاغلين بيه العمال.

ألتقط من الكرسي المجاور له سيجاره و وضعها بين شفتيه:
_ خلاص قول للرجالة يوقفو شغل لحد كده ويجو بكره الصبح يكملو.

_ حاضر يا بيه، مع السلامة.

ضغط الآخر علي زر إغلاق المكالمة الموجود في المقود أيضاً، قائلاً بعدما قام بإشعال سيجاره وزفر دخاناً كثيفاً بدأ يتلاشي ويظهر صاحبه من بين سُحبه، ألتمعت عينياه ذات لون العسل بالتوعد والشر  :
_مبقاش أنا إما وريتك من هو علي الحسيني  يا ندي هانم!.

_ بعدما أنتهت ليلتهم الشاعرية في مطعم البرج، عاد كليهما إلي المنزل الحجري تركها و دلف إلي غرفة المكتب لمراجعة أعماله علي الحاسوب،  بينما هي صعدت لأعلي يرهقها التفكير في كيفية التخلص منه في أسرع وقت،  فحدسها يخبرها أن تغيره الطارئ ليس سوي تمثيل زائف وما خفيا كان أعظم.
أطمأنت أن لايوجد في الغرفة سواها فخلعت ثيابها و ولجت إلي المرحاض للإستحمام،  تشعر بالتعب وتريد أخذ قسطاً من الراحة أو تخلد في نوم عميق تهرباً من واقعها المؤسف وعاصفة الأفكار التي تطيح بعقلها المصدوم منذ ليلة زواجها وحتي الآن.
وبعد أن أنتهت وأرتدت منامتها، سمعت صوت خطوات قادمة إلي الغرفة، وثبت علي الفراش وتصنعت النوم حتي لايكمل معها تلك الليله الملعونة بالنسبة إليها.
طرقات علي الباب يتبعها صوت أنيتا الخادمة: 
_ سيدتي،  العشاء جاهز بالأسفل.

لم تجب الأخري عليها برغم طرق الخادمة الباب مرة أخري حتي ذهبت،  أطلقت زينب زفرة عميقة ثم تمددت بأريحية علي جانبها،  فأنتبهت لطرقات مرة أخري لكن تبعها فتح الباب،  علمت إنه هو، أغمضت عينيها للتو.

دخل الغرفة و ملامحه يسودها جمرات الغضب العاتية،  صدره يعلو ويهبط، لو أطلق زفرة لتوه لأحرقت كل مايقابلها.
ألقي نظرة عليها وأقترب منها و أخذ يحملق بها،  ظن إنها تغط في النوم، حاول إلهاء نفسه في تأمل ملامحها البريئة ليبعد تلك الأفكار السوداء والوساوس المميته عن رأسه.
صدح رنين هاتفه في جيبه فأخرجه ليري المتصل وقبل أن يجيب أطلق سبه بذيئة وأتجه إلي الشرفة المطلة علي الحديقة.
(الحوار مترجم )
المتصل:  _ سيدي لقد كان مختبئ في متجر بيع الخمور الخاص بسيد دانيال.
أشتد ظلام عينيه وتفوه بنبرة مخيفة لاتنبأ بخير بتاتاً:
_ حسناً،  أجلبه لي الآن.

أغلق المكالمة ليجري أخري،  ولايشعر بالتي تقف خلفه بمسافة قليلة تسترق السمع.

تحدث في هاتفه مرة أخري: 
_ أطمأن قبضنا علي الرجل الذي سيوصلنا إليهم.
.......
_ أعدك بمجرد وصوله سأجعله يخبرنا بكل شئ.
أغلق مكالمته و تنهد بقوة،  ينظر إلي السماء التي تزينها النجوم المتلألأه،  وقبل أن يستدير ويعود للداخل كانت هي عادت إلي مضجعها وأغمضت عينيها،  شعرت بخطواته وهو يذهب إلي المرحاض ليستحم.
وبعدقليل خرج مرتدياً مأزره القطني ويجفف خصلاته السوداء بالمنشفة وعينيه تجول عليها، خطي نحوها وهو يعلم إنها مستيقظة، لما تتهرب منه بتصنع النوم!.
جلس بجوارها فوجدها ترتجف عندما شعرت بقربه الشديد منها، تفرقت شفاه وكاد يتحدث لكن قاطعه هاتفه ليجد المتصل إحدي رجاله المتناثرين بالأسفل.
أجاب وقال له الرجل: 
_ نحن في إنتظارك سيدي.

أجاب سليم : 
_ أنا قادم الآن.

نهض من جوارها ليرتدي ثيابه و تناول سيجاره وقداحته ثم غادر الغرفة، قامت علي الفور لتلحق به لديها رغبة لمعرفة ما الذي يحدث بالأسفل،  كم هي حمقاء لاتعلم أن الفضول قد قتل القط!  .
_ وبالأسفل في ذلك المخزن الملحق خلف المنزل،  يقف هذا المسكين ملتصق بالعمود الخشبي ويقوم رجال سليم بتقيده بالسلاسل والأغلال الحديدية.
أخذ يصرخ بطلب النجده، فقام إحدي الرجال بلكمه في وجهه ليكف عن الصراخ،  حتي فُتح الباب الحديدي وهنا وقف كل من بالمكان بإحترام لهذا الذي دخل للتو،  رفع ذلك المُكبل رأسه بصعوبه ليري أسوأ ما ينتهي إليه مصيره.
جحظت عينيه رعباً وكأنه يقف أمام الجحيم ، مَنْ فيهم لايعلم بسليم العقبي المُلقب بالشيطان في عالمهم الأسود، و ألف رثاء علي الذي يقع ضحية بين يديه، فنهايته محتوم أمرها بمجرد ذكر إسم معذبه.
أطلق سليم صوت صفيراً علي هيئة نغمات كما يفعل كل مرة مع ضحيته، وكأنه سيقوم بعمل فني كالرسم والنحت وليس تعذيب.
جذب كرسي ليجلس عليه بعكسه،  حيث ظهر الكرسي مقابل لصدره، وكان علي بعد مسافة من  الرجل المقيد كفيلة أن يري ملامح سليم التي دبت الرعب في كل خلايا جسده فأخذ يرتجف بقوة.
كف الآخر عن الصفير ليسأل بالإنجليزية الأمريكية: 
(الحوار مترجم)
_ أين البضاعة التي أختطفتموها؟.

أزدرد ريقه و أجاب بإستنكار: 
_ بضاعة ماذا؟.

هز رأسه وأطبق شفتيه، فنهض عن الكرسي: 
_ بضاعة ماذا!  ، أنت الذي حددت ما سأفعله معك لا تشتكي الآن.

أدرك الآخر ما يرمي إليه،  فصرخ لإيقافه عن أي شئ مُقبل عليه:
_ لا،  لا،  أرجوك سيد سليم دعني وشأني، لا أستطيع الإفصاح عن أي شئ، لو أخبرتك سوف أُقتل.

وبالخارج كانت تتسحب علي أطراف قدميها لتري مصدر تلك الهمهمات والصراخ الآتيه من المكان الذي كانت معاقبة به منذ يومين.
خفق قلبها وجلاً عندما وصلت إليها صرخات هذا المُعذب بالداخل،  وبدون أن تلفت إليها إنتباه الحراس المتراشقون في كل الأرجاء،  أختفت ما بين الأشجار حتي وصلت إلي المخزن و وقفت تري مايحدث من خلال شق متصدع في الجدار.

وعودة إلي الداخل،  يمسك سليم سلاحاً ذو نصل حاد يغرز سنه المُدبب في صدر الآخر فأطلق صرخة من الألم الغير محتمل،  وقبل أن يبدأ في تشريحه حياً هدر به بصراخ مرعب: 
_ أنطق أيها الغبي بدلاً من أكمل تشريح جلدك و لحمك وأطعمه لك غصباً.

يلتقط أنفاسه بلهاث ولعابه يسيل من فرط الألم غير قادر علي التفوه ولو بحرف مما أثار غوار سليم الذي شرع في تهديده.

شهقت من هول ما تراه فكممت فاهها حتي لايسمع صرختها أحداً، تأكدت للتو إنها متزوجة من رجل سفاح قاتل، يحاول أن يظهر لها بمظهر الرجل ذو المشاعر الرومانسية والقلب الحنون لإستمالة قلبها ومشاعرها نحوه لكن ما حدث الآن كشف لها عن جانبه المظلم الحالك.
أنتابها الشعور بالغثيان،  تراجعت إلي الوراء لتفرغ ما بجوفها، أرتمت علي الأرض في وضع الجثو لتجهش في البكاء كلما تذكرت أن شقيقها قد باعها لهذا المجرم غير مكترث بحقيقته وماذا يمكن أن يفعل بها من أذي،  تتخيل نفسها مكان هذا الرجل وسليم يغرز السكين في جسدها،  ليتها ما أطلقت لمخيلتها العنان،  فالواقع أسوأ بكثير من الخيال.

وفي تلك اللحظة قد حسمت قرارها عليها تركه أو الهروب منه حتي لا يأتي يوماً وتكون أشلاء علي يديه حينها الموت منتحرة أفضل بكثير.

أفزعها صوته الذي دب الرعب في أوصالها:
_ بتعملي أي هنا؟.
1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وفي أرض الكنانة، بداخل إحدي الفنادق الشهيرة في محافظة قنا، يتمدد علي السرير ومازال مرتدياً حُلته السوداء، وهي تجلس بجواره بثوب زفافها، تداوي له جرحه أثر هبوط العصا علي رأسه، تأوه حينما نثرت المطهر علي جرح جبهته، فقالت:
_ حجك علي يا حبيبي، والله ماكنتش أقصد واصل.

صمت ليرمقها لحظات ثم أمسك بيدها التي تداويه قائلاً:
_ أنتي قولتي أي؟.

أجابت بعفوية:
_ مكنتش أقصد.

أنفرج ثغره بإبتسامة:
_ لاء الكلمه الي قبلها.

فهمت مغذي سؤاله، فأجابت بمكر:
_ جولت والله ماكنتش أقصد.

زمجر بحنق:
_ سمية، بطلي لؤم أنتي فاهمة أنا بسألك عن أي كويس.

ضحكت وقالت:
_ أباه عليك، أني بهزر وياك ماتبجاش مزرزر إكده.

غر فاهه وسألها بتعجب:
_ أي مزرزر دي كمان؟.

_ يعني بتتنرفز بسرعة، كيف عصبي حداكو في البندر.

نهض بجذعه وحاوط خصرها متفوهاً بهيام:
_ إحنا هنقضيها تغير علي الجرح وتفسير مصطلحات وتضيع علينا أحلي ليلة في حياتنا.
1

رمقته بتوتر وخجل وهي تنهض:
_ رايد نسوي أي يعني؟.

أمسك برسغها لمنعها من الإبتعاد عنه وغمز بعينه مبتسماً:
_ تعالي هنا رايحة فين، ده أنا ما صدقت إننا أتجوزنا وبقيتي مراتي.

تمتمت بداخل عقلها:
_ وأني كمان ما مصدقه حالي و الود ودي أترمي في حضنك وأعطيك بوسه كيف بتوع السيما.
1

أنتبهت علي جذبها إليه ليجلسها علي فخذيه:
_ ما بترديش ليه كده وواقفه سرحانه؟.

هزت رأسها بإستنكار وبدون أن تنظر في زرقاويتيه قالت:
_ أني بس أ....

قاطعها و هو يمد يده إلي حجابها في محاولة فكه:
_ أنا عارف إنك مكسوفة ومتوترة وخايفة زي أي بنوتة في أول ليلة جوازها.

هزت رأسها لتؤكد علي كلماته، و وجنتيها تزداد حمرتها، فأبتسم علي ردة فعلها التي تجعله يشتهيها ويريد نهمها كالفاكهة.
أمسكت بيده لتمنعه عن فك حجابها ورمقته برجاء ولطف:
_ممكن قبل أي حاچة نقوم نتوضو ونصلي ركعتين لأچل ربنا يبارك بينتنا ويبعد عنا الشيطان؟.

في كل موقف وكل كلمة لها يزداد إعجابه بها، حدجها بإبتسامة تنضح من زرقاويتيه فأجاب بكل ترحاب وقبول لطلبها:
_ طبعاً بس..

صمت وهو يحك فروة رأسه بحيرة من أمره.
_ بس أي؟.

سألته بعدم فهم فأجاب عليها بخجل:
_ مش هعرف أصلي.

غرت فاهها وقالت بتلقائية وبأسلوب فكاهي:
_ حداك عذر إياك؟.
وضحكت رغماً عنها، فعقد مابين حاجبيه وأجاب بإمتعاض:
_ لاء يا ظريفة، أنا قصدي مش هعرف أصلي بيكي أمام، مش متذكر أركان الصلاة أوي وخايف أتلغبط.
2

أتسع فمها أكثر من التعجب والدهشة فقالت بمزاح ساخر:
_ هو الوالد والوالدة معلمكش تصلي كيف؟.

أغمض عينيه لثوان وتذكر والده الذي لم يهتم لأمره يوماً ولم يعلمه أمور دينه بل كان والده تاركاً للصلاه.
أومأ علي سؤال زوجته بالنفي و رأت الحزن في عينيه فأرادت تغير الأجواء فاخذت تتمتم مازحة:
_أبوك معلمكش الصلاة وهملك إكده وأتلاجيت بسليم زعيم كفار قريش وبجيتو أصحاب وحبايب، ياخوفي لتطلع في الآخر مُلحد، يبجي إكده المرار الطافح الي عيشته طول حياتي ختمها بخازوق أزرج كيف لون عينيك.
2

لم يفهم من حديثها شيئاً:
_ أنتي عماله تبرطمي بتقولي اي؟.

أمسكت بيده وقالت:
_ جوم بس الأول وروح أتوضي، عقبال ما أغير الفستان لأچل هتوضي وقبل مانصلي هجولك كيف تصلي وبيا كمان، أتفجنا؟.

أمسك بكفها وطبع بداخل راحته قبلة عاشقة:
_ أتفقنا يا حياتي.

_ وبعد مرور دقائق وقفت أمام المرآه تغلق مشبك الحجاب بعدما أبدلت ثوبها بإسدال للصلاة وتوضأت، وكذلك هو بعد إنتهاءه من الإستحمام وأرتدي ثياباً قطنية، وقف خلفها يحدق في ملامحها التي تزداد جمالاً وإشراقاً كلما ينظر إليها.
أستدارت إليه لتنتشله من شروده ونظراته التي تخترقها، فقالت:
_ رايده منك تركز وياي زين جوي، ماشي؟.

أومأ لها قائلاً كتلميذ نجيب:
_ يحضرلك الخير يا حبيبي.

أتسعت إبتسامته فأزداد وسامة أكثر، صاحت في وجهه:
_ لاء بجي، إكده مينفعش عاد.

حدجها بعدم فهم مندهشاً:
_ فيه أي؟.
تمتمت بدون أن يسمعها جيداً:
_ فيه حاچات كتير، أعلمه كيف نصلي وهو عمال يبحلق فيه بعينيه الزُرج دول، أستغفرالله وأتوب إليه.

زفر بنفاذ صبر قائلاً:
_ أنتي عماله تكلمي نفسك بتقولي أي؟.

ضحكت وأجابت:
_ بجول يلا نخلصو في ليلتنا الي مافيتاش دي.

وقفت أمامه تخبره وتعلمه كيفية أداء الصلاة، بينما هو كان ينظر إليها ويشعر بأن ما بداخله قد تعدي مرحلة الإعجاب بل الحب أيضاً، تعلقه وشعوره نحوها أصبح تعلق عاشق بمعشوقته، الفتاة الوحيدة التي وجد فيها كل ما يتمناه، فقربه منها يشعره بالدفء والحنان الذي لم يجدهما حتي في أقرب الناس إليه.

أفاق من شروده علي قولها له:
_ يلا لأچل تصلي بيا إمام، تعرف ولا ماتعرفش؟.

هز رأسه مبتسماً:
_ هاعرف إن شاء الله.

تقدمها بخطوة وهي خلفه فرفع صوته:
_ الله أكبر.
وبدأ بتلاوة آيات سورة الفاتحة في خشوع، يشعر برجفة تسري في عروقه وطمأنينة وسكينة تملأ قلبه كلما نطق لسانه بآيات الذكر الحكيم والقيام بكل ركن كالركوع والسجود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ وصل مبكراً أمام المركز الصحي الخاص بسكان النجع،  ترجل من سيارته وهو يمسك بهاتفه لا يكل ولايمل عن الإتصال عليها ولم يجد إجابة،  يريد الإطمئنان عليها ويخشي الذهاب إلي منزلها ويحدث سوء تفاهم ينتهي بكارثة أو يسبب لها مشكلة مع أسرتها.
ركضت نحوه مساعدته عندما رأته:
_ صباح الخير يا دكتور.

أغلق شاشة هاتفه و وضعه في جيب بنطاله:
_ صباح النور يا مديحة، فيه حالات النهاردة؟.

سارت خلفه وهي تجيب عليه:
_ أيوه يا دكتور، عشر حالات حاچزين تذاكر ومستنين حضرتك.

ألقي نظرة علي ساعة معصمه:
_ طيب خمس دقايق ودخليلي أول حالة وياريت ماسمعش خناقات زي كل مرة، إحنا مش في طابور عيش.

أومات له:
_ أمرك يا دكتور.

ولج إلي داخل الغرفة وخلع سترته وألتقط مأزره الطبي المعلق علي المشجب ليرتديه، جلس خلف مكتبه وأطلق تنهيدة حارة متمتماً:
_ ياتري أنتي عاملة إيه يا فاطمة!.

أرتفعت الأصوات بالخارج بين صياح المساعدة و رجل يريد الدخول إلي الطبيب عنوة:
_ لو سمحت يا فندم جولتلك روح اجطع تذكرة بچنيه وأستني دورك.

أجاب الآخر بصياح:
_ أفندم أي يا أبله شيفاني لابس بدله إياك، بجولك أمي تعبانه ومجدراش تيچي المركز أهنه.

_ والدكتور عنده حالات دلوق ومينفعش يهملهم ويچي وياك.

خرج يحيي ليري ما الأمر:
_ أي الدوشه دي يا مديحة؟.

وقبل أن تتفوه بكلمة ركض إليه هذا الرجل ذو المظهر الغريب وقال بتوسل وشيك علي البكاء:
_ أبوس يدك يا دكتور أمي بتموت، مجدراش تاخد نفسها وماعرفش أچيبها أهنه ماتستحملش الحركة واصل.

ربت الآخر عليه ليطمأنه وقال:
_ أهدي كده إن شاءالله خير، إستناني هادخل أجيب شنطتي وجاي معاك.

رفع يديه لأعلي وأخذ يدعو:
_ الله يباركلك يا دكتور ويخليك لينا قادر يا كريم.

أرتدي سترته وأخذ حقيبة أدواته الطبية وغادر برفقة الرجل ذو الملامح المريبة، وعند وصوله إلي سيارته سأله :
_ البيت قريب ولا بعيد عن هنا؟.

أجاب الآخر:
_ قرب المعبد مش بعيد جوي يعني.

فتح باب سيارته وقال:
_ طيب أركب بسرعة.

وبعد دلوف كليهما إلي السيارة أنطلق بها حتي توقف امام منزل قديم في منطقة نائية عن المنازل الأخري.
_ أيوه هو ده بيتنا يا دكتور.

أشار يحيي إليه لينزل من سيارته:
_ ممكن تنزل عقبال ما اركن العربية علي جمب وأحصلك.

أرضخ الرجل لطلبه حتي لايشك في أمره وعندما لحق به الآخر، وجد باب المنزل يُفتح من الداخل.
_ أتفضل أدخل يا دكتور.

وبمجرد قدمه تقدمت بخطوة إلي الداخل دفعه الرجل بقوة، وكان يوجد آخر ينتظرهم هبط علي رأسه بعصا غليظة جعلته يفقد وعيه في التو.

_ وفي مكان آخر، أستيقظ بفزع بعدما ألقي علي وجهه دلو من الماء، أرتفع شهيقه ليلتقط انفاسه.

_ أخرچو أنتو يا رچالة، رايد أجعد ويا الدكتور لوحدنا، بينتنا حديت كتير.

قالها رافع الذي وقف أمام يحيي المقيد في الكرسي بأحبال قوية، يحدجه بنظرات نارية قاتلة:
_ مش هاستغرب من خطفك ليا، مش جديد ولا غريب علي مجرم زيك.

قهقه رافع عائداً برأسه إلي الوراء حتي ظهرت كل أسنانه، تحدث بهدوء مضاد للنيران المندلعة بداخله ود لو أطبق علي عنقه بقبضته حتي تفارق روحه جسده، لكنه لم يفعل ذلك سوي بعد معرفة مكانها أولاً.
_ أني مچرم ويا الي يعاديني ويحاول ياخد حاچة تخصني يا دكتور.

رمقه بعدم فهم ما يشير نحوه بكلماته المبهمة فقال:
_ تقصد أي بكلامك؟.

كشر الآخر عن أنيابه ليكشف له عن وجهه القبيح، دنا إليه و حدجه بنظرة مخيفة تخبره أن إنكار الأمر ليس في صالحه قط:
_ فين فاطمة يا يحيي؟.

تجلت الصدمة علي ملامحه، هل هذا الأخرق يتهمه بإختطاف مجبوبته!.

_ ما عرفش.
إجابة مقتضبة، وعينيه تنضح بصدقه، لكن رافع لايريد رؤية ذلك، فكل ما يجول في رأسه أن فاطمته قد هربت بمساعدة هذا المُكبل أمامه.
شبح إبتسامة لاحت علي محياه ولم تصل لقاتمتيه المظلمتين، خلع عبائته و وضعها جانباً ثم رفع أكمام جلبابه لأعلي ليباغته بللكمة قوية وبصياح هادر:
_ فاطمة فين يا إبن ال........

أطلق صرخة قوية من شدة اللكمة مما جعله يشعر بحطام عظام فكه السفلي وتذوق دماءه بداخل فمه، أخذ يتنفس بلهاث وبتهدج واضح اجاب:
_ والله.. العظيم.. ما أعرف.. عنها حاجة.

ألتقط أنفاسه بصعوبة بالغة من فرط الألم الذي يداهمه بقوة، فأردف:
_ من وقت ما كنا في النادي وأنت جيت وأتضايقت مني ومنك وسابتنا ومشيت، قعدت أتصل بيها تليفونها مقفول، وبعدين مش أنا الي يخطف أو يحرض واحده إنها تهرب من أهلها، الي مرضهوش لأخواتي البنات مرضهوش علي بنات الناس.

لوهلة تأكد من صدق كلماته، أخرج زفرة عميقة من جوفه وهو يرجع خصلاته إلي الوراء، كاد عقله يجن من كثرة التفكير، توقف عن الذهاب والأياب ليلتفت مرة أخري له:
_ لو حديتك طلع صوح وأنت ملكش يد في غيابها، يبجي ده معناته أي!.

حدقه بإزدراء و رد علي حديثه بتهكم :
_ معناه أنك تروح تشوف مين الي عايز ينتقم منك في فاطمة، وأنت ماشاء الله أعداءك كتير.
1

أنقض علي ياقة قميصه ويجذبه منها هادراً به:
_ تعرف لو طلعت بتكدب عليا هسوي فيك أي عاد؟.

رمقه بسخط قائلاً:
_ أنا دلوقت عرفت أنها ليه مرضتش تتجوزك.

هزه بعنف فهدده:
_ أخرس بدل وقسماً بالله لأجطع لك لسانك وأبلعه لك، ولعلمك بجي أنت هاتفضل مشرفنا أهنه لحد ما ألاجيها، وكيف ما جولتلك لو طلع ليك علاقة بإختفاءها لأكون دفنك مطرحك حي.

قالها وتركه ثم بصق جانباً، أرتدي عبائته وأمسك بعصاه منادياً:
_ تعالي يا زفت منك له.

دلف رجلان فقال كليهما:
_ أمرك يا كبير.

_ عينكم عليه ولو حوصل حاچة بلغوني علي طول.

أومأ أحدهما:
_ أمرك يا رافع بيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أستيقظت من نوم عدة ساعات لتجده يدلف إلي الغرفة يرتدي مأزره القطني،  يبتسم إليها: 
_ يلا قومي يا كسلانة.
تثائبت واضعة كفها علي فمها ثم قالت بصوت به آثار النوم: 
_ صباح الخير.

فتح الخزانة وأخذ حقيبة سفر و وضعها علي طرف السرير: 
_ إحنا بقينا الضهر.

نهضت بجذعها ثم سحبت هاتفها من جوارها علي الكمود تنظر في شاشته: 
_ ياه إحنا بقينا الضهر فعلاً.

رمقته بإستفهام وأردفت بتساؤل: 
_أنت مسافر ولا أي؟.

وضع أخر قطعة ثياب فأغلق سحاب الحقيبة، وأجاب:
_ للأسف جالي تليفون الصبح بدري إن أجهز نفسي لمهمة في جنوب سينا يا عالم هنقعد أد اي هناك.

أمتعضت ملامحها قائلة:
_ كل ما نقضي لنا يومين حلويين يجي شغلك الرخم وياخدك مني، حاجة آخر أرف، أوف.
زفرت بتأفف.
خطي نحوها وجلس بجوارها ليمسك وجنتها بأنامله:
شغلي الرخم والمؤرف ده، مضطر أستحمله عشان أجيب لكم كل الي نفسكم فيه، مفيش حاجة حلوة بتيجي بالساهل، صح ولا كلامي غلط؟.

أرتمت برأسها علي صدره وقالت بدلال:
_ صح يا أحلي بابا، ربنا يقويك ويعينك وما يحرمناش منك أبداً.
2

قام بتقبيل رأسها ومربتاً علي ظهرها:
_ أحلي دعوة من أجمل شفايف.

رفعت وجهه لتنظر له بإبتسامة أثارت جميع حواسه:
_ بذمتك شفايفي بس الي جميلة.

رفع حاجبيه بدهشة:
_ مش مصدق نفسي يا جدعان، ندوش حبيبتي الي كانت بتتكسف من خيالها بقت تقول كلام منحرف!.

لكزته في صدره قائلة:
_ طب أوعي بقي يا رخم.

فكادت تنهض فأمسك بساعدها ليجلسها علي فخذيه محتضناً خصرها بزراعيه:
_ تعالي هنا بهزر معاكي، وعايز أقولك مش شفايفك بس الي جميلة حاجات كتير أولاً روحك الحلوة وقلبك الحنين وحاجات تانيه كتير هبقي هقولك عليهم عملي.
و غمز لها بعينه وأردف:
_  بس لما أرجعلك بالسلامه عشان يا دوب هقوم ألحق ألبس لأن فيه عربية هتعدي عليا بعد ساعة.

زمتت شفتيها بحزن وعانقته بقوة:
_ هتوحشني أوي يا حبيبي.

بادلها العناق قائلاً:
_ وأنتي هتوحشيني أكتر  وكمان لارا، أبقي قوليلها بابي لما يرجع هيوديكي الملاهي وهيشتريلك العروسة الي بتحبيها وعلبة شيكولاتة كبيرة.
3

أبتعدت عن صدره لتعانق وجهه بكفيها تنظر في رماديتيه بعشق و وله:
_ أنا مش بحبك وبس، أنا بعشقك أوي يا أكرم.
أقتربت بشفاها لتهبط علي خاصته بقبلة مليئة بمشاعر تفيض عشقاً وهياماً.
2

أنسحبت بتروي، فقامت:
_ هاروح أحضرلك الفطار بسرعة.

أمسك يدها ليوقفها قائلاً:
_ أنا حضرت فطار وكلت وسبت لك الباقي في الميكرويف.

جذبته من شحمة أذنه برفق مازحه:
_ ليك قلب تفطر من غيري!.

ضحك قائلاً:
_ كنت هاموت من الجوع ولاقيتك في سابع نومه، مرضتش أصحيكي، قولت سيبها نايمه حرام عليك دي شقيانه معاك طول الليل لحد الفجر.

أبتسمت بخجل مما جعل وجنتيها تشتد توهجاً وحمرة، كم يعشق تلك الحمرة علي وجنتيها التي تشبه ثمرات التفاح الأحمر القاني.

_ ممكن تسيب أيدي أروح أخد لي دش عشان أفوق وأحضرلك بقيت حاجتك؟.

تمتم بالنفي:
_ توء توء، أنا خلاص حضرت حاجتي وبلبس في خمس دقايق، يعني فاضلي حوالي خمسين دقيقة من دلوقت، ياتري هعمل فيهم أي، هاتعمل فيهم أي يا واد يا أكرم.

كانت ترمقه بضحك علي أسلوب حديثه المازح، ففاجئها بجذبها إلي الفراش:
_ تعالي لما أقولك أيه الي أجمل من شفايفك.

_ يا مجنون.
صاحت بها و أخذت تضحك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ خد بالك من نفسك ومتقفلش موبايلك عشان أطمن عليك.
قالتها ندي وهي توصله إلي الباب.

ألقي نظرة علي هيئته قبل أن يغادر:
_ حاضر.
تمم علي سلاحه و وضعه في حافظته المعلقة ببنطاله

_ وأبقي خد بالك من أكلك ومتهملش أي وجبه عشان صحتك.

تنهد وقال:
_ حاضر،فيه حاجه تاني؟.

وقفت أمامه وأبعدت شئ ما قد تعلق علي كتفه:
_ آه، فيه أن أنا بحبك موت.

أنحني برأسه ليرسم علي شفاها قبلة ناعمة وقال:
_ وأنا بعشقك بجنون، خدي بالك من نفسك، كلمي مامتك خليها تيجي تبات معاكي اليومين دول.

أطبقت شفتيها بأسف:
_ ماما من وقت ما مشيت من عندها من وراها وهي زعلانة أوي مني ومبتكلمنيش.

ربت عليها بمؤازره قائلاً:
_ حقك عليا يا حبيبتي أنا السبب، لما أرجع إن شاءالله هابقي أروح لها وأتكلم معاها، مهما كان هي في مقام والدتي وميرضنيش زعلها.
1

عانقته بكل حب وعشق تكنه إليه:
_ ربنا ما يحرمني منك أبداً.

صدح هاتفه برنين، فنظر إلي شاشته ليجد المتصل سائق السيارة المنتظرة أسفل البناء.
_ أسيبك أنا بقي العربية مستنياني تحت.

فتح الباب فذهبت خلفه:
_ لا إله إلا الله.

رد قائلاً:
_ محمد رسول الله، خشي جوه وأقفلي علي نفسك، فيه عمال في الشقة الي قصادنا.

أومأت له بطاعة وبمزاح قالت:
_ تمام يافندم.

_ مع السلامة.
أوصدت الباب كما أمرها وعادت إلي الداخل، بدأت في أعمالها المنزلية اليومية حتي أنتهت منها و داهمها الشعور بالتعب، فدلفت لتغفو قليلاً.
لم تكمل غفوتها الخمس دقائق حيث أستيقظت بفزغ علي صوت مثقاب في الجدار المشترك بينها وبين الشقة المقابلة لهم.
زفرت بسأم من ذلك الصوت المزعج، وضعت وسادة علي رأسها لكن لا محالة مازال الصوت مزعجاً بل تشعر بذبذبات المثقاب.
صدح رنين هاتفها فتأففت:
_ أوف بقي، و ده مين الي بيتصل.

أجابت علي المتصل:
_ نعم يا عم خضر فيه حاجه؟.

_ معلش يا مدام ندي وآسف علي إزعاج حضرتك ممكن تشوفي الميه شغاله عندكم ولا لاء؟.

عقدت مابين حاجبيها فسألته:
_ الميه هتقطع ولا أيه؟.

_ لاء بس السباك الي كان شغال في الشقة الي قدامكو كان بيركب وصلات مواسير جديدة  بدل القديمة الي باظت والظاهر طلع غبي ومبيفهمش حاجة وبوظ الدنيا وحضرتك زي ما عارفه أن مواسير الميه مشتركة مابين الشقتين.

صاحت بغضب: 
_ وأنت كنت فين يا عم خضر من كل ده،  سايب كل واحد بيشتغل علي مزاجه!.

_ والله يا مدام ما كنت أعرف،  حتي البيه الي مأجر لسه جاي و......

قاطعته وهي تجز علي فكها: 
_ طب أقفل وأنا هاتصرف.
أغلقت المكالمة علي الفور وهي تزفر قائلة: 
_ أبتدينا الأرف بقي،  ما كانت الشقة فاضية ومرتاحين.

أرتدت وشاحها وقررت الذهاب لتضع حداً لما يحدث،  غادرت منزلها لتجد باب الشقة المقابلة مغلقاً،  ضغطت علي زر الجرس وأنتظرت لثوان فكادت تضغط مرة أخري، فُتح الباب فأندفعت بالقول بحدة: 
_ الي بيحصل ده يا.....

تسمرت وصمتت كأن أصابها الخرس، يقف بكامل هيئته أمامها وبتحدي سافر يحدجها وكأن عينيه تقول لها أرني ماذا لديك!.
أصابتها صدمة، ولا تغفل تلك الإبتسامة المتوعدة التي تملأ ثغره: 
_ كنتي فاكراني بهددك وخلاص في آخر رسالة بعتهالك؟.
وقبل أن تجيب علي كلماته الإستفزازية سمع كليهما صوت المصعد يتوقف في الطابق،  جذبها  للداخل لديه وأغلق الباب.
صاحت به: 
_ أنت بتعمل أي؟.

كمم فاها وقال: 
_ أهدي كده و وطي صوتك بدل ما حد يسمعنا من الجيران.

جزت علي شفتها بحنق شديد: 
_ يا بجاحتك يا أخي،  وكمان مش مكفيك الي عملته فيا وفي حياتي الي كانت هتتخرب علي إيديك جاي بكل وقاحة تسكن قصادي،  للدرجادي بايع روحك!،  مش خايف لجوزي يشوفك ويقتلك!  .

أمسكها من عضديها و دفعها إلي الحائط: 
_ أه بايع روحي،  سابق وقولتلك أنتي ملكي يا ندي وهاتبقي بتاعتي أنا،  أنا سكت بس الأيام الي فاتت لما تعبتي ودخلتي المستشفي،  والظاهر أفتكرتي سكوتي إن بعدت وأستسلمت،  دلوقت جيت لك عشان أثبت ليكي إن لسه علي وعدي وكلامي.

دفعته في صدره بكل قوتها: 
_ أفهم بقي،  الي فيه ده ما اسمهوش حب ده مرض نفسي ولازم تتعالج منه.

تحولت ملامحه إلي وحش كاسر شديد الغضب،  أصبحت عروق عنقه بارزه، يزفر أنفاسه وكأنها ألسنة لهب.
_ أنا مش مريض يا ندي، أنا واحد كل ذنبه إنه حب بجد، سلم قلبه لواحدة غدرت بيه.

_ أيوه جينا للنقطة المهمة،  واحدة غدرت بيك،  أديك قولتها أنا غدارة،  وخلاص خلصنا، جاي ترمي بلاك عليا ليه،  عايز أي من واحده باعتك ومش عايزاك!.

أحتقن وجهه بالدماء ليصرخ بها: 
_ كدابة،  أنتي حبتيني زي ما حبيتك،  بس زي أي واحدة دورت علي مصلحتها وكنت لسه علي أد حالي عشان كده سبتيني.

_ أنا والله م....
قاطعها رنين جرس المنزل،  أتسعت عينيها بخوف،  اشار إليها بالإختباء في المطبخ،  سمعت صوت حارس العقار،  خشيت أن يراها فأسرعت بالمغادرة عبر باب المطبخ لتدلف إلي شقتها وأوصدت الباب خاصتهم من الداخل جيداً،  أخذت تردد بخوف لما هي مقبلة عليه: 
_ الله يخربيتك،  الله يخربيتك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4

_ ينتهي الحاج نعمان من إرتشاف قهوته فوضع القدح جانباً وقال: 
_ ها يا قاسم،  خلصت تسجيل بيانات كل صندوق؟.
أجاب فارس وهو يضع الدفتر أمامه: 
_ كله تمام يا حاچ،  هنا سچلت لك كل أرقام الصناديق وقدام كل رقم نوع البضاعة الي چوه الصندوق و فرزتهم حسب كل لون ومقاس كمان.
أبتسم نعمان وقال: 
_ عفارم عليك،  للمرة الألف أتأكد إني نظرتي فيك ماتخيبش،  ده أنت ما شاء الله ولا أجدعها كمبيوتر.

