رواية وقعت في فخ الظلام كاملة جميع الفصول بقلم مني ابو اليزيد

رواية وقعت في فخ الظلام كاملة جميع الفصول بقلم مني ابو اليزيد

رواية وقعت في فخ الظلام كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة مني ابو اليزيد رواية وقعت في فخ الظلام كاملة جميع الفصول صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية وقعت في فخ الظلام كاملة جميع الفصول حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية وقعت في فخ الظلام كاملة جميع الفصول

رواية وقعت في فخ الظلام بقلم مني ابو اليزيد

رواية وقعت في فخ الظلام كاملة جميع الفصول

في قصر واسع يسود من داخله اللون الأسود دهان، أثاث، وزخرفة، جلس أصيل الشاذلي مشدود الوجه يراقب ملامح الجميع عندما اعتلت وجههم الصدمة بسبب ما طلبه، تلك المرة الأولي التي يطلب بوجود فتاة داخل قصره، نهض من مكانه بشموخ كبير، دس يديه في جيب البنطلون، ضيق عينيه السمراء التي يكسوها الحزن، هتف بنبرة هزت جدران القصر:
-انتوا مش بتفهموا أنا عايز البنت اللي كانت بتطبخ في المطعم
تنحنح أحداهما بخوف ملحوظ، أراد التحدث ليظهر اعتراضه على طلبه، فهمس بخفوت:
-حضرتك البنت دي معروفة أنها بترفض شغل خارج المطعم على الرغم من احتياجها للفلوس عشان علاج والدها
ثبت بصره على نقطة ما، غارق عقله في طريقة ما تجعلها توافق، حك أسفل ذقنه بحيرة ظاهرة حتى تبدد حاله حين عثر على الفكرة، رقص قلبه طرباً، وقال بحماس:
-اتصلوا بالمطعم وجيبه رقمها
وبالفعل نفذ أحداهما الطلب، أخذ رقم بلهفة، فتح الهاتف المحمول الخاص به، ضغط على عدة أرقام بسرعة، ثم هتف:
-الو
-مين معايا
-أصيل الشاذلي
-النمرة غلط
فجأة وبدون مقدمات أغلق الهاتف في وجهه، زاح الهاتف عن أذنه بملامح الاندهاش التي فرشت وجهه، مط شفتيه باستنكار، عاد الاتصال مرة أخرى:
-يوه مش قولت الرقم غلط
-عايزك تشتغلي عندي
-نعم
-في إيه محتاج شيف في قصري
-سوري مش بشتغل عند حد أنا بشتغل في المطعم وبس
-مرتب 10000 جنيه وقابل للزيادة فكري كويس
تلك المرة أغلق الهاتف المحمول في وجهها، رد ما فعلته في الأول، لا يتقبل الإهانة سواء بقصد أو بدون، قوس فمه بابتسامة نصر، كأنه على يقين من موافقتها
..........
ظلت جوهرة تفكر في الأمر جيداً، علت السعادة قلبها حين فكرت في المبلغ، فهي تحتاج إلي المال لكي تكفي علاج والدها، وجلب الأشياء التي تريدها، هرولت بسرعة إلي حجرة والدها لتخبره لكي تعم الفرح في شامل البيت، وقفت على باب الحجرة المفتوحة ظهرت رأسها المستديرة البيضاء مع جزء جسدها العلوي من الباب، هتفت بسعادة عارمة:
-بابا يا بابا
ترك سعد الجريدة التي يقرأها كعادته يومياً، أشار لها بالولوج للداخل خاصة على المقعد المجاور له، وقال بنبرة رسمية بنظرات عادية:
-تعالي يا جوهرة أقعدي
أومأت رأسها بالموافقة، حركت قدميها للأمام، بالفعل جلست على المقعد المجاور له، زادت سرعة نبضات قلبها، وتمتمت قبل أن تتفوه:
-عندي ليك خبر بس محتارة فيه
شبك يديه لبعضهما البعض، ثبت بصره عليها منتظر أن يسمع منها ما تريد قوله، لكي يعود لقراءة الجريدة مرة أخرى، نفخ من الضيق، ثم قال بنفاذ صبر:
-أنجزي يا جوهرة
أخرجت نفس طويل قدر ما تحمله من حيرة، وقالت بحماس:
-أنا أتعرض عليا شغل بمبلغ 10000
ربت على كتفها ببرود واضح، كأنها لم يستمع جيداً ما قالته في التو، ردد:
-مبروك ألف مبروك أوي في حاجة تاني
رفعت حاجبيها لأعلى باندهاش واضح، لم تتوقع رد فعله بهذا الشكل، كانت تظن أن ملامح فرحة في حالة القبول، وحزن في حالة الرفض، لم تأخذ منه سوي الخذلان وقلة فرحتها بالمبلغ التي سرقت منها في لحظة فعادت تقول مرة أخرى:
-بقولك أنا أتعرض عليا شغل بمبلغ 10000 أنت سامعني
نهض من مكانه، حملق بعينيها السمراء الضيقة على مضض في عينيها البنية الواسعة التي ورثتها من والدتها رحمة الله عليها، وقال بصرامة:
-عشان مقولتيش إيه الشغل يتوافق عليه أو لا نسيتي تربيتي ليكي
صعقت بشدة، كلماته كالخنجر يطعن قلبها ببرود لكي تموت قتيلة بعد ما قتل أحلامها الوردية لكي تعالجه وتجلب ما تريد، فقالت بذهول:
-يعني إيه يا بابا أنت تقصد إيه
علت ضحكاته الممزوجة بتهكم على حديث أبنته التي لم تفهم مقصده، سرعان ما تحولت لعبوس جديد، وقال بحصره:
-الشغل يعارض ربنا ما هو مفيش شغل بالمبلغ ده
قفزت على الأرضية بقدميها تعرض اعترضها على حديثه، فصاحت عالياَ:
-أنت بتشك فيا
أشار عليها بغضب شديد قائلاً:
-لا زعلان عشان المبلغ أغراكي وخلاكي تنسي ربنا
ثوانٍ من الصمت مرت ولسانها ثقيل بحروف تتنازع نزعاُ للخروج من بين شفتيها قائلة بحزن:
-أنا أسفة يا بابا بس هشتغل طباخة في قصر
زفر مطول بعمق، وبسمة حانية على شفتيه، قال بهدوء نادم على أسلوبه الحاد معها في بعض الأحيان:
-يبقي تعرفي هتباتي هناك أو لا
.........
