رواية في قبضة الخوف كاملة جميع الفصول بقلم رولا هاني

رواية في قبضة الخوف كاملة جميع الفصول بقلم رولا هاني

رواية في قبضة الخوف كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة رولا هاني رواية في قبضة الخوف كاملة جميع الفصول صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية في قبضة الخوف كاملة جميع الفصول حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية في قبضة الخوف كاملة جميع الفصول

رواية في قبضة الخوف بقلم رولا هاني

رواية في قبضة الخوف كاملة جميع الفصول

وضعت الهاتف علي أذنها تحاول التواصل مع شقيقها لكي يخرجها من تلك المنطقة المهجورة و لكن كما توقعت لم يرد عليها، زفرت بضيقٍ هامسة بنبرة خافتة و شعور التوتر يسيطر عليها بسبب وجودها بذلك المكان المرعب:
-كان لازم يعني أروح الحفلة دي!؟...أديني توهت!
سارت بخطواتها البطيئة تحاول البحث عن أي أحد، ثم نظرت لهاتفها بترددٍ لتنوي وقتها مهاتفة والدتها فهي لا تملك أية حلول أخري، كادت أن تضغط علي الهاتف عدة ضغطات و لكنها توقفت تلقائيًا ليقع من بين يديها الهاتف عندما جاء رجل ما ليكمم فمها من الخلف، ليهمس بنبرة مقززة و هو يطوق خصرها النحيف:
-كدة بردو تتعبيني كل دة، بس من حظي إنك جيتي هنا.
حاولت ضرب ذراعه الذي يكمم فمها بشراسة فلم يتأثر بما تفعله، حاولت هي و بكل صعوبة الوقوف بمكانها لتصرخ حتي لو بنبرة مكتومة و لكنها لم تستطع بسبب سحبه العنيف لها للخلف، فتراجعت هي معه رغمًا عنها و هي تحاول الفرار من بين يديه بكل الطرق، و فجأة وجدته يسحبها ناحية ذلك البيت المظلم فعلمت وقتها مدي خطورة الأمر، لذا غرزت أظافرها الطويلة بكفه و هي تحرك جسدها بعشوائية، و بحركاتٍ عصبية ثنت ساقها لتضربه بركبته و لكنه لم يتركها و ظل ملتصق بها و هو يسحبها للداخل هامسًا بنفس النبرة التي تصيب المرء بالإشمئزاز:
-متحاوليش يا "سيليا".
و بالرغم من صعوبة الموقف إلا إن قوتها في رفض ما يحدث لم تقل، ظلت تضرب ذراعيه بعنفٍ و مع الأسف سحبها لداخل البيت، ثم إبتعد عنها قليلًا و هو يتجه ناحية الباب ليغلقه فإستغلت هي الأمر لتصرخ بنبرة عالية مزعجة و هي تسبه بسباب لاذع:
-إنتَ عايز مني إية يا إبن ال ***.
إستطاع إغلاق باب ذلك البيت المهجور ليستدير لها و علي وجهه تلك الإبتسامة الخبيثة، فتراجعت هي بخطواتها للخلف هامسة بنبرة شبه مهتزة:
-إنتَ عايز مني إية!؟
إقترب منها بعدة خطوات و هو يخلع سترته ليلقيها بإهمالٍ علي الأرض، ثم رد عليها بمكرٍ و إبتسامته المخيفة تتسع:
-عايزك يا "سيليا"، بقالي فترة كبيرة أوي عايزك.
تلاحقت أنفاسها لترد عليه صارخة بذعرٍ و هي تسبه مجددًا بسبابها اللاذع:
-هو إنتَ تعرفني أساسًا يا ***.
أومأ لها عدة مرات و لم يرد عليها بتلك المرة، فقط رمق ملامح وجهها بروية ليتأمل رماديتيها التي أصابته بالجنون، و شفتيها التي تمني تذوقها، و خصلاتها البنية الفاتحة كالقهوة، ثم إنتقلت نظراته تجاه جسدها النحيف الرائع، و خاصة خصرها الممشوق!
إزدردت ريقها بصعوبة و ظنته شارد فكادت أن تركض تجاه تلك النافذة بالجهة اليمني و لكنه ركض نحوها بسرعة لا توصف ليقبض علي خصلاتها الكثيفة قائلًا بنبرة خافتة تأملتها هي لتتأكد من شكوكها فقد كان ثمل:
-مش هتمشي من هنا يا "سيليا" غير لما أخد اللي أنا عايزه.
عضت علي شفتيها بألمٍ بسبب قبضته التي شددها علي خصلاتها، فتأوهت وقتها بنبرة عالية تدل علي عدم تحملها لما يحدث، و فجأة إقترب هو منها ليقبل عنقها قسرًا و هو يفك أزرار قميصه الأبيض، حاولت هي إبعاده عنها بكل الطرق فلم تستطع، لذا ثنت ركبتها لتضربه ببطنه بصورة عنيفة جعلته يتأوه بصراخٍ يصيب المرء بالإنزعاج، و بتلك اللحظة ركضت هي تجاه تلك النافذة لتخرج منها بسهولة و من فرط توترها تعثرت قدماها لتقع علي وجهها بالإضافة إلي ركبتها التي جُرحت مما جعل أيضًا بنطالها القماشي يتمزق بتلك المنطقة، جزت علي أسنانها بعصبية و هي تنهض ببطئ لتحاول الركض تجاه الشارع و لكنها لم تستطع بسبب قبضة ذلك الأحمق التي أمسكت بذراعها بقوة كادت أن تحطم عظامه، ثم أخذ يقبل عنقها بلا وعي و هو يمرر كفه الغليظ علي ظهرها غافلًا عن نفورها منه، حاولت إبعاده عنها مجددًا و عينيها تتوسله حتي يتركها، كادت أن تهبط عبراتها من فرط الهلع و لكنها توقفت عندما رأت تلك العصا الغليظة مرمية بجانبها، فإنحنت قليلًا للأسفل تحاول الإبتعاد عنه لتلتقط تلك العصا و بالفعل نجحت لتبعده عنها بصورة عنيفة و مفاجأة و هي تضرب رأسه بها فوقع هو علي الأرض و الدماء تسيل علي جبينه بصورة مفزعة جعلت العصا تقع من بين يديها لترمقه بصدمة و عدم تصديق، إنحنت بجذعها للأمام لتنظر له بتمعن خشية من أن يكون أصابه شئ ما و فجأة إنتفضت بخوفٍ عندما إستمعت لنباح ذلك الكلب فأخذت تركض بلا وعي لتخرج من الباب الخلفي لذلك البيت فقد كان لها الأقرب، و فجأة رأت أمامها سيارة أجرة فأخذت تشير لها و الدموع تترقرق بعينيها من فرط الرعب الذي سيطر عليها ليلاحقها كظلها، وقفت السيارة أمامها فصعدتها و هي تملي علي السائق عنوان بيتها لتنهمر عبراتها وقتها بإنهيارٍ لتدعو وقتها بإرتعادٍ أن لا يصيب ذلك الرجل شئ ما، و طوال الطريق حاولت إقناع نفسها إن ما فعلته فقط كان للدفاع عن نفسها!
__________________________________________
-الساعة بقت حداشر بليل و الهانم لسة مجاتش!
قالتها "سندس" بغضبٍ و هي تحاول مهاتفة إبنتها "سيليا"، و لكن لم تستطع بسبب هاتفها المغلق، و بتلك اللحظة رد عليها إبنها "يحيي" و هو ينهض من علي فراشه بعدما إستيقظ:
-هتلاقي الدنيا زحمة.
جزت "سندس" علي أسنانها ببعض من العصبية قبل أن ترد عليه بقلقٍ ملحوظٍ علي تعابير وجهها التي إنكمشت بوجلٍ:
-يا بني دي قالتلي الحفلة هتخلص الساعة تسعة!
نظر لهاتفه قبل أن يرد عليها بذهولٍ:
-دي شكلها حاولت تكلمني من يجي ساعة!
تنفست "سندس" بعمقٍ لتضع كفها علي موضع قلبها قائلة بتوجسٍ:
-أنا قلبي مش مطمن.
هدأها هو بنبرته اللطيفة بعدما وضع هاتفه علي تلك الطاولة:
-يا ماما يعني هيكون حصلها إية بس!؟
هزت رأسها نافية لترد عليه بخوفٍ بدأ يزداد ليحتل قلبها:
-بيت صاحبتها دة هي أول مرة تروحه، و إنتَ عارف أختك بتوه كتير خصوصًا لو رايحة مكان لأول مرة.
و بعد عدة دقائق من الصمت تعالي صوت تلك الطرقات علي باب البيت فركضت وقتها تجاهه حتي تفتحه و لكن سبقتها إبنتها عندما فتحت هي الباب بمفتاحها الخاص لتدلف للبيت و علي وجهها علامات الذعر الواضحة، بالإضافة إلي شحوب وجهها الملحوظ و ما إن رأتها والدتها لاحظت جرح ركبتها فصرخت بفزعٍ و هي تقترب منها بخوفٍ:
-"سيليا"!...حصلك إية يا بنتي؟
إزدردت ريقها بصعوبة بالغة و هي ترمق والدتها و شقيقها الذي خرج من غرفته ليري ما يحدث بحيرة شديدة، أتخبرهما بما حدث!؟...أتخبرهما بقتلها لذلك الرجل!؟...أم إن الصمت هو أفضل حل لذلك الموقف!؟...هربت بعينيها من مواجهتهما فسألها بتلك المرة شقيقها "يحيي" و هو يتأمل حالتها المضطربة بقلقٍ تبين علي تعابير وجهه التي تقلصت بعدم إطمئنان:
-"سيليا" إنتِ كويسة؟
ردت عليه كاذبة و هي تلوح بكفها المرتعش بالهواء:
-العربية اللي كنت راكباها عملت حادثة.
لطمت "سندس" علي صدرها صارخة بإرتعابٍ:
-إنتِ كويسة يا بنتي؟
لاح علي وجه "سيليا" إبتسامة باهتة ثم ردت عليها بنبرة ضعيفة:
-أنا كويسة يا ماما، عايزة بس أدخل أنام شوية في أوضتي و لما أصحي هبقي أحكيلكوا كل حاجة.
نظرت لها والدتها ببعض من الشك فتسائلت وقتها بجدية و هي ترمق إبنتها بتمعن:
-"سيليا" إنتِ بتقولي الحقيقة؟
رمشت بعينيها عدة مرات لتنظر في عيني والدتها مباشرةً و هي ترد بثباتٍ:
-أيوة يا ماما.
ثم همست برجاء و هي ترمق والدتها بتوسلٍ:
-ممكن تسيبيني عشان أنا فعلًا تعبانة.
أومأت لها "سندس" عدة مرات ففرت هي هاربة تجاه غرفة التي ما إن دلفتها أغلقت بابها جيدًا لتجهش بالبكاء و هي تقع علي الأرضية الباردة لتضم ركبتيها لصدرها و عبراتها تتهاوي علي وجنتيها بلا توقف لتغمرهما، تعالت شهقاتها فنهضت لتتجه للفراش حتي تلتقط منه تلك الوسادة التي كتمت بها صوت نحيبها ليتحول لأنين خافتٍ، إهتز جسدها و إرتجف و هي تتذكر ما حدث بالتفصيل و كأن الأحداث تخبرها و بصورة صريحة إنها لن تفارق ذكرياتها أبدًا!
___________________________________________
صباح يوم جديد.
-ما إنتَ لو تبطل سهر كل يوم لوش الصبح كان زمانك صاحي و نازل شغلك زي الناس.
قالتها تلك المرأة بنبرتها الحادة و هي تهز جسد إبنها النائم علي الفراش بصورة عشوائية عجيبة، فنهض هو ببطئ ليعتدل في جلسته قائلًا بصوتٍ أجش:
-صباح الخير يا "بيسان".
نظرت له بغضبٍ طفيفٍ لترد عليه بتأففٍ:
-إمتي هتتعلم تقولي يا ماما!؟
هب واقفًا ليقبل جبينها برقة قائلًا بلطفٍ:
-صباح الخير يا أحسن أم في الدنيا دي كلها.
إبتسمت بخفة لترد عليه بتهكمٍ مصطنعٍ:
-إضحك عليا كويس أوي.
رفع حاجبيه بقلة حيلة ثم رد عليها بنبرة شبه عادية:
-الساعة كام؟
أجابته بضيقٍ و هي تخرج من الغرفة لتجحظ هو عيناه بصدمة:
-تسعة.
زفر بحنقٍ هامسًا بإهتياجٍ و هو يعود مجددًا ليتمدد علي الفراش:
-إتأخرت علي الشغل!
تنهد بعمقٍ قبل أن يهمس بنعاسٍ:
-حيث كدة أكمل نوم.
و لكن صراخ والدته المفزع بشقيقته أصابه بالهلع فجعله يعتدل في جلسته بغيظٍ و هو يتسائل بدهشة حقيقية:
-هو "إياد" مكلمنيش لية!؟
إلتقط هاتفه ليجده يحاول مهاتفته فإبتسم هو بسخرية قائلًا:
-بتيجي علي السيرة.
رد عليه ليجد صوت رجل أخر يهاتفه، و ليس إبن خالته كما توقع:
-حضرتك تعرف صاحب التليفون دة؟
همس بوجلٍ و عينيه تجحظ ببعض من التوتر:
-أيوة!
وجد رد ذلك الرجل ليجعله في صدمة لا توصف من شدتها:
-مع الأسف صاحب التليفون مات، البقاء لله.
-"إياد" لا يا "إياد" قوم، فوق يا "إياد" سامعني؟
صرخ بها و الدموع تترقرق بعينيه بعدما جثي علي ركبتيه ليهزه بعنفٍ فإقتربت وقتها "بيسان" منه قائلة من بين دموعها التي كانت تغمر وجنتيها:
-قوم يابني، اللي بتعمله دة مش هيفيدك بحاجة.
ألقي نظرة أخيرة علي جثة إبن خالته و عبراته تتهاوي علي وجنتيه بلا توقف، ثم نهض و هو يصرخ بإهتياجٍ:
-"برق".
أتي إليه صديقه الذي جاء معه الي هنا ليكن في مؤازرته، نظر "برق" في عيني صديقه التي كانت مظلمة بصورة لا تبشر بالخير ليراه يهتف وقتها بحدة:
-"برق" كاميرات المراقبة اللي هنا مش عايز حد يراجعها غيري، إنتَ فاهم؟...يعني أنا عايزك تتصرف في الموضوع دة قبل ما البوليس يجي.
أومأ "برق" عدة مرات قبل أن يتراجع بخطواته للخلف ليبتعد قليلًا عنه، بينما هو ينظر لجثة إبن خالته بقهرٍ هامسًا بقتامة:
-مش هسيب حقك يا "إياد".
____________________________________________
بعد مرور عام
-أنا أهو مستنياكي إنتِ فين؟
قالتها "سيليا" و هي ترتشف عدة رشفات من فنجان القهوة الذي أمامها، فردت عليها صديقتها التي كانت تهاتفها قائلة بأسفٍ:
-أسفة يا "سيليا" مش هعرف أجي إنهاردة عشان بابا مصمم أروحله الشركة.
زفرت "سيليا" بعبوسٍ قبل أن تهتف بتجهمٍ و قد إكفهرت تعابير وجهها:
-ماشي خلاص سلام.
و لم تعطها فرصة للرد بل أغلقت الخط سريعًا لتنهي فنجان قهوتها.
و بعدما أنهتها بالفعل كادت أن تنهض من علي كرسيها و لكنها توقفت عندما وجدت ذلك الرجل يتقدم ناحيتها ليجلس علي ذلك الكرسي الذي كان أمامها فنظرت هي له ببعض من الحدة قبل أن تهتف بفظاظة:
-نعم!
وجدته يبتسم بلطفٍ غريبٍ قبل أن يهتف بصوتٍ أجش:
-"تميم الحديدي".
لوت شفتيها قبل أن تهتف بنبرة شبه عالية لفتت أنظار بعض من الناس التي كانت معهم بالمقهي:
-إنتَ شارب حاجة يا عم إنتَ!
إبتسم لها مجددًا مما جعلها تظنه يتعمد إستفزازها فجزت علي أسنانها بغضبٍ لتتابعه و هو يصيح بهدوء عجيبٍ:
-لية الصوت العالي و العصبية اللي ملهومش لازمة دول.
زفرت بنفاذ صبر قبل أن تلتقط حقيبتها الجلدية من علي الكرسي الذي كان بجانبها لتنهض قائلة بإحتقارٍ:
-لا دة إنتَ شكلك كدة فاضي.
إستدارت للخلف لتغادر و لكنها توقفت عندما وجدته يصيح بنبرة عالية:
-إستني يا "سيليا".
عقدت حاجبيها بتعجبٍ لتستدير له قائلة و هي تتقدم ناحيته بخطواتها السريعة:
-إنتَ تعرف إسمي منين!؟
إبتسم لها قبل أن يجيبها بثقة أدهشتها:
-أنا أعرف عنك كل حاجة.
تفحصته بعينيها بحيرة قبل أن تهمس بإمتعاضٍ:
-أنا مبحبش الكلام اللي مش مفهوم.
تنفس بعمقٍ قبل أن يرد عليه بنبرة رقيقة جعلتها تطمئن له:
-طب ممكن تقعدي عشان أفهمك كل حاجة.
ألقت عليه نظرة سريعة قبل أن تجلس علي كرسيها مجددًا قائلة بفضولٍ لم تستطع إخفاءه:
-إتفضل فهمني.
نظر لها بهيامٍ لم تفهمه قبل أن يرد عليها و علي وجهه تلك الإبتسامة الواسعة، بينما هي تستمع لما يقوله بعدم فهم:
-مش عارف إذا كان اللي هقوله دة هتتقبليه ولا لا بس أنا إستنيت كتير أوي و مش هقدر أستني أكتر من كدة.
نظر في عينيها مباشرةً قبل أن يكمل بنبرته الهائمة:
-أنا بحبك.
إتسعت حدقتاها بصدمة لتحاول وقتها إستيعاب ما قاله ذلك الأحمق، أي حب ذلك!؟....من أين يعرفها ذلك الشخص من الأساس!؟...كان سؤالها واضح من أين يعرفها، لم تسأله هي عن مشاعره الغير مفهومة تجاهها و مع ذلك تابعته مجددًا و هو يهتف بتوترٍ ملحوظٍ:
-أ...أنا أول مرة شوفتك فيها كان من يجي خمس شهور، ك...كنتي وقتها واقفة في الصيدلية بتاعتك و أنا جيت و إشتريت من عندك أدوية و طول الخمس شهور دول كنت بجيلك كتير الصيدلية أشتري أدوية لأمي و فيهم حبيتك، ع...عارف كلامي ملغبط و ممكن محدش يصدقه و لكن أنا حبيتك فعلًا، حبيت طريقتك في الكلام...إبتسامتك، كل حاجة بتعمليها أنا كنت بعشقها، أنا حتي كنت س..ساعات براقبك و أعرف إنتِ رايحة فين و خارجة فين عشان أشوفك أكتر، و بصراحة كدة إنهاردة أنا قررت إني أصارحك بكل دة.
ظلت ترمقه بتمعن و هي تعقد حاجبيها بذهولٍ فهي لا تتذكره أبدًا، لعقت شفتيها قبل أن تهتف بثباتٍ:
-و المطلوب مني إية؟
رد عليها ببساطة و هو يهز كتفيه:
-فرصة لينا إحنا الإتنين، يعني نتعرف علي بعض و يا قبلتي حُبي يا مقبلتوش.
إبتسمت له بسخافة قبل أن ترد عليه بعجرفة:
-أسفة مبديش حد فُرص، إنتَ لا خطيبي ولا جوزي عشان تقولي أحبك ولا محبكش.
إبتسم لها هو الأخر بثقة قبل أن يهمس بهدوء:
-بسيطة جدًا، تحبي أجي أقابل والدتك إمتي؟
جحظت عيناها بإرتباكٍ عندما وجدت تلك الجدية في نبرته، فإزدردت ريقها بصعوبة و هي تسب صديقتها في نفسها بسبابٍ لاذعٍ فهي من تركتها لتواجه تلك المصيبة التي حلت علي رأسها، لذا و بعد عدة دقائق من الصمت صاحت هي لتوبخه:
-تيجي تقابل مين يا مجنون إنتَ!؟...هو أنا كنت أعرفك ولا إنتَ كنت تعرفني!
عقد حاجبيه قبل أن يتسائل بإستغرابٍ:
-مش إنتِ اللي قولتي إنك مش هتدينا فرصة نتعرف علي بعض غير لما أكون خطيبك أو جوزك خلاص أنا هاجي أخطبك في أقرب وقت مافيش مشكلة.
تلاحقت أنفاسها و هي لا تستطيع السيطرة علي أعصابها لذا صاحت بعدها بغطرسة:
-تخطب مين يالا إنتَ هو أنا كنت أعرف عنك حاجة!؟
نظر لها ببعض من الضيق قبل أن يهتف بهدوء:
-أنا "تميم الحديدي" عندي تسعة و عشرين سنة، شغال دكتور جراحة، والدي متوفي و والدتي عايشة ربنا يديها الصحة و عندي أخت...بس كدة ها تحبي أجي أقابل والدتك إمتي؟
ضربت بكفها علي جبينها و هي ترمقه بقلة حيلة فهي و من الواضح لن تستطيع الهروب منه أبدًا..و لكنها إبتسمت عندما مر ببالها إنها تستطيع رفضه عندما يأتي لوالدتها كما قال.
____________________________________________
بعد مرور أسبوع.
-بقي في بنت جايلها عريس كمان شوية تبقي بالمنظر دة!
قالتها "سندس" بإمتعاضٍ و هي تتفحص هيئة إبنتها المزرية فقد كانت خصلاتها مشعثة بالإضافة إلي وجهها الخالي من مستحضرات التجميل، فقد كان باهت بعض الشئ و يملؤه تلك الحبوب، و ملابسها التي كانت غير مهندمة فهي كانت ترتدي قميص أبيض واسع عليها ليكن منظره غير لطيف و بنطال أسود قماشي عجيب، فردت وقتها "سيليا" بعدم إهتمام و هي ترتشف عدة رشفات من فنجان قهوتها:
-فكك بقي يا "سوسو" أنا كدة كدة هرفض العريس دة.
جزت "سندس" علي أسنانها بعصبية لتحاول السيطرة علي غضبها صائحة بنفاذ صبر:
-ترفضيه إزاي يعني!؟
هزت "سيليا" كتفيها ببساطة و هي تجيبها قائلة:
-هناخد منه الشيكولاتة اللي هو جايبها و هنقوله مع السلامة معروفة.
كادت "سندس" أن ترد عليها بإهتياجها المرعب و لكنها توقفت عندما إستمعت لتلك الطرقات علي الباب فخرجت من الغرفة سريعًا و هي تهتف بتحذيرٍ:
-لو خرجتي بالمنظر دة ليلتك هتبقي سودة.
زفرت "سيليا" بضيقٍ لترمي هاتفها علي الفراش بعدم إهتمام لتصيح بوجه عابس:
-أنا كان إية خلاني أخرج من البيت يومها أنا.
__________________________________________
-إتفضلوا، إتفضلوا نورتونا.
قالتها "سندس" بإبتسامتها الواسعة و هي تمد يدها للداخل و قد كان بجانبها إبنها "يحيي" ليرحب بهم هو الأخر، فدلف وقتها "تميم" و معه والدته و شقيقته و قد كان بين يديه تلك الزهور اللطيفة و حقيبة قماشية بها علبة من الشيكولاتة الفاخرة.
دلفوا لغرفة الصالون ليجلسوا علي الأريكة ثم أخذوا يتحدثوا حول أمر خطبة "تميم" من "سيليا"، بينما هي كانت تستمع لما يقولوه من خلف باب الغرفة لتلاحظ وقتها نبرة والدتها التي كانت ترحب ب "تميم" و بكل سعادة فقررت هي وقتها التدخل، و بالفعل دلفت للمكان فجأة بعدما أخذت تلك الصينية التي كان عليها المشروبات من علي الطاولة، و ما إن دلفت هتفت هي بنبرة غليظة دلت علي عدم تقبلها لوجودهم:
-أهلًا.
وضعت "سيليا" الصينية ببعض من العنف علي تلك الطاولة فأصدرت وقتها هي ذلك الصوت المزعج، و قد كانت والدتها تنظر لها بتوعدٍ خفي، بينما "تميم" ينظر لها بثقة عجيبة، أما شقيقها "يحيي" كان ينظر لها بدهشة فهو لا يفهم سبب تصرفاتها تلك ولا حتي سبب منظرها المرعب الذي خرجت به من غرفتها!
جلست "سيليا" علي أحدي الكراسي بجانب والدة "تميم" التي هتفت بتساؤلٍ و هي ترمقها بتوترٍ واضحٍ مما جعل الغضب يسيطر علي "سندس":
-أمال فين العروسة مش هنشوفها ولا إية!؟
إزدردت "سندس" ريقها بصعوبة قبل أن تهمس بإرتباكٍ:
-ما هي جمبك أهي.
تأكدت وقتها والدة "تميم" من شكوكها فنظرت لإبنها بصدمة فرمقها هو بنظرات فهمت مغزاها، لذا عادت بنظراتها ل "سيليا" التي ترمقها بإستفزازٍ لتهتف هي بإبتسامة واسعة أخفت بها إشمئزازها من هيئتها:
-زي القمر.
و بتلك اللحظة ظهر صوته هو هاتفًا بجدية أصابتها بالتوتر فمن الواضح إن خطتها تلك فشلت و لم تنجح:
-ياريت يا جماعة تسيبونا لوحدنا شوية.
نهض الجميع بالفعل ليخرجوا من المكان، بينما هو ينهض ليجلس علي الكرسي الذي كان بجانبها ثم إلتفت للخلف ليراقب أخر شخص يخرج من المكان بعينين حادتين لا تبشرا بالخير، و فجأة إختفت تلك النظرات القاتمة من عينيه، لتهدأ قليلًا تلك النيران المشتعلة بصدره لتحرق روحه، ثم إلتفت لها و علي وجهها تلك الإبتسامة اللطيفة التي أخفي بها توعده و كرهه لها ليهتف هو وقتها بنبرته الرقيقة:
-زي القمر حتي و إنتِ متبهدلة كدة!
-نورتونا يا جماعة.
قالتها "سندس" ببشاشة و هي تنظر لإبنتها شزرًا لتودعهم بإبتسامتها الخفيفة تلك و أنظارها متعلقة ب "سيليا".
غادروا المكان لتذهب "سيليا" لغرفتها و هي تسب كل شئ بسبابها اللاذع و بعد عدة لحظات دلفت والدتها للغرفة قائلة بحدة:
-إية اللي عملتيه دة!؟..إنتِ إتجننتي.
إلتقطت هاتفها لتتفحصه قائلة بصرامة:
-أيًا كان أنا كدة كدة هرفضه.
نظرت لها والدتها بتأففٍ و كادت أن تصرخ بوجهها و لكنها إقتربت منها لتجلس بجانبها قائلة بلطفٍ بعدما إرتسم علي ثغرها تلك الإبتسامة الرقيقة:
-يابنتي إديله حتي فرصة، إنتِ مبقتيش صغيرة يا "سيليا" إنتِ عندك ستة و عشرين سنة و اللي قدك يابنتي متجوزين و عندهم...
قاطعها وقتها "سيليا" بعجرفة و هي ترمقها بضيقٍ:
-عندهم عيال في المدارس، خلاص حفظت الكلام دة كله.
زفرت والدتها بقلة حيلة و هي ترمقها بغضبٍ مكتومٍ فلاحظت "سيليا" عصبيتها التي سيطرت عليها فلعقت هي شفتيها قبل أن تهمس بإرتباكٍ:
-بس..ممكن أديله فرصة فعلًا زي ما قولتي.
إبتسمت "سندس" بسعادة لتحتضن وقتها إبنتها بسرورٍ قائلة بفرحٍ:
-حبيبة قلب ماما.
لفت "سيليا" ذراعيها حول كتفي والدتها و هي تحرك بؤبؤي عينيها بحيرة لا تعرف أهل تعطيه فرصة بالفعل كما قالت أم تستسلم لرغبتها الغير مفهومة التي تحثها علي الإنسحاب و عدم المخاطرة في ذلك الأمر!؟
__________________________________________
-"تميم" اللي بتعمله دة ممكن يأذيك.
قالتها "بيسان" بحذرٍ و هي تتابع تعابير وجهه المنمكشة بقتامة و فجأة إنتفض هو صارخًا بإنفعالٍ و عينيه تجحظ بصورة واضحة:
-الهانم عايشة سعيدة و مبسوطة عادي جدًا ولا أكنها قاتلة واحد و سارقاه.
كور قبضته بعنفٍ قبل أن يهتف بصرامة لا تتحمل النقاش، و قد أصبحت عيناه مظلمة بصورة تصيب المرء بالقشعريرة المفرطة:
-سيبيني لوحدي يا ماما.
إقتربت "بيسان" منه لتربت علي ظهره قائلة بحنوٍ و هي تحاول تفحص تعابير وجهه التي دلت علي وجوده بحافة الإنهيار:
-يا بني إنتَ مشوفتش غير كاميرات المراقبة اللي كانت في الباب الخلفي اللي كانت هي بتجري منه يعني إنتَ متعرفش الحقيقة بردو، يمكن هي تكون خرجت من البيت دة قبل ما "إياد" يروح، و يكون اللي سرقه و قتله حد تاني خرج من الباب الأمامي و دخل منه اللي الكاميرات فيه كانت بايظة أساسًا.
رمقها بضيقٍ قبل أن يصيح بنزقٍ و جسده يهتز من فرط الغضب:
-إنتِ بتدافعي عنها لية!؟...كأن اللي مات دة مش إبن أختك مثلًا.
تنهدت "بيسان" قبل أن تجيبه بنفاذ صبر:
-يابني بدافع عنها عشان إحنا مشوفناش كل حاجة، إنتَ شوفتها و هي بتخرج من البيت و بس و...
قاطعها هو بنبرته الصارمة ليرمقها وقتها بنظراتٍ حارقة مهتاجة:
-محدش دخل البيت و محدش قتل و سرق "إياد" غيرها.
جزت "بيسان" علي أسنانها لتصرخ وقتها بعصبية و قد إحتقن وجهها بالدماء:
-وطي صوتك و إنتَ بتكلمني، إنتَ نسيت إن أنا أمك.
زفر بندمٍ ثم رمقها بأسفٍ قبل أن يهتف ب:
-ماما أنا مكنتش أقصد بس إنتِ عارفة أنا كنت بحب "إياد" إزاي، دة كان أخويا و أكتر كمان و إنتِ عارفة دة.
هزت رأسها بيأسٍ قبل أن تخرج من الغرفة قائلة بعبوسٍ:
-إعمل اللي إنتَ عايزه.
خرجت من غرفة المكتب لتجد إبنتها أمامها مباشرةً و علي وجهها علامات الصدمة، لذا قبضت هي علي ذراعها لتسحبها خلفها لمكان بعيد بعض الشئ عن غرفة المكتب لتهتف وقتها بنبرة حادة:
-"رحيق" إنتِ كنتي بتعملي إية هناك.
صاحت وقتها "رحيق" بإرتباكٍ و هي ترمق والدتها بعينين دامعتين:
-ماما فهميني كل حاجة، مين اللي قتلت "إياد" يا ماما رُدي عليا.
رمقتها والدتها بقلة حيلة و هي تشعر بالتردد في إخبارها، ف "إياد" كان بمثابة عشق الطفولة لها، لتتذكر وقتها "بيسان" حالة الإكتئاب و الإنهيار التي أصابت إبنتها عندما علمت بخبر وفاته، و بعد عدة لحظات خرجت من شرودها علي صياح إبنتها ب:
-ماما رُدي عليا و عرفيني.
فركت "بيسان" كفيها بتوترٍ قبل أن تهمس بنبرة شبه خافتة:
-"سيليا"..البنت اللي هنخطبها ل "تميم".
إتسعت حدقتاها لتصيح بتهكمٍ مريرٍ و عبراتها الحارة تتهاوي علي وجنتيها لتلهبهما:
-و هو ملقاش غير اللي قتلت إبن خالته عشان يتجوزها!
جففت "بيسان" عبرات إبنتها قبل أن تهمس بنفي:
-لا...الموضوع مش زي ما إنتِ فاهمة.
ظلت تقهقه بسخرية قبل تصيح بألمٍ لتنهمر عبراتها مجددًا:
-لا الموضوع واضح يا ماما، الموضوع هو إن أخويا ملقاش غير البنت اللي حرقت قلبي علي "إياد" عشان يتجوزها.
-مش زي ما إنتِ فاهمة يا "رحيق"، أنا مش هتجوز البنت دي عشان بحبها زي ما إنتِ فاكرة.
إستدارت لتقف قبالته لتراقبه و عينيها يلتمع بهما وميض مخيف، ثم صاحت بإستفهامٍ:
-هتاخد حق "إياد"؟
أومأ لها عدة مرات قبل أن يسحبها تجاهه ليضمها لصدره و هو يربت علي ظهرها بحنان، بينما "بيسان" تشعر بالضيق أثرًا لما يحدث فهي لن تستطيع إيقاف أي شئ بعدما علمت إبنتها برغبة شقيقها في الإنتقام من "سيليا".
____________________________________________
بعد مرور أسبوع.
-مش مفتوح شوية الفستان دة!؟
قالها "تميم" بعبوسٍ عندما رأها تخرج من صالون التجميل بذلك الفستان الوردي القصير حد الركبة بالإضافة إلي كونه بدون أكمام و بفتحة صدر كبيرة، فلوت هي شفتيها قائلة بفظاظة:
-لا مش مفتوح.
إكفهرت تعابير وجهه فشعرت هي ببعض من التوتر، ثم وجدته يفتح لها باب السيارة الخلفي قائلًا بقتامة:
-إركبي.
صعدت السيارة و هي تتابع تعابير وجهه المتجهمة بإرتباكٍ، ثم وجدته يصعد السيارة هو الأخر ليجلس بجانبها فلم تشعر هي بإنطلاق السيارة بسبب مراقبتها و تفحصها لتعابير وجهها التي لا تبشر بالخير، فتنحنت هي بترددٍ قبل أن تهتف بنبرة منخفضة:
-علي فكرة الفستان دة ماما إختارته معايا.
أومأ لها بصمتٍ قبل أن يهتف بإقتضابٍ:
-كويس.
زفرت بنفاذ صبر قبل أن تصرخ بإهتياجٍ مما لفت نظر السائق لينظر لهما من خلال إنعكاس صورتهما بالمرآة:
-إنتَ عايز تبوظ اليوم يعني!
جحظت عيناه بتلك الصورة المخيفة ليحذرها قائلًا بإنفعالٍ لم يستطع السيطرة عليه:
-وطي صوتك.
رمقته بتأففٍ قبل أن تتابع الطريق بعينيها، ثم إلتفتت للخلف لتجد سيارة شقيقها التي كانت بها والدتها، فنظرت لوالدتها بضيقٍ من خلال زجاج السيارة الشفاف فنظرت لها "سندس" بعدم فهم فزفرت هي بغضبٍ و هي تعود لمتابعة الطريق و علي وجهها علامات الضيق الواضحة!
____________________________________________
مر اليوم و الإحتفال بخطبتهما سريعًا و كل ذلك وسط ملاحظة الناس لوجوهما المكفهرة التي تدل علي وجود مشكلة ما!
-إية دة البيت هناك إنتَ عديته أقف.
قالتها "سيليا" بتعجبٍ بعدما إنطلق هو بسيارته و لم ينتظر أمام بيتها فرد هو عليها برقة زائفة:
-هنروح أي مكان نقعد فيه.
إزدردت ريقها قبل أن تهمس بترددٍ:
-بس أنا مقولتش لماما!
رد هو عليها بإقتضابٍ و هو يدخل لذلك الشارع:
-أنا قولتلها.
هتفت هي وقتها بدهشة و هي تتفحص حالته العجيبة تلك بعينيها:
-بس هي مقالتليش و...
إبتلعت بقية كلماتها عندما لاحظت وجودها بذلك الشارع، نعم هو نفس الشارع المهجور الذي قتلت فيه ذلك الأحمق الذي كان يحاول الإعتداء عليها فهمست هي وقتها بنبرة ضعيفة و قد إرتجف جسدها من فرط الخوف الذي راودها عندما تذكرت تفاصيل تلك الليلة الشنيعة التي مرت عليها كالأعوام:
-إحنا إية جابنا هنا!؟
رد عليها بقتامة و هو ينظر في عينيها مباشرةً لتلاحظ هي عينيه التي أظلمت بتلك الصورة المرعبة فإزدردت ريقها بصعوبة لترمقه بعدم فهم:
-الدنيا زحمة هنمشي من الشارع دة أفضل.
أومأت له و هي تحاول التظاهر بالهدوء و لكنها فقدت أعصابها صارخة خاصة عندما مر هو أمام ذلك البيت:
-أرجوك أخرج من هنا بسرعة.
إنطلق بسيارته سريعًا ليخرج من الشارع بالفعل و هو يتسائل بصدمة مصطنعة:
-مالك يا حبيبتي حصلك إية!؟
تلاحقت أنفاسها بعنفٍ بعدما خرج هو من ذلك الشارع لتضع وقتها كفها الصغير علي موضع قلبها قائلة بنبرة مرتعشة:
-ب...بخاف من الأماكن الضلمة.
إزدردت ريقها بصعوبة مجددًا قبل أن تهمس بتوسلٍ و هي تمرر كلا كفيها علي وجهها:
-ممكن تروحني، أنا تعبانة جدًا.
ألقي عليها نظرة سريعة ليهمس بنفسه و هو يرمقها بتهكمٍ واضحٍ لم تلاحظه هي بسبب رأسها التي أطرقتها لتخفي عبراتها التي إلتمعت بعينيها:
-شاطرة أوي في التمثيل يا "سيليا".
إنطلق بالسيارة ليبتعد عن ذلك الشارع عائدًا ببيتها و بعدما وصل هو هتف بلطفٍ حتي لا يخرب كل شئ بفعلته:
-"سيليا" حبيبتي أنا مكنتش أعرف إنك بتخافي من الأماكن الضلمة، مكنتش أقصد صدقيني أخوفك.
أومأت له عدة مرات لترد عليه بنبرة مبحوحة فرأي هو وقتها عينيها التي مالت للحمرة بسبب بكائها الذي كتمت هي صوته خلال تلك الفترة القصيرة:
-حصل خير.
كادت أن تخرج من السيارة و لكنه قبض علي كفها ليقبله برقة قائلًا بصوتٍ أجش:
-زعلانة مني؟
نظرت لكفها التي كان بين قبضته بحرجٍ ثم هزت رأسها نافية فإقترب هو بتلك اللحظة ليقبل وجنتها فإبتعدت هي سريعًا، و قد أصاب وجنتيها حمرة الخجل لتخرج وقتها من السيارة سريعًا راكضة لبيتها و هي تفر هاربة من عينيه التي تتابعها بلا توقف، بينما هو تختفي إبتسامته المصطنعة لتظهر علامات وجهه الغاضبة و هو يكور قبضته بعنفٍ قائلًا:
-مش هسيب حقك يا "إياد".
بعد مرور أسبوع.
-"تميم" متهزرش إنتَ لسة زعلان مني!؟
قالتها "سيليا" و هي تقترب منه علي تلك الأريكة فإبتعد هو متجاهلًا إياها و هو يتابع هاتفه بإهتمامٍ فزفرت هي بحنقٍ قبل أن تصيح بغيظٍ:
-ما خلاص بقي قولتلك كان صاحبي من أيام الجامعة فيها إية يعني لما يقف يهزر معايا.
نظر لها بإنفعالٍ قبل أن يرد عليها صارخًا بغيرة زائفة:
-لو سمعت منك كلمة صاحبي دي تاني هعمل فيكي زي ما عملت فيه.
جزت علي أسنانها قبل أن تصيح بنزقٍ و هي ترمقه بنظراتها الحادة:
-كويس إنك فكرتني عشان كنت هنسي، إنتَ إزاي تمد إيدك عليه و تبهدله بالشكل دة!؟
كور قبضته بتأففٍ قبل أن يهمس من بين أسنانه المطبقة بنبرة تشبه فحيح الأفعي:
-"سيليا" لو مقومتيش من جمبي دلوقت حالًا هرميكي من الشباك.
لوت كلا شفتيها قبل أن تصرخ غاضبة و هي ترمقه بعبوسٍ أصبح واضحًا علي تعابير وجهها التي إكفهرت:
-لا بقولك إية أنا اللي المفروض أكون زعلانة أساسًا.
أومأ لها ببرودٍ قبل أن يرد عليها بجمودٍ أثار حفيظتها:
-طب إزعلي.
دلفت بتلك اللحظة "رحيق" و هي ترمقهما بقلقٍ، لذا هتفت بعدها بلطفٍ مصطنعٍ:
-إية يا جماعة إنتوا لسة متخانقين!؟
هبت "سيليا" واقفة قبل أن تصرخ بنبرتها المهتاجة و هي ترمقه بنفورٍ لم يكترث هو له:
-أخوكي دة هيجنني يا "رحيق".
ثم خرجت من الغرفة بخطواتها الراكضة فوبخت وقتها "رحيق" شقيقها قائلة:
-و لما الهانم تغضب و تفركش معاك الخطوبة ساعتها هنعمل إية!؟
نهض من علي الأريكة ليطمأنها قائلًا:
-"رحيق" يا حبيبتي أنا عارف أنا بعمل إية كويس.
إزدردت ريقها قبل أن تقترب منه هامسة بنبرة مرتجفة و عينيها تلتمع بهما الدموع ليشعر هو بالمسئولية تجاه ما تقوله:
-"تميم" أنا مش ههدي غير لما تاخد حق "إياد" من الزفتة دي، سامعني؟
تنهد قبل أن يومئ لها قائلًا بقتامة:
-ولا أنا ههدي غير لما إنتقم منها.
كاد أن يتابع حديثه و لكنه توقف عندما إستمع لصوت صراخها من الخارج فخرج هو مع شقيقته بخطواتهما السريعة ليجداها توبخ ذلك الرجل قائلًا:
-إنتَ مجنون ولا شكلك كدة متعرفش أنا مين!؟
صاح هو بنبرته الجليدية ليتفحص ذلك البغيض بعينيه:
-في إية!؟
نظرت له "سيليا" مطولًا قبل أن تصيح بوجه عابس كما خرجت من الغرفة:
-البيه بيعاكسني.
لاحظت "رحيق" حدة الموقف التي كانت ستتفاقم بصورة غير مرغوب فيها، لذا تدخلت هي وقتها قائلة بنبرة رقيقة و هي تسحب ذلك الرجل خلفها:
-"بلال" أكيد ميقصدش يا "سيليا"...هو بس هزاره تقيل حبتين.
نظرت لهم "سيليا" بإشمئزازٍ قبل أن تخرج من المكان بأكمله، أما "تميم" فقد كان يرمق "بلال" بنظراته الحارقة المرعبة قبل أن يصيح بنبرة تحمل التهديد الصريح بين طياتها:
-أنا كنت بستحملك عشان "إياد" لكن بعد كدة أنا مش هصبر، ياريت تعتبر دة أخر تهديد.
غادر هو الأخر المكان فزفر "بلال" بغيظٍ و هو ينظر لأثره بحقدٍ قبل أن يهمس بأسي مزيفٍ ليستعطف "رحيق" و ليستغل ذلك الموقف لصالحه:
-"إياد" الله يرحمه لو كان عايش مكانش سمح لأخوكي يهيني بالشكل دة.
تنهدت "رحيق" بعمقٍ و هي ترمقه بشفقة خفية، لذا إقتربت منه لتربت علي ظهره بحنوِ قائلة بنبرتها اللطيفة:
-"بلال" إحنا الفترة دي كلنا علي أخرنا ف معلش أي عصبية من "تميم" ياريت تستحملها.
عقد حاجبيه بعدم فهم فعضت هي علي شفتيها بترددٍ و لكنها أخذت القرار سريعًا لتخبره قائلة:
-إحنا عرفنا مين اللي قتل "إياد".
تفحصها تلك المرة بنظراته الجادة قبل أن يتسائل بترقبٍ:
-مين؟
ردت هي عليه بنبرة قاتمة إعتادت علي وجودها كلما تتذكر ذلك الإنتقام:
-"سيليا" خطيبة "تميم".
إرتسم علي وجهه علامات الصدمة المصطنعة ثم رمقها بذهولٍ زائفٍ قبل أن يهتف بعدم تصديقٍ مزيفٍ:
-معقول هي تعمل حاجة زي كدة!؟
أومأت له بألمٍ و هي تزدرد ريقها بصعوبة بالغة هامسة ب:
-أيوة عملت كدة، كاميرات المراقبة قالت كدة.
و بتلك اللحظة إستمعت "رحيق" لصوت والدتها و هي تصيح بأسمها فتنحنحت بحرجٍ قائلة:
-أنا هروح أشوف ماما، البيت بيتك.
صعدت الدرج لتتركه، بينما هو يقهقه بنبرة عالية حاول السيطرة عليها ليهمس بتساؤلٍ و هو يضرب كفًا علي كفٍ:
-هموت و أعرف يا "إياد" إنتَ كنت مديهم فكرة إنك ملاك كدة إزاي!
____________________________________________
بعد مرور عدة أيام.
-بقي أنا يقعد ميكلمنيش يجي خمس أيام و يجي و بعد دة كلوا يقولي معلش أصلي كنت مخنوق!...دة أنا اللي هخنقه.
قالتها "سيليا" بإهتياجٍ بعدما هبت واقفة لتعقد ساعديها أمام صدرها و هي ترمق والدتها بإحتجاجٍ، فردت وقتها "سندس" بضيقٍ:
-يابنتي أي إتنين مخطوبين بيحصل بينهم مشاكل، و بعدين الراجل كلمني و فهمني كل حاجة و بصراحة كدة إنتِ غلطانة.
رفعت حاجبها بغيظٍ عندما إستطاعت إستيعاب ذلك الأمر، "تميم" يؤثر علي والدتها لتكن ضدها، لذا و بعد صمت دام لعدة دقائق صاحت هي بغضبٍ:
-أيًا كان غلطانة أو لا بردو هو ملوش الحق بإنه يعاملني بالطريقة و بردو مينفعش يقعد طول الأيام دي ميكلمنيش و يجي في الأخر يقولي معلش.
هبت "سندس" هي الأخري واقفة لتهتف بلا إهتمام بعدما أصابها اليأس من تلك الحمقاء، ثم خرجت من الغرفة:
-أنا تعبت منك، هو كدة كدة برا و أول ما أخرج من هنا هو هيدخلك.
جحظت عيناها لتصيح بتوترٍ:
-ماما لا متخرجيش لا، يا ماما.
و خلال لحظات وجدته يدلف للغرفة و بين يديه تلك الشيكولاتة التي تحبها و مع ذلك لم تستطع هي مقاومة تلك الرغبة التي تحثها علي المشاجرة معه لتجعل الأجواء كئيبة، لذا صرخت هي بإنفعالٍ و هي تقترب منه بخطواتٍ سريعة:
-إنتَ بتصالحني بالأكل إنتَ فاكرني فيل!
إزدرد ريقه بإرتباكٍ مصطنعٍ قبل أن يهتف ببرائة زائفة أخفي بها ملله مما يحدث فهو يفعل كل ذلك حتي لا تُخرب خطته:
-مامتك قالتلي إنك مبتحبيش غيره!
رمقته بتأففٍ قبل أن تصيح بإمتعاضٍ:
-ريح دماغك عشان أنا خلاص مش هرجعلك أنا قررت أساسًا نسيب بعض.
ترك الشيكولاتة علي تلك الطاولة قبل أن يباغتها بإقترابه منها قبل أن يهمس بإبتسامته اللطيفة المزيفة التي يخفي بها نواياه الخبيثة و المرعبة:
-نسيب بعض!...طب و ضحكتك و إبتسامتك و روحك الحلوة و شكلك اللي زي القمر أنسي دة كلوا إزاي!؟
لن تنكر تأثرها بما قاله لتتغير رغبتها السابقة في المشاجرة معه الي أخري لتبتسم بخجلٍ و لكنها تراجعت لتصيح بنزقٍ:
-هو إنتَ فاكر إنك هتضحك عليا بالكلمتين دول.
تنهد بع قبل أن يتسائل بحيرة:
-طب عايزاني أعملك إية عشان تبقي مش زعلانة مني؟
نظرت في عينيه مباشرةً قبل أن تهتف بجدية:
-اللي عملته دة ميتكررش عشان الأسلوب دة مش هينفع معايا.
تفحصها بعينيه الحادتين و هو يرفض بداخله لهجتها الهجومية تلك و مع ذلك إبتسم هو ليلتقط كفها قبل أن يقبله برقة قائلًا:
-صدقيني مش هيحصل تاني.
سحبت كفها بحرجٍ قبل أن تبتسم تلقائيًا و هي تتجه لتلك الطاولة حتي تلتقط منها الشيكولاتة و قبل أن تتحدث قاطعها هو قائلًا:
-كفاية كلام و يلا بينا نخرج سوا، وحشني هزارنا و خروجنا.
أومأت له و هي تقضم قطعة كبيرة من الشيكولاتة و علي وجهها تلك الإبتسامة الواسعة التي تدل علي سرورها بينما هو يبتسم بصورة ظنتها سعيدة و لكنها كانت ماكرة و لئيمة تفخر بنجاحها في إنقاذ خطته التي ظل يخطط لها لمدة عام!
____________________________________________
بعد مرور ستة أشهر.
مرت الأيام لتعشقه!...نعم عشقته خلال تلك الفترة غافلة عن خداعه لها، نعم أصبح قريب منها لتصبح غير قادرة علي التخلي عنه، نعم نجح ذلك الشيطان الخبيث في خطته، نعم أصبح هو بمثابة حياتها و روحها ليحتل كل شئ يخصها قلبها، عقلها، يومها و مع الأسف كانت "سيليا" ضحية خطة ذلك الأحمق، و بالرغم من ذكائها و دهائها إلا إنها لم تلاحظ أي شئ مثير للريبة و لم تشك حتي بأي شئ، هي فقط عشقت، و أكثر المخدوعين هم العاشقون.
____________________________________________
-قلبي مش مطمن يا ماما!
قالتها "سيليا" و هي تضع كفها علي موضع قلبها لتتابع بعدم فهم:
-مش عارفة لية حاسة إن في حاجة هتحصل.
إقتربت منها "سندس" لتمسح بيدها علي شعرها بهدوء قبل أن ترد عليها بنبرة لطيفة بثت الأمان لقلبها لتجعلها تطمئن بعض الشئ:
-يمكن بس عشان متوترة مش أكتر.
عقدت "سيليا" حاجبيها بحيرة قبل أن تهمس بتساؤلٍ:
-تفتكري!؟
إبتسمت "سندس" لتصيح ببشاشة و تضم إبنتها لصدرها لتنظر لملامح وجهها من خلال إنعكاس صورتها بالمرآة:
-"سيليا" يا حبيبتي إنهاردة يوم فرحك بلاش تبوظي كل حاجة بالقلق.
نهضت "سيليا" من علي كرسيها بعدما إبتعدت عن والدتها ثم نظرت في عينيها مباشرةً قبل أن تهتف بتأففٍ:
-خلاص يا ماما يلا بينا عشان ننزل بدل ما نتأخر.
أومأت "سندس" عدة مرات قبل أن تلقي نظرة سريعة علي فستان إبنتها الأبيض، فقد كان مبهج و ذو تصميم رائع و محتشم، ثم أطلقت الزغاريد العالية فرحًا بإبنتها و فلذة كبدها.
بينما "سيليا" تفتح باب الغرفة لتجد شقيقها "يحيي" أمامها مباشرةً و علي وجهه تلك الإبتسامة الواسعة و هو يهتف بغبطة:
-مبروك يا قلبي.
إحتضنت شقيقها لتهمس بنبرتها الرقيقة:
-الله يبارك فيك.
إبتعدت عنه قليلًا لتتنفس بعمقٍ و هي تحاول طرد القلق و الخوف من داخل قلبها، ثم سارت مع شقيقها و والدتها ليهبطوا الدرج ببطئ فرأته ينتظرها بالأسفل، بينما الناس تتابعها بنظراتهم المطولة.
وصلت للأسفل لتضع كفها بين قبضته، ثم وقفت بجانبه بعدما إبتعدت عن شقيقها فسألها هو بنبرة لم يسمعها سواها:
-لية خايفة!؟
عقدت حاجبيها بذهولٍ قبل أن تهمس بنبرة خافتة:
-خايفة!..فين دة؟
سحبها معه ليرقصا سويًا وسط تصفيق و تهنئة الجميع، ثم هتف بنبرة عالية لم يسمعها سواها أيضًا بسبب صوت تلك الموسيقي التي أخفت صوته:
-"سيليا" أنا حاسس بيكي، وشك بيقول إنك خايفة و متوترة.
تنهدت بإرتباكٍ قبل أن تجيبه بقلة حيلة و علامات الذعر تظهر علي وجهها بوضوحٍ:
-مش هعرف أكدب عليك أنا فعلًا مش مطمنة و خايفة.
عقد حاجبيه بعبوسٍ مصطنعٍ قبل أن يهتف بأسي زائفٍ:
-مش مطمنة و أنا موجود!
كادت أن ترد عليه و لكنه قاطعها بنبرته الصارمة التي لا تتحمل النقاش:
-ششش متسمحيش للتوتر يبوظ أحلى يوم في حياتك يا روحي.
سحبها أكثر ليضمها لصدره و هو يرقص معها علي تلك الموسيقي الرومانسية هامسًا بنبرة خافتة لم يسمعها أحد:
-قصدي أسود يوم في عمرك.
-الفرح خلص بسرعة!
قالتها "سيليا" بإبتسامتها الواسعة بعدما تلاشي من داخلها شعور الرعب و الهلع، فرد هو عليها بعدما حملها بين ذراعيه بصورة مفاجأة ليصعد بها الدرج:
-إنتِ اللي محسيتيش بالوقت.
ثم تابع بهيامٍ زائفٍ و هو ينظر في عينيها مباشرةً:
-و أخيرًا بقيتي بين إيديا.
إبتسمت بخجلٍ قبل أن تخفي وجهها و هي تحتضنه لترد عليه بلا مقدمات:
-بحبك.
كان يكره تلك الكلمة و يكره قولها كذبًا و مع ذلك رد هو عليها بتأففٍ لم تلاحظه:
-و أنا كمان بحبك.
دلف لغرفته لينزلها علي الأرض فأخذت هي تتفحص غرفته بنظراتٍ سريعة قبل أن تهتف بحماسٍ:
-إنتَ تعرف إن دي أول مرة أدخل أوضتك.
إبتسم لها بمجاملة قبل أن يهتف ببعض من الحدة التي لم تفهم سببها:
-ثواني هروح أغير هدومي و أجيلك.
وجدته يدلف لغرفة الملابس فرفعت كتفيها بلا مبالاة قائلة:
-يمكن يكون تعبان من كتر الرقص اللي رقصناه في الفرح.
تراجعت بخطواتها لترتمي علي الفراش و هي تتنهد براحة فوجودها معه كما تمنت أصبح لها راحة غير موصوفة.
إعتدلت في جلستها و هي تعود لتفحص الغرفة بتمعن و فجأة توقفت عيناها علي تلك الصورة الموضوعة علي الكومود لتجحظ بصدمة و هي تهب واقفة لتلتقط وقتها إطار الصورة و هي تشهق بعدم تصديق، ثم شددت قبضتها بعنفٍ علي إطار الصورة و هي تتذكر تلك الليلة التي كانت أسوء ليلة مرت عليها، تركت الصورة بمكانها و هي تتسائل عن سبب وجودها هنا!..ما سبب وجود صورة ذلك الأحمق بالمكان!؟..إزدردت ريقها بصعوبة و الصدمة مازالت تسيطر عليها، لذا قررت البحث عن "تميم" لتسأله عن تلك التفاصيل و هي تتمني أن يكن ما مر ببالها ما هو إلا مجرد توقع خائب، فإن كان ذلك الأحمق من أقاربهم أو من عائلتهم ستكون تلك بمثابة مصيبة حلت فوق رأسها، لذا و بعد عدة لحظات إستدارت لتشهق بذعرٍ عندما وجدته أمامها و ملامحه مظلمة بصورة لم تراها من قبل، حاولت تجاهل تصرفاته الغير مفهومة التي ظهرت ما إن دلفت معه للغرفة لتسأله بعدها بنبرة شبه مرتجفة:
-م...مين دة يا "تميم".
كانت عيناه القاتمة تتابعها بنظراتٍ مطولة جعلت التوجس يسيطر عليها لترمقه هي بوجلٍ قبل أن تكرر ما قالته بتلعثمٍ والذعر يظهر في عينيها:
-مين اللي...ا..ف...في الصورة دة ي..يا "تميم".
أجابها بنبرة غليظة و هو يتوعدها بنظراته التي لا تبشر بالخير:
-دة "إياد" إبن خالتي..الله يرحمه.
أومأت له عدة مرات لتحاول إخفاء حسرتها علي فرحتها التي ضاعت بتلك اللحظة، ثم أطرقت رأسها بعدما وجدت عينيه تتابع تعابير وجهها بتمعن لتهتف وقتها بنبرة ضعيفة و هي تتحرك من أمامه:
-معلش أنا رايحة الحمام.
كانت تقترب من المرحاض و فجأة توقفت شاهقة بهلعٍ عندما وجدته يهتف بنبرة مخيفة يسيطر عليها الغضب الجحيمي الذي لم يظهر إلا بتلك اللحظة:
-اللي إنتِ قتلتيه.
إستدارت للخلف و هي مصدومة، و قد فغر فمها لتجحظ عيناها بتوترٍ قبل أن تتسائل بترقبٍ و قد أصابتها حالة من الشلل التي جعلتها لا تستطيع التفكير :
-قولت إية!؟
وجدته يقترب منها ليهتف بنبرة تصيب المرء بالقشعريرة المفرطة لتعلم وقتها إنها كانت ضحية خدعة إنطلت عليها بمنتهي السهولة فأصابها وقتها حالة من الإنفعال الهستيري لترمقه بنظراتها الحادة و هي تتمني أن يكن ذلك كابوس ستفيق منه بوقتٍ ما:
-"إياد" إبن خالتي اللي قتلتيه و سرقتيه.
-يعني إية!؟...يعني إنتَ إتجوزتني عشان تنتقم مني!؟
قالتها "سيليا" بإهتياجٍ بعدما جحظت عيناها بعدم تصديق لما إستمعته، الشخص الوحيد الذي عشقته كان يخطط طوال تلك الفترة للإنتقام منها و لتحطيم قلبها!
و بتلك اللحظة سيطرت عليها الصدمة أكثر خاصة عندما وجدته يقترب منها لتلفح أنفاسه الحارة وجهها و هو يهمس بنبرته التي أصبحت شيطانية لتصيبها بالذهول:
-أيوة إتجوزتك عشان أنتقم منك و أعيشك أسود أيام حياتك.
ثم تابع بنزقٍ و نبرته الحادة توضح غضبه الجحيمي الذي سيحرق كل ما يراه من فرط الإنفعال:
-أيوة أتجوزتك عشان أنتقم لإبن خالتي اللي قتلتيه عشان تسرقيه يا حرامية.
جزت علي أسنانها بعصبية شديدة و هي لا تستطيع تحمل إهانته تلك، لذا إتسعت حدقتاها بصورة مهتاجة قبل أن تصفعه بلا وعي و هي تصرخ بغضبٍ فرمقها هو بقتامة و كأنه ينوي قتلها و مع ذلك وقفت هي أمامه لتوضح له و بصورة صريحة مدي قوتها و قدرتها علي مواجهته!
قبض علي كلا ذراعيها ببعض من العنف ليصرخ بسخطٍ و قد برزت عروق نحره من فرط العصبية:
-أنا عمري في حياتي ما مديت إيدي علي واحدة ست بلاش تكوني إنتِ السبب في إن أعمل حاجة زي كدة.
نظرت له بإزدراء و هي تحاول سحب كلا ذراعيها صارخة بإحتقارٍ و نظراتها المشمئزة تتابعه بلا توقف:
-لا و إنتَ الحقيقة عندك أخلاق أوي!
تلاحقت أنفاسها بعدما نظرت مجددًا لإطار صورة إبن خالته لتهتف بعدها بنبرة مهينة جعلته يفقد أعصابه:
-هو دة اللي إنتَ زعلان عليه أوي، دة قذر ولا يستاهل.
ترك ذراعها الأيمن ليقبض علي فكها السفلي فمنعها من إكمال حديثها صارخًا بقسوة مخيفة لم تؤثر بها، فقد كان كل ما يسيطر علي تفكيرها الآن هو الإنتقام من ذلك الحقير الذي خدعها:
-هزعلك يا "سيليا" إحترمي نفسك و لمي لسانك.
ثنت ركبتها قبل أن تضربه بمعدته فإبتعد هو عنها ليتأوه بألمٍ ملحوظٍ، بينما هي تستغل الموقف لتلكمه بوجهه بصورة عنيفة صارخة بتحذيرٍ:
-إياك تفكر تقرب مني تاني بالشكل دة.
ثم تركته لتدلف للمرحاض قبل أن تغلق بابه لترتمي علي الأرضية الباردة و هي تزدرد ريقها بصعوبة، ثم همست بقهرٍ و هي تهز رأسها بأسي:
-لية كدة!؟
زفرت بإمتعاضٍ قبل أن تهمس بوجه مكفهر:
-لازم ألاقي حل للمصيبة دي.
____________________________________________
صباح يوم جديد
-إنتِ هتفضلي قاعدة في الحمام علطول ولا إية!؟
قالها "تميم" بنبرة عالية و هو يطرق علي الباب بعدة طرقات ذات صوت عال.
كانت هي نائمة علي الأرض بلا وعي بسبب شعور الأرهاق الذي أصابها بالأمس ففتحت هي عينيها تلقائيًا ما إن إستمعت لصوته، حاولت الإعتدال في جلستها و لكنها تأوهت بألمٍ ما إن حاولت تحريك كتفها الذي نامت عليه بصورة خاطئة، مررت كفها عليه لتدلكه ببطئ قبل أن تنهض من علي الأرضية، و فجأة تعالي صوت الطرقات مجددًا لتركل هي الباب بقدمها صارخة بغضبٍ:
-إسكت بقي.
نظرت لفستان زفافها بخيبة أمل قبل أن تخلعه من عليها لتنعم بعدها بحمام دافئ لتحاول و لو لعدة لحظات نسيان كل شئ.
____________________________________________
أشعل سيجارته قبل أن تتعلق أنظاره بباب المرحاض الذي كان مغلق و فجأة إنتفض هو واقفًا ما إن إستمع لصراخها ب:
-أنا هخرج دلوقت من الحمام لو لقيتك قصادي في الأوضة و رحمة أبويا لهقتلك.
إبتسم بتهكمٍ قبل أن ينهض من علي الفراش ليخرج من الغرفة بالفعل و هو يهمس بسخرية:
-القتل مش جديد عليكي.
هبط الدرج ليجد شقيقته تهاتف شخص ما بنبرتها الخافتة فسألها هو قائلًا:
-بتكلمي مين يا "رحيق".
إستدارت للخلف لتجده أمامها فإمتقع وجهها بصورة واضحة قبل أن ترد عليه بوجهها الشاحب:
-د..دة..دي ماما يا "تميم".
أومأ لها عدة مرات قبل أن يخرج من البيت، بينما هي تتنهد بإرتياحٍ بعدما تأكدت من عدم ملاحظته لحالتها الغير طبيعية!
أخرج هاتفه من جيبه بعدما خرج من البيت لحديقته ليجد وقتها والدته جالسة علي إحدي الكراسي و هي ترتشف عدة رشفات من كوب قهوتها فسألها هو بصدمة:
-ماما!...إنتِ هنا من إمتي!؟
ردت عليه "بيسان" بهدوء و هي تلتفت له:
-أنا هنا من الصبح يا حبيبي و مخرجتش.
جحظت عيناه بذهولٍ قبل أن يتمتم بإستفهامٍ و قد راوده الشك بلا رحمة:
-أمال هي كانت بتكلم مين!؟
____________________________________________
خرجت من المرحاض بعدما لفت منشفة ما علي جسدها و بعدما أخذت منشفة أخري لتضعها علي كتفيها العاريين و هي تتجه لغرفة الملابس.
لم تتفحص للملابس هي فقط إرتدت بيجامة سوداء بأكمام طويلة و ذات بنطال واسع و طويل، ثم خرجت من الغرفة بعدما رمت المنشفة علي الأريكة بإهمالٍ بعدما رمت الأخري علي الأرض، ثم أخذت تمشط شعرها ببطئ و فجأة نظرت لإطار صورة "إياد" التي كانت بجانبها فجزت هي علي أسنانها بعنفٍ قبل أن تلتقطها لترميها علي الأرض هاتفة بحنقٍ:
-بقي أنا حياتي تتدمر عشان واحد زيك يا ***.
زفرت بضيقٍ و هي تفرك كلا كفيها بتوترٍ لتحاول إيجاد حل مناسب لتلك المصيبة لتهمس بعدها بنبرة خافتة تشبه فحيح الأفعي:
-لازم أخليه يطلقني، لازم.
و فجأة مرت ببالها تلك الفكرة لتبتسم بخبثٍ و تعابير وجهها الباهتة تتحول الي أخري حماسية و هي تهتف بمكرٍ و دهاء:
-أيوة كدة يا "سيليا" برافو عليكي هو دة الحل.