بادله فارس البسمة وقال بخجل: 
_ الله يخليك ويكرمك يا حاچ،  يعلم ربي أنا بعزك وحبيتك كيف والدي الله يرحمه.

_ سلامو عليكو يا حاج.
قالها هذا الدخيل الغير مرحب به،  أجاب نعمان بإمتعاض: 
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،  خير يا ممدوح؟.

كان يرمق فارس بإزدراء وكأنه حشرة قبيحة أمامه، جلس بدون أن يستأذن من الحاج نعمان وقال: 
_ كل خير يا حاج إن شاء الله، ياريت بس نبقي علي راحتنا.

أدرك فارس إنه لايريد وجوده فقال: 
_ طب عن أذنك أنا يا حاچ،  هاروح أشوف الزباين.

_ أتفضل يابني.
قالها و زفر بسأم من هذا الممدوح الذي لا يمل عن طلبه الأحمق
فقال في نفسه: 
_ إبنك!،  ده شكل الحكاية جد والواد إبن ال.... واكل بعقل الحاج حلاوة وعينيه علي البت،  لاء ده أنا لازم أتحرك وأسبقه،  وعلي رأي المثل الي سبق أكل النبق.

أنتبه لصوت نعمان الرخيم وهو يقول له: 
_ وأي الخير الي جاي لي فيه ده يا ممدوح،  أصلها مش عوايدك.

مسح بلسانه علي شفته السفلي وبدأ الحديث: 
_ صلي علي حبيبك المصطفي.

_ عليه أفضل الصلاة والسلام.
_ من الآخر كده جاي لك وكلي عشم إنك متكسفنيش،  أنا طالب أيد ست الحسن والجمال الآنسة شهد بنت حضرتك.

زفر نعمان و ود لو قذفه بالقطعة الخزفية التي تزين أعلي مكتبه: 
_ وأنا كل مرة تيجي تطلبها وبقولك لاء والمرة دي بقولك مليون لاء يا ممدوح،  ولم نفسك بدل ما أروح أبلغ حريمك التلاته إنك عايز تتجوز عليهم واحده رابعة.

أنفرجت شفاه بإبتسامة صفراء ماكره: 
_ هو أنت ما عرفتش،  مش أنا طلقتهم التلاته،  كل يهون عشان خاطر عيون الآنسة شهد.

نهض نعمان وقد أنتفخت أوداجه و غضبه قد وصل لحلقه فلم يستطع صبراً علي هذا الحقير،  فصاح به: 
_ وأنت فكرك لو طلقت مرتاتك التلاته كده هوافق!، دي كل واحده منهم مخلفه لك تلات عيال،  هان عليك عيالك!،  و جاي وفاتح صدرك وفرحان أوي،  يا أخي أتكسف علي دمك ده أنت ضعف عمرها،  دي تقولك يا عمو وأنت جاي تقولي عايز تتجوزها!.

كانت كلماته مثيرة لحنق وغيظ الآخر مما دفعه للصياح بما لا يتوقعه الحاج نعمان: 
_ ده مين ده الي تقوله يا عمو!  ، الحق عليا جيت عشان أستر عليها.

جحظت عينيه فصاح بغضب: 
_ أنت واعي للي بتقوله؟،  لم لسانك يا ممدوح إلا وأقسم بالله لأندمك علي كل كلمة قولتها سواء في حقي أو حق بنتي.

وقفت الزبائن لتشاهد تلك المشادة الكلامية فقال لهم فارس: 
_ يلا يا جماعة من هنا لو سمحت.
و ذهب إلي جوار نعمان،  فهب ممدوح متشدقاً: 
_ أهو جه سي روميو.

حدثه فارس بحدة: 
_ مالك يا چدع أنت،  أجف عوچ وأتحدت عدل،  ولا محرمتش من العلقة الي فاتت إياك!.

صاح به الآخر بإحتقار: 
_ لما أسيادك يتكلمو ماتتدخلش مابينهم يالاه.

كاد يرد فارس عليه فأوقفه نعمان بإشارة من يده وقال: 
_ أمشي يا ممدوح بدل ما أنادي لك الأمين شوقي يجي يشوف شغله معاك.

_ هي بقت كده!، طب قبل ما امشي أحب أقولك حتة العيل الي بتنادي له يابني،  مقرطسك ومركبك قرون، من الآخر مظبط مع بنتك وسيرتهم في الحته علي كل لسان.

هنا فارس لم يتحمل إتهام هذا الوقح: 
_أنت راچل ك..

قاطعه نعمان بعدما رأي هذا الحشد أمام المتجر يتجمع علي صوت ممدوح: 
_ قطع لسان كل الي يخوض في سيرة بنتي،  أه هي علي علاقة بقاسم.

أتسعت رماديتيه وصعق من ما يصرح به الحاج نعمان الذي أردف: 
_ قاسم يبقي خطيب شهد وقاري فاتحتها معايا،  حد ليه شوق في حاجة؟.

كانت نظرات ممدوح لفارس مليئة بالكراهية والحقد لأنه أطاح بكل مخططاته وهي الإستيلاء علي ممتلكات أكبر تجار المنطقة والظفر بإبنته ذات الجمال والمال.
وبعدما أنفض هذا العراك اللفظي، جلس نعمان خلف مكتبه وهو يزفر من أعماقه قائلاً:
_ تعالي ياقاسم أقعد.

جلس فارس ولم يدري كيف يقول أو ماذا يخبره.
_ أنا عارف إن الي قولته للكلب الي أسمه ممدوح عن موضوع إنك خاطب بنتي ده ضايقك، بس غصب عني مكنش قدامي غير كده، بعد الي قاله الحيوان علي بنتي.

رد فارس بإحراج:
_ولايهمك يا حاچ، أني خابر زين الي بتجوله.

انحني إلي الأمام وهو ينظر له بتمعن وقال:
_ بس الي قولته مش مجرد كلام وراح لحاله.

أزدرد فارس ريقه بتوتر من ما يتوقعه من قول الآخر، فسأله:
_ تجصد أي يا حاچ؟.

وبالخارج كانت قد ترجلت من سيارة الأجرة فدلفت علي صوت والدها وهو يقول:
_ المثل بيقول أخطب لبنتك، وأنا مش هلاقي حد أحسن منك أأمنه علي شهد بنتي!.
4

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ ومعكم الآن الفنانة الإستعراضية ذات الحركات اللولبية سمارة مهلبية.
كان يصيح بها المسئول عن تشغيل الأغاني،  فصعدت علي ساحة الرقص سمارة بطلتها التي تقوم بإغواء كل الرجال في الملهي،  بدأت ترقص علي إيقاع الأغنية الشعبية التي تسمي بالمهرجان.
كانت جميع الأعين تترصدها كالشاه التي تتراقص أمام ذئاب تلهث من العطش والجوع،  مُرتدية ثوب الرقص العاري يظهر أعلي مفاتنها،  ويكشف خصرها العاري الذي تجعله يرتجف ويهتز علي إيقاع الطبلة.
وبعد إنتهاءها من وصلة الرقص التي أستغرقت أكثر من نصف ساعة، عادت إلي غرفتها وخلفها في الرواق حارسها الشخصي: 
_ والاه يا تايسون كلم البت نواعم  عشان نسيت موبايلي في البيت، قولها تنجز وتجيب لي البدلة الدهبي.

أجاب بصوته الغليظ: 
_ أمرك يا فنانه.

دخلت غرفتها و ذهبت خلف الكرڤان لتبدل ثوب الرقص بمأزر حريري حتي تأتي مساعدتها بالثوب الآخر.
وقفت أمام المرآه تضيف لوجهها بعض المساحيق التجميليه،  فصرخت بفزع عند رؤية الجالس علي الأريكة المخملية في آخر الغرفة: 
_ بسم الله الرحمن الرحيم.

نهض وخطي نحوها بثمالة: 
_ شوفتي عو ولا أي؟.

قالت بدون أن يسمع: 
_ أحيه،  ده شكله سكران وجاي يطلعهم عليا،  هو أنا ناقصه.

أبتسمت بتصنع: 
_ أي ده يادي النور،  اللول مشرفني هنا وفي أوضتي المتواضعه،  ده أنا مش قادرة أوصف لك أنا اد أي فرحانه و من كتر الفرحه نفسي أرقص.
أقترب منها وبنظرات تنضح بالرغبة المحرمة: 
_ ما ترقصي،  ده أنتي كنتي مولعاها بره في الصالة.

لكزته بخفة في كتفه وقالت بدلال سافر: 
_ رقصي عاجبك؟.

وضع يديه علي خصرها: 
_ كل حاجة فيكي عجباني.
كان في ذلك الحين لايري أمامه سمارة الراقصة بل يري الأخري التي سلبت عقله وفؤاده.
_ أعملك أي عشان ترضي عني وتحبيني زي مابحبك، أرجوكي ماتبعديش عني ياندي.

عانقها بقوة فقالت الأخري: 
_ ندي مين يا أخ علي،  أنا سمارة لحقت تنساني،  سي علي فوء كده وحياة أبوك،  البت اللبيسه بتاعتي زمانها جايه ولو شافتنا في الوضع ده هتفهمني غلط،  وأنا ست بتخاف علي سمعتها،  آه يا اخويا الواحده فينا عبارة عن سمعة، يرضيك يتقال عليا دي بتعرف راجل علي راجلها!.

أنتبه لصوتها فأبتعد و أرتمي علي أقرب كرسي له:
_ آسف، شكلي تقلت في الشرب.

فتحت الثلاجة الصغيرة وتناولت زجاجة مياه:
_ خد أشرب ورش علي وشك شوية ميه ساقعه خليك تفو....
لم تكمل كلماتها لتجده يفتح الزجاجه ويسكبها فوق رأسه، تأوه من برودة المياه المثلجة،ورطب وجهه بقليل من الماء حتي شعر إنه بدأ يعود إلي ثوابه.
سألته وهي تنظر إلي ملامحه التي عادت لطبيعتها:
_ بقيت كويس؟.

أومأ لها بالإيجاب:
_ شكراً.

_ العفو، علي أي ده أنت صعبت عليا لما قعدت تجيب سيرة البنت الي بتحبها وعمال تتحايل عليها.

أطلق تنهيده حاره يتذكر كل ما مر به مع ندي، فأخذ يقص عليها كل شئ إلي ما أن وصل إليه وأصبح جارها.
بينما في منزلها كان قد أستيقظ لتوه، بحث عن هاتفه لكنه لم يجده، لاحظ وجود هاتف سمارة فأخذ ينادي عليها:
_ سمارة، يا سمارة، أني هارن علي موبايلي من عندك.

وبعدما ضغط علي إسمه من هاتفها وجد هاتفه يرن في الردهة، علي الطاولة بجوار منفضة السجائر.
ذهب يبحث عنها في أرجاء المنزل ولم يجدها، جلس علي الكرسي المهتز:
_ دي باينها راحت الكباريه ونسيت الموبايل أهنه، إبتسم بمكر وقال لنفسه:
_ لما أشوف بتتحدت ويا مين ولا مين بيتحدت وياها.
قام بفتح سجل الإتصال الوارد والصادر فوجد إسم علياء، فقال بتعجب:
_ علياء؟،دي ملهاش حد تعرفه غيري أني ونواعم والواد تايسون البودي چارد!.
قام بفتح صندوق الرسائل ليجد رسالة صادره من علياء، ضغط عليها وبدأ بقراءتها
(أنا جاي لك النايت النهاردة أستنيني في أوضتك الي بتغيري فيها )

أعاد قراءة الرسالة  مراراً وتكراراً:
_ يا بت ال..... سمر عتخونيني مع واحد ومسمياه علياء لأچل ماشكش فيكي، والله ما أني رحمك من الي هسوي فيكي عاد.

نهض وأرتدي ثيابه بنطال وقميص قطني، وعند خروجه من المنزل أصتدم بنواعم التي صاحت به:
_ ماتفتح يا زكريا بيه، ده ماله ده واخد في وشه ومش شايف قدامه!.

وبالعودة إلي الملهي، تنهدت سمارة وهي تعود بظهرها مستنده إلي ظهر الكرسي:
_ ياه علي الدنيا، فعلاً مبتديش كل حاجة، متدكش غير خوازيق وبس.

رمقها بتعجب فأردفت:
_ مالك بتبص لي كده ليه، أيوه إسمع مني ده أنا ياما شوفت، يعني أنت ركز في حياتك كده الي إسمها ندي دي أدتلك خازوق الي هو سابتك وراحت أتجوزت قومت أنت أخدت صاحبتها وأنتيمتها مروة كوبري عشان تعرف كل أخبارها ومروة بتحبك قومت ردتلها نفس الخازوق بس علي أصعب وما أعرفش الهبلة دي إزاي سلمتلك نفسها كده.

أرتشفت قليل من الماء لتستطرد:
_ يعني عندك أنا وأعوذبالله من كلمة أنا، مخلتش سي زكريا يلمس مني شعره واحده غير لما كتبنا ورقتين عرفي وشهود، أيوه أومال أي الي يضمنلي حقي لو حب يخلع أو يخلي بيا.

ضحك علي من مبادئها العجيبة:
_ عارفه ياسمارة أنتي بتفكريني بنفسي زمان، أيام ماكنت غلبان وطيب.

باغتته بمصارحتها التي لاتخلو من الفكاهه:
_ قصدك تقول لما كنت عبيط وأهبل.

_ والله ما ليكي حل خالص.
قالها وأخذ يضحك

ردت عليه بتلقائية:
_ أصلي  بحب الصراحه وبكره النفاق و مليش في اللف والدوران.

أومأ لها مبتسماً:
_ ما هو واضح فعلاً.

_ طيب بقولك أي بما أنك كده ياعيني محتار وصعبان عليا، انا عندي ليك فوكيره هاتعجبك أوي.
رمقها منتظراً ما ستملاه عليه:
_ البت مروة دي شكلها بتحبك أوي وحرام بعد ما ضيعتيها تخلي بيها، أي رأيك تكتب عليها وتعيش معاك في الشقة الجديدة الي أنت فيها عشان لو جوز ندي عرف إنك سكنت قصادهم ممكن يعمل معاك الجلاشه، أو يديلك تذكرة للأخرة، فلو عرف إنك متجوز مروة وعايشين مع بعض في تبات ونبات مش هيقدر يقولك أي الي جابك هنا.

_ أنا جيت لأچل أشوف وساختك يا خاينة يا فاچرة.
صاح بها زكريا بعدما أطاح بالباب ودلف كالعاصفة الهوجاء، أنتفضت بخوف:
_ سي زكريا؟.

وثب كالفهد نحوها وقبض علي خصلاتها:
_ أيوه زكريا الي غفلتيه وهملتيه نايم وچيتي تجابلي عشيجك يا خاينة.

نهض علي ليدافع عنهما:
_ أسمع يا أستاذ زكريا، حضرتك فاهم غلط خالص.
+

تركها ليمسك بتلابيب الآخر وأخرج من جيب بنطاله هاتفها:
_ مش دي رسالتك ورقمك الي مسچلاه الهانم بعلياء!.

صاحت به لتبرير موقفها:
_ أنا سجلته بعلياء خوفت منك لتفهم غلط.

_ ده أنتي الغلط بذات نفسه، والله لأفرچك.

أمسك علي بأيدي زكريا:
_ ممكن تهدي بس ونتفاهم، أنت دخلت لقتنا قاعدين بإحترامنا.

_ أنت عتضحك عليا بكلمتين إياك، فاكرني عيل أهبل من البندر!.

قالها وأخرج من جيبه الآخر مُدية وقام بفتحها، أقترب منه علي مهدداً إياه:
_ شيل يا حلو اللعبة الي في أيدك دي بدل ماتعورك ولا أخلي الجارد يجو يشيلوك ويرموك بره.

وكعادة زكريا لم يستمع لصوت عقله وسار خلف شيطانه:
_ أني هافرچك اللعبة دي هاتسوي فيك أي.
هدر بها وأنقض علي الآخر ليغرز مديته في جانبه.

_ فتح عينيه ببطئ ليجد نفسه يتمدد فوق سرير بداخل غرفة يسودها اللون الأبيض ورائحة المُطهر تخترق أنفه، أنتفض بفزع عندما ظهرت له من العدم باللهفة وقلق :
_ حمدالله على سلامتك يا سي علي، ألف لابأس عليك يا أخويا، إن شاء الله عدوينك والي يكرهك يارب.

حرك يده ورفعها قليلاً و رأي المحلول المعلق بيده، فسألها بصوته المتألم:
_ أي الي حصل؟.

حركت شفاها بإمتعاض وقالت بصوت غير مسموع:
_ هار أسوح، أقول له أنت هنا عشان جوزي غزك بالمطواه!.

إبتسمت بزيف وأجابت:
_ مفيش، ده مجرد جرح بسيط الحمدلله، بس هم مش أدولك بنج عشان كمية الخمرة الي شربتها، أضطرو يخيطو جرحك من غير بنج فضلت تتوجع جامد يا قلب أمك وأغمي عليك من الوجع.

قطب مابين حاجبيه يتذكر ما حدث معه، فقاطعه دلوف الطبيب وبرفقته مساعدته وبرفقتهما رجل عندما رأي سمر وصاح:
_ مين الي دخل البت دي هنا؟ ، مش أنا قولت ممنوع حد يدخل يقعد مع الحالة؟.

رمقته سمر بإزدراء وقليل من الخوف لأنها تعلم من يكون:
_ جري أي يا حضرة الظابط، أنا دخلت له أطمن عليه، هو أنا كده أجرمت ولا أجرمت يعني؟.

قبض علي ياقة كنزتها من الخلف:
_ بت أنتي بطلي شغل العوالم بتاعك بدل ما هخلي جوز العساكر الي واقفين بره دول يجرجروكي علي القسم.

رددت بتوتر:
_ قسم!، قسم أي كفي الله الشر، أنا ست عايشة في حالي.

رفع إحدي حاجبيه لها:
_ ولما أنتي عايشة في حالك بتعملي أي هنا؟، وعلاقتك أي بأستاذ علي ده غير إنه زبون عندكم؟.

_ ده، ده،ده...
ظلت تكررها فأجاب علي بوهن بدلاً منها:
_ مدام سمر تبقي معرفة.

رمقه الضابط بشك وريبة ثم قال لها بأمر:
_طيب ممكن تطلعي بره عشان نشوف شغلنا.

أومأت له وقالت:
_ حاضر يابيه.
وقبل أن تذهب نظرت إلي علي لتتوسله بنظراتها أن لا يخبرهم بأن من فعل به ذلك هو زوجها زكريا، أومأ علي لها بعينيه ليطمأنها، زفرت بأريحية وخرجت.
أنتهي الطبيب من التغير علي جرحه المقطب:
_ حمدلله على سلامتك يا علي بيه، الجرح مكنش عميق وكويس أنهم لحقوك وجابوك علي المستشفي قبل ماتنزف كتير.

حاول النهوض بجزعه لكنه تألم فساعدته الممرضة علي عدول جلسته بوضع وسادة خلف ظهره، تنهد ويجز علي أسنانه بألم:
_ الله يسلمك يا دكتور، هو أنا ينفع أخرج دلوقت؟.

أومأ له مجيباً:
_ لاء طبعاً ممكن علي بكره أو بعده، بس تمشي علي الأدوية الي هكتبهالك خاصة المضاد الحيوي والمُسكن.
تدخل الضابط قائلاً:
_ بما أن حضرتك بقيت في حالة تسمح أنك تتكلم ياريت نبدأ الإجراءات وتقولنا مين الي عمل فيك كده؟.

هز رأسه بإنكار:
_ معرفش.

وجد الضابط يرمقه بعدم تصديق فأردف:
_ قصدي يعني مشوفتش، كل الي حصل وأنا خارج من النايت كانت فيه خناقه روحت أشوف فيه أي، حصل الي حصل وما شوفتش مين الي عمل فيا كده.

زفر الضابط بعمق وقال:
_ وبالنسبة للكاميرات الي مفيهاش ولا كلمة من الي حكيته، وكل الي شوفناه إنك دخلت أوضة الرقاصة سمارة وهي دخلت بعدك لما خلصت رقص وبعدها بشوية جه واحد وبعدها جت الإسعاف تاخدك، تقدر تفسر لي كل ده!، أنت كده بتتستر علي مجرم كان هيقتلك.

_ قتل أي سعادتك!،الحكاية زي ما قولت لحضرتك بالظبط ولو كانت الضربة مقصوده مكنتش سكت للي عمل كده.

_ بعدما سأم الضابط في إستجوابه تركه و رحل وكذلك الطبيب والممرضة، فأستغل علي ذلك ونهض متحملاً آلامه، يريد العودة إلي شقته ربما يراها فرؤيتها بالنسبة إليه هي دواءه الحقيقي، لايعلم إنها السم الزُعاف الذي سيهلكه ويذهب به إلي الجحيم.

خرج يتسحب فوجدها أمامه وقبل أن تتفوه أشار لها بالصمت، أذعنت له وسارت خلفه حتي غادرا المشفي.
_ مقولتليش يا سي علي ناوي تعمل أي؟.

أستند علي إحدي السيارات المصطفة أمام المشفي:
_ متخافيش يا سمارة، أنا قولت للظابط معرفش الي ضربني بالمطواه، و بعتذر ليكي علي المشكلة الي سببتها لك معاه.
رفعت زواية فمها بتهكم وقالت:
_ بلا وكسه،ده طلع ندل وجبان أول ما شاف دمك علي مطوته طلع جري وهرب، بتصل عليه موبايله مقفول، يلا أهو متعود علي كده.

قالتها وتتذكر جريمة قتله ورد، فسألها علي بإستفسار:
_ متعود إزاي؟.

أنتبهت لما تتفوه به فأجابت:
_ متعود أنه يهرب من كل مشكله، متاخدش في بالك أنت وخد بالك من نفسك، خليك واقف هنا عقبال ما أوقف لك تاكسي يوصلك.

أبتسم لها بإمتنان:
_ شكراً، أنا عملت أوردر لأوبر وزمانه جاي.

_ طيب أكلمك الولاه تايسون البودي جارد يجي معاك ويقضي لك طلباتك؟.

_ مفيش داعي، أنا الحمدلله زي ما أنتي شايفه قادر أتحرك، وهناك عم خضر السكيورتي بيجيب لي كل طلباتي.

تنهدت وقالت:
_ خلاص هابقي أتصل بيك أطمن عليك ولو فيه أي حاجه كلمني وماترددش أنا زي أختك.

هز رأسه:
_ طبعاً من غير ماتقولي، شكراً جداً يا سمارة.
مد يده ليصافحها فبادلته المصافحة وقالت:
_ العفو يا لول، قصدي يا سي علي، فوتك بعافية.

ذهبت، فوجد سيارة تابعة لهذا التطبيق الشهير، تقف أمامه، أستقلها وأنطلقت به نحو منزله.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ صرخات تشق حنجرتها لتصدح بين الجدران الحجرية في هذا النفق المظلم، يُسحل جسدها علي تلك الأرضية الصلدة قابضاً علي رسغيها، شعرت وكأن مفاصل زراعيها تنخلع بل تمزقت وهي تقاومه بكل ما أوتيت من قوة.

_ أفضلي صرخي للصبح محدش هايسمعك غيري، فوفري صريخك ده للي هايحصل فيكي دلوقت.
كلمات هدر بها بصوته المخيف فأدلف الرعب بداخل قلبها، ظلت تبكي و تتوسله ليعتقها من براثنه المظلمة:
_ أحب علي يدك هملني ورچعني لأهلي، وأني ما هاچيب سيرة لحد واصل.

أطلق ضحكاته الساخرة حتي بلغت عنان السماء، وتوقف فجاءة فأنبسطت شفاه بإبتسامة تخبرها بأن القادم ليس بالسئ فقط بل الأسوأ علي الأطلاق.
دفعها بقوة وعنف أسفل قدميه فأطلقت صرخة بآهات من كثرة ما تشعر به من آلام مبرحة في جسدها، جذب شيئاً من جواره ودنا نحوها:
_ مقولتليش يا بيبي، كنتي بتقوليلي أي وإحنا فوق؟.

هزت رأسها بإستنكار وتردد كالآتي:
_ ما جولتش حاچة، ماجولتش حاچة.

أطبق شفتيه متصنعاً التذكر والتفكير، فباغتها بصفعة دفعتها بمسافة قليلة :
_ لاء قولتي يا و..... ، وعايز أسمع منك الكلام ده تاني عشان مبقاش أظلمك من الي هاعمله فيكي.

شقت ضحكة هاكمة شفاها رغماً عنها لتردد كلماته:
_ مبقاش أظلمك! .

تجرعت ريقها ملتقطة أنفاسها بشهقات متقطعة، ثم أردفت بقهر و وهن:
_ كيف وأنت من وجت ما عرفتك وأنت ظلمني!، من أول ما شوفت خلقتك وهربت منك ورچعتني بعد ما هددتني أنك هتأذي أقرب الناس ليا!، و لا ليلة فرحنا لما أخدتني غصب لأچل تثبت لأخوي إني بت بنوت ومنها تخابره أنك راچل و قادر تسوي الي رايده وماحدش يقدر يمنعك!.

هدر بها من بين أسنانه قابضاً علي خصلاتها المبعثرة:
_ و هاعمل فيكي أكتر من كده طول ما أنتي بتعانديني وترفعي عينك في عيني، وسبق وقولتلك قبل كده وحذرتك بدل المرة ألف، تيجي بقي بكل جرأه و وسا.... تقفي قدامي تهدديني يا طلقك يا أما هاتروحي تبلغي عني!.

كان الألم بداخلها قد تصاعد كبركان علي وشك الأنفجار فأطلقت حممه المتقاذفة في وجهه:
_ أيوه أني رايده أنك تطلقني، أي الي يچبرني أعيش ويا واحد قتال قتلة، مريض نفسي، بيعذب في الي بيقع تحت يده ويجطع في جلدهم كيف الدبيحة وهي بتتسلخ، ده أي الچبروت الي أنت فيه ده يا أخي.

غرز أصابعه في كتفيها ليجبرها علي النهوض ويهزها بعنف :
_ لأن أنا عايز كده، و ده أسلوبي مع كل حيوان يقف في طريق سليم العقبي، وبالنسبة ليكي بقي هاتفضلي عايشه معايا لحد ما هاتموتي.

صرخت للمرة المائة و لم تبالي عواقب ما ستصيح به:
_ وأني لحد ماهموت هافضل أعافر لغاية ما أطلق منك ونهايتك هتبجي علي يدي وحبل المشنقة بيلف حوالين رقبتك يا ظالم يا مفتري.

رمقت في عينيه ألسنة لهب تتصاعد من نبع جحيم مستعر، حركتها غريزة الدفاع عن النفس للتراجع إلي الوراء خطوة تلو الأخري،تبعها بخطواته بوضع الهجوم عليها، كانت علي أهبة الإستعداد للهروب من أمامه فكان هو الأسرع والأقوي، جذبها من ساعدها وهي أجهشت بالصراخ ولم يكترث، دفعها في وسط ساحة شبه مظلمة يتسلط عليها بصيص من أشعة الشمس تتخلل من شق متصدع بالجدار.

ظلت تصرخ ببكاء،تمسك بساقها التي يبدو أنها قد أصيبت من تلك الدفعة العنيفة، أخذ يدور حولها كذئب يلتف حول فريسته،يراها تتلوي من الألم بداخل شراك فخه.

_ واضح جداً إنك أنتي الي مستعجلة علي نهايتك يا زينب.

قالها فرفعت بصرها إليه فرأت ما أتسعت إليه ذهبيتيها الباكية، خلع سترته وألقاها علي الأرض ثم أنتزع قميصه فتطايرت أزراره لتتناثر من حولها، ظنت لوهلة أنه سيعتدي عليها كالعادة لكنه تركها وذهب في العتمة فسمعت خطواته العائدة إليها، خفق قلبها من الخوف، أنتفض جسدها عندما رأت بريق في وسط ذلك الظلام الدامس ليظهر هذا الشئ بوضوح حتي تعرفت عليه، مهلاً إنها قد رأته من قبل!، تلك الأداة التي...
صمتت أفكارها وتوقفت بقطع الأنفاس عندما أدركت ما سيفعله بها.

هزت رأسها بالرفض وكأنها فقدت عقلها:
_ لا، لا، لا.

وثب إليها و في ثوان أصبح جسدها آسير جسده، ظهرها ملتصقاً بصدره العاري، يرفع ذلك السلاح ذو النصل الحاد بالقرب من نحرها:
_ حركة كمان و جسمك الجميل ده هيبقي من غير راس.

جزت علي أسنانها بوجل تحاول ألا تتحرك وعينيها تتهاوي يميناً ويساراً:
_ أجتلني وريحني من خلقتك.

أطلقت شهقة بخوف، أمسك بتلابيب كنزتها وبمجهود لم يُذكر قام بتمزيقها، هبط بشفاه بالقرب من أذنها ليهسهس:
_ أنا مش هاقتلك، أنا هخلي كل حته في جسمك تصرخ وتترجاني أني أموتك أرحم من الي هاعمله فيها.

تجرعت مرارة حلقها بغصة و الرعب يلتهمها:
_ ناوي تسوي فيا كيف ما سويت في الراچل الي جتلته!.

جذب خصلاتها لأسفل فتراجعت رأسها للخلف بحدة قد ألمتها، لتري نظراته المخيفة وهو يخبرها كسفاح يستمتع بالتحديق في عيون ضحيته التي تتوسله بعفوه عنها.

_ قصدك الي أنا سلخت جلده حته حته وهو صاحي لحد ما مات.
وبمجرد أنتهاءه من كلماته شعرت بغرز سن سلاحه في ظهرها.

_آه.
آهه أطلقتها للتو عندما غرزت الممرضة الإبره المتصلة بالمحلول المعلق، جعلتها أستيقظت بفزع، تتلفت من حولها بخوف، تنفست الصعداء عندما أيقنت أن ما رأته كان حلماً بل كابوساً مرعباً، سألتها الأخري بالأنجليزية:
_ كيف حالك سيدتي؟.

رمقتها زينب بنظرات واهية كغزال شارد في وسط غابة شاسعة، يبحث عن مأوي يحميه من الوحوش التي تتربص به.
_ أين أنا؟.

سألتها بللغتها لتجيب الأخري بتعجب:
_ أنتِ في منزلك!.

تلفتت لتري إنها بالغرفة، أغمضت عينيها تتذكر آخر الأحداث، وليتها تمتلك قدرة علي محوها من ذاكرتها التي تأبي نسيان كل شئ منذ رؤيتها لهذا السليم.
فتحت عينيها لتري الإبرة المنغرزة في ظهر يدها، قامت بنزعها، فصاحت بها الممرضة لنهيها:
_ ماذا تفعلين؟،توقفِ لم تستطعين النهوض ستصاب ِبالدوار.
وأقتربت منها لتوقفها، دفعتها الأخري عنها بعدما ألقت بالدثار من فوقها:
_ أبتعدِ عني.

حاولت الوقوف بصعوبة فالشعور بالخدر يسري في أطرافها، فأخذت تستند علي كل مايقابلها حتي وقفت أمام المرآه تنظر لهيئتها المزرية، خصلاتها مبعثرة علي وجهها بفوضوية وثوبها به آثار من الغبار، نظرت بتمعن نحوها وهي تتذكر.

(في ليلة أمس )

شهقت من هول ما تراه فكممت فاهها حتي لايسمع صرختها أحداً، تأكدت للتو إنها متزوجة من رجل سفاح قاتل، يحاول أن يظهر لها بمظهر الرجل ذو المشاعر الرومانسية والقلب الحنون لإستمالة قلبها ومشاعرها نحوه لكن ما حدث الآن كشف لها عن جانبه المظلم الحالك.
أنتابها الشعور بالغثيان، تراجعت إلي الوراء لتفرغ ما بجوفها، أرتمت علي الأرض في وضع الجثو لتجهش في البكاء كلما تذكرت أن شقيقها قد باعها لهذا المجرم غير مكترث بحقيقته وماذا يمكن أن يفعل بها من أذي، تتخيل نفسها مكان هذا الرجل وسليم يغرز السكين في جسدها، ليتها ما أطلقت لمخيلتها العنان، فالواقع أسوأ بكثير من الخيال.

وفي تلك اللحظة قد حسمت قرارها عليها تركه أو الهروب منه حتي لا يأتي يوماً وتكون أشلاء علي يديه حينها الموت منتحرة أفضل بكثير.

أفزعها صوته الذي دب الرعب في أوصالها:
_ بتعملي أي هنا؟.

جحظت ذهبيتيها وأرتجفت كل خلية بجسدها، تخشي أن تلتفت إليه ورؤية وجهه، صرخت عندما قبض علي عضدها وجعلها تستدير لتنظر إليه:
_ لما أسألك تجاوبيني، بتهببي أي هنا؟.

تجرعت ريقها بصعوبة بالغة، أرادت أن تجيب علي سؤاله لكن توقفت الحروف وأبي لسانها النطق ولو بحرف واحد.
هزت رأسها يميناً و يساراً تبكي، مما جعله يزداد غضباً، فهزها بقسوة:
_ بطلي عياط و ردي عليا.

صراخه الحاد والغليظ دفعها إلي الصياح بكلمة واحدة ظلت ترددها ببكاء :
_ طلجني، طلجني.

أطلق زفرة حارقة قد تفهم سبب حالتها تلك، فمن المؤكد إنها رأت ما أقترفه منذ قليل بضحيته المسجي علي الأرض بالداخل كالشاه بعد ذبحها وسلخها.

أبدل ملامحه من الغضب العارم إلي الهدوء المزيف، جذبها إلي صدره و مسد علي ظهرها:
_ أهدي يا حبيبتي، مفيش حاجة، تعالي نطلع علي أوضتنا.

دفعته في صدره بقوة صارخة:
_ مفيش حاجة إزاي!!، أني لساتني شيفاك بعنيا وأنت....
أنتابها مرة أخري الشعور بالغثيان كلما تذكرت هول ما رأته، أبتعدت قليلاً و ولت ظهرها إليه لتفيض ما بجوفها.
أقترب منها و وضع يده على كتفها:
_ أنت.....

ألتفت إليه مبعدة يده عنها:
_ بعد يدك عني، أنت لايمكن تكون بني آدم.

أمسكها من رسغها بقوة ويحاول كظم غضبه حتي لا يخسرها للأبد:
_ تعالي وأنا هافهمك علي كل حاجة، أنتي فاهمه غلط.

حاولت جذب يدها من خاصته ولم تستطع:
_ تفهميني أي عاد!، أني خلاص عرفت إنك مچرم وسفاح و...

لم يكن قادراً علي تحمل صرخاتها ونعته بتلك الصفات المُشينة لأكثر من ذلك، فباغتها بالقبض علي عنقها وبإبهامه ضغط علي العرق النابض ليمنع وصول الدماء إلي رأسها مما يسبب إليها فقدان الوعي علي الفور.
1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يجول في الردهة ذهاباً وأياباً، كاد يجن جنونه لايعلم أين اختفت، ومن هذا الذي تجرأ علي خطفها!، يجدها وسيذيق هذا المختطف ويلات من العذاب، صدح هاتفه برنين فأجاب علي الفور:
_ ها فيه چديد؟.

_ جلبنا البلد الي إحنا فيها دار دار وسألنا كل أهلها ماحدش شافها واصل.
صاح بغضب:
_ ده أني لو بندورو علي إبرة في كومة جش كنا لاجينها، اجفل وما أشوفكش تتصل عليا غير لو لاجيتوها، فاهم يا زفت؟.

_ أمرك يا رافع بيه.

تحمل صينية الطعام وتنظر نحوه بإزدراء:
_ الفطور أهه.

ألتف لها وكان في أمس الحاجة لإطلاق نيران غضبه علي أي من يقابله حتي لاتحرقه.

_ ومالك بتجوليها إكده و جالبة سحنتك!.

تأففت وتركت الصينية أعلي المنضدة و كانت علي وشك أن تذهب، فشهقت عندما قبض علي رسغها وجعلها تجلس علي الأريكة و دنا منها:
_ تعرفي لو كان ليكي يد في إختفاء فاطمة، قسماً بالله لايهمني إنك حبلي هانزل فيكي دك وأجطع چتتك نساير وأرميها للديابة في الچبل.