زاح شخص ما الهاتف المحمول عن أذنه، نهض من مكانه باندفاع، في لمح البصر تغير الجو فجأة من حوله حين علم بطلب حفيده، اتجه إلي الشرفة، نظر إلي السماء وجدها مليئة بالغيوم، فسقطت الأمطار بغزارة، مد يده بحيوية و نشاط كأنها سلاح أو قوة تسانده و تعاونه على الأيام، لا يشغل باله سنه الذي يتعدي 75 عاماً
تنهد بحزن عندما تذكر ما حدث لحفيده منذ بضع أشهر، أصبح ملقب بالمظلم بعد تعمده تحول حياته إلي اللون الأسود، استحوذت عينيه باللمعة عندما جاء في ذهنه في فكرة ما، صاح عالياً على الخادمة التي تنظف الطاولة:
-تعالي هنا بسرعة
استدارت الخادمة بجسدها للخلف، رمته بنظرات خجل قائلة بنبرة رسمية:
-أفندم
علق عينيه بعينيها لبضع ثوان، وقال بتأكيد:
-أنتِ كنتِ بتقوليلي إن جارتك شغالة في مطعم *** وقت ما طلبت منك طباخة لأصلان وقولتِ رفضت
خفق قلبها بشدة، حملقت بعينيها عليه باندهاش واضح، فشعرت بجسدها كله مثلج من الذعر،حاولت رسم ابتسامة هادئة على ثغرها وهي تردد بقلق:
-اها يا باشا هي عملت حاجة لسيدتك هي شعنونة وشقية بس والله طيبة
شعر بانتصار لحديثها، هز رأسه بالنفي، و قال باعتراض:
-لا بس كنت عايز عنوان بيتها عشان أقنعها تشتغل
لوحت يدها في عدم رضا ناظرة للأسفل بأسف، و قالت بتردد:
-بس هي بترفض عشان والدها تعبان بتحب تكون جنبه
حرك يده لكي يشرح لها، ثم قال بهدوء:
-متقليش أديني عنوانها وخلاص
وصل محمد الشاذلي إلي أحد البنايات القديمة، ترجل من السيارة رافع عينيه إلي البناية، البيت متهالك إلي حد ما، جدرانه ملونة، زهت الأوان عينيه بأمل كبير، لعل تلك الفتاة تبدد حال حفيده الذي أصح السواد يحوطه من كل اتجاه
أغلق الهاتف المحمول دون كلمة، ارتسمت ابتسامة نصر على ثغره، اقترب يحقق حلمه، ففرشت السعادة داخل قلبه، وحدث نفسه:
أوعدك يا أصلان إن حياتك هتتغير وأنا هساعدك
عدل ملابسه مستعد للدخول، عند اقترابه من الباب لمس جيب البنطلون من الخارج تأكد من وجود شيء ما ثم طرق الباب بقلق زاهي على ملامح وجهه، فتح له الباب فتاة ترتدي إسدال صلاة يغطها شعرها لا يظهر منها سوي ملامحها الهادئة التي تجذب من يراها، أشار بيده عليه بابتسامة قائلاً:
-جوهرة
أومأت رأسها بالموافقة على حديثه بملامحي تعتلي الحيرة والأسئلة، لذلك قالت متسائلة:
-اها أنا جوهرة مين
-محمد الشاذلي جد أصيل الشاذلي
سلطت مقلتيها عليه بعد ما اخترقت أذنيه اسمه،عيناها مليئة بشغف منتظراه أن يظهر باقي حديثه، لم تجد أي رد سوء كلمات خذلتها، كأنه لسعت من عقرب، سعت عينيها بالصدمة:
-أنا عايز أشوف والدك
تراجعت للخلف لكي تفسح له المكان، وهي لا تعلم بمختطته لتلقي النداء على والدها بخوف بارز في كيانها الداخلي والخارجي، زاد تعجبها أكثر بعد ما طلب محمد الشاذلي أنه تتركه معه بمفردهما
دام حوار بينهما كان الدهشة، الخوف، الاطمئنان مسيطرين في الحديث بالترتيب، حين انتهي هب محمد واقفاً من مكانه، رمقه بنظرات اطمئنان لتفهمه ما يريد
نفخ سعد من العبوس والقلق ليبلغ بنته ما يريده أن تنفذه، وقف أمامها مباشرة، وقال بإصرار:
-هسيبك تشتغلي عند اللي اسمه أصيل بس هتباتي وأنا معاكي
جزت على أسنانها من الغيظ،ملامح وجهها تملأها الغضب، ثم هتفت:
-يعني إيه يا بابا أنت موافق ده أنت زعلتني من نفسي وقت ما قولتلك
ربت على كتفها بابتسامة ممشوقة على شفتيه، وقال بسعادة:
-ده خير يا بنتي وهتعرفي في الوقت المناسب من غير أسئلة كتير
لم يكن أمامها غير الطاعة، استعدت لتغزو عالم المظلم، عالم ملئ باللون الأسود، والغبار يحوطه من كل اتجاه، لا أحد يستطيع أن ينزعه
..........
ارتطم طفل صغير بشاب كبير يبدو في بداية نهاية العقد الثالث من عمره، طالعه الصغير بنظرات حزن لسبب سقوط بعض العملات المعدنية على الأرض، كطفل صغير لا يعرف أن يخرج ما داخله سوي الصراخ:
-يا مامااااااا
حدق حمزة عينيه عليه حين تراكمت بهما الاندهاش، رفع حاجبيه لأعلى من التعجب، ليس متزوج من قبل لكي يفهم تصرفات الأطفال، فضل يعيش بقرب مجموعة من الأشخاص دون أن يسمح للأطفال بالاقتراب منه، فقال متسائلاً:
-إيه اللي حصل بس
وقفت الدنيا لديه حين رأي فتاة في منتصف العقد الثالث من عمرها، تقترب من الطفل بهلع مسيطر على ملامح وجهها، ظهر جانب أنثوي لا يفهمه الكثير وخاصة الرجال عاطفة الأمومة، ظلت تسأل الطفل ما به، بينما هو كان في دنيا أخرى، لم ينتبه إلي جمالها الهادئ الرقيق، وعينيها البريئتين، شرد فيها بخياله بأنه يراها تبث حنان من نوع آخر، يحتاجها لتبادله إحساس بالفقد الذي حرم منه لسنوات طوال، عاد إلي الواقع الذي أصبح يسوده الألم عندما ألقت عليه كلمات كالخناجر الطاعنة حين تأكد أن الحنان لا يعطي إلا لأبنه فقط:
-أنت عملت إيه لأبني عشان يعيط
مط شفتيه للأمام بقلة حيلة، يرد على سؤالها على مضض دون أن ينظر لعينيه السمراء، منع نفسه كالعادة إلي استغراق في الأحلام، ومحاولة تحقيقها:
-معملتش حاجة هو خبط فيا وهو بيجري مرة واحدة لقيته عيط
وضعت حنان يديها عند خصرها كتعبير منها على عدم اقتناعها بحديث يكسوه عدم المعرفة بشيء، وهتفت بقوة شرسة كالقطة التي تصدر مواء حين يقترب من أولادها شخص ما:
-تصدق صدقت وكلامك مقنع بصراحة
عقد مرفقيه بثقة، لكي يثبت لها أنه لم يفعل شيء خاطئ، وجدها تريد تطلق للسانها العنان بحرية، باغتها حين وضع كف يده أمام وجهها لكي تكف عن الحديث، قال بسخط:
-بصي بقي أنا معملتش حاجة لأبنك أهو عندك اسأليه بعد لما أمشي يمكن يقولك عن أذنك
في لمح البصر أختفي من أمامها كالمارد، جزت على أسنانها من الغيظ، لفشلها في أخذ حق ابنها، ومعرفة ما حدث، أخرجت هواء عميق نابع من صدرها، انحنت بجسدها للأسفل، ربتت على ذراعي الطفل قائلة بحنان:
-أحكيلي يا يحيي إيه اللي حصل
أجاب عليه ببكاء:
-الفلوس وقعت مني
جففت عبراته المنسدلة على وجنتيه برفق، ارتسمت ابتسامة على ثغره قائلة باطمئنان:
-ولا يهمك يا حبيبي هديك غيره
وقت كالتمثال عينيه ثبتت على نقطة ما، حاولت تحدثه مرات كثيرة، لكنه لا يبالي اهتمام لها، اضطرت أن تنظر مكان ما يطل بعينيه، شهقت بصوت منخفض على الرغم أن داخلها ثورة خوف تستطيع أن تكفي العالم، رأت طليقها أمامها بل الشيطان على شكل إنسان، حاولت النظر بعيد عنه عندما نظر لها بعينيها المشتعلة بالغضب، بدأت تخطو مع أبنها بعيد عنه حتى تتفادى سواده
.........