__________________________________________
خرجت من البيت و هي تضع هاتفها بحقيبتها و فجأة توقفت عن السير شاهقة بخفة بعدما وجدت أمامها والدتها و قد كان شقيقها واقفًا بجانبها فهتفت هي وقتها بإرتباكٍ و هي تحاول تجاهل نظرات شقيقها الغامضة التي لا تبشر بالخير:
-ماما إنتِ جيتي إمتي.
زفرت "بيسان" بغيظٍ قبل أن تصيح بدهشة:
-يا ولاد أنا مخرجتش إنهاردة أساسًا مالكوا في إية!؟
إزدردت ريقها بصعوبة قبل أن تهمس بنبرة مرتجفة:
-مافيش حاجة، أ...أنا خارجة.
و قبل أن تتحرك لتخرج من البيت سألها هو بقتامة:
-رايحة فين؟
ردت عليه ببساطة مصطنعة و هي تتابع تعابير وجهه المرعبة بتوترٍ:
-هقابل واحدة صاحبتي.
أومأ لها عدة مرات فخرجت هي من البيت أسفل نظراته المخيفة، و بعدما توارت هي عن أنظاره أخرج هو هاتفه من جيبه ليهاتف شخص ما قائلًا:
-أيوة يا "برق"، إسمع اللي هقولك عليه و نفذه.
-رايحة فين!؟
قالها "تميم" بنبرته الغليظة و هو يرمقها بنظراته الشيطانية المتوعدة فردت هي عليه ببرودٍ و هي تضع هاتفها بحقيبتها:
-خارجة.
سألها بجمودٍ و هو ينظر في عينيها مباشرةً:
-خارجة فين؟
أجابته بفظاظة غير مكترثة ل "بيسان" التي كانت تتابع ما يحدث بصمتٍ:
-و إنتَ مالك؟
إقترب منها قبل أن يقبض علي ذراعها ببعض من العنف و هو يرمقها بتهديدٍ صريحٍ قائلًا بقتامة:
-إتكلمي عدل بدل ما أمسح بيكي الأرض.
جحظت عيناها بعصبية ما إن إستمعت لما قاله فنفضت هي ذراعها من بين يديه قبل أن تهتف بتحدٍ سافرٍ و هي تنظر له بتوعدٍ:
-طب ياريت توسع كدة لإن بردو هخرج و إلا هخليك تحصل إبن خالتك.
جز علي أسنانه بعصبية قبل أن يقبض علي ذراعها مجددًا ليسحبها وراءه، فإنساقت هي خلفه كالبهيمة و هي تسبه بسبابها اللاذع الذي جعله يستشيط غضبًا أكثر، فدفعها هو بعيدًا عنه فجأة بعنفٍ لتقع علي الأرض و هي تتأوه بألمٍ لتتابع بعدها سبابها المستفز، بينما هو ينظر حوله ليجد ذلك السكين الصغير الموضوع علي صحن الفاكهة، فإلتقطه سريعًا، ثم جثي علي ركبتيه ليقبض علي مقدمة ملابسها و هو يضع السكين علي عنقها فجحظت هي عيناها بصدمة و هي تزدرد ريقها بصعوبة و كل ذلك وسط صرخات "بيسان" التي أصابها الهلع عندما شاهدت ما حدث، بينما "سيليا" تحاول نفض يد "تميم" من علي ملابسها بحركاتها العشوائية العصبية و لكنها لم تستطع، لتتابعه وقتها و هو يهتف بنبرة خافتة تشبه فحيح الأفعي و هو يضغط علي كل كلمة يقولها:
-أنا ممكن دلوقت حالًا أخلص منك و أقتلك و أنتقم منك في وقتها، لكن أنا مش هعمل كدة أنا هخليكي تتعذبي و تتقهري و تزعلي علي أيامك اللي هتضيع هنا.
حاولت إبعاد ذلك السكين عن رقبتها بحركاتها الغبية و السريعة فجرحت كفها بالخطأ لتصرخ متألمة و هي تضع كفها الأخر عليه لتتفحصه، بينما هو يتابع نظراته التي تشع منها الكراهية و النفور بعدم إكتراث!
إقتربت وقتها "بيسان" من إبنها لتبعده عنها قائلة:
-خلاص يا "تميم" إبعد عنها، إبعد عنها بقولك إيدها إتعورت.
إبتعد عنها "تميم" بالفعل بعدما ترك السكين علي الأرض بإهمالٍ، فإقتربت وقتها "بيسان" لتنحني بجذعها للأمام و هي تساعد "سيليا" علي الوقوف، و ما إن نهضت "سيليا" دفعتها صارخة بعجرفة:
-إبعدي عني يا ست إنتِ.
ترنحت "بيسان" في وقفتها فوقعت علي الأرض تلقائيًا و هي تتأوه بألمٍ فرمقتها "سيليا" بإحتقارٍ و هي تتراجع بخطواتها قليلًا، ثم إستدارت للخلف لتجده أمامها مباشرةً و أنفاسه متلاحقة، بالإضافة إلي عينيه التي كانت مظلمة بصورة مرعبة، و فجأة تلقت صفعة عنيفة منه لتجعلها تقع علي الأرض هي الأخري، بينما هو يتجه ناحية والدته ليساعدها قائلًا بأسفٍ:
-متزعليش يا ماما.
وبخته "بيسان" و هي تنهض من علي الأرض لترمقه بعتابٍ:
-إنتَ إزاي تمد إيدك عليها.
كاد أن يرد عليها و لكنها صرخت بوجهه بفزعٍ لم يفهمه:
-حاسب يا "تميم".
كاد أن يستدير للخلف و لكنه لم يستطع بسبب ذلك السكين الذي مررته "سيليا" بعنفٍ علي ذراعه ليتم جرحه فتأوه هو بألمٍ صارخًا بصوتٍ عالٍ!
بينما هي ترمي السكين مجددًا بعدما إلتقطته من علي الأرض، ثم ركضت تجاه باب البيت لتخرج منه راكضة و هي تستغل عدم وجود الحارس، بينما هو أخذ يركض خلفها متجاهلًا صراخ والدته الهستيري.
تركض و تركض، لا تهتم لأي شئ، هي فقط تركض بأقصي سرعة لديها، تلاحقت أنفاسها بصورة هستيرية لتلهث بعنفٍ و هي تلتفت للخلف فوجدته يركض خلفها بملامحه المخيفة تلك، فتابعت ركضها و هي تتسائل، ما الخطأ الذي إقترفته في حق ذلك الشيطان ليكرهها بتلك الصورة!؟...ما الجريمة التي إرتكبتها!؟...أم إنهم أصبحوا يطلقوا إسم مجرمة و مذنبة علي من دافعت عن شرفها و عرضها بضراوة و شراسة!؟...توقف بها الزمن خلال تلك اللحظات ليمر كل شئ أمامها كشريط سينمائي، محاولة ذلك الحقير للإعتداء عليها، "تميم" الذي عشقته، و "تميم" الذي خدعها!...و فجأة توقفت عندما أصابها الشرود بلا رحمة فلم تنتبه لتلك السيارة التي كانت منطلقة بسرعة شديدة لتصدمها بذلك المشهد المروع.
توقف عن الركض فجأة عندما وجدها تسقط من فوق السيارة و الدماء تنزف من رأسها بغزارة، أما "بيسان" فوقفت هي الأخري بجانبه و هي تشهق بصدمة واضعة كفها علي فمها بعدم تصديق.
____________________________________________
-بس إنتَ شكلك عاكستها بجد.
قالتها "رحيق" و نيران الغيرة تتأجج بقلبها، فإلتقط هو قبلة سريعة من علي وجنتها قبل أن يرد عليها بهيامٍ زائفٍ:
-أعاكس مين بس يا "رحيق"، بقي أنا أسيبك إنتِ و أروح ل دي!
إبتسمت بخجلٍ قبل أن تحتضنه قائلة بنبرتها الرقيقة:
-إنتَ متعرفش أنا بحبك و بغير عليك قد إية يا "بلال".
ثم تابعت بهدوء و هي تبتعد عنه قليلًا:
-إنتَ الوحيد اللي وثقت فيه و سلمتله نفسي من بعد "إياد" الله يرحمه.
إلتقط كفها ليقبله قبل أن يسحبها ناحيته ليضمها لصدره و هو يتمتم بنبرة غير مسموعة:
-لا شريفة أوي ياختي.
و فجأة إنتفضت هي مبتعدة عنه ما إن إستمعت لصوت تلك الطرقات العالية على الباب فتفحصت ملامحه المتوترة بنظراتها السريعة قبل أن تتسائل قائلة:
-إنتَ مستني حد!؟
هز رأسه نافيًا قبل أن يهتف بجدية و هو يشير لغرفته:
-إدخلي أوضتي لغاية ما أشوف مين.
أومأت له بإرتباكٍ و هي تتجه راكضة لتلك الغرفة، بينما هو يتجه للباب ليفتحه فوجد أمامه "برق" و علي وجهه تلك الإبتسامة السخيفة، فرحب هو به بنبرة متلعثمة:
-إ..إتفضل.
رفع "برق" حاجبه الأيسر بتعجبٍ مصطنعٍ، ثم دلف للشقة هاتفًا بنبرة ذات مغزي لم يفهمها "بلال" و لكنها أصابته بالتوجس:
-إية يابني كل دة عشان تفتح، إنتَ معاك حد ولا إية!؟
تلاحقت أنفاسه من فرط الوجل قبل أن يصيح بنبرته المتوترة التي جعلت الشك يحتل قلب "برق" التي كان يتابعه بنظراته المتمعنة:
-حد، حد مين يعني!؟
رفع "برق" كتفيه قبل أن يرد عليه بهدوء:
-أنا اللي بسألك.
إزدرد "بلال" ريقه بصعوبة قبل أن يهتف بنبرته المرتبكة:
-أكيد معنديش حد...أنا هروح أعملك حاجة تشربها.
أومأ له "برق" و هي يتجه ناحية تلك الأريكة ليجلس عليها و هو يتابعه و هو يتجه ناحية المطبخ، ثم أخرج هاتفه من جيبه ليضغط عليه عدة ضغطات قبل أن يضعه علي أذنه و فجأة إستمع لرنين هاتف بجانبه، فنظر لذلك الكرسي الخشبي ليجد عليه هاتف "رحيق"، ثم إلتقطه سريعًا قبل أن يغلقه ليضعه بجيبه، و أغلق هاتفه ليضعه أمامه و هي يضع ساقًا فوق الأخري و علي وجهه إبتسامة ثقة لا تبشر بالخير.
__________________________________________
-حضرتك إحنا لازم نعالج جرح دراعك.
قالتها تلك الطبيبة و بجانبها ممرضة ما و هي توجه حديثها ل "تميم" الذي ظل ينظر لذلك السرير المتنقل الذي كان عليه "سيليا" و الذي أخذه الأطباء لغرفة العمليات فهتف هو بتوترٍ و هو يلقي نظرة سريعة علي والدته:
-مش مهم هو جرح بسيط.
هزت الطبيبة رأسها نافية قبل أن ترد عليه بجدية:
-إحنا ممكن نتأكد من دة لو سمحت.
أومأ لها بقلة حيلة و هو يستدير للخلف ليسير معها و لكنه توقف تلقائيًا عندما وجد "سندس" تقترب منه صارخة ب:
-حصل إية لبنتي!؟
رد عليها بعدما تنهد بعمقٍ:
-في عربية خبطتها.
جحظت عيناها بصدمة قبل أن تهتاج صارخة ب:
-و إنتَ كنت فين!؟...و إية خرجها من البيت إنهاردة أساسًا!؟
لم تجد منه سوي الصمت و بتلك اللحظة لاحظت هي ذلك الجرح الذي كان بذراعه فتسائلت هي بقلقٍ:
-حصل إية يا "تميم" يابني بالظبط؟
أكمل سيره مع الطبيبة و هو يتعمد تجاهلها، فهو ليس لديه إجابة مناسبة لقولها، لذا فضل الهروب و هو يتمني أن تعش تلك الحمقاء ليكمل إنتقامه منها!
___________________________________________
-يلا أنا هقوم أمشي بقي.
قالها "برق" بنبرته الهادئة و هو يهب واقفًا من علي الأريكة فهتف وقتها "بلال" برفضٍ زائفٍ:
-تمشي لية ما لسة بدري!؟
رد وقتها "برق" بجدية و هو يرمقه بسخرية خفية:
-همشي بقي عشان ورايا شغل و قولت اجي أشرب معاك شاي قبل ما أروح.
أومأ له "بلال" و هو يسير معه ناحية باب البيت، ليغادر بعدها "برق" المكان، فتنهد وقتها "بلال" براحة و هو يتقدم بخطواته ناحية غرفته ليفتحها، فشهقت وقتها "رحيق" برعبٍ بعدما ظنته "برق" الذي إستمعت لصوته و هو بالخارج، لذا تسائلت هي بوجلٍ:
-مشي؟
أومأ لها عدة مرات فزفرت هي بحنقٍ هاتفة بضيقٍ:
-دة إية جابه هنا دة!؟
تنهد "بلال" مجددًا قبل أن يجيبها بصدقٍ:
-مش عارف.
أومأت له بعدم إهتمام و هي تبحث عن هاتفها بعينيها قائلة:
-إية دة مشوفتش تليفوني.
____________________________________________
خرج من البناء ليجد ذلك الحارس يجلس علي كرسيه فإقترب منه و هو يخرج من جيبه عدة ورقات مالية قائلًا بنبرة عالية بعض الشئ:
-السلام عليكم.
رد الحارس و هو يهب واقفًا من علي الكرسي:
-و عليكم السلام يا باشا اؤمرني.
قبض "برق" علي كف الحارس الأيمن ليضع به تلك الورقات المالية هامسًا ب:
-عايز معلومات عن الشقة اللي في الدور التالت.
وضع الحارس الورقات المالية بجيبه بعدما نظر لها بتلهفٍ واضحٍ، ثم تسائل بإهتمامٍ:
-شقة "بلال" باشا و لا شقة "خلف" باشا؟
رد وقتها "برق" بهدوء:
-"بلال" باشا.
تنهد بعمقٍ قبل أن يستمع لتلك المصائب التي يقولها الحارس ليكتشف أشياء كثيرة لم يكن يعرفها من قبل، و أكبر صدمة تلقاها و هي صدمة عشقه الخفي الذي لا يعرفه أحد!
يتـبـــــــــــــــــــــــع
-يعني هيكون راح فين يعني!؟
قالتها "رحيق" بعدما ظلت ما يقارب الساعة تبحث عن هاتفها، فرد عليها "بلال" بذلك القلق الذي ظل يسيطر عليه طوال ذلك الوقت:
-"رحيق" سيبك من التليفون و الكلام دة كله أنا هبقي أشوفه، المهم إنك لازم تاخدي بالك اليومين دول عشان أنا مش مطمن.
عقدت "رحيق" حاجبيها بذهولٍ قبل أن تهتف بإستهجان:
-مالك يا "بلال" في إية؟...فيها إية يعني لما "برق" يجيلك هنا!؟
رد عليها بتوتره الذي أصبح بائن علي تعابير وجهه:
-علاقتي ب "برق" مش قوية أوي زي ما إنتِ فاكرة.
ثم تابع بوجلٍ و هو يحاول السيطرة علي خوفه:
-خُدي بالك اليومين دول و خصوصًا من أخوكي لإني إبتديت أشك في اللي حصل الصبح.
عقدت حاجبيها قبل أنا تتسائل بترقبٍ:
-تقصد لما سألني علي اللي بكلمه و إني كدبت عليه و قولت ماما!
أومأ لها قبل أن يوبخها قائلًا:
-و إنتِ يعني كان لازم تقوليله ماما، ما كنتي تقولي صاحبتي ولا أي حاجة.
زفرت بحنقٍ قبل أن تهتاج صارخة:
-أهو اللي جه في بالي بقي.
زفر هو الأخر بضيقٍ قبل أن يصيح بغضبٍ:
-خلاص إسكتي و يلا إمشي قبل ما يحصل أي حاجة تاني، و خُدي بالك اليومين دول كويس أوي.
أومأت له و هي تتجه ناحية باب البيت لتخرج منه و هي تحاول إخفاء ذعرها و هلعها!
____________________________________________
خرج الطبيب من غرفة العمليات لتهرول ناحيته كلا من "بيسان" و "سندس" التي تورمت عيناها من فرط البكاء، بينما هو يتابع الطبيب بترقبٍ، و بعد عدة لحظات تسائلت "سندس" بنبرتها المبحوحة:
-طمني يا دكتور.
رد عليها الطبيب بنبرة هادئة بثت الأمان لقلبها:
-الحمد لله الجرح اللي في راسها مكانش خطر بل بالعكس كان مجرد جرح سطحي، هو بس في شوية كدمات في جسمها و شوية جروح بسيطة في وشها.
تنهدت "بيسان" براحة و هي تومئ للطبيب عدة مرات قبل أن تتسائل قائلة:
-طب يا دكتور هنقدر نشوفها إنهاردة؟
أومأ لها الطبيب ليجيبها علي عجالة و هو يتركها ليتجه لرؤية المرضي:
-أكيد طبعًا هي كلها ساعة بالكتير و هننقلها في أوضة عادية.
إبتسم "تميم" بخبثٍ ليعم قلبه السعادة فهو كان يتمني أن تعش حتي يكمل إنتقامه، و لكن إختفت إبتسامته فجأة عندما وجد والدته تقترب منه لتسحبه معها لمكان منعزل قليلًا عن الناس، لتهتف وقتها بنزقٍ و هي تعقد ساعديها أمام صدرها:
-إنتَ إزاي تمد إيدك علي مراتك يا "تميم"!؟
ثم تابعت بحدة و هي ترمقه بإحتقارٍ جعل شعور الندم يسيطر عليه ليتمني وقتها أن تبتلعه الأرض بسبب ذلك الموقف المحرج:
-هي دي التربية اللي ربيتهالك!؟...ناسي كلامي، ناسي إن اللي يمد إيده علي واحدة ست ميبقاش إية؟
أطرق رأسه بخجلٍ قبل أن يجيبها بنبرة خافتة و شعور الذنب يتملكه:
-ميبقاش راجل.
ثم تابع بتوترٍ و هو ينظر في عينيها التي إشتعلت بنيران الغضب و الإهتياج بصورة واضحة:
-بس يا أمي دي زقتك و وقعتك علي الأرض!
جحظت عيناها قبل أن تصرخ بإنفعالٍ لم تستطع السيطرة عليه:
-تقوم تمد إيدك عليها إنتَ إتجننت!؟
زفر بغيظٍ قبل أن يهتف بإستنكارٍ:
-ماما إنتِ زي ما تكوني بتدافعي عنها، إنتِ ناسية إنها هي اللي قتلت "إياد".
جزت علي أسنانها قبل أن ترد عليه بإهتياجٍ:
-و هو إنتَ كنت روحت شوفتها بتقتله، الكاميرات موضحتش غير إنها خرجت من البيت و بس.
كاد أن يرد عليها و لكنه توقف فجأة بصدمة عندما إستمع لصوت "يحيي" من الخلف و هو يقول:
-"سيليا" قتلت!
____________________________________________
-إية دة "برق" إنتَ هنا من إمتي!؟
قالتها "رحيق" بعدما دلفت للبيت لتجد "برق" يجلس علي تلك الأريكة و هو يتابع التلفاز بإهتمامٍ، فرد هو عليها بنبرة غامضة أصابتها بالإرتباك:
-من شوية كدة.
أومأت له عدة مرات قبل أن تهتف بتساؤلٍ:
-هو "تميم" و ماما فين!؟
رد عليها بنفس نبرته السابقة و هو يلقي عليها نظرات ذات مغزي لم تفهمها بل أصابتها بالفزع من غموضها:
-جيت هنا ملقتهمش.
أومأت له مجددًا قبل أن تهمس بتلعثمٍ:
-طب أنا...ه..هط...هطلع أوضتي أريح شوية لإني تعبانة.
تحركت بخطواتها السريعة و لكنها توقفت فجأة عندما هتف هو بصوته الأجش:
-إستني يا "رحيق".
إستدارت للخلف لتجده أمامها مباشرةً فشهقت بخفة لتتسع حدقتاها بخوفٍ واضحٍ إزداد عندما وجدته يخرج هاتفها من جيبه، فإزدردت ريقها بصعوبة واضحة قبل أن تهمس بهلعٍ و الدموع تترقرق بعينيها:
-"برق" أنا هفهمك أنا..
قاطعها ليقبض علي ذراعها بعنفٍ بعدما رمي الهاتف علي الأرضية بإهمالٍ ليصرخ وقتها بنفورٍ و هو يرمقها بإشمئزازٍ:
-أنا مش هقول ل "تميم" المرة دي عشان بس مش عايز أذيكي، إنما لو عرفت إنك روحتي لل*** دة تاني مش هرحمك، سامعة؟
أومأت له عدة مرات و عبراتها تنهمر بلا توقف، بينما هو يرمقها بلومٍ لم تلاحظه، يعاتبها بالرغم من غضبه منها، لم يكن يتمني بيومٍ ما أن تخذله الفتاة الوحيدة التي عشقها بتلك الصورة المهينة!
خرج من شروده ليترك ذراعها صائحًا بعصبية:
-غوري من هنا.
جففت عبراتها، ثم إتجهت ناحية هاتفها لتأخذه و لكنها إنتفضت مبتعدة عنه عندما إستمعت لصوت صراخه ب:
-سيبي التليفون، مفيش تليفونات الفترة دي.
كورت قبضتها لتحاول كظم غيظها و لكنها لم تستطع، لذا إستدارت له صارخة بغلٍ و عبراتها تنهمر مجددًا:
-إنتَ ملكش أي حق إنك تتحكم فيا بالطريقة دي.
جحظت عيناه من فرط الإهتياج الذي سيطر عليه ليرد عليها بتعجبٍ و هو يرمقها بنظراته التي تصيب المرء بالقشعريرة المفرطة:
-إنتِ ليكي عين تتكلمي، دة أنا لولا إني عاقل كان زماني روحت قولت لأخوكي عشان يقتلك.
زفرت بإنفعالٍ قبل أن تتحرك من مكانها بحركاتها العنيفة لتصعد الدرج و هي تتجه لغرفتها، بينما هو يتمتم بأسي:
-مكنتش أعرف إنك بالقذارة دي.
____________________________________________
-"سيليا" حبيبتي إنتِ كويسة؟
قالتها "سندس" و هي تقترب من إبنتها التي كانت تتابعها بملامح مرهقة واضحة، فأومأت "سيليا" لوالدتها التي تابعت بتساؤلٍ:
-"سيليا" فهميني حصل إية يابنتي!؟
زفرت "سيليا" بضيقٍ قبل أن تهمس بتوسلٍ و هي تطبق جفنيها بألمٍ ظهر بتلك اللحظة بوضوحٍ:
-ماما أنا تعبانة جدًا و مش قادرة أتكلم، ياريت تسيبيني.
تنهدت "سندس" بعمقٍ قبل أن تهمس بتأففٍ:
-طب حتي فهميني حصل إية.
زفرت "سيليا" بعصبية و هي تفتح جفنيها لترمق والدتها بنظراتها الغاضبة، ففهمت وقتها "سندس" رغبة إبنتها و خرجت من الغرفة لتجد أمامها مباشرةً إبنها "يحيي" لتصيح وقتها بحنقٍ:
-شوفت اللي حصل يا "يحيي"، إختك لسة فرحها معداش عليه يوم و عملت حادثة، دة غير جوزها اللي مش فاهمة تصرفاته العجيبة، و محدش هنا بيفهمني حاجة، إنتَ متخيل إنه لغاية دلوقت مجاش شاف مراته ال..
قاطعها "يحيي" بصرامة أصابتها بالذهول:
-ماما كل دة مش وقته، ياريت تسيبيني أدخل أطمن عليها.
تابعته بتمعن و هي صامتة هكذا فتركها هو ليدلف لغرفة شقيقته، بينما "سندس" تهز رأسها عدة مرات قبل أن تهمس بعدم فهم:
-هو في إية!؟..في حاجة غلط بتحصل!
___________________________________________
-حكتيله لية؟
قالها "تميم" بعصبية و هو ينظر لوالدته بلومٍ، فردت هي عليه بهدوء:
-الولد سمع كل اللي بنقوله يعني مكناش هنعرف نكدب عليه.
زفر "تميم" بغيظٍ قبل أن يصيح بنبرته المهتاجة و هو ينظر لوالدته بسخطٍ:
-لا إنتِ عملتي كدة عشان كل حاجة تقف و عشان منتقمش منها، بس حتي لو الناس كلها عرفت بالحقيقة يا ماما بردو أنا مش هسكت و مش ههدي غير لما أخد حق "إياد".
كادت أن ترد عليه و لكنها لم تستطع، فهو تركها بعدها مباشرةً ليخرج من المشفي بأكمله، فإستغلت هي ذلك الموقف لتخرج هاتفها من حقيبتها لتضغط عليه عدة ضغطات قبل أن تضعه علي أذنها قائلة:
-أيوة يا "مرزوق"، عملت اللي قولتلك عليه؟
تنهدت بضيقٍ بعدما إستمعت لرده لتجيبه بعدها بثقة:
-قولتلك هديك مبلغ أضعاف اللي بتطلبه، أهم حاجة المشكلة اللي في الكاميرات تتحل.
زفرت بحنقٍ بعدما إستمعت لرده، ثم هتفت بنبرة شبه هادئة قبل أن تغلق الخط:
-قدامك أسبوعين بس يا "مرزوق".
وضعت الهاتف بجانبها علي ذلك المقعد المعدني لتهتف وقتها بغموضٍ:
-لو كاميرات المراقبة دي إتصلحت كل حاجة هتتحل، هنعرف وقتها إن كانت "سيليا" ظالمة ولا...مظلومة.
________________________________________
-إنتَ جايلي عشان تفضل باصصلي.
قالتها "سيليا" بنبرتها المرهقة بصعوبة شديدة و هي تنظر لشقيقها الذي يظل ينظر لها هكذا ما إن دلف للغرفة ما يقارب النصف ساعة، فرد هو عليها بلا مقدمات و هو ينظر لها بإشمئزازٍ:
-قتلتيه لية!؟
عقدت حاجبيها بعدم فهم و هي تحاول الأعتدال في جلستها، و لكنها لم تستطع فظلت تتابعه بعينيها التي جحظت بتعجبٍ، فتابع هو وقتها بنبرة حادة:
-إحنا عمرنا ما خليناكي محتاجة حاجة، لية تسرقي و تقتلي و تعملي كل دة!؟
قهقهت بصوتها الضعيف لتهمس بعدها بسخرية واضحة و هي تسعل عدة مرات:
-لا برافو...عرفوا يخلوك تصدق إن أختك سرقت و قتلت.
لاح علي وجهها تلك الإبتسامة الباهتة قبل أن تتابع بلغوبٍ ملحوظٍ:
-فاكر اليوم اللي رجعت فيه البيت متبهدلة و ركبتي متعورة و قولتلكوا فيه إن العربية اللي كنت راكباها عملت حادثة.
أومأ لها بصمتٍ فأكملت هي حديثها بنبرتها المرتجفة و هي تطبق جفنيها بألمٍ و إرهاقٍ شديدين:
-يومها أنا توهت و فضلت أدخل في شوارع كتير لغاية ما وصلت لشارع مهجور كدة و حاولت أوصلكوا لكن معرفتش.
ثم تابعت و هي تفتح جفنيها ببطئ لتتأمل تعابير وجهه الغير مفهومة:
-و فجأة لقيت حد بيسحبني لبيت من البيوت المهجورة و بيحاول...بيحاول يعتدي عليا حاولت أهرب منه لكن معرفتش روحت ضربته بعصاية كبيرة علي راسه و جريت من الباب الخلفي.
وجدته يتنهد بعمقٍ شديدٍ قبل أن يرد عليها ببرودٍ أصابها بالصدمة:
-مش مصدقك يا "سيليا".
دلفت بتلك اللحظة "بيسان" لتلاحظ وجوههما الغير طبيعية، فقد كان "يحيي" ذو ملامح و تعابير غير مفهومة، بينما "سيليا" كان علي وجهها علامات الصدمة الواضحة، فلعقت هي شفتيها قبل أن تهمس بإبتسامة خفيفة:
-"سيليا" حبيبتي إنتِ كويسة!؟
إعتدلت "سيليا" في جلستها بصعوبة و هي تتأوه بألمٍ، فكادت "بيسان" أن تقترب منها لتساعدها و هي تتعجب بسبب "يحيي" الذي ظل جالس هكذا ببرودٍ، و لكنها توقفت بسبب "سيليا" التي حذرتها قائلة:
-متقربيش مني.
تلاحقت أنفاسها قبل أن تتابع بصراخٍ بغضبٍ جحيمي إستمعته من الخارج والدتها "سندس" لتدلف وقتها للغرفة و هي تستمع لما تقوله إبنتها بدهشة:
-خلي إبنك يطلقني، سامعة؟
رأت "سندس" حالة إبنتها التي كانت تسوء فصاحت هي وقتها موبخة إياهم:
-ما تسيبوا بنتي في حالها دي تعبانة و مش ناقصة.
تنهدت "بيسان" و هي تشاهد جمود "يحيي" المستفز، لذا صاحت بعدها مباشرةً بصرامة لا تتقبل النقاش:
-ياريت تسيبونا لوحدنا شوية.
و بتلك اللحظة رفضت "سندس" ذلك الأمر صائحة ب:
-بنتي تعبانة و مش هتقدر تتكلم مع حد.
ردت عليها "بيسان" برجاء و هي تنظر في عينيها مباشرةً:
-"سندس" من فضلك سيبيني أنا و هي لوحدنا.
زفرت "سندس" بتبرمٍ و هي تخرج من الغرفة، بينما "يحيي" ينهض هو الأخر ليخرج من الغرفة و هو يلقي علي "سيليا" نظرات ألمتها و ألمت روحها المسكينة، أما "بيسان" فإنتظرته حتي يخرج من الغرفة لتغلق الباب بعدها، ثم إتجهت ناحية "سيليا" لتجلس أمامها علي الفراش قائلة بهدوء:
-إسمعي يا "سيليا"، أنا معرفش إذا كنتي قتلتي فعلًا "إياد" إبن أختي ولا لا، بس لازم تعرفي إني هنا عشان أسمعك، و لازم كمان تعرفي إن كاميرات المراقبة اللي كانت موجودة قصاد الباب الخلفي وضحت إنك إنتِ اللي خرجتي يومها من البيت ف أكيد لازم نشك إنك إنتِ اللي قتلتيه.
ثم تابعت و هي تشعر بالتوتر بسبب تعابير وجه "سيليا" الغير مفهومة:
-كمان عايزة أقولك إن في كاميرات مراقبة خاصة بمخزن قصاد الباب الأمامي و هي دي اللي وضحت كل شئ يا "سيليا" لكن مع الأسف هي فيها مشكلة ف مش عارفين نراجع الفيديوهات اللي فيها، و لكن أنا حابة أسمعك.
إزدردت "سيليا" ريقها بترددٍ قبل أن تتنهد بعمقٍ و هي تنوي قص كل شئ علي "بيسان" التي كانت ترمقها بتلهفٍ علي أي معلومة جديدة ستساعدها.
__________________________________________
-عملت إية؟
قالها "تميم" بنبرته المبهمة بعدما جلس بجانب "برق" الذي أجابه بثباتٍ لم يظهر كذبه:
-كانت موجودة عند صاحبتها إنهاردة.
زفر "تميم" بحنقٍ قبل أن يهتف بنبرته الصارمة:
-خليك مراقبها يا "برق"، أنا مش مطمن.
أومأ له "برق" عدة مرات قبل أن يتسائل قائلًا:
-اة صحيح إنتَ كنت فين من الصبح و فين مراتك و طنط "بيسان"!؟
كاد "تميم" أن يرد عليه و لكنه توقف فجأة عندما وجد شقيقته "رحيق" تجلس بجانبه و هي تهمس بنبرة لطيفة أخفت بها هلعها، فهي تخشي تصرفات "برق" الغير متوقعة، فهو و من الممكن أن يخبره بكل شئ:
-اة صحيح يا "تميم" إنتَ كنت فين؟
كاد هو أن يقص عليهم كل شئ و لكنه توقف عندما لاحظ تعابير وجه "رحيق" الشاحبة، لذا هتف هو بذهولٍ:
-"رحيق" إنتِ كويسة!؟
فغرت فمها و هي تنظر ل "برق" بإرتباكٍ فتحدث هو وقتها قائلًا:
-صاحبتها أصلي كانت واقعة في مشكلة كدة و كانت بتحاول تلاقيلها حل، أصل هي حكتلي كل دة بعد ما روحت بيت صاحبتها عشان أوصلها.
عقد "تميم" حاجبيه بعدم فهم قبل أن يهمس بتساؤلٍ ليحدث ما تخشاه:
-مشكلة!...مشكلة إية!؟
نظرت له بتوسلٍ حتي لا يكشف أمرها فألقي هو عليها نظرة إحتقارية واضحة قبل أن يهتف بهدوء مصطنعٍ أخفي به إستشاطته غضبًا:
-تخيل يا "تميم" بنت تسلم نفسها و تضحي بشرفها عشان حتة ***!...صاحبتها واقعة في المشكلة دي و مش عارفة تعمل إية.
عقد "تميم" حاجبيه ليلقي علي "برق" نظرات سريعة يملؤها الشك، ثم إلتفت تجاه شقيقته ليوبخها بنبرته القاسية قائلًا:
-إنتِ إزاي تصاحبي واحدة زي دي!؟
إزدردت ريقها بصعوبة شديدة قبل أن تطرق رأسها بحرجٍ مصطنعٍ، فهي أطرقت رأسها لتسب "برق" بسبابٍ لاذعٍ بنبرتها الغير مسموعة، ثم صاحت بعدها بأسفٍ زائفٍ:
-أنا أسفة يا "تميم" بس دي صاحبتي جدًا، أنا صدقني إتصدمت لما عرفت باللي حصل دة.
و بتلك اللحظة تدخل "برق" مجددًا قائلًا بصدقٍ، لترفع هي وقتها رأسها ناظرة إليه برجاء:
-أنا كمان إتصدمت.
ثم تابع و هو يشعر بمرارة الخذلان:
-إتصدمت لما عرفت إنك مصاحبة واحدة زي دي.
هب "تميم" واقفًا قبل أن يصيح بصرامة، ليوجه حديثه ل "رحيق" التي تسمرت بمكانها و هي تتابعه بعينيها المذعورة:
-البنت دي متكلميهاش تاني و إلا رد فعلي مش هيبقي كويس.
جزت علي أسنانها بعصبية قبل أن تفتح فمها قليلًا ليخرج صوتها المتذمر بصورة غير واضحة ب:
-حاضر.
تحرك "تميم" بحركاته السريعة ليخرج من البيت لحديقته فخرج خلفه "برق" و هو يصيح بإسمه، فزفرت هي بإمتعاضٍ و وجهها مكفهر ما إن خرجا، فهبت هي الأخري واقفة بوجهها المتجهم و كادت أن تتحرك لتتجه للدرج و لكنها توقفت فجأة عندما وجدت هاتف شقيقها أمامها علي الطاولة، لذا إرتسم علي ثغرها تلك الإبتسامة الخفيفة و هي تلتقط الهاتف لتضعه بجيبها الخلفي، ثم سارت بخطواتها البطيئة لتتابع شقيقها و صديقه لتجدهما يتحدثان في شئ ما كان من الواضح إنه هام، لذا تراجعت بخطواتها راكضة، لتصعد بعدها الدرج بخطواتها الخفيفة، ثم إتجهت لغرفتها التي فتحت بابها لتلج للداخل قبل أن تغلقه بعدها، لتفتح الهاتف و هي تفتح تطبيق الإتصالات لتبحث بعدها عن إسمه حتي وجدته بالفعل، ثم حاولت مهاتفته و لكنها وجدت هاتفه مغلق فضغطت علي الهاتف بكفها بقوة كادت أن تحطمه و هي تصرخ بإهتياجٍ:
-قافل تليفونه ال***.
تلاحقت أنفاسها و هي تترك الهاتف علي الفراش بإهمالٍ، ثم أخذت تدور بالغرفة و هي تفكر بصوتٍ مسموعٍ:
-أعمل إية!؟...مش هينفع أسكت و أقعد كدة، إستحالة أسمح للزفت اللي إسمه "برق" دة يهددني بالشكل دة.
و فجأة إستمعت لذلك الصوت الي خرج من هاتف شقيقها لينبهها بوصول رسالة ما، فإلتقطت الهاتف بفضولٍ لتفتحه مجددًا فوجدت رسالة من "سندس" والدة "سيليا"، لذا فتحتها هي الأخري و هي تقرأها بنبرة مسموعة:
-إنتَ إزاي تسيب مراتك و هي في الحالة دي و تمشي من المستشفي.
عقدت حاجبيها بعدم فهم، لتتسائل بعدها بإستفهامٍ و هي تغلق الهاتف مجددًا:
-هو فين "سيليا" و ماما من الصبح صح!؟
____________________________________________
-أنا عارفة إنك ممكن تكوني مش مصدقاني عشان هو إبن إختك، بس لازم تعرفي إني محكيتش عشان تصدقي، أنا حكيت عشان حسيت إن في حد عايز يسمعني منغير ما يقولي إنتِ كدابة.
قالتها "سيليا" بشموخٍ بعدما إنتهت من قص كل شئ علي "بيسان" و هي ترفع رأسها للأعلي قليلًا ، لتتابع بعدها بنبرة صارمة أخفت بها إرهاقها و إنهاكها:
-ياريت لو سمحت تسيبيني عشان محتاجة أريح شوية.
نهضت "بيسان" من علي الفراش لتقترب بعدها من "سيليا" قبل أن تربت علي ظهرها قائلة:
-مصدقاكي.
عقدت "سيليا" حاجبيها بصدمة، قبل أن تتأمل بعينيها تعابير وجه "بيسان" البشوشة، فتسائلت هي وقتها بحيرة و هي تهز رأسها عدة مرات:
-لية!؟
تنهدت "بيسان" بعمقٍ قبل أن ترد بنبرتها الهادئة، و هي تعقد ساعديها أمام صدرها:
-مش مهم لية يا "سيليا"، المهم إننا نخلي الكل يعرف و يتأكد من اللي بتقوليه دة.
تفحصتها بنظراتها لعلها تفهم ما يدور بعقل تلك المرأة و لكنها لم تستطع، فنظرت لها مطولًا قبل أن تتسائل مجددًا بنفس النبرة الحائرة:
-إنتِ لية بتساعديني؟
ردت عليها "بيسان" بإقتضابٍ و هي تخرج من الغرفة:
-عشان أنا مصدقاكي و مصدقة كل كلمة قولتيها.
زفرت بحنقٍ قبل أن تعتدل في جلستها لتمسح بكفها علي وجهها بعنفٍ، و هي تهمس بإصرارٍ لا يبشر بالخير:
-بردو مش هتراجع عن القرار اللي خدته، أنا لازم أهرب في أسرع وقت مش هستني أنا هي تعمل حاجة و يمكن كمان تطلع كدابة.
ثم تابعت بخبثٍ و هي تبتسم بلؤمٍ عجيبٍ وضح كم الخطط المبهمة و الغير معروفة التي تتشبث بها:
-بس قبل ما أمشي لازم أقلب عليهم الترابيزة.
____________________________________________
-ما كفاية كدة يا "تميم"، خلينا نحاول نتأكد تاني يمكن فعلًا كاميرات المراقبة تطلع مش موضحة كل حاجة.
قالها "برق" برجاء و هي ينظر في عيني صديقه مباشرةً، فرد وقتها "تميم" بغضبٍ جحيمي، و قد تأججت نيران الإنتقام بصدره، ليتذكر وقتها "إياد" الذي يظنه برئ نقي:
-لية الكل عايزني أوقف كل حاجة!؟...بنت ال*** دي قتلت "إياد" يا "تميم" و أنا مش ههدي غير لما أخلص منها، إنتَ سامع؟
لعق "برق" شفتيه قبل أن يهتف بجدية و هو يقف قبالة صديقه:
-أنا خايف تندم في الأخر.
هز وقتها "تميم" رأسه نافيًا قبل أن يرد عليه بثباتٍ:
-مهما يحصل عمري ما هندم.
كاد "برق" أن يرد عليه و لكن قاطعته "رحيق" الذي لم يعرف متي خرجت من البيت:
-"تميم" أنا مسافرة.
نهضت من علي الفراش و هي تتأوه بصوتٍ عالٍ من فرط الألم الذي أصاب جسدها، ثم تحركت ببطئ ناحية تلك الحقيبة التي تركتها والدتها بالغرفة بعدما أخبرتها بإن بها ثياب نظيفة لها، إنحنت بجذعها للأمام قليلًا و هي تعض علي شفتيها بألمٍ واضحٍ، ثم إلتقطتها من علي الأرض لتتجه بعدها للمرحاض.
بدلت ملابسها سريعًا و هي تخرج من المرحاض لتقلب نظرها بالمكان قبل أن تصيح بنبرة عالية:
-ماما.
دلفت "سندس" بعد عدة لحظات و هي تهتف بإهتمامٍ:
-خير يا حبيبتي!؟
ثم تابعت بذهولٍ و هي تتفحصها بنظراتها المتمعنة:
-و إية خلاكي تغيري هدومك و تقومي إنتِ لسة تعبانة؟
ردت وقتها "سيليا" بهدوء غامضٍ، جعل القلق يحتل قلب "سندس" التي راقبتها بتوترٍ:
-لازم أرجع البيت، الناس تقول إية لما يعرفوا إني يوم الصباحية برا البيت.
فركت "سندس" كفيها بترددٍ قبل أن تتسائل بفضولٍ:
-بردو مش هتقوليلي حصل إية.
تحركت "سيليا" من مكانها لتخرج من الغرفة صائحة ب:
-يلا يا ماما عشان أرجع بيتي.
____________________________________________
تعلقت أنظاره علي حقيبة السفر التي كانت تحملها فتسائل وقتها بلا تفكير و هو يرمقها بحدة لم تكترث لها لوقوف شقيقها بجانبها:
-مسافرة!...مسافرة فين و...
توقف "برق" عن متابعه حديثه عندما لاحظ نظرات "تميم" المصوبة عليه، فتنحنح هو بحرجٍ و هو يطرق رأسه بوجوم، بينما "تميم" يوجه نظراته ناحية "رحيق" التي كانت تبتسم بإنتصارٍ، ثم قال:
-تسافري فين و مع مين؟
رمشت بعينيها بإرتباكٍ و هي تترك حقيبتها علي الأرض، ثم همست بأسي مصطنعٍ و بنبرتها مرتجفة:
-"تميم" أنا مخنوقة جدًا، و بصراحة كدة محتاجة أسافر لخالو إسكندرية أقعد أسبوعين ولا حاجة.
رمقها بنظراته التي كان يسيطر عليها الشك ليرفض بعدها قائلًا:
-مش وقته يا "رحيق".
عقدت "رحيق" حاجبيها بعبوسٍ قبل أن تصيح بنبرة مهتاجة واضحة:
-مش وقته لية!؟...إية اللي مش وقته ولا إنتَ بقي زعلان عشان خالو مجاش يوم فرحك، ما إنتَ عارف نظام شغله و إنه مبيعرفش يسيبه و يروح في أي حتة، دة إنتَ حتي دكتور و فاهم.
إزدرد "تميم" ريقه قبل أن يهمس بصرامة:
-خلصتي؟
ثم تابع بإصرارٍ جعلها تستشيط غضبًا لتسير بعدها في طريق خطتها الشنيعة الأخري:
-بردو لا.
عضت علي شفتيها بحزن زائفٍ قبل أن تهمس بنبرة خافتة و الدموع تلتمع بعينيها:
-"تميم" ممكن نتكلم أنا و إنتَ لوحدنا.
تنحنح "برق" قبل أن يبتعد عنهما قائلاً بحرجٍ:
-طب أستأذن أنا.
تابعته و هو يخرج من البيت بأكمله لتجز بعدها علي أسنانها بعصبية، ثم صوبت نظراتها تجاه شقيقها الذي كان يتابعها بنظراته التي تحثها علي قص كل شئ، فتهاوت عبراتها علي وجنتيها قبل أن تهتف بنبرة باكية إصطنعتها بمهارة:
-"تميم" أرجوك صدقني أنا معنديش حد يصدقني غيرك، و معنديش حد يحميني غيرك.
جحظت عيناه بصدمة عندما رأي عبراتها الحارة تغمر وجنتيها، فأحاط هو وجهها سريعًا بين كفيه ليتسائل بوجلٍ:
-"رحيق" حصلك إية؟
إرتمت بين أحضانه و هي تبتسم بمكرٍ لم يراه هو، فصرخت وقتها بإنهيارٍ مزيفٍ، أصاب "تميم" بالصدمة:
-"برق" يا "تميم"، أنا إستحملت كتير أوي بس مقدرش أستحمل أكتر من كدة.
أخرجها من بين أحضانه لتختفي إبتسامتها سريعًا و هي ترمقه بذلك القهر المصطنع و دموعها لا تتوقف، بينما هو يقبض علي كلا ذراعيها ليهزها بعنفٍ صارخًا ب:
-إنطقي و رُدي عليا حصل إية؟
إرتجف جسدها بقوة قبل أن تجيبه صارخة بنبرة ألمت حنجرتها، بينما هو يستمع لها و هو يهز رأسه رافضًا تلك الفكرة التي لم يتوقعها بيومٍ ما من شدة ثقته بصديقه:
-"برق" بيتحرش بيا يا "تميم"، عشان كدة عايزة أهرب من هنا خالص.
تراجع بخطواته و هو يبتعد عنها ليتابعها بتعابير وجهه المصدومة، ثم حرك شفتيه ببطئ ليهمس بإستنكارٍ:
-"برق"!
أومأت له عدة مرات قبل أن تصرخ بحقدٍ لم يظهر في نبرتها بسبب عدم إنتباهه لإي شئ سوي صدمته في صديق طفولته:
-أيوة "برق" اللي إنتَ كنت واثق فيه، اللي إنتَ كنت مخليه يراقب أختك، أختك اللي شكيت فيها، أختك اللي كانت بتحاول تهرب من القرف دة.
حاول الخروج من أفكاره المشتتة تلك، ليتسائل بعدها بنبرة جامدة أصابتها بالتوتر:
-الكلام دة بيحصل من إمتي؟
إزدردت ريقها بصعوبة قبل أن ترد عليه بنبرتها المرتجفة:
-من يجي شهرين.
أومأ لها عدة مرات قبل أن يهتف بصوته الأجش و هو يتجه لداخل البيت بخطواته الراكضة الغاضبة:
-سافري الأسبوعين دول زي ما قولتي و أنا هتصرف.
إبتسمت "رحيق" بدهاء قبل أن تلتقط حقيبتها سريعًا، لتخرج بعدها من البيت بأكمله غافلة عن تلك التي إختبأت بين الأشجار ما إن خرجت هي.
إبتعدت عن المكان لتخرج فجأة "سيليا" من بين الأشجار و هي تبتسم بمكرٍ قائلة بنبرة مسموعة:
-دة كدة إحلوت أوي.
____________________________________________
-اللي بتعمله دة يا "برق" هيضرك.
قالها "بلال" صارخًا بإهتياجٍ و هو يتحرك بعصبية علي ذلك الكرسي الذي كان مقيد به، فإقترب وقتها "برق"منه ليلكمه بعنفٍ قبل أن يكرر سؤاله بغضبٍ جحيمي يكاد يحرق كل شئ أمامه:
-معاها من إمتي!؟
إبتسم "بلال" بتهكمٍ و هو يبصق الدماء من فمه، ثم صاح بوقاحة أثارت حفيظة "برق":
-تقصد الست الوالدة ولا حد تاني؟
جز "برق" علي أسنانه بعصبية قبل أن يقبض علي مقدمة قميصه لينهال عليه بالضربات و اللكمات العنيفة و هو يصرخ بنبرة مهتاجة هزت أرجاء المكان:
-إنطق يالا يابن ال******.
تأوه "بلال" صارخًا قبل أن يجيبه بلا وعي من فرط الألم الذي شعر به:
-بعد موت "إياد" بأربع شهور.
.....................................................................
-أخوكي لو عرف الحقيقة هيقتلك يا "رحيق".
قالتها "سماح" صديقة "رحيق" بعدما وضعت كوب الشاي الساخن أمامها، ثم تابعت بعبوسٍ و هي تلاحظ عدم إكتراث تلك الحمقاء لها:
-ما تردي يا زفتة إنتِ.
عقدت "رحيق" حاجبيها بضيقٍ قبل أن تصرخ بغضبٍ و هي تضرب تلك الطاولة بقدمها بعنفٍ شديدٍ لتقع هي وقتها بكل ما عليها من أكواب الشاي و الماء:
-عايزاني أعمل إية!؟...قولتلك مكانش قدامي حل غير دة.
زفرت "سماح" بعصبية قبل أن تصيح بجدية:
-طب لو أخوكي عرف إن خالك مش في إسكندرية هتعملي إية خصوصًا إن اللي إسمه "برق" دة بيراقبك؟
ردت عليها بهدوء زائفٍ و هي تنهض من علي الأريكة لتتجه لتلك الغرفة حتي تنم، لتفكر بعدها بتمهلٍ لتجد حل مناسب لذلك المأزق الذي أوقعت نفسها به:
-مش هيعرف لإن بعد المشكلة اللي هتحصل بينهم بعد اللي حكيته ل "تميم" هتخلي أي حاجة يعرفها "تميم" ولا ليها أي لازمة.
أومأت "سماح" عدة مرات قبل أن تهتف بنبرة عالية بعض الشئ:
-إتغديتي بيه قبل ما يتعشي بيكي يعني.
____________________________________________
-عرفت إنك خرجتي، مش عارف العربية اللي خبطتك مموتتكيش عشان نخلص لية!؟
قالها "تميم" ببرودٍ و هو يرتمي بجسده علي الفراش، فردت هي عليه بوقاحة و هي تضع ساقًا فوق الأخري:
-حصل خير، الدور عليك بقي المرة الجاية و يمكن نخلص منك.
قهقه عدة مرات عندما شعر بنبرة التهديد التي في صوتها، لذا هتف بعدها بتهكمٍ و هو يهز رأسه بإستفهامٍ:
-و دة تهديد يعني ولا إية!؟
هزت كلا كتفيها قائلة بجمودٍ:
-زي ما تسميه...أنا اللي عندي قولته.
هب واقفًا من علي فراشه، ثم تحرك من مكانه ليلج لخارج الغرفة، و هو يفاجأها بإغلاقه للباب بمفتاحه، فإهتاجت هي وقتها واقفة من علي تلك الأريكة لتتجه بعدها للباب طارقة عليه بعنفٍ، و هي تصرخ ب:
-إنتَ بتقفل الباب دة لية!؟...إفتحه..إفتحه بقولك.
إنتظرها حتي تنتهي من صراخها المزعج، ثم هتف بعدها بنبرته الباردة تلك قبل أن يبتعد عن الغرفة:
-لا.
بينما هو تضرب الباب بكلا قدميها و هي تبدأ في الصراخ مجددًا، ثم و بعد عدة دقائق إستدارت للخلف لتنظر للشرفة بشرودٍ!
____________________________________________
أغلق باب البيت بذلك المفتاح الخاص به متجاهلًا صراخ "بلال" الرافض لما يحدث، فهو تركه مقيد هكذا ببيته بعدما أخذ منه كل المعلومات التي يريدها، و فجأة تعالي صوت رنين هاتفه، فأخرجه من جيبه و هو ينظر لهوية المتصل بترقبٍ فالفضول يسيطر عليه حول ما حدث منذ عدة ساعات، لذا ضغط علي الهاتف قبل أن يضعه علي أذنه قائلًا بصوته الأجش:
-أيوة يا "تميم".
تابع رده المبهم بتعجبٍ فنبرته لم تكن تبشر بالخير أبدًا:
-قابلني في الكافيه اللي بنروحه علطول.
تنهد ببعض من التوتر قبل أن يومئ عدة مرات قائلًا:
-نص ساعة و أكون عندك.
ثم تابع بتساؤلٍ و هو يهبط الدرج مبتعدًا عن شقة "بلال" بسبب ذلك الصراخ المزعج:
-بس هو في حاجة حصلت!؟
و أكثر ما أصابه بالذهول هو إغلاق "تميم" للخط وقتها دون الرد عليه، فتنهد هو بإرتباكٍ قائلًا بحيرة:
-يا تري عملتي إية تاني يا "رحيق"؟
____________________________________________
فتحت جفنيها بتأففٍ بعدما لم تستطع النوم و هي تحاول التفكير بجدية مجددًا بالأمر، هي تخطط للهروب و لكن هروبها يعني صدق ما سيقوله "برق"، و لكن مهما مر الوقت بالتأكيد ستظهر الحقيقة، و أكثر ما تخشاه هو رد فعل شقيقها عندما يعلم بحقيقتها الشنيعة التي لم يتوقعها من قبل، سيقتلها بالتأكيد كما قالت صديقتها، رأسها تكاد تنفجر من فرط الألم الذي أصابها بسبب زوبعة الأفكار تلك التي لم تتركها و لو لثانية واحدة، نهضت من علي الفراش لتتجه بعدها للشرفة لتنظر وقتها للأمام و هي تتأمل البحر بأمواجه العالية، و فجأة مر ببالها تلك الفكرة الخبيثة فتنهدت بعمقٍ قبل أن تهتف بأسفٍ مصطنعٍ:
-متزعلش مني بقي يا "بلال".
-"سيليا" بطلي هزار و إنزلي مش أنا قولتلك إنه أنا هظهر براءتك لو إنتِ معملتيش حاجة فعلًا.
قالتها "بيسان" بتوسلٍ و هي تنظر ل "سيليا" الواقفة فوق سور شرفة غرفة "تميم" و هي تهدد الجميع برمي نفسها إن لم يأتي ذلك الأحمق ليفتح الباب، ثم تابعت برجاء و هي تلتفت لليمين و لليسار بحثًا عن هاتفها لتتواصل مع إبنها في أسرع وقت:
-طب هعملك اللي إنتِ عايزاه بس إنزلي من مكانك.
صرخت بعدها "سيليا" بإهتياجٍ و هي تقترب من الحافة بلا خوف:
-قولت مش هنزل من مكاني غير لما يجي هو و يفتحلي الباب، و لو مجاش هموت نفسي و أجبلكوا مصيبة.
ركضت "بيسان" لداخل البيت سريعًا فوجدت هاتفها أمامها مباشرةً علي تلك الطاولة، لذا ركضت تجاهه و هي تلتقطه بصورة سريعًا لتضغط عليه عدة ضغطات هاتفة ب:
-أستر يارب.
وضعت الهاتف علي أذنها و أنفاسها تتلاحق، و فجأة إستمعت لصوت رنين هاتف إبنها فوجدته علي تلك الأريكة أمامها، لذا صاحت هي بهلعٍ و هي تستمع لصراخ "سيليا" الذي يصيب المرء بالفزع:
-يادي المصيبة.
_________________________________________
-في إية يابني!؟....صوتك في التليفون خلاني مش مطمن، هو حصل حاجة؟
قالها "برق" بتوترٍ أخفاه سريعًا و هو ينظر في عيني صديقه مباشرةً، ليجدها مظلمة بصورة مرعبة لا تبشر بالخير، ثم تابعه بتمعن هو يهتف بغموضٍ:
-"برق" إحنا صحاب من إمتي؟
عقد "برق" حاجبيه بعدم فهم قبل أن يرد بتلقائية:
-بقالنا سنين، بس لية بتسأل السؤال دة!؟
تنهد "تميم" بغضبٍ مكتومٍ قبل أن يهتف بنفس النبرة المبهمة التي جعلت القلق يتملك "برق" الذي كان يتابعه بدقة:
-طول السنين دي عمري غدرت بيك أو زعلتك؟
رفع حاجبيه بصدمة من نبرته و من أسئلته الغير مفهومة، فصاح بعدها بتعجبٍ و هو يهز رأسه بإستفهامٍ:
-أكيد لا، مالك يا "تميم" في إية!؟
تجاهل سؤاله و لم يكترث له مجددًا ليهتف بعدها بنبرة جحيمية بثت الرعب في قلب "برق" الذي تابع ما يقوله صديقه بنظراته المشدوهة:
-أمال إنتَ غدرت لية!؟
هب "برق" واقفًا و هو يصيح بنزقٍ و نبرته العالية تلفت أنظار الزبائن بالمكان:
-لا أنا زهقت ما هو يا تقول في إية يا تسيبني أمشي.
هب هو الأخر واقفًا ليقترب منه صارخًا بنبرة مهتاجة و عروق نحره تبرز من فرط العصبية، ثم لكمه بعنفٍ جعله يترنح في وقفته و كل ذلك يتم أسفل أنظار الناس و المارة:
-بتتحرش بأخت صاحبك يا "برق".
جحظت عيناه و هو يعتدل في وقفته غير مهتم لتلك الدماء التي سالت من شفتيه، ثم صرخ بنبرته المصدومة:
-إنتَ بتقول إية!؟
إقترب "تميم" ليقبض علي مقدمة قميصه صارخًا بحدة، بينما "برق" يحاول إستيعاب ما يقوله:
-إزاي تخون صاحبك و تعمل حاجة زي كدة!؟
و بعد عدة دقائق من الصمت الذي دارت فيه حرب النظرات تلك إبتعد "برق" عن "تميم" و هو يهتف بإستنكارٍ:
-إنتَ إزاي تصدق حاجة زي كدة!؟
إرتسم علي ثغر "تميم" إبتسامة جانبية ساخرة قبل أن يهتف بإستهزاء:
-"رحيق" هتكدب مش كدة؟
و وقتها هتف "برق" بثقة غير مهتم لأي شئ، حتي قلبه الذي يتوسل إليه حتي لا يكشف أمر معشوقته:
-أيوة بتكدب و أنا أقدر أثبتلك.
____________________________________________
-أبوس إيدك يا بابا بلاش، عشان خاطري، هعملك كل اللي إنتَ عايزه بس بلاش.
قالتها تلك المسكينة و قلبها منفطر من فرط الألم الذي أصابها، بالإضافة إلي صراخها باكية برفضٍ لما يحدث، فقد تم عقد قرآنها منذ قليل و هي الآن تستعد للذهاب لذلك الفندق الذي سيقام به حفل الزفاف، فرفض وقتها والدها بنبرته الصارمة و هو يصرخ ب:
-قولت لا يعني لا، و إحمدي ربنا إن إبن خالك وافق إنه يتجوزك بعد ما عرف اللي حصلك.
لطمت علي كلا وجنتيها بعنفٍ و هي تصرخ بقهرٍ ألم حنجرتها:
-كان غصب عني، صدقني غصب عني.
رد وقتها والدها بنبرته الجامدة و هو يرمقها بصرامة لا تتقبل النقاش:
-غصب مش غصب مش هتفرق، و يلا إسمعي الكلام.
خرج والدها من الغرفة غير مكترث لصوت نحيبها الذي كان يتعالي، فإقتربت وقتها شقيقتها "وسيلة" قائلة بحنوٍ:
-يلا يا "ياقوت" عشان منتأخرش.
إنهمرت عبراتها الحارة لتلهب وجنتيها، ثم صرخت برفضٍ و هي تهز رأسها رافضة:
-لا مش هتجوزه، مش هتجوز واحد أعمي في الأخر.
وضعت "وسيلة" كفها علي فمها لتمنعها عن الكلام هاتفة بتحذيرٍ:
-بس وطي صوتك بابا ممكن يسمعك.
تلاحقت أنفاسها بهستيرية قبل أن تجيبها من وسط لهاثها المتواصل ببكاء عنيف:
-يسمع اللي يسمعه، أنا مش هتجوزه يعني مش هتجوزه.
هزت "وسيلة" رأسها بقلة حيلة قبل أن تهتف بجدية و هي تنظر في عيني شقيقتها مباشرةً:
-"ياقوت" بعد اللي حصل إنتِ عارفة إنه مقدامكيش حل غير إنك تتجوزي "زاهر".
هزت رأسها رافضة و تلك الأفكار الجنونية تحتل رأسها أكثر و أكثر، فهي تفكر بالفعل في قتل نفسها لتتخلص من ذلك العذاب الذي لم ينتهي منذ تلك الليلة الشنيعة!
___________________________________________
-إنتَ جايبنا هنا لية!؟..إية علاقة "بلال" بالموضوع؟
قالها "تميم" بقتامة و هو يرمقه بنظراته الشيطانية المرعبة التي مازالت لا تبشر بالخير بل توضح مدي غله و غضبه الشديد، بالإضافة إلي صدمته التي مازالت تسيطر عليه، فهو لم يستطع حتي الآن تصديق ما حدث من خيانة صديقه المقرب له، وفجأة و بعد عدة ثوان من الصمت رد "برق" بنبرته الحادة قائلًا:
-"بلال" هو الموضوع.
عقد حاجبيه بعدم فهم و هو يخرج من السيارة ليتسائل مجددًا قائلًا بنزقٍ:
-وضح كلامك بدل ما أقتلك و أخلص منك.
إرتسم علي ثغر "برق" إبتسامة جانبية سخيفة و هو يصيح قائلًا بسخرية:
-ما بلاش لكلامي يوجعك، عشان الحقيقة أوحش بكتير من اللي وصلك.
عبست ملامحه من فرط الحيرة التي أصابته فصرخ هو وقتها بنبرته الغليظة قائلًا:
-إحنا هنقضيها ألغاز ولا إية ما تخلص.
سار "برق" بخطواته السريعة تجاه المبني السكني ليتجه للمصعد بعدها مباشرةً متجاهلًا الحارس الذي نهض ليرحب به، بينما "تميم" يسير خلفه و الحيرة تكاد تقتله، فعقله كان يحتاج للصراخ العنيف، نعم من فرط التفكير الذي وقع هو في دائرته المخيفة أصبح الألم غير محتمل علي أثره، مرت عدة دقائق و لم يشعر بنفسه سوي و هو أمام شقة "بلال"، ثم صوب نظراته تجاه "برق" الذي أخرج المفتاح من جيبه ليفتح الباب مما جعله مصدوم مما يحدث، و بالفعل و بعدما وضع "برق" المفتاح بمكانه بالباب ليديره فتح الباب ليدلف بعدها مباشرةً للشقة هاتفًا بثقة عجيبة:
-أدخل عشان تعرف حقيقة الهانم.
لم تعجبه تلك اللهجة أبدًا و مع ذلك دلف لداخل الشقة ليسير معه، و فجأة تسمر "برق" بمكانه عندما وجد كرسي "بلال" الذي كان مقيد به فارغ، فصرخ وقتها بصدمة و بصوتٍ هز أرجاء المكان:
-"بـــــلال"
____________________________________________
-أديني كسرت الباب عايزة حاجة تاني!؟
قالتها "بيسان" ببعض من الغيظ بعدما جلست بجانب "سيليا" التي عادت جالسة علي فراشها، فردت عليها بنبرة تهديدية و هي تبتسم بدهاء:
-إوعي تفتكري إني ممكن أعدي كل اللي حصل دة مهما حصل، دة أنا مش هسيب حد فيكوا إلا لما أذيه، و أنا أذيتي وحشة أوي يا "بيسان".
رفعت "بيسان" حاجبيها بصدمة لتهمس بعدم تصديق:
-"بيسان"!
أومأت "سيليا" عدة مرات قبل أن تكمل حديثها بجرائة و هي لا تخشي أي شئ:
-أوعي كمان تكوني فاكراني هسيب حقي و أقولك طلعيني مظلومة و بريئة عشان أعرف أسيب المكان، أنا زي ما قولتلك مهما يحصل مش هسيب حقي اللي من و أنا صغيرة أتعودت مسيبوش.
هبت "سيليا" واقفة و هي تخرج من الغرفة ليظهر علي وجهها علامات شيطانية لا تبشر بالخير، ربما هناك حرب علي وشك البدء، و ربما الحرب بدأت منذ عدة أيام و لكنها الآن في خطورة شديدة ستضر أحد الطرفين بالتأكيد، "سيليا" إمرأة لا يستهان بها، هي لا تنكر قلبها الذي خُدع بذلك الحب الأحمق، و لكنها أيضًا لا تنكر إستطاعتها علي تجاهل قلبها الذي لم يسبب لها سوي العذاب، بينما "تميم" رجل لم تكن به تلك الصفات العنيفة و الكريهة، و لكنه أصبح قاسي و بغيض هكذا خاصة بعد وفاة "إياد"، فهو لم يعد ذلك الرجل المرح الذي يضحك كثيرًا، بل أصبح رجل القسوة تسيطر علي قلبه، ليصبح الإنتقام هدفه الوحيد، و هنا السؤال...من الذي سيظفر بتلك المعركة!؟
___________________________________________
بعد مرور عدة ساعات.
-سكوتك بيقول إنك زعلانة.
قالها و هو يحاول الإقتراب منها بعدما ظن إنها جالسة بجانبه علي الفراش، و لكنها كانت تقف بجانبه وهي تقبض علي ذلك السكين الذي تنوي قتل نفسها به، فلاحظ هو وقتها صمتها، لذا قرر التحدث في ذلك الأمر الذي كان يود تأجيله لوقت أخر، ثم هتف بإبتسامته المريرة التي إحتلت ثغره:
-إنتِ زعلانة يا "ياقوت" عشان إتجوزتي واحد أعمي؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
كانت تضع السكين علي معصمها تنوي تمريره بعنفٍ و لكنها توقفت فجأة عندما إستمعت لسؤاله المفاجأ ذلك، فرأت وقتها الدموع تلتمع بعينيه بصورة واضحة لتزدرد ريقها بصعوبة و هي تجيبه بنبرة مرتجفة:

-لية بتسأل سؤال زي دة!؟

فرك كلا كفيه بتوترٍ قبل أن يرد عليها بتلعثمه المعهود:

-واحدة...زيك شباب كتير يتمنوا بس نظرة منها أكيد..لازم تندم إنها إتجوزت واحد زيي.

تركت السكين علي الطاولة و هي تزفر بألمٍ، فيكفيها إرهاقها و حزنها، فهي لن تحتمل ألم غيرها و هي تعرف ذلك جيدًا، و لكنها شعرت تجاهه بالشفقة الحقيقية خاصة عندما وجدته يحتقر نفسه بتلك الصورة المحرجة، خاصة إنها لم تجد رد مناسب لقوله، أتخبره بالحقيقة و بضيقها من زواجها من رجل مثله لن تستطيع تحمل مسؤوليته أبدًا!؟...أم تكذب عليه لتخبره بسعادتها الزائفة بتلك الزيجة!؟...و لكنها فاشلة بالكذب إن نطقت بحرف كاذب سيعرف هو بالتأكيد، لذا فضلت الصمت و عدم الرد، و بعد عدة دقائق هتف هو بتساؤلٍ:

-"ياقوت" إنتِ مش بتردي لية!؟

زفرت مجددًا و لكن تلك المرة بغضبٍ لترد عليه بقسوة أصابت قلبه بألمٍ غير طبيعي لتنهمر عبراته الحارة أمامها، بينما هي تتابع حديثها اللاذع بلا إهتمام لمشاعره التي لم تحترمها أبدًا:


-أرد أقولك إية!؟...أقولك إني إتجوزتك غصب، أقولك إني هعيش عمري و شبابي كله مع واحد مش هقدر أتحمل مسؤوليته أبدًا و كل دة بسبب حاجة غصب عني، أقولك إية ولا إية!؟

تحدث من بين دموعه بنبرة مبحوحة و هو يطرق رأسه بأسي:

-أ..أنا أسف.

نهض من علي الفراش و هو يحاول الوصول للأريكة و بالفعل و بعد عدة خطوات كاد فيهم أن يتعثر ليقع وصل إليها ليرتمي عليها جالسًا هاتفًا ب:

-أ..أنا هسيبلك السرير تنامي فيه زي ما تحبي و أنا هنام هنا.

ردت عليه ببرودٍ و هي ترتمي علي الفراش لتتمدد عليه:

-يكون أحسن.

إزدرد ريقه بصعوبة و يحاول التوقف عن البكاء، فأكثر ما ألمه هو خدعة والده التي إنطلت عليه، فهو أخبره بإنها سعيدة بتلك الزيجة مثله تمامًا فهو يعشقها منذ الصغر و لكن الحقيقة أصابته بالصدمة بتلك اللحظة، و فجأة توقف الزمن به لعدة لحظات ليمر بباله عدة أسئلة، كيف لفتاة مثلها أن تعشق شخص مثله!؟...كيف لفتاة مثلها أن تعشق شخص كالطفل الصغير يحتاج لرعاية!؟...كيف لفتاة مثلها أن تكن زوجته!؟...و لأول مرة يراوده ذلك الشعور المؤلم، لما يرفضه الجميع!؟...رفضه أصدقاؤه و عائلته، وكل الناس، حتي هي، و لكن رفضها كان أكثرهم ألم!...رفضها كان غير متوقع، كان ينتظر أحضانها التي ستحتويه ليشكو لها باكيًا مِن مَن ظلموه، و جرحوه، و رفضوه، كان ينتظر و لكن إنتظاره كان بلا جدوي، و كأن حياته إنتهت أو توقفت بتلك اللحظة، لتمر عليه حياته كشريط سينمائي، ليتذكر مجددًا كل شئ، أهله الذين ظلوا يخططوا ليتخلصوا منه و بالفعل إستطاعوا من خلال الزواج، أصدقاؤه الذين خذلوه، معشوقته التي حطمت قلبه بلا مبالاة!

تمدد علي الأريكة و حاول تجاهل ذلك الشعور الذي راوده فهو لا يريد أي شئ منها ولا يريد حتي طلب شئ ما منها، و لكن جفاف حلقه حاربه ليهتف وقتها بترددٍ:

-ممكن تجيبيلي أشرب؟

فتحت جفنيها ببطئ و هي تلتفت للناحية اليمني لتراه متمدد علي الأريكة و هو ينتظر منها رد، فنهضت هي من علي الفراش بعدما إلتقطت كوب الماء الزجاجي من علي الكومود لتتجه ناحيته ببطئ مما جعله يظن عدم إكتراثها لطلبه، فإعتدل هو في جلسته بعدما سيطر عليه شعور الندم مما قاله، و لكنه تفاجأ عندما شعر بها بجانبه و هي تقبض علي كفه لتضع به الكوب قائلة بنبرة غير مفهومة:

-إتفضل.

إرتشف من الكوب عدة رشفات ليهمس بعدها بإمتنان:

-شكرًا يا "ياقوت".

أخذت منه الكوب لتضعه علي الطاولة قائلة بعجرفة:

-في أي حاجة تانية عايزها ولا أروح أكمل نوم؟

هز رأسه نافيًا و هو يتمدد علي الأريكة ليحاول تجاهل غطرستها و التعجرف الذي كانت تتحدث به، ثم غاص بسبات عميق بعدما أرهقه التفكير، بينما تتجه للفراش و هي تبكي بصمتٍ و جسدها يرتجف بعنفٍ لتتذكر ما حدث منذ عامين تقريبًا.

(عودة للوقت السابق)

-(صورك معايا في التليفون دة، تعالي علي **** و هاتي الفلوس و إمسحيهم بنفسك و لو عايز تاخدي الموبايل كمان خُديه).

قرأت تلك الرسالة بصوتٍ مسموعٍ لتهتف وقتها شقيقتها "وسيلة" بعدم إطمئنان واضحٍ:

-ما بلاش يا "ياقوت" أنا مش مطمنة للواد دة.

ضغطت علي الهاتف بأصابعها بعنفٍ شديدٍ كاد أن يحطمه صارخة بغضبٍ و هي تجز علي أسنانها بقوة:

-عايزاني أعمل إية يعني؟...مروحش عشان ينزل الصور الزفت المتركبة دي زي ما هو بيهددني!

مررت "وسيلة" كلا كفيها علي خصلاتها بصورة عنيفة قبل أن تهمس بقلة حيلة:

-مش عارفة، بس بردو فكرة إنك تروحي هناك لوحدك دة معناه إنك هتبقي في خطر.

ثم تابعت بتوسلٍ و هي تجلس أمامها علي الفراش:

-طب خدي معاكي بابا حتي.

هزت "ياقوت" رأسها عدة مرات بهستيرية بعدما جحظت عيناها بشدة و هي تصيح برفضٍ قاطعٍ لا يتقبل النقاش:

-لا طبعًا، أنا مش عايزة أعرف حد حاجة و بعدين إنتِ عارفة أبوكي مش هيسكت و مش بعيد يطلعني أنا اللي غلطانة.

قضمت "وسيلة" أظافرها بإرتباكٍ و هي تهتف بنبرة شبه عالية:

-طب ما تاخدي معاكي "زاهر" و أهو غلبان و مش هينطق بحاجة.

زفرت "ياقوت" بعبوسٍ و هي توبخ شقيقتها قائلة بقسوة:

-إنتِ غبية ولا بتفكري إزاي!؟..دة مش بعيد لما أخده معايا يموت من الضحك علي أساس إنه هيحميني منه و كدة!

إمتعضت ملامح وجهها قبل أن تصيح بتجهمٍ:

-طب هتعملي إية!؟

ردت "ياقوت" بنبرتها المتوترة و هي تضع رأسها بين كفيها بحيرة:

-هروحله هعمل إية يعني!؟

___________________________________________

بعد مرور عدة ساعات

-هو فين الزفت دة!؟

قالتها بعنجهية بالرغم من ذلك الموقف الذي وقعت به و بالرغم من ذلك، فهي لم تتخلي عن تكبرها و غطرستها و فجأة إنتفضت برعبٍ عندما إستمعت لنبرة ذلك الرجل و هو يهتف ب:


-لية الغلط بس!؟...دة أنا ممكن أزعلك في أي لحظة.


إزدردت ريقها بتوترٍ و هي تستدير له قائلة بإرتباكٍ:

-إنتَ "إياد"!؟

رد عليها بإبتسامته الخبيثة التي لا تبشر بالخير:

-لا أنا صاحبه "بلال".

عقدت حاجبيها و كادت أن تصرخ بوجهه بنفورٍ و إشمئزازٍ و لكنها لم تستطع عندما أتي ذلك الرجل المجهول من الخلف ليكمم فمها بعنفٍ جعلها غير قادرة علي الحديث أبدًا، و لكنها حاولت الفرار من بين يديه ليصبح بعدها الأمر أكثر صعوبة خاصة عندما حملها ذلك الرجل و معه "بلال" ليأخذاها تجاه المصعد و كل ذلك وسط حركات جسدها العصبية و العشوائية و خلال عدة دقائق من المقاومة التي كانت بلا جدوي وجدت نفسها بداخل تلك الشقة الغريبة التي لا تعرفها، و فجأة تملكها شعور الهلع ليجعلها في حالة إهتياج هستيري لتزداد مقاومتها خاصة عندما أخذاها تجاه تلك الغرفة، و لم تنتبه لتفحصها حتي هي فقط تحاول الهروب من بين يدي هؤلاء الحمقي، و فجأة تركها شخص ما فحاولت هي مقاومة الأخر بمنتهي الضراوة، و لكن توقف بها الزمن عندما شعرت بتلك الإبرة التي إنغرزت في ذراعها ليصيبها دوار عنيف جعلها تترنح في وقتها لتغب عن الوعي بعد عدة دقائق مباشرةً!

___________________________________________

بعد مرور عدة ساعات.


فتحت جفنيها ببطئ شديدٍ لتعقد حاجبيها بذهولٍ و هي تتفحص الغرفة بعينيها سريعًا متسائلة أين هي!؟...حاولت الإعتدال في جلستها من بين تأوهاتها العالية لتتذكر ما حدث صباح اليوم عندما أتت لذلك المكان لتأخذ صورها و لكنه تم خداعها لتكن نهايتها مفزعة هكذا، سحبت الغطاء لتستر جسدها العاري و عبراتها تتساقط علي وجنتيها بلا توقف، و فجأة إنقبض قلبها بألمٍ لتنتحب بحسرة كل ما فقدته علي يد هؤلاء الذئاب، ثم إرتجف جسدها بصورة قوية و هي تصرخ بأعلي صوتها و لكن لم يستمع أي شخص لصوت صرخات تلك المسكينة لإنه و بمنتهي البساطة لم يوجد أي شخص بالمكان بعد ما حدث لها!


نهضت من علي الفراش بعدما تشبثت بالغطاء ليستر جسدها، و سارت بخطواتها البطيئة بسبب ذلك الألم الغير محتمل الذي أصابها، و فجأة وقعت عيناها علي ملابسها التي كانت مرمية علي الأرض بإهمالٍ، فوقعت هي علي الأرض بصورة عنيفة و هي تلتقطهم لترتديهم و هي تجهش بالبكاء المتواصل لتتعالي شهقاتها التي ألمت قلبها المسكين ليزداد إنتحابها و هي تبكي بمرارة علي ما حدث لها.


إرتدت ملابسها بالفعل و هي تنهض بعدما إستندت بكلا كفيها علي مقبض الباب، ثم خرجت من الغرفة و هي تصرخ باكية بتلك النبرة المسموعة، و خرجت من الشقة التي كان بابها مفتوح لتجد أمامها بالشقة المقابلة تلك المرأة التي ترمقها بإشمئزازٍ و إحتقارٍ واضحين فإزداد إنهمار عبراتها و هي تتمني فرصة من تلك المرأة لتوضح لها سبب وجودها هنا و لكنها لم تجد تلك الفرصة خاصة عندما أغلقت الباب بوجهها، و فجأة و بعد عدة دقائق من لحظات الإنهيار التي كانت تمر بها مر علي رأسها ذلك السؤال المخيف، كيف ستكون رد فعل والدها عندما يعلم بما حدث لها!؟
(عودة للوقت الحالي)

أخذت تتذكر صدمة والدها الذي لم يصدق ما حدث، و بكاء والدتها الذي لم يتوقف لعدة ليال، و شقيقتها التي أصابها الندم الشديد بسبب عدم ذهابها معها، بالإضافة إلي ذهابهم الي تلك الشقة التي ذهبت إليها ليجدوها خالية من السكان من الأساس!

أطبقت جفنيها بإرهاقٍ و هي تتشبث بالغطاء الذي سحبته علي جسدها، ثم غاصت بسبات عميق بعدما تهاوت عبراتها علي وجنتيها بلا توقف لتلهبهما!

____________________________________________

باليوم التالي.

دلف للبيت بخطواته السريعة و علي وجهه علامات الغضب الواضحة فوجدها أمامه مباشرةً و هي جالسة علي تلك الأريكة ببرودٍ لتلقي عليه نظرات تتحداه بوضوحٍ، بينما والدته "بيسان" تقف لتراقب الموقف بإرتباكٍ إزداد عندما وجدته يقترب منها بنفس سرعة خطواته ليبقض علي ذراعها بعنفٍ ساحبًا إياها خلفه كالبهيمة، فصاحت وقتها "بيسان" برفضٍ:

-"تميم" كفاية كدة

رد علي والدته بجمودٍ و هو يمر خلفها ساحبًا تلك التي تصرخ بعصبية و إنفعالٍ واضحين:

-متتدخليش يا ماما.

صعد الدرج و هو مازال يسحبها خلفه، بينما هي تحاول سحب ذراعيها من بين قبضته بحركاتها العشوائية لتكمل صراخها بسبابٍ لاذعٍ جعله يستدير لها ليرمقها بنظراته الشيطانية المرعبة التي جعلتها تبتلع بقية كلماتها المقززة لترمقه بقلقٍ و هو يهتف بتحذيرٍ واضحًا و عينيه تجحظ بصورة ملحوظة، و هو يشدد قبضته علي ذراعها:

-كلمة زيادة و هوريكي وش عمره ما هيعجبك.

لاحظت صدره الذي يعلو و يهبط بصورة واضحة بسبب لهاثه الهستيري و أنفاسه المتلاحقة فتوقعت هي سريعًا سبب إهتياجه ذلك، نعم فقد مر ببالها ما قالته شقيقته بالأمس لتخبره بإن صديقه يتحرش بها، بالتأكيد الأمر تسبب في عصبيته الشديدة تلك، إنساقت خلفه و هي تحاول السيطرة علي أعصابها لتعرف ما الذي يريده، و فجأة وجدته يسحبها خلفه تجاه غرفته ذات الباب المكسور ليهتف وقتها بنبرة قاسية و بصوتٍ أجش قبل أن يخرج من الغرفة:

-قدامك ربع ساعة تغيري هدومك و تجهزي عشان واخدك مكان هيعجبك أوي.

كادت أن ترفض بتمردها و عنادها المعتادين و لكنها توقفت بسبب فضولها الذي حثها علي فعل ما يريده لمعرفة ذلك المكان الذي يريد أخذها إليه، و بالفعل إرتدت ملابس أخري غير تلك التي كانت ترتديها، نعم فهي إرتدت ذلك القميص الوردي علي ذلك البنطال الأبيض، بالإضافة إلي ذلك الحذاء الأبيض، ثم خرجت من الغرفة لتجده ينتظرها بمكان قريب منها، فصاحت هي وقتها بفضولها الذي كاد أن يقتلها:

-أنا جهزت، فهمني بقي موديني علي فين.

إقترب منها بوجومه الذي لا يبشر بالخير ليقبض علي ذراعها مجددًا فنفضته هي بعنفٍ صارخة بشراسة لم تستطع السيطرة عليها:

-إنتَ فاكرني إية عشان تفضل تجر فيا وراك بالطريقة دي!؟

جز علي أسنانه بقوة قبل أن يرد عليها من بين أسنانه المطبقة بغلٍ واضحٍ:

-إنتِ واحدة حقيرة حرامية قتلت إبن خالتي عشان شوية فلوس، دة اللي أعرفه عنك.

إنهارت أعصابها، لم تعد تتحمل، لديها طاقة و مع الأسف إنتهت، لذا و بصورة مفاجأة صرخت بصدقٍ رأه هو بعينيها و مع ذلك ظنه خدعة جديدة تريدها أن تنطلي عليه:

-مسرقتوش صدقني مسرقتوش.

نظر في عينيها مباشرةً قبل أن يهتف بحدة، بينما هي تتابعه بإنفعالها الجحيمي:

-تنكري إنك قتلتيه.

هزت رأسها نافية و هي ترد بلا وعي و بلا تفكير، و كأنها تظنه سيصدق كل كلمة تقولها من فرط ثقته بها:

-قتلته بس مش عشان أسرقه.

أحاط وجهها بكلا كفيه ليصرخ بنبرة هزت أرجاء المكان و عينيه تجحظ بصورة مرعبة، بينما هي تتابعه و الدموع ملتمعه بعينيها:

-أمال قتلتــيه لية؟

ردت عليه بتهكمٍ و هي ترمقه بإستهزاء:

-دة علي أساس إنك هتصدقني!؟

رد عليها بجمودٍ بعدما إبتعد عنها ليرمقها بإحتقارٍ:

-أكيد لا عشان إنتِ طول عمرك كدابة.

هبط الدرج بعدها مباشرةً صائحًا بصرامته التي لا تتقبل النقاش:

-إنزلي حالًا عشان عندنا مشوار مهم.

___________________________________________

-"برق"!


قالتها "سماح" بصدمة مفرطة بعدما فتحت باب بيتها الذي تعالت عليه الطرقات لتجد أمامها مباشرةً "برق" الذي كان علي وجهه تعابير جامدة باردة، و ربما غير مفهومة، بينما هي تلتفت للخلف حيث داخل البيت بإرتباكٍ ملحوظٍ خشية من معرفته بوجود صديقتها "رحيق" بالمكان، فقاطع هو شرودها ذلك بهتافه ب:

-أنا عارف إنها هنا، خالها أساسًا مسافر برا مصر.

ثم أكمل بنبرة تهديدية خفية لاحظتها هي من فرط متابعتها لكل ما يقوله و لكل تعابير وجهه:

-و عارف إنك صاحبة "رحيق" جدًا لدرجة إنك تعرفي عنها كل حاجة، أنا عارف إنك هتستغربي من اللي هقوله بس دي هي الحقيقة، يعني أهلك لو عرفوا إنك مصاحبة واحدة زي دي تفتكري هيعملوا إية؟

إزدردت ريقها براحة بعدما تذكرت إن صديقتها نائمة بغرفتها، فتنهدت بهدوء قبل أن تتسائل بإهتمامٍ و بنبرة خافتة:

-عايزني أعمل إية؟

إرتسم علي ثغره إبتسامة واثقة قبل أن يرد عليها بجدية و هو ينظر في عينيها مباشرةً ليحاول معرفة ما يدور في عقلها:

-هقولك.

__________________________________________

-تحبي نخرج؟

قالها "زاهر" بتساؤلٍ و علي وجهه تلك الإبتسامة اللطيفة التي يحاول بها نسيان كل شئ يؤلمه، فردت هي عليه ببرودها المزعج الذي جعله يشعر بذلك الإحراج ليندم عما قاله:

-لا.

أومأ لها عدة مرات و بعد صمت دام لعدة دقائق هتف هو بحماسه العجيب الذي يشبه حماس الأطفال البريئة:

-أكلك كان حلو أوي.

نظرت لصينية الأفطار التي أكل منها القليل لترد عليه بسخرية جعلته يندم مجددًا عما قاله:

-أكل إية دة هو بيض و جبنة إية الغريب يعني مش فاهمة؟

فرك كلا كفيه بتوترٍ و هو يطرق رأسه للأسفلٍ بصمتٍ، بينما هي ترمقه بتأففٍ، ثم صاحت بترددٍ بعدما رأت تعابير وجهه التي جعلتها تشعر بالشفقة مجددًا:

-متزعلش مني يا "زاهر" أنا عارفة ساعات ببقي سخيفة أوي.

إرتسم علي ثغره إبتسامة خفيفة و فضل الصمت مجددًا، فرمقته هي بحنقٍ عندما ظنته حزين مما حدث منذ قليل، لذا همست هي بترددٍ مجددًا:

-طب تحب نخرج سوا زي ما قولت؟

إتسعت إبتسامته قبل أن يومئ لها عدة مرات و هو يهتف بفرحٍ:

-ماشي.