أتسعت عينيها والصدمة منبلجة علي ملامحها، فاض بها الكيل و كفاها صبراً علي هذا الظالم، صاحت في وجهه:
_ بكفياك بجي عاد، أنا زهجت من ظلمك وچبروتك، كل يوم تذلني وتجهر جلبي ولا علي بالك، وأخرتها چاي تتهمني أني خطفت فاطمة!،ليه حد جالك عليا زعيمة عصابة إياك!، هتلاجيها طفشت من خلجتك وأرفك داير وراها كيف القراضة وبايع دمك وكرامتك قدامها...

_ أكتمي.
صاح بها وهو يهبط علي وجنتها بلطمة أهتز لها جسدها بالكامل، أجهشت في البكاء واضعه كفها علي أثر اللطمة:
_ بتضربني لأچل بجولك الحقيقة!.

نهضت وأخذت تجفف دموعها وبصوتها الباكي قالت:
_ روح يا شيخ حسبي الله ونعم الوكيل فيك.

أنساه شيطانه للحظات إنها زوجته وتحمل في أحشائها جنينه، فأعماه غضبه وألتقط عصاه الغليظة:
_ وكمان بتحسبني عليا يا فاچرة.

كاد يهبط بالعصا عليها فأوقفه رنين جرس المنزل، كان يشهق ويزفر بقوة، ألقي بعصاه علي الأرض:
_ حسابك وياي بعدين.

و ذهب ليري من الزائر، سارت خلفه متجهة إلي غرفتها حتي سمعت صوت المدعو دبيكي:
_ ألحج يا رافع بيه.

_فيه أي يا سخام البرك أنت كمان؟.

أزدردت ريقها برعب عندما وجدت هذا الدبيكي يرمقها بنظرات تعلم ماذا يقصد بها، حتي أجاب علي زوجها:
_ و إحنا بندورو في شوارع المركز لاجينا كشك چمب النادي الراچل الي فيه قالنا إنه شاف في تسجيل الكاميرا الي حاططها قدام الكشك، واحدة كانت واجفه من كام يوم و وجفت قدامها عربية ونزل منها واحد متلتم وخدرها في ثواني ودخلها چوه العربية.

تنفست الصعداء و أختفت إلي داخل غرفتها، فقال رافع:
_ روح چمع الرچالة عقبال ما أغير خلچاتي.

أومأ له قائلاً:
_ أمرك يا كبير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ عادت من فلك ذاكرتها وقد عزمت علي أخر ماتفوهت به معه، ألتقطت معطف لها من فوق المشجب و وشاح أرتدته بعشوائية، فغادرت الغرفة لتبحث عنه.
قابلت أنيتا علي الدرج:
_ هل من خدمة أقدمها لك ِ سيدتي؟.

رمقتها بحدة وسألتها:
_ أين هو؟.

_ أتقصدين سيد سليم!، إنه بغرفة المكتب في إجتماع مع رجاله.
وما أن أخبرتها لتجد الأخري تدفعها من أمامها وكأنها هاربة من مشفي الأمراض النفسية:
_ أغربِ عن وجهي.

توقفت أمام باب الغرفة المُغلق وقبل أن تمد يدها لتدير المقبض، وصل لسمعها صوته وهو يلقي أوامره علي رجاله:
_ أذهبوا علي ثلاثة فرق وكل فرقة تذهب إلي المكان المُخزن به البضاعة، و فوقها رأس هذا العاهر چوناثان حتي يكون عبرة لكل من يريد الوقوف أمامي.

أومأ له كبير رجاله:
_ أمرك سيدي.

لم تتحمل سماع أكثر من ذلك فدفعت الباب مما أفزع رجاله وجعلهم يخرجون أسلحتهم و رفعها نحوها.

_ ماذا تفعلون أيها الحمقي!.
صاح بهم ليعيدوا أسلحتهم إلي أماكنها، نظر إليها وعلم سبب ولوجها بتلك الطريقة، أشار إلي رجاله وبأمر حاسم:
_ أذهبوا الآن.

أومأ الجميع له بخضوع وإجلال ثم ذهبوا أمام ذهبيتيها التي تنظر له بكل كراهية وكأنها تنظر إلي مسخ أو شيطان.

جلس خلف مكتبه متصنعاً الهدوء المبالغ بالنسبة إليه:
_ أقفلي الباب وتعالي.
مجدداً وبكل وقاحة يلقي عليها أوامره برعونة، لم تتمثل لأي أمر له فتركت الباب كما هو و خطت نحو أقرب كرسي لها وجلست عليه عاقدة ساعديها أمام صدرها.

قبض علي حافة مكتبه الخشبي حتي أبيضت مفاصل أنامله، يحاول أن يلجم ذاك الوحش الثائر بداخله حتي لايطلقه عليها وستكون العواقب وخيمة، نهض هو مما جعلها تنتفض علي كرسيها، فظهر طيف إبتسامة علي ثغره، إنها برغم كبريائها الذي ترتسمه دائماً أمامه مازالت تخشاه وترتعد منه.
سار نحو الباب ليغلقه بل يوصده بالمفتاح الألكتروني.
_عتجفل الباب ليه بالمفتاح؟.

أجاب بنفس الهدوء الذي يرعبها أكثر من ثورة غضبه:
_ عايز نتكلم علي راحتنا.

رفعت إحدي حاجبيها وبإبتسامة هاكمة تفوهت:
_ ولا ناوي تسوي فيا كيف ما سويت في الچدع الي جتلته!.

جلس علي الكرسي المقابل لها و يزفر بنفاذ صبر:
_ الي شوفتيه إمبارح ده كان شغل.
وقبل أن ترد علي حديثها الذي أثار سخريتها التي لاحت علي وجهها للتو، قاطعها:
_ إحنا شغلنا كده، الي يعادينا أو ياخد مننا حاجه تخصنا بتكون دي نهايته.

حدجته بتهكم وسألته:
_ إشمعنا ما سويتش إكده في أخوي لما سرق منك حاچتك!.

نهض وخطي نحوها حتي وقف أمامها ليسمع صوت نبضات قلبها المرتجف من الخوف، وضع يديه في جيوبه و رمقها من مستوي بصره وهي تجلس أمامه:
_ علشان أنتي كنت صك الغفران الي عفوت بيه عنه، لولاكي كان زمان رافع بقي زيه زي الراجل الي شوفتيه إمبارح.

برغم ما أقترفه شقيقها معها من ظلم وإفتراء لم تتمني له يوماً بتلك النهاية السوداء، لكن الآن كل ما يدور في رأسها مطلب واحد.
نهضت لتقف أمامه بتحدي و قوة واهنة:
_ وأني چيت لك عشان أجولك كفايه لحد إكده، مجدراش أستحمل، أفضل حل ليا وليك يا إبن الناس هو أنك تطلجني وتهملني لحالي.

رفع أنامله ليلامس وجنتها ويسألها بهدوء وإبتسامة مُخيفة:
_ عايزه أي يا بيبي؟.
1

جف حلقها وهي تتذكر ذلك الكابوس، وتخشي تحقيق أحداثه الآن، أخذ يربت بخفه وبقليل من العنف لايخلو منها:
_ ما تقولي عايزة أي عشان ما سمعتش كويس.

كادت تتحرك إلي الوراء فقام بمنعها محاوطاً خصرها فأصبحت ملتصقه به، تشعر بأنفاسه كاللهيب الحارق، وبيده الأخري جذب طرف وشاحها بخفة.
_ شكلك يا زوزو يا حبيبتي أفتكرتي غلط دلعي ليكي اليومين الي فاته، و خلاكي تيجي لحد عندي و تقفي قدامي وتطلبي حاجة من رابع، رابع أي، دي عاشر المستحيلات تحصل إلا بمعجزة أو حد فينا يموت.

بدأت شفاها ترتجف و ذهبيتيها تذرف سيلاً من الدموع النابعة من قلب مقهور لايملك سوي البكاء، أخذت تتلوي بين جسده و زراعه:
_ يبجي خلاص أجتلني أهون من العيشة وياك.

قهقه من أعماقه وأصبحت قاتمتيه كاللون السماء عندما غابت عنها النجوم وأصبح القمر في خسوف كلي، توقف عن الضحك فجاءة و خطي وهو ممسك بها نحو طاولة يحاوطها أثني عشر كرسي، وفي خلال ثانية واحدة قام بلفها حتي أصبح ظهرها ملتصقاً بصدره و أمامها حافة الطاولة، تحدث بجوار أذنها بوعيد :
_ عايزاني أقتلك أهون من العيشة معايا!، طيب أستحملي بقي يا زينب، عشان أنا فعلاً هاموتك بس بطريقتي الي هتخليكي تحسي بالموت كل يوم.

تتلوي بين يديه وهي تتذكر تفاصيل الكابوس، ظنت إنه يتحقق!، لكن كلماته وفعله الآن غير مسار ظنها تماماً.
_ هاعملك معاملة الحيوانات، هخليكي تكرهي نفسك.

كادت مقلتيها تقفز من محجريهما وهو يشق عنها معطفها ويتبعه بنزع منامتها تحت صراخاتها ومقاومتها الضعيفة،كلما تريد الفرار منه يدفعها بقسوة علي الطاولة ليصبح جذعها متمدداً.

_ أبوس علي يدك هملني، وأعتبر أني ما جولتلكش حاچة.
صرخت بها بتوسل و رجاء، و دموعها تتساقط علي سطح الطاولة، قوبل توسلها بالرفض التام.
_ لاء قولتي، وأنتي الي حكمتي علي نفسك، فخليكي قد كلامك وأستحملي.

جذب حبل الستارة المجاورة له وأثني زراعيها خلف ظهرها ليقيد رسغيها معاً، ما زالت تصرخ وتبكي، لم يرحم ضعفها أمام قوته الضارية، لم يستمع لتوسلاتها التي تتمزق لها القلوب لأشلاء وتدمع لها العيون دماء.
أرغمها علي الركوع غصب وإقتدار فوحش ساديته هو المتحكم به الآن، وكلما صرخت كلما أزدادت سعادته، و لكي يبلغ ذروة هذا الشعور قبض علي مؤخرة رأسها ليمنعها عن النهوض وبيده الأخري حرر سحاب بنطاله، أنحني عليها ليهدر بنبرة مقيتة:
_ أنا هخلي صوت صريخك يوصل من أمريكا لحد أهلك في النجع.

و ما أن أنتهي من تهديده ليشرع بتنفيذ وعيده، فأطلقت صرخة وكأن روحها تغادر جسدها.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ أستيقظ من نومه العميق علي صوت مزعج، فتح زرقاويتيه ونهض بجذعه ليري مصدر هذا الصوت، وقع بصره عليها وهي تفترش علي الأرض ترتدي عباءه قطنية بنصف أكمام، أنتفض بفزع عندما اطلقت شخيراً وتتقلب علي جانبها الآخر وفمها مفتوحاً قليلاً.
لم يستطع كتم ضحكاته، ونهض من فراشه ليهبط ويتمدد جوارها، أحتضنها بين زراعيه وتحدث أمام شفاها المفترقتين:
_ كده يا قلبي، تسيبي حبيبك وتنامي علي الأرض، مش كفاية بعد ما أتعشينا سبتيني ونمتي!، أصحي بقي.
1

وأخذ يُقبل وجنتها ثم وزع قبلاته علي أنحاء وجهها ليوقظها، همهمت بصوت ناعس:
_ همليني أنام يا مرات أبوي.

_ وهي مرات أبوكي هتصحيكي بالبوس والأحضان! .
تسمرت بين زراعيه، فتحت عينيها بإتساع:
_ واه، أي الي چابك چاري؟.

ألتقط طرف أنفها بين أسنانه بخفه وقال:
_ بذمتك فيه عروسه تسيب عريسها نايم علي السرير لوحده وتروح تنام علي الأرض؟.

حكت طرف أنفها وقالت:
_ أصلي ما عرفتش أنام علي المرتبة دي، عامله كيف الي حداك في شقتك برضك مكنتش عارفه أنام عليها كنت بتكوع علي الأرض.

إبتسم بمكر ليخبرها:
_ مش عارفة تنامي علي المرتبة برضو ولا خايفة أسمع صوت شخيرك الي صحاني من النوم.
توردت وجنتيها فنظرت لأسفل تقول بخجل:
_ حقك عليا، مكنتش حاسه بحالي .

طبع قبلة علي وجنتها قائلاً :
_ ما تعتذريش ولا تتكسفي مني، أنا خلاص بقيت جوزك يعني مفيش بينا كسوف، خدي راحتك علي الآخر.

رفعت عينيها في خاصته وسألته بتوتر ومازالت خجولة:
_ يعني مضايجتش وجولت لحالك أي الي خلاني أتچوز واحده بتشخر وهي نايمة!.

حاول كتم إبتسامته فأجاب:
_ أبداً ، هتضايق ليه ده حتي صوت كان زي السيمفونية.

ضيقت عينيها بحنق قالت:
_ عتتمسخر علي إياك! .
لكزته في صدره ونهضت من بين زراعيه ، أطلق ضحكته حتي دمعت عينيه:
_ تعالي هنا والله بهزر معاكي، ده أنا بحبك وبحب كل حاجه فيكي.

أتسع ثغرها ببسمة بلهاء:
_ عتتحدت چد ولا عتضحك عليا؟.

نهض وجلس علي الأرض ومدد ساقيه فجذبها برفق ليجلسها عليهما:
_ عمري ما ضحكت عليكي، و فعلاً بحبك، حبيتك من يوم ماشوفتك أول مرة برغم الظرف الي كنا فيه، ما استحملتش عليكي الي كان بيعملو سليم فيكي وحاولت بأي طريقة أنقذك وأخدك عندي، كان فيه حاجة شداني ليكي، متأكدتش منها غير لما هربتي وقعدت أدور عليكي لحد ما لاقيتك.

ضغطت علي طرف ذقنه بأصبعيها:
_ جصدك لاقتني بعد ما خليت الحكومة جبصتني كيف المچرمين.

ضحك وقال:
_ مكنش قدامي حل غير كده، كنت هاتجنن لو ما لقتكيش.

حدجته بنظرات عشق حالمة:
_ ياه، للدرچدي بتحبني جوي؟.

حاوط وجهها بين كفيه وأجاب بنبرة عاشق متيم:
_ الي جوايا ليكي أكتر من حب يا سمية.

فاجاءته بمعانقها الحاني:
_ وأني كمان بحبك جوي جوي يا صلاح، أوعديني عمرك ما هتچرح جلبي واصل.

ربت علي ظهرها بحنان:
_ أوعدك عمري ما هجرحك، لأن لو ده حصل تأكدي أن هكون ميت وقتها.

زادت من قوة عناقها له:
_ بعد الشر عليك.

أبعدها عن صدره لينظر في وجهها يتأمل كل إنش في ملامحها التي يعشقها:
_ ممكن تخليني أعبر لك عن حبي ليكي؟.

نظرت لأسفل بخجل وأثرت الصمت، فتلك إجابة كافية بالموافقة، تعالت أنفاسه لما هو مقبل عليه فأقترب من شفاها وألتقمهما بخاصته، يتذوق طعم فمها الذي يذكره بطعم العسل الأبيض، ظل يُقبلها بنهم ويضغط بزراعيه علي جسدها لتلتصق به أكثر.
كان شعورها وكأنها محلقة في السماء، مع كل همسة يخبرها بها عن مدي حبه لها ويوصف كل مافيها بأروع الكلمات، غابت عن الواقع مع كل لمسة جعلتها كالهلام بين يديه وهو يعزف نغمات عشقه علي أوتار فؤادها، كانا كالكيان الواحد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ ألحجوني يا ناس، أني مخطوفة أهنه.
صاحت بها فاطمة بصوت متحشرج من كثرة الصراخ وطلب الإستغاثة، توقفت عند دخوله يحدجها بشرٍ:
_ ما جولتلك لو صرختي لميت سنة قدام، ماحدش هايسمعك واصل.

تظاهرت بالقوة عكس ما بداخلها من ضعف وخوف:
_ بس ربنا سامعني وعالم بحالي، و خابر أني مظلومة وأنك ظالمني.

لمست كلماتها فؤاده، لكنه ظهر لها مقابل ذلك:
_ بجولك أي يابت أنتي لو ما كتمتيش خشمك لأسوي فيكي الي ناويلك عليه دلوق.

أرتجفت بخوف، يهددها بالإعتداء عليها ليثأر من شقيقها علي ما فعله بشقيقته، صدح رنين هاتفه ونظر في شاشته فغادر في الحال.
وبعد مرور خمس دقائق وجدت الباب ينفتح لتظهر أمرأه تغطي منتصف وجهها بطرف وشاحها الذي ترتديه، أنكمشت ملامح الأخري بخوف فقالت لها تلك المرأه بصوت خافت:
_ ماتخافيش أني چاية أساعدك تهوربي، بس أوعديني الأول إنك ما تبلغيش عن الي چوزي.

نظرت لها فاطمة في صمت فأردفت الأخري:
_ أني مكنتش خابره أنه يخطفك ويساوم أخوكي غير لما لاجيته متغير وماطيجش نفسه جعدت أزن عليه لحد ما جالي أنه خاطفك ولازم يكسر أخوكي بيكي زي ما سوي في خايته الي ماعرفنش مطرح ليها لحد دلوق.

_ وأي الي خلاكي تيچي تساعديني أهروب؟.
سألتها الأخري بحذر فأجابت:
_ لأن عندي عيال خايفه عليهم ليچري لحد فيهم حاچة أو يتيتمو، لو أهلك عرفو بخطفك و وصلو لچوزي يا هيجتلو يا إما هيخطفه حد من عيالي.

أومأت لها فاطمة بعينيها وقالت:
_ ماتجلجيش أني ما هاچيب سيرة چوزك واصل، وأخوي أني هاتصرف وياه وأعرف منه مكان ورد.

همت الأخري بفك قيودها:
_ وعد؟.

هزت رأسها بالإيجاب:
_ وعد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ السلام عليكم ورحمة الله.
ثم أدار رأسه للجهة اليسري و كرر التحية، فجاءه صوت صاحبه:
_ حرماً يا أبو الفوارس.

نهض وأمسك بسجادة الصلاة وقام بطيها و وضعها جانباً:
_ إسمها تقبل الله.
2

تجرع الآخر رشفة ماء من إناء الفخار ثم قال:
_ماشي يا سيدنا الشيخ، تقبل الله.

حرك فارس رأسه بإبتسامة هاكمة من سخرية صاحبه الذي لمسها في كلماته، فأردف الآخر:
_ إلا جولي صح، الحاچ نعمان سوي وياك أي؟.

أطلق زفرة عميقة من جوفه فأجاب:
_ والله لحد دلوق الشغل عنده زين والراچل ما جصرش وياي عاد، لكن حطني في موقف زي الزفت.

أنتبه له جنيدي بكل حواسه:
_موقف أي؟.

أجاب وهو يسير نحو حافة السور وينظر إلي أسطح المنازل المقابلة للبناء:
_ رايدني أخطب بته الآنسه شهد.

غر فاهه وكاد فكه السفلي يتدلي، وضع طرف اصبعه في أذنه وحركه:
_ الي سمعته دي صوح ولا أنت عتهزر؟.

ألتفت إليه وقال:
_ وأني من ميتي بهزر في حديت زي ده!.

هللت أساريره وكأنه هو صاحب الشأن وليس الآخر، باغته بعناق مباركاً له:
_ ألف مبروك يا صاحبي والله وربنا فاتحها عليك علشان أنت ولد حلال.

أمتعضت ملامحه قائلاً:
_ أنت عتفكر كيف يا چنيدي! ، ولا نسيت إحنا نبجو أي؟.

صفع جبهته و هو يتذكر:
_ يا خربيت دماغي الي لفت، متأخذنيش ياصاحبي الفرحة نستني كل حاچة.

جلس علي الأريكة الخشبية ويطلق تنهيده وعينيه تحدق في الفراغ، يفكر في هذا الأمر المحير.
_ ما عرفش أجوله أي، الراچل لايعرف أنا أبجي مين ولا ولد مين، وخايف أرفض يطردني وأني ماصدجت لاجيت شغلانه لاحد يجولي بطاجتك فين، عموماً أني جولتله أفكر.

ضيق جنيدي عينيه يفكر بالأمر فقال:
_ أنت ما سألتش حالك ولو مرة ليه الراچل ده شغلك عنده وما دققش وياك في موضوع البطاقة؟.

_ نسيت يا ذكي لما جولنا للأمين أننا أتجلبنا في القطر!.

حك فروة رأسه:
_ معلش بجي زاكرتي بعافية شوية، أهملك أني بجي لما ألحج أفرش الشغل قبل ما تبدأ الزحمة.

نهض وأخذ يهندم في ثيابه:
_خدني وياك.

_ وبعد أن وصل إلي المتجر فوجدها تقوم بفتح الباب الحديدي فقام بمساعدتها:
_ عنك يا آنسه شهد.

لم تكترث له بل أطلقت زفرة متأففه وترمقه بطرف عينيها، أدرك سبب معاملتها له عندما دلفت علي حديث والدها وهو يطلب منه الزواج بإبنته فما كان رد الآخر سوي طلب التفكير في الأمر، مما أثار ما بداخلها من جرح كبريائها فقررت أن تعامله بجفاء و ترد له الصاع صاعين.

ولج وراءها وذهب ليقف خلف الكاونتر الزجاجي ليرتب البضاعة المتراصة، فأوقفه صوتها بنبرة تنضح بالعنجهية والتعجرف:
_ أنت رايح فين!.

تجلت الصدمة علي ملامحه فتلاقي حاجبيه وألتفت لها فسألها:
_ بتكلميني أني؟.

تصنعت الجدية البالغة وبنفس وتيرة التعجرف أجابت:
_ أيوه بكلمك أنت، يلا روح المخزن و هات البضاعة الي لسه واصله من يومين وتعالي رصهم في الڤاترينا.
كانت تشير له بيدها، تجهمت ملامحه و أندفعت الدماء في وجهه، ألقي ما بيده بقوة علي الأرض فرأي الفزع في نظراتها، أشهر سبابته نحوها وبتحذير قال:
_ أسمعي يابت الناس لولا أنك حُرمة وبت الراچل الي أكرمني لكنت بعترت بكرامتك الأرض، لكن حديتي مش وياكي هيبجي ويا الحاچ نعمان لما يچي بالسلامة.

تركها في صدمتها من ردة فعله الحادة و غادر المتجر و ذهب يقف مع صاحبه، وعندما أفاقت من صدمتها أجهشت في البكاء:
_ أنا متخلفة وغبية أوي، أيه الي هببته معاه ده!، أهو زمانه كرهني ومش هيرضي يرجع يشتغل هنا تاني،ده غير هيبقي رده علي بابا علي موضوع جوازنا لاء بالتلاته، أعمل أي ياربي.

ذهب فارس إلي جنيدي ليجده يأكل شطيرة ويرتشف مياه غازية.
_ الحاچ عطالك أچازة ولا أيه؟.

زفر بضيق ليجلس علي الرصيف جواره وعينيه نحو المتجر:
_ لاء، أني مستنيه لحد ما يچي.

مد يده له بشطيرة:
_ خد لك ساندوتش الطعمية الچامد ده، هايعچبك جوي.

_ معلش يا چنيدي، كلو أنت بالهنا والشفا،أني ماليش نفس.

حدجه بتعجب وسأله:
_ أتخانجت وياها إياك؟.

لم يريد الإجابة فأشاح وجهه بضيق.
_ خلاص يا صاحبي علي راحتك، خد بالك أنت من الفرشه عجبال ما أروح أشتري لي علبة سچاير.
كانت تقف خلف زجاج العرض تراقبه وهي توبخ نفسها وتلعنها آلاف اللعنات علي أسلوبها الأحمق التي تعاملت به معه، بينما هو كان ينظر أيضاً لكن بغضب حتي أدار رأسه بعيداً عنها، فلاحظ هذا المدعو ممدوح يقف مع فتاة تطلق ضحكات رقيعة وتتحدث بدلال سافر.

عادت إلي المكتب بعدما أنتفخت أوادجها من كثرة توبيخ نفسها، دلفت لها تلك الفتاة تتشدق بالعلكة:
_ أزيك يا شهودة عامله أي يا وحشه الي مبتسأليش.

جزت الأخري علي أسنانها فهي تمقت تلك الفتاة بشدة بسبب سوء سلوكها:
_ الحمدلله يا سماح أنا بخير، عايزه حاجه؟.

جلست أمام المكتب وبإبتسامة زائفة:
_ كنت عايزة أكلم أمي أطمن عليها عشان عيانه و رصيدي خلص والراجل صاحب المحل الي شغاله فيه مدفعش فاتورة تليفون المحل وبقي إستقبال.

مدت يدها لها بهاتفها:
_ خلاص يا سماح، هاتحكيلي قصة حياتك، خدي كلمي أمك أنا لسه شاحنه الباقة.
4

أخذته من يدها باللهفة:
_ تسلميلي يا قمر يا حتة سكر، كملي جميلك معايا وهاتيلي أشرب ميه ساقعه هاموت من العطش.

زفرت بنفاذ صبر:
_ الصبر من عندك يارب، حاضر يا سماح هاقوم أجيب لك تشربي.

وبعدما نهضت شهدت وذهبت لتجلب لها الماء، أشرأبت برأسها لتطمأن إنها لم تراها فأمسكت بهاتفها وأخذت تضغط عدة نقرات وعلي شاشة هاتف الأخري، حتي جاءت شهد تحمل زجاجة مياه وكوب وضعتهما أمامها:
_ أتفضلي.

_ ربنا يكرمك يا سكره.
سكبت الماء في الكوب وأخذت ترتشف، ثم هاتفت والدتها وأطمأنت عليها.

_ أتفضلي تليفونك يا شهوده، ما أنحرمش منك أبداً، شكراً يا حبيبتي.

ردت بإقتضاب:
_ العفو.

نهضت وهمت بالذهاب:
_ هارجع أنا علي المحل عشان سايبه البت الي معايا لوحدها ودي خيبه مابتعرفش تبيع للزباين زيي، يلا سلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تمسك بهاتفها لتجري إتصالها به للمرة الخمسون ولم يجيب، يبدو أنه ترك هاتفه علي الوضع الصامت هكذا كان ظنها، ألقت بهاتفها علي الفراش ونهضت وهي تتثائب بكسل.
ذهبت إلي المرحاض لتغتسل وتتوضأ ثم أبدلت منامتها بإسدال الصلاة وأدت فرضها، وبعد إنتهائها أطبقت شفتيها بألم وتضع يدها علي رأسها يبدو الألم يداهمها مجدداً، ذهبت إلي المطبخ لتعد فنجان قهوة عله يخفف لها ذلك الصداع.
وصلت إلي أنفها رائحة مقززة، أمتعضت ملامحها بتأفف، حتي وقع بصرها علي سلة القمامة، صفعت جبهتها قائلة:
_ آخ نسيت أخرجها إمبارح بالليل قبل ما أنام ، وشكل الراجل بتاع الزبالة فضل يرن الجرس وأنا نايمة زي القتيلة.

قامت بإغلاق كيس القمامة و وضعت غطاء السلة وأغلقته بإحكام لتخرجها من باب المطبخ وتضعها بجوار الجدار، كادت تعود إلي الداخل لكن أوقفها صوت أنين يصدر من شخص يتألم، تتبعت الصوت لتجد مصدره من الشقة المقابلة لها، خفق قلبها وتراجعت عن أمرها:
_ جري أي ياندي!، ناويه تروحيلو يا مجنونه!، بس ده شكله تعبان أو فيه حاجة، وأنتي مالك يتعب ولا يموت ولا يغور حتي في داهية، خليكي في حالك.

تنهدت و أردفت لذاتها:
_ وأنا مالي خليني في حالي أحسن.

و دخلت إلي منزلها، لكن فضولها يسيطر عليها فجالت في رأسها فكرة، ذهبت إلي جهاز الأنتركم وضغطت علي الزر ليأتيها صوت حارس العقار:
_ صباح الخير يا ست ندي، أمرك؟.

_ صباح النور يا عم خضر، بقولك أنا عايزاك تجيب لي خضار وفاكهة من عند الحاج مرعي.

_ حاضر يا هانم، في أي طلبات تانية حضرتك؟.

_ لاء، شكراً، بقولك صح هو فيه حاجة عند الجيران الي قصادي؟.

_ ده علي بيه ربنا يشفيه ويعافيه طلعو عليه ولاد حرام وغزوه بمطواه في جمبه، راجع من المستشفي إمبارح بالليل وسندته بالعافيه لحد ما نيمته علي سريره، بتصل عليه دلوقتي أشوفه محتاج حاجة وأطمن عليه ما بيردش، أصله قاعد لوحده والمدام بتاعته لسه مارجعتش من السفر زي مابيقول.

_ لا حول ولاقوة إلا بالله، ربنا يشفي كل مريض، ماشي ياعم خضر، هاتلي الطلبات الي قولتلك عليها.

جلست علي الكرسي بجوار الطاولة الرخامية تنتظر فوران قهوتها، وفي ذات الوقت أنتابها شعور بالذنب نحوه، تخشي إنه يلقي بنفسه إلي الهلاك من أجل نسيانها.
أنتفضت عندما سمعت آهاته تعلو يبدو إنه في حالة يرثي لها من الوهن والتعب، أخذت تقضم أظافرها وما بين أن تذهب لتطمأن عليه أم تتركه!.
تذكرت عندما تغيب عن الجامعة لأكثر من ثلاثة أيام ولاتعلم عنه شيئاً، فذهبت إليه وجدته محموماً ويتصبب عرقاً غزيراً وفي حالة هذيان، فقامت بالإعتناء به حتي تحسنت حالته.
أنتبهت إلي صوت فوران القهوة الذي تدفق علي سطح الموقد وأطفأ النار، نهضت وأطفأت الغاز وهي تحسم أمرها، بأن تقدم إليه آخر مالديها من مساعدة وتطلب منه الإبتعاد.
ذهبت إلي المرآه لتهندم من إسدالها وتضبط حجابها، ألتقطت مفتاح باب منزلها في يده ثم غادرت.
أطمأنت أولاً بألا أحداً سيراها وهي تضغط زر جرس باب جارها، ضغطت مراراً وتكراراً ولم يفتح لها، وضعت أذنها علي الباب لتتأكد من وجوده بالداخل فسمعت ذلك الأنين المرتفع.
عادت إلي داخل شقتها مرة أخري والقلق يساورها، فقالت:
_ مفيش غير حل واحد و ربنا يسترها.

خرجت من باب المطبخ وتمسك بسكين رفيع قد أخذته معها لتستطع فتح باب مطبخ شقته، وبالفعل نجحت في فتحه ودلفت تتلفت من حولها تبحث عنه.
شهقت عند رؤيته يتمدد علي الأرض في غرفة نومه بنفس هيئته منذ سنوات، محموم ويتصبب عرق غزير بإضافة إلي الألم المنبلج علي ملامحه وهو يجز علي أسنانه ويأن، دنت إليه لتلمس جبهته فوجدت حرارته مرتفعه جداً.
_ علي، أنت جسمك مولع، أزاي سايب نفسك كده!.

لم يجب وكانت عينيه كالشارد في الفراغ يهذي ببضع كلمات ألتقطت منها البعض:
_ ندي، أنا بحبك، ماتبعديش عني.

نهضت بتردد و هي تحدجه بإمتعاض، تعلم هذا ليس مجرد هذيان حمي بل حقيقة مؤكده نابعه من أعماقه وتعلقه المرضي بها.
أطلقت زفرة فهي في حيرة من أمرها، ماذا عساها أن تفعل!.
أنحنت إليه وألتقطت من بجواره منشفة قطنية أخذت تجفف بها حبات عرقه المتناثره علي جبهته و وجهه، لكزته في زراعه:
_ علي، سامعني؟،حاول تقوم عشان تحط راسك تحت الميه، حرارتك عاليه أوي.

نظر نحوها بعينين زائغتين مهمهماً:
_ ندي!، أنتي هنا بجد ولا أنا بتهيألي.

ربتت عليه وقالت:
_ لاء بتهيألك، قوم بس وأسمع كلامي.

تحامل علي نفسه وحاول أن ينهض مستنداً علي طرف السرير، أختل توازنه فكاد يقع، لم تشعر بنفسها وهي تمسك به لتساعده علي الوقوف.
ظل يرمقها وهو لم يصدق عينيه إنها معه بل وتسنده حتي قامت بإيصاله إلي المرحاض.

_ أتفضل أدخل حط راسك تحت الحنفيه، يا أما أفتح علي جسمك الدش، وأنا هاروح أعملك حاجة تاكلها.

أستدارت لتذهب، أمسك يدها ليمنعها قائلاً:
_ ماتسبينيش أرجوكي، أنا ماليش حد غيرك.

سحبت يدها في هدوء:
_ علي، أرجوك أنت أفهم وجودي هنا عشان أساعدك مش أكتر.

أستند بجسده علي الحائط وقال:
_ أنا أصلاً مش مصدق، حاسس أن أنا بحلم، اه...

تأوه بشدة، ركضت نحوه فلاحظت جرحه أسفل القميص يذرف دماً.

_ علي، أنت بتنزف، أنت آخر مرة غيرت علي جرحك ده كان أمتي؟.

هز رأسه بعدم معرفة:
_ مش فاكر، يمكن علي ما أعتقد من وقت إمبارح لما الدكتور غير لي عليه.

رمقته بضيق وقالت:
_ شكل جرحك أتفتح من الحركة وأتلوث وده الي خلي حرارتك بالشكل ده، أنت لازم تروح للمستشفي أو تكلم دكتور يجي يشوف جرحك.

تركها و دلف إلي المرحاض و أخفض رأسه أسفل الصنبور لينهمر الماء علي رأسه.
ذهبت إلي المطبخ تبحث عن شئ لتعده له، فتحت الثلاجة تجدها شاغرة، أغلقتها فشهقت بفزع عندما وجدته يقف أمامه وصدره يعلو ويهبط، يلتقط أنفاسه بوهن.
تراجعت قليلاً لتحافظ علي مسافة بينهما، فقالت بتوتر:
_ أنا كنت بدور علي أكل أعمله لك، ملقتش حاجة.

_ أنا أكلي كله دليفري أو باروح أكل في مطاعم، آخر مرة كلت فيها أكل بيتي،كان من أيديكي أنتي، فاكرة؟.

تحاشت النظر إليه وهمت بالذهاب لتتهرب من نظراته وحديثه :
_ طيب هاروح أنا لشقتي وهاعملك من عندي وأبعته لك، وياريت تتصل بالدكتور يجي يكشف علي جرحك.

خطي نحوها وهي تتراجع حتي أصبح أمامها وخلفها حافة طاولة الحوض الرخامية، يحدجها بعتاب وشوق وهيام و عشق قد بلغ ذروته:
_ أنا جرحي الي بينزف مش هنا.
أشار نحو جرح جانبه، وأردف:
_ جرحي الحقيقي هنا.

أشار إلي موضع قلبه، ظل ينظر في عينيها لثوان فبدأ يهبط إلي شفاها التي ترتجف من التوتر والخوف، وقبل أن يتمكن من تقبيلها، دفعته لتبعده من أمامها و عبرت من باب المطبخ إلي شقتها، تلهث بشدة، تضع يدها علي صدرها، تسمع خفقات قلبها أثر هذا الهراء والعبث الذي كان سيحدث منذ قليل، ذهبت إلي غرفة النوم وتخلع حجابها، ضغطت علي زر الإضاءة، تسمرت في مكانها وتشعر بالبرودة تسري في عروقها:
_ أكرم! .

_ لاتنظر لنا الحياة بنظرة واحدة تارة تسعدنا وتارة أخري تشقينا وتلقي بنا في بئر الأحزان والمصاعب فما علينا سوي السعي والصبر حتي نجتاز مرحلة الشقاء ونصل إلي بر السعادة.
          ♕ولاء رفعت علي♕
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ذهبت إلي غرفة النوم وتخلع حجابها،  ضغطت علي زر الإضاءة،  تسمرت في مكانها وتشعر بالبرودة تسري في عروقها: 
_ أكرم!  .

كان يجلس علي طرف السرير وينظر إليها بشبه إبتسامة لم تستشف منها إن كان سعيداً أم غاضباً أو هادئ كالهدوء الذي يسبق العاصفة!.