اتفقت جوهرة مع أصيل أن تذهب إلي القصر ليتم الاتفاق بينهما بسبب عمله المستمر، ها هي وصلت إلي القصر دون أن تعرف عن المظلم شيء، لفت انتباهه لون الأسود المرصع على جدران القصر، مرت من أمام طاولة بالكراسي مصفوفة حولها وسط حديقة القصر كانت باللون الأسود، كست تعبيرات وجهها بالاندهاش، ثم حدثت نفسها:
-هو مش بيحب غير اللون الأسود ده شخص غريب
سمع سعد صوتها وهي تتحدث دون أن يفهم معني كلماتها، نظر إليها بأعين تتفحصها قائلاً:
-بتقولي حاجة يا جوهرة
نجح في انتشالها لتعود للواقع، اهتزت قليلاً لسؤاله، جمعت شتات نفسه وهي تهرب من مواجهته، اختارت أن تطل على الأشجار، اللون الوحيد الذي جذبها وسط الأسود كأن من يسكن يعيش في محيط باللون الأسود، قالت بصوت رخيم:
-مفيش حاجة متشغلش بالك
بعد خطوات قليلة كانت داخل القصر الذي يحوطه اللون الأسود تنتظر أصلان، رائحة كاتمة تطير في المكان، اعتقدت أن لا أحد يفتح شبابيك القصر منذ فترة طويلة، حقاً هي الحقيقة، الشمس لا تدخل منذ بضعة أشهر، هبت واقفة تتجه نحو النافذة، سحبت الستار بحماس لا تعرف مصدره، أخذت نفس عميق، وزفرته مرة أخرى مع ابتسامة غزوت فمها، سرعان ما تلاشت الابتسامة لتتحول إلي عبوس مع انقباض حاجبيه، وفرش ملامح وجهها بالخوف حين سمعته يقول:
-أنتِ أتجننتِ بتفتحي الشبابيك عشان يدخل النور المكان وأنتِ جاية تشتغلي عند المظلم
لا تصدق جوهرة ما سمعته، كلمات زلزلت كيانها، وفطرت قلبها، لا تعلم كم مر عليها من الوقت، وقفت عند كلمة (المظلم)، ظلت ترددها عدة مرات متتالية بينها وبين نفسها بخوف، استدارت للخلف بجسدها بضعف، وجدت براثن الغضب تطل من عينيه، عدلت حجاب رأسها لتتأكد من خفي شعرها بتوتر، أخرجت نفساً مطولاً، لكي تتمرد عليه، ردت عليه بتحدي:
-أنت مضايق ليه ريحة الفيلا مكمكمة حاجة تخنق
كاد أصيل أن يرد عليها، سرعان ما تذكر أنه بحاجة إليها، خرجت تنهيدة منه بقدر ما يحمله من غضبه خفي إعلانه، حدق مقلتيها بغطرسة، لأنه صاحب القصر يحكم ويؤمر، ثم ردد بنبرة أمر:
-بم أنك هتشتغلي هنا لأزم تعرفي قواعد البيت وتتنفذ بدون مناقشة
قوس فمها بابتسامة عارمة تدل على سخريتها من حديثه، كانت كالطفلة الصغيرة تتحدث بعفوية دون حساب للقواعد، فقالت بسخرية:
-أنفذ مرة واحدة وليه إن شاء الله
اقترب وجهه منها ليتصافح جزء من هواء أنفاسه وجهها، بنظرات مليئة بالثقة هدر:
-أنتِ جاية تشتغلي عندي يبقي تلتزمي باللي بقوله
عقدت مرفقيها أمام صدرها، باحت كلماتها بثقة، راجع لتأكيدها ما سوف تقوله هو الحقيقة:
-ما أنت اللي طلبتني أشتغل عندك
أشار بسبابته اتجاهه، صاح بصوت صاخب:
وأنتِ وفقتِ على طلب يبقي تنفذي القواعد
كانت المناوشة بينهما حادة، قطع كل ما يحدث تدخل سعد قائلاً:
-ما خلاص انتوا الاتنين لازم تتفقوا يا متتقفوش
هز رأسه بحركة دائرية بتلقائية، رفع حاجبيه لأعلى من شدة التعجب الذي احتل كيانه حين شاهده، لم يكن يعلم بوجوده، فهتف متسائلاً:
-أنت مين
أجابت عليه جوهرة بتحدي، وهي تضغط على كل حرف:
-ده أبويا وهيفضل معايا لو أشتغلت هنا ده لو اتفقنا أصلاً
.........