____________________________________________

طوال الطريق و هي شاردة غافلة عن كل شئ، شاردة فيما حدث منذ قليل، هي كادت أن تخبره بكل شئ و بالحقيقة بعدما فقدت القدرة علي الصبر و التحمل، و لكنه فاجأها برد فعله الغير متوقع، هو كان يحب إبن خالته بشدة حتي إنه لا يريد إستماع دفاعها عن نفسها، ولا يريد حتي الإقتناع بإي حقيقة أخري سوي حقيقته الزائفة، هو لا يريد تصديق سوي إنها قتلت "إياد" لتسرقه!...و فجأة إحتقرت عقله الغبي، فتاة مثلها لا تحتاج للمال بسبب وجودها بأسرة حالتها المادية جيدة لما تسرق!؟....أهل يظنها مريضة أم ماذا!؟..ماذا عن عقلها الذي يكاد ينفجر من فرط التفكير!؟.. تريد إيقاف كل شئ و لو لليلة واحدة لعلها تجد أية حلول لمشكلتها.

و فجأة توقفت عن الشرود عندما وجدت نفسها أمامها ذلك البيت الذي قتلت فيه "إياد" فصرخت هي وقتها بإهتياجٍ بعدما إعتدلت في جلستها بغضبٍ:

-جبتنا هنا لية؟

رد عليها بنبرته المستهزئة و هي يلقي عليها نظرات سريعة:

-طب في الأول كنتي بتخافي من الضلمة، دلوقت إية مخوفك!؟

جزت علي أسنانها بقوة قبل أن تلوم نفسها قائلة:

-أنا اللي عملت في نفسي كدة.

وجدته يخرج من السيارة فزفرت هي بإرهاقٍ واضحٍ علي تعابير وجهها، و فجأة وجدته يفتح بابها ليقبض علي ذراعها ساحبًا إياها للخارج، بينما هي تهتف بنبرة هادئة عكس تلك الحالة المهتاجة التي تسيطر عليها، و لكنها إصطنعت الهدوء حتي لا تقع معه في مشاجرة أخري:

-لو سمحت ياريت نمشي من هنا.

سحبها خلفه بصورة سريعة لداخل البيت فنفضت هي ذراعها بعنفٍ لتبتعد عنه موضحة مدي نفورها من فعلته تلك التي يكررها كثيرًا، ثم صرخت بإنفعالٍ و هي تحاول أن لا تنهار بسبب تذكرها لكل شئ مرت به بذلك البيت:

-بطل سكوتك المقرف دة و رد عليا، فهمني حتي جايبني هنا لية؟

تفحص البيت بنظراته المتمعنة قبل أن يجيبها بهدوء ما يسبق العاصفة:

-جايبك هنا عشان أخد حقه.

عقدت حاجبيها لتتفحص ملامحه بعدم فهم واضحٍ، قبل أن تصيح بذهولٍ شديدٍ:

-يعني إية هتاخد حقه!؟

وجدته يقترب منها فتراجعت هي بخطواتها للخلف و الوجل و التوجس يسيطران عليها، و فجأة إصطدمت بالحائط خلفها ليزداد إقترابه هو منه، ثم باغتها بكفه الذي إلتف حول عنقها بصورة عنيفة سببت لها الإختناق، ليصرخ بعدها بغلٍ و الكراهية تشع من عينيه:

-هقتلك زي ما قتلتيه يا "سيليا".
وضعت كفها علي قبضته الملتفة حول عنقها بعنفٍ، ثم حاولت سحبها بشراسة و هي تغرز أظافرها بكفه، بينما هو يتسائل بلا وعي و هو يشدد قبضته علي عنقها غير مكترث لما تفعله، بينما وجهها يزداد شحوبه:

-قتلتيه لية!؟

سعلت عدة مرات و هي عاجزة عن الرد عليه، ثم حاولت تحريك ساقها لتضرب معدته بصورة عنيفة و لكنها لم تستطع و كأن هناك شلل ما أصابها، فظلت هي تتابعه بعينيها التي كانت تميل للحمرة الواضحة، فتركها هو فجأة لتسقط هي علي الأرض بعدها مباشرةً و عينيها جاحظة بصورة واضحة من فرط الصدمة، كان سيقتلها بالفعل!

إزدردت ريقها بصعوبة و هي تمرر كفها علي عنقها ببطئ، ثم رفعت رأسها لتجده يرمقها بكراهية و نفورٍ واضحين، فهتفت هي وقتها بلا وعي:

-هو اللي حاول يعتدي عليا و..

توقفت عن الحديث عندما وجدت عينيه مظلمة بتلك الصورة المرعبة التي تصيب المرء بالقشعريرة المفرطة، بينما هو يباغتها بكفه الذي قبض علي مقدمة قميصها ليسحبها للأعلي، فنهضت هي تلقائيًا هي تضع كلا كفيها علي صدره لتحاول إبعاده عنها، ثم نظرت في عينيه مباشرةً لتجد بها صدمة لم تراها من قبل، و فجأة وجدته يهمس بصعوبة ملحوظة:

-قولتي إية!؟ 

لعقت شفتيها قبل أن تجيبه بنبرة مرتجفة، لتداهمها وقتها تلك الذكريات الكريهة لتتذكر ما حدث لها بذلك المكان:

-إنتَ قولت إنك مش هتصدق ولا كلمة أقولها. 

تفحصها بكلا عينيه قبل أن يصرخ بإهتياجٍ رافضًا إستيعاب ما قالته من الأساس:

-إنتِ إزاي تتهمي "إياد" بحاجة زي كدة!؟ 

إستطاعت السيطرة علي عبراتها الخائنة لتصرخ بعدها بإنفعالٍ و هي تنفض كفه من علي قميصها:

-إنتَ اللي إزاي كنت مخدوع في إبن خالتك!؟ 

تراجع بخطواته و هو يستدير للخلف ليتذكر طباع إبن خالته التي كانت شبه غير جيدة، فهو كان يعشق النساء بالفعل بالإضافة إلي كونه رجل لعوب، و لكنه كان يظن إن تلك الطباع لن تحثه أبدًا علي إيذاء غيره، ربما كاذبة!...و لكن هناك صدق شديد في عينيها!...كيف تكذب بمهارة هكذا!؟..كيف تصطنع الأسئ و اليأس بتلك البراعة!؟..الحيرة كادت أن تقتله، و لأول مرة يشك ب "إياد"، بأقرب صديق إليه، و عندما مرت تلك الفكرة برأسه شعر بالغضب و الإشمئزاز الشديد ناحيتها، لذا إستدار للخلف مجددًا و هو ينوي قتلها تلك المرة و لكنه توقف عندما وجدها جالسة علي الأرض و هي تضع وجهها بين كلا كفيها، و جسدها يرتجف بعنفٍ، إقترب بخطواته البطيئة و توقف فجأة عندما إستمع لصوت إنتحابها، فهمس هو وقتها بترددٍ:

-"سيليا". 

إستمع لهمهماتها الغير مفهومة، فإقترب منها أكثر و هو يجثو علي ركبتيه ليستمع لصوتها الهامس بوضوحٍ:

-مكانش قصدي أقتله هو اللي كان عايز يعتدي عليا، هو السبب....مكانش قصدي أقتله. 

تفحص حالة الإنهيار التي كانت فيها بنظراته المتمعنة فهتف بنفسه وقتها بصدمة:

-مستحيل دة يكون تمثيل! 

وضع كلا كفيه علي رأسه ليضغط عليها بقوة، فشعر تلك اللحظة بالتشتت الشديد الذي جعله عاجز و غير قادر علي فعل أي شئ، ظل هكذا يلقي عليها نظراته المصدومة، و بعد عدة لحظات نهض ليتحرك بخطواته السريعة ليخرج من المكان فأوقفته هي صارخة برفضٍ:

-متسيبنيش هنا. 

صوب نظراته ناحيتها ليجدها ترمقه برجاء من وسط عبراتها التي غمرت وجنتيها، و لأول مرة يراها بذلك الضعف، هو إعتادها قوية، شرسة، لا تهاب أي شئ، و لم يكن يظن أن وجودها بذلك المكان سيجعلها في حالة إنهيار غير متوقعة هكذا، إقترب منها بخطواته البطيئة لينحني بجذعه للأمام و هو يقبض علي كلا ذراعيها ليجعلها تنهض فتعلقت عيناه بعينيها التي إلتمعت بهما الدموع، و بتلك اللحظة شعر برغبتها في الهروب من عينيه، بالتأكيد فتاة مثلها لا تريد أن يراها شخص ما في ذلك الضعف المزري! 

تركها بعدما إحترم مشاعرها تلك، و بتلك اللحظة عادت إليه بعض من صفاته القديمة، بينما هي تخرج من المكان بخطواتها الراكضة لتصعد لسيارته و هي تتعمد إخفاء ملامح وجهها، بينما هو يخرج من المكان و علي وجهه علامات الحيرة الواضحة! 

____________________________________________

-سمعتك بتتكلمي مع حد، هو في حاجة؟ 

قالتها "رحيق" و هي تهبط الدرج بخطواتها المتكاسلة، فردت وقتها "سماح" بجمودٍ أصابها بالدهشة:

-في مشكلة لازم أقولك عليها يا "رحيق". 

إرتشفت "رحيق" من كوب الشاي الدافئ عدة رشفات قبل أن تهمس بنبرة شبه مرتجفة:

-مشكلة إية!؟

ردت "سماح" بأسي مصطنعٍ، بينما "رحيق" تتابعها بتمعن و هي تشعر بكذبها و بوجود شئ ما خفي:

-بابا جاي من السفر بكرة و هيقعد معايا هنا في البيت، و بصراحة كدة مش هينفع تقعدي معايا بابا لو عرف يعني.. 

قاطعتها "رحيق" بصرامة لا تتقبل النقاش و هو تعود بخطواتها للخلف لتصعد الدرج:

-خلاص فهمت، هلم هدومي و أمشي إنهاردة. 

تابعتها "سماح" و هي تتواري عن أنظارها لتزفر بعدها براحة شديدة، ثم إلتقطت هاتفها لتضغط عليه عدة ضغطات قبل أن تضعه بأذنها قائلة:

-كلوا تمام، هي هتمشي إنهاردة.

____________________________________________

-شكلي حلو؟ 

قالها و هو يحاول البحث عنها بكلا ذراعيه الممدودين فتلمست هي أحد كفيه و هي ترد عليه بنبرتها الرقيقة:

-أيوة. 

مرر كفه الأخر علي قميصه و هو يحاول أن يخفي توتره عندما لمست هي كفه لتقبض عليه بيدها الصغيرة، ثم همس بتلعثمٍ:

-د...دة القميص الأسود صح؟..إنتِ إختارتي الأسود؟ 

أومأت له قائلة بتعجبٍ:

-أيوة الأسود. 

هز رأسه عدة مرات بوجومٍ، فسألته هي بعفوية:

-مش بتحب الأسود!؟ 

أومأ لها عدة مرات فسألته هي تلقائيًا:

-طب هو عندك لية!؟ 

فرك كلا كفيه بعدما ترك يدها بإرتباكٍ كعادته قبل أن يرد عليها بتوترٍ:

-بابا هو اللي إشتراه. 

تنهدت بعمقٍ قبل أن تهتف بهدوء و هي تتجه للخزانة:

-بسيطة هجيبلك لون تاني.

فتحت الخزانة لتلتقط قميص أخر لونه أبيض، ثم إتجهت ناحيته قائلة بترددٍ و هي تعطيه القميص:

-تحب أساعدك تلبسه؟

أجابها بإنفعالٍ أصابها بالذهول لتتابعه بنظراتها المشدوهة:

-لا أنا هلبسه لوحدي زي ما عملت قبل كدة. 

رفعت حاجبيها بصدمة و هي تنسحب بصورة هادئة لتخرج بعدها من الغرفة و هي تغلق الباب خلفها، بينما هو يخلع قميصه ببطئ، ثم أخذ يرتدي الأخر و هو يزفر براحة، ثم وضع كفه علي تلك الندبة الموجودة بوضوحٍ علي بطنه لتداهمه تلك الذكريات الكريهة. 

(عودة للوقت السابق) 

-بــابا متسيبنيش، يا بابا. 

صرخ بها الطفل "زاهر" بنبرة ألمت حنجرته و هو يحاول التشبث بوالده الذي خرج من البيت الذي يحترق راكضًا، بينما هو يشعر بتلك الحرارة المرعبة التي تزداد، هو حتي لا يستطيع تحسس الحائط خشية من أصابته بأي حروق، و لكن و من سوء الحظ تعثرت قدمه ليقع علي وجهه صارخًا بألمٍ لم يعرف من أين أتي، ثم فقد الوعي بعدها مباشرةً! 

____________________________________________

-لا طبعًا، "سامر" إحنا مش هقول حد إن إبننا إتصاب ولا حتي إتحرق، إية عايزة الناس تعرف إن سعادتك سيبت إبنك و جريت زي الجبان!؟

فتح الصغير جفنيه ببطئ ليستمع لما قالته والدته بوضوحٍ، و فجأة شعر بتلك الوخزات المؤلمة ببطنه فأخفض كفه ليتحسس بطنه فوجد ذلك الشئ الغريب موضوع عليها، فعقد حاجبيه بألمٍ شديدٍ لم ينتبه له أحد والديه، و بتلك اللحظة إستمع لرد والده الغاضب:

-بقولك إية متوجعيش دماغي، ما هو زي الفل أهو. 

ردت عليه "روفيدا" بإهتياجٍ جعل الصغير ينكمش علي نفسه بخوفٍ:

-نفذ اللي بقولك عليه، أنا مش عايزة حد يعرف بإصابة الولد و خصوصًا أهلك اللي هيخلوني أنا اللي غلطانة، كل اللي عايزاك تقوله هو إن البيت إتحرق و إنتَ الولد كنتوا برا، و كمان متقولش دلوقت إستني يعدي أسبوع كدة لغاية ما الولد يخف شوية. 

(عودة للوقت الحالي)

شعر بالباب ينفتح فأغلق أزرار قميصه سريعًا قبل أن تري ندبته تلك، بينما هي تخفض نظرها سريعًا ما إن رأته مازال يرتدي قميصه، ثم تنحنحت هاتفة:

-يلا بينا. 

تنهد بعمقٍ قبل أن يومئ لها عدة مرات، بينما هي تقترب منه لتقبض علي كفه برقة ليخرجا من البيت سويًا. 

____________________________________________

-إنتِ فين؟ 

قالها "بلال" بتساؤلٍ بعدما إستطاع و أخيرًا مهاتفتها، فردت هي وقتها بتلهفٍ:

-إنتَ اللي فين؟ 

رد عليها بعجرفة و هو يزفر بضيقٍ:

-"رحيق" مش وقته تردي علي سؤالي بسؤال، إنطقي و قولي إنتِ فين؟

ردت عليه بنبرة خافتة أثارت دهشته:

-أنا في إسكندرية. 

عقد حاجبيه متسائلًا بتلقائية:

-عند خالك؟ 

ردت عليه نافية علي عجالة:

-لا، تعالي إنتَ بس و كلمني أول ما توصل و هقولك هنتقابل فين عشان في مصايب كتير حصلت. 

زفر بإمتعاضٍ قبل أن يرد عليها صائحًا:

-خلاص أنا هجيلك دلوقت..سلام.

____________________________________________

-"سيليا" أ..أنا. 

قالها "تميم" بتلعثمٍ و هو يرمقها بتفحصٍ، فردت هي عليه بصرامة رافضة الحديث معه من الأساس، لتخرج بعدها من السيارة مباشرةً:

-لو سمحت أنا مش عايزة أسمع كلمة منك. 

تابعها و هي تخرج من السيارة بنفس حيرته و فجأة قاطع شروده صوت رنين هاتفه الذي تعالي بصورة مزعجة، فأخذه من جيبه ليري هوية المتصل، فوجده خاله يريد التواصل معه من خلال إحدي التطبيقات (ماسنجر)، فرد هو وقتها سريعًا هاتفًا بمجاملة:

-واحشني يا خالو. 

وبخه خاله بمزاحٍ قائلًا:

-واحشك، هو أنا لو كنت واحشك كنت متكلمنيش كل دة!؟ 

تنهد بعمقٍ قبل أن يهتف بأسفٍ:

-معلش بقي يا خالو إنتِ عارف كنت مشغول الفترة الأخيرة دي. 

رد عليه بصوته الأجش و هو يقهقه عدة مرات:

-ماشي يا عم، مبروك. 

تنهد مجددًا قبل أن يهتف بهدوء:

-الله يبارك فيك. 

ثم تابع بتلقائية و هي يخرج من سيارته:

-قولي "رحيق" عاملة إية عندك؟

طال الصمت لعدة ثوان قبل أن يرد خاله بدهشة ظهرت في نبرته بصورة ملحوظة:

-"رحيق"!...عندي فين!؟ 

رد "تميم" بلا تفكير و هو يعقد حاجبيه بشكٍ:

-عندك في إسكندرية!

رد وقتها خاله بنبرته المشدوهة لتصيبه تلك الصدمة:

-أنا مش في إسكندرية أساسًا، و معرفش حاجة عن "رحيق"! 
أجهشت بالبكاء المرير و هي ترتمي علي الفراش لتخبئ وجهها بكلا كفيها، لتحارب وقتها تلك الذكريات الكريهة التي داهمتها بلا رحمة، لتتذكر وقتها ذلك الأحمق، و ذلك البيت، و ذلك اليوم، بينما "بيسان" تدلف للغرفة بخطواتها المتوترة و هي تتسائل قائلة بنبرة لطيفة:

-"سيليا" إنتِ كويسة؟ 

جزت علي أسنانها و هي تكتم صوت بكائها ليخرج منها وقتها ذلك الأنين الخافت، و هي تتمني أن يكن لديها قدرة علي البوح بكل ما ينغص عليها حياتها، بكل ما يؤلم قلبها، بكل ما يحرق روحها المسكينة، بينما "بيسان" تلاحظ تلك الحالة الغريبة التي كانت فيها لتقترب وقتها منها بخطواتٍ مترددة، لتجلس بجانبها علي الفراش، ثم مدت كفها بإرتباكٍ لتسحب كلا كفيها من علي وجهها، فوجدت تلك العبرات تغمر كلا وجنتيها، لذا صرخت هي وقتها بصدمة، فهي و لأول مرة تراها بتلك الحالة المزرية:

-"سيليا" حصلك إية!؟ 

صرخت باكية بألمٍ و هي ترتمي بين أحضانها، لتنتحب بحرقة و هي تتشبث بملابسها، بينما "بيسان" تربت علي كتفها بعدما جحظت عيناها بعدم تصديق، أتلك هي الفتاة القوية التي تزوجها إبنها!؟...ما الذي حدث ليجعلها في حالة إنهيار تصيب المرء بالدهشة هكذا!؟...لاحظت إرتجاف جسدها العنيف فإحتضنتها بحنان هامسة ب:

-كل حاجة هتبقي تمام، إهدي، كفاية عياط و ب..

و فجأة قاطعها "تميم" الذي دلف للغرفة بخطواته الراكضة كالثور الهائج، فسألته هي غاضبة بملامح عابسة، بينما "سيليا" تتشبث بها و هي غافلة عن كل شئ:

-عملت فيها إية!؟ 

كادت أن تتابع صارخة بإهتياجٍ و لكنها توقفت عندما وجدته يخرج من إحدي الأدراج سلاح ناري ليضعه بجيبه، فهبت هي واقفة تاركة "سيليا" التي جففت عبراتها سريعًا لتتابع وقتها ما يحدث، بينما "بيسان" تصرخ برعبٍ:

-واخد المسدس دة و هتعمل بيه إية!؟ 

كاد أن يتركها غير مكترث لها و لكنها أوقفته عندما قبضت علي ذراعه لتجعله يقف قبالتها، و هي تتابع صارخة بتساؤلٍ:

-رُد عليا السلاح دة واخده لية؟ 

أجابها بنبرة مهتاجة و الشر يتطاير من عينيه، بينما "بيسان" المصدومة تتابعه بعدم تصديق، أما "سيليا" فهي مازالت تتابع ما يحدث لتفهم وقتها ما يقصده زوجها:

-بنتك مسافرتش لخالها، خالها مش في إسكندرية أساسًا. 

عقدت حاجبيها لتحاول تجاهل ما يرمي إليه بحديثه قائلة:

-أمال سافرت لمين!؟ 

تحرك وقتها ليسير بخطواته السريعة صائحًا ب:

-دة اللي أنا هعرفه، بس لو طلع اللي في دماغي صح مش هرحمها يا ماما. 

تسمرت بمكانها و هي تراه يخرج من البيت، و فجأة شعرت بدوار عنيف فترنحت في وقفتها و هي تستند علي باب الغرفة، بينما "سيليا" تنهض من علي الفراش سريعًا لتتجه ناحيتها صائحة بوجلٍ:

-إنتِ كويسة!؟ 

إزدردت "بيسان" ريقها بصعوبة بالغة قبل أن تهمس بهلعٍ و قد إمتقع وجهها:

-هاتيلي تليفوني بسرعة من أوضتي.

عقدت "سيليا" حاجبيها ببعض من التعجب قبل أن تتركها و هي تؤمئ لها برأسها عدة مرات، بينما "بيسان" تتمتم بإصرارٍ و الدموع تلتمع بعينيها:

-حتي لو كان اللي بيقوله صح، لازم أنقذ بنتي. 

_________________________________________

-هروح فين بس الكام ساعة دول!؟ 

قالتها "رحيق" و هي تزفر بحنقٍ، ثم سحبت خلفها حقيبتها الكبيرة و هي تتنهد بعمقٍ هامسة ب:

-كنت ناقصة الزفت اللي إسمه "برق" دة!؟

و فجأة وجدت سيارة تمر بجانبها فألقت عليها نظرة سريعة قبل أن تكمل سيرها، و لكن لفت نظرها ذلك الرجل الذي أخرج رأسه من النافذة قائلًا بجدية:

-مش إنتِ "رحيق" أخت "تميم"!؟ 

عقدت حاجبيها بذهولٍ قبل أن تتوقف لتتوقف السيارة معها، إقتربت منه هامسة بإستفسارٍ و هي تشعر بعدم الإطمئنان و لكن فضولها الأحمق منعها من إكمال سيرها لتعرف هوية ذلك الشخص الذي يعرفها:

-أيوة خير؟ 

كاد أن يرد عليها، بينما هي تتابعه بإهتمامٍ واضحٍ، و فجأة وجدت رجل ما يكمم فمها من الخلف ليسحبها تجاه السيارة بصورة سريعة أصابتها بالفزع الشديد، فظلت تحاول المقاومة و لكنها لم تستطع خاصة عندما أخذها بالفعل لداخل السيارة لتشعر وقتها برجلٍ أخر يلف تلك القماشة علي عينيها لتصبح الرؤية لديها معدومة! 

___________________________________________

-مبتردش دي لية!؟

قالها "بلال" بعصبية و هو يغلق هاتفه ليضعه بجيبه، ثم دلف لغرفته بذلك الفندق و هو يتمتم غاضبًا:

-المفروض بقي أعمل إية بعد ما الهانم مردتش عليا!؟ 

مرر كلا كفيه علي وجهه بعنفٍ قبل أن يرتمي علي تلك الأريكة متسائلًا بحيرة:

-ياتري "تميم" عرف بالحقيقة!؟ 

____________________________________________

-يابني ريحني و رُد عليا بقي!؟ 

قالتها "سندس" و هي تسير خلف إبنها لتتابع بعدها و هي عابسة الوجه:

-لا ماهو إنتَ لازم تفهمني كل حاجة و إلا مش هسيبك.

حاول "يحيي" الهروب بعينيه من كلا عينيها التي تراقبه بلا توقف، ثم رد عليها بجمودٍ:

-كل حاجة بس إية يا ماما، محسساني إن في مصيبة، مفيش أي حاجة صدقيني. 

و بتلك اللحظة أصبحت نبرتها حادة لتصرخ وقتها بنزقٍ:

-إنتِ هتخبي علي أمك ولا إية!؟...ما تنطق يالا.

زفر بنفاذ صبر قبل أن يصيح بإهتياجٍ و هو ينظر في عينيها مباشرةً:

-أقولك إية!؟...أقولك بنتك قتلت واحد عشان تسرقه و إبن خالته جه عشان ينتقم منها و هو عيلته و إتجوزها عشان كدة، أقولك إية ولا إية!؟ 

جحظت عيناها بصدمة و هي تتراجع بخطواتها للخلف لتهز رأسها رافضة تلك الفكرة من الأساس، ثم تسائلت صارخة و هي تلطم علي كلا وجنتيها:

-اللي بتقوله دة صح!؟

إزدرد ريقه بصعوبة قبل أن يومئ لها و هو يطرق رأسه ليصيبه شعور الندم عما قاله، بينما هي تتلاحق أنفاسها قبل أن تصرخ بنبرة مهتاجة:

-لا..لا، بنتي متعملش حاجة زي دي، إنتَ أكيد كداب. 

رفع رأسه قليلًا ليتابع وجهها الشاحب بتوترٍ ملحوظٍ ليهتف بعدها مباشرةً بتوجسٍ:

-ماما.. 

قاطعته صارخة بتلعثمٍ و هي تقع علي الأريكة جالسة بعدما لم تتحمل قدماها حملها:

-ب...بنتي...بنتي في...في خطر أكيد هُما عايزين يأذوها. 

إلتمعت الدموع بعينيها قبل أن تهمس بأسي:

-"سيليا". 

فقدت الوعي بعدها مباشرةً، فصرخ وقتها "يحيي" بذعرٍ و هو يركض ناحيتها:

-مـامـا.

____________________________________________

-رُدي علي مامتك. 

قالها بقتامة بعدما حل وثاقها، فرمقته هي بإحتقارٍ صارخة بإشمئزازٍ واضحٍ بنبرتها التي ظهر فيها النفور:

-"تميم" مش هيرحمك يا "برق"، لو عرف اللي عملته دة مش هيسيبك. 

أغلق هاتفها ثم رماه بإهمالٍ علي الأرضية، ثم إقترب ليجلس أمامها علي ذلك الكرسي الخشبي قائلًا بثقة أصابتها بالصدمة:

-"تميم" لو عرف إني خطفتك هيشكرني. 

تفحصته بعينيها جيدًا قبل أن تصيح بذهولٍ:

-يعني إية!؟ 

رد عليها و إبتسامته تتسع أكثر، بينما هي تفغر فمها بعدم تصديق، لتحاول إستيعاب إن كل ما خططت له خلال تلك الفترة كان بلا جدوي:

-بما إني عارف إن خالك مسافر الفترة دي و مش في إسكندرية، و بما إني عارف إنك سافرتي إسكندرية و مفهمة أخوكي إنك رايحة لخالك، قولت بقي أكلم خالك أقوله إن "تميم" زعلان عشان مكلمتوش و مجيتش فرحه و كدة، و اكيد طبعًا خالك كلمه و فهمه إنه مسافر برا. 

إتسعت حدقتاها و هي تهز رأسها رافضة بهستيرية، هامسة ب:

-أكيد لا، أكيد إنتَ بتكدب، أكيد معملتش كدة. 

إزدرد ريقه و هو يحاول تجاهل حالتها التي علي وشك الإنهيار تلك، ثم صاح بثباتٍ و هو يرمقها بكراهية زائفة:

-لا هي دي الحقيقة، و ضيفي علي كدة حكيتله كل حاجة و كل اللي بينك و بين "بلال"...هو صحيح مصدقش بس أكيد لما عرف كدبك إبتدي يشك فيكي.

نهض ليوليها ظهره بعدما شعر بضعفه الأحمق يظهر علي تعابير وجهه ما إن رأي عبراتها المصدومة تنهمر علي وجنتيها بلا توقف، ثم تابع بهدوء مصطنعٍ و لكنه مستفز:

-و أنا كمان اللي خليت صاحبتك تمشيكي من بيتها، قوليلي بقي تحبي أكلم أخوكي ولا تنفذي اللي هقولك عليه بالحرف؟

لاحظ صمتها الذي طال فإستدار لها ليجدها تهمس بصعوبة واضحة:

-"تميم"...ل..لو عرف..هيقتلني.

إرتسم علي ثغره إبتسامة جانبية متهكمة، قبل أن يجيبها بنبرة مستهزئة:

-عنده حق، بصراحة أنا لو مكانه كنت دفنتك مكانك مش بس قتلتك. 

إرتجف جسدها و هو تتوقع رد فعل شقيقها و حالته الحالية، ثم إنكمشت علي نفسها برعبٍ و هي تدفن وجهها بكلا كفيها، لتهز رأسها بهستيرية رافضة كل ما يحدث، لتتمني أن يكون ذلك ما هو إلا مجرد كابوس ستستفيق منه بأي لحظة، و فجأة أفزعتها نبرته الباردة و هو يهتف ب:

-واضح من سكوتك إنك عايزاني أكلم أخوكي فعلًا، مفيش أي مشكلة. 

وجدته يتجه ناحية هاتفه ليلتقطه، فوجدته يضغط عليه عدة ضغطات، لذا هبت واقفة و هي تتجه ناحيته راكضة، و فجأة تعثرت قدمها لتقع أمامه و هي تلتقط كفه لتقبله عدة مرات صارخة بتوسلٍ من وسط عبراتها التي غمرت كلا وجنتيها:

-أبوس إيدك أخويا هيقتلني. 

سحب كفه من بين كلا يديها قبل أن يهتف بثباتٍ، و هو ينظر في عينيها مباشرةً:

-يبقي تنفذي اللي هقولك عليه بدون نقاش.
صباح يوم جديد. 

-مش عايزة أكل حاجة. 

قالتها "رحيق" بعدما وجدته يضع صينية الأفطار أمامها علي الفراش، ثم تابعت و هي ترفع عينيها المتورمتين من فرط البكاء، لتنظر في عينيه مباشرةً قبل أن تهمس بنبرة ضعيفة:

-هكلمه إمتي؟ 

جلس أمامها علي الفراش قبل أن يهتف بجدية و علي وجهه علامات الجمود الواضحة:

-إحنا مش إتففنا أي حاجة أطلبها تنفذيها بدون نقاش و إلا هقول أخوكي كل حاجة. 

لوت شفتيها بإشمئزازٍ و نظرات الكراهية تشع من عينيها بوميضٍ ملحوظٍ، ثم مدت كفها ناحية الصينية لتلتقط منها عدة لقيمات قبل أن تأكلها بصورة سريعة، لتبعد عنها الصينية و هي تبتلع الطعام بصعوبة واضحة، ثم هتفت بنبرتها المبحوحة قائلة:

-هكلمه إمتي؟

أخرج هاتفها من جيبه قبل أن يهتف ببرودٍ و هو يضغط عليه عدة ضغطات، ليتفحص تعابير وجهها الشاحبة بإهتمامٍ:

-دلوقت، والدتك إتصلت بيكي كتير أوي، أكيد عايزة تحذرك من أخوكي. 

جحظت عيناها بصدمة قبل أن تهتف بإستهجان:

-هي ماما ممكن تكون عرفت! 

هز كلا كتفيه قبل أن يجيبها بصوته الأجش، لتلتمع تلك الدموع بعينيها مرة أخري:

-ممكن لية لا!؟

ثم تابع بهدوء و هو يضغط علي الهاتف عدة ضغطات، قبل أن يضعه علي أذنها قائلًا:

-خُدي كلميه، و زي ما إتففنا. 

قبضت علي الهاتف بخفة و بعد عدة ثوان همست بثباتٍ:

-الو. 

أتاها رده فإزدردت ريقها بتوترٍ قبل أن ترد عليه بنبرتها التي لا تطمئن:

-معلش يا "بلال" حصلتلي كدة مشكلة هبقي أحكيلك عليها و مع الأسف مقدرتش أكلمك. 

كادت أن تتابع حديثها و لكنها وجدته يهمس بنبرة لم يستمعها غيرها:

-إفتحي ال Speaker.

فتحت مكبر الصوت بكفها المرتجف، ثم تابعت بنبرة شبه هادئة:

-فاكر الكافية اللي إتقابلنا فيه هنا قبل كدة يا "بلال"؟ 

أتي رده عليها بنبرته اللعوب التي جعلت "برق" يرمقها بإحتقارٍ رأته هي في عينيه لتطرق رأسها بحرجٍ:

-طبعًا و هو اليوم دة يتنسي، دي كانت أول مرة تزوغي من أخوكي و تجيلي نتقابل يا روحي. 

لعقت شفتيها بإرتباكٍ قبل أن تهمس بضيقٍ و هي تزفر بحنقٍ:

-هنتقابل فيه كمان ساعتين. 

أغلقت الخط بعدها مباشرةً و هي تلقي الهاتف علي الفراش، ثم ضمت كلا ركبتيها لصدرها بصمتٍ مريبٍ، بينما هو يتابعها بنظراته التي تحولت خلال ثوان من نظرات مشمئزة الي أخرى مشفقة علي حالتها التي لم يتوقع أبدًا تدهورها الي تلك الدرجة، إزدرد ريقه قبل أن يهتف بلهجة امرة و هو ينهض ليلج لخارج الغرفة:

-كُلي...عايز أرجع الاقي الأكل كله خلصان. 

تابعته بنظراتها الغير مفهومة، و بعد لحظات تعلقت أنظارها بالهاتف و عينيها تلتمع بوميضٍ قوي، و فجأة تراجعت عن تلك الفكرة، نعم فهي لن تحذر "بلال"، يكفي ما حدث لها بسببه، كل ما تفكر به الآن هو الهروب من ذلك الحقير، و لكن ماذا عن شقيقها!؟...ماذا عن والدتها التي علمت عنها كل شئ؟..و بتلك اللحظة إنهمرت عبراتها بلا توقف...لم تكن تتمني أن تعرف والدتها أي شئ عن حقيقتها المخجلة، الحيرة تكاد تقتلها و هي تسأل نفسها..أهل عشقت "بلال" أم لا!؟..ماذا عن "إياد"!؟...كورت قبضتها بعنفٍ و هي تطبق جفنيها بألمٍ شديدٍ لتتابع أسئلتها!..من هي برواية الجميع!؟...أهل هي الشريرة ذات الشخصية الكريهة!؟....أم إنها البطلة المعشوقة!؟...أم هي الفتاة الطيبة التي تنتظر رجل ما لينتشلها من وسط كل ذلك!؟...أم إنها جميعهم!؟

و فجأة مر علي بالها أهم سؤال، لما لم يخبر "برق" شقيقها بوجودها معه!؟...أم إنه ينتظر "بلال" ليسلمه لشقيقها و هي معه!؟

____________________________________________

-ممكن تهدي، أكيد هنلاقي حل لكل دة...بس أرجوكي إهدي. 

قالتها "سيليا" بتوترٍ و هي تربت علي ظهر "بيسان" برفقٍ، فردت وقتها والدة زوجها باكية و هي تخفي وجهها بين كلا كفيها:

-مش عارفة أوصل لحد من عيالي، مصيبة ليكون "تميم" أذي أخته!

فركت "سيليا" كلا كفيها قبل أن تهتف بتساؤلٍ بعدما مرت تلك الفكرة مباشرةً علي رأسها:

-تعالي نسافر ليهم، مش هما في إسكندرية زي ما بتقولي. 

إتسعت حدقتاها قبل أن توافقها الرأي قائلة:

-صح عندك حق، يلا لازم نسافر دلوقت. 

هبت "بيسان" واقفة لتركض ناحية غرفتها، بينما "سيليا" تزفر بضيقٍ و هي تهمس بنبرة خافتة:

-لولا إني خايفة من المشاكل و من كلام الناس كان زماني هربت من بيت المجانين دة. 

____________________________________________

-"سيليا"...ب..بنتي.

همست بها "سندس" بعدما فتحت عينيها مباشرةً، فوجدت إبنها "يحيي" يركض ناحيتها صائحًا ب:

-هدي نفسك يا ماما، الدكتور قال بلاش عصبية. 

تلاحقت أنفاسها و هي تعتدل في جلستها قائلة و الدموع ملتمعة بعينيها خشية من إصابة فلذة كبدها بأي ضرر:

-بنتي، "سيليا" فين؟ 

لعق كلا شفتيه بحيرة و هو يتأمل حالة والدته التي كانت علي وشك الإنهيار، ثم هتف بعد عدة لحظات و هو يقترب منها ليربت علي ظهرها بحنو:

-أبوس إيدك إهدي و أنا أوعدك بليل هاخدك و نروح نشوفها. 

هزت رأسها رافضة و هي تصرخ ب:

-دلوقتي يا "يحيي"، أنا مش هسيب بنتي في المصيبة دي. 

كادت أن تنهض و لكنه أوقفها قائلًا برجاء:

-يا أمي أرجوكي إسمعي الكلام، إنتِ تعبانة دلوقت، إهدي كدة و صدقيني بليل هاخدك و نروح. 

أومأت له بقلة حيلة و هي تمرر كلا كفيها علي وجهها بحزن لتتسائل بعدها بحيرة:

-يا تري إنتِ عاملة إية يا بنتي؟

____________________________________________

-"ياقــوت".

صاح بها "زاهر" بعدما نهض من علي فراشه يبحث عنها، فدلفت هي للغرفة لتجيبه قائلة:

-في حاجة يا "زاهر"؟ 

إزدرد ريقه قبل أن يرد عليها بنبرته الهادئة:

-ك..كنت بدور عليكي. 

رمقته بتأففٍ، فشعر هو بضيقها، لذا صاح بتوترٍ:

-إنتِ لسة زعلانة من اللي حصل إمبارح؟....أنا م.. 

قاطعته بقسوتها المعهودة و هي تصيح بنبرتها الحادة:

-هتطلقني إمتي؟ 

إزدرد "زاهر" ريقه مجددًا قبل أن يرد عليها و العبرات تلتمع بعينيه:

-نتطلق!؟...نتطلق لية؟ 

عقدت كلا ساعديها أمام صدرها قبل أن ترد عليه بنبرة باردة:

-طالما مش بتنفذلي طلباتي يبقي تطلقني. 

فرك كلا كفيه بتوتره المعتاد قبل أن يرفض قائلًا بإرتباكٍ:

-"ياقوت" إحنا متكلمناش في موضوع الشغل دة قبل الجواز، و حاليًا انا رافضه لكذا سبب منهم اني مش عايز أقعد لوحدي و مش متعود أقعد لوحدي، و بعدين هتشتغلي لية ما بابا بيدينا كل شهر.. 

قاطعته مجددًا صارخة بنبرة جحيمية لا تتقبل النقاش:

-و أنا مش هستني فلوس من حد انا عايزة أنزل أشتغل عادي جدًا زي أي حد.

زفر ببعض من العصبية و هو يشعر بعنادها الذي أصبح يتحكم في حياتهما، كان يتقبل كل ذلك حتي لا ينغص عليها حياتها و لكن بات الأمر غير محتمل، لذا و بعد عدة لحظات من الصمت صاح هو بثباتٍ:

-لا يا "ياقوت" مفيش لا شغل ولا طلاق. 

زفرت بإنفعالٍ قبل أن تصرخ بإهتياجٍ و الشر يتطاير من عينيها:

-إنتَ كمان بتتحكم فيا، مش كفاية وافقت أتجوزك. 

أطبق جفنيه بألمٍ و هو يحاول تحمل كلماتها القاسية تلك، ثم مد كفه ناحية ذلك الحائط الذي بجانبها، ثم سار بحذرٍ حتي خرج من الغرفة، بينما هي تخرج خلفه صائحة بنبرتها المهتاجة:

-إنتَ هتسيبني و تمشي، رُد عليا زي ما بكلمك و بطل أسلوبك البارد المقرف دة..

و فجأة إبتلعت بقية كلمتها بذعرٍ عندما وجدته يستدير فجأة ليقبض علي فكها بعنفٍ، فشهقت هي بصدمة و هي تنظر لتعابير وجهه الحادة بتوترٍ، ثم إنتفض جسدها بصورة مفاجأة عندما صاح هو بإحتدامٍ أفزعها:

-متستغليش محاولتي في إني أكون كويس معاكي بالطريقة دي، مش عشان محترم زعلك و مشاعرك تهينيني كدة و تفتكري إني مش قادر أخليكي تعيشي في جحيم...فوقي.

ثم تابع بنزقٍ و هو يشدد قبضته علي فكها:

-الأعمي اللي مش عاجبك دة ممكن يدمرك يا "ياقوت". 

ثم أكمل بقلة حيلة و هو يتركها:

-بس أنا مش هعمل كدة. 

إزدردت ريقها و أنفاسها متلاحقة فأخذ صدرها يعلو و يهبط من فرط لهاثها، بينما هو يردف من بين تنهيداته الحارة:

-عشان أنا بحبك يا "ياقوت". 

إستدار للخلف و هو يتابع سيره تجاه غرفة أخري، بينما هي تحاول إستيعاب ما حدث منذ قليل، كانت تظن إن لهجتها الصارمة تلك ستؤثر علي شخصيته الضعيفة لكي لا يرفض لها أي مطالب، و لكن خاب ظنها لتحاول وقتها أن تجد خطط بديلة! 

____________________________________________

-إتأخرت لية دي!؟ 

قالها و هو ينظر في ساعة يده بتأففٍ و فجأة وجد النادل يقترب منه و علي وجهه تلك العلامات الماكرة، فتسائل هو بعجرفة:

-خير!؟ 

رد عليه النادل بلؤمٍ و هو يتفحصه بنظراته الخبيثة بعدما أخرج تلك الورقة الصغيرة من جيبه:

-في واحدة برا قالتلي أديك الورقة دي. 

إلتقط منه الورقة ليفتحها قبل أن يتفحصها بعينيه فوجد محتواها (أخويا شكله عرف كل حاجة و شكله كمان موجود هنا و بيدور عليا، إطلعلي برا الكافية هتلاقيني مستنياك)...عقد حاجبيه بعدم فهم و هو يشعر بعدم إطمئنان شديد خاصة من نظرات ذلك النادل الغير مريحة، فتنهد بعمقٍ قبل أن ينهض من علي كرسيه و هو يتجه ناحية الخارج بخطواته البطيئة و شعوره بعدم الأمان يزداد، تقدم بخطواته للأمام و فجأة وجد عدة رجال يقتربون منه، ففهم وقتها إن هناك فخ ما منصوب له خاصة عندما معن نظراته تجاههم ليجد "برق" معهم، فركض وقتها بأقصي سرعته و خلفه هؤلاء الرجال و "برق"! 

__________________________________________

-مش كنا إستنينا لبليل أحسن؟ 

قالها "يحيي" ببعض من التوتر و هو يسير بجانب والدته التي تجاهلت ما يقوله من الأساس، لتتقدم بخطواتها تجاه الحارس قائلة:

-عايزة أقابل بنتي "سيليا". 

نهض الحارس بإحترامٍ هاتفًا بلباقة:

-"سيليا" هانم و "بيسان" هانم سافروا يا "سندس" هانم. 

عقدت حاجبيها بذهولٍ قبل أن تتسائل بصدمة قائلة:

-سافروا!...سافروا فين!؟ 

رد عليها الحارس تلقائيًا بإبتسامة خفيفة:

-كل اللي أعرفه إنهم كلهم حتي "تميم" بيه سافروا إسكندرية، بس هي و الهانم لسة مسافرين من يجي ساعة كدة ولا حاجة.

أومأت للحارس عدة مرات و هي تستدير للخلف لتسير قائلة و هي توجه حديثها لإبنها:

-يلا بينا. 

سار بجانبها و هو يتسائل قائلًا:

-هنروح فين!؟ 

ردت عليه بصرامة لا تتحمل النقاش:

-هنسافر لبنتي إسكندرية. 