أزدردت ريقها بتوتر حاولت إخفاءه ببسمة هشة قائلة: 
_ أي المفاجاءه الحلوة دي؟.
وتلتها بالذهاب إليه ومعانقته لتخفي ملامح وجهها عن رماديتيه التي كانت تخترقها عن كثب.
_ وحشتني أوي يا حبيبي.
تردد في مبادلتها العناق لكن رفع ساعديه وأحتضنها وبدأ العناق يشتد،  قائلاً  بنبرة تخلو من المشاعر التي تعبر عنها كلماته: 
_ وأنتي كمان كنتِ وحشاني.

أنسحبت من بين زراعيه و طبعت قُبلة رقيقة علي ذقنه الحليق،  فسألته : 
_ قولتلي إنك في شغل لمدة أسبوع وأنت يا دوب رجعت تاني يوم.
أجاب بعملية وجدية: 
_ كنت في مُهمة مُحدده والحمدلله خلصتها.

أمسك طرف ذقنها و حدق في عينيها بنظرة أربكتها وجعلت قلبها يكاد يقفز من مكانه، فأردف متسائلاً: 
_ مبسوطه من المفاجاءه ولا متضايقة؟.

تصنعت الدهشة علي ملامحها فأجابت بإنكار: 
_ وهتضايق ليه يا حبيبي،  طبعاً مبسوطه وفرحانه،  ده أنا كنت ببقي زعلانه لما كل شويه بتسافر وتسيبنا لوحدنا،  فاكر؟.

أومأ لها وأجاب:
_ أه فاكر،  و عمري مابنسي أي حاجة.

أدركت مايخفيه في طيات إجابته،  نهضت وهي تحاول تشتيته: 
_ طبعاً شكلك مافطرتش، روح خدلك شاور عقبال ما أحضرلك أكله هتاكل صوابعك وراها.

_ ما تعمليش حاجة.
أوقفها قبل أن تذهب،  ألتفتت إليه فأردف: 
_ أنا أكلت قبل ما أجي ،  لو أنتي لسه مافطرتيش كولي وجهزي نفسك عشان هانروح نجيب البنت.

عادت إليه وجلست جواره،  وضعت يدها علي كتفه: 
_ مالك يا أكرم،  أنت زعلان مني؟ أو ضايقتك في حاجه؟.

أمسك يدها ليضعها بين يديه ليجدها ترتجف وأطرافها يكسوها البرودة:
_ و هزعل أو هتضايق منك ليه!  ،  أنتي عملتي حاجه زعلتني؟.

غصة علقت بحلقها،  تجرعتها بصعوبة حتي تجيب علي سؤاله الذي زاد خوفها: 
_  لاء،  هو أحنا لحقنا نقعد مع بعض.
1

ربت علي كتفها وقال: 
_ متقلقيش،  هانقعد،  هانقعد كلنا مع بعض!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقف أسفل المياه المنهمرة فوقها كإنهمار عبراتها علي وجنتيها،  تبكي وتنعي ذاتها وكبريائها الذي تحطم علي يدي هذا الظالم.
فالألم النفسي يغمرها أكثر من الألم الجسدي أثر ما أقترفه بها، أطلقت آهه نابعة من جوفها فجلست علي الأرض محتضنة ساقيها وجسدها يرتجف وتبكي ويزداد نحيبها كلما تذكرت وعيده لها بأن يعاملها كالحيوان،  يزداد كلما تشعر بأثر لمساته العنيفة وهو يرغمها علي الركوع أسفله كما يفعل الرجال أيام الجاهلية والعصور المظلمة مع الجواري وآسيرات الحروب.
_ بعد ماتخلصي حضري نفسك عشان جايين لينا ضيوف بعد شوية.
أمرها من خلف باب المرحاض، تخشي أن تصرخ بالرفض وتخبره بأن يذهب إلي الجحيم هو وضيوفه،  فيجب عليها أن تتريث وتفكر جيداً في كيفية الخلاص من هذا الوحش.
نهضت وأغلقت الصنبور ثم تناولت معطفها القطني ومنشفة الرأس وأرتدتهما.

كان بالخارج يقف أمام المرآه يرتدي حُلة سوداء مثل عالمه،  يمشط خصلاته الفحمية وعينيه تنظر في المرآه نحو تلك التي خرجت من المرحاض للتو تتحاشي النظر إليه،  بل تتمني أن تهبط علي رأسه مصيبة مفجعة تخلصها وتخلص البشرية بأكملها من شره.

جلست علي الأريكة عاقدة ساعديها فقال لها وهو ينظر لها عبر المرآه: 
_ قاعده عندك بتعملي أي،  مش قولتلك جهزي نفسك!  .

رمقته بإزدراء جلي في نظرات ذهبيتيها المتلألأه من أثر البكاء: 
_ ما أني منتظراك تخلص وتطلع بره عشان أعرف ألبس.

إبتسامة هازئه أعتلت ثغره،  ألتفت إليها وسار نحوها حتي أصبح أمامها وبأسلوب ساخر تحدث: 
_ مكسوفه تغيري قدامي يا حبيبتي!، ما خلاص ده أنا حافظ كل تفاصيلك من أول شعرك.
أزاح المنشفة فوق رأسها فسقطت خصلاتها المبتلة بتبعثر علي كتفيها،  هبط ببصره إلي تلابيب معطفها بنظرات وقحة جعلتها تمسك بها وأردف: 
_ لحد رجليكي.

كادت تحرك قدميها من أمامه لكنه حاصرهما بين ساقيه، حاولت تحرير خاصتها فلم تنجح مما أثارت ردة فعلها ضحكاته، أخذ يقهقه و دنا نحوها ممسكاً بطرف ذقنها يحدق في ذهبيتيها بسوداويتيه لثوان،فباغتها بقبلة لم تستطع الإفلات منها لهيمنته وأصابعه التي أنغرزت خلف رأسها في طيات خصلاتها ليزيد من عمق قبلته التي لاتخلو من العنف،حيث ألتقط طرف لسانها عنوة بين أسنانه بضغطه خفيفة فتأوهت وقامت بمقاومته ليبتعد عنها، لكنه إبتعد بإرادته هو وليست هي.

ألتقطت أنفاسها التي كانت علي وشك أن تتوقف، أرتسم إبتسامة إستفزازية علي شفاه وقال:
_ معلش.

قالها وأعتدل ليغادر الغرفة قائلاً: 
_ عشر دقايق وألاقيكي لابسه وجاهزة قدامي.

وما أن غادر بصقت نحو أثره: 
_ معلش!  ، معلش علي أي ولا أي يا حيوان،  ربنا ياخدك أنت والي كان السبب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ هدأ من سرعة سيارته حتي توقف أمام البناء القاطن به عائلة زوجته، أمسكت بحقيبتها وكادت تفتح الباب وهي تقول: 
_ أستناني هنا خمس دقايق هاجيبها و نازلين علي طول.

_لاء.
تفوه بحده مما جعلها ألتفتت إليه بدهشه تلاشت عندما أردف:
_ أنا طالع معاكي.

نزل كليهما من السيارة،  و دلفا إلي البناء فأشار لها لتصعد الدرج أمامه،  و مع كل درجة تصعد عليها يزداد شعور بداخلها يحذرها من القادم.

أستقبلهما والدها بحفاوة وترحاب بعدما صافح أكرم وأحتضن أبنته: 
_ ده البيت نور بالحبايب.

أنبسطت ملامحه بسعاده غرار ما كان منذ قليل:
_ الله يخليك يا عمي،  منور بيكم ديماً.

جلس ثلاثتهم،  فقالت ندي: 
_ أومال فين ماما ولارا ؟.

أجاب والدها:
_ بنتك نايمه في أوضتك، ومامتك في المطبخ أول ما عرفت أنكم جايين بعد ما أكرم أتصل بيا، راحت تحضر الأكل الي بتحبوه.

_ حبيبتي يا ماما، لما أقوم أروح أساعدها.
قالتها وهمت بالنهوض، فوجدت والدتها تخرج من المطبخ وبيدها منشفه قطنية تجفف يديها بها:
_ أنا خلصت والأكل قرب يستوي كمان.

وقفت ندي بجوار والدتها وقالت بفخر:
_ مامتي طول عمرها ست بيت شاطره وأسرع واحده تعمل أكل.

قالتها ثم عانقتها، ف ردت والدتها بمزاح:
_ يا بكاشه.
نظرت إلي أكرم وقالت:
_ عارف رغم أنا زعلانه منك أنت وهي، لكن لما عرفت أن الحمدلله ربنا هداكم لبعض فرحت وأتبسطت أوي.

فقال والدها:
_ ربنا ما يجيب زعل أبداً ويهدي سرهم، إحنا مش عاوزين غير إننا نسمع عنهم كل خير ويكونو مبسوطين، ولا أي يا ندي؟.

_ أطمن يا حبيبي الحمدلله أنا وأكرم أسعد زوجين في الدنيا.

تدخلت والدتها قائلة:
_ قولي ماشاءالله يابنتي، لايحسد المال إلا أصحابه.

وجه والدها نظراته إلي أكرم الذي آثر الصمت فسأله وخلف سؤاله عتاباً علي ما أقترفه مع إبنته سابقاً:
_ يعني خلاص يا أكرم؟.

_ مش خلاص يا عمي.
إجابته الحاده جعلت ملامحهم تتبدل من الفرح والسعادة إلي الصدمة والوجوم، بينما ندي هربت الدماء من وجهها فأصبحت شاحبة كالأموات عندما تفوه الآخر:
_ أنا جيت لحضرتك النهارده زي ما جيت لك من تسع سنين وطلبت إيد ندي للجواز.

كان حماه يستمع لكلماته بإنصات شديد يخشي ما هو آتي، و زوجته التي لاتقل صدمتها عن إبنتها التي شعرت وكأن دلو من الثلج أُلقي علي رأسها، ليستطرد الآخر:
_ و زي ماقولتلك وقتها يشرفني إن أطلب إيد الآنسه ندي من حضرتك، دلوقتي بقولك بنتك ما تلزمنيش وكل واحد يروح لحاله.

شهقت والدتها وهي تضرب بكفها علي صدرها، وضعت ندي يديها علي فمها وعلي وشك البكاء غير مصدقة ما يقوله زوجها لوالدها الذي أجترع ما سمعه الآن علي مضض فقال:
_ بغض النظر عن الي قولته وهاعتبر نفسي ماسمعتوش، ممكن أفهم أيه السبب الي وصلك تقول كده؟.

أعتدل أكرم في جلسته وأرتسمت علي ملامحه الثقة والجدية البالغة:
_ حضرتك عرفت تفاصيل آخر مشكله حصلت مابينا أنا وبنتك، وبعترف بغلطي الي ندمت عليه وأخدت عهد علي نفسي ما كررش غلطتي دي تاني الي أتعلمت منها درس عمري ما هنساه.

جال ببصره إلي ندي التي تجلس بالقرب منه وأردف:
_ لكن الظاهر الي ما أتعلمش لسه هي بنتك.
وضع يده في جيب بنطاله وأخرج هاتفه وضغط علي شاشته ثم رفعه أمام عينيها:
_ مش دي الرسالة الي بعتهالك علي الحسيني من كام يوم ومسحتيها؟.

أتسعت عينيها وشعرت لوهلة بأنها علي حافة الهاوية، ورغماً عنها تفوه لسانها:
_ إزاي؟.

تدخل والدها وهو في حيرة من ما يحدث أمامه:
_ ما تفهمني يابني أي الي حصل؟، ورسالة أي الي بعتها الي اسمه علي ده؟.

حاول الآخر أن يكبح جموح غضبه الذي لو أطلقه عليها كلما يفكر فيما سيخبرهم به الآن، ستصبح في تعداد الأموات.
_ تحكي لهم ولا أحكي لهم أنا يا ندي هانم يالي بتوعدي وتحافظي علي وعدك!.
تحدث بسخرية مما جعلها صاحت بدفاع عن نفسها:
_ دي مجرد رساله ملهاش لازمه ومسحتها، الي يسمعك كده يقول إني خونتك!.

بادلها نفس وتيره الصوت المرتفع لكن بوضع الهجوم:
_ هو موضوع رسالة بس!، ولما الو..... يجي يسكن في الشقة الي قصادنا وتروحيلو لحد عنده وياريتها مره، مرتين، الأولي يوم ما سبتك وسافرت والتانية وقت ما رجعت من شوية ومالاقتكيش في الشقة ورجعتي من باب المطبخ.
1

كل كلمة وكل نظرة صادرة منه إليها كانت بمثابة سهام مشتعلة تخترق روحها وقلبها، فما كان منها سوي الإنكار لتبعد عنها نظرات الإتهام من والديها:
_ الي قالك كده كداب، أنا مكنتش أعرف أنه هو هيسكن قصادنا.

إنكارها الأحمق أسبر أغواره مما جعله يحدثها كما يتعامل مع متهميه في المخفر:
_ عيب لما جوزك يبقي نقيب شرطه وبيتعامل مع مجرمين وأشكال لايعلم بيها إلا ربنا، وتقوليلي كداب الي قالك، محدش قالي أنا شوفت بعينيا.

وأخذ يضغط علي شاشة هاتفه وقام بتشغيل فيديو مُسجل:
_ مين دي الي كانت معاه في أوضة نومه وهو مرمي زي الكلب؟.

نظرت إلي الهاتف لتجد مقطع دخولها لغرفة نوم علي وهي تحاول مساعدته، أردف:
_ أنا كنت عارف أنه هيجي يأجر الشقة الي قدامنا وصاحب البرج سألني عليه بحكم شغلي خليته يأجر له وأشوف أخرتها معاه، وقبل ما يسكن بيوم بعت واحد ركب له كاميرات، بالنسبة للرساله الي سيادتك مسحتيها من غير ماتبلغيني بيها كانت علي موبايلي زي موبايلك بالظبط، وقبل ما تمسحيها أخدتها إسكرين شوت، ما تستغربيش التكنولوچيا علي مابتضر علي أد مابتنفع برضو، ولو كان عندك ذرة ذكاء واحدة كنتي فهمتي لما قولتلك أوعديني ماتخبيش عليا حاجه تاني، كنت عمال أدعي أنك تخيبي ظني وترجعي ثقتي فيكي تاني، لكن للأسف كل مرة تثبتي لي إنك إنسانه غبية وغير جديرة بالثقة.

كان والدها مُنكس الرأس و هو يستمع لأخطاء إبنته التي لاتغتفر، فتدخلت والدتها بدبلوماسية حفاظاً علي منزل إبنتها من الخراب:
_ أكرم يابني، أنا معاك إن بنتي غلطانه وغلطها كبير كمان، بس معلش سامحها هي خافت تقولك علي موضوع الرساله لتتهور وتعمل حاجه في الي إسمه علي وتتأذي أنت.

رد بنفاذ صبر وهو يتمالك أعصابه من الإنفلات:
_ ولو عديت موضوع الرساله، بالنسبه لدخولها شقته ده أسامحها فيه برضو!.

نظر إلي حماه وسأله:
_ ترضاها علي نفسك يا عمي لو أنت مكاني؟، الي عملته بنتك ملهوش غير تفسير واحد عندي إنها ست خاينه وملهاش أمان .

صرخت ندي ببكاء:
_ والله العظيم ما......
_ أخرسي بقي مالكيش عين تتكلمي.
صاح بها والدها وهو يهبط بكفه علي وجنتها باللطمة قوية، شهقت والدتها وجذبتها لتبعدها من أمامه، وبرغم من الغضب العارم الذي يشتعل بداخله نحوها من ما أقترفته وألم قلبه من القرار الذي أتخذه وحسم أمره، شعر بوخزة في فؤاده عندما لطمها والدها، فمازال يحبها بل يعشقها بجنون ومن أجل محاربته لهذا الحب الذي سيجعله رجلاً بدون كرامة تفوه بقراره:
_ بنتك طالق.
16

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ دلفت سيارة سوداء ذات الدفع الرباعي من البوابة حتي توقفت أمام باب المنزل،  هبط السائق ليفتح باب السيارة فهبط منها المدعو دنيال ومن الجهة الأخري زوجته ساندرا،  يقف سليم لإستقبالهما.
تقدمت إليه ورفعت يدها لمصافحته تقول بالإنجليزية الأمريكية : 
_ منزلك الجديد رائع جداً سليم.

بادلها المصافحة ضاغطاً علي أناملها قليلاً ومبتسماً: 
_ أحب إقتناء كل ما هو رائع.

ضحك دنيال وقال: 
_ حتي عندما تزوجت أختيارك رائع.

هنا أظلمت عيناه وكف عن التبسم  ،  أشار لهما بالدخول وملامحه يكسوها التجهم : 
_ تفضلا.

سار بالداخل وهما خلفه،  فنظرت ساندرا إلي دنيال بتحذير هامسه إليه: 
_ أحذر من التغزل في زوجته، المرة القادمة لم يتردد في إقتلاع لسانك.

رمقها ذات النظرة قائلاً: 
_ أنتِ من سيقطع لسانها أن لم تصمتِ.

وصل إلي بهو لإستقبال الضيوف فوجدوا زينب تقف في إستقبالهم وتحدقهم بإبتسامة مصتنعه،  فهي ليست في حالة أن تجلس وتتسامر مع أحدهم حتي في ذلك الأمر مُرغمة دون إرادتها.

_ أهلاً بكِ سيدة ساندرا.
قالتها زينب وهي تصافح الآخري التي قالت: 
_ لا داعي عزيزتي تناديني بسيدة،  هل أبدو لكِ امرأه مُسنة أم ماذا؟.

تحمحمت بإحراج فأجابت: 
_ لم أقصد،  فأنا أقولها علي سبيل الأحترام.

_ قولي لي ساندرا بدون ألقاب فهذا أفضل.

فقال دنيال متدخلاً:
_ وأنا دنيال بدون سيد.

و كاد يمد لها يده ليصافحها فألحقته ساندرا  وأمسكت بيده تحت نظرات سليم القاتمة والذي قال لهما: 

_ لا داعِ للجلوس هنا، فهناك حفلة شواء قد أعددتها لكم في الحديقة، أعلم كم يحب دنيال اللحم المشوي.

صاح الآخر بسعادة وإبتسامة بلهاء تعلو وجهه: 
_ آوه يا ألهي، هيا بنا ساندرا.

_ هيا حبيبي.
قالتها وذهبا سوياً وسليم أمسك بيد الأخري قائلاً: 
_ خليكي زوق مع الناس وإياك أشوفك قالبه وشك، سامعه؟.

تمتمت بدون سماعه لكلماتها كما تظن: 
_ سمعت الرعد في ودانك.

_ بتقولي أي؟.
صاح بها،  فأجابت في الحال: 
_ ما جولتش،  خلاص هاسوي  الي أنت رايده.
وأردفت بصوت خافت: 
_ جبر يلمك.

حاوطها بزراعه ليتمتم بالقرب منها: 
_ أنا الي هاسمعك الي أرعب من صوت الرعد وأنا بعلمك الأدب، والقبر ده الي هيلم أشلاء جتتك بعد ما أقطعك حتت،  لمي لسانك أحسنلك.
وغرز أنامله في خصرها فتأوهت رغماً عنها، هدر بها من بين أسنانه:
_ أكتمي صوتك.

أبتعدت عنه بصعوبة وذهب لتجلس حول المائدة بجوار ساندرا التي مالت عليها وسألتها: 
_ لما تلك الدموع؟.

جففت عينيها أطراف أناملها: 
_ لاء مفيش حاچة.

عقدت الأخري مابين حاجبيها،  لم تفهم ما قالته زينب حتي أدركت فقالت بالإنجليزية: 
_ عفواً ساندرا، كنت أقصد لايوجد شئ، أو علي مايبدو دخان الشواء هو سبب عبرات عينياي.

نهضت الأخري وجذبت كرسيها فألتصقت بها حتي تستطيع التحدث مُستغله إنشغال سليم مع زوجها: 
_ لا تكذبِ زينب،  أنا أعلم ما يفعله بكِ سليم، هل يُعذبك،  يُضاجعك رغماً عنكِ؟.

جحظت عينيها بدهشة وصدمة في آن واحد لتجيب بقليل من الحده: 
_ كفي ساندرا،  ما هذا الهراء الذي تتفوهين به!.

رفعت جانب شفاها بإبتسامة ماكرة: 
_ حبيبتي،  أنا أعلم الكثير عن سليم و والده،  أأخبركِ سراً لايعلمه سوي أنا و هو.

تلفتت من حولها لتطمأن عدم سماع دنيال إلي ما ستخبرها به فأردفت: 
_ كنت عشيقة داغر العقبي والده،  كان رجل أكثر جنوناً من إبنه، وصل به الأمر شرب دماء ضحياه،  يلقبونه في عالم المافيا بدراكولا،  لذا عندما سنحت لي فرصة الفرار منه،  لم أتردد ولم أظهر سوي بعد علمِ بخبر وفاته، يقولون إنه توفي أثر جرعة مخدر زائدة لكن علمت من كانو مقربون إليه حينها إنه قد مات منتحراً.

أنتهت من كلماتها وأمسكت بزجاجة الخمر فسكبت القليل في الكأس وأخذت ترتشف،  تنظر إلي الأخري التي أستمعت إليها وعلامات عدم الإستيعاب وعدم المقدرة علي تصديق ما ألقته عليها للتو،  تمتمت في عقلها: 
_ أني سويت أي في دنيتي لأچل أوقع في يد واحد مريض نفسي وأبوه راچل مچنون، واحد بيسلخ الناس صاحيه والتاني كان بيشرب دمهم!،  والله لو جولت الحديت دي لأي واحد حدانا في النچع ليجول عليا أتچنيت عاد،  يارب صبرني وقويني يا تاخده يا تاخدني وتريحني.

_ ها قد جاء اللحم المشوي.
قالها دنيال وهو يجلس علي كرسيه والخادمة تضع أمامه طبق من اللحم المشوي وأطباق أخري من الأرز والمقبلات.

وبعدما تناول قطعة، تذوقها بسعادة بالغة:
_ أمم، ألذ لحم مشوي قد تذوقته في حياتي.

أبتسم له سليم:
_ جعلتهم يعدونه خصيصاً لك، هنيئاً.

أبتلع دنيال ما بفمه:
_ شكراً لك عزيزي.

إبتسم الآخر قائلاً:
_ علي الرحب.
نظر إلي زينب فوجدها لم تأكل سوي قطعة صغيرة وأخذت تمضغها علي مهل، أبتسم بخبث ومال عليها وقال:
_ مبتاكليش ليه ولا دي كمان محتاجه فيها أمر مني؟.
2

رمقته بإمتعاض وقالت:
_ ما أني باكل أهه.

أزدادت إبتسامته أكثر:
_ عارفه اللحمه دي لحمة أي؟.

رمقته بريبة وشك:
_ خنزير إياك؟.

_ لاء، ده الراجل الي سلخته خلتهم قطعو لحمه وتبلوه عشان نشويه، أي رأيك في لحمه طعمه جامد.
3

ألقت الشوكة والسكين مما أصدرا صوتاً ونهضت تركض مبتعدة لتفيض ما بجوفها وما قامت بأكله من اللحم، أنطلقت ضحكة من خلفها:
_ دي أنتي طلعتي مشكله،معقوله تكوني صدقتي!، حد قالك عليا آكل لحوم البشر!.
2

ألتفتت له وحدجته بإزدراء:
_ والله الي يجتل ويسوي كيف الي سويته ما أستبعدش عنك تاكل لحم البني آدمين، ما أنت قادر وتعملها، ولا نسيت لحمي الي نهشته أكتر من مرة!.

سرعان ما تبدلت ملامحه إلي تلك النظرة المُظلمة المخيفة.
_ هو أنتي لسه شوفتي حاجه، ده الي بعمله معاكي عينة من الي ناوي أعمله فيكي لو مابطلتيش عصيان وتمرد ده كوم وطلب الطلاق كوم تاني خالص.

ظل كليهما يتبادلان النظرات في صمت، فكانت نظراتها له تنضح بالكراهية والمقت الشديد بينما هو كان يرمقها بالتوعد والعذاب كلما أقترفت مايثير غضبه.
قاطع ذلك الهدوء صوت ساندرا:
_ ماذا بكِ زينب، هل أنتِ بخير؟.

أومأت لها وهي تنظر إلي سليم:
_ أجل، أنا بخير.

أطلق سليم زفرة ثم سأل الأخري:
_ أراكِ لا تأكلين اللحم ساندرا؟.

أبتسمت له إبتسامة صفراء وأجابت:
_ أنا لا أأكل سوي الخضروات، والدك جعلني أمقت كل ما به لون الدماء أو الدماء ذاتها.

حدجها بنظرة قاتله، جعلتها تتراجع وأمسكت بيد زينب:
_ زينب، أريد الذهاب إلي المرحاض.

فقال سليم وعينيه لم تبرح عينياي ساندرا:
_ أرشديها إلي المرحاض، زينب.
لاحظت نظراته الحالكة للأخري فكان هذا دليل مؤكد لها علي ما أخبرته بها وإنها لم تكن تكذب عليها.
سارت ساندرا برفقتها إلي داخل المنزل وقبل أن تدلف الأخري إلي المرحاض أوقفتها زينب بعدما تأكدت خلو الطريق من العاملين في المنزل:
_ أريد منكِ معروفاً وسأدين به لكِ طوال حياتي.

رمقتها الأخري بإهتمام بالغ:
_ تفضلِ زينب وأنا سأفعل لكِ ما تريدنه.

أجترعت لعابها بتوتر، تعلم ما هي مُقبله عليه سيكون مخاطرة كبيرة، كمن يتراقص علي جمرات مشتعلة، غير آبهه إلي من تلجأ وكيف؟.
قالت بحسم:
_أريد الفرار من سليم!.
5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تنظر في هاتفها لتتأكد من العنوان التي أرسلته إليها أحد أصدقائها في رسالة عبر التطبيق الشهير، دلفت فوجدت بهو الإستقبال مزدحم بالشباب والفتيات كل منهم يحمل ملف السيرة الذاتية.
ظلت تنتظر دورها علي مضض، تريد أن تعمل فلم يعد لديها نقود تكفيها ليومين آخريين،  مرت ساعة تلو الأخري،  حتي دوي إسمها في السماعات فنهضت ثم ولجت إلي داخل غرفة المسئول عن المقابلة.
_ أتفضلي أستاذة مروة.

جلست أمام المكتب وهي تنظر لهذا الجالس ويقرأ بياناتها ومؤهلاتها وخبرات عملها السابقة،  صدح رنين هاتفها فقد نسيت تماماً أن تضعه علي الوضع الصامت،  فقالت بإحراج: 
_ آسفه يافندم،  نسيت أعمله Silent.

أومأ لها بشبه بإبتسامة وقال: 
_ ولا يهمك.

وجدت المتصل إبنة خالتها و زوجة أخيهاوفي ذات الوقت، فقامت برفض المكالمة وكانت علي وشك الضغط علي علامة الوضع الصامت فوجدت رساله واردة للتو من الأخري
(مروة أرجعي أرجوكي خالتو تعبانه والدكتور بيقول حالتها خطيرة جداً ).

خفق قلبها بخوف علي والدتها برغم إختلافتهما التي لا تنتهي،  نهضت وتعتدل من إرتداء حزام حقيبتها: 
_ معلش يافندم مش هاقدر أكمل ال interview  ،  حصل ظرف طارئ ولازم أمشي،  أشار لها: 
_ أتفضلي.

خرجت علي الفور و أشارت إلي إحدي سيارات الأجرة،  فتوقفت سيارة أمامها،  دلفت قائلة: 
_ حدايق المعادي يا سطا.

_ وفي داخل البناء بعد أن وصلت أخذت تضغط علي زر المصعد،  لاحظت ورقة معلقة بجواره مكتوب عليها: 
(الأسانسير مغلق للصيانة )
زفرت بتأفف،  عليها أن تصعد الدرج حتي تصل إلي الطابق السادس.
صعدت أخيراً وهي تلتقط أنفاسها،  ضغطت زر الجرس لتجد زوجة أخيها تفتح الباب وترمقها بتوجس،  فقالت لها الأخري بقلق وخوف: 
_ ماما مالها يا أمنية؟.

وما أن دلفت خطوة إلي الداخل فوجدت من يجذبها من رسغها بعنف: 
_ ماما بخير بس معرفتش تربيكي،  وأنا بقي الي هربيكي يا مروة.

وأخذ ينهال عليها بالضرب لم يعط لها فرصة،  فصاحت زوجته: 
_ خلاص يا معتصم،  أبوس أيدك كفاية خالتو لو عرفت الي بتعمله هتقلب الدنيا عليك.

ترك الأخري ليصيح بزوجته محذراً: 
_ غوري من وشي بدل ما تكوني مكانها.
وكاد يلتفت ليكمل ما يفعله لكنها باغتته بقذف مزهرية زجاج علي رأسها وهي تصيح به: 
_ بتعمل عليا راجل يا أخويا،  خد بقي.

صرخت أمنية علي زوجها الذي أختل توازنه ووقع علي الأرض أثر الضربة وجرح غائر في مقدمة رأسه يذرف الكثير من الدماء،  وفقد وعيه.
_ معتصم،  معتصم رد عليا.

تراجعت مروة بخوف واضعه كفها علي فمها بخوف، لم تجد سوي الهروب كعادتها.

صارت تسير في الشوارع خائفة تفكر فيما وصلت إليه، تشعر بالضياع بعد أن فقدت الكثير،  صديقتها التي لاتعلم إلا الآن بما تكنه لها من حقد وكراهية،  أرادت أن تقلب حياتها جحيماً فأنقلب السحر علي الساحر وسُلب أعز ماتملك بعد فقدان قلبها وحبها الوحيد، والآن كانت علي وشك أن تقتل شقيقها.
وقفت أسفل شجرة عملاقة بعد أن داهمها التعب:
_ ليه كل ده بيحصل معايا، أنا كل الي كنت عايزاه هو علي وجت هي خطفته مني، طول عمرها سارقه أصحابي بيسبوني ويروحلها، حتي الإنسان الوحيد الي حبيته ألاقيه بيحبها، هي طول عمرها أنانيه عايزه كل حاجه من غير ماتخسر، علي هواها حب علي الرومانسي الي كان بيسمعها كلام يرضي غرورها وفي نفس الوقت يبقي معاها أكرم الظابط الوسيم إبن عيلة الي أي بنت تتمناه، وأنا عليا أستحمل وأستني أستاذ علي عقبال مارجع من السفر وبدل ما يتجوزني قال عايز ينتقم منها، أتاريه عايز يخرب حياتها وتطلق عشان هو يتجوزها وأنا زي الهبلة كنت بساعده، وأخرتها ضيعت نفسي معاه، الأناني، الندل، الجبان.
1

كانت تتحدث مع نفسها وتبكي، صمتت وتجفف عبراتها، تحولت ملامحها من البكاء والضعف إلي القوة والشر المتطاير من نظراتها للتو.
_ مبقاش مروة لو ماخلتش كل الي جه عليا يدفع التمن غالي، غالي أوي.
1

أنتبهت لرنين رسالة واردة عبر تطبيق الدردشة فوجدت رسالة صوتية من ندي، ضغطت لتستمع إلي محتواها 
( ألحقيني يا مروة أكرم خدني عند أهلي وطلقني).
أعتلت إبتسامة تشفي علي وجهها:
_ من أعمالكم يا صاحبتي!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تمسك بالعديد من أكياس مليئة بالطعام لتعد وجبة الغداء،  وبعدما ولجت وضعت ما تحمله في المطبخ ثم خرجت وهي تخلع غطاء وجهها، كادت تنادي علي عمر وبكر فتذكرت أنهما في المسجد الآن،  نظرت في ساعة هاتفها وقالت: 
_ قدامهم يچي ساعتين عقبال مايچو،  أكون خلصت الواكل.

ذهبت الغرفة لتبدل ثيابها،  فأرتدت عباءة قطنية بنصف أكمام وأطلقت خصلاتها علي هيئة ذيل حصان، دخلت إلي المطبخ وبدأت في إعداد الطعام.

وبخارج المنزل توقفت سيارة أجرة ترجل منها وهو يتلفت من حوله أن لا يوجد من يراقبه،  فمنذ أن قام بطعن من يظنه غريماً له هرب و مكث في إحدي الفنادق وفي الصباح سافر عبر القطار و وصل للتو.
أخرج المفتاح الخاص به وقام بفتح الباب ودلف إلي الداخل،  وصلت لأنفه رائحة طعام شهية ظن إن مصدرها من الجيران برغم بُعد المنزل عن المنازل الأخري ، فهو لم يتذوق أي شئ منذ الأمس ومعدته تضور جوعاً.
ترك متعلقاته علي المنضدة وأتجه إلي غرفته، وفي طريقه سمع بحركة وأصوات تأتي من المطبخ، ذهب ليري ماذا يحدث.

وبالعودة إلي التي تقلب قطع الدجاج في الإناء وتتأكد من نضجها بوخزها بالطرف المدبب للسكين، و لدي مدخل الطبخ يقف في مكانه يشاهدها ويتأمل خصلاتها التي تلمع في أشعة الشمس الآتيه من النافذة الصغيرة.
تركت السكين و أستدارت لتأخذ الغطاء وتضعه فوق الأناء فوجدت هذا الذي يحدجها بصمت، صرخت وركضت دافعة إياه من أمامها وذهبت لتجلب خمارها الطويل وأرتدته وبطرفه خبأت منتصف وجهها:
_ أنت كيف تدخل الدار من غير ما تستأذن يا أستاذ زكريا؟.

أنتبه لصوتها الذي يألفه وعينيها التي يتذكرها:
_ أنتي تبجي قمر مرات أخوي؟.

أجابت بضيق:
_ أيوه أني، وأخوك مش موچود وأنت خابر أننا إحنا جاعدين أهنه، ومن باب الإحترام والذوق كنت تتصل علي أخوك قبل ما تيچي.

حك فروة رأسه يشعر بالحرج من تصرفه الفظ:
_ أني نسيت أنكم جاعدين أهنه وما چتش فرصة أكلم أخوي، معلش حقك عليا.

وقبل أن تتفوه قاطعها رنين جرس المنزل، فتركته و ولجت إلي الغرفة وأوصدت الباب لترتدي ثيابها التي أبدلتها منذ قليل وغطاء وجهها أيضاً.

وفي الردهة بالخارج كان الزائر إبنة خالها المتوفي:
_ السلام عليكم.

رد الآخر التحية فسألته:
_ الشيخ بكر وقمر أهنه؟.

أشار لها لتدلف:
_أتفضلي قمر موچوده چوه.

رمقته بقلق وشك فيما قاله حتي أتي صوت قمر بعدما خرجت من الغرفه علي سماعها:
_ أيوه أني أهه.

ركضت إليها وبنبرة وشيكة علي البكاء:
_ أمي يا قمر، أمي عتموت.

جذبتها قمر من يدها لتجلسها علي الكرسي:
_أجعدي إكده وفهميني عاد، كيفها مرات خالي؟.

_ أمي بجالها فترة تعبانه وبدوخ كتير، أتصلنا علي خالي جالنا أنه سافر وما يعرفش راچع ميتي، روحت أنا وخايتي خدناها علي المستشفي في المركز، عملولها تحاليل وأشعة، الدكتور جالي أمكم حداها بعيد عنك ورم علي المخ وفي مرحلة متأخره كمان، عملها عمليه لأچل ياخده من الورم عينة ويعرفه نوعه أي وبناء عليه هيقرره يسولها العملية ولا لاء، وللأسف لساتنا عارفين النتيچة.
داهمها البكاء مرة أخري وأردفت:
_ للأسف فات الأوان، يعني كلها أيام أو شهر وأتنين و.....
لم تكمل وأنخرطت في نوبة بكاء، أحتضنتها قمر وربتت عليها لتواسيها:
_ كفياك بكا عاد، بإذن الله هاتخف وتعيش، ماحدش فينا خابر حاچة العلم عند الله وهو القادر علي كل شئ.

_ عماله تجول أنه الي صابها ده يبجي ذنبك وجاعده تبكي وتدعي ربنا يسامحها ورايده منك تسامحيها.

لاتعلم ماذا تقول فما وجدته من تلك المرأه ليس سوي معاملة قاسية وظلم وكأنها عدو لها وليست إبنة أخت زوجها، زفرت بإستسلام إلي مشاعرها وقلبها الذي رأف بحال زوجة خالها، فقالت:
_ أني مسامحها وربنا بشفيها ويعافيها.

_ هي رايده تشوفك وتسمعها منك لأچل جلبها يرتاح.