استعدت حنان للعمل الجديد بعد أن تركت المطعم القديم ولحقت بمطعم آخر يناسب مواعيده مع أبنها، اتجهت إلي أحد الطاولات بخطوات ثابتة محافظة على جفاف ملامحه من شتى التعبيرات، وقالت بنبرة رسمية وهي تمد يدها للأمام بقائمة الطعام:
-أتفضل
هز رأسه بالنفي دون أن ينظر لها، ثم هتف بخنق:
-أنا عارف هطلب إيه
طبيعة شغلها تجعلها تضطر أن تتحمل جميع الناس، كتمت شعور الضيق الذي احتل كيانها قائلة:
-تحت أمر حضرتك
-عايزك
سيطر الشر على ملامحها عندما اخترقت أذنيها كلمته التي تشبها بالعاهرة، رفضت تلك الوصف، وأنها تصبح تباع وتشتري، حدقت بمقلتيها المشتعلة بالنيران عليه، أطلقت للسانها العنان ليبوح بالغضب:
-أنت قليل الأدب
حينها ظهر وجهه لها ليبث الخوف والتوتر داخلها، رد عليها بثقة:
-عيب كده أنا ممكن أرفدك بسبب الكلمة
دب الخوف يسير مع دمائها مع ضربات قلبها غير منتظمة، حاولت جمع ستات نفسها، لكن الفشل حوطها، فقالت بتعلثم:
-سنان
أومأ رأسه بتأكيد بابتسامة مرسومة على ثغره:
-اها سنان جوزك أقصد طليقك
جزت على أسنانها من الغيظ، سرعان ما تبدد حالها من الخوف إلي التحدي قائلة:
-مهما تعمل مش هرجعلك أنت شيطان في صورة بني أدم عن أذنك أشوف حد تاني يشوف طلبك
كل هذا كان يتابعه صاحب المطعم، وجه الحديث إلي زميلتها:
- قوليها تجيلي على المكتب حالاً
أومأت رأسها على مضض دون رد، وعادت تنظر له بأعين تنبض حدة قبل أن تتجه إلى صاحب المطعم، وقفت أمامه شابكه الأيدي لبعضهما البعض، هوى قلبها إلى قدميها، واحمر وجهها خوفاً، لا تعلم ماذا يريد وكيف تفعل إذا سألها عن ما حدث وقالت:
-تحت أمر حضرتك
أبعد مرمى بصره عن حافة الورق التي يقرأ فيها، رفع عينيه عليها، وقال بجمود:
-ياريت اللي شفته النهاردة مع الزبون مش يتكرر تاني وإلا هرفضك أنا مش عايز أقطع عيشك
كادت أن ترد عليه، لكن هربت الكلمات من لسانها عند رؤيته، ها هو الذي حدثت معه خلاف بسبب أبنها، فقالت بصدمة:
-أنت أزاي هنا أنا قبلت
قطع حمزة حديثها بسرعة، ثم هتف:
-شريكي اللي قبلتبه ياريت تحترمي الزباين أتفضلي شوفي شغلك وده أخر إنذار ليكِ
ما عليها إلا الطاعة، أجبرت على كل شيء منذ اللحظة التي وافقت فيها على زواج من سنان، يليه اكتشافها لحقيقته، دفعت الثمن مرات كثيرة ومازلت، الستار الأسود هو لون حياتها، والغبار و الأتربة مليئه به
........
اندفعت جوهرة خارج البيت التي تسكن فيه، ظلت تتفوه بكلمات مكتومة، عندما صمم والدها العمل مع أصيل الشاذلي وعدم أخباره بزيارة جده له، صعدت السيارة بوجه ملئ القهر التي أرسلها أصلان الشاذلي معها لتجلب ما تريده، شعرت كأنها قطعة جماد تتحرك كما يريدوا، لم تجد غير حل واحد حتى لا يغضب عليها والدها، سوف تنفذ ما تريد، وفي نفس الوقت تتحرر من خروج القصر دون اعتراض من والدها
وصلت السيارة إلي القصر بعد فترة من الوقت، ترجلت من السيارة، أسندت والدها في الهبوط لبطئ حركته، تنهدت بعمق قبل أن تقرع الجرس، سعت عينيها بالصدمة حين رأت فتاة تفتح لها الباب، ترتدي ملابس لا تليق بفتاة مسلمة، ذراعيها ظاهرة دون حياء، تضع مساحيق تجميل كثيفة، شعرها منسدل على ظهرها، فقالت متسائلة:
-أنتِ مين؟
أصدرت ضحكات عالية ممزوجة بسخرية، وضعت يدها على خصرها، وهي تنظر لها من رأسها حتى أخمص قدميها، ردت عليها بثقة:
-أنا اللي مين ولا أنتِ
رمقتها بنظرات تعجب، تناثر الغضب منها لتصيح عالياً:
-هو فين البيه صاحب القصر اللي عامل فيها مؤدب
ظهر أصيل كالثور الهائج أمامها دون مقدمات، ثم هدر بعنف:
-أنتِ بتزعقي كده ليه مش أنا قولت بحب الهدوء
انزلقت حروفها الشرسة من بين شفتيها بتلقائية تتحداه:
-بتحب الهدوء يا سلام خليك مع الهدوء وأمشي أنا وشوف حد غيري يشتغل
كادت أن ترحل لكنه مسك يدها بتلقائية، أمعن بصره عليها بتحذير، قال وهو يضغط على كل حرف من شدة الغيظ الذي احتل كيانه:
-بصي بقي أحنا أتفقنا وقولت لك على التعليمات المطلوبة منك واحترمت رأي باباكي لما قال مش هينفع تسبيه كل يوم لوحده ولازم تباتوا هنا متجيش دلوقتي تقولي مفيش شغل في إتفاق ما بينا
جهرت شفتاها بفتحة عارمة من تلك الصدمة، نظرت إلي يديه الممسكة بيدها دون حق، برزت ملامح الشر على ملامحها لتفيض به:
-أنت أتجننت أزاي تمسك أيدي
صمتت لبرهة، و أشارت إلي الفتاة الواقفة بجواره، ثم أضافت قائلة:
-أنا عارفة ربنا مش زى أي واحدة من اللي
قطع حديثها لتتوقف عن استكمال حديثها، ثم غمغم بقوة:
-دي مرام خطيبتي وياللي بتعرفي ربنا ده اسمه سوء الظن و سوء الظن غلط
تذكرت قول الله تعالي
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾
[سورة الحجرات]
كست ملامحها بالندم، رددت الاستغفار أكثر من لعل الله أن يسامحها على ما بذر منها، بينما تدخل سعد في الحديث قائلاً:
-خلاص يا ولاد أنا تعبان مش قادر أقف كل اللي حصل سوء تفاهم
أفسح أصيل المكان لكي يولجا للداخل، وقال بنبرة عادية:
-أتفضل أقصد أتفضلوا
قوس فمه بابتسامة انتصار، بينما رمته جوهرة بنظرات استحقار، من داخلها قررت أن ترد صاع صاعين
......
فتحت فتاة باب الشقة بلهفة عندما شاهدته يمر من أمام باب الشقة، ألقت نظرة عليه، نظرة مليئة بالشغف والحب، ألقت النداء عليه بابتسامة تتعري ثغرها لتظهر جمالها الهادي، عضت على شفتيها السفلي بخجل، صبغت وجنتيها باللون الأحمر حين نظرت إلي عينيه السمراء قائلة:
-عامل إيه يا حمزة
ارتسم ابتسامة مجاملة على ثغره، ثم رد عليها:
-الحمد لله
اختصر الكلام عليها، لم يسأل عليها، لا يهم لمشاعرها أي شيء، كانت تتمني أن يحدثها، ويفتح معه المجال، لكن الحياة لا تتم على هوانا، لم تجد سوي فتح المجال معه لتشعره بوجودها قدر ما تستطع:
-أنت هتفضل عايش لوحدك كده علطول
لوح يده بعدم اهتمام، عادت ذاكرته بالماضي، منذ سنوات وهو يعيش بمفرده بعد وفاة والديه، ولم يملك أخوه، فقال بحزن نابع من صدره، يستطيع أن يشبع العالم:
-تعود على الوحدة خلاص يا بسنت وبعرف أعمل كل حاجة لوحدي حتى الأكل
لمح طيف الحزن سيطر على ملامحها، أراد أن ينتشلها لو بقدر قليل، فأردف قائلاً:
-ده من شطارتي في الأكل فتحت مطعم
اكتفت بكلمات قليلة بعد حديثه الذي قتلها في صدرها، وفطر قلبها ببرود:
-ربنا يرزقك عن أذنك
.........