____________________________________________

كانت تأكل بعض اللقيمات من علي تلك الصينية و فجأة توقفت عندما إستمعت لباب الشقة الذي ينفتح فظنته "برق" و لم تهتم، و لكنها هبت واقفة بصدمة ظهرت علي تعابير وجهها ما إن وجدت شقيقها "تميم" يدلف للغرفة، لتجحظ عيناها بذعرٍ و جسدها يرتجف بهلعٍ! 
إنهمرت عبراتها تلقائيًا ما إن إقترب منها و كادت أن تركض صارخة، و لكنه منعها عندما قبض علي خصلاتها بعنفٍ صارخًا بإهتياجٍ و الشر يتطاير من عينيه:
-كُنتي فين يا روح ***. 
تعثرت قدمها لتقع علي الأرضية فجذب هو خصلاتها بعنفٍ أكبر جعلها تتأوه بصراخٍ مفزعٍ، بينما هو لا يستطيع السيطرة علي غضبه الجحيمي ليتابع صراخه ب:
-بتعملي إية هنا؟ 
إنتحبت بقهرٍ و قدميها لا تستطيع حملها، فظلت علي الأرض و هي تتوسل إليه قائلة من وسط دموعها التي غمرت كلا وجنتيها:
-أبوس إيدك سيبني.
لم يستطع السيطرة علي أعصابه فصفعها بقوة قبل أن يهتاج صارخًا بكراهية و إحتقارٍ ظهرا في عينيه:
-إية اللي بينك و بين "بلال"؟..رُدي.
رفع يده مجددًا ينوي صفعها بتلك الصورة المهينة، و لكنه وجد شخص ما يمنعه ليدفعه بعيدًا عنها، فدفعه هو الأخر ليجده "برق" و هو يحذره قائلًا:
-إياك تمد إيدك عليها. 
سار بخطواته السريعة ليحذره هو الأخر بنبرته الصارخة:
-إبعد عن وشي بدل ما أقتلك معاها. 
قبض "برق" علي كلا ذراعي صديقه ليمنعه من الحركة بصعوبة بالغة قبل أن يصرخ بوجهه و الرجاء يشع من عينيه بوميضٍ واضحٍ، بينما "رحيق" تتشبث بملابسه و هي تدفن وجهها بقميصه خشية من تصرفات شقيقها التي باتت غير متوقعة:
-أختك غلطت مرتين، مرة مع "إياد" و مرة مع "بلال"، و صدق اللي بقوله عشان فعلًا حقيقي، و كونك عايزة تقتلها دلوقت دة مش هيفيدك بحاجة غير إنك هتودي نفسك فداهية، خلاص اللي حصل حصل و صدقني هي عايزة تتغير و تبطل كل القرف اللي كانت بتعمله زمان.
ثم تابع بتساؤلٍ و هو يلتفت للخلف ليرمقها بنظرات ذات مغزي:
-مش كدة يا "رحيق". 
أومأت له بهستيرية من وسط عبراتها التي كانت تزداد لتغمر وجنتيها أكثر، بينما هو يلتفت ناحية "تميم" الذي جحظت عيناه بعدم تصديق هامسًا بصدمة واضحة:
-"إياد"!
إزدرد "برق" ريقه و هو يومئ له عدة مرات بصمته الذي فضله في تلك اللحظة، بينما "تميم" يتحرك بخطواته البطيئة و هو يحاول إستيعاب ما إستمعه منذ قليل، أما "رحيق" فهي عادت مجددًا لتختبئ خلف ظهر "برق" خوفًا منه، و فجأة إنتفض جسدها و عبراتها الحزينة تتهاوي علي وجنتيها عندما إستمعت لنبرة شقيقها القاسية و هو يقول:
-مش عايز أشوف وشك تاني في البيت و كفاية أوي إني مدفنتكيش مكانك. 
خرج من الشقة بأكملها بخطواته الراكضة، بينما هي تتنهد براحة ما إن خرج، ثم إرتمت بين أحضان "برق" بلا تفكير و هي تصرخ باكية لتهمس بعدها بإمتنان:
-شكرًا يا "برق"، عمري ما هنسي اللي عملته معايا أبدًا. 
طوق خصرها و هو يربت علي ظهرها بحنوٍ ليتذكر ما حدث منذ ساعة تقريبًا! 
(عودة للوقت السابق) 
توقف عن الركض و هو يلهث بعنفٍ ليعلو صدره و يهبط، ثم نظر تجاه إحدي رجاله الذي إستطاع الإمساك ب "بلال" الذي حاول المقاومة و لكنه لم يستطع بسبب ذلك العدد الكبير من الرجال الذين قيدوه بمكانه، كاد أن يتحدث و لكنه توقف عندما قاطعه رنين هاتفه المزعج فأخرجه من جيبه و هو يتفحص هوية المتصل من علي شاشته ليجدها والدة صديقه "بيسان"، فإبتعد قليلًا عنهم و هو يحذرهم قائلًا:
-خدوا بالكوا ليهرب منكوا. 
ضغط علي الهاتف قبل أن يضعه علي أذنه قائلًا:
-أهلًا بحضرتك. 
إستمع لنبرتها الشبه باكية بإهتمامٍ ملحوظٍ علي تعابير وجهه التي إنكمشت بإنتباه:
-متعرفش أي أخبار عن "تميم" يا "برق". 
إزدرد ريقه بتعجبٍ قبل أن يهز رأسه نافيًا هاتفًا:
-لا معرفش، هو حضرتك بتدوري عليه؟ 
تجاهلت سؤاله لتتوسله قائلة:
-الله يخليك لو عرفت عنه أي أخبار إبقي قولي علطول. 
رد عليها و هو يخرج تنهيداته الحارة:
-حاضر. 
أغلق الخط معها و فجأة مر بباله شئ جعل الصدمة تظهر علي وجهه بصورة ملحوظة ليتذكر إن مفتاح شقته بالأسكندرية مع صديقه "تميم"، و بالتأكيد ما إن سيصل لهنا سيأتي إليها، ليتذكر وقتها "رحيق" التي إختطفها إليها هروبًا منه، لذا ركض بأقصي سرعته تجاه رجاله ليهتف بنبرته المتوترة الواضحة:
-خدوه علي المكان اللي إتفقنا عليه و بكرة هجيلكوا. 
ثم تراجع بخطواته راكضًا ليذهب لشقته و هو يتمني عدم وجود صديقه بالمكان، فهو و بالتأكيد سيقتلها بلا تردد! 
(عودة للوقت الحالي)
أبعدها عنه ببعض من الوجوم و بعد عدة لحظات هتف بقتامة و هو ينظر في عينيها مباشرةً:
-ياريت بس تنضفي زي ما قولت من شوية و تبطلي كل القرف اللي بتعمليه دة.
إبتعد عنها و كاد أن يخرج من الغرفة و لكنها أوقفته بهمسها بنبرتها المرتبكة ب:
-إنتَ هتسيبني هنا! 
إستدار ناحيتها ليرمقها بتساؤلٍ فهمته هي سريعًا، ففركت كلا كفيها بتوترٍ شديدٍ قبل أن تهمس برجاء و عبراتها تلتمع بعينيها مجددًا:
-"برق" متسيبنيش، أنا بقيت لوحدي..معادش ليا أهل، مفاضلش حد ليا غيرك. 
رمقها بحيرته التي أصبحت تراوده خلال تلك الفترة الأخيرة، ثم نظر في عينيها التي كانت تذرف دموعًا حارة، ليراوده عدة أسئلة، أهل بالفعل لن تعود لتلك الفتاة المتعجرفة ذات التصرفات الحمقاء!؟...أم إن تلك عدة كلمات قالتها في وقت ضيق لم تجد فيه أي شخص غيره!؟...أخفض نظراته عندما لم يتحمل رؤية عبراتها الراجية، ثم رد عليها بعدة كلمات أصابت قلبها بالألم الشديد لتبتلع وقتها تلك الغصة المريرة و هي ترمقه بعدم تصديق:
-مبقتيش تستاهلي يا "رحيق"، صدقيني مبقتيش تستاهليني ولا حتي تستاهلي حُبي. 
إتسعت حدقتاها و إنفرجت شفتاها قبل أن تهمس بإستنكارٍ:
-حُبك! 
إرتسم علي ثغره إبتسامة جانبية ساخرة قبل أن يومئ لها عدة مرات، هامسًا بقلة حيلة و هو يرمقها بنفورٍ واضحٍ:
-أيوة حُبي، حُبي اللي مهما بتعملي بيفضل زي ما هو، بحميكي من أخوكي و بحاول أبعدك عن كل القرف اللي بتجري عليه و مش قادر أفهم السبب، حُبي اللي إنتِ متستحقيهوش أبدًا يا "رحيق"..
قاطعته صارخة بإنهيارٍ و هي تضع كلا كفيها علي أذنها رافضة إستماع المزيد من كلماته الجارحة التي تحرق روحها بلا رحمة:
-كفاية بقي كفاية أرجوك.
تحركت بخطواتها البطيئة لتخرج من الغرفة فخرج هو خلفها صارخًا ب:
-رايحة فين؟
سيطرت علي عبراتها بصعوبة بالغة لتنظر في عينيه مباشرةً قائلة بنبرتها المرتجفة بعنفٍ:
-همشي من هنا، عايزني أقعد معاك إزاي و إنتَ كارهني كدة!؟
قبض علي ذراعها بقوة و هو يصرخ مجددًا بغضبه الجحيمي:
-عايزة تروحي ل "بلال" مش كدة ولا يا تري المرادي هتروحي لمين!؟ 
حاولت سحب ذراعها و هي تطبق جفنيها لتحاول السيطرة علي دموعها التي تحاربها و بكل ضراوة لتسقط، ثم همست هي بنبرتها المرتعشة:
-يهمك اوي أروحله أو مروحلوش!؟ 
ترك ذراعها لينظر في عينيها الباكية ليرد عليها بصوته القاسي الذي بات كالجلاد الذي لا يتركها بلا شفقة:
-مش فكرة تروحيله، فكرة إنك عُمرك ما هتنضفي من ال***** اللي إنتِ فيها. 
ثم تابع بتساؤلٍ و هو يتراجع بخطواته للخلف قليلًا:
-عايزة تمشي يا "رحيق"؟
ليكمل بعدها صارخًا بصورة جعلت جسدها ينتفض لتصرخ هي بذعرٍ:
-إمشي و متورينيش وشك تاني.
تحركت بالفعل راكضة لتخرج من الشقة، بينما هو يتابعها، حتي توارت عن أنظاره، فصرخ بندمٍ باكيًا بحرقة، لم يكن يريد ذهابها، لم يريد إبتعادها و لكن كرامته باتت تمنعه من توضيح عشقه الذي سيظل يعذبه حتي أخر أنفاسه، جز علي أسنانه بعصبية شديدة و هو يتسائل..لما الفتاة الوحيدة التي عشقها تكون بتلك الحقارة!؟...كان يتمناها نقية طيبة و ليست خبيثة ماكرة، هو ليس أفضل رجال العالم و هو يعرف ذلك و لكنه ليس بذلك السوء، هو لم يخدع أقاربه و لم يكن وقح هكذا بيومٍ ما، و فجأة شعر بجدية الأمر، ليزكن وقتها إن عند خروجها من بيته سيفقدها و لن يجدها بسهولة أبدًا، لذا و بلا تردد خرج من الشقة هابطًا الدرج بخطواتٍ راكضة، ليلبي طلبات قلبه الذي يسيطر عليه متجاهل كل شئ و أهم ما يتجاهله هو كرامته التي تأبي كل ما يحدث، وجدها تبكي بداخل البيت فإبتسم بحزن من وسط دموعه التي أراد إخفاءها عن عينيها فركض ناحيتها و هو يسحبها بصورة مفاجأة جعلتها تشهق بصدمة، فلم تستطع وقتها إستيعاب أي شئ سوي إنها بين إحضانه و هو يهمس بشجن:
-مقدرش أسيبك تضيعي من بين إيديا. 
____________________________________________
توقف بسيارته ليتفحص هاتفه الذي وجد عليه مئات المكالمات الفائتة من والدته، فضغط عليه عدة ضغطات قبل أن يضعه علي أذنه قائلًا:
-في إية يا ماما؟
ردت "بيسان" وقتها بنبرتها الصارخة التي أزعجته:
-إنتَ فين يا زفت؟ 
رد عليها بتأففٍ و هو يمرر كفه بعنفٍ علي وجهه:
-ما إنتِ عارفة أنا فين. 
وجد ردها الصارخ مجددًا لينتبه وقتها لحديثها جيدًا:
-أنا في إسكندرية في *****. 
جز علي أسنانه بغضبٍ و هو يضرب بكفه علي باب السيارة بعنفٍ هاتفًا بنزقٍ، و قد سيطر علي إهتياجه بصعوبة واضحة:
-أنا جايلك حالًا.
____________________________________________
-"زاهر"...إنتَ لية مش بترد عليا!؟ 
قالتها بعدما دلفت لتلك الغرفة لتجده جالس علي الفراش بصمته الذي يصيب المرء بالتوتر المفرط، فظلت هي تتفحصه قليلًا قبل أن تقترب منه لتجلس بجانبه، فرأته و هو يبتعد عنها ليترك مسافة ليست صغيرة بينهما، نظرت أمامها ببعض من الشرود الذي إزداد خاصة في وسط ذلك الهدوء لتهمس هي بنبرة مسموعة دلت علي عبراتها التي علي وشك السقوط:
-زمان قبل ما يحصل اللي حصلي كنت "ياقوت" تانية خالص، بحب الضحك و الهزار، مش دايمًا عصبية و زعلانة زي دلوقت. 
ثم تابعت بنبرتها الباكية و هي تكفكف عبراتها التي كادت أن تغمر وجنتيها، لتنظر بعدها له و لكن الصورة أصبحت مشوشة مجددًا بسبب عبراتها التي حجبت عنها الرؤية بصورة واضحة:
-عارف!؟..إنتَ اللي تستاهل واحدة أحسن مني يا "زاهر". 
وجدته يطرق رأسه و هو يميل بها ناحيتها بعض الشئ، فعلمت وقتها إنه يستمع لها بإنتباه، لذا أكملت بنبرة مهتزة و هي تنتحب بلا توقف لتتذكر كل شئ:
-تستاهل واحدة أحسن مني بكتير، علي الأقل مش معقدة زيي.
لم يستطع إستماع صوت بكائها الذي يصيب المرء بالشفقة ذلك و هو بصمته هذا، فإقترب منها قليلًا ليمد ذراعه للجانب بحثًا عنها ليجدها هي الأخري تقترب منه لتلمس كفه و هي تتشبث به، فسحبها هو ببطئ لأحضانه التي إرتمت بداخلها و هي تتابع بكاءها بلا هوادة، بينما هو يربت علي ظهرها بحنان و عبراته تخونه حزنًا عليها فهو لم يتمني بيومٍ ما أن تكن في تلك الحالة المزرية، ثم ضمها له أكثر و هو يميل برأسه للأسفل ناحيتها ليقبل رأسها و هو يهدهدها و كأنها طفلة صغيرة، بينما هي تصرخ بإنهيارٍ و هي تضرب صدره عدة ضربات عنيفة لتخرج شحنة غضبها التي سيطرت عليها لفترة طويلة، بينما هو يستمعها بصمتٍ ليعطها الفرصة الكاملة في التخلص من كل تلك الذكريات السيئة:
-لو مكنتش روحت يومها ليهم مكانش حصلي كدة، مكانتش روحي هتتشوه بالمنظر دة.
إرتجف جسدها بقوة و هي تجهش بالبكاء من جديد، بينما عبرات "زاهر" تتهاوي علي وجنتيه هامسًا بأسفٍ:
-لو كان بإيدي كنت حاولت أحميكي حتي لو كان التمن حياتي، أنا فعلًا أسف. 
لاحظ صمتها الذي طال فهمس بعدها بعدة لحظات ببعض من القلق:
-"ياقوت"! 
ردت عليه هي الأخري هامسة و هي تزداد تشبثًا بملابسه:
-خليني في حضنك يا "زاهر". 
أومأ لها بصمتٍ و شعور العجز يسيطر عليه فهو أصبح غير قادر علي مساعدتها، ليراوده أسئلة كثيرة أهمها..كيف يساعدها لتخرج من حالة الإنهيار الشديدة التي سيطرت عليها تلك!؟ 
____________________________________________
-يعني أختك كويسة؟ 
قالتها "بيسان" متسائلة بتوجسٍ و هي ترمقه بوجلٍ فأومأ هو لها عدة مرات، بينما هي تتنهد براحة و هي تستطيع تصديق ما يقوله فهي إستطاعت الإتصال بإبنتها منذ قليل من الأساس، ثم و بعد عدة لحظات هتفت ب:
-طب أنا هروح أجيب حاجة ناكلها من المطعم دة. 
أومأ لها "تميم" بصمتٍ، بينما "سيليا" تتابعه بعدم إطمئنان بنظراتها المطولة لتجده منتبه لوالدته بصورة كبيرة، و فجأة إلتفت هو لها قائلًا بصرامة لا تتقبل النقاش بعدما قبض علي معصمها ليسحبها خلفه:
-يلا بسرعة. 
سارت خلفه عنوة و هي تتسائل بنبرة عالية بعض الشئ:
-هو إية اللي يلا؟
صعد سيارته صارخًا بنبرة مهتاجة و هو يرمقها بنظراته التحذيرية التي جعلتها تزكن بعض من خطورة الأمر المجهول الذي لا تعرفه:
-يلا بسرعة منغير أسئلة. 
صعدت السيارة سريعًا، و قد تهدجت أنفاسها من فرط الإرتباك، لذا تسائلت هي مجددًا بعدما إنطلق هو بسيارته:
-في إية!؟...و لية سيبنا مامتك و مشينا؟...فهمني حتي واخدني فين؟ 
-حصل اية يومها؟

قالها بجدية بعدما توقف في مكان ما، فقعدت هي حاجبيها بعدم فهم متسائلة ب:

-يوم إية!؟

قبض علي كلا ذراعيها ببعض من العنف ليصيح بنفاذ صبر ناظرًا في عينيها مباشرةً ليحذرها:

-ركزي، اليوم اللي قولتي إن "إياد" حاول يعتدي عليكي فيه. 

جحظت عيناها بدهشة قبل أن تنظر له مطولًا لتهتف بغضبٍ و هي ترمقه بإحتقارٍ، بعدما نفضت كلا ذراعيها:

-و هو إنتَ مش قولت إنك مش هتصدق ولا كلمة أقولها. 

 زفر بضيقٍ واضحٍ و هو يدير رأسه للجهة الأخري ليتأمل الطريق بشرودٍ ملحوظٍ، و فجأة إلتفت ناحيتها عندما همست هي بنبرة باكية:

-عايزني أحكيلك عن إية؟..علي أساس إنك هتسمعني منغير ما تكدبني.

كور قبضته بإرتباكٍ قبل أن يهتف بإصرارٍ و هو يرمقها بثقة:

-المرادي هصدقك يا "سيليا".

أطرقت رأسها لتخفي عبراتها التي كانت تحاربها كعادتها بتلك الفترة الأخيرة، لتهمس بعدها و هي تزدرد ريقها بتوترٍ و ترددٍ واضحٍ علي تعابير وجهها التي حاولت إخفائها بصعوبة شديدة:

-يومها كنت راجعة من حفلة من عند صاحبتي..و تقريبًا..تقريبًا توهت. 

فركت كلا كفيها بإرتباكٍ ليلاحظ هو وقتها مدي صدقها الذي كان يشع من عينيها بوميضٍ قوي، لتنهمر بعدها مباشرةً عبراتها و هي تصيح بقهرٍ:

-وقتها حاولت أوصل لأخويا و لكن معرفتش و قبل ما أحاول أتصل بماما لقيت حد بيسحبني لبيت مهجور و هو بيحاول ي....

إنتحبت بعنفٍ و هي تتابع صارخة من بين عبراتها التي تتهاوي علي وجنتيها بهستيرية لتلهبهما، بينما هو ينظر لها و عيناه تجحظ بصدمة، فهو و بتلك اللحظة لم يستطع إنكار رؤيته للصدق في عينيها:

-مكانش قصدي أقتله، أنا حتي كنت همشي و أسيبه بعد ما ضربته. 

ثم تابعت بتوسلٍ و هي تلتف ناحيته ليري هو ضعفها بتلك اللحظة، ضعفها الذي ظلت تخفيه لعدة أشهر:

-صدقني يا "تميم"..صدقني.

و أكملت بتلعثمٍ و جسدها يرتجف بصورة عنيفة، بينما هو يفغر فمه و هو يحاول إستيعاب ما تقصه عليه:

-هو مسابنيش أمشي و كان عايز يعمل فيا كدة، وقتها مسكت عصاية كبيرة و ضربته علي راسه و بعدها علطول جريت و خرجت من الباب.

أخفت وجهها بين كفيها و شعور الندم يلاحقها بسبب إظهارها لكل ما تحمله من هم أمام ذلك الأحمق، ذلك الشيطان الذي إقتحم حياتها التي عادت هادئة مستقرة بصعوبة ليخربها بإنتقامه، و أكثر ما يؤلمها إن الجميع يظنها الجانية و هي المجني عليها، الجميع يظنها مذنبة و هي بريئة، و فجأة إزداد الغل و الكراهية بقلبها تجاه زوجها المخادع، الذي خدعها بإسم الحب، حتي عشقها كذب، حبها خدعة، معشوقها شيطان، و لكنها أخرجت عشقه من قلبها منذ تلك الليلة التي علمت فيها بكل شئ، مشتتة!...نعم هي مشتتة أصبحت لا تعرف ما الذي يجب عليها فعله..حتي خططها التي كانت تحاول التفكير فيها خُربت بسبب كل شئ مفاجأ حل علي رأسها كالمصيبة، و فجأة خرجت من شرودها علي صوته فكفكفت دموعها وقتها و هي ترفع رأسها له لتنتبه له بعينين مشتعلتين بنيران الغضب الجحيمي:

-طب و الحاجات اللي كانت مسروقة منه.

تفحصته بعينيها لعدة لحظات قبل أن تهمس بإقتضابٍ:

-معرفش عنهم حاجة. 

تنفس بعمقٍ قبل أن يتسائل بتهكمٍ و هو يشعر بالتضعضع الشديد:

-كُنتي عايزاني أعمل إية!؟..أنا حتي لسة حاسس بالتشتت...في حاجة جوايا بتقولي أصدقك و حاجة تانية بتقولي إنك كدابة و إن "إياد" برئ. 

كور قبضته بعصبية قبل أن يصيح بإنفعالٍ و هو ينظر لها بإهتياجٍ، فلاحظ وقتها تعابير وجهها الغير مفهومة:

-بس كل حاجة بقت ضد "إياد"!....ضد صاحب عُمري. 

لوت كلا شفتيها بإشمئزازٍ قبل أن تهمس بنفورٍ و هي تحارب عبراتها بكل ضراوة:

-طلقني.

وجدته يدير محرك سيارته و هو يرد عليها بقتامة:

-لما أتأكد الأول من كل كلمة بتقوليها، ساعتها هحدد إذا كنت هطلقك...ولا هقتلك. 

____________________________________________

صباح يوم جديد. 

-"رحيق".."رحيق" إنتِ فين يا "رحيق"؟

قالها "برق" بنبرة جنونية و هو يبحث عنها كالطفل الذي فقد والدته، فلم يجدها بالغرفة ولا حتي بالبيت، و فجأة لفت نظره تلك الورقة الموضوعة علي الكومود، فإقترب منها بخطواته السريعة و هو يتمني أن يكون ما مر علي باله ما هو إلا توقع خائب، إلتقط الورقة ليفتحها بكفه المرتجف، ثم أخذ يقرأ المكتوب بها بنبرة مسموعة:

-"برق"!...عُمري في حياتي ما كنت أتوقع إن يكون في حياتي حد بيحبني بالطريقة دي، محبيتش أمشي منغير ما أسيبلك حاجة تطمنك عليا، أنا أسفة يا "برق" و لكن أنا عُمري ما هقدر أسامح نفسي لو أذيتك، أنا وحشة و مش كويسة و انا و إنتَ عارفين دة، و ممكن في أي لحظة أذيك، سامحني، و أوعدك إني هتغير و هبقي واحدة تانية لكن مش معاك، إنتَ تستاهل واحدة أنضف و أحسن مني، و عايزاك تطمن أنا كويسة و هسافر برا مصر لواحدة صاحبتي و هشتغل هناك، متزعلش مني و أسفة لو كنت سببتلك في يوم من الأيام شعور الخذلان..أتمني تكون بخير يا "برق". 

ضغط علي الورقة بكلا كفيه و عبراته تتهاوي علي وجنتيه لتغمرهما، فهمس هو وقتها بألمٍ و هو يقع علي الأرض بإنهيارٍ، و قد كانت قدميه غير قادرة علي حمله:

-"رحيق" لا...دة أنا ما صدقت لقيتك..لية تضيعي من بين إيديا!؟ 

ثم صرخ بنبرة عالية و هو ينتحب بحسرة علي عشقه الذي ضاع من بين يديه بمنتهي السهولة:

-لـيــة!؟ 

____________________________________________

-"ياقوت" إصحي..."ياقوت" أهلنا برا. 

قالها "زاهر" و هو يهزها بخفة، فإنتفضت هي جالسة صائحة برعبٍ:

-حصل حاجة!؟

شعر بهلعها العجيب ذلك فعقد حاجبيه بذهولٍ قبل أن ينفي قائلًا:

-محصلش حاجة متخافيش. 

لاحظت تعابير وجهه الهادئة فزفرت براحة و هي تحاول نسيان تلك الكوابيس التي أصبحت لا تتركها لليلة واحدة، ثم همست بتساؤلٍ و هي تسحب الغطاء من عليها:

-أمال بتصحيني لية بس!؟ 

رد عليها بهدوء و هو يجلس بجانبها علي الفراش:

-أصل أهلنا برا.

عقدت حاجبيها بدهشة قبل أن تصمت لعدة لحظات، ثم أومأت له عدة مرات بقلة حيلة فتسائل هو بحيرة:

-هو إنتِ ساكتة ولا سيبتيني و مشيتي!؟ 

إبتسمت بخفة قبل أن ترد عليه بصوتها العذب:

-خلاص يا "زاهر" أخرج إنتَ إقعد معاهم لغاية ما أغير هدومي و أخرج. 

أومأ لها عدة مرات و هو يتركها بالفعل ليخرج من الغرفة، بينما هي تزفر بضيقٍ و هي تتذكر ذلك الكابوس الذي يأتيها بكل ليلة ليذكرها بذلك اليوم الذي جُرحت فيه روحها لتصبح كحطام الأنثي! 

____________________________________________

-جهزي نفسك يلا عشان كلها كام ساعة و نرجع القاهرة. 

قالها "تميم" بقتامة بعدما فتحت هي باب غرفتها بالفندق مباشرةً، ليدلف هو بعدها بخطواته البطيئة ليرتمي علي الفراش جالسًا، فإستدارت هي ناحيته بتلك اللحظة بعدما أغلقت الباب ليلاحظ هو وقتها شحوب وجهها الواضح، و قد بدت مُرهقة بصورة شديدة دلت و بمنتهي الوضوح علي عدم نومها بتلك الليلة التي مضت! 

بينما هي تسير بخطواتها البطيئة تجاهه لتجلس بجانبه قائلة بنبرة مبحوحة:

-مش هجهز حاجة أنا مش معايا لبس أساسًا. 

كاد أن يسألها حول سبب تعبها الظاهر علي وجهها هكذا ليتأكد من شكوكه حول عدم راحتها و نومها، و لكن قاطعه رنين هاتفه، فأخرجه من جيبه و هو يتفحص هوية المتصل من علي شاشته بحنقٍ ملحوظٍ، ثم هب واقفًا ليدلف للشرفة و هو يرد علي المكالمة، بينما هي تقف لتتجه ناحية الشرفة هي الأخري لتعرف هوية المتصل الذي هرب هو منها ليتحدث معه، و لكنها تراجعت سريعًا و هي تضع كلا كفيها علي رأسها بسبب ذلك الصداع الذي كادت أن تنفجر رأسها علي أثره، ثم إرتمت علي الفراش و هي تحاول الإستسلام للنوم الذي حاربه تفكيرها الأحمق طوال الليل، و لكن رأسها لا ترحمها مازالت ترهقها بالتفكير بكل شئ، "تميم"، "إياد" و قتلها له، تلك الليلة الحمقاء التي تسببت في كل ما تعانيه الآن، طلاقها الذي سيكون بعد فترة قصيرة من زواجها، شقيقها التي أصبح ضدها، والدتها التي لا تعرف عنها أي شئ، أطبقت جفنيها بعنفٍ و هي تجز علي أسنانها بقوة تتمني أن ينتشلها أي شئ من زوبعة التفكير التي لا تبتعد عنها تلك، كورت قبضتيها و هي تحاول أن تهدأ حتي تنم، و بالفعل كادت أن تغوص بسبات عميق بعد محاولات عديدة و لكنه خرج وقتها من الشرفة هاتفًا بجدية، فإستيقظت هي سريعًا و هي تعتدل في جلستها:

-أنا رايح مشوار مُهم، و بعدها هرجع علي هنا أخدك و نمشي. 

همست هي وقتها بإستفسارٍ:

-طب و مامتك!؟ 

رد عليها بإيجازٍ و هو يتجه لباب الغرفة:

-هي إطمنت علي "رحيق" و هو دة اللي كانت عايزاه، هتروح أكيد..و أنا هكلمها أتأكد مع إني عارف انها رجعت القاهرة. 

أومأت له بوجومٍ و هي تتابعه بصمتها المريب و هو يخرج من الغرفة و فجأة تعالي رنين هاتفها، فإلتفتت ناحيته لتلتقطه من علي الكومود و هي تضغط عليه بدون النظر علي شاشته لمعرفة هوية المتصل، ثم همست بنبرتها الضعيفة:

-الو.

إستمعت لصوت والدتها، فتنهدت بإرتياحٍ و هي تهمس بصدقٍ:

-وحشتيني يا ماما. 

وجدت صوت "سندس" الصارخ يقول:

-إنتِ فين يا "سيليا" يا بنتي؟ 

ردت "سيليا" بلا إهتمام بعدما إزدردت ريقها بصعوبة:

-في فندق *** في إسكندرية. 

إستمعت لصوت والدتها لتعقد حاجبيها بتعجبٍ خاصة عندما قالت:

-أنا جيالك حالًا. 

كادت "سيليا" أن تسألها عن السبب و لكنها لم تستطع بسبب إنقطاع الخط بتلك الصورة المفاجأة، لذا زفرت بغيظٍ و هي ترمي الهاتف بجانبها علي الفراش بإهمالٍ، ثم نهضت و هي تتجه ناحية الشرفة بخطواتها البطيئة، لتنظر وقتها للسور بشرودٍ لا يطمئن ولا يبشر بالخير، و فجأة أصبح التفكير السلبي يؤثر عليها، فجعلها تقف علي السور بحذرٍ و هي تنظر للأسفلٍ بترددٍ، و فجأة إنتفضت و جسدها يرتعش بلا توقف عندما إستمعت لصراخه ب:

-"سيليا" لا..إياكي!
-إوعي ترمي نفسك. 

قالها "تميم" بجدية و هو يقترب ليدلف للشرفة، فوجدها بتلك اللحظة تلتفت له و هي تهمس بنبرة مرتجفة:

-أنا تعبانة جدًا. 

كانت تتحدث بلا وعي ليلاحظ هو الأمر، فظل يتابعها و هو تكمل بإنهاكٍ:

-روحي مُرهقة أوي. 

إستدارت للخلف بحذرٍ و هي تسير علي أطراف أصابعها، فجحظت هو عيناه بهلعٍ خشية من أن تقع فجأة، ثم وجدها تتابع بلومٍ و هي توبخه بنظراتها المعاتبة:

-إنتَ خذلتني يا "تميم"..لية عملت كدة!؟ 

إرتسم علي ثغرها إبتسامة جانبية مريرة قبل أن تهمس بنبرتها المبحوحة:

-دة أنا حبيتك. 

إزدردت ريقها بصعوبة بالغة قبل أن تهتف بحرقة و هي ترمقه بكراهية و نفورٍ:

-محدش حاسس..محدش حاسس إن كل حاجة بتهد فيا و إن أنا إتهديت.

ترنحت في وقفتها فمالت بجسدها للأمام، لذا تقدم هو ناحيتها بتلك اللحظة ليلتقطها بين يديه بعدما سحبها بصورة مفاجأة، فوقعا الإثنين علي الأرض، بينما هي تهمس بندمٍ و شعور الدوار يداهمها بلا رحمة:

-كان نفسي أكون أقوي لكني مقدرتش. 

دفعته بكلا ذراعيها لتبعده عنها، ثم نهضت و هي تترنح في خطواتها، ثم دلفت للغرفة و هي ترتمي علي الفراش، لتطبق جفنيها بقوة هامسة بنبرة خافتة:

-نفسي كل حاجة تختفي..إنتَ، اللي حصل، خذلانك ليا، وجعي، نفسي أخلص من كل حاجة. 

فتحت عينيها لتسأله بإهتمامٍ ظهر علي تعابير وجهها:

-إنتَ فاهمني!؟ 

رأته يومئ لها بهدوء فأطبقت هي جفنيها ببطئ بعدما رأته يتحرك تجاه باب الغرفة، بينما هو ينظر لها مطولًا بتردده و بكل مشاعره المشتتة و فجأة إستمع لتلك الطرقات العنيفة علي الباب، ففتحه سريعًا قبل أن تستيقظ ليجد أمامه "يحيي" و "سندس" التي كادت أن تصرخ بوجهه بغضبٍ غير موصوف، و لكنه أوقفها عندما وضع سبابته أمام فمه لتصمت، و بالفعل صمتت و هي تتابعه و هو يهمس بنبرة هادئة ليلقي علي "يحيي" نظرات ذات مغزي:

-أنا عارف إنتِ جاية لية بس صدقيني مش وقته.."سيليا" تعبانة جدًا و محتاجة ترتاح و تنام، ياريت تفضلي معاها الكام ساعة دول إنتِ و أخوها لغاية ما أرجع تاني و خدوا بالكوا منها. 

خرج وقتها من الغرفة تاركًا إياهم، فركضت وقتها "سندس" للداخل و هي تبحث عن إبنتها بكلا عينيها، لتجدها أمامها نائمة علي الفراش بصورة عشوائية، فركضت ناحيتها لترتمي جالسة بجانبها علي الفراش لتلاحظ وقتها شحوب وجهها الواضح، فتمددت بجانبها وقتها و هي تسحبها ناحيتها لتحتضنها بحنوٍ هامسة بحزن:

-يا حبيبتي يا بنتي. 

تشبثت "سيليا" بثياب والدتها و هي نائمة بلا وعي، و لكنها فعلت ذلك تلقائيًا عند شعورها بالأمان، بينما "سندس" تربت علي ظهرها بحنان و هي تهدهدها برفقٍ، بينما "يحيي" يتابع الأمر بصمته الذي فضله في تلك اللحظات! 

____________________________________________

-أخباركم إية؟ 

قالتها "ياقوت" بإبتسامتها الزائفة التي رسمتها علي ثغرها بصعوبة، فردت وقتها والدتها "شاهيناز" قائلة بإبتسامتها السخيفة:

-زي الفُل يا عروسة. 

بينما الباقي يرد عليها بردودهم المجاملة عدا شقيقتها "وسيلة"، و بعد عدة لحظات صاحت هي بتساؤل و هي تلقي نظرات سريعة علي زوجها الذي كان يجلس بجانب والده:

-تشربوا إية؟

إبتسمت والدة "زاهر" قائلة بلطفٍ مصطنعٍ:

-عصير ليمون يا روحي.

أومأت لهم بصمتٍ، ثم إتجهت للمطبخ بخطواتها السريعة بعض الشئ، و بعد عدة دقائق وجدت "روفيدا" والدة "زاهر" تلج للداخل قائلة ببشاشة زائفة كشفتها "ياقوت" سريعًا لتشعر وقتها بعدم الإطمئنان:

-أخبارك إية يا عروسة!؟ 

إزدردت ريقها بصعوبة بالغة قبل أن تهمس بخفوتٍ:

-بخير. 

إتسعت إبتسامة "روفيدا" فتابعتها "ياقوت" بترقبٍ، فهتفت هي وقتها بلهجة آمرة:

-روحي هاتيلي شنطتي من برا عايزة أديكي حاجة. 

عقدت حاجبيها بتعجبٍ قبل أن تخرج من المطبخ بقلقٍ بائن علي وجهها بوضوحٍ، بينما "روفيدا" تخرج هاتفها من جيب بنطالها القماشي لتضغط عليه عدة ضغطات قبل أن تضعه علي أذنها قائلة بنبرة عالية بعض الشئ:

-بقولك إية أنا مش عايزة وجع دماغ. 

ثم صمتت قليلًا حتي شعرت ب "ياقوت" خلفها فتابعت حديثها قائلة بمكرٍ:

-و هي تقدر تتكلم دة انا امرمطها و أوريها شغل الحموات بجد. 

ثم أكملت بدهاء و إبتسامتها تتسع لتظهر نبرة الكراهية فيها، بينما "ياقوت" تستمع لما تقوله و الدموع تلتمع بعينيها:

-دي تحمد ربنا إن إبني رضي بيها رغم اللي كلنا عارفينه. 

 لتتابع بعدها بقسوة و بنبرة غاضبة:

-و متنسيش محدش عارف إن كان اللي حصلها دة بمزاجها ولا غصب عنها زي ما بتقول. 

تنحنحت "ياقوت" و هي تكفكف عبراتها عندما لم تستطع تحمل المزيد من كلمات تلك المرأة التي أصابت قلبها بجروح عديدة كانت تظنها إندملت منذ وقت طويل، بينما "روفيدا" تستدير لها و هي تضغط علي هاتفها عدة ضغطات قبل أن تضعه بجيبها قائلة بإرتباكٍ مصطنعٍ:

-"ياقوت" إنتِ هنا من إمتي!؟ 

إبتلعت تلك الغصة المريرة قبل أن ترد عليها بنبرة مبحوحة ملحوظة:

-لسة جاية. 

إبتسمت "روفيدا" بثباتٍ قبل أن تلتقط من بين يديها حقيبتها لتفتحها قائلة بنبرة لئيمة:

-جبتلك سلسلة تحفة يا "ياقوت" أول ما شوفتها قولت إنها عشانك علطول. 

أخرجت السلسلة من حقيبتها و هي تضعها بين يدي "ياقوت" و إبتسامتها الخبيثة تحتل ثغرها مجددًا:

-إتفصلي يا حبيبتي. 

نظرت للسلسلة لتجد بها أداة حادة، فجحظت عيناها بصدمة قبل أن تهتف بعدم تصديق:

-موس!

أومأت لها "روفيدا" عدة مرات قبل أن تتحرك بخطواتها البطيئة تجاه الخارج قائلة:

-أنا همشي بقي عشان معطلكيش. 

ضغطت بأصابعها بعنفٍ علي السلسلة قبل أن تتجه ناحية صندوق القمامة لترميها به قائلة بغضبٍ:

-دة إحنا شكلنا داخلين علي أيام مليانة خناقات...بقي تجيبلي سلسلة فيها موس معناه اية دة!؟ 

____________________________________________

-هو فين؟

قالها "تميم" بقتامة و هو يستعد لرؤية ذلك الأحمق، فرد عليه "برق" بهدوء و هو يشير لداخل ذلك المخزن:

-جوا. 

تحرك بخطواته الثابتة للداخل فراقبه "برق" بنظراته التي تتحدث عن حالته بالكثير و الكثير، ثم و بعد عدة دقائق وجده يخرج و هو يجر خلفه "بلال" بتلك الصورة المهينة ليضعه بداخل سيارته و هو فاقد الوعي من فرط الضربات العنيفة التي تلقاها، بينما "برق" يقترب منه ليهتف بنبرته الحزينة:

-مش عايز تسأل عن أختك؟ 

رد عليه بإقتضابٍ و هو يصعد سيارته بخطواتٍ سريعة:

-لا. 

تابعه و هو ينطلق بسيارته، ثم إتجه ناحية سيارته، لتمر بباله، لا تتركه و لن تتركه هو يعرف، ربما جرح قلبه يحتاج لوقت طويل ليندمل، ربما روحه المحترقة تحتاج لسنوات عديدة حتي تعد كما كانت، و لكن نسيانها!...ذلك هو المستحيل. 

____________________________________________

بعد مرور عدة ساعات

فتحت كلا جفنيها ببطئ شديدٍ و هي تعتدل في جلستها، فإنتفضت بتعجبٍ عندما وجدت والدتها و شقيقها أمامها، لذا صاحت بسعادة و هي تبتسم بإشتياقٍ:

-ماما. 

ركضت "سندس" ناحيتها صارخة بتلهفٍ:

-"سيليا" إنتِ كويسة يا بنتي؟

 تشبثت بملابس والدتها و هي تهمس بلهفة:

-وحشتيني يا ماما...وحشتيني اوي.

ربتت "سندس" بحنوٍ علي ظهرها قبل أن تهمس بجدية:

-إحكيلي يا "سيليا" حصلك إية بالظبط عشان أنا مش مصدقة اللي أخوكي قاله. 

تنهدت "سيليا" بعمقٍ و هلي تلقي نظرات سريعة علي شقيقها، قبل أن تومئ عدة مرات لوالدتها و هي تبدأ في قص ما حدث لها عليها. 

____________________________________________

كان يودعهم، بينما هي تدلف لغرفتهما منهارة بسبب ما حدث منذ قليل، و بعد عدة دقائق تحرك هو تجاه الغرفة و هو يتحسس الحائط فإستمع وقتها لصوت نحيبها الذي هز أرجاء المكان، لذا دلف للغرفة سريعًا و هو يهتف بتوجسٍ بعدما مد كلا ذراعيه للأمام باحثًا عنها:

-"ياقوت" إنتِ كويسة؟ 

دفنت وجهها بالوسادة قبل أن تصرخ بصوتٍ مكتومٍ:

-سيبني في حالي. 

إقترب منها بعدما وجدها من خلال إستماعه لصوتها، ثم جلس بجانبها و هو يسحبها لأحضانه قائلًا بأسفٍ و بنبرة مرتجفة:

-أنا أسف، أنا حقيقي أسف علي اللي حصل. 

إرتجف جسدها بعنفٍ و هي تصرخ بقهرٍ باكية بحرقة:

-كلهم شايفين إنك تستاهل واحدة أحسن مني، أنا مكانش بإيدي حاجة صدقوني مكانش بإيدي حاجة. 

ضمها لصدره بحنان قبل أن يبث الأمان لقلبها من خلال همسه ب:

-إنتِ أحسن حد أعرفه في حياتي، أنا معنديش غيرك يا "ياقوت"، صدقيني إنتِ أنضف منهم كلهم.

بكت بهستيرية قبل أن تضرب صدره بكلا يديها لتبعده عنها، و لكنه لم يسمح لها بل ظل يضمها بقوة و هو يحاول تهدأتها عندما كان يربت علي ظهرها برفقٍ، بينما هي تصرخ بنزقٍ قائلة:

-بطل كدب، إنتَ كداب. 

تشبث بها قبل أن يهمس بجانب أذنها بلطفٍ خفف من حدة الموقف:

-صدقيني يا "ياقوت" إنتِ هي أمنيتي في الحياة.

أبعدت رأسها قليلًا لتنظر لتعابير وجهه من وسط عبراتها التي غمرت وجنتيها ، هاتفة بتوترٍ و بنبرة متلعثمة:

-ل...لو مكنتش أ..اعمي كنت متجوزتنيش يا "زاهر". 

هز رأسه نافيًا و هو يرد عليها قائلًا:

-مش حقيقي، أنا بحبك و عمري ما حبيت حد قدك. 

ضم رأسها لصدره و هو يهدهدها و كأنها طفلته الصغيرة التي أخذها لأحضانه ليحميها من بطش العالم! 

____________________________________________

كادت "سندس" أن ترد علي إبنتها بصدمتها التي سيطرت عليها و لكنها توقفت عندما وجدت تلك الطرقات العالية علي الباب، فنهضت سريعًا تجاهه لتفتحه لتجد أمامها زوج إبنتها "تميم" الذي رمقته بكراهية و غل غير موصوفين و قبل أن تتحدث هتف هو بجمودٍ:

-يلا يا "سيليا" عشان هترجعي معايا و لوحدك. 

ضغط علي كلمته الأخيرة و هلي يلقي نظرات ذات مغزي علي "سندس" التي رفضت قائلة:

-بنتي مش هتمشي معاك لإنك هتطلقها
-مفيش طلاق و "سيليا" هتمشي معايا. 

قالها ببرودٍ و نظرات التحدي تشع من عينيه بوميضٍ مرعبٍ لا يبشر بالخير، فردت وقتها "سندس" رافضة بصرامة:

-و أنا قولت لا..

قاطعتها "سيليا" عندما إقتربت منها لتربت علي ظهرها قائلة بتوترٍ، و تعابير الرجاء تظهر علي ملامحها بوضوحٍ لتبرز مدي خوفها من أراء الناس حول حياتها:

-ماما مش هينفع أتطلق دلوقت، الناس هتقول عليا إية بعد ما أطلق بفترة صغيرة من جوازي كدة!؟

تنهدت والدتها بعمقٍ قبل أن تومئ لها قائلة بنبرتها الصارمة التي باتت لا تتحمل النقاش:

-ماشي مفيش طلاق دلوقت بس مش هتفضلي معاه. 

زفرت "سيليا" بضيقٍ قبل أن تصرخ بغيظٍ و هي تحاول كظم غضبها الذي يتفاقم بصورة مرعبة:

-و لما الناس تعرف إني قاعدة عندك تقول إية بردو!؟

رأت الرفض بعيني والدتها، فجزت هي علي أسنانها بنزقٍ قبل أن تتحرك بخطواتها المهتاجة للخارج متجاهلة كل شئ، ثم صرخت بنبرتها العالية التي جعلت تلك العلامات المنتصرة تظهر علي وجه "تميم" بصورة ملحوظة:

-يلا عشان نمشي. 

____________________________________________

باليوم التالي.

فتح كلا جفنيه ليجدها مازالت بين أحضانه هكذا، متشبثة بملابسه، بالإضافة إلي ملامحها الباكية التي ظلت هكذا منذ الأمس، أخرج "زاهر" تنهيداته الحارة و هو يربت علي كتفها برفقٍ قبل أن يعيد رأسه للخلف ليستند بها علي حافة السرير و هو يتذكر ما حدث بالأمس مما أدي إلي إنهيار زوجته الغير متوقع. 

(عودة للوقت السابق)

خرجت "روفيدا" من المرحاض لتتجه ناحية "سامر" الذي جلست بجانبه لتلتقط أذنها تلك الجملة التي قالها بنبرة خافتة لإبنه الذي كان يجلس علي الجانب الأخر:

-يابني أنا مش شايف أي مشاكل في إن مراتك تشتغل طالما حابة دة. 

شهقت وقتها "روفيدا" بصورة ملفتة للأنظار قبل أن تصرخ بنبرة عالية وضعت "ياقوت" في موقف محرج مزري، بالإضافة إلي كلماتها المسمومة التي أصابت تلك المسكينة بالألم الغير موصوف:

-هي مين دي اللي تشتغل إن شاء الله مش كفاية وافقنا نجوزها لإبننا رغم إنها واحدة ****! 

صمتت "شاهيناز" والدة "ياقوت" من فرط الصدمة، بينما والدها "غنيم" يرمقها بنظراته المشمئزة ليوبخها بعينيه بسبب وضعها لهم في تلك المواقف المخجلة بالرغم من عدم وجود ذنب لها، بينما "وسيلة" تشهق بعدم تصديق لما إستمعت فهي لم تصدق أن تكن "روفيدا" بتلك الوقاحة، أما "زاهر" فهو إنتفض واقفًا ليحذر والدته قائلًا:

-ماما مسمحلكيش تغلطي فيها. 

بينما والده "سامر" يهتف هو الأخر بإرتباكٍ:

-ميصحش كدة يا "روفيدا". 

رفعت روفيدًا حاجبها الأيسر بتحدٍ قبل أن تتابع بدهاء و هي تصطنع الحزن، لتنهض بعدها مباشرةً لتستعد للمغادرة بسبب ضيقها الزائف:

-يعني هو أنا غلطانة عشان خايفة علي إبني اللي ممكن تسوء سمعته بتصرفاتها المقرفة اللي محدش يعرف عنها حاجة!؟ 

رمقتها "ياقوت" بمقتٍ و عندما وجدتها تستعد لمتابعة الحديث صرخت هي بإنهيارٍ و هي تضرب الطاولة بقدمها ليقع من عليها صينية الأكواب الزجاجية الفارغة لتصدر ذلك الصوت المزعج:

-كفـاية بـقي كـفاية. 

تهاوت عبراتها علي كلا وجنتيها لتنتحب بقهرٍ، فإقترب منها "زاهر" بعدما حذر والدته مجددًا:

-إوعي تقولي حاجة تاني. 

جثي علي ركبتيه أمامها ليهمس أمام وجهها الباكي بنبرة لم يسمعها غيرها:

-متخافيش أنا معاكي، أرجوكي بطلي عياط.

و بتلك اللحظة قاطعته والدته التي صاحت بنبرتها التي أصبحت تصيب المرء بالإنزعاج:

-يلا يا "زاهر" عشان هنمشي. 

جز علي أسنانه بعنفٍ و لكنه حاول التحمل ليتخلص منهم في أسرع وقت، فتلك المسكينة علي حافة الإنهيار المفزعة، لذا نهض و هو يتجه معهم تجاه الباب بعدما تحسس الحائط، فغادروا جميعهم سريعًا ليتنفس هو بإرتياحٍ واضحٍ. 

(عودة للوقت الحالي) 

فتحت كلا جفنيها ببطئ و تضع كفها علي صدره لتستند عليه و هي تعتدل في جلستها قائلة بنبرة ناعسة:

-إنتَ صاحي؟

مد كفه باحثًا عن وجهها فإقتربت هي منه لتجده يمرر كفه علي خصلاتها بحنوٍ بعدما وجدها، ثم رد عليها بلطفٍ ليعتدل هو الأخر في جلسته:

-"ياقوت" إنتِ كويسة؟ 

إزدردت ريقها بصعوبة قبل أن ترد كاذبة بنبرتها الضعيفة:

-اة أنا تمام. 

تنفس بعمقٍ قبل أن يهتف بحزن بعدما لعق شفتيه:

-صوتك بيفضحك يا "ياقوت". 

زفرت بقلة حيلة قبل أن ترد عليه بقنوطٍ:

-الكلام مبيجيبش فايدة يا "زاهر". 

تحركت لتنهض من علي الفراش قائلة بإستياء و هي تكور كلا قبضتيها بعنفٍ:

-أنا تعبت...تعبت و معدتش مستحملة أكمل. 

نهض من علي الفراش ليتجه ناحية صوتها، فوقف قبالتها ليجدها تتابع بحسرة و علامات القهر واضحة علي تعابير وجهها التي إنكمشت بأسي:

-عارف...إمبارح لما مامتك هانتني و بهدلتني اللي وجعني وقتها مش كلامها، اللي وجعني إني حسيت إن مليش حد...مليش حد يدافع عني و يمنعها من إن هي تكمل كلامها و يحميني. 

ثم أكملت و علي ثغرها ترتسم تلك الإبتسامة الجانبية المريرة:

-حتي بابا كل اللي لقيته منه شوية نظرات لوم و كأني انا السبب في كل دة!

مد كلا ذراعيه ليطوق خصرها قبل أن يسحبها تجاهه و هو يضمها لصدره بحنان هامسًا بنبرته اللطيفة التي تبث الأمان لقلبها:

-صدقيني كل دة مش هيتكرر. 

ثم تابع بعتابٍ و هو يوبخها بنبرته التي كانت تلومها بمنتهي الجدية:

-و بعدين إزاي تقولي مليش حد و أنا موجود مش فاهم!؟

أبعدها عنه قليلًا قبل أن يكمل بمزاحٍ و هو يتمني أن تتحسن حالتها من خلال ما سيقوله:

-ها هتبتدي تدوري علي شغل إمتي؟

عقدت حاجبيها بتعجبٍ قبل أن تتسائل بعدم فهم:

-شغل!؟ 

إستطاعت إستيعاب ما قاله بعد عدة لحظات لتتسائل مجددًا بإستنكارٍ:

-إنتَ وافقت؟

أومأ لها عدة مرات قبل أن يرد عليها بنبرة شبه عادية و هو يبتسم لها بهدوء:

-أيوة وافقت، طالما دة هيفرحك، و غير كدة الشغل هيساعدك تخرجي من الحالة اللي إنتِ فيها الفترة دي.

لعقت شفتيها قبل أن تشكره قائلة:

-شكرًا يا "زاهر". 

ثم تحركت من أمامه لتخرج من الغرفة قائلة:

-هروح أجهز الفطار. 

بينما هو يرتمي علي الفراش هامسًا بأسفٍ و بنبرة خافتة غير مسموعة:

-ياريتني كنت أقدر أحميكي منهم.

____________________________________________

-هنزل شغلي قعدتي هنا ملهاش لازمة. 

قالتها "سيليا" بعدما تقدمت ناحية باب البيت، بينما هو خلفها يشاهد التلفاز بصمته المريب، فإلتفتت هي للخلف لتعقد حاجبيها بدهشة، لذا تفحصته بنظراتها المشدوهة قبل أن تزفر بمللٍ و هي تفتح الباب لتخرج منه للحديقة، ثم تابعت سيرها و لكنها توقفت فجأة عندما إستمعت لصوت ذلك الصراخ الذكوري، ففغرت فمها بذهولٍ و هي تهز رأسها مستفهمة بعدم فهم، تابعت سيرها و لكن تلك المرة خلف الصوت فظل الصوت يعلو كلما إقتربت من تلك الشجرة الكبيرة، فجحظت عيناها بتوترٍ عندما إزداد صوت الصراخ و ما جعلها ترتبك أكثر هو عدم معرفتها بمكان مصدر الصوت، إقتربت من الشجرة لتتسلقها بمهارة، ثم قفزت علي الجانب الأخر، فوجدت أمامها باب خشبي كبير، حاولت فتحه و لكنها لم تستطع فهو موصد بالمفتاح الخاص به، لذا وضعت أذنها علي الباب ليزداد الصراخ وضوحًا:

-لو مخرجتونيش من هنا هوديكوا فداهيا...خرجوني من هنا. 

كادت أن ترد عليه لتحاول مساعدته و لكنها تراجعت عندما شعرت بخطوات شخص ما خلف الشجرة، فجحظت عيناها بخوفٍ قبل أن تركض ناحية إحدي الأشجار التي إختبأت بها و هي تراقب ما يحدث، لتجده "تميم" فتابعته هي بتمعن و هو يفتح ذلك الباب! 

____________________________________________

-ها يا "مرزوق" طلبت تقابلني لية؟ 

قالتها "بيسان" بتلهفٍ و هي تجلس أمامه علي ذلك الكرسي الخشبي، فرد هو عليها بإبتسامته الهادئة:

-عشان اللي طلبتيه إتنفذ يا "بيسان" هانم. 

رأته يخرج حاسوبه ليفتحه أمامها علي سجلات كاميرات المراقبة، لذا إلتقطت الحاسوب لتسحبه ناحيتها و هي تري الحقيقة التي كانت تشعر بها، رأت "إياد" و هو يسحب "سيليا" تجاه ذلك البيت بإسلوبه الهمجي، و لكن ما لفت نظرها هو ذلك الشخص الذي دلف للبيت بعدها بعدة دقائق لتتذكر وقتها أغراض إبن شقيقتها التي سُرقت، إزدردت ريقها بصعوبة و هي تحاول إتخاذ قرارها..أهل تخبر "تميم"!؟..أم تحاول حماية "سيليا" من بطشه فقط!؟...ماذا عن إبنها الذي لن يتحمل صدمة حقيقة إبن خالته!؟...كورت قبضتها بعنفٍ و هي تهز رأسها بحيرة شديدة هامسة بخفوتٍ:

-"تميم" مش هيستحمل الصدمة! 

نظرت الي الحاسوب بتأففٍ قبل أن تهتف بإستفسارٍ:

-"مرزوق" تعرف تجيبلي الواد دة؟ 

رد عليها بتساؤلٍ و هو يهز رأسه عدة مرات:

-أنهي اللي خد البت لجوا البيت ولا اللي دخل بعديه؟ 

ردت هي عليه بثباتٍ و هي ترمقه بترقبٍ:

-أخر واحد دخل. 

حك مقدمة رأسه بترددٍ قبل أن يومئ لها عدة مرات قائلًا:

-إديني أسبوع طيب. 

رفعت كلا حاجبيها بتعجبٍ هامسة برفضٍ:

-بس أسبوع كتير أوي! 

رد عليها بلا مقدمات و هو يهز كلا كتفيه بقلة حيلة:

-أقل من أسبوع صعب صدقيني، متنسيش إنتِ عايزاني أجيبلك واحد لا عارفة إسمه ولا أي تفاصيل عنه ف ياريت تسيبيني أسبوع أحاول. 

زفرت بضيقٍ قبل أن تلتقط حقيبتها الجلدية من علي الكرسي الأخر لتخرج منها ذلك الظرف الورقي، ثم أعطته إياه قائلة:

-خُد دي الفلوس اللي إتفقنا عليها، و لو جبلتي الواد دة هديك قدهم مرتين.

أومأ لها عدة مرات قبل أن ينهض ليخرج من المقهي بخطواته السريعة، بينما هي تطرق رأسها مدمدمة ب:

-مش لازم "تميم" يعرف دلوقت أبدًا. 

____________________________________________

-إنطق يالا.

صرخ بها "تميم" بإهتياجٍ و هو يلكم "بلال" بعنفٍ شديدٍ، فبصق الدماء لتتلاحق أنفاسه قبل أن يهمس بنبرته الضعيفة، و قد أصبحت الرؤية لديه مشوشة:

-مليش دعوة باللي كان بيعمله انا مليش دعوة. 