ظلت صامته لثوان تفكر في الأمر، فهي برغم ما فعلته في النهاية تكن زوجة خالها التي لم تنس له معروف، فمن أجله ستذهب وتراها وتكسب أچر الثواب.
_ أني چايه وياكي، أعطني دجيجتين هاطفي البوتچاز علي الواكل وهاچيب حاچة من چوة وچاية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ أنتهي الشيخ واصف من أداء فرضه،  فوجد جليلة زوجته ما زالت تجلس في مكانها منذ الصباح تبكي.
_ لساتك جاعده تبكي، جومي أتوضي وأدعي ربنا يرچعها لنا بالسلامه.

كفت عن البكاء لتزجره بنظرة غاضبة: 
_ الي جهرني الحديت الي عيتجال في حقها،  الي بيجول إنها هربت ويا الحكيم الچديد الي في الصحة،  والي يجول إنها هربت ويا عشيقها ليجتله رافع واد خالها.

_ بنتنا أدب وأخلاق الدنيا كلاتهم فيها ومحدش يجدر يجول غير إكده، هملي حديت الناس الي ولا يودي ولا يچيب،  أني چيت أجدم بلاغ للحكومه جالولي لازم يمر 48 ساعة،  و ولد أخوكي ورچالته جالبين البلد عليها.

نظرت له بإمتعاض وقالت: 
_ كيف أهمله وهي خرچت من ورانا ومن وجتها مارچعتش، الوليه الي قدامنا چايه تجولي جلبي عندك يا أم زكريا،  بتك مش مخطوفه،  بتك طفشت وكانت لابسه نقاب كيف مرات أخوها!.

زفر بسأم من حديثها قائلاً: 
_ العلم عندالله ولما ترچع نبجو نسألها.

طرقات علي الباب فقام الشيخ واصف بفتحه ليجد ولده بكر: 
_ السلام عليكم يا أبوي.

_ وعليكم السلام يا ولدي.

رمقته والدته وقالت بعتاب: 
_ لساتك فاكر حداك أهل تسأل عليهم إياك!.

أطلق تنهيدة ثم قال: 
_ حقك عليا يا أمي ما تزعليش.
وأنحني إلي رأسها يُقبل جبهتها، فكاد يُقبل ظهر يدها أيضاً سحبت يدها قائلة:
_ ما دريتش للي حوصل لخايتك؟.
عقد مابين حاجبيه بعدم فهم فسألها:
_ حوصل أي وياها؟.

أجاب والده بدلاً منها ليوقفها عن الثرثرة التي صدرت منها منذ قليل:
_ خايتك مختفيه بجالها يومين وما عرفنيش عنها حاچة واصل.

صاح بغضب قلما صدر عنه:
_ كيف دي؟.

ألتفت والديه نحو الباب الذي أنفتح للتو ودلفت وهي تتحاشي أنظارهم إلي مظهرها الرث وثيابها المليئة بالغبار،تركت الباب مفتوحاً قالت بصوت خافت:
_ السلام عليكم.

أجاب والدها وأخيها:
_ وعليكم السلام.

لكن والدتها منعتها آمره إياها:
_ وجفي عندك، الي يشوفك وأنتي داخله من باب الدار علي أوضتك يجول ولا كأنك غايبه بجالك يومين عاد.

تدخل واصف قائلاً:
_ همليها يا چليلة ترتاح شويه وبعدين نبجو نتحدتو وياها.

لم تكترث لما قاله لها زوجها، فنهضت وسارت نحو إبنتها و بنظرة تنذر بالوعيد، وبدون سابق إنذار هبطت علي وجهها بلطمة جعلتها وقعت علي الأرض:
_ كنتي فين يا فاچرة؟.

ركض بكر ليقف بين والدته وشقيقته:
_ أي الي عاتسوي ده يا أمي، مايصحش إكده.

صاح واصف بها:
_ أنتي أتچينتي في عقلك إياك؟.

_ بعد عن خلجتي يا بكر وهملني أربي بتي.

نهضت فاطمة تبكي وقالت من بين عبراتها:
_ وأني الي كنت فكراكي قلقانه عليا، عتضربيني!  .

صاحت جليلة بغضب: 
_ وأموتك بيدي أحسن ما يجولو بتك هربت ويا عشيجها وتچيب لنا العار،  كنتي فين وهروبتي ويا مين؟  .

_ أسألي ولدك زكريا وهو هيجولك.

تعجب الجميع وأعتلت الدهشة ملامحهم،  فقالت والدتها بسخرية: 
_  أخوكي خطفك أياك؟.

وسألها بكر:
_ أي علاقة زكريا بخطفك؟.

دخل رافع بللهفة باحثاً عنها ليجدها تقف خلف شقيقها و وجنتها بها أثر صفعة، لم يهتم لأمر عمته وزوجها وإبنهما، أمسكها من يدها وسألها بخوف وقلق وغضب:
_ كنتي فين؟.

جذبت يدها ورمقته بإزدراء وكراهية:
_ ملكش صالح.

_ معلش يا رافع هملها ترتاح، أهم حاچة إنها رچعت لنا بالسلامة.
قالها واصف، فتفوهت جليلة بما سيصبح وبالاً علي إبنتها:
_ ترتاح كيف ما تريد، وتحضر حالها لأچل كتب كتاب رافع ولد أخوي عليها الليلة دي وفرحهم مع بكر ومارته في ليلة واحدة!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6

_ عادت برفقة إبن خالها الصغير  بعدما أتصل بها بكر،  فولجت إلي داخل المنزل فوجدته يتلو آيات الله بصوته الرخيم،  تركته وذهبت لتبدل ثيابها ثم خرجت لتجد عمر نائماً علي الأريكة في الردهة  وعلي وجنتيه آثار عبراته التي أنهمرت بغزارة حزناً علي مرض والدته،  تنهدت بحزن وآسي،  حملته علي زراعيه و وضعته في الغرفة المخصصة له،  ثم ذهبت إلي بكر لتسرد له ما حدث معها اليوم.

ذهبت لتجلس علي مقربه حتي ينتهي من تلاوته وما أن قال: 
_ صدق الله العظيم.

أسرعت فقالت: 
_ أسكت يا بكر شوفت الي چري لمرات خالي؟.

توقعت إجابة علي غرار ما تفوه به: 
_ ومين سمح لك تروحي؟.

ألتمست غضبه الجلي في نبرة صوته التي يتحدث بها لأول مرة معاها.

_ چت بت خالي وخدتني من أهنه وأتصلت عليك وأني في الطريق لاجيتك ماردتش، أنتظرتك لحد ماتخلص الدرس للولاد وأكلمك،  غصب عني أنشغلت ونسيت.

رفع جانب فمه بإبتسامة ساخره مُردداً آخر كلمة نطقت بها : 
_ نسيتي!  .
تنهد بعمق وأردف: 
_ بصي ياقمر حاجتين ما سمحش فيهم عاد،  الأولي الكذب،  والتانية الإستهتار وعدم التقدير كيف أصلي نسيت،  هابجي أفتكر، لو مخابراش تحترمي چوزك كيف جوليلي وأني هاعلمك.

أتسعت فيروزتيها وهي تستمع للهجته الحادة معها مما دفعها إلي الرد عليه بتهكم عاقدة ساعديها: 
_ وهاتعلمني كيف يا شيخ بكر!،  ولا حد جالك عليا ما بفهمش عاد !،  چاوبني؟.

لايعلم ماذا أصابه، يشعر بضيق في صدره يخشي أن يستسلم لغضبه ويندم لاحقاً،  أخذ يردد بصوت منخفض: 
_ أعوذب بالله من الشيطان الرجيم،  أستغفر الله العظيم.

بينما هي ما زالت تقف أمامه بتحدي وإصرار،  صاحت بصوت مرتفع وكأنها تُصر علي خروج أسوء ما لديه:
_ ما تعلمني وخابرني كيف ما جولت دلوق،  ولا أجولك روح علم أخوك الي دخل الدار من غير إستآذان، ولا چاي تتشطر عليا أني!.

جز علي فكه وقد وصل غضبه إلي ذروته فأطاح بالمنضدة من أمامه يهدر بها: 
_بعدي عن وشي، وأدخلي چوه.

أنتفضت بخوف وذعر، كم هي حمقاء لاتعلم مهما كان هذا الذي يقف أمامها يتحلي بالصبر والتريث فهيمنة  وسيطرة الرجل الشرقي تسري في دماءه، ركضت إلي الداخل وأوصدت الباب ثم ألقت جسدها علي الفراش تحتضن الوسادة وأجهشت في البكاء.
كان يجلس بالخارج في سكون، نهض ليتوضأ  ، فالوضوء يطفأ من نيران غضبه ويخمدها ويرجعه إلي صوابه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ يتمدد علي الأريكة الخشبية يتأمل النجوم المتلألأه في السماء المحيطة بالبدر المكتمل لتوه،  يتخيل ملامحها بدلاً منه تبتسم له وتحدثه:  _ أتوحشتك يا فارس؟.

رد في عقله قائلاً: 
_ أتوحشتيني جوي جوي يا روح فارس، محتاچ لك يا زينب،  أني من غيرك كيف التايه في أرض صحرا ملهاش أول من آخر،  كيف الغريب في غربته من غير أهله وناسه،  كيف العطشان وقدامه بير فاضي، ياتري حالك أي وأنتي ويا غيري!.

_  حالي كيف حالك يا واد عمي،يمكن أسوء بكتير، وبرغم إكده لسه فيه أمل هيچي يوم ونتلاجي.

أطلق تنهيدة من أعماقه السحيقة يخرج فيها كل مالديه من حزن وآسي وقلة حيلة، لايعلم كيف سيصل إلي برائته، وماذا يفعل لقلبه الملتاع منذ أن ضاعت ملكته، تقذفه الدنيا كأمواج البحر الثائرة لتلق به علي كل شاطئ، وهو لايريد سوي مرسي واحد، العودة إلي بلده وينال براءته وتعود له من عاهدها ألا يعشق فؤاده سواها.

قاطعه صوت رفيق دربه المجهول:
_ هاتفضل مبحلج في السما إكده، ده أنت من وجت ما رچعت وأنت علي وضعك.

نهض وهو يزفر ليقول له:
_ والله يا چنيدي كأني عايش حلاوة روح، ولا مني حي ولا مني ميت.

زفر دخان السيجارة التي بين أصبعيه وقال:
_ چري أي ياصاحبي عتنوح كيف النسواين حدانا في الصعيد!.

زجره الآخر بنظره تحذره من التمادي في تشبيهاته الفظه، فقال جنيدي:
_ ماتزعلش مني ياصاحبي،  ما أنت خابرني كيف الدبش في حديتي.

نهض و وقف خلف السور ينظر إلي الشارع وأسطح المنازل، ضيق رماديتيه:
_ ألحق الواد شريف الي ساكن ويانا لساته نازله من التوكتوك علي ناصية الشارع الي جصدنا وچاي چري علي اهنه.

وقف الآخر بجواره ليري قائلاً:
_ عمري ما أرتاحت له الواد ده، شاكك مليون في الميه إنه عيشتغل شمال وچاي وحداه مصيبة.

عقب فارس علي حديثه:
_ ربنا يستر، إحنا ما ناجصينش بلاوي عاد، كفاية البلاوي الي إحنا فيها.

وبعد دقائق وجدا أمامهما شريف يلهث من الصعود ركضاً علي الدرج، فقال جنيدي له:
_ أي يا أبو عمو،  عتچري ليه إكده كيف الحرامية؟.

لم يرد ودلف إلي الغرفة يبحث عن حقيبته،  جثي علي عقبيه ليسحبها من أسفل السرير ثم قام بفتحها وأخذ يلقي بداخلها كل ثيابه.

_ ما تخابرنا يا چدع هببت أي بدل ما نلاجي الحكومة في وشنا دلوق!.

صاح بها جنيدي وقبل أن يجب عليه الآخر صدح رنين هاتفه ذو الطراز القديم، فأجاب عند رؤية إسم المتصل:
_ أزيك يا عم عربي.

رد الآخر علي عجل من أمره:
_ بسرعه يا جنيدي أنت وفارس خدو حاجتكم وأمشو بسرعه من الأوضة ، جالي خبر دلوقت من ناس تابعي من قسم المنطقة جايين يقبضو علي الي اسمو شريف بتهمة القتل.

أغلق المكالمة علي الفور وأمسك بتلابيب شريف وصاح في وجهه:
_ أنت ياض جتلت كيف ما جال عم عربي؟.

أبعد الآخر يديه وقال بإنكار:
_ أقسم بالله ما قتلتها، هي الي زودت في الشرب و وقفت في البلكونة مقدرتش تصلب طولها ووقعت، من حظي المهبب إبنها رجع من السفر و دخل لقاني في شقتهم وأمه واقعه من الدور العاشر، أفتكرني رماتها، والله ده كل الي حصل.

كان فارس يقف مستمعاً إليه فسأل جنيدي:
_ وكيف عم عربي عرف أنه جتل؟.

أجاب جنيدي من بين أسنانه:
_ ناس تابعه في القسم بلغوه فيه قوه جايه من هناك علي أهنه.

صاح كل من فارس وشريف في آن واحد:
_ بوليس!.

وفي غضون دقائق أخذ كل منهم أشيائه وفروا ثلاثتهم، ذهب فارس وجنيدي يبحثان عن مكان مهجور ليمكثا به حتي الصباح بينما ثالثهم ذهب إلي محطة القطارات ليركب القطار المتجه إلي الأسكندرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وفي اليوم التالي..
ترجلت من سيارة الأجرة أمام المتجر،  فكانت تتحدث في هاتفها: 
_ حاضر يابابا، مش هاكلمه لحد ماتيجي حضرتك وتبعت له وقتها هاعتذر له خلاص كده،  الو،  الو.

نظرت في شاشة الهاتف فوجدت الهاتف لايعمل،  زفرت بتأفف: 
_ يعني ماتفصلش غير وأنا بكلم بابا،  موبايل معندكش دم،  والله لأغيرك وأشتري الي أحسن منك.

ألقته بداخل حقيبتها،  ثم قامت بإخراج المفتاح وتذكرت فارس عندما كان يساعدها في فتح الباب، أنتبهت إلي صفير إحدي الشباب إليها:
_ ده القمر طلع بطل جامد وأحنا مانعرفش.

رد عليه شاب آخر بمغازلة سافره : 
_ ده الي كان معاها هو الي كان بطل إنه قدر علي الوحش الجامد ده.

نظرت نحوهما بإزدراء و هدرت بصياح مدوي:
_ جري أي يا حيلتها منك ليه لازم تتهزأو علي الصبح عشان تلمو لسانكم.

وقف أمامها إحدهما قائلاً:
_ حيلة مين وتهزأي مين يا حلوة، أبقي أعمليها كده وأنا هاعمل فيكي أكتر من الي عمله الواد معاكي في الفيديو.

لم تفهم ما قاله لها هذا الوغد، فظهر المدعو حموده الذي جاء للتو:
_ في أي ياشبح مالك ومال الآنسه؟.

قهقه الآخر بسخرية و أصدر صوتاً بذيئاً من فمه وأنفه:
_ آنسه!، ده أنت الي آنسه جمبها.
لكزه حموده في صدره:
_ طب غور من هنا يلا عشان مزعلكش.

أمسك الآخر بزراعه:
_ تزعل مين يا بابا، ده أنا الي هزعلك وأجيب ناس تزعلك.

خشيت شهد علي حمودة من هؤلاء الشباب من أن يقوموا بأذيته:
_ يلا يا حموده، سيبك منهم دول شوية عيال صايعه مش لاقين حد يربيهم.

فصاح الشاب الآخر:
_ ده مين دول الي صيع يا صايعه يا و.....، ما تروحي شوفي مين الصايع والو...... وفيديوهاتك علي كل الموبايلات.

قد فاض بها الكيل فصرخت به:
_ فيديوهات أي يا حيوان الي بتتكلم عنها.

أشار لها حمودة:
_ أتفضلي أدخلي المحل يا آنسه شهد وأنا هاشوف شغلي مع الأشكال دي.

رد الشاب وهو يباغته باللكمة قوية:
_ أشكال دي تبقي خالتك يالاه.

وعلي الجهة الأخري هبط كل من فارس وجنيدي من ال (التوكتوك)، فقال الثاني:
_ أيه الخناقة الي هناك دي قدام محل الحاچ نعمان؟.

نظر فارس ليجد شهد تصرخ في الشابين وهما يبرحان حمودة ضرباً بالركل في ساقه  واللكم في وجهه، ركض فارس علي الفور فناده جنيدي: _ رايح فين تعالي أهنه.

وبمجرد وصوله أمسك الشاب الذي يركل حمودة دفعه باللكمة في وجهه، و كاد الشاب الآخر يركله،أمسك فارس بقدمه ودفعه أرضاً، ودنا منه قابضاً علي ياقة قميصه:
_ خد صاحبك و غورو من أهنه.

و ألتفت إلي شهد وأمرها:
_ وأنتي أدخلي چوه.

صاحت وهي تشيح بيديها:
_ مش ماشيه غير لما أعرف أي حكاية الفيديو  الي بتكلمه عنه وبيقولو أنه بتاعي.
1

هدر بها فارس بأمر و حزم:
_ جولتلك أدخلي چوه، أني هاتصرف وياهم.

أرتجفت من صياحه في وجهها هكذا، فأذعنت له ودلفت إلي المتجر تنظر لما يحدث من خلف لوح زجاج عرض الملابس  ، فوجدت سيارة والدها وصلت للتو وهبط منها، وعندما رآه كلا الشابين قاما بالركض في الحال.

رأت والدها يتحدث مع فارس وحمودة  ثم دلفوا ثلاثتهم إلي الداخل.

_ روح يا حموده بلغ الأمين شوقي عايزه ضروري، خليه يجيب لنا العيال ديه ويربيهم.

حك حمودة فروة رأسه في حيره لايعلم كيف سيتفوه بالأمر:
_ أستني يا حاج بس الأول لازم تعرف حاجة.

أعتلت الدهشه ملامح الآخر:
_ حاجة أي الي لازم أعرفها ؟، ماتخلص وتقول.

أزدرد ريقه بخوف من ردة فعل رب عمله عندما يخبره بالآتي: 
_ الكلام الي العيال ضايقو بيه ست شهد كان بسبب حاجه كده أنا مش متأكد منها.

لم تتحمل أكثر من ذلك فصاحت: 
_ ماتنجز يا حموده وقول علي طول.

أخرج هاتفه وهو يقول:
_ فيه حوالي خمس فيديوهات أتبعتولي من رقم غريب علي الواتس  الصبح ومش أنا لوحدي،  كمان أتبعتت للشباب الي شاغلين في الكافيه الي علي الناصيه والي شاغلين في المحلات الي جمبنا وأنا جاي في الطريق سامعهم بيتكلمو عنها،  وأنا كنت ناوي أجي أبلغ حضرتك،  عشان بالتأكيد الفيديوهات دي متفبركه مش حقيقية....
+

لم تمهله شهد لإكمال حديثه فأختطفت منه هاتفه واخذت تبحث عن تلك الفيديوهات في معرض الصور، ضغطت لتشغيل واحد منهم وليتها ما قامت بتشغيله.
بدأ الفيديو بظهور فتاة نسخة مطابقة منها ترتدي ثياب فاضحة ويحتضنها شاب فوق الفراش وبدأ يُقبلها بحميمية ويخلع عنها ثوبها العاري!.

_ أستيقظت من نومها علي صوت جرس المنزل المتكرر، أرتدت وشاحها و خبأت منتصف وجهها بطرفه، فتحت الباب لم تجد أحد و مازال الجرس يرن، خرجت خطوة لم تجد أحد أنتفضت بخوف فولجت للداخل وأغلقت الباب وصدرها يعلو ويهبط من الفزع، لم يبرحها الخوف فوجدت ظل أسود يتكون علي الحائط بهيئة أمرأة، أرادت أن تصرخ و هي تدير مقبض الباب، لكن صوتها لم يخرج والباب كأنه موصداً من الخارج.
تسمر جسدها بالكامل عندما سمعت صوت مصدره هذا الظل الذي بدأ يتجسد علي شكل فتاة في مقتبل العشرينات.
_ تعالي أهنه ماتخافيش مني، أني چايه لك لأچل أبلغك رسالة.

جحظت فيروزتيها برعب وأرتعدت أوصالها من الخوف، تريد أن تسألها من أنتِ لكنها لم تستطع أن تحرك لسانها، ففاجأتها الفتاة:
_ لو رايده تعرفي أني مين روحي أسأليه ليه جتلتها هي والي في بطنها وكل ذنبها كانت عتحبك.

لا تفهم شيئاً مما قالته تلك الفتاة التي فهمت نظراتها لتكمل لها:
_ جوليلو عمري ما هسامحه ولو ماخدتش حجي في الدنيا هاخده منه في الآخرة.
وبدأت الفتاة تخرج من الحائط تطير في الهواء صوبها مما جعلها ترتجف وتريد الصراخ ولم تستطع.

يناديها صوت من بعيد:
_ جومي يا قمر، جومي.

أستيقظت بفزع وأطلقت صرخة، فوجدت من يوقظها بكر الذي أمسك بيدها يربت عليها:
_ أهدي، ماتخافيش أني كنت عصحيكي لما سمعت صوتك عماله تقري قرآن وبتترتعشي، دخلتلك أشوف مالك، لاجيتك نايمه، جولت أصحيكي ليكون كابوس ومعرفاش تفوجي منه.

أمسك بدورق المياه من فوق الكمود وسكب لها القليل في الكوب الفارغه جواره ومدها إليها:
_خدي أشربي.

تناولتها منه وهي ترتشف رويداً رويداً و تركت الكوب جانباً ، أخذت تستغفر ربها وتردد أذكار الإستيقاظ من النوم.

_ الحمدلله أنك صحتني، جلبي كان هيجف.
قالتها وهي تضع كفها علي صدرها، أمسك يدها وطبع قبلة في راحة كفها وقال:
_ ألف بعد الشر علي جلبك.

تذكرت ما فعله الأمس بها من صراخ و إهانة ولم يعط لها فرصة لتشرح إليه، جذبت يدها ونهضت مبتعدة عنه:
_ يدك ماتلمسش يدي تاني، وهملني أنت في حالك وأني في حالي.

غر فاهه فسألها ببلاهة:
_ هو الكابوس أثر علي دماغك إياك؟.

عقدت ساعديها وترمقه بسخط فقالت بتهكم :
_ أني برضك!، ولا واحد إكده أعصابه فلتت منه عشية إمبارح، وشاط التربيزة قدامي، ما كنت تكسرها علي دماغي أحسن!.

إبتسم رغماً عنه و رد برومانسية حالمة تعزف علي أوتار فؤادها الصغير:
_ علي فكرة بجي أني صاحي من بدري لأچل لما تطلعي أعتذرلك وأجولك حجك عليا يا حبيبة جلبي، شوفتي أنتي ظلماني كيف!.
أخفت إبتسامتها وأرتسمت علي ملامحها الضيق والوجوم:
_ ياسلام! ، بعد كل الي سويته چاي تجولي حجك عليا وأني المفروض أدوس علي زرار و خلاص بجي أسامحك!.

أطلق زفرة وتمتم بالإستغفار ثم قال:
_ أني بعترف بغلطي وأني سلمت حالي للشيطان الي خلاني أتعصب، لكن كيف ماغلطت أنتي كماني غلطتي وعتكابري ومعوزاش تجولي أنك غلطانه، يبجي مين إكده المفروض يزعل من التاني؟.

فتحت فمها غير مصدقة لتقول له بدهشة:
_ بچد والله!، دلوق خلتني أني الي غلطانة، ماشي يا سيدي حجك عليا إن روحت لمرات خالي من غير ماأستأذنك، لكن كيف ما جولتلك أني إكده ولا إكده مكنتش جاعدة في الدار.

_ خابر بسبب زكريا الي چه ودخل ونسي إننا في الدار، أني أتحدت وياه جالي مكنش يعرف وعيعتذرلك.

رفعت زواية فمها بتهكم:
_ متشكرين.

رفع حاجبه وسألها:
_ شامم ريحة سخرية في حديتك، ما عچبكيش الي جولتهولك ولا أي عاد؟.

ردت بإنكار:
_ وأني عتمسخر ليه، أنت عتجولي أخوك أعتذر وأني عجولك متشكرين.

أطلق زفرة ويرمقها بنظرة يخبرها بعدم إقتناعه، لكنه لايريد خلاف مرة أخري يكفي ما سيخبرها به للتو:
_ بالمناسبة،بعد ما نفطرو هنعاود علي دار أبوي.
2

داهمها الشعور بالصدمة وأتضح ذلك علي ملامحها
_ كيف؟.

رد ليخبرها أن حديثه لارجعة فيه:
_ هو أي الي كيف، مالك حاسس إن رچوعنا لدارنا ما عاچبكيش.

جزت علي فكها بحنق لم تستطع إخفاء شعورها بالرفض حيال ما يخبرها به.

_ جصدك تجول دارك أنت.

_ وأنا وأنتي نبجو أي، واحد؟، ولا كل واحد لحاله!.

ردت بتأني لا تظهر له مدي سخطها من العودة إلي منزل والديه:
_ طبعاً واحد، لكن أني أتفاچأت لما عتجولي.

أمسك بيدها ليجعلها تجلس علي كرسي وجذب آخر و وضعه أمامها ليجلس مقابلاً لها :
_ بصي ياقمر لأچل نبجي واضحين، أنتي خابرة ظروفي زين، ما أقدرش أشتري شقة دلوق، ممكن نأچر شقة علي قدانا لحد ما ربنا يكرمني وأشتري لك شقة ملك، الي هيحوصل دلوق إننا هانرچع علي دارنا ومنها أجف ويا خايتي فاطمة وأشوف أي حكاية أخوي وأكون ويا أهلي لأچل يحتاچو حاچة مني.

أنتبهت لذكر إسم شقيقته فسألته لتطمأن عليها:
_ مالها فاطمة؟ وأي حكاية أخوك؟.

أطلق تنهيدة لايعلم من أين يبدأ إخبارها فأجاب بإيجاز:
_أخوي ماعرفش لسه حكايته، لكن خايتي كانت مخطوفة ولساتها راچعة إمبارح وأمي حكمت عليها تتچوز رافع واد خالي غصب عنها.

شهقت وهي تضرب علي صدرها بكفها:
_ واه، رافع!، يامُرك يا فاطمة!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ نهض من فراشه عندما شعر بقليل من التحسن، فبعد أن تركته وعادت إلي منزلها، تحمل ألم جرحه الذي ذرف دماءً كثيرة وهاتف الطبيب ليأتي إليه وجاء في غضون نصف ساعة مع حارس العقار عم خضر الذي قام بفتح باب الشقة بالنسخة التي تركها علي لديه، فتفاجأ كلاهما برؤيته مُسجي علي الأرض لا حول له ولا قوة، ودماءه ملطخه قميصه، أسرع الطبيب بإسعافه وتقطيب جرحه مجدداً وتغطيته بالشاش واللاصق الطبي، وقام بتعليق محلول وحقن بداخله مُسكن لتخفيف آلام جرحه.

تضور معدته من الجوع، ذهب إلي المطبخ باحثاً عن أي شئ يأكله فلم يجد سوي قطع دجاج مُتبلة في الثلاجة ،قام بطهيها في المقلاة، مد يده ليجلب طبق ويضع عليه القطع بعض قليها فداهمه ألم قاتل في جانبه جعله تأوه من بين أسنانه ويعتصر عينيه من فرط الألم.

خرج ليأكل أمام التلفاز، بمجرد ضغط علي زر الإضاءه وجد الذي يجلس أمامه علي الكرسي واضعاً ساق فوق الأخري يزفر دخان سيجارته، يرمقه في صمت قاطعه عندما تحدث بتهكم:
_ تصدق أنا جعان أوي، بس مليش نفس للفراخ.

وضع الطبق علي المنضدة ليجلس علي الكرسي المقابل للآخر، حاول كتمان أوجاعه وأن لا يظهرها أمامه، بادله حديثه بنبرة هاكمة :
_ أنا أول مرة أشوف ظابط يدخل بيوت الناس زي الحرامية!.

رفع أكرم زواية فمه بطيف إبتسامة ساخرة ، وضع يده خلف ظهره ليأخذ سلاحه الناري و وضعه علي المنضدة أمامه :
_ وأنا مش جاي لك بصفتي ظابط.
ع،
يجلس أمامه الآخر بثبات يُحسد عليه وكأنه ينتظر هذا اللقاء منذ زمن.
تناول قطعة دجاج بهدوء يثير حنق الآخر الذي يتحكم في ثورة غضبه العارم، تندلع من نظراته المتربصة.
مضغ وأبتلع ما بفمه ولعق أطراف أنامله ثم قال:
_ أومال جاي ليه بصفتك جوز ندي.
9

سحقاً لهذا الأحمق الذي يعلنها أمامه وصراحة، يتحداه والأدهي يلفظ إسم زوجته التي أضحت طليقته الآن علي لسانه بكل جرأه و وقاحة لم يراها من قبل، فسرعان أنقض عليه كإنقضاض ليث علي ضبع يظن نفسه في قوة خصمه لايعلم إنه وقع بين فكيه.
_ إسمها ميجيش علي لسانك بدل ما أقطعهولك.
هدر من بين أسنانه ممسكاً بتلابيب علي الذي يحدجه بتحدي سافر، يتراقص علي حافة البركان غير مكترث لحممه المتصاعدة لإحراقه وجعله رماداً مندثراً في مهب الريح.

_ إياك تكون فاكر إن هخاف منك!، أنا راجع وعارف مين خصمي ولا نقول غريمي.

غمز بعينه فسبر أغوار الآخر، كور قبضته ولكمه في وجهه، فأنقلب بالكرسي إلي الوراء، تأوه رغماً عنه، ليس من اللكمه بل من جرحه الذي لم يندمل بعد، بينما كان أكرم يملك جرح أعمق وأقوي، فجراح الجسد لها العديد من الأدوية لكن جروح الفؤاد لاتوجد ما يداويها.

أخذ سلاحه و صوب فوهته نحو رأس المُلقي علي ظهره:
_رصاصة واحدة ترشق في دماغك وتتمحي من الوجود أو أرميك ورا الشمس ومحدش هايعرف أنت عايش ولا ميت.

ورغم آلامه تجلت إبتسامه علي شفاه ليكيد الآخر ويثير جنونه، قال بتهدج:
_ أي؟،خايف إنها تسيبك وترجع لي؟، ولا الباشا مش عارف يسيطر!.

رصاصة أنطلقت وأستقرت في ظهر الكرسي تركت خدشاً لايذكر علي أذنه تسببت في ذرف بضع قطرات من الدماء، ومالبث أن باغته بالقبض علي تلابيب قميصه وأخذ يكيل له عدة لكمات متتالية، لم يمهله حتي إلتقاط أنفاسه وصاح به مهدداً إياه:
_ كان ممكن أخليها ترشق في قلبك، بس مش أنا الي يزفر رصاصه من مسدسه بدم واحد وس..... زيك، أقسم بالله لو ماخدت بعضك وغورت من هنا وياريت تغور من مصر كلها لأكون ملبسك قضية أقل حاجة فيها تأبيدة.
تابع حديثه بركلة قوية في جرح الآخر الذي أطلق صرخة مدوية، يشعر وكأن روحه تغادر جسده المتلوي من شدة الألم، ثم تركه وغادر المنزل متوجهاً إلي مقر عمله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بين نغمات أغاني الفلكور الشعبي لمحافظة أسوان والمراكب التي تتراقص في مياه النيل المتلألأة أثر سقوط أشعة الشمس الذهبية ، فتغني القلوب طرباً من هذا المنظر البديع الخلاب.
وهنا بداخل هذا المركب يتعانق قلبان كمعانقة أصحابهما لبعضهم البعض.
يهمس بجوار أذنها بعشق وهيام:
_ أنا أسعد واحد في العالم، في حضني الإنسانة الي بحبها وبعشقها وقاعد في مركب وسط النيل وشايفين الخضره علي ضفافه، هاعوز أي تاني من الدنيا!.

مالت برأسها علي كتفه لتنظر له بزواية:
_ عتتحدت چد يا صلاح، للدرچدي حبتني جوي؟.

إبتسم بمكر فقال بمزاح:
_ ولا حبيتك ولا حاجه أنتي صدقتي ولا أيه.

لكزته في كتفه وقالت:
_ أخص عليك يا صلوحتي وعلي هزارك البايخ عاد، بجي إكده أوعي.
وكادت تنهض فحاوط خصرها بزراعيه:
_ رايحه فين، أنسي إنك تقومي من حضني غير لما ننزل من المركب.

وقبل أن تتحدث وجدت صاحب المركب الذي يجلس بجوار المحرك ينظر نحوهما ويبتسم، شعرت بالخجل:
_ طيب خلاص، بعد هبابه إكده، الراچل عمال يبص علينا.

تمسك بها أكثر وقال:
_ ما يبص مالهوش حاجة عندنا، واحد ومراته في الهني مون وبيحبها ومايقدرش يبعد عنها ولو لحظة.

أستدارت بين يديه حتي تنظر في عينيه التي أشتدت زرقتها في ضوء الشمس الساطعة مما جعلها تحدجه وتتأمله في صمت، فقال هو:
_ عايزة تقولي أي يا سمسمتي؟.

يتراقص فؤادها من الفرح والسعادة، يعشقها ويفهمها بمجرد نظرة من زرقاويتيه لخاصتها، ما هذا القدر الحليف الذي أوقعها في درب رجل لم تكن تحلم بالزواج منه أو تقابل مثله عندما كانت تعمل بالمشفي، كثيراً رفضت من يريدون الزواج منها فمنهم من كان طامعاً في راتبها ومنهم من يريدها خادمة لوالداته وشقيقاته والبقية حدث ولا حرج أشباه رجال يريدون الزواج من أجل المتعة ليس أكثر.

تنهدت وأجابت:
كنت رايده أجولك أني برضك أسعد واحدة في العالم وربنا بيحبني جوي لأچل يچعلك من حدي ونصيبي.

أمسك يدها بلمسة أذابت قلبها تياماً، فقام بتقبيل كل طرف من أناملها حتي وصل لراحة يدها وطبع قبلة أفاضت بكل مايريد إخبارها به عن مشاعره نحوها.

_ واه، عتسوي أي عيب إكده.
قالتها بخجل يمتزج به بعض الدلال

_ عيب لما أبوس صوابعك وأيديكي ومش عيب الي حصل إمبارح والنهاردة الصبح ولسه هيحصل كل يوم و......
أسكتته بتكميم فاهه بيدها:
_ أكتم عتفضحنا يا راچل.

أزاح يدها من علي فمه و أطلق ضحكاته التي تعشقها وتظهر لها مدي وسامته، تصنعت الضيق وزمتت شفاها:
_ وأني جولت أي يضحك يا حضرة الأڤوكاتو؟.

أجابها وهو يهز رأسه:
_ أنتي مشكلة يا سمسمة، بضحك علي كلامك و ردود فعلك الغير متوقعة.

رفعت رأسها بشموخ لتحدثه من برج كبريائها المرتفع وكأنها ملكة تلقي خطاباً لشعبها:
_ حدانا في البلد إحنا أتربينا علي إكده، ممكن يكون حسب تفكيرك إني رجعية وقديمة لكن دينا وعاداتنا عتجول المشاعر سواء حديت أو فعل مابين الراچل ومارته لما يكون مجفول عليهم باب، لأن دي خصوصية مش علي الملأ إكده.

أومأ لها متفهماً، فقال بمزاح:
_ حاضر يا بلدينا.

ولت إليه ظهرها متمتمة:
_ روح أضحك مع حالك.

_ خدي هنا، أنا بهزر معاكي، وهاسمع كلامك هاعبرلك عن مشاعري لما نرجع الأوتيل، هاغرقك مشاعر لحد ماتفرهدي.
وغمز بعينه، توهجت وجنتيها وأشاحت وجهها، لم يكترث لما قالته له منذ قليل فأحتضنها وسألها:
_ مقولتليش بقي نفسك في أي أعمله لك، أطلبي وأتمني وأنا ومالي وحالي ملك إيديكي.

رمقته بفرحة تغمرها:
_ كل الي ريداه منك أنك تفضل إكده معايا علي طول، ماتتغيرش في يوم ولا تچرحني، إياك والخيانة.