خرجت مرام من القصر، فرش وجهها بقشر البرود بعد أن تخلصت من الوجه البرئ المتصنع، صعدت سيارتها بسخط، كادت أن تقود السيارة منعها صوت رنين الهاتف المحمول الموجود داخل السيارة، خاصة عند زيارتها إلي أصيل الشاذلي، ضغطت على زر الإيجاب، وهتفت:
-سنان
-طمنيني
-ده اللي همك مفيش أزيك
-مرام أحنا مش عيال
-الخطة ماشية زى ما متفقين
-حلو في جديد
-مفيش غير بنت غلبانة هتشتغل طباخة
-ما حلو مصلحة
-أنت كل اللي همك الشغل الزبالة ده
-ما الشغل ده هو اللي بيأكلك مش هتبقي أنتِ و حنان عليا
-الشغل ده اللي ضيع مني أُ
قطع حديثها قائلاً بعنف:
-مرام أنسي عشان نعرف نشتغل مع بعض زى زمان
-تمام لو في جديد هقولك
-شوفي ظروف الطباخة الجديدة يمكن نعرف ناخد أي حاجة التلاجة بقت فاضية
-حاضر يا دكتور
-مش بحب منك دكتور بتحسيسني إن جزار معندوش قلب أنا بساعد عزريل في مهماته وأستفاد أنا بالفلوس لولا تجارة الأعضاء مكنش يبقي حلتنا حاجة
.....
لم تستطيع جوهرة الولوج إلي غرفتها طوال اليوم، راجع إلي شغلها في المطبخ وترتيبه كما تحب، حملقت في الحجرة، شعرت بأنفاسها تضيق، اللون الأسود لا تحبه، وجدت زخرفة الحجرة والفرش باللون الأسود، حقاً لقب المظلم يليق به، قالت بتعجب:
-هو كل حياته كئيبة كده
-ربت سعد على كتفها، حاول أن يجعلها تطمئن لو قليل للمكان، فغمغم بثقة:
-أكيد في حاجة حصلت
تحمست لتلقي عليه سؤالها الذي يلح عليها، فقالت متسائلة:
-بابا أنا عايزة أعرف جده كان عايز إيه وليه مش عايزني أجيب سيرة
بعد عنها قليلاً، استدار للخلف بجسده دفعة واحدة، بات عقله مشغول في إيجاد ما يقوله لها، حتى عثر على فكرة ما، فقال على الفور:
-مفيش حاجة هو كان جاي يقنعني أسيبك تشتغلي مع حفيده وكان لازم أجي معاكي عشان متبقيش لوحدك وأنتِ عارفة مش هقدر أروح وأجي كل يوم
أقنعت إلي حد ما بحديثه، لكن المكان مازال سبب ضيق، هتفت بعدم رضا:
-طيب أنا بحب الألوان وده بيموت في الأسود
رد عليها بجمود:
-ده شغل يا جوهرة وأنتِ هنا في أوضك بعيد عنه
ظلت كلماته تدور في عقلها بتمعن واضح، اندفعت للخارج على أمل أن تجد أي لون أخر، جاب بصرها باب أبيض اللون، بلعت ريقها بتوتر شديد وهي تقترب منه، أمسكت مقبض الباب، وضرباب قلبها تزداد بسرعة رهيبة، فتحت الباب على مرصعيه، باغتت عندما وجدت الحجرة ملونة، بل الغرفة تكاد تكون ملك لطفل، الرسومات الكرتونية موزعة على الجدران، الاثاث مخصص للأطفال، وقفت لفترة من الوقت، لا تعلم كم عددهم
بعد فترة عادت إلي رشدها، حركت عينيها على خزانة الملابس، جاء في ذهنها أنها تجد أي شيء ملون داخلها، فتحتها دون أن تنظر اتجاه الباب أخرجت فرش فراش ملون مخصص للأطفال منها، أغلقت الخزانة متجه عند الباب، شاهدته يقف أمامها، عينيه تحتل براثن غضب، تأملها بهدوء ما قبل العاصفة
وقف أصيل أمامها، حدق بجوهرة بنظرات مميتة جعلت أنفاسها تضرب، وقلبها يتوقف عن النبض، شعرت أنها عاجزة عن التنفس، ساقيها ترجفان بشدة، باتت كمن ينتظر حكم الإعدام في أي لحظة، تراجعت للخلف تلقائياً، وهو يقترب منها، ظل الوضع هكذا حتى ارتطمت بالحائط، فقالت بتلعثم:
-أنا.. أنا كنت عا
لا يشعر بأي شيء حوله، غرق في عالم الذكريات، أغلق عينيه ليستمر أطول فترة ممكنة مع ذكرياته السابقة حتى انتهت في صورتها اللعينة، هدر بعنف:
-أنتِ إيه اللي جابك هنا
تسارعت ضربات قلبها عن المعدل الطبيعي، بسبب نظراته النارية الممدودة عليها، رغم هذا حاولت أن تبدو جامدة قائلة:
-ما أنا بقولك كنت عايزة حاجة أفرشها على السرير تكون ملونة وأظن دي أوضي من حقي بقي وملقتش أوض ملونة غير دي
جذب منها الفرش الممسكة به، ضمه إلي صدره، كأنه يضم الطفل الذي ينام عليه، لمعت أهدابه بالعبرات، حاول مسك نفسه قدر المستطاع، رفض ظهور نقطة ضعفه، لكن تلك الفتاة جعلته يهتف باسمه بعد الوعد الذي قطعه على نفسه أن يهتف باسمه بعد أن يأخذ حقه:
-متلمسيش حاجة تخص علي تاني
دون تفكير في الأمر سألت سؤال جعلت تيار جارف من الحزن سيطر على كيانه:
-مين علي؟
رد عليها بعبوس:
-وأنتِ مالك أستني هنا دقيقة
وقفت منتظراه بشغف، حركت عينيها في كل أرجاء الحجرة على أمل أن تجد صورة لذلك الشخص الذي يدعي علي، باتت محاولتها بالفشل، الحجرة فارغة من الصور، فجأة ظهر أمامها ممسك بفرش أخر ملون، كست
تعبيرات وجهها بالاندهاش، هاهو يملك الألوان، سيطر على عقلها المئات من الأسئلة، لكل سؤال جواب، والإجابة لا توجد إلا عنده، فحاولت تسأل سؤال:
-ما أنت عندك ألوان أهو ليه حياتك كلها سوده وبتقول على نفسك المظلم
نفخ من الضيق، أراد التخلص منها، فردد بيأس:
-ملكيش دعوة شيء ما يخصكيش
تلقت أهانة منه، أرادت أن تصفعه له لكن بطريقتها التي لا يجوز لأحد أن يخطئها فيها:
-النفخ مكروه وحرام لما تنفخ لأهلك عشان ربنا قال في قوله تعالي فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُف [الإسراء:23]
جز على أسنانه من الغيظ، تلك الفتاة تبحث عن أخطائه لتلقنه درس قاسي مقابل تحدثه معها بطريقة لا تعجبها، رحل من أمامها، وهو يتحدث بتحذير:
-أطلعي بره الاوضه وأخر مرة أشوفك هنا ممنوع حد يدخل هنا والأوضة اللي بنام فيها
وضعت إبهامها في فمها، تفكر في هذا الشخص الذي غضب من دخولها الحجرة فقط، بينما صمت ولم يصدر أي فعل على طلبها للألوان
.........