قبض "تميم" علي مقدمة قميصه ليصرخ بنزقٍ و عينيه تجحظ بصورة تحذيرية مرعبة:

-كداب، إنتَ كنت تعرف عنه كل حاجة.

لكمه مرة أخري ليتأوه صارخًا هاتفًا ب:

-هقول..هقول كل اللي أعرفه. 

قبض "تميم" مجددًا علي مقدمة قميصه هاتفًا بقتامة تصيب المرء بالإرتعاد:

-"سيليا" مظلومة ولا لا؟...إنتَ فاهم أنا بتكلم علي إية كويس أوي. 

لعق "بلال" شفتيه قبل أن يرد عليه من وسط لهاثه بنبرته التي خرجت بصعوبة بالغة، بينما "سيليا" تتابع ما يقوله من الخارج بصدمة:

-"إياد" كان عايزها بس عرف من صحابها إنها ملهاش في الشم**، فقرر وقتها ياخد منها اللي هو عايزه غصب. 

ثم تابع من وسط سعاله العنيف، بينما "تميم"يتركه بعدما إنفرجت شفتاه بعدم تصديق:

-و أنا وقتها ساعدته عشان يعرف يراقبها و كنت بقوله علي كل مكان بتروحه، لغاية ما جه اليوم اللي هو شافه مناسب و فضل ماشي وراها لغاية ما دخلت الشارع المهجور دة، و معرفش حاجة تاني. 

وقتها "سيليا" لم تستطع السيطرة علي أعصابها فدلفت للمكان بخطواتها السريعة و هي تصرخ بنبرتها المهتاجة، لتركض بعدها ناحيته كالثور الهائج حتي تنهال عليه بالضربات العنيفة التي لم يستطع "بلال" مقاومتها:

-يا ولاد ال***.
-لقيتي شغل؟ 

قالها "زاهر" بتساؤلٍ بعدما إستمع لصوت إنفتاح الباب ليعلم وقتها بوجودها، فردت هي وقتها بإرهاقٍ:

-اة في صيدلية علي أخر الشارع هشتغل فيها. 

أومأ لها عدة مرات قبل أن يهمس بقلقٍ و هو يقترب منها بعد إستماع صوتها:

-"ياقوت" إنتِ شكلك تعبانة أوي. 

أومأت له عدة مرات قبل أن تهتف بنبرة أصبحت ضعيفة من فرط الإنهاك:

-أنا فعلًا تعبانة جدًا. 

ثم تابعت و هي تتركه لتتجه ناحية الغرفة:

-أنا هروح أرتاح شوية. 

لم تكمل خطواتها تجاه الغرفة بسبب وقوعها علي الأرض، لتقف علي ركبيتها و هي تضغط بكلا كفيها علي رأسها بعنفٍ لعل ذلك الصداع يتركها، بينما هو يتقدم بخطواته للأمام باحثًا عنها و هو يصيح بهلعٍ:

-"ياقوت"..."ياقوت" إنتِ كويسة!؟

مدت كفها تجاه الأريكة لتستند عليها و هي تنهض ببطئ هامسة بنبرتها المرتجفة:

-أنا كويسة يا "زاهر" متخافش. 

دلفت للغرفة بخطواتها البطيئة، ثم إرتمت علي الفراش بحذرٍ و هي تحاول مقاومة شعور الدوار الذي لاحقها بلا رحمة لتصبح في حالة واهنة هكذا، أطبقت جفنيها و عبراتها تتهاوي علي وجنتيها لتتذكر وقتها الكثير من الأشياء، لتتذكر وقتها الماضي الذي لا يتركها، الماضي الذي ينغص حياتها، حياتها الذي تدمرت و مازالت تتدمر، زواجها الذي لا تعرف إن كان مناسب أم لا، "زاهر" الذي لا تريد أن تظلمه معها، لا تريد أن تظلمه مع فتاة تعيسة مثلها، لا تريد أن تظلمه مع فتاة ينظر لها المجتمع بنظرة ليست لطيفة، لا تريد أن تظلمه مع فتاة معقدة مثلها، و عند تلك اللحظة ذرفت عيناها دموع حارة ألهبت وجنتيها و هي تضع كلا كفيها علي فمها لتكتم صوت نحيبها، لتصدر وقتها ذلك الأنين الخافت و هي تستسلم للنوم الذي كان يلح عليها بشعور النعاس، بينما هو يقف أمامها و هي لا تشعر به، بينما هو يقف أمامها و هو يشعر بصرخاتها المكتومة، يقف أمامها و هو يشعر بالعجز علي جعلها سعيدة، شعور العجز ذلك يقتل الإنسان بلا تهاون، خاصة عندما يقف أمام معشوقه و هو غير قادر علي مساعدته، عندما يقف أمام معشوقه الذي يغرق و مع الأسف و هو غير قادر علي السباحة! 

____________________________________________

غزرت أظافر كفها الأيمن بوجه "بلال" الذي صرخ بألمٍ بعدها مباشرةً، و غزرت أظافر كفها الأيسر بذراع "تميم" الذي حاول سحبها بعيدًا عنه، بالإضافة إلي رفضها صارخة بنبرة عالية ألمت حنجرتها:

-إبــعد عني.

ركلت "بلال" ببطنه عدة مرات بكلا قدميها و هو تسبه بسبابٍ لاذعٍ صارخة بإهتياجٍ و غضبها الجحيمي يتفاقم بصورة لا تبشر بالخير:

-يابن ال***...أنا مش هسيبك عارف يعني إية مش هسيبك؟

سحبها هو وقتها بعنفٍ مفاجئ و هو يصرخ بوجهها بإحتدامٍ لتتلاحق أنفاسه بعبوسٍ:

-كـفاية

أخذ صدرها يعلو و يهبط من فرط اللهاث لتتابع بعدها صراخها بسخطٍ و هي ترمقه بإنفعالٍ إزداد حتي وصل لذروته:

-ها صدقتني دلوقت؟

عم الصمت المكان خلال تلك اللحظات بسبب فقدان "بلال" للوعي من قوة الضربات التي تلقاها، فلم يشعر به أحد، لتكن وقتها النظرات هي المتحدث في ذلك الموقف، نظرات نارية يتبادلاها و عيناهما تشتعل بوميضٍ تحذيري ينبه بوجود حرب سوف تدق طبولها بأي لحظة، ليكن وقتها التوتر بينهما أوج ذروته، لتكمل هي صراخها بإمتعاضٍ:

-رُد عليا. 

تجهمت ملامحه و هو يتابعها بوجومٍ، فهو مازال في صدمته في إبن خالته صديق طفولته، و بالرغم من كل ما حدث إلا إن هناك شئ بداخله يحثه علي عدم تصديق ما قاله "بلال"، ليس من السهل تقبل الصدمة و تجاوزها، هناك الكثير لا يستطيعون إستيعاب الكثير من الصدمات، أما هي فصمته أثار حفيظتها أكثر لتصرخ وقتها بغضبٍ و عروق نحرها تبرز بعصبية:

-إنتَ أكتر واحد أنا كرهته في حياتي. 

ثم تابعت بمقتٍ و بنبرة تزداد حدة:

-علي قد ما حبيتك علي ما كرهتك. 

أطرق رأسه هروبًا من كلا عينيها، بينما تعابير وجهها تكفهر لتتسائل بتهكمٍ و علي ثغرها إبتسامة جانبية ساخرة:

-إية خايف تبُص في وشي!؟

ثم تابعت بحسرة علي كل ما حدث لها خلال تلك الفترة العصيبة:

-عمري في حياتي ما هسامحك علي اللي عملته فيا. 

تحركت بخطواتها تجاه الخارج راكضة لتخفي وقتها بكاؤها بأسي ظهر بوضوحٍ علي تعابير وجهها التي إنكمشت بقهرٍ، بينما هو يرفع رأسه و هو يهمس بتوترٍ:

-لازم يكون في حاجة غلط، إستحالة أكون ظلمتها. 

ثم تابع بعدم إستيعاب و عبراته تلتمع بعينيه:

-أكيد دة مش حقيقي. 

____________________________________________

دلفت للبيت بخطواتها السريعة التي تظهر غصبها بمنتهي الوضوح، و فجأة توقفت عندما إستمعت لصوت "بيسان" و هي تهتف بتلهفٍ:

-"سيليا" في حاجة مهمة جدًا لازم تشوفيها. 

عقدت حاجبيها بعبوسٍ قبل أن تستدير لترد عليها بنزقٍ لم تستطع السيطرة عليه:

-مينفعش الحاجة دي تتأجل!؟

هزت "بيسان" رأسها نافية لتلاحظ وقتها "سيليا" مدي إهتمامها بالأمر، فتنهدت بقلة حيلة و هي تسير معها تجاه المكتب، و ما إن دلفت معها صاحت بتبرمٍ:

-ياريت تقوليلي عايزة إية بسرعة عشان معنديش طاقة لأي حاجة. 

جلست "بيسان" أمامها علي تلك الأريكة و هي تفتح ذلك الحاسوب الموضوع علي الطاولة قائلة:

-تعالي إقعدي. 

زفرت "سيليا" بضجرٍ قبل أن تتقدم بخطواتها منها، لتجلس بجانبها بالفعل و هي تمرر كلا كفيها علي وجهها بعنفٍ، و فجأة توقفت عندما رأت نفسها بشاشة الحاسوب و هي تُسحب علي يد ذلك الحقير لداخل ذلك البيت، فصاحت هي بذهولٍ:

-الكاميرات إتصلحت!

أومأت لها "بيسان" عدة مرات و هي تري تأثرها الشديد بما تراه من مقاومتها الضارية ل "إياد" الذي كان يسحبها قسرًا، لتري وقتها تلك العبرات التي ترقرقت بعينيها و هي تطرق رأسها رافضة متابعة المشاهدة، و بتلك اللحظة هتفت "بيسان" بجدية و هي تنظر في عينيها مباشرةً:

-مش دة المهم يا "سيليا"، دة كلنا عارفينه، المهم الجاي. 

جففت "سيليا" عبراتها و هي تعقد حاجبيها بعدم فهم لتهز رأسها بإستفهامٍ هامسة بنبرة متعجبة:

-إية اللي جاي مش فاهمة!؟

صوبت "بيسان" نظراتها تجاه الحاسوب، فنظرت "سيليا" تجاه ما تنظر هي له لتجد ذلك الرجل يدلف للبيت هو الأخر، فإتسعت هي حدقتاها صائحة بذهولٍ:

-مين دة!؟

ردت عليها "بيسان" بعدما تنهدت بعمقٍ:

-دة أكيد الشخص اللي سرق "إياد". 

أغلقت "سيليا" الحاسوب و عينيها مصوبة تجاه نقطة ما، لتهتف بعدها بتساؤلٍ لتتابعها وقتها "بيسان" و هي غير مطمئنة لتعابير وجهها الغير مفهومة:

-"تميم" يعرف دة!؟ 

لعقت "بيسان" شفتيها قبل أن تهمس بإرتباكٍ و هي تنظر ل "سيليا" بترقبٍ:

-"سيليا" "تميم" كان قريب من "إياد" جدًا، و كانوا تقريبًا زي الأخوات و يمكن أكتر، صدقيني "تميم" مش هيعرف يستوعب الصدمة. 

إرتسم علي ثغرها إبتسامة جانبية ساخرة قبل أن تهتف بنبرة متهكمة:

-للدرجة دي خايفة علي إبنك!؟ 

رأتها تطرق رأسها بحرجٍ فتابعت هي هامسة بيأسٍ و إبتسامتها المريرة ترتسم علي ثغرها:

-أنا خلاص معادش هاممني غير إني أمشي من هنا، مش عايزة حاجة تاني. 

ثم أكملت بنبرة صارمة لا تتحمل النقاش:

-تميم" لازم يطلقني.

____________________________________________

باليوم التالي. 

-و هتفضل تهرب مني لغاية إمتي!؟ 

قالتها "سيليا" بحدة و هي تدلف خلفه للغرفة، فرد هو عليها بإقتضابٍ و هو يتعمد إخفاء وجهه عن نظرات عينيها:

-إبعدي عني يا "سيليا". 

كاد أن يبتعد عنها ليخرج من الغرفة و لكنها وقفت أمامه لتمنعه من إكمال سيره فلاحظت هي وقتها وجهه الممتقع بصورة واضحة، فهتفت هي بإحتدامٍ لتحاول تجاهل حالته الغير طبيعية تلك:

-هنتطلق إمتي؟

نظر في عينيها مباشرةً بشرودٍ ملحوظٍ و لم يرد عليها، هو فقط يتأملها و يتأمل عينيها التي كانت ترمقه بعدم فهم، و لأول مرة يقع في تلك الحيرة القاتلة، و لأول مرة لا يعرف ما الذي يجب عليه فعله، لذا و بعد عدة لحظات تحرك هو ببطئ مبتعدًا عنها ليخرج من الغرفة، فأوقفته هي مجددًا عندما قبضت علي ذراعه بقوة لتسحبه للداخل، فتراجع هو وقتها بصورة مفاجأة و هو يدفعها تجاه الحائط ليحاصرها بين ذراعيه صارخًا بنبرة مهتاجة جعلتها تنتفض بفزعٍ:

-قولتلك إبعدي عني، لية مبتسمعيش الكلام؟...لية مش عايزة تستوعبي إني مش هقدر أتكلم دلوقت؟..مش هقدر أتناقش دلوقت، تقبلي دة و إحترمي سكوتي. 

ضربت صدره بعنفٍ و هي توبخه صارخة بإحتدامٍ:

-إنتَ مقدمتليش دة عشان أقدمهولك..إنتَ كسرتني و كسرت قلبي. 

قبض علي كلا ذراعيها بقوة ألمتها و هو يرفعهما لأعلي رأسها، ليرد عليها بصراخٍ هز أرجاء المكان:

-مش عايز أتكلم إنتِ لية مبتفهميش!؟

لاحظت إقترابه الشديد منها لتشعر وقتها بإنفاسه الحارقة و هي تلفح كلا وجنتيها، بالإضافة إلي نظراته النارية التي كادت أن تحرقها بمكانها، و بالرغم من التوتر الذي كان يسيطر علي الموقف صاحت هي بإصرارٍ:

-وجودي معادش له لازمة سيبني أمشي من هنا و طلقني. 

إرتسم علي ثغره إبتسامة جانبية ساخرة قبل أن يهتف بإستهزاء:

-دلوقت عايزة تتطلقي مش كنتي رافضة عشان الفترة الصغيرة اللي عدت علي جوازنا!؟ 

كورت كلا قبضتيها قبل أن ترد عليه بإنفعالٍ:

-يولع الناس و كلامهم، أنا أساسًا بعد ما أتطلق هسافر من هنا و هسيب مصر.

عقد حاجبيه بتهكمٍ قبل أن يرد عليها بنبرة قاتمة أصابتها بالدهشة:

-مش بالسهولة دي هسيبك يا "سيليا". 

جحظت عيناها بتوترٍ قبل أن تهتف بعدم فهم:

-يعني إية؟

ترك كلا ذراعيها فأنزلتهما بألمٍ، و هي تتابعه بنظراتها المشدوهة و هو يقول بجدية:

-يعني أنا و إنتِ ممكن نبقي زوجين ناجحين، و كمان حياتنا تبقي ناجحة. 

لوت شفتيها بقسوة تحتقره قبل أن تهتف برفضٍ ظهر بكلا عينيها بوميضٍ واضحٍ:

-و إن قولتلك لا!؟...إية هتعيشني معاك بالعافية؟ 

هز رأسه نافيًا قبل أن يوضح لها قائلًا ببساطة أثارت حفيظتها:

-لا بس هقولك نجرب. 

عبست ملامحها قبل أن تزفر بمللٍ و هي تتسائل قائلة بعجرفة:

-نجرب إية!؟

جلس أمامها علي تلك الأريكة قبل أن يرد عليها بهدوء جعل شعور الصدمة يزداد بداخلها:

-نجرب نبقي كدة، يعني ندي نفسنا مدة سنة أو سنتين..

قاطعته بوجه مكفهر و هي توبخه بنبرتها المتغطرسة:

-سنة ولا سنتين مين دة أنا عايزاك تطلقني إنهاردة قبل بكرة!؟ 

تابع هو حديثه بلا إكتراث متجاهلًا ما قالته منذ عدة لحظات:

-منها نجرب نبقي ناجحين في حياتنا و منها متتطلقيش بعد فترة صغيرة من جوازك و تضطري بعدها تهربي من مصر عشان كلام الناس و تسافري.

ثم تابع بترقبٍ و هو يتابعها بنظراته المتمعنة:

-ها موافقة؟
-موافقة. 

و لما لا تنتقم كما إنتقم هو!؟...لما لا تنتقم لكرامتها التي تمت إهانتها علي يديه!؟...لما لا تجعل حياته جحيم مثلما فعل!؟..تلك هي الفرصة التي لا تأتي إلا مرة واحدة و هي لن تتخلي عنها، ستذيقه العذاب بلا رحمة و هي تستطيع فعلها، لذا همست هي بتلك الكلمة بعدما مرت تلك الأفكار الجنونية برأسها، فأومأ هو لها بصمته المريب قبل أن ينهض ليتحرك خارجًا من الغرفة، فهمست هي وقتها بغلٍ و هي تضرب قدمها بالأرض بإنفعالٍ:

-إن مكسرتش قلبك يا شيطان إنتَ زي ما عملت فيا مبقاش "سيليا". 

____________________________________________

-ما كفاية قعاد في الأوضة يا "رحيق"، دة إنتِ من ساعة ما جيتي و إنتِ مخرجتيش. 

قالتها "تالين" و هي تتأمل ملامح وجه صديقتها التي كانت شاحبة واهنة بصورة لا تبشر بالخير، هي حتي لم تصدق عينيها عندما رأتها للمرة الأولي بوجهها الذابل و تعابير وجهها التي فقدت حيويتها و حماسها المعهود، و بتلك اللحظة ردت "رحيق" بنبرتها المبحوحة من فرط البكاء خلال تلك الفترة الطويلة:

-عملتي إية في موضوع الشغل اللي قولتلك عليه؟ 

إبتسمت "تالين" بخفة قبل أن ترد عليها بفخرٍ:

-مش قولتلك ثقي فيا كدة كدة صاحب الشركة اللي بشتغل فيها مصري زينا و زي ما تقولي كدة صحاب أوي، و أول ما عرف إن حد تبعي محتاج شغل وافق علطول إنك تشتغلي.

أومأت لها بصمتٍ و هي تضم كلا ركبتيها لصدرها، فإقتربت منها "تالين" لتجلس بجانبها علي الفراش، ثم ربتت علي ظهرها قائلة بحنوٍ و بنبرة لطيفة:

-أنا مش هتكلم في فكرة إني حذرتك كتير، ولا هتكلم في نتيجة تصرفاتك الغلط، أنا بس عايزة أقولك إن كلنا بنغلط و بنتعلم من غلطنا، و بنقابل في ناس و نفارق فيهم، و في الأول بنحس إن الحياة واقفة بس صدقيني هي مبتقفش علي حد و بتكمل عادي جدًا. 

هزت "رحيق" رأسها نافية قبل أن تهمس بيأسٍ، و هي تحاول السيطرة علي عبراتها التي إلتمعت بعينيها بتلك اللحظة:

-ميتهيأليش إنها هتكمل عادي جدًا. 

عقدت "تالين" حاجبيها بذهولٍ تتعجب من إنعدام الأمل الذي سيطر عليها، فلعقت هي شفتيها قبل أن تتسائل بترددٍ و هي تتابع تعابير وجهها بإهتمامٍ:

-"رحيق" إنتِ حبيتيه!؟ 

رمشت "رحيق" بعينيها عدة مرات بإرتباكٍ قبل أن تهمس بنبرة غريبة:

-تقصدي "برق" مش كدة؟ 

أومأت لها "تالين" عدة مرات و هي تستمع لها بإكتراثٍ و هي تقول:

-يمكن لا، بس عُمري في حياتي ما حسيت إني خذلت حد للدرجة دي. 

ثم تابعت بأسفٍ ظهر في نبرتها المرتجفة بوضوحٍ، أما عبراتها فهي ظلت تحاربها بضراوة حتي إنهمرت علي كلا وجنتيها:

-حُبه ليا، و حمايته ليا حسسوني إني ليا ضهر أتسند عليه، بس في نفس الوقت حسيت إني مستاهلش دة، ولا هو يستاهل دة، هو يستاهل الأفضل يا "تالين".

ثم أكملت و هي تنتحب بحرقة ملحوظة في نبرتها التي سيطر عليها القهر:

-كلامه و كل حاجة هو عملها كانت زي القلم اللي نزل علي وشي عشان يفوقني من اللي كنت فيه. 

تابعت بنبرة ضعيفة و عبراتها الحارة تلهب كلا وجنتيها، بينما صديقتها تتابعها بأسي حقيقي ظهر في عينيها التي كانت تنظر لها بحزن:

-بالرغم من قسوة كلامه إلا إني ممتنة ليه إنه فوقني، تعرفي أنا عُمري ما كنت أتمني إن حد يحسسني إني رخيصة بالشكل دة.."برق" عمل كدة و بالرغم من دة إلا إني عُمري ما كرهته. 

سحبتها صديقتها بهدوء ناحيتها لتربت علي ظهرها بحنان هامسة بنبرة مغتمة علي ما حدث لها:

-إنسي يا "رحيق" عشان تعرفي تعيشي، إنسي عشان ترتاحي. 

____________________________________________

-أخبار الشغل إية يا "وافي"؟ 

قالتها "سيليا" بجدية بعدما دلفت للصيدلية الخاصة بها، لتوجه حديثها ل "وافي" الذي يعمل معها بها، فرد هو عليها ببشاشة:

-حمدلله علي السلامة يا دكتورة "سيليا"، الشغل تمام. 

أومأت له عدة مرات و نظراتها متعلقة بتلك الفتاة التي كانت تبتسم لها بمجاملة، فأشارت لها برأسها بإستفهامٍ قبل أن تنظر ل "وافي" الذي رد عليها بهدوء:

-دي "ياقوت" هي جديدة هنا، أنا لقيت حد جديد معانا زي ما حضرتك طلبتي.

أومأت له بصمتٍ قبل أن تهتف بإقتضابٍ:

-نورتي يا "ياقوت".

ردت عليها "ياقوت" برقة و هي تفرك كلا كفيها بتوترٍ:

-بنورك. 

كادت "سيليا" أن ترد و لكنها توقفت عندما تعالي صوت رنين هاتفها، فأخرجته من جيب بنطالها و هي تنظر لشاشته لتعرف هوية المتصل، فضغطت عليه بعدما عقدت حاجبيها بذهولٍ و هي تضعه علي أذنها قائلة:

-الو. 

إستمعت لرد "بيسان" والدة زوجها بتأففٍ قبل أن تهتف بإيجازٍ:

-حاضر نص ساعة بالكتير و يكون عندك..سلام.

أغلقت الخط قبل أن توجه حديثها ل "ياقوت" التي تابعتها بإرتباكٍ ملحوظٍ:

-"ياقوت" في دوا هتاخديه و توديه علي العنوان اللي هكتبهولك. 

إلتقطت تلك الورقة و القلم من علي تلك الطاولة الصغيرة قبل أن تدون عليه العنوان بالتفصيل، فألقت نظرات سريعة علي "ياقوت" التي ظهر علي تعابير وجهها الرفض الواضح، فصاحت وقتها "سيليا" بنبرة بثت بعض من الأمان لقلبها:

-متخافيش يا "ياقوت" أنا مودياكي لحماتي يعني حد واثقة فيه. 

مدت كفها بالورقة تجاهها فإلتقطتها "ياقوت" بكفٍ مرتجفٍ و هي تومئ عدة مرات بقلة حيلة، فذلك هو أول يوم لها بالعمل الذي لا تريد خسارته أبدًا! 

____________________________________________

-إنتَ فين؟ 

قالها "تميم" بنبرته الباهتة و هو يستند بجسده علي ذلك الحائط، فرد عليه "برق" بنبرة مستهزئة:

-و بتسأل لية!؟ 

تنهد بعمقٍ قبل أن يهتف بضيقٍ واضحٍ بنبرته المهتزة:

-خلص يا "برق" إنتَ فين؟

رد "برق" بتلك اللحظة بعدما لاحظ نبرته التي لا تبشر بالخير، بل تدل علي وجود مصيبة ما:

-رجعت القاهرة في بيتي. 

تحرك "تميم" بتلك اللحظة خارجًا من البيت لحديقته، ليهتف علي عجالة و هو يتجه ناحية سيارته:

-أنا جايلك دلوقت حالًا. 

أغلق الخط بعدها مباشرةً وهو يصعد سيارته ليدير محركها و هو ينطلق بها سريعًا، و بداخله نيران تتأجج بصدره بلا رحمة. 

____________________________________________

تنفست بعمقٍ قبل أن تطرق علي الباب بعدة طرقات خفيفة، و هي تضغط علي الحقيبة البلاستيكية التي كانت بين يديها، و بعد عدة لحظات فتحت "بيسان" لها الباب قائلة بتعجبٍ:

-إنتِ مين؟ 

ردت "ياقوت" وقتها بنبرة مرتجفة و هو تحاول التخلص من شعور التوتر الذي داهمها بصورة مفاجأة بتلك اللحظة:

-أ..أنا "ياقوت" شغالة في صيدلية دكتورة "سيليا" هي قالتلي أجي علي العنوان دة و أديكي الدوا دة. 

أكملت جملتها لتمد ذراعها بالحقيبة البلاستيكية بعدها مباشرةً تجاه "بيسان" التي إبتسمت بخفة لتلتقطها منها قائلة بترحابٍ:

-أهلًا و سهلًا.

إبتسمت "ياقوت" بصورة هادئة و كادت أن تتحرك لتغادر المكان و لكن "بيسان" أوقفتها عندما هتفت بإصرارٍ واضحٍ بنبرتها:

-إية دة إنتِ هتمشي ولا إية!؟...مينفعش تيجي هنا منغير ما تدخلي و تشربي حاجة. 

إتسعت إبتسامتها المجاملة و هي تهز رأسها رافضة:

-ميرسي جدًا لذوق حضرتك بس أنا فعلًا مش هقدر ورايا شغل و لازم أرجع تاني. 

قبضت "بيسان" علي ذراعها برفضٍ صائحة بنبرة صارمة لا تتحمل النقاش:

-أنا قولت مينفعش تمشي يعني مينفعش تمشي، لازم تدخلي تشربي حاجة.

تنهدت "ياقوت" بحنقٍ عندما رأت إلحاحها العجيب، و كادت أن ترفض بعجرفة و لكنها تذكرت هوية تلك المرأة، فهي والدة زوج ربة عملها و بالتالي لن تستطيع رفض أي طلب لها و إلا ستخسر عملها الذي لن تجد غيره بالتأكيد خلال تك الفترة، لذا و بمنتهي قلة الحيلة أومأت لها بتبرمٍ أخفته بإبتسامتها الخفيفة، لتدلف بعدها مع "بيسان" التي رحبت بها قائلة:

-يا أهلًا و سهلًا. 

سارت "ياقوت" معها تجاه غرفة الصالون التي دلفتها لتجلس بعدها مباشرةً علي تلك الأريكة الفاخرة، و بتلك اللحظة صاحت "بيسان" بهدوء:

-أنا عاملة عصير مانجا تحفة لازم تدوقيه...تمام؟ 

أومأت لها عدة مرات قبل أن تهتف بلباقة:

-زي ما حضرتك تحبي. 

أومأت لها "بيسان" بخفة قبل أن تخرج من الغرفة، بينما هي تهمس بنبرة غير مسموعة و لكنها تدل علي غيظها الشديد من ذلك الموقف الذي وقعت فيه:

-أنا كان مالي بحماتها ولا مرات أبوها، ما كانت تروح هي ليها!

و فجأة تعلقت أنظارها بتلك الصورة الموضوعة علي الحائط، فجحظت عيناها بصدمة و هي تري ذلك البغيض الذي لم تنس ملامحه و لو ليومٍ، و بتلك اللحظة دلفت "بيسان" و لم تشعر بها، بسبب إنهيارها الذي ظهر عندما صرخت بهلعٍ و هي تتراجع للخلف لتنكمش علي نفسها برعبٍ صائحة بتوسلٍ و هي تبكي بهستيرية:

-إبعدوه عني لا. 

إتسعت حدقتا "بيسان" و هي تتراجع بخطواتها للخلف قليلًا متسائلة بصدمة:

-حصلك إية يا بنتي!؟

وضعت كوب العصير علي الطاولة و هي تنظر تجاه صورة "إياد" التي كانت نظراتها مصوبة ناحيتها، و كادت أن تتابع حديثها بتساؤلٍ، و لكنها توقفت عندما قبضت "ياقوت" علي ذلك الكوب لترميه ناحية إطار الصورة بمنتهي العنف ليتحطم زجاجه و هو يقع علي الأرضية ليزداد تحطمه، بينما هي تتابع صراخها بإهتياجٍ و جسدها يرتجف بقوة، لتخبئ بعدها وجهها بكلا كفيها بإرتعابٍ شديدٍ:

-لا متخليهوش يقرب مني هو و صاحبه دة لا. 

إنتحبت بألمٍ و هي تحاول التنفس بصورة طبيعية، و كل ذلك وسط شهقاتها التي تتعالي بصورة سريعة، و فجأة شعرت بكف "بيسان" التي ربت علي ظهرها فإزدادت رعشة جسدها و هي ترفض صارخة بعصبية و عروق نحرها تبرز بوضوحٍ:

-متقربيش مني إبعدي عني.

إنتفضت "بيسان" مبتعدة و هي تلاحظ سوء حالة تلك الفتاة، لذا إلتقطت هاتفها من علي الطاولة و هي تضغط عليه عدة ضغطات قبل أن تضعه علي أذنها قائلة بخوفٍ:

-"سيليا" إلحقيني بسرعة. 

____________________________________________

-مش ناوي تتكلم؟ 

قالها "برق" بعد صمت صديقه الذي طال لعدة دقائق، فرد وقتها "تميم" و تعابير وجهه الباهتة تنكمش بأسي:

-عُمري ما كنت أصدق إنه كدة يا "برق".

ثم تابع بإستياء و هو يطرق رأسه بحزن ليخفي عبراته التي إلتمعت بعينيه لتوضح مدي صدمته التي لم يستطع تجاوزها حتي الآن:

-فضلت مش مصدق كتير بس كل حاجة ضده، كل حاجة بتقول إنه كان ***. 

عقد "برق" حاجبيه بعدم فهم، و كاد أن يتسائل بفضولٍ، و لكنه توقف عندما وجد صديقه ينظر في عينيه مباشرةً و عبراته تتهاوي علي كلا وجنتيه، فهمس هو بتلعثمٍ و هو يزدرد ريقه بصعوبة بالغة:

-سامعك.. ي...يا "تميم" كم..كمل.

إرتسم علي ثغره إبتسامة جانبية مريرة قبل أن يهتف بعدم إستيعاب مازال يسيطر عليه حتي الآن:

-مصدقتش "سيليا" لما قالت إن "إياد" كان بيحاول يعتدي عليها، حتي "بلال" لما إعترف و قال إنه كان ناوي علي كدة عقلي مش راضي يستوعب دة. 

جحظت عيناه بصدمة قبل أن يهمس بدهشة:

-إية!؟ 

تابع "تميم" بنبرته الباكية و هو يمرر كلا كفيه علي وجهه ليجفف عبراته الغزيرة:

-"سيليا" وقتها طلبت الطلاق بس أنا رفضت و طلبت منها تفضل معايا! 

فغر" برق" فمه بتعجبٍ قبل أن يتسائل و هو يتابعه بنظراته المشدوهة:

-لية طلبت منها دة؟ 

رد عليه "تميم" و هناك نيران تشتعل بكلا عينيه بوميضٍ مخيفٍ لا يبشر بالخير، لينظر لصديقه بنظراته النارية المرعبة:

-عشان لسة مش مقتنع بإن "إياد" عمل كدة، أنا لسة متأكد إن في حاجة غلط.
-إلحقيني يا "سيليا" البنت اللي بعتيها دي عمالة تصرخ و تصوت، و مش مبطلة عياط حتي. 

قالتها "بيسان" بهلعٍ ما إن دلفت "سيليا" للبيت التي هاتفتها بإستنجادٍ لتساعدها في ذلك الموقف المروع! 

تقدمت "سيليا" بخطواتها سريعًا تجاه غرفة الصالون حيث صوت النحيب الذي كان يعلو بصورة مفزعة، و ما إن دلفت إنصدمت مما رأته، فهي وجدتها في حالة منهارة لا توصف، و هي تضم كلا ركبتيها لصدرها لتدفن وجهها بين كلا كفيها باكية بحرقة و بصوتٍ يؤلم القلوب، إقتربت "سيليا" ببطئ منها هامسة بحذرٍ:

-"ياقوت"، إ..إنتِ كويسة؟

رأت وقتها إرتجافة جسدها التي إزدادت عنفًا، فإزدردت هي ريقها بصعوبة من فرط التوتر الذي سيطر عليها خلال ذلك الموقف الذي لم تعرف فيه ما الذي يجب عليها فعله، إقتربت منها أكثر و علامات التردد تظهر علي وجهها بوضوحٍ، ثم وضعت كفها علي كتفها و كادت أن تتحدث، و لكنها تفاجئت بها و هي تهب واقفة لتدفعها بعيدًا عنها، فكادت هي أن تقع بعدما تعثرت قدمها و لكن تقدمت وقتها "بيسان" في اللحظة المناسبة لتسندها، إعتدلت "سيليا" في وقفتها لتنظر مباشرةً في عيني "ياقوت" التي ترقرقت بهما الدموع، ثم تفحصت ملامحها التي كانت ذابلة بصورة عجيبة، كادت "سيليا" أن تتحدث و لكنها توقفت عندما رأت تعابير الألم تظهر علي وجه تلك المسكينة و هي تقع أمامها علي الأرض صارخة ببكاء يصيب المرء بالقشعريرة المفرطة، إلتفتت "سيليا" للخلف لتهتف بإرتباكٍ و هي توجه حديثها ل "بيسان" التي كانت تتابع الموقف بخوفٍ:

-هاتي كوباية ماية بسرعة لوسمحت. 

تحركت "بيسان" بخطواتها السريعة لتخرج من الغرفة، بينما "سيليا" تجثو علي ركبتيها و هي تهمس بنبرة مرتجفة:

-أرجوكي فهميني فيكي إية!؟...متخافيش محدش هيأذيكي. 

نظرت وقتها "ياقوت" لصورة "إياد" التي كانت مرمية علي الأرض و الغل يشع من عينيها بوميضٍ مرعبٍ، فنظرت وقتها "سيليا" تجاه ما تنظر تلك المسكينة ليظهر علي وجهها النفور و الإشمئزاز سريعًا، لتتسائل بعدها مباشرةً و هي تنظر في كلا عينيها:

-تعرفيه. 

ردت عليها بقهرٍ و نبرتها تعلو لتعبر عن مدي الأسي الذي تشعر به، بينما "سيليا" تتابعها بصدمة ظهرت و بصورة ملحوظة علي تعابير وجهها:

-حياتي كلها إتدمرت بسببه، إعتدي عليا هو و صاحبه ال***. 

إنتفض جسد "سيليا" برعبٍ ما إن إستمعت لصوت ذلك الكوب الزجاجي الذي وقع علي الأرضية ليتحطم و هو يصدر ذلك الصوت المزعج، فنهضت و هي تستدير و علامات الصدمة تظهر علي وجهها لتنفرج كلا شفتاها و عيناها تجحظ بعدم إستيعاب، لتجد وقتها "بيسان" بحالة لا تختلف عن حالتها كثيرًا، فهي الأخري إنصدمت مما إستمعته ليفغر فمها بعدم تصديق، بينما "سيليا" تحاول تجاوز صدمتها لتهمس بنبرة متوترة و هي تلقي نظرات سريعة علي تلك المسكينة التي كانت تنتحب بهستيرية:

-عايزين نكلم حد من أهلها يجي ياخدها. 

لم تجد رد من "بيسان" التي تسمرت بمكانها ما إن إستمعت لما قالته "ياقوت"، لذا إتجهت "سيليا" ناحية "ياقوت" لتلتقط هاتفها من جيبها، لتفتحه سريعًا و هي تفتح تطبيق الإتصالات و أول جهة إتصال رأتها هي (زاهر) فضغطت علي الأسم سريعًا قبل أن تضع الهاتف علي أذنها، و بعد عدة ثوان هتفت بنبرة مرتبكة واضحة:

-حضرتك تعرف صاحبة الرقم دة؟

أتاها رده بتلك النبرة المتلهفة، فردت هي سريعًا قائلة:

-حضرتك لازم تيجي تاخدها بسرعة، العنوان ***** و..

إختفي الصوت فجأة فنظرت للهاتف بتعجبٍ لتجده مغلق بسبب بطاريته التي كانت فارغة، لذا جزت علي أسنانها بعصبية و هي ترميه علي الأريكة بإهمالٍ صائحة ب:

-دة اللي ناقص. 

____________________________________________

بعد مرور نصف ساعة. 

خرج من سيارته ليتجه للبيت و فجأة توقف بتعجبٍ عندما إستمع لصوت الصراخ المخيف ذلك، لذا دلف بخطواته الراكضة و هو ينوي الإتجاه ناحية غرفة الصالون و لكنه توقف عندما وجد والدته أمامه مباشرةً لتمنعه من إكمال سيره قائلة:

-إستني يا "تميم". 

رد عليها بنبرة عصبية واضحة و هو يهز رأسه مستفهمًا:

-إية صوت الصريخ دة؟...و فين "سيليا"؟

ردت عليه بنبرة مرتجفة بعض الشئ و هي تلتفت للخلف بإرتباكٍ:

-موجودة جوا و معاها بنت كدة، تعالي إنتَ بس معايا و أنا هفهمك كل حاجة. 

كادت أن تسحبه تجاه إحدي الغرف و لكنها توقفت تلقائيًا عندما وجدت "سيليا" تخرج من الغرفة و الشر يتطاير من عينيها، و هي تصرخ بغضبٍ جحيمي لا يبشر بالخير:

-إبن خالتك ال*** عمر ما مصايبه هتخلص، دمر حياة بنت مسكينة زي ما كان عايز يدمر حياتي، إنتوا إية يا أخي شياطين!؟

جحظت عيناه بذهولٍ ليتابعها بنظراته المشدوهة قائلًا بعدم إستيعاب:

-إنتِ بتقولي إية!؟

كادت أن ترد عليه صارخة بإهتياجٍ و لكنها توقفت عندما إستمعت لصوت تلك الطرقات علي الباب، فإتجهت ناحيته راكضة هامسة بخفوتٍ:

-يارب يطلع هو. 

فتحت الباب لتجد ذلك الرجل أمامها مباشرةً، لتجده يهمس بتوترٍ:

-أ..أنا "زاهر" حضرتك..ك..كلمتيني عشان أجي ل "ياقوت"، ه..هي كويسة؟ 

لاحظت عينيه التي كانت متعلقة بنقطة ما فعقدت حاجبيها بتعجبٍ، لتجد وقتها "بيسان" تشير لها علي عينيها بالنفي، ففهمت سريعًا لتهتف بنبرتها المرتبكة و هي تقبض علي كفه بترددٍ لتسحبه للداخل قائلة:

-إتفضل حضرتك هي موجودة جوا. 

سحب "زاهر" كفه بحرجٍ صائحًا بتلهفٍ:

-هي فين و إية حصلها؟ 

فركت كلا كفيها و هي تسير ناحية الغرفة قائلة بضيقٍ ظهر بتعابير وجهها و بنبرتها بوضوحٍ بسبب رد فعله علي فعلتها التلقائية:

-إتفضل معايا هي في الأوضة دي.

-يتفضل معاكي فين؟...مين دة أصلًا!؟ 

قالها "تميم" بنبرة مهتاجة و هو يشبه الثور الهائج ليدفع "زاهر" وقتها بعنفٍ جعل قدمه تتعثر ليقع علي الأرض صارخًا بنبرة هزت أرجاء المكان:

-"يـاقــوت". 

وبخت "سيليا" "تميم" صارخة بإمتعاضٍ و هي تضرب صدره بكلا كفيها:

-إنتَ إتجننت!؟ 

كادت أن تستدير لتساعد "زاهر"، و لكنها لم تستطع بسبب "تميم" الذي قبض علي ذراعها بقوة ليسحبها ناحيته بصورة عنيفة، فإستدارت ناحيته تلقائيًا لتري وقتها تعابير وجهه القاتمة المرعبة التي جعلتها غافلة عن كل شئ حتي صراخ "زاهر" التي تعالي و هو ينادي بإسم "ياقوت" كانت غافلة عنه، هي فقط تري تعابير وجهه المتوعدة التي لم تراها من قبل، و لأول مرة تراه بذلك الإنفعال الذي كان متفاقم بصورة لا توصف، بالإضافة إلي قبضته التي إشتدت علي ذراعها بصورة مؤلمة، و فجأة خرجت من شرودها لتسحب ذراعها من بين يديه بصورة سريعة. 

و بتلك اللحظة خرجت "ياقوت" لتبحث عنه بعينيها المتورمتين من فرط البكاء، فوجدته علي الأرض يبكي هامسًا بإسمها، لذا إقتربت منه راكضة و هي تقع علي الأرض بجانبه صائحة بإرتعادٍ:

-"زاهر" إنتَ كويس يا حبيبي!؟.."زاهر" رُد عليا. 

تشبث بكلا ذراعيها هاتفًا بهلعٍ:

-إنتِ اللي كويسة؟...حصلك إية و مال صوتك و إية جابك هنا!؟ 

هدأته بنبرتها اللطيفة و هي تساعده لينهض، ثم أخذته معها ليسيرا خارج البيت:

-متخافش يا حبيبي أنا كويسة، تعالي نمشي و أول ما نروح هحكيلك علي كل حاجة. 

تابعتهما "سيليا" بكلا عينيها حتي خرجا، ثم إستدارت سريعًا لتصعد الدرج راكضة تجاه غرفتها، فكاد أن يذهب خلفها و لكن والدته أوقفته قائلة بتلعثمٍ:

-"تميم" ي..يابني سيبها دلوقت، ه..هي متعصبة و محتاجة تبقي لوحدها. 

تنهد بقلة حيلة و هي يومئ لها عدة مرات ثم تركها ليتجه لغرفة الصالون، فزفرت هي براحة فهي لا تريده أن يبقي مع زوجته "سيليا" و لو لعدة لحظات خشية من أن تخبره بالمزيد من المصائب حول إبنه خالته، نعم فهي تظن "تميم" غافل عن الحقيقة! 

____________________________________________

دلف للغرفة ليتجه ناحية تلك الأريكة بشرودٍ جعله غير منتبه للفوضي التي تعم المكان، جلس بإرهاقٍ و هو يتذكر ما حدث منذ ساعة تقريبًا عندما كان مع صديقه "برق"!

(عودة للوقت السابق) 

لاحظ نظراته التي تعاتبه بوضوحٍ فهمس هو بحرجٍ و هو يفرك كلا كفيه:

-عارف إنك زعلان مني، ب..بس حُط نفسك مكاني، واحد أخته جاتله و قالت صاحب عُمرك بيتحرش بيا، كنت عايزني أعمل إية؟

تجاهله "برق" لعدة لحظات قبل أن يرد عليه بلكمة عنيفة أخرج بها كل غضبه، بينما "تميم" يحاول الثبات و السيطرة علي عصبيته التي تفاقمت بتلك اللحظة، ليجده يصرخ بوجهه قائلًا:

-لو كنت مكانك كنت إتأكدت الأول مش أبقي عبيط و بصدق أي كلام أسمعه. 

رد عليه هو الأخر صارخًا بإهتياجٍ و هو يضرب قدمه بالأرض بعنفٍ من فرط الإنفعال الذي سيطر عليه:

-الكلام دة كان من أختي، يعني من الناس اللي كنت بثق فيهم. 

زفر "برق" بحنقٍ قبل أن يمرر كلا كفيه علي وجهه قائلًا بأسي و هو يخفي إبتسامته المريرة:

-إطمن، خلاص إختك معادتش موجودة. 

عقد حاجبيه بذهولٍ قبل أن يتسائل بعدم فهم:

-يعني إية الكلام دة!؟ 

رد عليه وقتها بنبرة مرتجفة توضح مدي الألم الذي يصيبه كلما يتذكرها و يتذكر ما حدث خلال تلك الفترة:

-يعني أختك سافرت برا مصر و بعدت.

(عودة للوقت الحالي)

خرج من شروده لتتعلق نظراته بصورة إبن خالته التي كانت مرمية علي الأرض و إطارها محطم، فهمس هو بإستغرابٍ بعدما عقد كلا حاجبيه:

-إية وقع الصورة دي كدة!؟ 

و فجأة وجد بجانبه ذلك الهاتف، فإلتقطه و هو يفتحه تلقائيًا فوجد أمامه صورة تلك الفتاة التي كانت موجودة بالمكان منذ قليل، و فجأة عقد حاجبيه بدهشة و هو يمعن نظراته بملامحها ليتذكر ذلك الموقف منذ عامين! 

(عودة للوقت السابق) 

أخذ فنجان القهوة الخاص به ليخرج من البيت لحديقته باحثًا عن صديقه بكلا عينيه، فإتجه ناحيته بخطواته العادية و فجأة توقف خلفه مباشرةً ما إن وجده يفتح صور إحدي الفتايات ليمعن النظر بها، فصاح هو وقتها بعفوية:

-مين دي يا "إياد"؟

أغلق "إياد" الهاتف سريعًا قبل أن يرد عليه بلطفٍ زائفٍ:

-د..دي إخت واحد صاحبي. 

إرتشف "تميم" عدة رشفات من فنجان قهوته قبل أن يتسائل بفضولٍ:

-طب و إنتَ كنت فاتح صورتها لية!؟ 

أطرق "إياد" رأسه بحرجٍ مصطنعٍ ليبحث وقتها علي كذبة مناسبة لذلك الموقف و هو يهتف بخبثٍ غير بائن:

-هاه..لا ولا حاجة. 

عقد "تميم" حاجبيه بتعجبٍ ليتسائل بصدمة:

-إية يا "إياد" إنتَ هتخبي عليا ولا إية!؟ 

رد وقتها "إياد" بمكرٍ خفي و إبتسامته الخجولة المزيفة ترتسم علي ثغره بوضوحٍ:

-د..دي بنت معجب بيها بصراحة و كنت عايز أصارحها بمشاعري دي بقالي فترة.

رفع "تميم" حاجبيه بسعادة قبل أن يوبخه بمزاحٍ:

-كدة بردو متقوليش!؟ 

رفع "إياد" كتفيه قائلًا ببساطة إصطنعها بمنتهي المهارة:

-مكنتش عارف أحكي حاجة زي دي. 

قهقه "تميم" عدة مرات قبل أن يهتف بصعوبة من بين ضحكاته، و هو يظن الخجل يسيطر علي إبن خالته ليمنعه من الحديث:

-خلاص خلاص غير الموضوع طالما مش عارف تحكي.

(عودة للوقت الحالي) 

فغر فمه بعدم فهم ليهمس بصدمة و هو يهز رأسه بهستيرية من فرط الحيرة:

-يعني إية!؟
هب واقفًا و تعابير الإهتياج تظهر علي ملامحه بوضوحٍ، فخرج راكضًا تجاه الدرج ليصعده بخطواتٍ سريعة غير مكترث لوالدته التي صاحت بإرتباكٍ:

-"تميم" رايح فين!؟ 

تابع سيره تجاه غرفتها ليفتح بعدها مباشرةً باب الغرفة، فوجدها تخرج من المرحاض و هي تجفف خصلاتها المبتلة، فلم يهتم و صرخ بنزقٍ و هو يقبض علي ذراعها ليجعلها تقف قبالته:

-"إياد" عمل إية في البنت دي؟ 

و بعد إكمال جملته مباشرةً أخرج هاتف "ياقوت" من جيبه ليفتحه علي صورتها تلك، ثم مد ذراعه نحوهها لتراها، فرمقته هي بإحتقارٍ قبل أن تتجاهله لتنفض ذراعها من بين قبضته الحديدية صارخة بتحذيرٍ و هي تضرب صدره بمنتهي العنف، فتراجع هو تلقائيًا عدة خطوات:

-لو لمستني أو مديت إيدك عليا تاني هقتلك، إنتَ فاهم؟ 

تلاحقت أنفاسها من فرط الإنفعال، فتركته و هي تتجه ناحية الشرفة وسط محاولاتها الفاشلة في السيطرة علي عبراتها التي كانت تحاربها بضراوة، بينما هو يمرر كلا كفيه علي وجهه بعنفٍ قبل أن يتوسل إليها قائلًا بضعفٍ لم تشعر به في نبرته من قبل:

-أرجوكي جاوبيني، أنا دماغي هتفرقع من كتر التفكير و الحيرة، قوليلي هو مظلوم ولا لا، قوليلي هو عمل كل دة ولا لا. 

خرجت سريعًا من الشرفة لترد عليه بأسلوب هجومي جعله يقع في زوبعة تفكيره مجددًا:

-علي أساس إنك هتصدق!؟..خلاص أنا هعمل اللي إنتَ عايزه، إبن خالتك كان ***، حاول يعتدي عليا، و إعتدي علي البنت المسكينة اللي كانت هنا، "إياد" كان *** مش زي ما إنتَ كنت فاكره. 

هز رأسه بهستيرية رافضًا تلك الفكرة، فرأت هي وقتها تلك الحيرة التي تحدث عنها، فإزداد وقتها نفورها منه و كادت أن تتركه مجددًا و لكنها توقفت عندما إستمعته يتسائل بأملٍ مازال بداخله، أمل يخبره بإن صديق طفولته برئ، ربما أمل كاذب و لكنه يظل أمل:

-ط...طب و الحاجات اللي إتسرقت منه يومها!؟ 

جزت علي أسنانها بعصبية مفرطة، قبل أن ترد عليه بوجه مكفهرٍ، و هي تقبض علي كفه لتسحبه معها، فإنساق هو خلفها كالبهيمة:

-أنا هثبتلك أكتر يا "تميم" يمكن تصدق المرة دي. 

خرجت به من الغرفة فوجدت أمامها "بيسان" تنظر لها بلومٍ ملحوظٍ، فلم تكترث لها بل ظلت تسحبه حتي هبطت به الدرج، لتتجه بعدها مباشرةً الي غرفة المكتب، بينما هو يتابع سيره معها و ذلك الألم يعذب رأسه بلا رحمة! 