أمسك بيدها وقال:
_ عمري ما أخونك لأني مختارك بعقلي وقلبي وعمري ما هلاقي زيك، وبالنسبه لحبي ليكي عمره ما هيقل بالعكس كل يوم بعيشه معاكي بحبك أكتر.

_ يبجي إكده مافضلش غير حاچة واحدة و دي بجي الي بإذنه ومشيئته هو الي يحققهالي ربنا سبحانه وتعالي.

رمقها متلهفاً فسألها:
_ وياتري أي هي الحاجة دي؟.

نظرت في عينيه لثوان فأجابت:
_ أنه ربنا يرزقني منك بولد وبنوته ويكونو شبهك بالظبط.

تغيرت ملامحه في لحظة من السعادة إلي الوجوم مما أثار الريبة بداخلها:
_ مالك أتضايجت ولا أي، ماريدش عيال!.

كان سؤالها ليس بمجرد سؤال تنتظر إجابته بالإيجاب أو النفي لكنها تخشي ما طرق في ذهنها عندما رأت وجوم ملامحه للتو.

و بما إنه متفوق في مهنته التي تميزه بالدبلوماسية البحته، أجاب عليها كالآتي:
_ مش زي ما أنتي ما فهمتي، كل الحكايه أنا مش مستعجل، تقدري تقولي نأجل الموضوع ده لبعدين، عايزين نستمتع بكل لحظة بنعيشها مع بعض.

هزت رأسها كدلالة علي ما أدركته، أشاحت وجهها وفي رأسها تتدور مئات الأسئلة، تنظر نحو الشمس التي بدأت في الغروب ويتحول لونها الذهبي إلي الأحمر البرتقالي في منظر جذاب من صنع الخالق.
قاطع وصلة تأملها رنين هاتفه، فأخرجه من جيب بنطاله ونظر إلي هوية المتصل.
_ ألو ياباشا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أجاب سليم علي الجانب الأخر بسخرية مازحاً:
_ ده أنت الي باشا وعريس، وأنا آخر من يعلم.

ضحك وقال:
_ والله الموضوع جه كده بسرعة حتي لسه محدش يعرف .

كان يقف علي حافة سطح منزله متكئاًحبمرفقه علي ساقه المستنده علي السور:
_ ما أنت عارف بقي مفيش حاجة بتستخبي علي سليم العقبي، ياتري مين سعيدة الحظ الي خطفت قلبك؟.

نظر صلاح إليها وهو يجذبها إلي صدره:

_ طبعاً ونيجي فيك أي يا مدرسة، و الي خطفت قلبي يا سيدي تبقي سمية هانم حرمي المصون.

عقد مابين حاجبيه يتذكر صاحبة ذلك الإسم:
_ أوعي تكون البنت الممرضة الي خدتها عندك؟.

_ دي ملاك رحمة نزل من السما عشان يعالج قلبي الي كان بيموت وهي جت أحيته من جديد.

رفع زواية فمه قائلاً:
_ عمتاً ألف مبروك، هاترجع أمتي من عندك؟.

شعر الآخر بعدم قبول صديقه تلك الزيجة فلم يهتم، وأجاب علي سؤاله:
_ إن شاءالله علي آخر الأسبوع، عشان فيه شغل وقضايا كتير كنت مأجلها.

_ وأنا كمان هخلص حاجه كده في الشغل الي عندي و راجع مصر علي آخر الأسبوع.
1

_ توصل بالسلامة يا باشا.

أجاب بإقتضاب:
_ الله يسلمك.
ألقي نظرة في شاشة هاتفه ينظر إلي الساعة ليجدها الحادية عشر صباحاً بتوقيت لاس فيجاس.
_ ماشي يا صلاح، أنا مضطر أقفل معاك دلوقت، يلا باي.

_ وبالأسفل بداخل الغرفة، تجول ذهاباً وإياباً تفكر في كيفية الهروب من هذا المتوحش بدون أن تفشل خطتها ويكتشفها فيلقي بها داخل جحيمه و يذيقها ويلات من العذاب الذي لايتحمله بشر.

توقفت فجاءة بجوار السرير فرفعت فراشه قليلاً وأخذت شيئاً من أسفلها، جلست تنظر إلي البطاقة المدون بها الرقم الشخصي لساندرا جابرييل وأسفله مدون أيضاً عنوان مركز سبا التي تمتلكه ويقع بالقرب من الكازينو الخاص بزوجها دانيال.
أنفتح الباب فجاءةً، فألقت بالبطاقة سريعاً أسفل السرير.
_ كنت لسه فاكرك نايمه.
قالها فأستدارت إليه فرأته يحدجها بشك، أبتلعت لعابها و قالت بتوتر:
_ لساتني صاحيه من عشر دجايج.

كادت تذهب من أمامه فأوقفها ممسكاً يدها، نظرت إليه فسألها:
_ تحبي نتغدا هنا ولا نتغدا بره؟.

أجابت بإمتعاض:
_ الي رايده أنت.

وقف أمامها مباشرة و رمقها مبتسماً مما أثار دهشتها من هذا الذي يتبدل حاله في كل وقت، رفع يده إلي وجهها فتراجعت بخوف،وجدته يمسك خصلاتها الغجرية وعينيه صوب خاصتها، ويده الأخري تجذبها من خصرها لتلتصق به.
_ خايفه مني؟.

لم تقاومه لأنها قد تعلمت، إذا أرتكبت فعل يثير غضبه سيلقنها عقاباً قاسياً، أجابت علي سؤاله المثير للسخرية:
_ و أي الي يخليني أخاف منك، عتضربني أو تعذبني مثلاً عاد!.

رفع زواية فمه بعدما أستشف من إجابتها السخرية، رد بهدوء أثار ريبتها نحوه:
_ طول ما أنتي مطيعة وتسمعي كلامي هخليكي أسعد واحدة، و لو العكس زي مابتعملي هخليكي تعيشي أسود أيام حياتك.

قالت في نفسها:
_ ما أني عايشة فعلاً أسود أيام حياتي من وجت ما شوفتك.

ردت علي كلماته بما يرضيه ويبعد شره وإيذائه عنها إلي أن تحين لحظة فرارها:
_ ما أني خلاص أتعلمت و الي هتجولي عليه من هنا ورايح هاسويه علي طول.

شبه إبتسامة يرمقها بها ونظرات قاتمتيه تخبرها بأنه ليس هو الرجل الذي ينخدع من إمرأه ساذجة، فهي كالكتاب المفتوح أمامه سهل قراءة أفكارها من نظرة واحدة.
ربت برقه علي وجنتها:
_ لما نشوف.
أصابتها رجفة شعر بها وهي بين يديه، تخشي أن يختبر صدق كلماتها، وقد كان، أبتعد عنها و ذهب ليجلس علي الكرسي واضعاً ساق فوق الأخري بعنجهية، أشار لها بأصبعه:
_ تعالي.

أذعنت له وسارت نحوه، مع كل خطوة قلبها يخفق بقوة، وقفت أمامه تنظر لأسفل تتحاشي النظر في سوداويتيه المُظلمة.

_ أرفعي وشك وبصي لي.
أمرها مجدداً، ففعلت ما أملاه عليها، وجدت ملامحه ساكنه خالية من أي تعبير يدل علي حالته المزاجية، لكن هناك ما جعل الرعب يتسلل إلي قلبها وهو ذلك الظلام الموجود في عينيه.

_ أقلعي.
غرت فاهها بصدمة وكأن خرج له رأس آخر.
7

_ سمعتي أنا قولت أي؟.
سألها بجدية صارمة، فأجابت بتهدج وحماقه :
_ أجلع، أجلع كيف يعني؟.

ضحك بتهكم علي سؤالها:
_ ماتعرفيش تقلعي هدومك يا بيبي!،ولا أقلعها لك أنا بطريقتي.

تراجعت بخوف خطوة إلي الوراء تضم تلابيب ثوبها:
_ ما أجصدش الي فهمته، أني كنت رايده أسألك هجلع خلچاتي ليه؟.

رد بجدية وحزم:
_ عشان أنا عايز كده، مش من شويه كنتي بتقولي أتعلمتي خلاص وهاتنفذي الي هقولك عليه! ، فين بقي.

تلعن نفسها علي ماتفوهت به إليه، ها قد عاد لجنون ساديته وفرض سيطرته مرة أخري، هزت رأسها بطاعة، و شرعت في تنفيذ أمره، أخذت تفتح زر تلو الآخر وأنزلته من كتفيها لتخرج زراعيها فوقع علي الأرض، وهكذا أصبحت بثيابها الداخلية فقط .
حدجها من أخمص قدميها إلي رأسها فهز رأسه برفض قائلاً:
_ هدومك كلها.

جحظت ذهبيتيها، كيف له أن يطلب منها هذا!، صاح بها ماجعلها أنتفضت مذعورة:
_ هاتفضلي مصدومة كدة كتير!، أخلصي ولا أقوم أنا أقلعك بنفسي.
و كاد ينهض، أوقفته بإشاره من يدها علي الفور:
_ خلاص، خلاص، هاجلعهم بنفسي.

وضعت يديها خلف ظهرها لكي تفك مشبك صدريتها بتردد وخجل شديد، أخفضت بصرها لأسفل لتواري عبراتها التي تجمعت للتو لكن شهقاتها بدأت تتعالي، وما أن أنتهت من خلعها أخذت تخبأ مفاتنها بضم زراعيها وكأنها تحتضن نفسها.
لم تشاهد تلك الإبتسامة التي ملأت ثغره و هو في قمة سعادته من رؤيتها في تلك الحالة، خاضعة لأوامره رغماً عن أنفها، تبكي بنحيب لم يكترث له بتاً، بل زاد ضغطه عليها أكثر فهدر بها:
_ أنتي هتقعدي اليوم كله هتعيطي، خلصي وأعملي الي قولتلك عليه.

أزداد بكائها بقهر، لم تشعر بإهانة من قبل قدر ماتشعر به الآن، أنهارت قواها فجثت علي عقبيها وتناولت ثوبها لتواري به جسدها، وأمسكت يده برجاء بالغ لتتوسله بل تتذلل إليه:
_ أحب علي يدك يا سليم، كفايه إكده مجدراشي أسوي الي عتجولي عليه.

برغم من عدم طاعتها لأمره بالكامل لكن يكفي تلك النظرة في عينيها، نظرة مليئة بالذل والألم،كم جعلت هذا الكائن الضاري بداخله يشعر بالإنتشاء لكن هناك جانب آخر في أعماقه يوبخه وينهره علي ما يقترفه بها وجعلها تصل إلي تلك الحالة التي يرثي لها.
بداخله صراع نشب للتو وصل لذروته مما سبر أغواره، نهض صارخاً:
_ كفايه.
4

توقفت عن البكاء ونهضت سريعاً لتبتعد من أمامه، لم يمهلها خطوة واحدة للإبتعاد، حيث جذبها من خصلاتها لترتطم به وأنقض علي شفاها، يقبلها بعنف وقسوة، وكلما حاولت دفعه عنها تزداد قبضته علي خصلاتها حتي أبتعد ليلتقط أنفاسه بلهاث وكأنه يعدو في صحراء قاحلة.
ظل يرمقها كمن فقد عقله، وهي تتراجع إلي الوراء تهز رأسها بالرفض تخشي ما هو مُقبل عليه، أندفع نحوها فأوقفه طرق علي الباب وتابعه صوت الخادمة:
_ عفواً سيدي، فرجالك ينتظرونك بالأسفل، يريدون مقابلتك في الحال.

أخرج هاتفه من جيبه ونظر إلي شاشته ليجد العديد من المكالمات الفائتة من كبير رجاله، فتركها وهبط إليهم ليري ماذا يريدون منه.

_ كارثة، كارثة سيدي.

أتسعت قاتمتيه فسأله:
_ ماذا هناك؟.

_ چوناثان قد علم بهجومنا علي وكره فنصب لنا فخاً و نال من العديد من رجالنا فلم يتبق سوي نحن الأربعة فقط، وقبل أن نرحل قال لي أحد رجاله قُل لسيدك إذا أراد أن يسترجع أشيائه فليأت ويأخذها بنفسه.

ثار غضبه وأصبحت ملامحه كوحش ضاري يريد الفتك بأعداءه، صاح بهم:
_ أذهب وأجمع لي كل رجال الحراسه.

_علينا ترك أثنين منهم لحراسة المنزل.
1

هدر بأمر حاسم:
_ أذهب وأفعل ما أمرتك به أيها الأحمق.

صعد إليها فوجدها تتمدد علي السرير بعد أن أرتدت ملابسها، ذهب إلي الخزانة وقام بفتح الضلفة الوسطي التي بداخله خزنته ذات الشفرة، لمس أحدي الأزرار المسطحة فأضاءت اللوحة الرقمية فوضع كفه وقام بفتحها وأخذ سلاحين ،فتح خزينة كل منهما وملئها بالرصاص.
أرتدي الحزام علي كتفيه و وضع السلاحين في كل جراب علي حده.
خطي علي عجالة وأمسك بزراعها:
_ قومي تعالي معايا.

_ واخدني علي فين إكده؟.
سألته بصراخ من ألم قبضته القاسية علي زراعها، فزجرها بنظرة جعلتها تلزم الصمت، هبط بها لأسفل ودفعها بداخل غرفة مكتبه منادياً علي مديرة المنزل:
_ آنيتا، آنيتا.

جاءت راكضة:
_ أمرك سيدي.

أشار لها قائلاً:
_ أوصدِ باب الغرف عليكما من الداخل حتي أعود.
وأردف بصوت لايسمعه سواها:
_ لا تخبريها بأي شئ، وأجعليها تحت عينيك، فأنتِ المسئولة أمامي.

أومأت له بطاعة:
_ أمرك سيدي.

وفي غضون دقائق ذهب وبرفقته جميع رجال الحراسة ولم يتبق سوي الخادمة وزينب في غرفة المكتب، أدركت الأخري بأن هناك كارثة قد حدثت وجعلته يأخذ جميع رجاله فعليها إستغلال تلك الفرصة للهروب.
نظرت إلي الخادمة التي ألتزمت بالوقوف في صمت مطبق، فسألتها:
_ أنيتا.

_ نعم سيدتي.

_ ماذا حدث وجعل سليم يأخذ جميع رجال الحراسة ويذهب؟.

تصنعت الأخري جهلها بالأمر:
_ لا أعلم.

حسمت أمرها وعليها التشبث بتلك الفرصة التي لم تأت مرة ثانية، فسألتها مرة أخري:
_ لايوجد سوي أنا وأنتي فقط؟.

رفعت كتفيها بإنكار:
_ لا أعلم سيدتي.

تمتمت بصوت غير مسموع:
_ آه يا وليه يا جرشانه، عملالي فيها معرفاش حاچة، يبجي تستاهلي الي هسويه فيكي دلوق.

أخذت تخطو تتفحص كل أنحاء الغرفة وبطرف عينيها لاحظت مراقبة الأخري لها عن كثب، فأيقنت أن سليم أمرها بذلك.
وقفت خلف المكتب الخشبي وحاولت فتح أدراجه، فتحت الدرج الكبير فوجدت بداخله حاسوبه المحمول، أخذها الفضول لتشغيله، وبعدما قامت بذلك، نقرت علي إيقونة ملفات التخزين فوجدتها مُشفرة.
_ جافلها برقم سري، يبجي بالتأكيد عليها بلاويه السودة.

أغلقت الحاسوب لتجد الأخري ما زالت تنظر لها، أمسكت بقطعة خزفية من المعدن وتتأملها:
_ تعالِ أنيتا،أنظري إلي هذا.

أقتربت الأخري بإهتمام وقالت:
_ ماذا به؟.

ترددت فيما ستفعله لكن كلما تتذكر كم ماتعرضت له علي يد هذا الطاغي، يندفع إليها حافز للفرار بأي ثمن.
شهقت وهي تنظر بفزع نحو الباب فأستدارت الخادمة لتري ماذا يحدث، فباغتتها زينب بضربة علي رأسها بقطعة الخزف مرتين حتي فقدت الوعي.
دنت منها لتأخذ المفتاح من جيب جونلتها، وقبل أن تغادر الغرفة أخذت الحاسوب وفتحت الباب، فصعدت لتأخذ متعلقاتها وبعض الثياب وأبدلت ملابسها سريعاً، أرادت مهاتفة ساندرا لتتأكد من وجودها بالمركز الخاص بها فتذكرت أن ليس لديها هاتفها ولاتمتلك أي أموال.

ركضت إلي الخارج حتي غادرت المنزل، ظلت تركض وتركض حتي وجدت نفسها علي طريق رئيسي، أشارت إلي سيارة أجرة وأخبرت السائق علي العنوان المدون بالبطاقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3

_ بداخل الرواق يجلس الحاج نعمان أمام الغرفة التي تمكث بها إبنته منذ البارحة، فبعدما شاهدت محتوي الفيديو لم تتحمل وخارت قواها وفقدت وعيها علي الفور، حملها فارس علي زراعيه وأدخلها سيارة والدها وذهب جميعهم إلي أقرب مشفي خاص وبعد أن فحصها الطبيب أخبرهم أنها تعرضت لصدمة نفسية وما زاد الأمر صعوبة لأنها مريضة سكري، لذا وضعها تحت الملاحظة وأمر الممرضة بتعليق محلول لها وتبقي لمراقبتها حتي تفيق.

جاء فارس يحمل كيس يبحث عن الحاج نعمان فوجده يجلس علي كرسي مُنكس الرأس يمسك عصاه بيديه مستنداً عليها، أقترب منه وربت عليه برفق:
_ حاچ نعمان.

رفع رأسه ونظر إليه وعينيه تغرقها الدموع، قال له:
_ شهد بتضيع مني يا قاسم يابني.

جلس بجواره و وضع يده فوق يد الآخر بمؤازرة ومواساه:
_ ماتخافش يا حاچ، بإذن الله ربنا هيقومها بالسلامة، أدعيلها.

_ وأنا في أيدي أملكه غير الدعاء، آه لو أعرف مين إبن الحرام الي عمل لها الفيديوهات دي، وأزاي عملها، أنا طول عمري أسمع عن صور تتفبرك لكن فيديو أزاي!!.

أطلق تنهيدة وأعتدل في جلسته قائلاً:
_ للأسف دلوق فيه فبركه للفيديوهات، صورة وصوت كمان، عيسويها برامچ كيف الفوتوشوب، تبجي جاعد في أمان الله وتلاجي حد مصورلك فيديو بصورتك وصوتك وأنت عتسوي چريمة أو عتجول حديت يلبسك مصيبة، ياما بيوت خربت بسبب إكده.

_ لا حول ولاقوة إلا بالله، ربنا يسترها ويبعد عننا الأذي، أنا كل الي عايزه أن بنتي تقوم بالسلامة وهجبلها حقها.

وضع يده علي كتفه قائلاً:
_ أطمن يا حاچ وهمل الموضوع ده عليا، وأوعدك هچبلك الي سوي إكده لحد رچلك وتسلمو للحكومة.
_ مش هسلمه غير لما أطلع عينه الأول.

رفع الكيس ليقدمه إليه:
_ طيب ممكن تاكلك لقمة، وأوعدك كل الي رايده هو الي هيحصل.
هز رأسه بالرفض وقال:
_ وهاجيب النفس منين عشان آكل وبنتي مرمية جوه ولسه مافقتش لحد دلوقت.

خرجت الممرضة إليهما والسرور يملأ وجهها:
_ الآنسة شهد فاقت.

تهللت أسارير والدها فسألها:
_ ينفع أدخلها يابنتي؟.

أجابت وهي تشعر بالحرج:
_ بصراحة الي يقرر ده الدكتور، دقيقة هاروح أبلغه هيجي يطمن عليها وهو الي هيقول لحضرتك ينفع ولا لاء.

وبعدقليل جاء الطبيب وقام بفحصها مرة أخري ليطمأن علي حالتها الصحية، وخرج إليهم، فسأله نعمان بللهفة:
ــ بنتي عامله أيه دلوقتي يا دكتور؟.

أجاب الآخر قائلاً:
_ الحمدلله بقت أحسن من إمبارح خدنا منها عينة دم نعملها شوية تحاليل نطمن علي مستوي السكر، وأول ما تطلع النتيجة هاكتبلها إن شاءالله علي خروج بس أهم حاجة الراحة النفسية.

وبعدما أعطاهم الطبيب التصريح للخروج، عادوا إلي منزل الحاج نعمان، فساعده فارس علي إيصال إبنته إلي باب شقتهم و نزل لشراء كل ما كتبه لها الطبيب من أدوية وشراء بعض المستلزمات وأعطاها إلي والدها الذي أخرج المال من محفظته لمحاسبته، لكن الآخر رفض رفضاً باتاً.

قام نعمان بإعداد الطعام لإبنته و قام برصه علي الصينية ودلف إليها بعدما تحمحم:
_ يارب ياستر، صاحية يابنتي؟.

نهضت بجذعها وأراحت ظهرها علي الوسادة التي خلفها بدون أن تتفوه ولو بكلمة، أشاحت وجهها لاتريد النظر في عين والدها من فرط خجلها من ما حدث.
1

رفع طبق الحساء وأغترف منه بالملعقة:
_ عملك حبة شوربة لسان عصفور هتاكلي صوابعك وراهم.

هزت رأسها وتمتمت بخفوت:
_ مش عايزة أكل.

_ ماينفعش يابنتي، لازم تاكلي عشان الدوا الي هتاخديه.

زفرت بحزن وألم فقالت:
_ ياريتني ما فوقت أو موت أحسن.

وضع نعمان الطبق علي الصينية وألتفت لها والآسي يختلج ملامحه:
_ حرام عليكي، بتعملي فيا كده ليه، عايزه تقهري قلبي عليكي! ، ده أنا من يوم أمك الله يرحمها ما توفت وسابتك ليا حتة لحمة حمرة وأنتي بقيتي كل حاجة ليا، مرضتش أتجوز وأجيب لك مرات أب الله أعلم هاتربيكي إزاي ولا هاتعملك حلو ولا وحش، كان كل همي أربيكي أحسن تربية وأعلمك لحد ما أخدتي شهادتك مافضلش غير أسلمك لإبن الحلال الي يصونك ويحطك في عينيه، وتيجي في الآخر تقولي ياريتني أموت!.

أجهشت بالبكاء وقالت:
_ سامحني يا بابا، غصب عني الي حصل ده مش سهل عليا، إزاي هارفع راسي في وسط الحته بعد مابقيت في نظرهم الي شافوه في الفيديو .

تريثت لثوان حتي تجفف سيل أنفها بالمحرمة الورقية فأردفت:
_ أنا خلاص بقيت في نظرهم واحدة رخيصة، مبقتش شهد بنت الحاج نعمان الي بينضرب بيها المثل، أنت عشان أبويا والي مربيني عارف أن في الفيديو دي مش أنا، لكن غيرك مش هيصدق مهما حلفت لأن الناس ملهاش إلا الظاهر حتي لو عارفين الحقيقة.

جلس بجوارها وأحتضنها بحنانه الزاخر:
_ تولع الناس وتولع أي حاجة المهم عندي أنك بخير، وأوعدك هاجبلك حقك من الي عمل كده، هاخليه يبوس جذمتك عشان تسامحيه، بس ياريت تبطلي عياط ومتقهريش نفسك عشان خاطري.

عانقته بقوة تتشبث به كطفلة صغيرة:
_ يا بابا أنا أكتر حاجة تعباني أنت.

أبعدت رأسها عن صدره لتنظر له:
_ مش عايزه حد يبص لك بصة وحشة بسببي ولا يحرق دمك بكلمة عليا، لأني ما أستحملش أشوفك في الوضع ده، عرفت ليه بتمني أموت أو ما كنت فوقت!.

وضع يديه علي كتفيها وقال بحزم وجدية:
_ لا عاش ولا كان الي يكسرني أو يكسرك، ومتقوليش كده تاني، أنتي بنت الحاج نعمان الي بتمشي رافعه راسها ولا يهمها غير الي خالقها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ عاد فارس إلي صاحبه جنيدي الذي ما زال يقوم ببيع الثياب فوق الرصيف.
_ الحاچ نعمان كيفه دلوق؟.

سأله جنيدي فأجاب الآخر بعد أن جلس بجواره:
_ الله يكون في عونه، الموضوع شكله كبير جوي، والي سوي الحكاية دي غرضه يأذي الحاچ جبل بته.

زفر دخان سيجارته ليرد قائلاً:
_ وليه ماتجولش الي سوي البلوه دي يكون عينتجم منه أو من بته.

نظر له فارس فأومأ له وأشار له بنظرات عينيه نحو هناك حيث متجر المدعو ممدوح، لاحظ وقوف تلك الفتاة التي رآها منذ يومين أمام المتجر تنظر في هاتفها.

وبداخل المتجر، يجلس خلف مكتبه يزفر دخان الأرجيلة ويشاهد إحدي مقاطع الفيديو بنظرات شهوة مقززة ويقول في نفسه:
_ ده الولاه جيجا طلع فنان، لولا أنا الي مديله الصور بنفسي كنت صدقت الي في الفيديو دي البت شهد، دي شهد أجمد بنت اللذين، عليها عود وجوز عيون يدوخو رجالة بشنبات، يلا خلي أبوها يبقي يوريني وشه ولا هايرفع راسه في الحته إزاي، والسنيورة بنته هتقعد جمبه مش هتلاقي الي يعبرها، أقوم أنا أطلع الشهم الجدع الي هيتجوزها ويستر عليها، الله عليك يا دوحه وعلي أفكارك الألماظ.

_ بقالي ساعة برن عليك وأنت قاعد هنا!.
صاحت بها سماح التي ولجت للتو، فأنفزع وأنتفض علي كرسيه، وقعت من يده عصا الأرجيلة وأغلق هاتفه من الزر الجانبي، ليهدر بها:
_ أنتي أي الي جابك يابت؟.

أشاحت بيديها له في الهواء:
_ بت ماتبتك يا جدع أنت، أنا جيت لك عشان أخد بقية حقي ولا ناوي تاكله عليا!.

نهض وصاح بنفس أسلوبها الفج:
_ حق مين يا أم حق، أنا مديلك فلوسك وقتها وقولتلك ماشوفش وش أمك في الحته تاني.

_ نعم يا عمر! ، هو المتين ملطوش دول يعتبره فلوس أنت قولتيلي هديكي ألفين جنيه والميتين دي مجرد عربون.

دفعها في كتفها مما جعلها سقطت علي الأرض:
_ ألفين عفريت ما يلهفوكي، يلا يابت غوري من هنا، ولو لمحة خلقتك هنا تاني لأخلي رجالتي ياخدوكي علي الخرابه يوضبوكي.

نهضت وتحدجه ب شرٍ وتوعد:
_ ورحمة أبويا يا ممدوح الكلب لأفضحك وأخلي سيرتك علي كل لسان.

تجمع أصحاب المتاجر علي صياحها المدوي، فتدخل أحدهم:
_ في أي يا ممدوح مالك ومال سماح؟.

صرخ فيهم:
_ أنا قاعد في حالي وهي جايه ترمي بلاها عليا.

قالت سماح:
_ ده كداب.
وألتفتت له تزجره بتهديد:
_ أقولهم جيت لك ليه؟.

أقترب الآخر منها وقال بصوت لايسمعه سواها:
_ أبقي أنطقي بكلمة واحدة وهخليكي بدل ما بتعالجي أمك العيانه هخليكي تقرأي عليها الفاتحة.
نظرت في عينيه لتدرك صدق تهديده لها، فقال إحدي المتفرجين:
_ ما تقولي ياسماح وخلصينا ممدوح ضايقك في حاجة.

ظهر فارس وجنيدي من بين الجميع لمشاهدة تلك المشاجرة في ترقب

خشيت أن تتفوه بحرف ٍ واحد وهذا الوغد ينفذ تهديده إليها، ألقت نظرة عليهم جميعاً ولاحظت نظرات فارس التي أربكتها وكأنه يعلم ما بينها وبين ممدوح.
_ مفيش، كان ليا حساب عنده وأخدته منه خلاص.

فقال جنيدي بسخرية:
_ حساب كيف وأنتي عتشتغلي في الكوافير الي علي ناصية الشارع!.

رمقته بإزدراء:
_ ماتخليك في حالك يا جدع.
قالتها و ذهبت سريعاً، فهمس فارس لصاحبه:
_ أني رايح مشوار إكده، ومعاود علي طول.

سار فارس خلفها علي بعد مسافة حتي لا تراه، أوقفت مايسمي بالتوكتوك ودلفت بداخله ليتبعها أيضاً عبر ركوب التوكتوك الذي يليه قائلاً للسائق:
_ ورا التوكتوك الي ماشي قدامك، ماتفرقهوش واصل.

ترجلت في منطقة شعبية قريبة وأعطت للسائق الأجرة كادت تلتفت لتعبر الشارع لكن أوقفتها سيارة كانت علي وشك أن تصدمها وفي تلك اللحظة تلاقت عينيها برماديتيه المراقبة لها، فأطلقت ساقيها للريح، لاتدري أنه أمهر منها في الركض.
توقفت في وسط حارة نائية وبعيدة عن الإزدحام لتلتقط أنفاسها، أخذت تنظر من حولها فلم تجده، تنفست الصعداء وعادت لتذهب إلي منزلها، وما أن خطت قدمها فناء البناء ذو الرائحة العطنة أصتدمت به وأطلقت صرخة مدوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1

_ أتفضلي يا حبيبتي.
قالتها والدة ندي وهي تقدم لمروة كأس العصير، تناولت الأخري الكأس وتتصنع الآسي والحزن علي صديقتها:
_ مكنش ليه لزوم يا طنط، أنا جيت أطمن علي ندي، أنا مصدقتش لما سمعت الڤويس نوت وبتقولي الي عمله أكرم.

جلست و زفرت بقلة حيلة، لتقول بنبرة مليئة بالشجن:
_ ومين فينا الي مصدق يابنتي، والله عين وصابتهم.

تجرعت رشفة قليلة ثم تركت الكأس لتسأل صديقتها مصتنعة عدم الفهم:
_ هو أي الي حصل و وصل الموضوع مابينكو للطلاق؟.

كانت الأخري تبكي كلما تذكرت ماحدث ينتابها حالة من الصدمة وينتابها حالة بكاء هيستري.
_ هو فاهم غلط، أقسم بالله ما خنته زي ما بيقول.

نهضت وعانقتها وربتت علي ظهرها بحنان زائف وتقول في نفسها:
_ دوقي ولو جزء من عذاب قلبي الي خلتيني أدوقه السنين الي فاتت ولسه بدوقه لحد دلوقت.

ثم قالت بصوت مسموع:
_ أهدي يا حبيبتي، ماتعمليش كده في نفسك، مفيش حاجة تستاهل دموعك، أهدي وفهميني أي الي حصل بالظبط.

أخذت ندي تسرد لها ما حدث معها وكذلك والدتها قد حكت لها ما فعله عندما كان هنا.

_ والله يا مروة يابنتي كنا قاعدين ولا علي البال ولا الخاطر، كنت فكراه جايبها عشان يقعدو معانا شويه وياخدو لارا وهم ماشين، عمري ماتخيلت الي حصل، بس أرجع وأقول إن بنتي الي غلطانه، هي الي وصلته لكده، لو كانت صريحة معاه في الأول مكنش شك فيها وعمل الحوار ده كله.

تعالي نحيبها وقالت بدفاع عن نفسها:
_ هو الي أضطرني أكدب عليه، يعني كنتم عايزني أحكيله واقوله علي حالف ما يسيبني في حالي عشان يروح يقتله!.

نظرت إليها مروة بإبتسامة هاكمة فسألتها سؤال يحمل بين طياته العديد من المعاني:
_ و أنتي خايفة يقتل علي ليه؟.
أزدردت ريقها من هذا السؤال المباغت والذي صدمها بقوة لاسيما نظرات والدتها التي تحدجها بإستفهام تريد تفسيراً.
أجابت بإنكار للأمر وبرسم الثقة علي ملامحها، وقد نست إخفاء رجفة يديها المنبلجة للعيان:
_ أنا مش خايفة علي علي، خوفي علي أكرم ليتهور ويتأذي بسببه.

ظلت مروة ترمقها وتقول في نفسها:
_ آه يا صايعه بتضحكي علينا ولا علي نفسك، قولي خايفة علي الأتنين، بدليل دخولك شقة الواطي قال أي صعب عليا وكنت بساعده، يالهوي علي الكهن الي بيجري في دمك، ياريت كان أكرم دخل عليكم أنتو الأتنين وقتلكم وريحنا.
أنتبهت لندي تناديها:
_ مروة، عماله أكلمك وأنتي سرحانه،مالك في أي؟.

عادت من شرودها فأجابت:
_ بتقولي حاجة؟.

_ بقولك ساعديني ألاقي حل أخلي أكرم يرجعلي ويسامحني، والله ما عارفه أنام وهاتجنن.

تصنعت التفكير في الأمر:
_ سهلة أوي أعملي أنك تعبتي وباباكي خدك علي المستشفي ومامتك تظبط الباقي تكلمه وتقوله ألحق ندي بتموت.

تدخلت والدة ندي بإمتعاض قائلة:
_ بعد الشر، وليه أفاول علي بنتي ونعمل الهيصه دي كلها، هو يعرف إنه غلطان ويجي لحد عندها.

زفرت ندي بتأفف من فكر والدتها ذو الكبرياء النرجسي، همست لصديقتها:
_ سيبك من ماما، لحد دلوقت ماتعرفش أكرم زيي، بصي الحل الي قولتيه أوڤر شويه ده غير أنه فكرة مهروسة وهيكشفها بسهولة.

ردت الأخري بهمس أيضاً:
_ يبقي مفيش حل غير إنك تروحيلو البيت، بلاش شغله ليتعصب عليكي وأنتم مش ناقصين فضايح وشوشرة، هاتيها له من ناحية بنتكم، قوليلو حرام لارا تتربي في جو أسري مفكك وأدخلي له في جو الصعبينيات والحب والكلام الي أنتي عرفاه، ألعبي علي نقط ضعفه، وأنتي أدري بيه.

فكرت ملياً فيما قالته، ردت بتساؤل:
_ تفتكري الحوار ده هيجيب نتيجة؟.

أومأت لها بنعم:
_ طبعاً هيجيب نتايج مش نتيجة واحدة، وهتدعيلي علي طول.

رفعت يديها داعية برجاء:
_ يارب حنن قلبه عليا وخليه يسامحني، وعمري ما هكرر غلطتي تاني.

نهضت وهي تهندم ثيابها:
_ معلش أنا مضطرة أمشي ورايا حاجات كتير وهابقي معاكي علي إتصال.

أوصلتها ندي إلي باب الشقه و قبل أن تودعها عانقتها فأجهشت بالبكاء قائلة:
_ أنا بحبه أوي.

بادلتها الأخري العناق وقالت:
_ أستهدي بالله ياحبيبتي إن شاءالله هاترجعو لبعض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ يجلس علي حافة النافذة شارداً في من هيمنت علي عقله منذ الأمس، يتذكر ملامحها التي تنضح بالبراءه والجمال ذو السحر الجذاب لكل من يراه، أفاق من شروده قائلاً في نفسه:
_ أنت أتچنيت يا زكريا إياك، دي تبجي مرات أخوك، أعقل إكده وكفياك طيش، وروح توب قبل مايفوت الأوان.

أندفع باب غرفته و ولجت كالإعصار المُدمر الذي يقتلع كل مايقابله.
_ والله عال، جاعد حداك ولا علي بالك المصيبة الي چت لي من تحت عمايلك السوده.

حدجها بإمتعاض قائلاً:
_ بدل ما تيچي تشكريني أني أقنعت أمك تأچل موضوع كتب كتابك أنتي ورافع، چايه عتعلي صوتك عليا وتزعجي فيا!.

كان حديثه كافياً لإضرام نيران غضبها، فصاحت في وجهه:
_ نعم يا أخويا!، تأچيل أي الي عتتحدت عليه، أني مستحيل أتچوزو ولو علي چتتي.

أنتفخت أوادجه ليس في مزاج لجدال لا فائدة من الخوض فيه، هدر بغضب :
_ بجولك أي أنتي الي سويتي في حالك إكده لما خرچتي من ورانا لأچل تجابلي الدكتور يا سافله، أحمدي ربنا أني ما كسرتش عضمك علي العمله دي.