أغلقت حنان الحجرة التي تسكن بها مع أبنها، خطت خطوتين للأمام، بلت شفتيها بلسانها قبل أن تطرق على الباب، ارتسمت ابتسامة مجاملة على ثغره فور ما فتح الباب، وظهرت جارتها المطلقة، فركت يديها من التوتر، وقالت بخجل:
-المفتاح في مكانه ويحيي نايم
ربتت على كتفها برفق، تبث الاطمئنان داخلها بقولها:
-متقليش عليه لو كنا في الصيف كنت قولت لك هاتيه بس حرام يبرد
علقت العبرات داخل مقلتيها، قلبها ينزف الدماء على ما مرت به، وقالت بحزن:
-لولاكي مكنتش هعرف هعمل إيه في حياتي
وكزتها بخفة في ذراعها، كنوع من تأنيب الضمير قائلة:
-يا بت أنتِ هبله ده الحال طايلني وطايقلك بس الفرق إن عايشة لسه على النفقة بتاعته عقبال ما ربنا يفرجها ولو أشتغلت مش هيبعت حاجة
ظل حوار قليل بينهما، خرجت مسرعة من البناية، لقد حان الوقت لتسير حتى تصل في معادها المضبوط، ما لا تعرفه أن تجد ما يعطلها بوجه المشمئز، عوجت شفتيها لليمين باستنكار، يليها غمغمتها المليئة بالحنق:
-سنان
أومأ رأسه بتأكيد، اقترب منها ببرود خالي من أي مشاعر لعل تقبل طلبه، تعمد استخدام البرود لأنه أصبح مكشوف أمامها لا تصدق حنين وطيبه قلبه، وإذا استخدم القسوة طلبه لم ينال القبول، فقال برجاء:
-عايز أشوف علي
أصدرت ضحكات عالية، لكنها لحقت نفسها حين أدركت بوجودها في الشارع، أشارت لها بالولوج للداخل قائلة بسخرية:
-أتفضل جوه لو وافق يشوفك
لم يتمالك نفسه، أمسك ذراعها بقوة، بوجه ملئ بالشر، هدر بعنف:
-ما أنتِ السبب
تأوهت من الألم، وهي ترد عليه:
-اهااا ما أنت السبب شايف أسلوبك عامل أزاي كفاية اللي عملته فيا
ترك يديها مسلط بصره المليئة بالسخرية، قوس فمه بابتسامة عارمة قبل أن يتفوه:
-ما كان عجبك ومكنتيش مصدقة إن هتجوزك
تردد عبارته على مسامعها، وقعت على أذنيها كوقع الصاعقة، أرادت أن تتخلص من تلك الذكريات المؤلمة، فردت عليه بيأس:
-تقول إيه بقي كنت هبله وصغيرة فرحت بدكتور أتقدم لي معرفش أن هو شيطان
كور قبضة يده بشدة حتى أبيضت، برزت عروقه الخشنة في الظهور، كان على وشك التحول عليها، قطع ظهوره صريخها عليه عندما أضافت حديثها:
-عجبك كده أتاخرت على الشغل بسببك
..........
هبط أصيل السلم بسرعة لكي يلحق معاد الشغل، جاب عينيه جوهرة وهي تضع الطعام على مائدة الطعام، أشاح وجهه للاتجاه الأخر، رافض ظهورها أمامه بعد ما حدث بالأمس، زاح المقعد للخلف بحنق دون أن يتفوه بكلمة، حملقت به بعينيها بتعجب، حاولت أن تصمت لكنه لم تستطع، جزت على أسنانها من الغيظ وهي تقول:
-مفيش صباح الخير أحنا بني أدمين برده
تجاهل حديثها، كان في حالة لا يحسد عليها، عذاب يروضه منذ ليلة أمس احتل كيانه، وأبت الخروج، أغلق عينيه بألم، كأنه يطرد كلماتها من ذهنه، أخذ كوب العصير يرشف منه، يليه تناول الطعام
وضعت يدها على خصرها من شدة غيظها، وبخته بعينيها قبل لسانها بطريقة تربيتها:
-على فكرة عيب كده محدش علمك ترد الصباح والسلام لازم أعرفك كل حاجة
لم تجد رد منه، هزت قدميها بدلاً أن تقفز لتمحو القليل من الضيق الذي اعتري داخلها، فأردفت قائلة:
-واضح إن غلط إن قبلت الشغلانة دي أنا مغلطش فحاجة أنت اللي كل حياتك غلط في غلط
استدارت للخلف بقوة، سرعان ما عادت تنظر له بتعجب مرة أخري عندما هتف:
-استني
انتظرت أن يكمل حديثه، باغتت عندما كان الصمت سيد الموقف، جزت على أسنانها من الغيظ قائلة بحنق:
-الكلام تقيل على لسانك لدرجاتي
كان معها حق، الكلمات لا تستطيع الخروج على لسانه بتلك السهولة التي يتصورها، حاول اكتمال حديثه، فقال بوهن:
-كملي شغل عادي بس بلاش كلام معايا كأني مش موجود
كادت أن ترد عليه، لم تستطع بسبب قرع جرس الباب، حركت قدميها لتفتح بسرعة، وجدت أحد الخدام يتقدم اتجاه الباب بخطوات سريعة، اخترقت أذنيها كلماته التي أدت إلي امتلاء وجهها بالصدمة:
-كل واحد هنا ليه وظيفته أنتِ مهمتك الطبيخ والسفرة بس
فكرت في طريقة تلقنه درس مفيد في الحياة وكالعادة بطريقتها، حركت يدها لكي تشرح له مع بابتسامة مرسومة على ثغرها قائلة:
ليه منساعدش مع بعض ونتعاون ده ربنا أتلكم عن التعاون مش قال في القرآن الكريم
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة
وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ سُلامَي عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ، يُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ، يُحامِلُهُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ" [ عليه الصلاة والسلام
نهض عن مقعده باندفاع، تلاشي الطارق، ركز على حديثها، مضغ وجهه بالغضب اللعين، أصبحت أنفاسه لهثه لا أحد يستطيع السيطرة عليها، نتيجة رفع معدل ضربات قلبه، هدر بعنف:
-هو أنا تلميذ كل شوية تديني درس في الدين أنا بصلي وبصوم وعارف ربنا بس حاطط قواعد في الفيلا عشان بحب النظام مش أكتر من كده
ردت عليه بجمود أكتر:
-والظلام اللي حابس نفسك فيه ومجبر الكل عليه ده نظام
كان كالقط والفأر يتحدان بعضهما البعض، مداولات عدة حدة تمت بينهما دون اهتمام لمعرفة الطارق، لم يستطيع إيقافها سوي صوت الطارق الذي كان يتتبع حوارهم بصمت تام، اكتفي أن يراقبهما، حينها تأكد من ظنونه، إن مجيئها لهذا القصر سوف يخرج أصيل من الظلام إلي النور، قال بحدة:
-إيه اللي بيحصل هنا بالظبط
أمعن أصيل بصره على الطارق، اكتفي بكلمة واحدة استطاعت أن تعرف من هو:
-جدو
أشار إلي جوهرة دون أن ينظر لها، تعمد فعل هذا لكي يشتت انتباه حفيده، منع أن يجعله يري أي تعبيرات غريبة تحل وجهها، شاط غاضباً:
-مين دي بتجيب بنات الفيلا
لا يقبل الإهانة له ولها، هز رأسه بالنفي، قائلاً بسرعة الصاروخ:
-لا يا جدو دي الطباخة الجديدة بس لسه مش عارفة نظام هنا بعرفها بس هي عنيدة شوية
دخلت جوهرة في الحوار متسائلة:
-مين دي اللي عنيدة أنت اللي حياتك غلط في غلط
اقترب يمسك من ذراعها، لم يكتمل صدرت صياحاً عالياً، اشتعلت عينيها كجمرتين من النيران، أرسلت لهيب عينيها له، ترفض فعلته، قررت تهاجمه لتلك الفعلة التي كان ينوي فعلها، لكن صريخها منع، فهتفت:
-أنت أتجننت عايز تمسك مستحيل أسمحلك بكده أنا
قطع حديثها، لم يقصد أي شيء سيء، أراد أن يجعلها تكف عن الحديث فقط:
-إيه اللي أنتِ بتقوليه ده كل اللي أنا عايزه أنك تسكتي أنا مش قصدي حاجة وحشة
رفع محمد أصبعه في وجههم ، تبدلت نبرته لتصبح حادة:
-إيه اللي بيحصل هنا بالظبط لازم أفهم
تعمد أنه تذكر شيء ما، ضم أنامله لبعضهما البعض، تابع حواره:
-ثانية واحدة أنتوا أزاي قاعدين من غير محرم
رد أصيل عليه بشراسة:
-باباها معاها مش لوحدها معرفش هو فين دلوقتي
دخلت جوهرة في الحوار، بعد ما فرست ملامح عدم رضا على ثغرها قائلة:
-هيكون فين نايم في الاوضه مش بيتحرك كتير وبياخد علاج بينيمه كتير الصبح
حدق محمد عليهما بصرامة، حاول اختراق حياتهما مهما يجد من حروب، مقاومات، جدران تحطمه، سوف يصل إلي هدفه، وصلت أماله وأمنياته إلي سقف الحائط، قال بعند:
-يبقي هبات هنا عشان أبقي معاكوا الصبح شكل خناقتكم هتبقي كتير
..........
قام حمزة من مكانه، اتكأ على مكتبه، نظر إلي النادل نظرة جعلته يشعر أنه يغرق وسط بركان من الغضب، براثن الغضب استحوذت كيانه كله عندما علم بعدم مجيء حنان حتى الآن، فشل في تفسير هذا الموقف، هب باندفاع للخارج، اختار أحد الطاولات التي يستطيع يري من بالخارج، نظر إلي عقارب الساعة الموضوعة في معصمه، هوي قلبه إلي قدمه، أحمر وجهه من الخوف، لقد تأخر الوقت حتماً، سرعان ما تبدد حاله من الخوف إلي الاطمئنان، اليأس إلي الأمل، الحزن إلي الفرحة، رغم تمكنه من تلك الشعور إلا أنه قرر أن يفعل نقيضه عندما وجدها تقترب، لا يقع ضحية من ضحايا الضعف
منذ أن توفي والديه، أصبح مسئول عن نفسه، الصمود والقوة عنوانه في الحياة، رفض الضعف أن يدخل حياته، حتى يستطيع مواجهة الدنيا، فالدنيا كبيرة بها الكثير من المتاعب، جبر على طريق يتبعه دون إرادته
جلس كالتمثال لا يصدر أي تعبيرات، اقتربت ببطء بقلب يهلع من الخوف بسبب نظراته الموجهة عليها، أردت أن تنشق الأرض وتبلعها، وقفت أمامه بوتر، أدي إلي سقوط حبيبات العرق على جبينها، ثم قالت بأسف:
-أنا أسفه بس غصب عني
ضغطت على شفتيها بقلة حيلة، لم تجد ما تبوح به، كيف تقص له حياتها الغير مشرفة بالمرة، ولجت في حرب مع لسانها حتى وجدت الكلمات المناسبة، هرولت في الرد بسرعة:
-أصل أبني كان تعبان
متعود على خلف أعذار، فبالتالي رد تلقائياً دون وعي:
-وأنا مالي باللي بتقوليه ده
وقفت حنان أمامه كالبلهاء، لا تعرف ماذا تفعل معه، حاولت لتجد كلام مناسب، ها هو بكل سهولة يجد كلامها غير مهم، التزمت الصمت، ولم تعقب بأي كلمة، إذا اضطرت الظروف ألا تعمل في المطعم ترحب بهذا، ولا تبوح بحياتها السابقة ووجوده في حياتهم
من وجهة نظرها زوجها السابق لا يشرف في أي مكان، على الرغم أنه طبيب ويملك مستشفي، لكن إذا بحث عنه سوف يعرف أنه يعمل في تجارة الأعضاء ما يشبه بالشيطان، ما أنقذها من تلك الورطة هجومه عليها بقوله:
-بتقولي إيه أنتش أتجننتِ
سعت عينيها من الصدمة، وبخها بصفته لها بالجنون، من هو الذي يملك قدرات عقلية غير متزنة، من دقيقة رفض عذرها حالياً غير رأيه، فقالت بسرحان:
-ليه
نهض من مكانه، رمقها بنظرات مميتة، جعلتها ترتجف ، وضربات قلبها بزيادة مستمرة، لم يهتمم لحالتها، ركز على جملتها(أبني كان تعبان)، هتف بعتاب كبير:
-أيوة أتجننتِ أزاي أبنك تعبان وتيجي ده أكتر لحظة هيحتاجك فيها ويبين أنك أم كويسه وحنونة وأنتِ همك الشغل فين ابنك فين أبوه من كل ده
لم تكن تعرف عنه طيبة قلبه، لم تجد غير المعاملة الجافة، فغرت شفتيها من حديثه، لكنه بالفعل ليس في تركه وحيداً، بل لأنها سبب في انسابه لأب غير مشرف بالمرة، تجاهلت حديثه عن الأب، وقالت بوهن:
-خايفة اترفد من الشغل هصرف عليه منين
فشلت في إقناعه لجعل هذا سبب ذهابها للعمل دون مرعاه أبنه، حرم من حنان أبويه مبكراً، فقد يقهم مس الحاجة للحنان، أنقض بحديثه عليها، كأسد يهجم على فريسته قائلاً:
-ابوة فين
قالت ما يتمناه قلبها دون حسبان لما سوف يحدث حول كل منهما، لم تعرف ماذا سيحدث؟ وإن تلم الكلمة سوف تدفع ثمنها مرات ومرات كثيرة:
-مات
كلمتها كانت كالدواء المهدئ، سكن أعصابه، أصبحت هادئة، فقال بنبرة عادية:
-طيب روحي البيت لو حصل حاجة كلميني
دس يده في جيب بنطلونه، أخرج حافظة النقود الخاصة به، طلع كارت للمعرفة الشخصية مقدماً لها، مدت يدها ببطء تلتقطه متجهه للرحيل، ما يحدث لها كان بمصلحتها للتنفس ولو لمرة واحدة، تضحك لها الدنيا لبعض لحظات، هذه المرة تأخذ قسط من الراحة فور رؤية وسماع أشخاص يسبوا غليان في قلبها، تلك المرة تأخذ عدد ساعات من الراحة بعد مدة من العذاب لتنفرد مع أبنهما لوحدهما
........