وجدها تأخذ ذلك الحاسوب من علي المكتب لتفتحه بصورة سريعة، و فجأة وجدت "بيسان" تقترب من الغرفة فإتجهت راكضة لتغلق الباب بإحكامٍ قبل أن تفتح سجل كاميرات المراقبة أمام عينيه، فإلتقط هو منها الحاسوب ليتابع ما يحدث بعينين جاحظتين، بينما هي تتابع تعابير وجهه المصدومة التي إزدادت عندما رأي ذلك السارق يدلف للبيت بعد قليل، ففهم هو سريعًا ما حدث! 

إتسعت حدقتاها بصدمة عندما رأت عبراته تتهاوي علي وجنتيه قبل أن يلقي الحاسوب علي الأرض بعنفٍ، فوضعت هو كلا كفيها تلقائيًا علي أذنيها لتمنع نفسها من إستماع صوت تحطم الحاسوب المزعج، رفعت عينيها تجاهه لتري رد فعله الذي أصبح غير متوقع، لتجده يبكي بهستيرية و هو يتجه ناحية المكتب ليحطم كل ما يراه صارخًا بإهتياجٍ، فإبتعدت هي عنه بإرتباكٍ لتستقر في إحدي زوايا الغرفة و هي مازالت تتابعه برعبٍ، فقد كانت حالته تزداد خطورة بسبب عصبيته التي تفاقمت ليتابع تحطيم كل ما يراه وسط صراخه و نحيبه و هو يصرخ ببكاء مريرٍ واقفًا أمام صورة إبن خالته الموضوعة علي الحائط:

-إزاي عملت كدة؟...رُد عليا إنتَ إزاي تعمل كدة!؟ 

إستدار لها لتري هي وقتها عينيه التي مالت للحمرة من فرط البكاء، و فجأة إزداد ذعرها عندما وجدته يقترب منها بهيئته التي لا تبشر بالخير تلك، حاولت التراجع للخلف و لكنها لم تستطع بسبب وجود الحائط خلفها، فظهر تلقائيًا علي وجهها علامات الفزع، فإنكمشت علي نفسها بخوفٍ و لأول مرة تشعر بذلك الهلع الغير موصوف الذي جعل الإرتعاد يسيطر عليها بلا رحمة، و بعدما وصل هو إليها أحاط وجهها بكلا كفيه ليقربه من وجهه صائحًا بتوسلٍ من وسط دموعه التي إنهمرت بلا توقف:

-أرجوكي قولي إن اللي شوفته مش حقيقي، حتي إكدبي عليا أنا هصدق أن.. 

توقف عندما وجدها تنظر له بإستهجان، فهو و بالرغم من كل تلك الدلائل مازال يحاول التشبث بأي دليل ضعيف، و فجأة إرتمي بين أحضانها ليصرخ بصدقٍ و هو يتشبث بملابسها:

-أنا أسف، سامحيني. 

جحظت عيناها بتوترٍ قبل أن تطوق خصره بكلا كفيها المرتجفين، إزدردت ريقها بصعوبة و هي تشعر بدموعه تبلل ملابسها، كادت أن تبعده عنها و لكنها توقفت عندما شعرت بثقل جسده علي جسدها، فعقدت حاجبيها بتعجبٍ قبل أن تهمس بقلقٍ و هي تربت علي ظهره برفقٍ:

-"تميم".."تميم" إن.. 

إبتعدت عنه بعدما إستطاعت و توقفت عن متابعة حديثها بإرتعابٍ عندما وجدته يقع علي الأرضية الباردة و هو فاقد الوعي، إتسعت حدقتاها و تسمرت بمكانها من فرط التردد في إتخاذ قرار ما، و بعد عدة لحظات إقتربت منه لتجثو علي ركبتيها و أخذت تهزه ببعض من العنف قائلة:

-"تميم" فوق، "تميم". 

لاحظت عدم إستجابته لأي شئ، فهبت هي واقفة لتفتح الباب سريعًا، فوجدت أمامها مباشرةً "بيسان" التي كانت تطرق علي الباب بقوة و لكن لم ينتبه لها أحد، لم تهتم بل صرخت علي عجالة و علامات الإنفعال تظهر علي وجهها بصورة ملحوظة:

-بسرعة هاتي دكتور. 

تسائلت "بيسان" بوجلٍ:

-دكتور لية؟

ردت عليها صارخة بنبرة مهتاجة:

-بسرعة "تميم" وقع جوا و مش بيفوق. 

تحركت "بيسان" راكضة، بينما هي تنظر للداخل تجاهه لتهمس برفضٍ:

-لا يا "تميم" مش هسمحلك لا. 

____________________________________________

بعد مرور نصف ساعة. 

خرج الطبيب من الغرفة هاتفًا بجدية:

-صدمة نفسية، ياريت تبعدوه عن أي حاجة تضايقه خلال الفترة دي بذات و لو حصل أي حاجة تانية تقدروا تكلموني في أي وقت. 

تحرك الطبيب ليغادر المكان، فكادت هي أن تدلف للغرفة و لكن "بيسان" منعتها صائحة بحدة:

-مش هتدخليله، أنا معرفش إنتِ ممكن تعملي فيه إية تاني. 

رفعت "سيليا" حاجبها الأيسر بإستنكارٍ صائحة:

-إنتِ هتمنعيني أدخل لجوزي ولا إية!؟

إقتربت منها "بيسان" صائحة بغضبٍ:

-إنتِ أذيتي إبني، قولتلك نستني و إنتِ مسمعتيش الكلام، أديه بيضيع من بين إيديا أهو. 

جزت علي أسنانها بإهتياجٍ قبل أن تصرخ بإحتدامٍ و هي تضرب الحائط بعنفٍ بقبضتها اليمني:

-ماليش ذنب في إنك خايفة علي إبنك، أنا ذنبي إية في كل دة؟...دمرتوا حياتي و مع ذلك شايفيني غلطانة، تعرفي أنا فعلًا غلطانة، غلطانة عشان مأخدتش حقي من بدري، و أنا فعلًا هاخد حقي يا "بيسان" سامعة هاخد حقي يعني هاخده.

هبطت الدرج بعدها مباشرةً لتخرج من البيت بأكمله، بينما "بيسان" تتجاهل كل شئ لتدلف لإبنها حتي تطمئن عليه! 

____________________________________________

صباح يوم جديد. 

-"رحيق" خليكي هنا لغاية ما أشوف "باهي" بيه فين. 

قالتها "تالين" بنبرة عادية قبل أن تترك صديقتها، بينما "رحيق" تسير بخطواتها البطيئة و هي تتفحص ذلك المكان بكلا عينيها، و فجأة شهقت بخوفٍ عندما إصطدم شخص ما بها، فترنحت في خطواتها و كادت أن تقع، و لكنها إستطاعت الثبات لتهتف بإنفعالٍ:

-بني ادم أعمي بصحيح. 

وجدته فجأة يستدير لها ليصيح بإستنكارٍ، و هو ينظر في كلا عينيها بتوعدٍ:

-إنتِ قولتي إية!؟ 

شهقت بصدمة قبل أن تهمس بذهولٍ:

-إنتَ بتتكلم عربي!؟ 

و بتلك اللحظة أتت "تالين" لتهتف ببشاشة:

-"باهي" بيه إنتَ إتعرفت علي "رحيق"!

رفع حاجبيه بدهشة قبل أن يهتف بعدم تصديق:

-هي دي "رحيق"!؟ 

بينما هي تتسائل أيضًا و قد أصاب وجنتيها حمرة الحرج:

-هو دة "باهي" بيه!؟ 

أومأت "تالين" لكلاهما بعدم فهم و هي تشعر بوجود شئ ما غير طبيعي، بينما هو يهتف بجدية قبل أن يستدير ليتابع سيره تجاه غرفة مكتبه:

-تعالي ورايا. 

إزدردت "رحيق" ريقها بصعوبة بالغة قبل أن تسير خلفه بالفعل غير مكترثة ل "تالين" التي إنهالت عليها بالكثير من الأسئلة! 

وجدته يدلف لغرفة مكتبه فولجت معه للداخل و هي تلقي نظرات سريعة علي المكان، و فجأة إنتبهت له خاصة عندما هتف هو بثقة و غرورٍ جعلاها غاضبة بعض الشئ ليراودها شعور الحنق ذلك:

-إنتِ أكيد عارفة إن أي حد يتمني يشتغل هنا عندي، و أكيد "تالين" فهمتك دة. 

تنفست بعمقٍ قبل أن تهمس بمجاملة:

-أكيد حضرتك. 

تفحصها بعينيه لعدة لحظات قبل أن يهتف بهدوء:

-الشغل هنا صعب، و محتاج تركيز، و زي ما إنتِ عارفة هتكوني السكرتيرة بتاعتي و أنا مش عايز أي غلطة في الشغل تمام، لإني وقتها هحاسبك زي أي حد و هنسي خالص "تالين".

كررت جملتها الأخيرة و هي ترمقه بنظرات هادئة و ربما مستفزة:

-أكيد يا فندم. 

عقد حاجبيه ببعض من الضيق قبل أن يهتف بنبرة خشنة:

-إخرجي برا هتلاقي "مارلا" و هي هتفهمك كل حاجة خاصة بالشغل. 

أومأت له بإحترامٍ قبل أن تتحرك تجاه الباب لتخرج و لكنه أوقفها قائلًا بجدية:

-أول ما تخرجي إبعتيلي "تالين". 

أومأت له مجددًا قبل أن تخرج من الغرفة، بينما هو يهمس بتأففٍ:

-شكلها هتتعبني فعلًا زي ما قالت. 

____________________________________________

-"سيليا" أنا أسف يا "سيليا"..."سيليا" قو..قولي إن دة كدب.."سيليا".

ظل يهذي بتلك الكلمات قبل أن يعتدل في جلسته سريعًا بعدما إستيقظ، بينما والدته تركض ناحيته بعدما إستيقظت هي الأخري، لتصيح وقتها بقلقٍ:

-"تميم" حبيبي إنتَ كويس؟

تلاحقت أنفاسه بصورة سريعة قبل أن يتسائل بنبرة مبحوحة:

-"سيليا"..ف..فين؟ 

تفحصت ملامحه المتلهفة بتوترٍ قبل أن تهمس بتلعثمٍ:

-"سيليا" ا..هي...

و بتلك اللحظة وجدتها تدلف هاتفة بإبتسامتها الخفيفة:

-أنا هنا يا "تميم". 

إقتربت منه بخطواتها البطيئة قبل أن تهمس بمنتهي الهدوء:

-معلش كنت عايزة جوزي في موضوع مهم مش لازم حد يعرفه غيري أنا و هو. 

رمقتها "بيسان" بإمتعاضٍ قبل أن تتحرك بخطواتها المتئدة لتخرج من الغرفة، بينما هي تتابعها بعدم إكتراث لعبوسها الواضح، أما "تميم" فهو ظل يتابعها بنظراته المتلهفة بشدة غير منتبه لأي شئ أخر!

جلست بجانبه علي الفراش لتتسائل بإهتمامٍ زائفٍ:

-عامل إية دلوقت؟ 

إزدرد ريقه قبل أن يجيبها بصوتٍ أجش و هو يمرر كلا كفيه علي وجهه ببعض من العنف:

-مش عارف أنا مش فاكر أي حاجة غير إني أغم عليا و..و أنا في حضنك! 

أومأت له عدة مرات بصمتٍ لتهمس بعدها بإبتسامة واسعة لا تبشر بالخير:

-تعالي نسافر. 

عقد حاجبيه بذهولٍ قبل أن يهمس بإستهجان:

-نسافر!؟ 

أومأت له عدة مرات هاتفة بجدية:

-منه نغير جو، و منه ننسي كل حاجة و لو لأيام. 

إرتسم علي ثغره إبتسامة جانبية ساخرة قبل أن يرد عليها بتهكمٍ:

-إحنا مبننساش و لو لمدة ثواني يا "سيليا"، هننسي لأيام! 

رمقته بدهاء قبل أن ترد عليه بنبرة شبه عادية:

-هنحاول. 

نهض من علي الفراش ليهتف بجدية قبل أن يتجه للمرحاض:

-تمام..جهزي نفسك عشان هنسافر إنهاردة. 

تابعته حتي تواري عن أنظارها لتهمس بعدها بخبثٍ و علي ثغرها يرتسم تلك الإبتسامة الماكرة:

-و من هنا نبتدي. 

____________________________________________

كانت تداعب خصلاته الكثيفة بحنان، و احدأث أمس تراودها كشريط سينمائي، فقد كان يوم عصيب و لم يمر بسهولة عليهما.

(عودة للوقت السابق)

دلفا للبيت بوجومٍ، فهمست هي بإرهاقٍ واضحٍ علي ملامحها:

-"زاهر" أنا تعبانة جدًا و محتاجة أرتاح، إنتَ محتاج حاجة مني؟ 

أومأ لها عدة مرات قبل أن يهمس بصدقٍ و علامات الخزي تظهر علي وجهه بصورة ملحوظة، فجحظت عيناها بصدمة مما إستمعته:

-عايز أقولك أنا أسف، أسف عشان كنت عاجز علي إني أحميكي، بل كنت محتاجك تحميني لما حسيت إن حد كان هيأذيني. 

ثم تابع بنبرة مختنقة و هي يطرق رأسه بحرجٍ:

-أسف عشان مكنتلكيش ضهر تتسندي عليه، ضهر يحميكي و يخليكي تحسي بالأمان، سامحيني يا "ياقوت".

جحظت عيناها بصدمة مجددًا قبل أن تصحح كلماته الحمقاء تلك قائلة:

-إنتَ سندي و ضهري فعلًا يا "زاهر"، إنتَ اللي بكون في أي مشكلة و ألاقيك معايا علطول بالرغم من كل شئ. 

ثم تابعت بصدقٍ و هي تضع كفها أسفل ذقنه لترفع رأسه:

-"زاهر" أنا بحبك يا "زاهر". 
-و أنا عمري في حياتي ما حبيت قدك.

قالها و هو يسحبها ناحيته ليضمها لصدره بعنفٍ شديدٍ خشية من أن تختفي من بين يديه في أي لحظة، بالإضافة إلي عبراته التي تهاوت علي وجنتيه بقلة حيلة، إنتحب بألمٍ و هو يتشبث بملابسها كالطفل الصغير، ليهمس بعدها بأسفٍ أصابها بالصدمة:

-بعذب نفسي بطريقة عمرك ما هتتخيليها، دايمًا شايف إنك تستاهلي أحسن مني، واحد يعرف يعيشك سعيدة و في أمان مش واحد أعم.. 

قاطعته هي صارخة بحدة بعدما إنتفضت مبتعدة عنه:

-لا يا "زاهر" متقولش كدة، صدقني أنا عمري ما هلاقي راجل زيك مهما عملت. 

إبتسم بسخرية قبل أن يرد عليها بأسي:

-أنا تعبت يا "ياقوت"، نفسي أبطل أشوف نفسي قليل، نفسي أخلص من الشعور اللي مش راضي يسيبني من ساعة الحادثة اللي حصلتلي و أنا صغير. 

ثم تابع بصراخٍ و هو يضع كلا كفيه علي وجهه، ليقع بعدها علي الأرضية الباردة بإنهيارٍ بعدما لم تعد قدماه قادرتين علي حمله:

-كل يوم بفتكر كل حاجة و بفتكر أنا خسرت قد إية لما خسرت عينيا!

جثت علي ركبتيها و هي تقترب منه، لتلتقط كفه برقة و هي تقبله بحنوٍ هامسة بحنان و عينيها تلتمع بالدموع:

-كل دة مايهمنيش، صدقني أنا فعلًا شايفاك أحلي حاجة في حياتي، إنتَ الوحيد اللي قبلتني زي ما أنا، إنتَ الوحيد اللي حبيتني، إنتَ الوحيد اللي كان نفسي أبقي كويسة معاه، و صدقني بندم كل يوم علي كل لحظة مكنتش كويسة معاك فيها. 

و بتلك المرة سحبته هي تجاه أحضانها و هي تنهض به من علي الأرض، لتتجه معه ناحية غرفتهما. 

دلفت معه للغرفة و هي تربت علي ظهره بصورة رقيقة، ثم جعلته يتمدد علي الفراش بهدوء لتتمدد بعدها بجانبه و هي تسحبه لأحضانها، و فجأة غرق الأثنان في بحور عشقهما التي داهمتهما كرياح مفاجأة لم يكن أي طرف منهما يتوقعها! 

(عودة للوقت الحالي)

-"ياقوت"!...إنتِ صاحية؟ 

قالها بصوته الأجش و هو يربت علي كتفها برفقٍ، فردت هي عليه بنبرتها المبحوحة:

-صاحية حبيبي. 

تأمل نبرتها لعدة لحظات قبل أن يسألها بمنتهي الصراحة التي لا يستطيع التخلص منها:

-إنتِ زعلانة عشان اللي حصل!؟

هزت رأسها نافية و هي تجيبه بإبتسامة واسعة:

-لا يا حبيبي مش زعلانة. 

أومأ لها عدة مرات قبل أن يسألها بتوترٍ:

-هو إنتِ هتروحي الشغل دة!؟ 

تنهدت بعمقٍ قبل أن ترد عليه بهدوء:

-اة هروح. 

كاد أن يرد عليها و لكنها قاطعته و هي تتابع حديثها ببعض من الصرامة:

-مرضتش أسألك إمبارح علي الحرق اللي في بطنك عشان مضايقكش و لكن أنا شايفة إن دة هو الوقت المناسب..تقدر تفهمني دة إية؟ 

وضع كفه علي بطنه تلقائيًا قبل أن ينهض من علي الفراش، ليفرك بعدها كلا كفيه بإرتباكٍ، فصاحت هي بغضبٍ بعدما نهضت هي الأخري من علي الفراش:

-بطل توتر و صارحني يا "زاهر" إنتَ عمرك ما كنت كداب. 

تنهد بضيقٍ قبل أن يبدأ في قص كل شئ عليها، بينما هي تستمع له بذهولٍ راودها بلا رحمة، لذا و بعد عدة دقائق بعدما إنتهي هو من قص كل شئ، سألته هي بعفوية لم تكن تعرف إنها ستؤلم جراح عديدة كانت بقلبه و لم تندمل بعد:

-هما أهلك لية مش بيحبوك يا "زاهر"؟

طال الصمت و لعدة دقائق حتي إنها كادت أن تكرر سؤالها و لكنه قاطعها بتلك اللحظة قائلًا:

-أنا هخرج أتمشي شوية و أرجع تاني و إنتِ روحي شغلك زي ما تحبي. 

خرج من الغرفة و هو يتحسس الحائط فخرجت هي خلفه بعدما إستطاعت إستيعاب ما قاله لتهتف ب:

-لوحدك! 

أومأ لها بصمتٍ فرفعت هي حاجبيها بتعجبٍ قبل أن تصيح برفضٍ:

-مش هينفع يا "زاهر" تخرج لوحدك ممكن متعرفش ترجع. 

تقدم ناحية الباب ليفتحه بكفٍ مرتجفٍ و قبل أن يخرج صاح بعصبية و صوته يعلو بصورة أفزعتها:

-متخافيش أنا مش عيل صغير عشان أخرج من بيتي و معرفش أرجع تاني. 

رفعت كتفيها بعدم فهم قبل أن تصيح بأسفٍ ظهر في نبرتها:

-"زاهر" إنتَ فاهم غلط أن.. 

لم ينتبه لها بل خرج من البيت بخطواتٍ سريعة و هو يغلق الباب خلفه، بينما هي تزفر بحنقٍ هامسة بضيقٍ:

-أول مرة أحس إنه معندوش ثقة في نفسه للدرجادي! 

____________________________________________

بالأسكندرية. 

-أنا هدخل أريح شوية و بعدها هبقي أخدك و نخرج مكان ما إنتِ عايزة.

قالها و يتجه ناحية إحدي الغرف، و لكنه تفاجأ بها و هي تسحبه ناحيتها بمكرٍ قائلة:

-لا مش هينفع..ق..قصدي يعني خليك و هعمل لينا غدا نتغدي و بعدها نخرج في أي حتة. 

نظر لها بإرهاقٍ قبل أن يرد عليها بقلة حيلة و هو يتجه ناحية تلك الأريكة ليرتمي عليها:

-زي ما تحبي يا "سيليا". 

أومأت له عدة مرات و علي وجهها إبتسامة واسعة لا تبشر بالخير، ثم تركته لتدلف للمطبخ و هي تبدأ في طبخ ذلك الطعام و علي وجهها تعابير الخبث و الدهاء ظاهرين بوضوحٍ! 

____________________________________________

-إنتِ بقي السكرتيرة الجديدة؟

قالها "برق" ما إن دلف لعيادته الخاصة، لترد عليه تلك الفتاة البشوشة بعدما نهضت من علي كرسيها:

-أيوة يا دكتور أنا "أيسل"، جاية من المستشفي اللي بيشتغل فيها دكتور "تميم الحديدي" و.. 

قاطعها بفظاظة و هو يتجه ناحية مكتبه:

-خلاص كفاية أنا عارف الباقي المهم بتعرفي تعملي قهوة؟ 

صمتت لعدة لحظات بحرجٍ و هي تحاول السيطرة علي أعصابها لتجيبه بنبرة خافتة:

-أيوة يا دكتور بعرف. 

لاحظ وقتها عجرفته معها، فرمقها بتأففٍ قبل أن يهتف بأسفٍ:

-متزعليش أنا بس مضغوط شوية، إعملي القهوة و هاتيهالي جوا. 

و بعد إكمال جملته مباشرةً دلف للغرفة، بينما هي تنتبه لهاتفها الذي تعالي رنينه لتضغط عليه و هي تضعه علي أذنها قائلة بخوفٍ:

-أ..أيوة في إ...إية؟

إستمعت لنبرة ذلك البغيض الكريهة:

-متنسيش يا روح *** تجيبي فلوس إنهاردة و إلا مش هتدخلي البيت خالص هتباتي في الشارع، سامعة؟

إزدردت ريقها بصعوبة بالغة قبل أن ترد قائلة بنبرة ضعيفة و عبراتها تترقرق بعينيها:

-أيوة ب..بس دة أول يوم ليا في الشغل مش هعرف أجيب فلوس. 

إستمعت لصراخه المفزع لينتفض جسدها و عبراتها تتهاوي علي وجنتيها بلا توقف من فرط الذعر:

-قولت ماليش فيه، إتصرفي و متجيليش البيت غير و معاكي فلوس، ولا إنتِ شكلك عايزة تاكلي علقة من بتوع كل يوم؟ 

ردت عليه بنبرة مبحوحة و هي تجفف عبراتها بكلا كفيها المرتجفين:

-ح...حاضر. 

أغلق الخط بوجهها فوضعت هاتفها بجيبها و تلك الفكرة السيئة تمر برأسها و لكنها لا تجد حل أخر! 

____________________________________________

-شكلها متعبة أوي يا "تالين" و حاسس إنها هتبوظ الشغل كله. 

قالها "باهي" و الإنزعاج يظهر علي وجهه بوضوحٍ، فنظرت له "تالين" بتوسلٍ قبل أن ترد عليه برجاء:

-"باهي" دة أول طلب أطلبه منك، أنا حكيتلك كل حاجة عنها و عرفتك هي الفترة دي متدمرة إزاي و محتاجة حاجة تشغلها عن التفكير، و مفيش حاجة هتشغلها غير الشغل. 

زفر "باهي" بعصبية قبل أن يرد عليها بإنفعالٍ:

-أنا مش فارق معايا أي حاجة غير الشغل يا "تالين" و عشان تبقي عارفة هي لو أثرت أنا مش هعمل حساب أي حاجة. 

أومأت له عدة مرات قبل أن تهتف بثقة:

-مش هتغلط يا "باهي" ثق فيا. 

تنهد بعمقٍ قبل أن يرد عليها قائلًا:

-أما نشوف.

ثم تابع بنبرة تحذيرية و هو ينظر في عينيها مباشرةً:

-"تالين" أنا عارف إنها صاحبتك، بس البنت دي طباعها مش كويسة علي حسب اللي حكيتيه، و ممكن تغدر بيكي و تأذيكي في أي لحظة ف ياريت تاخدي بالك لإني مش مطمن ليها.

عقدت كلا ذراعيها أمام صدرها قبل أن ترد عليه بصرامة:

-"باهي" أنا عارفة كويس أنا بعمل إية، و بعدين "رحيق" مش وحشة أوي زي ما إنتَ فاكر. 

إرتسم علي ثغره إبتسامة جانبية مستهزئة قبل أن يرد عليها بتهكمٍ:

-واحدة كانت في علاقة مع إبن خالتها اللي إتوفي، و بعدها بقت في علاقة مع صاحبه، و بعدها لما واحد كان هيكشفها راحت متهماه إنه بيتحرش بيها و وقعت بينه و بين أخوها دي أقل حاجة تتقال عنها إنها **** يا هانم. 

حذرته بنبرة مهتاجة و هي تهب واقفة بإنفعالٍ:

-"باهي" مسمحلكش. 

إلتقط فنجان قهوته ليرتشف منه عدة رشفات قبل أن يهتف بلا إهتمام:

-إعملي اللي إنتِ عايزاه بس متجيش تعيطي في الأخر. 

خرجت من المكتب بخطواتها السريعة التي دلت علي ضيقها الشديد مما قاله عن صديقتها. 

____________________________________________

تابعته بلؤمٍ و هو يتناول الطعام لتهمس بعدها بنبرة رقيقة:

-عجبك الأكل؟ 

أومأ لها بصمتٍ، فلاحظت هي عبوسه الذي ظل مستمر خلال تلك الفترة، فنهضت هي من علي كرسيها لتقترب منه و هي تأخد قطعة من اللحم من الصحن لتضعها بفمه قائلة بلطفٍ:

-لية متضايق؟ 

رد عليها بصدقٍ و هو يبتلع الطعام ببطئ:

-عشان لسة منسيتش. 

ثم تابع بنبرة تهكمية و هو يمرر كلا كفيه علي وجهه بصورة بطيئة:

-الظاهر كدة إن مش من السهل الواحد ينسي زي ما قولتي، ولا حتي من السهل إنه يحاول. 

نظرت في عينيه مباشرةً قبل أن ترد عليه بهدوء لا يبشر بالخير، لترمقه وقتها بقتامة عنيفة:

-مش دايمًا بيكون سهل علينا إننا ننسي، ولا سهل إننا ننسامح، بس اللي متأكدة منه إننا من السهل إننا نحس بالندم. 

فهم مغزي حديثها سريعًا ليطرق رأسه هروبًا من عينيها التي كانت تراقبه بصورة جعلته يتذكر كل شئ، لذا هب واقفًا ليصرخ بإهتياجٍ:

-إحنا مش قولنا هننسي كل حاجة و مش هنتكلم في المواضيع دي تاني؟ 

أومأت له عدة مرات قبل أن تصيح ضاحكة:

-مالك بس يا "تميم" زعلت لية دة أنا بهزر معاك! 

وضع كفه علي بطنه بألمٍ و كاد أن يرد عليها، و لكنه لم يستطع ليركض وقتها ناحية المرحاض و هو يتأوه بألمٍ، فتقيأ بعدها مباشرةً و هو يصدر تلك الأصوات الغريبة، فركضت هي خلفه و هي تراقب لغوبه و تعبه الملحوظين لتدمدم وقتها بقلقٍ:

-شكلي كدة زودتها! 

ثم تابعت بدمدمة مجددًا و هي تقترب منه لتساعده:

-لازم أقلل الكمية المرة الجاية. 

ساعدته لينهض من علي الأرضية بعدما غسل وجهه بأكمله، لتهمس بعدها بوجلٍ مصطنعٍ:

-حصلك إية بس!؟

وضع كفه علي رأسه بألمٍ قبل أن يصرخ بإهتياجٍ:

-صداع فظيع. 

إلتقطت كفه لتأخذه تجاه إحدي الغرف قائلة:

-طب تعالي في أي أوضة إرتاح شوية و مش مهم نخرج. 

تركها ليدلف للغرفة بمفرده، ثم تمدد علي الفراش و هو يمرر كلا كفيه علي رأسه ببعض من العنف هامسًا بحيرة:

-حصلي إية!؟ 

____________________________________________

كانت تقبض علي فنجان القهوة بهدوء شديدٍ، ثم دلفت لغرفة المكتب قائلة بإبتسامة خفيفة مجاملة:

-القهوة يا دكتور. 

رد عليها بلا إهتمام و هو يتابع قراءته لذلك الكتاب:

-حطيها علي المكتب و إخرجي. 

إقتربت من المكتب لتضع الفنجان عليه بصورة خاطئة عمدًا، فوقع الفنجان بمحتواه من القهوة الدافئة علي ساقه، فهب هو واقفًا بغضبٍ صارخًا بإحتدامٍ:

-إنتِ غبية!؟ 

شهقت برعبٍ زائفٍ و هي تقترب منه بعدما إلتقطت منديل ورقي من علي المكتب، لتبدأ بعدها في مسح بنطاله برفقٍ قائلة بأسفٍ، بينما هو يحاول إبعادها عنه:

-أنا أسفة يا دكتور سامحني مقصدش. 

و فجأة دفعها بعيدًا عنه لتقع هي علي الأرضية بصورة قوية ألمتها، بينما هو يوبخها صارخًا بنبرة مهتاجة:

-إنتِ غبية فعلًا، إتفضلي إطلعي برا مش عايز أشوف وشك تاني. 

أدخلت تلك الورقات المالية التي أخذتها من جيبه بكم قميصها قبل أن تنهض من علي الأرض صائحة بإستعطافٍ:

-أنا أسفة يا دكتور صدقني مش هتتكرر تاني. 

رمقها بصورة صارمة قبل أن يرفض صارخًا بنبرة جحيمية قاتمة:

-أنا قولت إمشي إطلعي برا يعني إطلعي برا. 

ركضت ناحيته لتلتقط كفه سريعًا، حتي تقبله قائلة بتوسل و هي تبكي بمرارة خشية من فقدان ذلك العمل، الذي إن فقدته لن يرحمها زوج والدتها الذي ينتظرها يوميًا لتحضر له أية أموال لينفقها علي تعاطي المخدرات:

-أبوس إيدك يا دكتور متمشينيش، أبوس إيدك أنا أسفة سامحني. 

سحب كفه سريعًا صائحًا بذهولٍ و هو يبتعد عنها بعدة خطوات للخلف:

-إنتِ إتجننتي يا بت إنتِ!؟ 

رأها تقترب منه مجددًا فصاح بجدية:

-خلاص خلاص، روحي إخرجي كملي شغلك و إوعي اللي حصل دة يتكرر تاني فاهمة. 

أومأت له عدة مرات و هي تجفف عبراتها بكلا كفيها، ثم تركته و هي تخرج من الغرفة، لتتنهد براحة فهي إستطاعت سرقة الأموال و الحفاظ علي عملها في وقت واحد. 

____________________________________________

دلفت لحديقة البيت بخطواتها الواثقة لتتجه ناحية البيت و علي وجهها تلك العلامات القاتمة التي لا تبشر بالخير، طرقت علي الباب عدة طرقات لتقف منتظرة لعدة لحظات، حتي أتت "بيسان" التي فتحت لها الباب و ما إن رأتها هتفت بتجهمٍ:

-إنتِ تاني!؟...عايزة إية؟
-بقي يا روح *** كل دة برا البيت و مترجعليش غير بدول!

صرخ بها "مسعد" بإحتدامٍ و هو يقبض علي خصلاتها بعنفٍ شديدٍ جعلها تتأوه صارخة، لتتوسله بعدها هامسة:


-أبوس إيدك يا "مسعد" سيبني.

صفعها بقسوة لتقع علي الأرض بصورة قوية جعلتها تتأوه مجددًا بألمٍ، بينما هو يقترب منها ليتابع إفراغ شحنة الغضب التي بداخله عليها، فتراجعت هي للخلف زحفًا و هي تنوي الإتجاه لغرفتها، و لكنه منعها عندما قبض علي قدمها اليمني ليسحبها ناحيته و هو ينهال عليها بالضربات و الصفعات العنيفة، ثم صرخ بإهتياجٍ و هو ينظر لها بإشمئزازٍ و الدماء تسيل من شفتيها:

-و رحمة أمك لو بكرة مجيتيش بفلوس أكتر لهقتلك و محدش هيسأل عنك.


تابعته "أيسل" بعينين متورمتين من فرط الضرب و البكاء لتراه ينهض ليدلف لغرفته و هو يخرج تلك الحقيبة البلاستيكية الشفافة الصغيرة من جيبه، و التي تعرف جيدًا بوجود ذلك المسحوق الأبيض المخدر بها، لم تهتم بل حاولت أن تستند علي كلا كفيها لتنهض من علي الأرضية بصعوبة بالغة و هي تنتحب بقهرٍ و العبرات الحارة التي تذرفها تلهب كلا وجنتيها، و فجأة إنتبهت لهاتفها الذي تعالي رنينه فنظرت ناحيته تلقائيًا لتنظر لشاشته، حتي تتفحص هوية المتصل الذي ما إن عرفتها إلتقطته سريعًا من الطاولة لتضغط عليه قبل أن تضعه علي أذنها قائلة بنبرة مرتجفة لم تستطع السيطرة عليها:

-أيوة يا دكتور "برق".

إستمعت لحديثه و هو يرد عليها بقتامة لتنهمر عبراتها بحرجٍ و هي تضع كفها الصغير علي قلبها بألمٍ جحيمي لم يرحمها:

-من ساعة ما جيتي و أنا شاكك فيكي، و شكيت بردو إن إنتِ اللي سرقتي الفلوس من جيبي و عملتي الفيلم بتاع القهوة دة عشان كدة، و اللي أكدلي الكلام دة كله الكاميرات.

ثم تابع بعدم إكتراث لنحيبها الذي تعالي بصراخٍ من فرط الحزن و الأسي:

-مش عايز أشوف وشك في العيادة تاني.

أغلق الخط بوجهها فسقطت هي علي الأرض مجددًا و هي تبكي بحسرة علي عملها الذي فقدته بعد أول يوم لها به، و فجأة تسائلت بإرتعادٍ و هي تضع كفها علي وجهها لتخفيه بإستياء:

-هجيب فلوس منين بس للي جوا دة، أعمل إية بس!؟

و فجأة تذكرت نبرته القاسية التي وضعتها في موقف محرج جعلها تتمني أن تختفي وقتها، ثم تابعت نحيبها بحرقة و هي تهمس بقلة حيلة:

-لازم أروحله بكرة تاني عشان يسامحني.

___________________________________________

-إتبسطي في الشغل؟

قالتها "تالين" بإبتسامة خفيفة و هي تنطلق بسيارتها، فردت وقتها "رحيق" بإقتضابٍ:

-اة إتبسطت.


نظرت لها بتمعن تحاول سبر أغوارها و لكنها لم تستطع، فتنهدت بضيقٍ و هي تفكر في صورة مناسبة لتسألها عن "باهي" إن كان هو السبب في حالتها الغير طبيعية تلك أم لا، و لكنها تخشي إن تخب ظنونها لتتسبب وقتهائفي لفت أنظار صديقتها ناحيته لتفتعل معه المشاجرات، و فجأة مرت تلك الفكرة ببالها، فتسائلت تلقائيًا و هي تهز رأسها بإستفهامٍ:

-إنهاردة بليل هروح مع "باهي" نتعشي و بعدها هنروح مول نشتري شوية حاجات، تيجي معانا؟

هزت رأسها نافية بصمتٍ، فصاحت "تالين" بإصرارٍ بعدما فهمت كل شئ:

-يبقي هتيجي.

زفرت "رحيق" بإمتعاضٍ و قد إكفهر وجهها بصورة ملحوظة، فتسائلت وقتها "تالين" بحيرة و هي تهز رأسها عدة مرات:

-مالك بس يا "رحيق"؟

ردت عليها بشوقٍ و الحنين لكل شئ يظهر بكلا عينيها بوميضٍ واضحٍ:

-ماما و أخويا وحشوني أوي.

ترددت كثيرًا حتي تسألها حوله و لكن فضولها جعل ذلك التردد يتلاشي لتهتف هي وقتها بإستفهامٍ:

-و "برق"؟

توقفت بالسيارة بتلك اللحظة بسبب وصولهما للبيت، فهربت وقتها "رحيق" من إجابة السؤال عندما خرجت من السيارة لتركض ناحية البيت، بينما "تالين" ترمقها بتأففٍ و هي تتنهد هامسة بلهجة إنجليزية متقنة:

-يجب عليها أن تنس كل شئ، عائلتها، "بلال"، "إياد"، و "برق" أكثر الأشخاص الذي يجب عليها نسيانهم حتي لو كان خلال تلك الأيام التي ستقضيها هنا.

__________________________________________

-عايزة أعرف الواد اللي كانت صورته متعلقة جوا فينه؟

قالتها "ياقوت" و هي تعقد ساعديها أمام صدرها بصرامة، فردت عليها "بيسان" بنزقٍ و هي تنتفض بغضبٍ:

-ما تحترمي نفسك!

حذرتها "ياقوت" بصورة لا تبشر بالخير و هي ترمقها بتهديدٍ صريحٍ:

-لو منطقتيش علطول هدخل أرميكي من الشباك، رُدي يا ست إنتِ.

قالت جملتها الأخيرة بنبرة عالية مهتاجة، فتراجعت وقتها "بيسان" للخلف ببعض من القلق قبل أن ترد عليها بإمتعاضٍ أخفت به خوفها:

-مات.

ما الذي تقصده ب (مات)!؟...ما الذي تقصده بتلك الكلمة!؟...لن تنتقم ملثما تمنت!؟...خابت آمالها و بعدة ثوان!....إزدردت "ياقوت" ريقها قبل أن تهمس بعدم فهم:

-يعني إية مات!؟

ردت عليها "بيسان" صارخة بعبوسٍ:

-يعني مات إية مبتفهميش.


ثم أغلقت الباب بعدها مباشرةً بعنفٍ، لتتراجع تلك المسكينة للخلف و هي تهز رأسها بهستيرية، رافضة تلك الفكرة، تلاحقت أنفاسها لتضع كفها علي قلبها بألمٍ و فجأة فاقت علي رنين هاتفها الذي تعالي بصورة مزعجة، فأخرجته من جيبها و هي تتفحص هوية المتصل فوجدته رقم لم تعرف هويته، ضغطت علي الهاتف و هي تضعه علي أذنها قائلة:

-الو مين معايا؟

وجدت صوت ذلك الرجل و هو يهتف ب:

-الو حضرتك مدام "ياقوت"؟

إزدردت ريقها بتوترٍ قبل أن تهمس بنبرة مرتبكة:

-أيوة..إنتَ مين؟

رد عليها ذلك الرجل بعدة كلمات جعلتها تخرج من البيت راكضة و هي تصرخ ب:

-أنا جاية حالًا.

___________________________________________

باليوم التالي.

-صباح الخير، إية لسة تعبان؟

قالتها "سيليا" بإبتسامة خفيفة و هي تجلس أمامه علي الفراش، فرد هو بنبرة ناعسة و هو يفرك عينيه بكلا كفيه:

-بقيت أحسن.

أومأت له بهدوء قبل أن تمد كفها تجاهه بكوب العصير ذلك قائلة بإبتسامتها التي إتسعت بصورة أصابته ببعض القلق بسبب حالتها التي أصبحت غير طبيعية:

-خُد أشرب العصير دة.

إلتقط الكوب منها ليضعه بجانبه علي الكومود قبل أن يهتف بجمودٍ:

-لا مش عايز.

لاحظت نظرات الشك التي كان يتابعها بها، فإبتلعت ريقها بتوجسٍ قبل أن ترد عليه بهدوء زائف:

-زي ما تحب.

ثم تابعت بحماسٍ و هي تحاول نسيان ذلك الخوف الذي راودها:

-هنخرج إمتي بقي!؟...ولا إنتَ جاي هنا عشان تنام!؟

رد عليها بتأففٍ و هو يمرر كلا كفيه علي وجهه:

-"سيليا" أنا حقيقي تعبان و معنديش طاقة أعمل أي حاجة.

زفرت بغضبٍ مصطنعٍ، ثم نهضت من علي الفراش لتتجه ناحية باب الغرفة بخطواتها السريعة، فأوقفها هو قائلًا:

-"سيليا".

إستدارت له لتنظر له بإستفهامٍ و هي تقترب منه بعدة خطوات، فصاح هو وقتها و هو يتابعها بنظراته المتمعنة:

-"سيليا" أنا وافقت أبدأ معاكي صفحة جديدة و أنسي كل حاجة، أتمني إنتِ كمان تكوني نسيتي زيي.

تفحصته بكلا عينيها قبل أن تومئ له عدة مرات قائلة:

-أكيد طبعًا، بس إنتَ لية بتقول كدة!؟

هز رأسه نافيًا قبل أن يلتقط كوب العصير من جانبه، ليمعن النظر بملامح وجهها الخالية من التعابير قبل أن يرتشف عدة رشفات منه هو يهمس بشكٍ:

-أتمني تكوني مش بتكدبي.

رأته ينهي كوب العصير، فتنهدت براحة قبل أن ترد عليه بنبرة مهتاجة و هي ترمقه بلومٍ زائفٍ:

-إنتَ بردو مصمم تبوظ كل حاجة، مش إحنا قولنا هنحاول نبقي ناجحين في حياتنا لية بقي التصرفات الغريبة دي؟

نهض من علي الفراش قبل أن يرد عليها بقتامة:

-عشان مش قادر أثق فيكي، إستسلامك المفاجئ و هدوئك الغريب كل دة مخليني حاسس إن في حاجة غلط.

عقدت حاجبيها بتوترٍ قبل أن تتسائل بترددٍ:

-حاجة!..حاجة إية!؟

رد عليها بنفس نبرته السابقة و هو يقترب منها بخطواته البطيئة:

-ما هو يأما إنتِ بتخططي لحاجة محدش عارفها يأما بتحاولي تمثلي عشان حياتنا تمشي، و أنا الحقيقة شاكك في الأولي.

رمقته بإشمئزازٍ قبل أن تدفعه بكلا كفيها بعيدًا عنها، ثم صرخت بإنفعالٍ قبل أن تتركه لتخرج من الغرفة:

-إنتَ حقيقي إنسان مريض.

تابعت خروجها بخطواتها الراكضة فأوقفها هو عندما قبض علي ذراعها ليسحبها ناحيته بصورة مفاجأة، فتراجعت هي تلقائيًا و هي تصطدم بصدره، ثم رفعت رأسها لتنظر لعينيه بنظراتها الغير مفهومة، بينما هو يمعن النظرات بعينيها بتلك الصورة التي لا تبشر بالخير، إزدردت ريقها قبل أن تهمس بغلٍ ظهر بنبرتها:

-إوعي سيبني.

إقترب منها ليهمس بجانب أذنها بنبرة شيطانية أصابتها بالرعب الشديد، بالإضافة إلي عدم إستيعابها لكلماته العجيبة تلك:

-خُدي بالك يا "سيليا" عشان أي تهور منك هيزعلك و هيأذيكي.

إبتعد عنها ليتجه بعدها مباشرةً ناحية باب البيت، ثم فتحه ليخرج منه بخطواته الغاضبة، بينما هي تتلاحق أنفاسها و هي تمرر كفها علي ذراعها الذي ألمها أثرًا لكفه الحديدي الذي قبض عليه بمنتهي العنف، ثم همست بوجلٍ و هي تنظر للباب بتوجسٍ:

-أكيد هو معرفش حاجة، أكيد يقصد يهددني و يخوفني و بس.

____________________________________________

-إنتِ تاني، هو أنا مش قولت مش عايز أشوف وشك تاني!؟

قالها "برق" بإحتدامٍ و هو يرمقها بإزدراء، و هو يحاول تجاهل تلك الكدمات الواضحة علي وجهها، فردت هي عليه و الدموع تترقرق بعينيها:

-أبوس إيدك متعملش كدة، أنا لو مشتغلتش هيحصل مشاكل كتير.

رمقها ببرودٍ قبل أن يوبخها صارخًا:

-إنتِ ليكي عين تطلبي مني ترجعي كمان، و بعدين يحصلك مشاكل أول ميحصلكيش دي حاجة متخصنيش..


قاطعته هي رافضة، و هي تنتحب بهستيرية صارخة بألمٍ، لتقع بعدها علي الأرضية الباردة بعدما لم تتحمل قدماها حملها، فرمقها هو بصدمة و هو يحاول إيقافها عن البكاء بنظراته و لكن حالتها المنهارة منعته:

-لا إنتَ هترجعني تاني و إلا هو هيقتلني.

ثم تابعت بلا وعي و هي تضرب بكلا كفيها علي الأرض بمنتهي العنف مما أدى الي جرح كلا كفيها:

-لازم أشتغل عشان أجيبله فلوس و إلا هيقتلني.

جثي علي كلا ركبتيه ليقبض علي كلا ذراعيها ليمنعها عما تفعله، و فجأة فقدت هي الوعي و كادت رأسها أن تعد للخلف لتقع و لكنه منعها عندما سحبها تجاهه ليحملها بين ذراعيه، ثم نهض بها و بتلك اللحظة تأمل تلك الكدمات التي ملئت وجهها ليفغر فمه بتعجبٍ، ثم أخذها تجاه غرفة مكتبه ليضعها علي تلك الأريكة و هو يلتقط زجاجة المياة البلاستيكية من علي المكتب، ثم فتحها ليجعل المياة تتناثر علي وجهها، فشهقت هي بخوفٍ قبل أن تعتدل في جلستها سريعًا، ثم رفعت عينيها تجاهه لترمقه بعتابٍ لم يتحمله ليطرق رأسه هروبًا من نظراتها، بينما هي تتابع توسلها له قائلة برجاء و هي تقترب منه لتلتقط كفه حتي تقبله، فسحبه هو مبتعدًا قليلًا:

-أبوس إيدك رجعني الشغل و أنا مش هعمل كدة تاني.

رد عليها بتلك اللحظة بصرامة لا تقبل النقاش فرمقته هي برفضٍ:

-أنا ممكن أديكي مبلغ كويس كل شهر كمساعدة مني لكن ترجعي تاني الشغل أسف مقدرش أثق فيكي.

هزت رأسها بهستيرية قبل أن ترد عليه صارخة بإستعطافٍ:

-لا أرجوك مينفعش، أنا مش عايزة أقعد معاه طول اليوم، دة ممكن يأذيني كفاية أوي عليا الكام الساعة اللي بقعدهم في البيت بليل، أبوس إيدك رجعني.

شعر بالإنفعال تجاه ذلك الرجل الذي تتحدث عنه، فتسائل هو تلقائيًا و هو يقترب منها لينظر في عينيها المتورمتين من فرط البكاء مباشرةً:

-هو مين دة اللي هيأذيكي؟

ردت عليه بنبرة مرتجفة و هي تنكمش علي نفسها عندما لاحظت نبرته كانت تعلو بصورة مرعبة:

-جوز أمي.

عقد حاجبيه بذهولٍ قبل أن يتسائل بدهشة:

-و أمك فين؟

إبتلعت تلك الغصة المريرة قبل أن تجيبه بنبرة مبحوحة:

-ماتت.

إزدرد ريقه قبل أن يتسائل بترددٍ و هو ينظر لملامحها الشاحبة الذابلة بحيرة:

-هو اللي عمل في وشك كدة؟

أومأت له عدة مرات و هي تضع كفها تلقائيًا علي إحدي الكدمات التي كانت أسفل عينها، و فجأة تابع هو ليجعلها في حالة مصدومة:

-و أنا هقدر أحميكي منه.

___________________________________________

-هو إنتِ هتفضلي متعصبة كتير؟

قالتها "تالين" بعدما توقفت بسيارتها أمام مقر عملهما، فردت عليها "رحيق" بعبوسٍ و هي تخرج من السيارة بحركات عصبية:

-أنا متعصبة منك عشان سمحتيله يجيبلي هدية زي دي.

خرجت هي الأخري من السيارة لتصيح بإستنكارٍ:

-إنتِ عاملة كل دة عشان إية بس!؟...هو كان جابلك إية دة ورد يا "رحيق".

ذهبت خلفها، فوجدها تستدير فجأة لتحذرها قائلة:

-كلمة زيادة و رد فعلي مش هيعجبك.

سارت خلفها و هي تتمني ألا تتصرف بصورة حمقاء، حتي لا تعرف بإن هي من إقترحت علي "باهي" بفكرة الزهور تلك حتي تكن بداية لطيفة بينهما، و لكن و من الواضح إن البداية ستكون جحيمية لا تبشر بالخير أبدًا.

وجدتها تدلف لغرفة مكتبه بدون إستئذان، فتوقفت هي زافرة بضيقٍ هامسة ب:

-دة شكل الحوار باظ خالص.

____________________________________________

دلفت للغرفة كالثور الهائج و هي تبحث عنه بعينيها، فوجدته علي تلك الأريكة و هو ينظر لها بجمودٍ أصابها بالغيظ، نعم فهو كان يتوقع ذلك الأمر، كان يتوقع رد فعلها الغاضب، لذلك وافق سريعًا علي إقتراح "تالين" الأحمق.

صرخت هي بإهتياجٍ و هي تضرب بكفها علي المكتب:

-إنتَ إزاي تجيبلي هدية زي دي!؟

رد عليها بنبرة هادئة أثارت حفيظتها:

-إنتِ إزاي تدخلي منغير إستئذان!؟

ردت عليه بعصبية و عروقها تبرز من فرط الغضب:

-إنتَ متخلف و حيوان!

هب واقفًا ليركض ناحيتها بصورة مهتاجة قبل أن يصرخ بإحتدامٍ بوجهها، و قد جحظت عيناه من فرط الإنفعال، بينما هي تشهق بصدمة مما إستمعته:

-إحترمي نفسك، مبقاش إلا واحدة ******* زيك هتغلط فيا!
-هتقدر تحميني منه إزاي!؟...أبوس إيدك أنا مش عايزة أي مشاكل. 

قالتها "أيسل" و عبراتها تعود لتنهمر مجددًا بلا توقف، فرد هو عليها بنبرة شبه رقيقة و هو يحاول تجاهل نبرتها الباكية التي سيطرت عليها بتلك اللحظة بعض الشئ:

-يعني أقدر أحميكي منه، الأول بس أنا عايز أعرف إنتِ لية مسيبتيهوش و هربتي من زمان!؟

ردت عليه بتوترٍ و هي تطرق رأسها لتحاول تخبئة عبراتها التي ظلت تتهاوي علي وجنتيها بلا توقف:

-هو دايمًا بياخد فلوسي كلها ف... ف مش بقدر ولا بعرف أعمل كدة ولا حتي أفكر في دة. 