_ تعالو يا ناس أسمعو وشوفو مين الي عيتحدت!، أنت مسألتش حالك أتخطفت ليه وعشان أي يا أخويا يا كبير؟.

أنتبهت حواسه لما تفوهت به ويبدو من ملامحه ليس لديه علم بأمر إختطافها، فكل مايعرفه عندما جاء بأن والدته أخبرته بقرار عقد قران رافع علي شقيقته، فهاتف إبن خاله فأبلغه الآخر بصحة هذا القرار فقام زكريا بتوبيخه لأنه متزوج و شقيقته لاتريد الزواج منه، ليخبره رافع بمقابلة شقيقته للطبيب ولم يذكر له أمر إختطافها.

أردفت حديثها:
_ الي خاطفني يبجي أخو ورد.

خفق قلبه بخوف عندما ذكرت إسمها وما زاد رعبه شقيقها، كانت فاطمة تحدجه بترقب ملامحه:
_ مالك أتكتمت ليه!، يبجي الي جاله أخوها صوح.

تهرب من نظراتها و ولاها ظهره و رد بإنكار:
_ أني معرفش أصلاً عتحددتي عن مين.

أستشاطت غضباً أكثر، فوقفت أمامه، تصيح به:
_ كيف ماتعرفش ورد الي ضحكت عليها وخلتها حبلي منك!.

وبالخارج جاء للتو بكر وبرفقته قمر التي ذهبت لتري فاطمة وتطمأن عليها، أستمعت لصوت زكريا وهو يقول لشقيقته بإنكار جلي:
_ وأني عجولك ما ضحكتش علي حد ولا أعرف واحدة بالأسم ده.

_ لاء يا زكريا، تعرف الي أسمها ورد و كعادتك مع كل واحدة تعچبك تضحك عليها بكلمتين وهي تصدجك كيف الحماره، والظاهر المرة دي مكنش مچرد كلام معسول وخلاص، دي طلعت حبلي منك، يعني ارتكبت ذنب والي أفظع منه إنك تنكر الي سويته ورايد تتهرب منه.

أطلق زفرة بغضب عارم:
_ ولو أفترضنا الي عتجوليه صوح، رايده أي دلوق وعتدخلي في الي مالكيش فيه واصل؟.

علت الدهشة ملامحها، فقالت:
_ ماليش فيه كيف وأني بجولك أخوها خطفني، ولولا مارته هربتني من وراه كان زمانك عتتفرچ عليا وهو بيسوي فيا كيف ماسويت في خايته.

أمسكها من عضديها ليهزها بعنف:
_ يسوي فيكي كيف؟.

صرخت ببكاء:
_ كان خاطفني لأچل يخليك تيچي لحد عنده وينتجم منك بأنه...
لا تعلم كيف تخبره فاللأمر مخجل للغاية، صاح بها:
_ انطجي.

_ كان رايد يعتدي عليا قدام عينيك ويقهرك كيف ماقهرته علي خايته الي مايعرفش راحت فين وعمال يدور عليها.

أخذ يتمتم:
_ يا إبن ال......، وربنا ما أني مهملك ولو وصلت أخليك تحصل خايتك لأسويها.

لم تسمع من همهمته شيئاً، فباغتته بسؤال:
_ ألا جولي يا أخوي، ماتعرفش حاچة عن ورد الي أختفت!.
+

ما زالت تقف في الخارج تستمع لحديثهما وعند سؤال فاطمة، تذكرت هذا الكابوس والرسالة التي أبلغتها بها الفتاة، شهقت غير مصدقه:
_ واه، جتلها!.

عاد من معركة دامت لأكثر من ساعتين ما بين طلقات نارية متبادلة وهجوم ودفاع ريثما أسترجع كل بضاعته من أسلحة ومخدرات وخسارة الكثير من رجاله، بينما هو أُصيب بطلقة من حُسن حظه ليست خطيرة حيث أستقرت في  عضده الأيسر.
1

أصطفت السيارات أمام المنزل الحجري، ترجل مسرعاً فألحق به إحدي رجاله ليحذره: 
_ أنتظر سيدي،  عليك بالذهاب إلي الطبيب لإخراج الرصاصة من زراعك.

ألتفت له وبنظرة مرعبة يحدقه وبغضب عارم هدر به: 
_ أغُرب عن وجهي، وهاتف الطبيب چوزيف ليأتي.

أومأ له بخضوع: 
_ أمرك سيدي.

تركه سليم و ولج إلي الداخل متجهاً إلي غرفة مكتبه لكنه تفاجأ بخروج أنيتا الخادمة،  تترنح وتمسك برأسها المحاوطة بشاش قطني وينبلج الألم علي ملامحها.
أتسعت قاتمتيه المظلمتين بشدة،  دلف إلي الغرفة سريعاً فلم يجد لها أثراً، نادي علي الخادمة بصوت أهتزت له الجدران: 
_ أنيتا.

ركضت إليه ترتجف بخوف،  تخشي أن يعلم بما حدث فكما أخبرها هي المسئولة أمامه يا ويلتها!

_ نعم سيدي.
تنظر لأسفل متحاشية النظر في تلك الجمرتين المشتعلتين، أزدردت ريقها.
_ ماذا حدث هنا؟.

أجابت بتردد و وجل: 
_ زينب،  أقصد مدام زينب، هي من قامت بضربي علي رأسي وفقدت الوعي،  وريثما أستيقظت لم أجدها.

دفعها من أمامه كالثور الهائج،  وذهب خلف المكتب وفتح الدرج باحثاً عن حاسوبه، لكن لم يجده، قام بفتح درج تلو الآخر بدون فائدة، حتي توقف أمام درج موصد، ألتفت خلفه ليأخذ كتاب من بين الكتب المتراصة،  قام بفتحه وأخذ المفتاح المخبأ بين صفحاته ثم فتح به الدرج وأخذ منه لوح ألكتروني، وضع سبابته في مكان البصمة فأضاء، اخذ يلمس عدة مرات حتي وصل إلي مقاطع فيديو مُسجلة عبر الكاميرات الموضوعة في الغرفة هنا وفي خارج المنزل بالحديقة.
ضغط علي أول مقطع في التوقيت الذي غادر المنزل فيه ليجد ما حدث بين زينب والخادمة، يشاهد ويضغط علي قبضته حتي أتت لحظة إستيلائها علي حاسوبه، ضرب سطح المكتب بقبضته فأهتز كل ما فوقه.
تذكر عندما كان يقرأ بيانتها سابقاً، فكانت تعمل مهندسة برمجيات وبإمتلاكها لحاسوبه هذا لايعني سوي شيئاً واحد، سوف تستخدم كل ما عليه من ملفات صفقات وعقود ألكترونية بينه وبين رجال المافيا كل هذا ضده و ربما لتتخلص منه تُبلغ عنه السلطات وتقدم إليهم كل ما يدينه.
1

صرخ بصوت يشبه زئير الليث وكاد يحطم اللوح الذي بيده لكنه توقف عند لحظة، فضغط ليسترجعها ويمعن النظر مُكبراً الشاشة في تلك اللقطة، زينب تمسك ببطاقة ورقية، لم يستطع قراءة محتواها لكن مالفت إنتباهه هو شعار يألفه جيداً، أخذ يتذكر أين رأي ذلك الشعار.
(مشهد سابق)
_ في حفلة الشواء بعدما عادت ساندرا من المرحاض أصتدمت به فوقعت من يدها حقيبتها وأنفتحت وتدحرجت محتوياتها علي الأرض، دنا ليلملم معها متعلقاتها فلاحظ عدة بطاقات مدون عليها إسمها وأرقامها وشعار مركز التدليك الخاص بها.
عاد من ذاكرته فتحولت ملامحه ليصبح كالوحش الضاري الذي يريد الفتك بعدوه، ليتمتم بتوعد:
_ بتتحديني وتهربي مني وكمان سرقتي اللاب، شكلك يا زينب نسيتي متجوزة من مين، أنتي الي أخترتي مصيرك وبتكتبيه بأيدك، والي عملته معاكي قبل كده كوم والي هاعملو فيكي أول ما ألاقيكي كوم تاني خالص!.
5

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ يشعر بالألم في أنحاء جسده لاسيما وجهه المليئ بالكدمات أثر لكمات أكرم له صباحاً، ولج إلي غرفته وهو يخلع ثيابه ثم ذهب إلي المرحاض،  فتح صنبور حوض الإستحمام ليتمدد أسفله بإسترخاء لعل الماء تخفف آلام جسده لكن هناك ماهو أشد ألماً كلما أُعيدت ذكرياته معها وكأنها فيلم سينمائي يُعرض أمامه كما يلي...

تمسك طبق الحساء بين يديها وتطعمه منه بالملعقة،  امتعضت ملامحه غير راغب لتناول المزيد: 
_ كفايه مش قادر.

مدت الملعقة إلي فمه وبإصرار قالت:
_ لازم تخلص الطبق كله عشان لسه هتاخد مضاد حيوي شديد ولا أنت مش  عايز تخف؟.

إبتسم والوهن يكسو ملامحه و يتصبب العرق فوق جبهته، هز رأسه بالرفض مازحاً:
_ لاء، مش عايز أخف،  تعرفي ليه؟.

دست الملعقه في فمه وقالت: 
_ شكلك حبيت الدلع طبعاً  من حقك ما أنت لاقي الي تأكلك في بوقك وتشربك وتصورلك المحاضرات الي فاتتك من زمايلك،  ناقص أي تاني أعملهولك!.

أمسك بيدها ليخلل أنامله بين أناملها الرقيقة ورفعها وأستند عليهم بوجنته، فأغمض عينيه قائلاً: 
_ عايزك تفضلي جمبي كده علي طول،  تكوني زي ضلي ماتفارقنيش ولا لحظة.

أختلجها شعور قوي بالتوتر، سحبت يدها برفق ثم وضعتها علي جبهته، تتهرب من حديثه ونظراته: 
_ الحمدلله السخنية شكلها راحت وجسمك عمال يعرق،  هاقوم أجيب لك كوباية مايه تاخد بيها المضاد.

أوقفها منادياً بهمس وكأن قلبه من يناديها وليس لسانه: 
_ ندي؟.
وقفت تحدجه في صمت فأردف: 
_ ليه كل ما أعبرلك عن مشاعري وحبي ليكي تتهربي مني!، علي فكرة مشاعرك الي بتحاولي تخبيها مني كل مرة ببقي قاريها في عينيكي.

اطلقت زفرة بتأفف وأجابت بإنكار: 
_ علي أرجوك متحاولش تضغط عليا أكتر من كده، أنا أتفقت معاك من الأول الي بينا علاقة أتنين أصحاب مش أكتر.

نهض من فوق الأريكة ليقف أمامها يحدجها بكل مشاعر الحب والغرام: 
_ أنتي الي قولتي،  لكن أنا لاء، أول ماعرفتك كانت بداية مرحلة إعجاب ولما قربنا من بعض أتطور الإعجاب جوايا لحب ودلوقتي عديت مرحلة الحب بكتير.

كادت تبتعد فأوقفها مرة أخري،  واضعاً يديه علي كتفيها: 
_ أنتي واثقه أن كل كلمة قولتها دلوقت صح، قربك مني دي مش مجرد صحوبيه زي ما قولتي، أنتي بتبادليني نفس المشاعر بس جواكي حاجز مانعك،  نفسي أعرف أي هو،  مش عايزه تصارحيني ليه كل مابسألك فيه حد تاني في حياتك علي طول تقوليلي لاء.

ما كان منها سوي أن تنظر ولا تتحدث ، لاتريد البوح له بأن تربطها علاقة خطبة برجل آخر حتي  لاينظر لها بإزدراء ويحتقرها، يكفيها شعور جلد الذات الملازم لها طوال الوقت،  وتتهرب منه بشتي الطرق.

_ ساكته ليه ما تجاوبي علي سؤالي؟.
لم يمهلها الإجابة فأردف بنظرات توسل: 
_ أوعي تكوني بتضحكي عليا، متعرفيش أنتي بقيتي أي بالنسبه لي، أنا بعشقك أوي يا ندي،  و مستني أخلص الدراسة بفارغ الصبر وأشتغل وأجي أطلب أيدك من أهلك،  والي هيطلبوه مني أنا تحت أمرهم، أنا أي نعم علي أد حالي بس الحمدلله بابا الله يرحمه كان شاري شقة صغيرة في دار السلام، هانبتدي فيها حياتنا مؤقتاً لحد ماربنا يكرمني ونشتري شقة أكبر في حدايق المعادي وياعالم ربنا يكرمني من وسع ونشتري في التجمع أو زايد، المهم نكون مع بعض ،  و دورك بقي لحد ما أجيلكو البيت أنك ترفضي أي حد هيتقدملك من بره بره.
4

رأت في عينيه توسل ورجاء أكثر من كونه طلب، وقعت في حيرة لاتريد أن تحطم فؤاده وفي ذات الوقت لا تريد أن تُعطِ له أملاً واهياً ، وبالنهاية هزت رأسها بتلقائية كدليل علي الموافقة.
تهللت أساريره وألتمعت عسليتيه التي تنضح بسعادة عارمة، لم يصدق ما رآه للتو،  سألها بللهفة: 
_ بجد موافقة؟.
2

أزدردت ريقها في تردد، فأجابت: 
_ مش هاقدر أديلك إجابة نهائية،  لسه الأول لما أشوف بابا وماما ورأيهم أي.
1

_ أهم حاجة أنتي،  لو موافقة هم كمان هيوافقو حتي لو أعترضو دورك هنا تقنعيهم،  أتفقنا؟.

ردت بهمس وكأنها مُغيبة: 
_ أتفقنا.

وما أن تفوهت بها غمرته سعادة وصلت لعنان السماء، باغتها بمعانقة قوية كعناق المغترب عند رؤية أحبائه وكإحتضان النجوم للسماء وكالقاء عاشقين بعد طول فراق.
أخذ يردد علي سمعها فيض مشاعره: 
_ بحبك،  بحبك أوي.
2

وكلما يخبرها كلما يشتد عانقه لها، أبعد رأسها عن صدره لينظر في عينيها الشاردة، تجرع ريقه قبل أن يقدم علي تلك الخطوة، تلك المرة الأولي في تقاربه الجسدي مع من سلبت لبه، فعشقه لها يهيمن علي حواسه ليجد شفاه تنجذب لخاصتها،  يختبر معها أول قبلة وأول عناق، سار بها ومازال يقبلها نحو الأريكة، بينما هي كانت في أشد لحظات ضعفها لم تفق منها سوي عندما وجدت نفسها تمدت علي الأريكة وهو يعتليها ملتصقاً بها  ...
صدح رنين جرس المنزل بشكل متكرر ليجعله يعود من حقيبة ذكرياته معها،  فنهض من الحوض وتناول منشفة قطنية قام بتجفيف جسده بعشوائية فتناول منشفة أخري علي عجاله يلفها حول خصره ليسرع ويري من الزائر!.
3

و ما أن فتح باب الشقة، أصابته دهشة، لم يصدق تلك التي تقف أمامه:
_ أنتي!، ليكي عين توريني وشك بعد الي عملتيه معايا في المكتب!.

نظرت لأسفل بخجل من هيئته،  ولم تعقب علي كلماته سوي بسؤال ترجوه:
_ ممكن أخد من وقتك عشر دقايق؟.

رفع جانب فمه فأجاب علي مضض مشيراً إليها للداخل:
_ أتفضلي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولجت وهي تختلس بعض النظرات إليه، كم يغمرها الشوق والحنين لكن كلما تذكرت رفضه المُستميت وأهانته لها يختلجها شعور الإنتقام والثأر لكرامتها.

_ أدخلي أستنيني في الليڤنج روم عقبال ما ألبس هدومي و أجي لك.
كان يشير لها إلي الغرفة و ذهب إلي غرفته،  بينما هي دخلت تتأمل كل ما يحيط بها،  تمنت لو كان هذا منزل الزوجية الذي يجمعها بالرجل الوحيد الذي أحبته ولا تريد سواه.

وبعد دقائق قليلة دلف إليها قائلاً:
_ تحبي تشربي عصير ولا كوفي؟.

رفعت عينيها لتجده أرتدي قميص وبنطال قطني يظهران عضلات جسده الرياضي، غرت فاهها عندما رأت تلك الكدمات المتفرقة علي أنحاء وجهه وشريط لاصق علي أنفه.
لاحظ تحديقها في معالم وجهه المصابة، زفر بنفاذ صبر وقال متأففاً:
_ هتفضلي مبحلقه فيا كده كتير!.

أنتبهت إليه وملامحه الممتعضة من عدم ردها علي سؤاله:
_ ماتتعبش نفسك وتعالي أقعد، أنا مش جاية أتضايف.

تنهد من أعماقه الدفينه وجلس مقابلها:
_ خير؟.

لم تعرف من أين تبدأ، كان لديها الكثير من الأحاديث علي لسانها، لكنها شعرت وكأن هناك  من يلجمه، هيهات وشرعت في الحديث متصنعة الحزن من أجله:
_ أولاً ألف حمدالله على سلامتك.

تفوهت بها ثم صمتت لثوان، بينما هو قد نفذ صبره وأنتفخت أوادجه، فسألها بصوت به بعض الحدية:
_ عرفنا خلاص أولاً وبقولك الله يسلمك وشكراً علي إهتمامك، ثانياً أي بقي عشان مش فاضي ومعنديش وقت؟.

أبتلعت غصتها بعدما شعرت بعدم رغبته في الجلوس أو التحدث معها، أجابت بخفوت:
_ أنا هربت من بيتنا بقالي كام يوم وماينفعش أرجع خالص.

إبتسامة هاكمة لاحت علي ثغره:
_ و جاية عشان تستخبي عندي ولا أي بالظبط؟.

رفعت إحدي حاجبيها تنتظر ردة فعله علي ما ستلقيه عليه:
_ لاء يا خفيف، أنا هربت عشان ماما وأخويا عايزين يجوزوني بالعافيه.

أدرك ما ترنو إليه، نهض يحدقها بغضب، يطلق زفرة إستعداداً لما سيلقنها إياه من حديث قاسي:
_ وحضرتك جايه لي طبعاً عشان تقوليلي الكلمتين بتوع المرة الي فاتت، وأنا بقولك لاء يا مروة مش هاتجوزك، ريحي نفسك بقي وحافظي علي كرامتك ل.......

وقفت لتقاطعه بإندفاع:
_ أنا حامل.

وقعت الكلمة علي سمعه جعلته يصمت غير مصدق لما تفوهت به، رد بإنكار:
_ كدابة، بتقولي كده عشان ترغميني علي الجواز منك.

أمسكت حقيبة يدها وأخرجت منها ورقة مطوية، قامت بفردها لتعطيها له:
_ ده نتيجة تحليل الدم الي لسه عملاه قبل ما أجي لك، طلع Positive.

أختطف منها الورقة ليقرأ مابها، فأردفت:
_ ولو عايز تتأكد من كلامي إسم وعنوان المعمل عندك في الورقة.

جحظت عينيه وظلت مُسلطة علي كلمة إيجابي بالإنجليزية.
_ إزاي ده حصل؟.

صاحت بتعجب وسخط علي قوله:
_ نعم يا حبيبي!، أومال كنت فاكر نتيجة الي هببته معايا ده هيبقي أي إن شاء الله!.

ألقي الورقة جانباً وهدر بها:
_ الي حصل مابينا  مكنش مقصود أبداً، أنتي الي أستغليتي الحالة الي أنا كنت فيها وقربتي مني وأنا سكران، ليه ما أتمنعتيش وقتها وبعدتي!،ليه أتجاوبتي معايا وسلمت لي نفسك وعارفة إن شايفك في لحظتها هي!.

كانت تكبت عبراتها ريثما لا تضعف أمامه مرة أخري ويري مدي هشاشتها، فقد فاض بها حتي أجهشت بالبكاء وهي تجلس علي أقرب كرسي:
_ ما أتمنعتش عشان كنت في أشد لحظات ضعفي وأنا في حضنك، ما بعدتش برغم إن عارفة أنك فاكرني هي لكن قلبي كان محتاج يحس ولو بلمسة حنان منك حتي لو مكنتش ليا، قلبي هو الي أستسلم لك لأن عقلي كان مُغيب، وللأسف فوقت بعد ما ضعت وياريت خسرت حاجة واحدة، ده أنا خسرت قلبي و شرفي ونفسي، خلاص أنا ضعت والفرصة الأخيرة ليا هو أنت،  أنت الأمل الوحيد الي ممكن أتراجع عن كل الي عملته وهاعمله وأبدأ حياتي من جديد.

نهضت لتقف أمامه وأمسكت يده بين يديها تتوسله: 
_ أرجوك يا علي متتخلاش عني،  أدي لقلبك فرصة مع الي بتحبك والي هتخلي حياتك جنة،  وتتمني رضاك،  أنا الي بحبك وبعشق التراب الي بتمشي عليه، لكن هي مابتحبكش، سيب نفسك ليا وأنا هنسيهالك وهاتكتشف أنك كنت مخدوع كل السنين الي فاتت، أنا هافضل معاك مهما حصل وعمري ما هتخلي عنك.

ينظر في عينيها الباكية التي ذكرته بحاله منذ سنوات، كم كان هو حينها كالجريح يحتاج إلي من يداويه ويحتويه، تركته من عشقها وهو في أشد الإحتياج إليها، وأكثر ما جعله كالذبيح الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة عندما علم بزواجها من آخر، تباً لهذا الحب الذي يجعل صاحبه ذليلاً مقهوراً.

شعر بذنب نحو التي أمامه، كيف له أن يجعلها تصل إلي تلك الحالة التي كلما يتذكر حالته عندما كان بمكانها يكره قلبه ويلعن نفسه، يا لسخرية القدر، فقلبه آسير صديقتها وقلبها آسير له، لما لاتسير الأمور كما نريد، لماذا لا نملك أمر أفئدتنا بدلاً من جعلها هي التي تملكنا!.

أنحني قليلاً إليها ليعانقها، وأخذ يمسد ظهرها لتهدأتها:
_ خلاص، بطلي عياط، وكل الي أنتي عيزاه هيحصل.

أنتفضت كمن لدغها عقرب لم تصدق أذنها:
_ بتتكلم بجد، هاتتجوزني؟.

أومأ لها بالإيجاب قائلاً:
_ مفيش حل للي أنتي فيه غير كده، بس....

صمت ليفكر فيما سيخبرها به وهو أن قلبه ملك الأخري وليس هي، تلك الحقيقة التي لم تتغير بتاً ، لكنه ترأف بحالتها التي كانت كالغريق الذي يتعلق بقشة لتنقذه من الموت المحتوم.
أردف بإبتسامة مصتنعة:
_ بس كده، ولا أنتي ليكي رأي تاني؟.
1

أنبلجت السعادة علي وجهها بعدما أفتقدتها لسنين منصرمة، تتمني أن ما قاله يكن واقعاً وليس أحلاماً كالتي تراها في منامها يومياً، عانقته بقوة صارخه بفرح عارم:
_ موافقة طبعاً، ده رأيي من وقت ماقلبي دق لك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1

_ تسير في رواق طويل تتفرع منه الغرف الخاصة بعمل التدليك، حتي توقفت أمام آخر غرفة وطرقت الباب فأتاها صوتها من الداخل: 
_ تفضلِ ساندرا.

ولجت لتجدها مازالت تجلس علي الكرسي والطعام المتراص أمامها لم يؤكل منه شيئاً: 
_ ما هذا زينب!، لما لاتأكلِ؟.

_ لا أريد شيئاً سوي أن أرحل من هنا بأسرع وقت.
قالتها وأحتضنت حقيبتها، ردت الأخري وبسمة لمعت علي شفاها: 
_ أطمأنِ،  سوف ترحلين في خلال ساعة من الآن.

أتسعت عينيها في ترقب لمعرفة السبب: 
_ كيف؟.

أخرجت من الجيب الخلفي لبنطالها جواز سفر و وضعته أمامها علي الطاولة: 
_ تفضلِ.
جذبته الأخري علي الفور، قامت بفتحه تنظر إلي بياناته، عقدت مابين حاجبيها وقالت: 
_ من بالصورة ليست أنا، هي تُشبهني بالفعل وكذلك أيضاً الأسم وتاريخ الميلاد وجميع البيانات مُزيفة.

وضعت ساق فوق الأخري، فأشعلت سيجارة لتزفر دخانها في الهواء: 
_ أعلم، أمراً بديهياً زينب،  كيف سأخرج لكِ جواز سفر بصورتك وبياناتك الحقيقية و في كل المطارات تجد أعين لسليم وشركائه،  أم نسيتِ من هو زوجك ِ!.

تجمعت عبراتها لتحجب ذهبيتيها عن الرؤية كلما تتذكر نظراته المخيفة و وعيده عندما ترتكب ما يغضبه والآن فعلت ما هو أسوأ علي الإطلاق، الفرار من عرينه وليس فقط بل وأخذت حاسوبه!.
ناولتها ساندرا علبة المحارم الورقية لتجفف تلك العبرة التي أنسدلت للتو: 
_ لايفيدك البكاء الآن يا فتاة، عليكِ التحلي بالقوة و الشجاعة ريثما تعودِ لموطنك.
أنحنت للأمام لتربت علي فخذها، أخذت زينب محرمة لتجفف عبراتها و أرتسمت إبتسامة، فأخبرتها بإمتنان: 
_ شكراً لكِ ساندرا،  كنتُ خائفة للغاية عندما عرضتِ علي مساعدتك،  خشيت أن تخبرين سليم.

دست ماتبقي من سيجارتها في المنفضة الصدفية وقالت: 
_ العفو عزيزتي، أنا لا أخون أبداً من يلجأ إلي،  كما إنه مررت سابقاً وتعرضت مثل ما حدث معكِ تماماً، بل الأسوأ.

توقفت عن الحديث لتخلع سترتها و يليها كنزتها تحت نظرات زينب المندهشة لما تفعله تلك المرأه المتصابية،  حتي أدركت سبب خلع ملابسها عندما ولت إليها ظهرها فشهقت و وضعت كفها علي فمها.
ظهر الأخري مليئ بعلامات جلد وحروق قديمة وأثر لجروح تمت خيطتها بشكل غير تجميلي مما تركت آثار مشوهة.
_ أنظرِ زينب وتمعنِ جيداً في تلك العلامات، جميعها نتيجة جلد بالسوط أو عصا جلدية حادة،  والحروق المتفرقة كانت آثار لإطفاء العديد من السجائر الخاصة باللعين داغر العقبي،  بينما آثار الجروح كانت بفعل نصل سكين ، كان يغرزها في ظهري حتي تسيل دمائي فيلعقها هذا المعتوه وكأنه يتجرع كأس من النبيذ.

أوصدت عينيها من فرط بشاعة المنظر، فتذكرت حينما ألقي بها سليم في البناء المخيف خلف المنزل، كان يُقبلها بعنف حتي جرح شفاها وأنسدلت منها الدماء فقام بلعقها.

فتحت عينيها فجاءة ً وأستعادت رباطة جأشها وقوتها وإصرارها، لن تتراجع عن قرار فرارها إلي مصر،  فهي لم تتحمل أن يفعل بها مثل ما حدث من أبيه لساندرا، فالموت أكثر رحمة من ذلك العذاب.
نهضت وحملت الحقيبة علي ظهرها

_ عذراً ساندرا،  أريد الذهاب إلي المرحاض.

أرتدت الأخري كنزتها وسترتها ثم أشارت لتتبعها: 
_ سأوصلك،  ولاتنسِ خلع وشاحك،  فصاحبة الصورة لم ترتدي وشاحاً.

أوقفتها زينب لتقول بإصرار: 
_ أنتظري، لا أستطيع خلع وشاحي قط، ماذا أفعل؟.

نظرت ساندرا لهيئتها ريثما أتتها فكرة جيدة: 
_ لا تقلقِ،  هناك حل.

وبعد قليل خرجت زينب من المرحاض ترتدي قلنصوة قد أعتطها إياها ساندرا لتخفي أسفلها جميع خصلاتها بدلاً من وشاحها وكنزة ذات رقبة طويلة تغطي عنقها بالكامل.

رمقتها بإنبهار قائلة:
_ يا ألهي، أصبحتِ مثل يوستينا تماماً، هيا بنا فلقد أعددت سيارة لتقلك إلي المطار.
مدت يدها إليها بظرف سميك وأردفت:
_ خذِ هذا الظرف ،  أنتِ بحاجة إلي المال عند عودتكِ إلي بلدك .

رمقتها بسعادة وعينيها لاتخلو من الدمع غير مصدقة إنها وجدت يد العون والمساعدة في تلك البلد الغريب، عانقتها بقوة:
_ لا أعلم كيف أشكركِ علي مساعدتك و وقوفك بجانبي.

ربتت عليها الأخري ثم أبتعدت لتنظر لها:
_ كفاكِ بكاءً، لو تردين شكري حقاً هاتفيني عند عودتكِ لأطمأن عليكِ.

أومأت لها وقالت:
_ بالطبع، سأكون علي إتصال بكِ.

صدح رنين هاتفها:
_ أنتظرِ لحظة.

أجابت علي المتصل:
_ ألو، ماذا هناك؟.
............

جحظت عينيها والرعب يختلج ملامحها:
_ حسناً، حاولو إلهاءه ريثما ترحل من هنا، هيا.

أغلقت المكالمة لتمسك بيد زينب التي أرتجفت فسألتها وقلبها يخفق وجلاً:
_ هل علم بوجودي لديك؟.

_  بسرعة زينب، سليم و رجاله بالأسفل، هيا لترحلِ عبر الباب الخلفي!
2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ يلتقط أنفاسه بعدما صعد الدرج و وصل أمام شقة الحاج نعمان،  ألقي نظرة علي العنوان المدون في الورقة والذي أخذه من حمودة  .
ضغط علي زر الجرس،  وبعد ثوان أنفتح الباب و وجد نعمان الذي تهللت أساريره رغماً من حزنه علي ماحدث لأبنته.
_ يا مرحب،  يا مرحب،  ده أي المفاجاءة الحلوة دي.

دلف فارس و وضع ما جلبه من فواكه وعصائر فوق الطاولة بالردهة: 
_ آسف يا حاچ أني چيت من غير ميعاد، كنت عتصل عليك ولاجيت تليفونك مجفول.

رد الآخر بعدما أشار له بالجلوس علي الكرسي:
_ أتفضل يابني،  ده بيتك ومطرحك وأهلاً  بيك في أي وقت،  وأنا فعلاً قافل تليفوني مش عايز كل شويه حد يتصل بيا ويرغي ويستفسر،  عاملين نفسهم زعلانين علي بنتي وهم من جواهم شمتانين وفرحانين،  حسبي الله ونعم الوكيل  في كل الي ظلمها و عملها الفيديوهات المهببة دي.

أنبلج علي محياه إبتسامة تعجب لها نعمان حتي قال: 
_ أني چيت لأچل أطمن علي حضرتك والآنسه شهد وكمان لأچل أجولك إن خلاص خابرنا من ورا الحكاية وسوي الفيديوهات.

تجلت الدهشة علي ملامح الآخر في تأهب لمعرفة من أرتكب في حق إبنته ذلك الفعل الفاجر والمشين.

(مشهد سابق)

أخذت تنظر من حولها فلم تجده، تنفست الصعداء وعادت لتذهب إلي منزلها، وما أن خطت قدمها فناء البناء ذو الرائحة العطنة أصتدمت به وأطلقت صرخة مدوية.
دفعها علي الجدار أسفل الدرج مكمماً فاها ويمسك بزراعها فأخبرها بتحذير: 
_ هاشيل يدي دلوق لو صرختي أو سويتي حركة إكده ولا إكده هاكون مخلص عليكي بالخنچر الي معاي.

همهمت بصوت مكتوم وهزت رأسها بالموافقة علي حديثه،  فأزاح يده وسألها: 
_ أنتي الي ورا موضوع الفيديوهات؟.

ردت بإنكار ولوع: 
_ فيديوهات أي وأنت مين وعايز مني أي؟.

هزها بعنف ويزجرها برماديتيه بنظرة مقصودة لإخافتها: 
_ بت أنتي، لو ما ردتيش علي سؤالي دلوق لأخلي الدكاتره تحتار كيف تخيط وشك.

وضع يده علي جيب بنطاله وكأنه سيخرج الخنجر،  فأوقفته بتوسل: 
_ خلاص خلاص،  هقولك علي كل حاجة،  بس بالله عليك متأذنيش ولا تجيب سيرتي،  عشان ممدوح لو عرف هيأذيني ويعمل حاجة في أمي العيانة.

طيف إبتسامة علي ثغره عندما تأكد من حدسه الذي لايخطأ بتاً: 
_ جولي و ليكي الأمان.

رمقته بتوتر وخوف،  تتردد في إخباره بالحقيقة، رفع إحدي حاجبيه وأردف: 
_ لساتك عتفكري،  ما تنطجي وإلا...

قاطعته وأمسكت بيده لتمنعه بإخراج الخنجر: 
_ ممدوح هو الي خلاني أروح أعمل حوار علي شهد إن أعمل مكالمة من عندها وفي نفس الوقت أشغلها فطلبت منها تجيب لي ميه ساقعه وعقبال ماراحت وجت كنت ناقله شوية صور ليها من تليفونها علي تليفوني عن طريق البلوتوث.

أبتلعت لعابها لتسطرد: 
_ بعدها روحت لممدوح وبعتله الصور ولما سألته هايعمل بيها أي قالي ملكيش فيه ولو نطقت بحرف لحد هايسلط ناس عليا أنا وأمي و ده جبروت وما بيهموش.

حك ذقنه ليفكر بالأمر،  فسألها مرة أخري: 
_ ولما أنتي خابره إنه بالأخلاق الشين دي، ليه ساعدتيه وچبتي له الصور؟.

أسبلت جفونها بخجل من نفسها،  أجابت بخفوت: 
_ الحوجه والفقر الي خلوني أعمل كده، أمي تعبانه ومحتاجة علاج غالي ومرتبي الي باخدو من صاحب المحل الي بشتغل فيه يا دوب بيسد فواتير الكهربا والميه وأكلنا وشربنا،  معاش أبويا مبيكملش لنص الشهر وبفضل أستلف من هنا ومن هنا،  فلما لاقيت ممدوح عرض عليا الموضوع وهيديني ألفين جنيه، أدالي منهم متين عربون وجيت أطالبه بالباقي عمل الي شوفته قدام محله.

جز علي أسنانه بغضب من هذا الممدوح و ود لو يراه أمامه لكان لقنه لكمات في وجهه وركلات في معدته.
أطلق تنهيدة من أعماقه وقال: 
_ ماشي يا سماح، إسمك سماح برضك ولا أني غلطان؟.

أومأت له: 
_ أيوه، أنا قولتلك علي كل الي أعرفه،  بس والله مليش دعوة بالفيديوهات الي عملها ممدوح.

_ ما خلاص يا سماح، أنتي جولتيلي علي الي كنت رايد أعرفه، خابره لو كنتي روحتي للحاچ نعمان وجصدتيه يعطيكي فلوس لأچل والدتك العيانة مكنش هيجولك لاء وكان وجف وياكي،  لكن أنتي أختارتي الطريق التاني الي كله أذي وشر وأديكي أهه خسرانه ولا طولتي الفلوس وأرتكبتي ذنب عظيم أتمني تتوبي عنه وتروحي لشهد لأچل تسامحك.

ردت بصوت حزين وشعور بالذنب يسيطر عليها:  _ ربنا يسامحني ويارب شهد تسامحني.

_ هتسامحك لو برأتيها قدام الناس وخابرو الحقيقة.

سألته بتوجس تخشي ما تفكر به للتو:
_ عايزني أعمل أي؟.

_ تروحي ويا الحاچ نعمان القسم وهو عيقدم بلاغ كيف تكوني شاهده بدل ما تكوني متهمة.

صاحت برفض للأمر:
_ إستحالة، بقولك لو عرف هيأذيني.

مسح شفاه السفلي بإبهامه ثم أخرج هاتفه من جيب قميصه ليضغط علي زر مكبر الصوت:
_ أيو يا صاحبي عاتسمعني؟.

رد جنيدي:
_ معاك يا صاحبي ومسچل كل حاچة جالتها الأخت سماح.

إبتسم فارس بإنتصار قائلاً:
_ تمام يا صاحبي، سلام.