أومأ لها بتفهمٍ ثم همس بنبرة شبه هادئة:

-ميهمنيش أوي أعرف حكايتك إية و لكن أنا هساعدك عشان تخلصي من جوز أمك ف ياريت تسمعي كلامي في كل اللي هقوله تمام. 

تنفست بعمقٍ قبل أن تسأله بتلعثمٍ:

-ل...لية؟

رد عليها بسؤالٍ هو الأخر بعدما عقد حاجبيه بعدم فهم:

-لية إية!؟ 

لعقت شفتيها بإرتباكٍ قبل أن ترد عليه و هي ترفع رأسها لتتفحص ملامحه و تعابير وجهه بكلا عينيها:

-لية هتساعدني؟

رفع حاجبيه بتعجبٍ قبل أن يرد عليها بذهولٍ و هو يهز رأسه بإستفهامٍ:

-هو عشان أساعدك لازم يكون في سبب!؟ 

تفحصته مجددًا لترد عليه بنبرة مرتجفة وضحت مدي توترها و خوفها:

-أكيد، اللي أعرفه إن عشان حد يساعد حد لازم يكون في مقابل. 

كاد أن يرد عليها ببعض من العصبية و لكنه توقف عندما إلتمعت تلك الفكرة برأسه ليبتسم بمكرٍ قبل أن يهتف بدهاء:

-هو فعلًا في مقابل. 

تنهدت بوجلٍ قبل أن تهمس بتوجسٍ:

-مقابل!...مقابل إية؟

رمقها ببعض من التردد قبل أن يهتف بإقتضابٍ و هو يمعن النظر بملامح وجهها التي حاول بمنتهي الصعوبة فهم تعابيرها المبهمة:

-أنا و إنتِ هنتخطب. 

____________________________________________

رأته يدلف للبيت بوجومٍ فهبت هي واقفة من علي الأريكة لتتجه ناحيته راكضة، فإبتعد هو سريعًا كمن لدغه عقرب، و لكن "سيليا" لا تستسلم، لذا ركضت خلفه و هي تسحبه ناحيته قائلة يإهتياجٍ:

-"تميم" إنتَ فاهم كل حاجة صح؟ 

تفحصها بنظرات مطولة و لم يكترث لها، فتحرك ببطئ تاركًا إياها، بينما هي تجز علي أسنانها بعصبية لتحاول تجاهل نظراته النارية التي كادت أن تحرقها، لتسير بعدها خلفه و هي تصرخ بنبرة هزت أرجاء المكان:

-متسيبنيش و تمشي.

إستدار لها بصورة مفاجأة ليدفعها ناحية الحائط بعنفٍ، ثم أحاطها بين كلا ذراعيه صارخًا بنبرة مهتاجة أصابتها بالرعب، بالإضافة إلي الصدمة التي داهمتها عندما إستمعت لكلماته الحادة:

-عايزة تعرفي إية!؟...عايزة تعرفي إني كنت عارف كل حاجة، عايزة تعرفي إن كنت عارف إنك عايزة تخليني مدمن و تنتقمي مني.

تلاحقت أنفاسها لتتسائل بعدها بنبرة مرتجفة:

-عرفت إزاي؟

نظر في عينيها مباشرةً قبل أن يرد عليها بإحتقارٍ:

-أول يوم شوفتك و إنتِ بتحطي حاجة غريبة في الأكل و وقتها زاد شكي، وقتها بعدت عن المطبخ و ندهت عليكي و قولتلك اني هنزل اشتري حاجة، و بعد ما رجعت خبيت الأكل اللي اشتريته و لما خرجتي من المطبخ و سألتيني فين الحاجة اللي جيبتها قولتلك ملقتش، و بعدها حطيتي الأكل علي السفرة و قولتلك تدخلي تعملي عصير و وقتها بدلت الأكل بالأكل اللي جيبته. 

جحظت عيناها بتوترٍ قبل أن تتسائل و جسدها يرتجف من فرط الذعر:

-و العصير؟ 

رد عليها بحدة و هو يرمقها بنفورٍ:

-بدلته هو كمان لما لفيتي. 

تهاوت عبراتها بقهرٍ و هي تنتحب بألمٍ صائحة بغلٍ:

-إنتَ اللي إبتديت بالأذي يا "تميم" إنتَ اللي عملت كل دة. 

قبض علي كلا ذراعيها و هو يهزها بعنفٍ صارخًا ب:

-كنت مخدوع فيه و حاولت أخليكي تسامحيني لكن إنتِ عمرك ما هتتغيري هتفضلي بردو زي ما إنتِ بتدوري علي الإنتقام و بس!

جحظت عيناها و هي تنفض كلا ذراعيها صارخة بنزقٍ:

-بس دة حقي. 

رفع كلا حاجبيه بصدمة و هو يسألها بذهولٍ لا يستطيع تصديق ما تقوله:

-حقك!...حقك تخليني مدمن و تدمري حياتي! 

تلاحقت أنفاسها و هي ترد عليه صارخة بإزدراء:

-إنتَ اللي بدأت و كسرت قلبي و خليتني أندم علي كل لحظة حبيتك فيها. 

ظلت تضرب صدره بهستيرية و هي تلومه صارخة:

-دمرت حياتي و خليت حياتي مش مستقرة لية عملت كدة؟..رُد عليا. 

تنفس بعمقٍ قبل أن يهتف بجمودٍ و هو يكور قبضته بعنفٍ يحاول السيطرة علي تلك الرغبة العجيبة التي راودته لتحثه علي إحتضانها لإحتواء صدمتها و إنهيارها:

-إمشي يا "سيليا"، إمشي و إبعدي و ورقة طلاقك هتوصلك قريب..أنا و إنتِ مش هنرتاح غير لما نبعد. 

تهاوت عبراتها الحارة علي وجنتيها مجددًا لتلهبهما قبل أن تصرخ بأسي:

-عشان حياتي تتدمر أكتر و أكتر مش كدة؟

و عندما رأي عبراتها الغزيرة تنهمر علي وجنتيها جذبها ناحيته بصورة مفاجأة ليضمها لصدره هاتفًا بأسفٍ و عبراته تخونه كعادتها:

-أنا أسف سامحيني. 

بكت بحرقة و جسدها يرتجف بقوة قبل أن تهمس بحسرة علي حياتها التي تدمرت و مازالت تتدمر أمام عينيها لتشاهدها و هي لا تجد أي حلول لها:

-حياتي إتدمرت و معدتش عارفة الصح من الغلط، كل اللي أنا فيه بسببك، أنا عمري ما هسامحك. 

ذرف دموعًا حارة لتسقط علي قميصها و هي تبلله، بينما هي تراودها الذكريات الكريهة البغيضة كشريط سينمائي لتزداد معاناتها، ثم لفت كلا ذراعيها حول خصره بصورة تلقائية و هي تهمس بنبرة مبحوحة:

-نفسي أرتاح من كل دة، أنا حقيقي تعبت.

إبتعد عنها قليلًا ليهمس بقلة حيلة من بين عبراته المنهمرة:

-إدينا فرصة نحاول تاني، أنا متأكد إننا لو كُنا إتقابلنا في ظروف أفضل كان زمانا زوجين ناجحين جدًا. 

هزت رأسها نافية، فصاح هو بإصرارٍ عجيبٍ:

-لا يا "سيليا" هنقدر. 

ثم تابع بتوسلٍ و هو يرمقها برجاء إلتمع بكلا عينيه:

-صدقيني هنقدر، خلينا نحاول و ننسي بس المرادي بجد. 

أبعدته عنها بعنفٍ و هي تدفعه بقوة صائحة بإحتدامٍ و هي ترمقه بكراهية:

-إني أسامحك دة معناه إني أتخلي عن كرامتي، و إن كنت إنتَ في مقارنة مع كرامتي فإتفضل مع السلامة.

عقد حاجبيه بغضبٍ فإقترب منها قليلًا ليصرخ بتهكمٍ:

-كرامة إية اللي بتتكلمي عنها، أنا أذيتك و إنتِ أذيتيني خلاص خلصنا. 

لوت شفتيها بقسوة لتصرخ بتحذيرٍ:

-خُد بالك من كلامك أنا مأذيتكش أساسًا. 

تلاحقت أنفاسه و حيرته تزداد و تزداد لا يعرف ما الذي يجب عليه فعله، أيتركها!؟..أم يحاول مرة أخري؟..لأول مرة يقع في تلك الحيرة القاتلة و كأن عقله يحاربه و قلبه يظهر بذلك الشئ الجديد الذي لا يستطيع تفسيره، و بعد عدة لحظات هتف هو بلا تفكير و هو يتابع حالة الوهن و الأرهاق البائنة علي وجهها بمنتهي الندم و الأسف الذي راوده مجددًا ليوبخ نفسه علي أفعاله التي أخذته للجحيم الذي لا يجد أي مفر منه:

-من الأخر إنتِ عايزة إية يا "سيليا"؟ 

لعقت شفتيها بترددٍ قبل أن تهمس بصدقٍ و هي تنظر في عينيه مباشرةً و كأنها تطلب منه حلول أخري:

-مش عارفة.

إقترب منها أكثر، ثم طوق خصرها ليقربها منه، بينما هي مستسلمة لكل شئ، و كأنها غير واعية، غير واعية بمن يقف أمامها!..بينما هو يقترب أكثر منها ليهمس بجانب أذنها برجاء، و كل ذلك و هو يحاول بث الأمان لقلبها الذي شعر و بتلك اللحظة بألمه الذي جعلها في تلك الحالة الغير طبيعية:

-إدينا فرصة يا "سيليا" أرجوكي.

أطبقت كلا جفنيها بقلة حيلة، بينما هو يتابع بجدية:

-بس المرة دي بجد. 

____________________________________________

-"باهي". 

صرخت بها "تالين" بعدما دلفت للغرفة بصورة مفاجأة، و بالطبع كانت نظراتها تحذره حتي لا يقول أي شئ أحمق يخرب كل ما تفعله، و لكنه لم ينتبه لها بل تابع كلماته اللاذعة التي جعلت صدمة تلك المسكينة تزداد لتتهاوي عبراتها علي كلا وجنتيها و هي تلتفت للخلف لترمق صديقتها بلومٍ شديدٍ:

-مبقاش إلا واحدة خانت ثقة أهلها أكتر من مرة تيجي عشان تغلط فيا، أوعي تكوني فاكراني مش عارف عنك حاجة، أنا عندي علم بكل حاجة قذرة عملتيها قبل كدة.

نظرت له و هي تحاول السيطرة علي دموعها التي خانتها عدة مرات لتصبح في هيئة ضعيفة لم تكن تناسبها من قبل، ثم تراجعت للخلف بعدة خطوات و جسدها يرتجف بعنفٍ، و بتلك اللحظة لم تستطع قدماها أن تحملها، فكادت أن تقع علي الأرض و هي تنتحب بقهرٍ و لكنه تقدم ناحيتها في الوقت المناسب ليضمها لصدره حتي لا تقع، بينما هي ترمقه و العبرات تغمر كلا وجنتيها لتكن الصورة مشوشة لديها، فلم تري وقتها ذلك الندم الذي ظهر علي وجهه بسبب كلماته الحمقاء التي أدت إلي إنهيارها الغير متوقع ذلك، أما "تالين" فكانت تركض ناحيتها صارخة برعبٍ:

-"رحيق" إنتِ كويسة؟

تعالت شهقاتها لتبعده عنها و هي تخرج راكضة من غرفة المكتب، فأطبق هو جفنيه و هو يوبخ نفسه، بينما "تالين" تقترب منه صارخة بحدة قبل أن تتركه لتخرج راكضة خلف صديقتها:

-حرام عليك يا أخي لية عملت كدة؟ 

تابعت ركضها خلف "رحيق" و هي تصرخ بأسمها لعلها تقف حتي تستطيع توضيح أسباب فعلتها تلك، و لكن صديقتها لم تعطها الفرصة، فهي أشارت سريعًا لإحدي سيارات الأجرة التي إنطلقت بها سريعًا، فضربت "تالين" قدمها بالأرض و هي تصرخ بغضبٍ. 

____________________________________________

-بردو هتخرج تاني، مش كفاية اللي حصل إمبارح!؟ 

قالتها "ياقوت" بعصبية طفيفة و هي توبخه بنظراتها، لتتذكر بتلك اللحظة ما حدث بالأمس، فهي ذهبت للعنوان الذي أخبرها به الرجل لتجده تائه لا يعرف كيف يعود لمنزله، و بالرغم من ذلك إلا إنه كان مبتسم و سعيد بصورة مازالت تثير الشك لديها، و الآن هو يريد الخروج مجددًا و بالتأكيد لن تسمح له. 

وجدته يستدير لها و علي وجهه علامات السرور تلك، فتنهدت بحيرة و هي تتأمل تعابير وجهه اللطيفة و هو يهمس بتوترٍ:

-"ياقوت" في حاجة عايز أقولك عليها، هو صحيح كنت حابب أخليها مفاجأة و لكن مش قادر أخبي عليكي الحقيقة. 

عقدت حاجبيها بقلقٍ، فإقتربت منه قائلة بوجلٍ:

-حاجة إية يا "زاهر"!؟

تنهد بإرتباكٍ قبل أن يجيبها بمنتهي التلعثم:

-ليا واحد صاحبي دكتور و كدة، و...و ه.. هو تواصل معا..معايا و قالي إنه في عملية ممكن أعملها تخليني أقدر أرجع أشوف تاني.

رمقته بصدمة قبل أن تزدرد ريقها بصعوبة بالغة و هي تهمس بتوجسٍ:

-و..و العملية دي هت...هتنجح؟

عقد حاجبيه بذهولٍ عندما لاحظ نبرتها التي وجدها خالية تمامًا من أي مشاعر فرح و سعادة ليرد هو وقتها بتوترٍ:

-أيوة بنسبة كبيرة هو أكدلي دة، و أنا كنت عنده إمبارح بس مع الأسف معرفتش أرجع. 

فركت كلا كفيها بإرتباكٍ قبل أن تصيح بنبرة باكية أصابته بالتعجب:

-مبروك يا حبيبي. 

رفع كلا حاجبيه ليقترب منها و هو يسحبها ناحيته، ثم وضع كفه الأخر علي وجنتها ليشعر وقتها بتلك العبرات التي تهاوت عليها، فصرخ هو وقتها بخوفٍ:

-مالك يا "ياقوت"؟

ردت عليه من وسط نحيبها الهستيري، بينما هو تزداد دهشته بسبب ما قالته:

-خايفة تندم بعد ما ترجع تشوف إنك إتجوزت واحدة زيي و... 

وضع كفه علي فمها حتي تتوقف عن تلك الكلمات الحمقاء، ثم همس هو وقتها بصدقٍ و هو يقترب أكثر ليقبل جبينها برقة:

-أنا لو لفيت العالم كله مش هلاقي زيك يا "ياقوت"، و مهما يحصل هتفضلي في عيني حاجة كبيرة أوي هفضل طول عمري فرحان إني وصلتلها. 

ثم تابع بمزاحٍ ليرتسم علي ثغره تلك الإبتسامة الساحرة التي أصبحت تعشقها:

-و ياستي لو هتزعلي كدة لما أفتح بلاش خالص أعمل عملية.

ردت عليه بتلهفٍ رافضة و هي تلف كلا ذراعيها حول خصره لتحتضنه بحنان:

-لا طبعًا، دة أنا هكون أول واحدة تفرح ليك. 

إتسعت إبتسامته، ثم إختفت فجأة قبل أن يهتف بجدية:

-"ياقوت" في حاجة مهمة تانية عايز أقولك عليها. 

إبتعدت قليلًا لتتفحص تعابير وجهه الغير مفهومة، ثم همست بتساؤلٍ:

-حاجة إية؟ 

رد عليها بنبرة صارمة لا تتحمل النقاش:

-مش عايز أسمع منك أي كلام يخص ماضيكي، عايزك تنسي كل حاجة يا "ياقوت" و كأنك إنسانة جديدة، كفاية أوي اللي إحنا مرينا بيه زمان خلينا نعيش حياتنا بقي. 

ردت عليه سريعًا بلا تردد و كأنها كانت تتمني أن تستمع منه تلك الكلمات:

-حاضر يا "زاهر" هنسي كل حاجة. 

____________________________________________

بعد مرور عدة أيام. 

-إنتَ إية اللي جابك هنا؟

قالتها "تالين" بنزقٍ عندما رأته يتقدم ناحيتها، فرد هو عليها بهدوء:

-"رحيق" طلبت مني أجي لهنا زي ما تقريبًا طلبت منك. 

زفرت بضيقٍ و هي ترمقه بإشمئزازٍ، و كادت أن توبخه بقسوة و لكنها توقف عندما إستمعت لصوت "رحيق" من الأعلي، فنظرت تجاه صوتها لتجحظ عيناها برعبٍ عندما رأتها تقف علي سور تلك الشرفة التي كانت بالطابق السادس:

-"تالين". 

تلاحقت أنفاس "تالين" بذعرٍ، بينما "باهي" تتسع حدقتاه بصدمة صارخًا بهلعٍ:

-"رحيق" بطلي جنان و إنزلي من عندك. 

إبتسمت بسخرية قبل أن ترد عليه بتهكمٍ و عبراتها المريرة تنهمر علي كلا وجنتيها:

-و أنزل من عندي لية يا "باهي" بيه، مش أنا أستاهل أموت كدة بسبب قذراتي اللي إنتَ قولت عليها!؟ 

كاد أن يرد عليها و لكنها جعلته يصمت عندما صرخت بنبرة هزت أرجاء المكان، و كل ذلك وسط نحيبها الهستيري، أما "تالين" فهي كانت تتابع الموقف بصمتٍ من فرط الصدمة:

-كلكوا شايفين إني غلطانة و محدش عايز يديني و لو حتي فرصة، تعرفوا أنا فكرت كتير أوي بس ملقتش حل غير دة. 

صرخ هو وقتها برفضٍ هستيري، بينما "تالين" تصرخ بإنهيارٍ إزداد عندما رأت صديقتها ترمي بنفسها من الأعلي، و خلال ثوان وقعت "رحيق" علي الأرض و هي جثة هامدة فارقتها الحياة، لتصرخ وقتها "تالين" بعدم تصديق، بينما "باهي" يراقب الدماء التي تسيل من أسفلها بعدم إستيعاب ليتمني وقتها أن يكن ذلك مجرد كابوس سيفيق منه بأي لحظة:
شهقت بعنفٍ و هي تعتدل في جلستها، بالإضافة التي أنفاسها التي تلاحقت بلهاثٍ شديدٍ، تفحصت المكان بكلا عينيها لتستطيع وقتها إستيعاب وجودها بغرفتها ببيتها و إن ما حدث منذ قليل كان مجرد كابوس شنيع، سحبت الغطاء من عليها لتتهض ببطئ و هي تمرر كلا كفيها علي وجهها بصورة عنيفة هامسة ب:

-يا تري إنتِ فين يا "رحيق"!؟


-لية طلبتي تشوفيني؟ 

قالها "باهي" بتساؤلٍ بعدما أشعل سيجارته الفاخرة تلك، فردت هي وقتها عليه بجمودٍ و هي تنظر أمامها:

-إنتَ تعرف عني كل حاجة، أنا و إنتَ عارفين دة، تفتكر واحدة زيي ممكن يبقي ليها فرصة تانية؟ 

إزدرد "باهي" ريقه بصعوبة بالغة قبل أن يرد عليها بصدقٍ:

-إسمعي يا "رحيق" كل واحد فينا بيغلط و أي حد مؤكد ليه فرصة إنه يتوب عن الغلط دة، إنسي اللي قولته في المكتب دة كان كلام وقت عصبية، صدقيني ليكي فرصة تبقي أنضف بنت في الدنيا، يمكن لو رجعتي بلدك الموضوع يبقي صعب بس الأمل موجود.

ثم تابع بلباقة و هو يقف قبالتها لينظر في عينيها مباشرةً:

-عايزك ترجعي الشغل تاني، و متزعليش من "تالين" دي كانت عايزاكي في أحسن حال و مكانتش تقصد أي أذي، و لو حبيتي ترجعي مصر في أي وقت مفيش مشاكل، بس نصيحة مني ليكي إبعدي عن "برق". 

إرتسم علي ثغرها إبتسامة جانبية ساخرة لتهمس بإستهزاء:

-أكيد مستاهلش واحد زيه. 

لعق شفتيه بتوترٍ و هو يبحث عن طريقة مناسبة لإخبارها بذلك الأمر، لذا أخرج هاتفه من جيبه بتلك اللحظة و هو يفتحه علي صورة ما، ثم وضعها أمام عينيها قائلًا بإرتباكٍ ليري وقتها الصدمة ترتسم علي قسمات وجهها بوضوحٍ:

-"تالين" بعتتلي الصورة دي، و قالتلي إن خطوبته كانت إمبارح. 

تفحصت صورته مع تلك الفتاة بسعادة لا توصف، فإتسعت وقتها إبتسامتها المريرة و هي تهمس بسرورٍ، جعل تلك الدموع تلتمع بعينيه من فرط تأثره بحالتها:

-أخيرًا لقي واحدة تناسبه. 

تنفست بعمقٍ و شعور الغبطة مازال يسيطر عليها، بينما هو يهمس بوجلٍ علي حالتها الغير مفهومة:

-"رحيق" أنا عرفتك عشان تبعدي عنه مش أكتر، و بعدين مينفعش اللي بتقوليه دة أنا واثق إن جواكي حد لو لفينا العالم كله مش هنلاقي زيه. 

ربت وقتها علي كتفها بحنوٍ قائلًا بثقة:

-المرة دي هتدي نفسك فرصة مرة كمان و لكن الفرق إنه دة هيبقي بمساعدتي، صدقيني عمري ما هسيبك إلا لما تنسي الماضي اللي مش عايز يرحمك. 

إبتسمت بأملٍ و هو تهمس بإمتنان:

-شكرًا يا "باهي" حقيقي من غيرك في اللحظة دي كان زماني مموتة نفسي!

إبتسم لها بصورة بثت الأمان و الأمل لقلبها لتعرف وقتها إن هناك فرص عديدة، لذا عليها نسيان اليأس الذي رافقها لوقتٍ طويلٍ. 


-إنتَ هتمشي دلوقت!؟ 

قالتها "أيسل" بتعجبٍ و هي تتابعه و هو يضع الحقائب البلاستيكية التي تحتوي علي الكثير من الأطعمة علي الطاولة، فرد هو وقتها بهدوء:

-أنا جبتلك الأكل اللي كنتي محتاجاه، متهيألي وجودي هنا معاكي لوحدنا ميصحش. 

تحرك من مكانه و كاد أن يخرج من الشقة التي كان بابها مفتوح، فأوقفته هي وقتها بنبرتها الشبه عالية:

-"برق" إستني. 

إستدار لها ليرمقها بإهتمامٍ، فإرتجفت شفتاها لتهمس وقتها بتوترٍ:

-أقصد دكتور "برق".

ثم تابعت بإرتباكٍ و هي تحاول الهروب من عينيه التي كانت تتابعها:

-أنا كنت عايزة أعرف عملت إية مع جوز أمي؟

زفر بضيقٍ قبل أن يرد عليها صارخًا بإحتدامٍ:

-كفاية بقي الزفت السؤال دة ميت مرة تسأليني عليه. 

إنتفضت بفزعٍ لتتراجع وقتها للخلف بعدة خطوات خشية منه، فجز هو علي أسنانه بغضبٍ قبل يهتف بنبرة شبه هادئة حتي لا يصيبها بالروع مجددًا:

-دفعتله فلوس عشان يسيبك في حالك، ها إرتاحتي؟ 

فركت كلا كفيها بترددٍ قبل أن تقترب منه هامسة بحرجٍ، ليرتسم علي وجهها بتلك اللحظة إبتسامة خفيفة مرتجفة:

-إية مزعلك؟ 

لعق كلا شفتيه بإرتباكٍ قبل أن يرد عليها بصدقٍ، و قد إختنقت نبرته بتلك اللحظة بمنتهي الوضوح:

-البنت اللي قولتلك إني خطبتك عشانها، عشان لما تعرف ترجع، لسة لغاية دلوقت معرفش عنها حاجة. 

تفحصته بكلا عينيها قبل أن تهمس بإرتباكٍ و بنبرة متلعثمة:

-أنا...ح..حبيت متدخلش خالص..بس صدقني لو كانت من نصيبك أو لو كانت ليك كان زمانها رجعت من بدري...و..مكانتش سابتك خالص..و كمان.. 

شهقت متوقفة عن الحديث عندما وجدته ينتحب بمنتهي الهستيرية، فإلتمعت الدموع بعينيها و هي تشعر تجاهه بالشفقة التي إزدادت عندما صاح هو بتلك النبرة الباكية التي جعلت عينيها تذرف تلك الدموع الحارة لتلهب وجنتيها:

-طب أعمل إية عشان ترجع!؟..أنا تعبت..أنا مبقتش.. 

توقف عن الحديث و هو يتابع نحيبه بألمٍ، فإقتربت هي منه مرة أخري و هي تهمس ببعض من الأمل:

-متخافش يا دكتور الحياة مش هتقف. 

تلاحقت أنفاسه قبل أن يصيح بأسي و إستياء:

-أنا أكتر حاجة وجعاني إنها أكيد عايشة حياتها و نسيت كل حاجة، و أنا هنا مستني يمكن ترجع. 

ربتت علي كتفه بحنوٍ هاتفة بجدية ليرتسم علي ثغرها تلك الإبتسامة المريرة:

-مش دايمًا كل اللي بنتمناه بيبقي بين إيدينا.

زفر بضيق و هو يبتعد عنها، ثم غادر المكان بوجومٍ ليتذكر وقتها كلمات صديقه التي غيرت الكثير من الأشياء بداخله. 

(عودة للوقت السابق) 

-أتمني يكون كل دة بجد. 

قالها "تميم" بنبرة ذات مغزي فهمها "برق" الذي رد عليه بتهكمٍ و هو ينظر تجاه "سيليا" التي كانت تقف بالخارج تنتظره حتي ينتهي من الحديث مع صديقه:

-أتمني أنا إن يكون تحسن علاقتكوا بجد.

تجاهل "تميم" ما قاله ليهتف وقتها بجدية و هو ينظر في عيني صديقه مباشرةً:

-خطيبتك شكلها بنت كويسة يا "برق"، أتمني تكون خطبتها عشان هي مناسبة ليك و عشان بتحبها، مش عشان حاجة تانية، ياريت تنسي بيها اللي راح.

إبتسم بسخرية هاتفًا:

-فاكره بالساهل إنتَ مش كدة؟ 

تنفس بعنفٍ قبل أن يصرخ بغضبٍ و قد برزت عروقه من فرط الإهتياج:

-يابني فوق بقي كفاية اللي بتعمله في نفسك دة، قولتلك ميت مرة "رحيق" مش ليك و عمرها ما هتكون ليك، إنتوا الإتنين متنفعوش لبعض، إفهم دة يا غبي.

ثم تابع بإحتدامٍ لتجحظ عيناه بإنفعالٍ و هو يرمقه بصورة نارية:

-خطيبتك ملهاش ذنب، و ياريت بقي تنسي "رحيق" لإنك بالشكل دة هتعذب نفسك و هتعذب البني أدمة اللي إنتَ خطبتها.

رد عليه "برق" بترددٍ:

-"تميم" إنتَ فاهم غلط أن.. 

رد عليه "تميم" بصرامة لا تتحمل النقاش و هو يوبخه بنظراته القاسية:

-مش عايز أسمع منك ولا كلمة، و هرجع تاني و أقولك متظلمش البنت اللي خطبتها يا "برق"، متغلطش غلطتي اللي أنا بحاول أصلحها بأصعب الطرق دلوقت. 

عقد حاجبيه بتعجبٍ قبل أن يتسائل بذهولٍ:

-إنتوا علاقتكوا إبتدت تتحسن!؟ 

أومأ له "تميم"، ثم صوت نظراته ناحيتها و هي تقف بالخارج، ليهتف وقتها بنبرة هائمة:

-بنحاول نبدأ صفحة جديدة، و خلال الأيام اللي فاتت دي إبتديت أشوف فيها حاجات كتيرة أول مرة أشوفها، و أحب حاجات كتيرة بردو أول مرة أشوفها، مفيش بس حاجة بتمنعنا غير الماضي.

ثم تابع بسعادة و هو يبتسم بفرحٍ، بينما "برق" يستمع له و الصدمة تظهر علي وجهه ببطئ:

-و أكتر حاجة فرحتني لما عرفت إنها مقتلتش "إياد" زي ما كلنا كنا فاكرين، إحنا لقينا في الكاميرات التانية راجل دخل البيت بعد ما "سيليا" خرجت منه، و لقينا الراجل و وقتها هو إعترف بكل حاجة، قال إنه دخل البيت لما سمع صوت حد بيصرخ جوا من الوجع و لقي وقتها "إياد" اللي كان تقريبًا بيفوق و لكنه ضربه تاني بنفس العصاية أكتر من مرة و مات و كل دة عشان يسرقه. 

ثم أكمل بهدوء و هو يتفحص رد فعله بإهتمامٍ:

-علي فكرة أنا سيبت "بلال". 

رفع "برق" حاجبيه بصدمة صائحًا ب:

-لية!؟ 

إزدرد ريقه قبل أن يهتف بثباتٍ:

-دة كان طلب "سيليا" قالتلي إننا لازم ننسي الماضي بكل ما فيه، و بصراحة كلامها حقيقي، حتي "رحيق" هي أقنعتني إني أسامحها...

كاد أن يتابع حديثه و لكنه توقف عندما وجدها تدلف بملامح ممتعضة هاتفة بحنقٍ:

-كل دة يا "تميم"!؟ 

إتسعت إبتسامته و هو يري غيظها و غضبها، فزفرت هي بقلة حيلة هاتفة بلباقة و هي تنظر ل "برق":

-مبروك يا "برق". 

إبتسم لها "برق" بهدوء قبل أن يهمس بجانب أذن صديقه:

-طب يلا خدها و إمشي عشان شكلها هتبلعنا إحنا الإتنين. 

تعالت ضحكات "تميم" و هو يتحرك قبل أن يلتقط كفها بين يديه صائحًا بمزاحٍ:

-لا و علي إية!؟..يلا يا روحي.

(عودة للوقت الحالي)

نظر تجاه البيت بعدما خرج منه ليهتف وقتها بنبرة غامضة:

-"تميم" عنده حق، "أيسل" متستاهلش إني أظلمها. 


-أتمني تكوني دلوقت أحسن. 

قالها "تميم" بإبتسامته الواسعة و هو يرمقها بهيامٍ، بينما هي تومئ له عدة مرات قائلة براحة:

-مش قادرة أوصفلك أنا فرحانة إزاي أن ماما إطمنت عليا و إن علاقتي بأخويا إتحسنت.

إلتقط كفها الرقيق ليلثمه برقة هامسًا بصدقٍ و نظراته المتيمة تشع من عينيه:

-أنا اللي مش قادر أوصفلك سعادتي بإن علاقتنا إتحسنت. 

سحبت كفها المرتجف بتوترٍ لتهتف بعدها بتلعثمٍ:

-ط..طب يلا عشان نروح الوقت إتأخر. 

نظر لها مطولًا يتأمل خجلها بإبتسامته الهادئة، فهو إكتشف أمر حرجها و خجلها ذلك منذ فترة قصيرة، ليزيد ذلك من إعجابه بها الذي كان بتلك الفترة حقيقي بلا زيف أو إصطناع! 

بينما هي كانت تختبر مشاعر جديدة مختلفة، و كأنها تحب للمرة الأولي، نعم فقد كان "تميم" كطوق النجاة لها، طوق النجاة الذي ظهر في اللحظة المناسبة، و العجيب إن طوق النجاة ذلك كان منه، نعم منه..من "تميم" المنتقم، لتري شخص أخر، و كأنه تحول خلال عدة أيام ليبدي لها مدي جدية الأمر بمحاولاته العديدة في تحسين علاقتهما، فساعدته بمحاولاتها هي الأخري، و بالرغم من الماضي الذي يراودها كل يوم، إلا إنه كان يحتوي مشاعرها الغاضبة و المهتاجة بصدر رحب، لذا قررت إعطاء فرصة أخري له بلا تردد، و لكن ذلك لا يمنع الخوف الذي لا يرحمها، ذلك الخوف الذي يحذرها منه و من غدره الغير متوقع، و لكنه يثبت لها العكس ليزداد إطمئنانها تجاهه يوم بعد يوم.

____________________________________________

-"زاهر" إنتَ شايفني؟ 

قالتها "ياقوت" بتساؤلٍ ما إن دلفت للغرفة و علي وجهها تلك الإبتسامة الواسعة، فرد هو وقتها بذهولٍ و حدقتيه تتسع بصدمة:

-"ياقوت". 

إختنقت نبرته و هو يتابعها بعدم تصديق، بالإضافة إلي تلك العبرات التي إلتمعت بعينيه من فرط السعادة:

-"ياقوت" إنتِ طلعتي أحلي بكتير من ما كنت متخيل. 

إقتربت منه راكضة و هي تبكي بهستيرية، لتهتف وقتها و هي ترتمي بين أحضانه:

-مبروك يا حبيبي. 

أخرجها من بين أحضانه ليتأمل ملامحها بنظراتٍ مطولة هامسًا بهيامٍ و وميض العشق يلتمع بعينيه، ليظهر وقتها في صورة جذابة شديدة الجمال:

-أنا كان نفسي أفتح عشان حاجة واحدة بس، عشان أشوفك، و أحس بيكي و إنتِ بين إيديا، من هنا و رايح أوعدك إني هعمل كل حاجة عشان أقدر أسعدك. 

رمقته بغرامٍ قبل أن تقترب منه لتقبل وجنته قائلة بنبرة دافئة بثت الأمان لقلبه:

-"زاهر" أنا حامل يا حبيبي. 

رمقها بوله و إبتسامته تتسع ببلاهة و هو يصرخ بغبطة و سرورٍ:

-يعني أنا..أن..أنا هيكون ليا إبن منك!؟

أومأت له عدة مرات لتتهاوي عبراته علي كلا وجنتيه و هو يسحبها تجاهه ليضمها لصدره بعنفٍ، و هو يهتف بفرحٍ لا يوصف و بنبرة مبحوحة:

-كنت متأكد إنك هتعوضيني عن كل حاجة، ربنا يخليكي ليا. 

ربت علي ظهرها عدة مرات قبل أن يهتف بإرتياحٍ و هو يطبق جفنيه ببطئ:

-أنا خلاص يا "ياقوت" بقيت مرتاح و إتخلصت من كل حاجة كانت مبوظة حياتي، أكبر حاجة خلصت منها هي نظرة أهلي اللي كانت موجودة من زمان، من ساعة الحادثة، كانوا بيشوفوني قليل و يحسسوني إني ناقص حاجات كتير، أنا مش قادر اوصفلك سعادتي يا "ياقوت".

قبلت جبينه برقة هامسة بثقة و ثباتٍ:

-من هنا و رايح هننسي كل حاجة حبيبي، كل وجع، كل حزن، كل ذكري مش عايزة تسيبنا، و هنعيش حياة جديدة، مع إبننا و مع حبنا. 

إبتسم بغبطة و ضحكته تتعالي من فرط السعادة التي غمرته لتجعله في عالم أخر، عالم يعمه الحب و الهدوء، لا الكراهية و المصائب. 

____________________________________________

بعد مرور عدة أشهر. 

-سرحان في إية يا دكتور. 

قالتها "أيسل" بإبتسامة بريئة و هي تضع فنجان قهوته أمامه علي الطاولة، فرد هو عليها بنبرة جامدة جعلت ملامحها تتحول خلال ثوان للتجهم و العبوس:

-"رحيق" إتكتب كتابها إمبارح. 

رفعت كلا حاجبيها بتوترٍ قبل أن تتسائل بنبرة مرتجفة:

-و إنتَ زعلت!؟ 

نظر لها بتمعن قبل أن يمد كفه تجاه كفها الرقيق الموضوع علي الكرسي، ليلتقطه بين كفه بحنوٍ و هو يقبله برقة قائلًا بهيامٍ:

-لا..بس عرفت إني خدت قرار صح لما إديت لنفسي فرصة عشان أحبك.

إبتسمت بخجلٍ و هي تحاول محاربة هواجسها التي ترافقها بلا رحمة، فهي و خلال تلك الفترة كانت تشك في مشاعره بصورة جنونية، و لكنه يثبت لها العكس بعدما يثير شكوكها بذكره لإسم حبيبته السابقة "رحيق"! 

إتسعت إبتسامتها قبل أن تهمس بنبرة هادئة لتحاول بها الخروج من زوبعة الأفكار التي وقعت فيها لعدة لحظات:

-"سيليا" حامل. 

رفع حاجبيه بصدمة قبل أن يصيح بفرحٍ:

-بجد حامل! 

أومأت له عدة مرات قبل أن تهتف بنبرة عادية:

-أيوة و كمان عاملة إحتفال صغير كدة بليل بالمناسبة دي. 

أومأ لها عدة مرات قبل أن يهتف بجدية و هو ينهض من علي كرسيه:

-حيث كدة بقي ألحق أروح العيادة عشان اشوف اللي ورايا قبل ما نروح سوا. 

ردت "أيسل" وقتها بتعجبٍ:

-طب و القهوة!

رد عليها بأسفٍ و هو يتجه ناحية الباب علي عجالة:

-معلش حبيبتي مستعجل أوي مش هقدر أشربها..مع السلامة. 

رمشت بعينيها عدة مرات قبل أن تهتف بنبرة خافتة:

-مع السلامة، خلي بالك من نفسك يا "برق". 

أومأ لها عدة مرات قبل أن يتواري عن أنظارها، بينما هي تضع كفها الرقيق علي قلبها هامسة بقلقٍ:

-مش مطمنة!

بقلم/رولا هاني. 

................................................................. 

 الخاتمة 

-متزعلنيش منك بقي يا "تميم" و هاته ليا.

قالتها "سيليا" بجدية و هي تقترب من زوجها و علي ثغرها ترتسم تلك الإبتسامة الرقيقة التي تجعله لا يحاول حتي المقاومة، فرد هو وقتها بذهولٍ:

-يا حبيبتي بومة إية بس اللي عايزاني إشتريهالك!؟ 

تخصرت بحنقٍ صائحة بغيظٍ:

-بومة يا "تميم" إية متعرفش البومة! 

رد عليها بنبرة خافتة و هي يطرق رأسه بقلة حيلة:

-هو أنا أعرف غيرها. 

جحظت عيناها بتحذيرٍ صارخة ب:

-قصدك إية!؟ 

وضع كفه علي بطنها ليهتف بجدية و هو يقبل وجنتها بحنان:

-طب خلاص بلاش عصبية عشان البيبي، هنروح للدكتور و نبقي نسأل ينفع نجيب البومة اللي سعادتك عايزاها ولا هيبقي في ضرر.

سحبته لتضمه لصدرها و هي تضحك بهستيرية هاتفة بصدقٍ و الغرام يظهر بنبرتها رويدًا رويدًا، ليبتسم هو وقتها براحة، نعم فهو إعتاد ذلك الشعور و هو بين يديها هكذا:

-حبيبي يا "تميم" أنا بموت فيك. 

و بتلك اللحظة صاحت "بيسان" من الخارج بنبرة عالية حتي تصل لهما:

-يلا يا ولاد، الناس وصلت تحت. 

نهضا من علي الفراش ليخرجا بخطواتٍ خفيفة، ثم هبطا الدرج ليجدا "برق" و "أيسل"، فإبتسمت بتلك اللحظة "سيليا" لترحب بهما قائلة:

-يا أهلًا وسهلًا. 

ثم إقتربت من "أيسل" لتهتف بلومٍ، فهي أصبحت صديقتها المقربة خلال تلك الفترة:

-وحشتيني يا "أيسل" كل دة و متكلمنيش! 

إحتضنتها "أيسل" و هي تهمس بأسفٍ و بنبرة خافتة لم تسمعها سوي "سيليا":

-متزعليش مني بس اليومين اللي فاتوا دول دماغي كان فيها يجي ميت حاجة.

ربتت "سيليا" علي ظهرها عدة مرات، لتهتف بعدها بحماسٍ مصطنعٍ حتي تستطع أخذها لمكان منعزل عن الناس بعض الشئ:

-طب أنا هاخد "أيسل" أفرجها علي الفستان الجديد اللي إشتريته و أخد رأيها في كذا حاجة كدة، متخافوش من هنتأخر عليكوا. 

أخذتها و إبتعدت عنهم عندما صعدت بها الدرج تجاه غرفتها، بينما "بيسان" تبتسم بلباقة قبل أن تهتف بهدوء و هي تتجه للمطبخ:

-و أنا هروح أشوف الأكل جهز ولا لسة. 

تابع "تميم" والدته و هي تدلف للمطبخ، ثم صوب نظراته تجاه صديقه الذي جلس علي الأريكة بملامح خالية من التعابير، و قبل أن يتحدث قاطعه "برق" بقتامة:

-أتمني متسألنيش علي أختك و علي رد فعلي لما عرفت إنه إتكتب كتابها. 

ثم وجده يتابع ببرودٍ و هو يضع ساقًا فوق الأخري:

-معدتش مهتم أصلًا بيها. 

إزدرد "تميم" ريقه بتوترٍ قبل أن يهتف بتوجسٍ:

-خايف تكون بتكدب. 

هز رأسه نافيًا ليهتف بثقة و هو يتنهد بعمقٍ:

-خلاص يا "تميم"، عارف أنا إتأكدت إني بطلت أحبها إمتي!؟ 

هز "تميم" رأسه بإستفهامٍ فرد عليه "برق" بثباتٍ و هو ينظر في عينيه مباشرةً:

-لما بطلت أستناها. 

ثم أكمل بصدقٍ و هو يبتسم بهيامٍ:

-أنا مبقاش في قلبي غير "أيسل"، و حاليًا إبتديت أفكر أكتر حوالين جوازنا و إن شاء الله قريب. 

____________________________________________

-"رحيق" تاني! 

قالتها "سيليا" بعدما رفعت كلا حاجبيها بذهولٍ، ثم تابعت بتوبيخٍ:

-يا بنتي بطلي بقي التفكير في الكلام الفارغ دة، كام مرة أقولك خطيبك بيحبك، و كام مرة قعدتي تختبريه و بردو بتكتشفي إنه بيموت فيكي. 

زفرت "أيسل" بحيرة و هي ترمق صديقتها بتأففٍ، فهتفت وقتها "سيليا" بجدية:

-عارفة يا "أيسل" هتخلصي من الحوارات دي كلها إمتي؟

عقدت حاجبيها بتلهفٍ لتصيح بإستفهامٍ و بلا تفكير:

-إمتي؟ 

ردت "سيليا" بنبرة واثقة و هي تقترب منها بخطواتها البطيئة:

-لما تصارحيه بمشاعرك دي، قوليله أنا دايمًا شاكة في كذا و كذا، دوروا علي حل سوا صدقيني هترتاحي. 

زفرت "أيسل" بإمتعاضٍ و هي تهز رأسها رافضة، و هي تصيح ب:

-مش هينفع يا "سيليا"، أنا ما صدقت علاقتنا بقت كويسة بالطريقة اللي مكنتش أتوقعها دي. 

كادت "سيليا" أن ترد عليها و لكنها توقفت عندما إستمعت لصوت صراخ "تميم" الغاضب من الأسفل، فإتسعت حدقتاها بصدمة و هي تنظر ل "أيسل" بتعجبٍ، قبل أن تتركها لتغادر الغرفة راكضة بخوفٍ و خلفها صديقتها. 

هبطت الدرج بحذرٍ لتري أمام عينيها "رحيق" و بجانبها ذلك الرجل الذي توقعت سريعًا هويته، نعم فقد كان "باهي"، بالإضافة إلي "تالين" التي كانت معهما، أما "أيسل" فقد كانت تتابع ما يحدث بوجلٍ واضحٍ، لذا هبطت الدرج سريعًا لتتجه راكضة ناحية "برق" لتختبئ بين أحضانه خشية من رد فعله الغير متوقع علي عودة حبيبته السابقة، أطبقت جفنيها برعبٍ قبل أن تهمس بنبرة باكية متوسلة لم يسمعها سواه:

-إوعي تسيبني يا "برق". 

ريت علي ظهرها بحنوٍ عدة مرات ليبث الأمان لقلبها وبالفعل نجح في ذلك. 

و خلال تلك اللحظات كانت هناك حرب نظرات تدور بين "تميم" و شقيقته، بينما "برق" يرمقها بمنتهي الجمود و عدم الإهتمام، ليقطع ذلك الصمت "بيسان" التي صرخت بسعادة و هي تركض ناحية إبنتها:

-بنتي "رحيق". 

إحتضنتها "رحيق" بشوقٍ و عبراتها تتهاوي علي كلا وجنتيها، بينما زوجها "باهي" يراقب نظرات شقيقها التي توضح مدي الكراهية التي يشعر بها، فتنهد هو بترقبٍ و هي يري "رحيق" تخرج من بين أحضان والدتها لتهتف بنبرة مرتجفة:

-إزيك يا "تميم"؟...وحشتني.

رد عليها بنبرة جليدية أصابتها بالصدمة فهي لم تكن تتوقع رد فعله القاسي ذلك:

-جيتي لية!؟...محدش هنا مرحب بوجودك. 

وبخته بتلك اللحظة "بيسان" قائلة:

-"تميم" إحترم وجودي. 

هتفت بتلك اللحظة "رحيق" بنبرة مبحوحة و هي تربت علي ظهر والدتها:

-إستني يا ماما، سيبيه يقول اللي هو عايزه.

ثم تابعت بنبرة حادة و هي تقترب منه بخطواتها المترددة:

-بس قبل ما تقول كدة يا "تميم" عايزاك تفكر، "سيليا" سامحتك بالرغم من اللي عملته فيها، لية مش عايز تسامحني و تعمل زيها؟ 

جحظت عيناه بصدمة و هو يصوب نظراته ناحية زوجته التي رمقته وقتها بنظراتٍ غير مفهومة، ليفهم وقتها ما الذي تحاول شقيقته فعله، هي تحاول إستغلال الماضي لصالحها، و لكنه حاول بتلك المرة التفكير بصورة مختلفة، شقيقته أخطأت و هو يعرف ذلك، و لكن لما لا يغفر، مثلما غفرت تلك التي عشقها حد الجنون، لما لا ينسي كما نست زوجته التي تخلت عن حقها في الإنتقام منه لأجله و لأجل عشقهما، و بعد عدة لحظات فاق من شروده ليجد شقيقته أمامه و عبراتها تنهمر علي كلا وجنتيها و هي تهمس بقهرٍ:

-صدقني مش بحاول أستغل الموقف، بس بحاول أثبتلك إني أستاهل كمان فرصة. 

إقتربت "سيليا" منه و هي تحتضنه قائلة بنبرة صادقة:

-"تميم" أنا واثقة إنها محتاجة فرصة تانية، لو سمحت سامحها، و كمان هي إتكلمت صح، أنا سامحتك رغم اللي عملته، يبقي إنتَ كمان لازم تسامحها، إنتَ مهما كان أخوها. 

إستمع لعبارتها و هو يمعن النظر بعينيها، ثم و فجأة سحب "رحيق" تجاهه ليضمها لصدره بشوقٍ حرره ليظهر بتلك اللحظة، هاتفًا بنبرة باكية لم يستطع السيطرة عليها:

-وحشتيني يا "رحيق". 

كان الجميع مشغول بأمرهما، إلا "برق" الذي ربت علي ظهر "أيسل" قائلًا بنبرة بثت لقلبها الأمان:

-يا عبيطة أسيب مين، هو إنتِ فاكرة إني مش عارف إن اليوم دة هيجي، بس عارفة المختلف إية عن زمان، إني مبقتش مهتم إن اليوم دة يجي لإن إنتِ ظهرتي، و وقتها عرفت علي إيدك معني الحب، صدقيني مهما مرت السنين مش هسيبك يا "أيسل". 

جففت عبراتها بكلا كفيها لتخرج من بين  أحضانه بخجلٍ و هي تهمس بنبرة مبحوحة:

-يعني إنتَ لسة بتحبني مش كدة؟ 

أومأ لها عدة مرات قبل أن يهتف بثقة و هو يبتسم بهيامٍ:

-و عمري ما هحب غيرك. 

و بعد قليل أتت "سندس" و إبنها، ليمر اليوم وقتها بسلامٍ وسط ضحكاتهم جميعًا، بالإضافة إلي "رحيق" التي حاولت التقرب ل "أيسل" بمنتهي الود و الحب، و بالفعل تقبلتها بعد عدة مواقف أثبتت لها مدي نقاء تلك الشخصية، بينما "برق" مازال يتعامل معها بمنتهي البرود و الجمود و لكنها كانت متفهمة لموقفه و لما حدث في الماضي، بينما "سيليا" كانت في غاية السعادة بعدما أصبح كل شئ بخير، كل شئ يغمره السلام و الهدوء، أما "تميم" فقد كان شعوره لا يختلف كثيرًا عن "سيليا"، فهو أيضًا لم يتوقع أن تتغير الأمور هكذا بتلك السرعة! 

____________________________________________

-مبروك يا حياتي. 

قالها "زاهر" بنبرة حنونة و هو يقبل رأسها بحنان، فردت هي عليه و هي تنظر لإبنتهما بسعادة:

-شوفت "يُسر" شبهك إزاي!؟ 

كاد أن يرد عليها و لكن قاطعته بتلك اللحظة والدته و هي تصيح بغضبٍ مصطنعٍ:

-شبه أبوها دة إية دي شبه جدتها بالظبط. 

تعالت قهقهات الجميع خاصة "ياقوت"، ثم رحبت بهم مرة أخري بمنتهي الفرح، بينما "زاهر" تتسع إبتسامته الجذابة و هو يتذكر كيف عادت الأمور هادئة هكذا، فهو و بعد ثلاثة أشهر من عودته للرؤية مجددًا حاول إصلاح الأمور بينه و بين والديه و بين زوجته و والديها أيضًا و بالفعل نجح بعد محاولات عديدة بدون يأس. 

إقتربت "وسيلة" منه لتربت علي ظهره قائلة ببشاشة:

-ألف مبروك يا حبايبي زي القمر و شبهكوا إنتوا الإتنين بالظبط. 

إبتسمت "ياقوت" بتلك اللحظة و هي ترد عليها بغبطة، لتحتضن زوجها بتلك اللحظة بسرورٍ:

-الله يبارك فيكي يا قلبي. 

إقترب منها "زاهر" ليقبل جبينها هامسًا ب:

-بعشقك يا روح "زاهر". 

إتسعت إبتسامتها لترد عليه بصدقٍ:

-و أنا بموت فيك يا قلب "ياقوت". 

تمت بحمدلله

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-