وضع هاتفه في جيبه ومازال مبتسماً إليها وبتهديد جلي يُخيرها:
_ ها يا سماح هتسوي الي جولتلك عليه ولا أجول لصاحبي يسمع التسچيل لممدوح ويروح يقدمو في القسم علي أنك شريكة في العملة المهببة الي سوتوها أنتي والكلب التاني.

هزت رأسها علي الفور بدون أن تتريث أو تفكر:
_ موافقة.

كان نعمان يستمع ويضرب كفه بالآخر:
_ كل ده يطلع من الحيوان الي إسمه ممدوح!، والله لأربيه قبل ما أسلمه للحكومة، هخلي الرجالة يأدبوه.

_ أني من رأيي يا حاچ تهمله للحكومة وهم هيتصرفو وياه، دي ممكن يستغل الي هاتسويه فيه وهو الي يقدم فيك بلاغ بالتعدي،وإكده يبجي ضيعت حق بتك.

ظل يفكر في حديثه لثوان، ويبدو أنه أقتنع به فقال:
_ عندك حق يابني، والله ما عارف أشكرك إزاي علي وقفتك جمبي أنا وبنتي، كان ليا نظرة فيك عمري ما خيبت وأنا أتأكدت بنفسي إنك إبن حلال وإبن أصول، وإن الي خلف ممامتش.
أنتفض فارس من ما تفوه به الآخر للتو، ماذا يقصد بحديثه الأخير!،وهل يعلم بحقيقته!.

أخفي دهشته ونهض ليهم بالمغادرة:
_ ما تجولش إكده يا حاچ، أني الي عشكرك علي وجفتك معاي،و لو رايد أي حاچة أسويهالك أني تحت أمرك.

قام بمفاجأته مجدداً:
_ أقعد يا فارس، واقف ليه؟.

جحظت رماديتيه وتصنم في مكانه، فأردف:
_ ما تستغربش أنت أول ما رجلك خطت المنطقة وشوفتك عرفت أنت مين وحكايتك أي.

وبقليل من التفكير وسرعة بديهة أدرك من أخبره هويته الحقيقة:
_ عم عربي الي جالك؟.

أومأ له قائلاً:
_ أقعد بس وهافهمك.

جلس فارس والوجوم يكسو ملامحه، فأردف الآخر:
_ أنا يابني راجل تاجر، أتعاملت مع كل صنف ولون والحلو والوحش، وأنا أول ماشوفتك لما أمين شوقي ماسكك أنت والتاني الي معاك عشان معكمش بطايق، بعدها بعت وراكم واحد عرف إنكم تبع عربي المسئول عن تسكين الشباب الي جايين يشتغلو وملهمش مسكن، كلمته بأمانة مرضاش يقولي في الأول وبعد ما ضغطت عليه قالي علي حكايتك أنت وجنيدي.

كان متردداً لايعلم كيف يخبره إنه أمر يطول شرحه، لكنه تعجب لشئ تذكره لوهلة، كيف لرجل بمكانته يطلب من متهم هارب من العدالة العمل لديه والزواج من إبنته!
كانت نظراته كفيلة ليدركها نعمان الذي أردف:
_ طبعاً زمانك بتسأل طالما عارف حقيقتك أي الي خلاني أشغلك عندي وأعرض عليك تتجوز بنتي.

أندهش أكثر لفطنة هذا الرجل الذي يذكره بوالده دائماً، فقال:
_ و ده فعلاً صوح الي عيدور في دماغي.

إبتسم الآخر ليجيب عليه:
_ لما عرفت إسمك بالكامل وقتها رجعت دماغي لأيام خدمتي في الجيش، كان والدك قاسم القناوي من أعز أصدقائي، ياما وقف جمبي وكان ديماً في ضهري وبعد ما خلصنا خدمة فضلنا علي وصال مع بعض، وكل واحد فينا أتجوز وأتلهي في حياته، سبحان الله يدور بينا الزمن وليا نصيب أقابل إبنه.

أطلق زفيراً من عمق أحزانه الدفينة وقال:
_ الله يرحمه، كل الي كان يعرفه يحبه، مكنش ليا غيره .

نهض ليجلس بجواره وربت علي كتفه قائلاً:
_  متقلقش يا فارس هساعدك لحد ما تظهر براءتك، بس أخلص الأول من موضوع شهد.

_ إن شاء الله يا حاچ.
نهض وأردف:
_ أستأذن أني بجي.
1

فقال الآخر:
_ أستني يا فارس.

تركه ودلف للداخل وبعد دقيقة خرج له وفي يده مجموعة من المفاتيح:
_ خلي المفاتيح دي معاك، عايزك تفتح المحل وتاخد بالك منه لحد مابنتي تروق وتبقي كويسه.

رد برفض قائلاً:
_ معلش يا حاچ أعفيني م.....

قاطعه الآخر:
_ عرفت الي عملته شهد معاك، وأنا بقولك حقك عليا، هي دماغها صغيره وعقلها مش فيها بس قلبها طيب وغلبانه وعيت علي الدنيا من غير أم، أمها الله يرحمها ماتت وهي عندها تلات شهور جالها غيبوبة سكر وكنت مش موجود، ومحدش لحقها وعقبال ماجيت كان السر الآلهي طلع.
1

عقب علي حديثه: 
_ لا حول ولاقوة إلا بالله  ربنا يرحمها ويرحم جميع موتانا.

_ آمين يارب ، فكل الي طلبه منك ترجع المحل وتاخد بالك من الشغل.

زفر بسأم ثم قال: 
_ حاضر ياحاچ الي رايده هيكون.

تناول المفاتيح من يده ثم نظر إلي ساعة هاتفه فقال: 
_ يا دوب أروح ألحج أفتح،  رايد مني حاچة تانيه يا حاچ.

رد برفض وإمتنان: 
_ لاء يابني،  شكراً.

_ العفو،  سلام عليكم.
ردد عليه نعمان التحية وقام بإيصاله إلي الباب.
وبعد مغادرة فارس،  أراد أن يدخل لإبنته ويطمأن عليها فتفاجأ بها تقف علي باب غرفتها!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يقف أمام المرآه يمشط خصلاته الفحمية ويهندم ثيابه الجديدة، فدلفت بُغتةً وتفاجأت بمظهره يرتدي بنطال وقميص،  يمسك بزجاجة العطر ويضغط المكبس لتتناثر ذرات هذا العطر ذو الرائحة الفجة،  أنتابها السعال ولم تتحمل الرائحة.
نظر لها عبر المرآه وقال بمزاح ثقيل: 
_ مالك عتموتي إياك!.
2

حدجته بإبتسامة صفراء وأجابت: 
_ بعد الشر عليا،  إن شاء الله الي يكرهني ويظلمني ويچي عليا.

ألتفت وسار نحوها فدفعها في كتفها بمرفقه:
_ عتدعي علي حالك ليه يا بت خالتي.

جلس علي الأريكة ليرتدي حذائه الأسود اللامع
أمسكت كتفها تتحسس موضع الألم فقالت: 
_ أني فعلاً كرهت نفسي يوم ما وافجت وأتچوزتك،  وظلمت نفسي لما كملت وياك وأتحملت كل الي عاتسويه معاي من إهانة وحرجة دم، وآخرتها رايح تتچوز عليا وعمال تظبط حالك وجلعت الچلابيه ولابس بنطلون وقميص ولا كأنك أول مرة رايح تتچوز.

لم يكترث بتاً لأي حرف تفوهت به،  عقد رباط حذائه ونهض مبتسماً بسخرية،  أقترب منها ودنا بالقرب من سمعها قائلاً: 
_ أني فعلاً  كأني رايح أتچوز أول مرة، وأحمدي ربنا إنك لساتك علي ذمتي،  لولا الي في بطنك كنت طلجتك وأرتاحت من خلجتك الفقر يا وليه يا بومة.
3

ألقي بكلماته الفظة القاسية في وجهها وغادر الغرفة،  تركها لنيران قلبها تحرقها فأنخرطت في البكاء بنحيب.
وبالخارج بحث عن والدته ليجدها تجلس أمام التلفاز.
_ أي ياماه،  لساتك جاعده قدام المخروب وما غيرتيش خلچاتك لأچل تيچي معاي.

أطفأت التلفاز لترمقه بنظرة سخط: 
_ ومين جالك أني هاچي معاك!،  أني مهملاك تسوي الي رايده لأني خابره مهما جولتلك ولا مانعتك حديتي ملهوش عزا حداك يا ولدي.

أمتعضت ملامح وجهه فقال هاكماً: 
_ بجي إكده!، كل ده لأچل خاطر بت خايتك،  و ولدك ملهوش عندك أي خاطر!  .

نهضت و وقفت أمامه بتحدي: 
_ ولا كانت مارتك بت حد غريب برضك مكنتش روحت وياك، لأنها ماجصرتش في حقك حتي موضوع الحمل الحمدلله ربنا كرمكم وبجت حبلي،  وبدل ماتفرح وتفرحها وتجف چارها، رايح تقهرها وتحرج جلبها وتتچوز عليها، ما كفكش الي سويته في خايتك الي ماعرفش عنها حاچة لحد دلوق، طول عمرك جلبك كيف الحچر.

_ عموماً يا أماه مكنتش منتظر منكم حاچة غير وچودك معاي، أبوي يتهرب مني وأنتي تجوليلي لاء، مادام كل واحد عيسوي الي بدو هملوني بجي أسوي الي علي كيفي و ماحدش يبجي يلومني عاد.
تفوه بكلماته ثم ذهب والغضب رفيقه، يعلم أن ما سيفعله ظلم لزوجته لكنه كمن كان ينتظر تلك الفرصة علي أحر من الجمر،  وها هي قُدمت إليه علي طبق من ذهب وعليه أن يغتنمها ويفوز بها.
1

وبعد قليل...  خرجت من غرفتها لم تستطع البقاء أكثر من ذلك فكل شئ هنا يجعلها تشعر بالضيق والإختناق ولاسيما رائحة عطره كانت تخترق رئتيها وكأنها غاز سام وليس مجرد عطر.

وبمجرد خروجها من باب المنزل وقف أمامها دبيكي كالجدار العازل قائلاً: 
_ ممنوع يا ست نوارة.

عقدت مابين حاجبيها وقالت بحنق: 
_ هو أي الي ممنوع يا غفير الغبرة،  غور من خلجتي أحسنلك.

أنعطفت من أمامه فأوقفها مانعاً إياها مرة أخري: _ دي أوامر رافع بيه،  إنك ماتخرچيش واصل.

صاحت بغضب مستعر كنيران متأججة : 
_  أوامره علي نفسه مش عليا.

_أجصري الشر و أدخلي چوه.
كانت جملته تهديداً جلياً أكثر من كونه رجاءً،  توقفت لوهلة ترمقه لتفسر نظراته المستتره لها: 
_ قصدك أي بأني أجصر الشر!  .

تنهد مضيقاً عينيه الحادتين،  فأجاب عليها:
_ قصدي أنتي فهماه يا ست نوارة.

تراجعت خطوتين للوراء، تفوهت بخفوت: 
_ أنت كنت سامعنا أني وأمي؟.

رفع جانب فمه ذو الشارب الكث بزواية: 
_ أيوه، ولو ما دخلتيش چوه لأروح دلوق لرافع بيه وأجوله علي كل حاچة.

أزدردت ريقها ودب الرعب في قلبها، هربت الدماء من أوردتها والشحوب يختلج وجهها،  تشعر بالجفاف في حلقها،  هيهات ريثما تستعيد قوتها الزائفة حتي لاتصبح لقمة سائغة في فم هذا الصرصور ذو الشوارب.
_ كيف تتحدت إكده وياي يا راس البهيمة، أنت ما خابرش تتحدت ويا مين!.

أتسع فمه بإبتسامة ثعلب ماكر مما أزادها وجلاً: 
_ لع،  خابر وخابر سر الي في بطنك،  بأمارة الراچل النصاب الي جبضو عليه في البلد علي البر التاني لأچل عيضحك علي النسوان الي رايده تحبل،  يخدرهم ويسوي عملته منها يتكيف ومنها لو حبلت الوليه فيهم يبجي إكده أتعالچت و تچيب له زباين كتير،  و أهو ده الي صار وياكي يا مرات رافع بيه، حبلي من راچل غير چوزك.

_ أكتم يا كلب.
لطمة قوية هبطت بها علي وجنته المنتفخة، شعرت وكأنها علي حافة بركان تتأجج حممه التي علي وشك الإنفجار.
_ أسمعني زين يا جلوص الطين،  يوم ما شيطانك يوزك وتروح تبلغ البيه بتاعك بكلمة،  لأكون جايله له إنك كداب وعتداري علي الي سويته فيا،  وهو إنك أتهچمت عليا،  تخيل بجي رافع هيصدج مين!  .

جز علي أسنانه و أدخنة النيران تنبعث من أذنيه كفوهة المراجل،  فأردفت : 
_كتك البلا في خلقتك.

عادت أدراجها،  وما أن فتحت باب المنزل لتدلف أصتدمت في خالتها التي أفزعتها قائلة: 
_ أي الي أني سمعته دلوق يابت خايتي!.
5

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

_ تنظر عبرة نافذة السيارة إلي الطريق المؤدي إلي مسكنها،  كم أشتاقت لمنزلها والأكثر إليه،  كيف له أن يصدق بخيانتها له ونعتها بهذا الوصف المُشين، تعترف حقاً إنها مخطأه لما فعلته عندما ذهبت إلي منزل علي، و ودت لو قام بمعاقبتها بأي عقاب آخر إلا الطلاق،  فهذا بمثابة وكأنه يحكم عليها بالإعدام بدون حق الدفاع أو المرافعة، كان قاضيها وجلادها في آن واحد.

_ نزلني هنا لو سمحت.
توقف السائق أمام البناء، فنزلت من السيارة وقبل أن تخطو إلي داخل الفناء أوقفها عم خضر:
_ حمدلله علي سلامتك يا مدام ندي.

ردت علي عجالة:
_ الله يسلمك يا عم خضر.

كادت تدلف إلي المصعد ليوقفها مجدداً:
_ معلش يا مدام ندي، ممكن أعرف حضراتكم هاتبيعو الشقة بالعفش ولا من غير العفش.

وكأن أصابها البرق، فسألته لتتأكد من حدسها للتو:
_ شقة أي وعفش مين يا راجل يا خرفان أنت؟.
1
أومأ لها بمعاتبة:
_ الله يسامحك يا هانم، دي أوامر أكرم بيه الي قالي أدور له علي بيعة لشقتكم و إمبارح جم ناس شافوها وعاجبتهم أوي وسألوني ممكن يشتروها بالعفش ولا لاء، أتصلت علي أكرم بيه ما بيردش عليا.

تستمع إليه غير مصدقة،هل وصل الأمر لبيع منزلهما بدون علمها!.
وبعدما أفاقت من شرودها لم تجب علي خضر بل تركته وأسرعت لتستقل سيارة أجرة التي وقفت ودخلت قائلة:
_ شارع 14 لو سمحت.

وبعد دقائق كانت أمام منزل عائلة زوجها والتي تقطن فيه حماتها السيدة كوثر وبرفقتها سيدة أخري من أقاربهم تقيم معها للعناية بها.
ضغطت علي زر الجرس، فتحت لها تلك السيدة وأتاها صوت والدة أكرم من الداخل:
_ مين يا فوزية؟.

دلفت ندي وهي تخلع حذائها وسارت إلي الداخل:
_ أنا يا ماما كوثر.

نهضت وتستند علي عكازها المعدني لتبتسم لها بحفاوة وترحاب:
_ أهلاً أهلاً يا حبيبتي.
صافحتها بعناق وأردفت:
_ أخيراً جيتي تزوريني، ولا أكرم كلمك وقالك تعالي عشان ماما زعلانه إنك مبتجيش تزوريها؟.

شعرت بإحراج فقالت:
_ والله يا ماما كنت مشغوله وشوية ظروف كده ربنا يعديها علي خير.
ربتت علي ظهرها بحنانها الفياض: 
_ أقعدي خدي نفسك عقبال ما أخلي فوزية تحضرلنا الغدا.

_ مفيش داعي،  أنا لسه متغديه قبل ما أجي.

_ كده عايزة تكسفيني،  ما واحشكيش  أكل حماتك!.
سألتها بمزاح، ردت الأخري بإبتسامة:
_ لا أبداً والله يا حبيبتي، بس حضرتك عرفاني أكلتي قليلة مابقدرش أكل كتير.

أشرأبت السيدة كوثر بعنقها باحثة بعينيها عن شئ ما بالخارج:
_ هي لارا مش معاكي ولا أي؟.

أدركت ندي من حديث وأسئلة حماتها إنها لاتعلم بشئ، يبدو أكرم لم يخبرها، تنفست الصعداء وأجابت:
_ لارا ماما خدتها وراحت بيها النادي عندها تمارين السباحة وأنا بقالي كتير موديتهاش.

أومأت لها كوثر بتفهم:
_ امم، بما إنك مش هتتغدي تحبي تشربي أي؟.

_ يا حبيبتي ماتتع.....

_ السلام عليكم يا أمي.
قاطعها صوته الذي جعلها أنتفضت بفزع حيث عاد من عمله للتو، كم تريد أن تنهض وترتمي بين زراعيه وتخبره إنها مشتاقة إليه.
نهضت وألتفتت له بحذر تخشي ردة فعله:
_ أزيك يا أكرم؟.

يحدقها برماديتيه وفي نظراته آلاف الكلمات التي لو تفوه بها لجعلها تود أن يقتلها ولا يسمعها إياها.
_ مالك يابني واقف عندك كده ليه، تعالي شوف مراتك الي مش عايزه تتغدي ولا تشرب حاجة.

رد عليها وعينيه لاتحيد عن تلك التي تتوسله بنظراتها طالبة العفو والسماح:
_ عن أذنك يا أمي أنا داخل هاغير هدومي.

تعجبت والدته وشعرت بأن هناك خطب ما يخبأه ولدها و زوجته عليها.
وقبل أن يذهب لغرفته أشار لندي بعينيه أن تتبعه وبدون أن تلاحظ والدته هذا.

دخلت وراءه ليباغتها بقبضته العنيفة علي رسغها وأوصد الباب، قال من بين أسنانه وبدون أن يعلو صوته:
_ أي الي جابك هنا، أمي ماتعرفش حاجة إياكي تكوني أتكلمتي معاها، دي مريضة قلب وماتستحملش ولو جرالها حاجة مش هارحمك.

لم تستطع منع نفسها من البكاء:
_ مقولتلهاش حاجة.

ترك يدها و زفر بضيق من قسوته المبالغ بها عليها:
_ أومال أي الي جابك هنا؟،مش رميت عليكي اليمين قدام أهلك!.

أبتلعت غصتها بمرارة العلقم، ثم أجابت بتهدج:
_ أنا روحتلك علي شقتنا لاقيت عم خضر بيسألني هتبيعو الشقة بالعفش ولا من غيره، أنت هتبيع شقتنا يا أكرم؟.

برغم نظرات الحزن والإنكسار التي تنضج من عينيها ترضي غروره وكبريائه كرجل لكن قلبه ينهره ليكف عن قسوته عليها، مازالت عبراتها تألمه لا يتحمل رؤيتها هكذا، بينما عقله يوبخه علي ضعفه ويُعيد عليه ما أقترفته من وراءه فيرتدي من جديد قناع الجمود.

_ آه هبيعها، مبقتش طايقها ولا طايق العمارة كلها، وأطمني حقوقك محفوظه نفقتك والمؤخر وكل حاجتك هتاخديها وبالنسبه للشقه هاشتري لك شقة في حته تانيه وإحتمال تكون في نفس العمارة الي ساكنين فيها أهلك.

أندفعت نحوه وتشبثت في زراعه:
_ بس أنا مش عايزة حاجة غيرك أنت، أنا مبقتش أعرف أنام ولا أكل ولا أشرب وأنت بعيد عني.

تمعن النظر في وجهها ليري صدق كلامها فالإرهاق والتعب يكسو ملامحها وبعض الهالات السوداء بدأت تنبلج أسفل عينيها المليئة بالإحمرار أثر البكاء وقلة النوم.
ولي إليها ظهره وبتعنت قال لها:
_ أنتي الي عملتي في نفسك كده، فمتجيش تلوميني.
ألتفت لتقف أمامه لمواجهته:
_ أنا مخنتكش، بعترف أن غلطت وكنت غبية لما داريت عليك الرسالة وماتعظتش من آخر مشكلة، لو عايز تعاقبني أعمل فيا الي أنت عايزه خاصمني أضربني لكن طلاق لاء.

أغمض عينيه لايريد النظر إليها حتي لايضعف أمامها، يجب عليه أن يعلمها أن ما فعلته ليس بهين، فتح رماديتيه وقبض علي ساعديها:
_ كان فين عقلك وأنتي داخله له شقته!، عارفه يعني أي واحدة داخله لواحد شقته ومش أي واحد، ده الي بيحبها وعايزها تطلق من جوزها عشان يتجوزها هو!.

ردت بتوسل وتأكيد علي توبيخه لها:
_ عندك حق في كل كلمة، عشان كده جيت لك تسامحني، أنا آسفة وأوعدك هاعمل كل الي هتقولي عليه، وموافقة تبيع الشقه وناخد في أي حته تانيه، المهم نكون مع بعض.

صراع ناشب في داخله بين قلبه وعقله، لم يقو علي تحمله ليفرغ تلك الطاقة الكامنة ويصب غضبه العارم عليها، هدر بها ويدفعها علي الكرسي أمامه:
_ أنتي وصلتني لمرحلة مبقاش عندي ثقة في حد، كنتي في حضني وجوايا نار لما كدبتي عليا وأنكرتي أنك مش مخبيه حاجة، كل مرة تثبيت لي إني مغفل بيتضحك عليه بكلمتين، لاء يا ندي، لازم أقهر قلبك وأحرقه زي ما قهرتيني وجرحتيني، هقولك علي حاجة أنا طلقت شفوي و هاردك دلوقت.

كادت بسمة فرح تظهر علي شفاها وسرعان ما تلاشت حينما أردف:
_ وهانرجع نعيش مع بعض بس علي شرط.

قالت بإندفاع كعادتها:
_ وأنا موافقة علي أي شرط المهم تسامحني ونرجع لبعض.

إبتسم بسخرية من ساذجتها:
_ مش لما تعرفي أي هو الشرط الأول.

رمقته بتوجس وتردد فقالت:
_ أي هو؟.

دنا منها ليخبرها بحزم وجدية :
_ هاتجوز عليكي!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8

_ تمكث في غرفتها وتوصدها من الداخل بعدما علمت بقدوم رافع ليأخذها إلي الصائغ وشراء مصوغات لها ثم يذهبا إلي المشفي من أجل تحاليل وفحوصات ماقبل الزواج.
طرقات علي الباب فصاحت بالطارق: 
_ جولت مافتحاش.

فقالت قمر بصوتها الناعم: 
_ أني قمر يا فاطمة،  ممكن نجعدو مع بعض هبابة.

نهضت وفتحت إليها الباب علي مهل: 
_ أتفضلي.

دلفت قمر ومن بعدها أغلقت فاطمة الباب من الداخل،  فقالت لها الأخري: 
_ إكده يا فاطمة،  جافلة عليكي الباب وما ريداش تتحدتي ولا تشوفي حد حتي أني!.

شعرت بخجل فقامت بتبرير مافعلت: 
_ حجك علي يا قمر، أديكي زي ماسمعتي بودانك من هبابة،  المخفي أتصل علي أبوي لأچل نروحو نشترو الشبكة وبعدها نروح المستشفي لأچل الفحوصات والتحاليل.

نظرت لها مبتسمة مما أثار حنقها فسألتها: 
_ عتضحكي علي أي شيفاني بجول نكت إياك!  .

_ أصل الي يشوف أفعالك ورفضك للچواز منه مايشوفش الي چوه عنيكي.

كانت كلماتها في مقتل،  كالمرآه العاكسه لمن ينظر إليها،  أشاحت وجهها بعد أن أصابها التوتر:  _ و چوه عينيا هيكون أي عاد؟.

ضيقت فيروزتيها بمكر فأجابت:
_ والله أنتي أدري بحالك يا بطته.

ألتفتت إليها فاطمة تزجرها:
_ لو معوزاش تخسريني ماتجوليش الإسم ده تاني.

ضحكت رغماً عنها:
_ حاضر، شوفتي بجي نستيني كنت عوزاكي في أي.

كانت علي وشك أن تخبرها شيئاً ما فقاطعتها طرقات عنيفة علي الباب وتبعها صوت جليلة:
_ أفتحي بدل وأيمانات المسلمين لأكون مدشملة الباب علي راسك.

فتدخل واصف قائلاً:
_ وطي حسك يا چليلة وعيب الي عاتسويه، بكفاينا فضايح عاد.

_ أكتم أنت يا أبو زكريا وخليك في حالك.
2

فقال رافع الذي جاء منذ قليل:
_ أصبري يا عمتي هي هتطلع لوحدها، أني خابر دماغها زين.

وبالداخل، كانت تجول الغرفة ذهاباً وإياباً، فقالت قمر:
_ أخرچي لهم وخلاص، ماعدش فايدة من جفلتك علي حالك.

خرجت فاطمة أخيراً بعدما أرتدت وشاحها وعندما رفعت وجهها تلاقت لؤلؤتيها بسوادويتيه الحادتين، تشعر برجيف فؤادها.
_ أنتي لسه ما لبستيش يا أخرة صبري!.
صاحت بها والدتها

_ ما أني لابسة خلچاتي أهه رايدين مني أي تاني!.

رمقها من أخمص قدميها إلي رأسها فكبت ضحكته علي مظهرها، ضربت جليلة بكفها علي صدرها:
_ نعم يا روح خالتك، لابسه لي عبايه سوده وحچاب أسود، رايحة تعزي إياك!.

صرخت بإصرار وعند:
_ و الله ده الي عندي ولا معاچبكيش أرچع أوضتي ومحدش ليه دعوة بيا واصل.

_ بتعلي حسك علي يا بت ال...
1

كادت تهوي بكفها علي وجنتها لكنه وقف حائل بينهما ممسكاً بيد عمته وأنزلها:
_ خلاص يا عمتي، فاطمة مهما لبست خلچات سواء ملونة أو سوده فهي في أي حاچة كيف القمر.

قالها وألتفت ليحدجها بهيام لكنها بادلته بنظرة إزدراء قائلة:
_ مالكش صالح أكون قمر ولا كيف القرد، خليك في حالك.

وبالنهاية خرج الجميع  فكلا من رافع وعمته جليلة والشيخ واصف وفاطمة معه في سيارته ،بينما بكر وقمر وعمر الصغير في سيارة زكريا الذي أستأجرها، وقبل أن ينطلق كان ينظر إليها عبر المرآه فلاحظت هي تحديقه بها، أشاحت وجهها تنظر إلي الخارج عبر النافذة.
أنطلقت السيارتان حتي وصل الجميع أمام متجر المصوغات، ترجل رافع من السيارة ليفتح الباب لها ومد إليها يده:
_ أنزلي يلا يا عروسة.
ترجلت وهي تدفعه في كتفه ثم ألتفت إليه تحذره بسبابتها في وجهه:
_ يكون في علمك چوازي منك علي ورج أكتر من إكده ماتحلمش.
إبتسم وقال بتريث وهدوء عكس صفاته:
_ الي رايداه هو الي هيكون يا بطتي.

أستشاطت غيظاً من هدوءه الإستفزازي فكانت ستوبخه لكن ما حدث جعلها شهقت بفزع بل جميعهم حيث أنتفض جسده أمامها بعدما أستقر به رصاصة أنطلقت للتو!.

_ تنزل علي الدرج مسرعة، فتوقفت عندما وجدته يصعد مقابلاً لها، تراجعت درجتين للخلف بعدما رأت تلك النيران المندلعة من ظُلمتيه المخيفتين، تجرعت لعابها بوجل مُرددة إسمه بتعجب زائف وفي محاولة بائت بالفشل وهي إخفاء ماتشعر به للتو:
_ سليم!.
1

وثب كالفهد مُنقضاً عليها حيث قبض علي ساعدها بل يعتصره بقوة ليسألها بنبرة جعلت هذا الشعور التي قد نسته منذ أيام والده يعود مجدداً، فصدق ذاك المثل الذي يقول من شبه أباه:
_ أين زينب أيتها العاهرة؟.
2

تظاهرت بالقوة مُتحملة ألم قبضته فقالت بترحاب زائف غير مكترثة لما نعتها به:
_ يالها من مفاجأة، لم أصدق عينياي، مرحباً بك يا إبن داغر العقبي في مركزي المتواضع.

ترك ساعدها ليجذب خصلاتها بعنف شديد مما جعلها أطلقت صرخة مدوية:
_ كُفي عن ثرثرتك وأجيبي عن سؤالي.

أجابت بإنكار من بين أسنانها وهي تتلوي وتتألم من خصلاتها التي كادت تقتلع من جذورها في قبضته،كما لاحظت زراعه المصاب بالرصاصة:
_لا أعلم.

وقبل أن يصب عليها جموح غضبه باغتته بضربة قوية في زراعه وركضت للأعلي، وبرغم شعوره بألم لم يحتمل بتاً ركض أيضاً خلفها مزمجراً كالوحش عندما يعلن حربه علي أعداءه، يتوعد لها بالويل وبالعذاب.
صاح في رجاله:
_ أجلبو لي تلك العاهرة.

وبالفعل قامو بملاحقتها بينما هي كانت تحاول بقدر الإمكان تأخيرهم ريثما تستطيع زينب الفرار إلي المطار و الطائرة التي سوف تكون علي متنها تقلع في السماء.
ولجت في إحدي الغرف و فتحت الخزانة المليئة بالمناشف والشراشف القطنية، إزاحتهم جانباً ليتثني لها الإختباء بداخلها، وما أن أغلقت بابي الخزانة أنفتح الباب بعنف و دلف يبحث عنها، تسمع لهاثه من فرط ألم جرحه الذي ما زال تنغمس به الرصاصة وجاءت ضربتها في مقتل.
2

أخذ قلبها يرتجف وجلاً،فالنظرة التي رأتها في عينيه منذ قليل تشبه تماماً نظرات والده عندما كان يمارس عليها طقوس ساديته.
قرع نعل حذائه يعلو شيئاً فشيئاً:
_ يبدو أن هناك من تتوق شوقاً لما كان يفعله بها أبي، مهلاً أنا لست مثله عزيزتي، هو كان يرأف بكِ،لكن أنا لم أرحم من يقف أمامي، هيا أخرجي بإرادتك بدلاً من أجعلك تخرجين زحفاً بعدما أكسر عظام ساقيك.

تراه من ثقب موضع المفتاح وهو يتجه إلي الباب فظنت إنه يغادر، تنفست الصعداء قائلة بداخل عقلها:
_ شكراً لك يا أله....
صرخة شقت حنجرتها حينما فتح باب الخزانة ليجذبها إحدي رجاله من زراعها ويلقي بها أسفل قدمي سليم الذي لم يمهلها لتقف فباغتها بالقبض علي نحرها دافعاً إياها علي السرير الخاص بعمل التدليك.
_ قلت لك لا أعلم، أرجوك أتركني.
صاحت بصوت مختنق و وجهها محتقن بالدماء وعندما رأي إنها علي وشك الموت تركها، أنتابها السعال وظلت تتنفس بصعوبة، كان ينظر لها بتشفي، وضعت يدها في جيب بنطالها لتخرج عبوة الرزاز الخاصة بمن يعانون حساسية الصدر المزمنة.
كادت تضعها بفمها وتضغط المكبس فأختطفها من يدها وألقي بها بعيداً، فهزت رأسها بتوسل متفوهة بصعوبة بالغة كالغريق علي حافة الموت:
_أرجوك،لا....
لم تستطع إكمال جملتها،فكان الشعور بالإختناق قد وصل لذروته، جثت علي عقبيها ودنا إليها فحدجها بإبتسامة قائلاً:
_إجابة سؤالي مقابل العبوة ساندرا.

جمعت كل ما أوتيت من قوة واهية وأجابت بصوت منقطع:
_ سا... فرت، سافرت بال... طائرة.

ذهب بخطي سريعة ومازال الألم يشتد به وبدأ يشعر بالإرهاق والقليل من الدوار، ألتقط العبوة وعاد ليقف أمامها وبكل جبروت لاينضح سوي من ظالم يخلو فؤاده من الرأفة أو الرحمة قال:
_ ها أنا أملك الذي يجعلك علي قيد الحياة أم أتركك تختنقين حتي الموت، إلي أين سافرت؟.
1

لا تريد إخباره لكن تري ما يتفوه به ليس هراءً بل تهديداً صريحاً، فما بيدها سوي أن تجيب علي سؤاله وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة:
_ مصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أمام غرفة العمليات ينتظر كل من الشيخ واصف ويتلو بعض السور من القرآن الكريم، وبجواره تقف جليلة تدعو لإبن أخيها، بينما بكر يقف جوار قمر في الجهة المقابلة، و زكريا يحتضن شقيقته فاطمة التي أنهارت في البكاء منذ أن أطلق أحدهم رصاصة صوب رافع فأستقرت في صدره.
تقدمت نحوها قمر لتربت عليها غير مكترثة لنظرات الآخر التي لاتحيد عن فيروزتيها:
_ بكفياك بكا عاد، دلوق هو محتاچ تدعيله ربنا يجومه بالسلامة.
5

تدخل بكر قائلاً:
_ سبحانه مغير الأحوال الي يشوفك دلوق مايشوفكيش وجت لما أمي حكمت عليكي تتچوزيه، ده أنا كنت خايف لتسوي في حالك حاچة!.

قال زكريا مبتسماً:
_ هم الحريم إكده يا أخوي، ماتخابرش هم رايدين أي، صنف مخبل.

رد بكر ويمسك بيد قمر ليشابك أنامله بأناملها تحت نظرات أخيه :
_ مش كلهم يا أخوي، والحمدلله ربنا رزجني بالزينة بنت الأصول قمر وهي كيف القمر.

حدجها بنظرة عاشقة أمام أخيه وشقيقته التي ما زالت تبكي، فأشاحت قمر وجهها بخجل شديد.

وبالعودة لدي الشيخ واصف وصوته العذب في تلاوة القرآن ، بدأت زوجته بالعويل جواره:
_ يا عيني عليك يا إبن أخوي، عين وصابتك أنت وبتي.
1

أنتهي من التلاوة ليجعلها تكف عن ما تتفوه به:
_ چري أي يا چليلة، عتولولي علي الراچل وهو لساته في العمليات بدل ما تدعيله!.

زجرته بنظرة كاللهيب المندلعة ألسنته:
_ خليك في حالك وهملني لحالي، أنت هتلاجيك من چواك ماصدجت حوصل إكده لأچل الچوازة ماتمش.

نظر بتعجب وأخذ يحوقل:
_ لا حول ولاقوة إلا بالله ، أني ما هردش علي حديتك الماسخ، ويعلم ربنا عمري ماتمنيت الأذية أو الشر لحد واصل.

وبنهاية الرواق جاءو يهرولون للإطمئنان علي ولدهم، كانت رسمية تبكي:
_ ولدي چراله أي، كيف أنطخ ومين الي طخه؟.
1

عقب زوجها خميس متسائلاً:
_ جبصتو علي الي سوي فيه إكده ولا لسه؟.

ربت علي كتفه واصف بمؤازرة ومواساة:
_ أطمن يا أبو رافع، ولدك هيكون بخير إن شاء الله.

لحقت بخالتها و حماها للتو وعينيها تذرف عبراتها، فبرغم ما أقترفه في حقها وظلمه إليها لا تتحمل أي أذي أو شر يصيبه، فعشقها هو المسيطر مهما يحدث.
_ وهيكون بخير كيف والقصيدة أولها كفر.

تفوهت بها وهي تحدق بفاطمة بكل ضغينة وكراهية، فسألتها جليلة وعينيها تنضح بالشر:
_ تجصدي أي يا بت سعاد؟.

ردت نوارة بقوة تتظاهر بها عكس ما بداخلها من ضعف و وهن كبناء متصدع وآيل للسقوط:
_ أجصد إن النسوان دي أقدام، واحده تبجي دخلتها علي چوزها تعليه ويبجي زين الرچال كيفي إكده، و واحدة تانية دخلتها كيف غراب البين توديه للقبر.
قالتها ورمقت فاطمة بنظرة قاتلة، أبتعدت الأخر