لكل شيطان دوافعه وأسلحته، أحياناً تتمثل في أشخاص، بالفعل تحقق هذا عندما تمثل هذا في مرام، كانت كالسلاح الذي يقتل الجميع، بل سم يسير في دمائهم دون رؤيته، قرعت جرس الباب مرات متتالية دون توقف بوجه يزفر من الضيق، لا ترحب بتلك الخطبة لكنها مضطرة لفعل ذلك
ولجت للداخل فور ما فتح الباب، لم تكن تعلم بالتيار الجارف الذي ينتظرها على هيئة جوهرة عندما قالت:
-براحة فزعتيني قولت في مصيبة حصلت
رمقتها بنظرات محرقة، شعرت بالضيق من وجودها، تتصرف كأنها صاحبة القصر، لذلك قالت بسخط:
أنتِ بتكلميني كده ليه نسيتي نفسك
ردت عليها بحدة، هي تعمل ما تحبه على الرغم من امتلاكها الشهادة العليا، لا تقبل ما يقلل شأنها:
-احترمي نفسك أزاي تكلميني كده
رفعت أصبعها لأعلى بتحذير قائلة:
-لا بجد ليكِ مقام قوي يعني ده أنتِ حتة طباخة لا راحت ولا جت
ظهر أصيل أمامهم يثور عليهن بحديثه حتى يكفا عن الحديث:
-في إيه مالكوا
ثبتت مرام بصرها عليه، استخدمت الدلال حيلة لتمنعه من توبيخها هاتفة:
-يا حبيبي هي اللي غلطت فيا الأول مش قادرة أقف برن الجرس بسرعة و
قطعت جوهرة حديثها قائلة بسخط:
-هي اللي معندهاش صبر هو اللي ببيفتح وراء الباب أنا بعد كده هفتح الباب لو أنا جنبه وهساعد أي حد أساساً نظامك غلط
قوس فمه بابتسامة عارمة، أمعن بصره عليها ليطلب منها طلب يقتلها بدم بارد:
-أعتذر لها يا جوهرة
أغمضت عينيها بقوة، وهي تشعر أن كلماته خناجر موجهة إلى قلبها بقوة وحسم، أصابتها في مقتل، طلبها لتعمل هنا مقابل مبلغ، لا تعرف إنها جاءت لتهان، كيف الآن هو من يؤذيها، خذلها ونقص من كرامتها، رفضت بشدة أوامره قائلة:
-مستحيل ده يحصل أنا أعتذر لدي واحدة جاية تزور خطيبها بليل بدون حياء
لحظات شعر فيهم أدهم أن الزمن توقف، أصبح بلا وعي، يقف أمامهن لكي يختار ينصف من؟ اكتست الحيرة على ملامحه، غرق في شتي من الأفكار ليقرر من يختار، سيطرت عليه عواصف الحق دون وجود للحب شيء، حقاً لا يحب خطيبته، تم خطبته عليها لكي يجلب حق الماضي، أشار لهن بالجلوس
لم تستطع مرام سوي أن ترضخ لطلبه، طلبه نزع القليل من الرحمة التي تملكه له بعض الوقت، أصبح الكره المسيطر عليها في هذا الوقت، بينما جلست جوهرة واللون الأصفر بهت وجهها، كانت وحيدة، معطوبة القلب، مكتومة الصوت، الغضب يصل لحافة الجنون
رفع يديه لأعلى حتى يشرح لهن النظام، ظهر أصيل القديم لمرة واحدة دون تخطيط من أي شيء، تلك اللحظة تعلن أن أدهم قادم، فقال:
-لازم نوصل لحل وسط أنتوا هتتقابلوا وكل واحدة هتقول غلطة التانية وتمسك فيها أعملي اللي أنتِ عايزاه يا جوهرة بس متدخليش في حياتي وخلى في حدود مع مرام عشان المشاكل
رمي بصره على مرام دون أن يفكر يتأمل ملامحها، لا تسوي عنده شيء، قال بتأكيد:
-هي كلامها صح يا مرام مينفعش تيجي هنا لوحدك
أخذت حقيبتها غادرة المكان الذي نقص من كرامتها، صعدت سيارتها بسرعة، بدأت الدموع تقفز من مقلتيها واحدة تلو الأخرى بغزارة ودون توقف ترسم طريقاً على خديها، حركت مقود السيارة وقادتها بسرعة، في منتصف الطريق قابلت سيارة أخرى تعلم صاحبها، كان ينتظرها على أحر من الجمر
هبطت من السيارة مثله توجهت تقف أمامه قائلة بعتاب:
-عجبك اللي بيحصلي ده يا سنان
مسح شعره بيده يدل على نفاذ صبره منها قائلاً:
-بقولك إيه يا مرام لازم نكمل الخطة وإلا هدخل السجن ولا ده يرضيكِ
سيطرت عواطفها الجياشة عليها، تحبه بل تعشقه، وصلت معه إلي حد الجنون، داست على أختها وأبن أختها حتى تبقي معه ولو في الخفي، قالت بحزن:
-ما أنت السبب لو كنت أتجوزتني من البداية ومتجوزتش طليقتك كان كل حاجة تغيرت
قبض على ساعديها بقوة ،وعينيه تشعان غضباً وكأن الشيطان قد سكنهما، أطلق منها قذائف نيرانه فتطايرت في وجهها ولفحتها، اهتزت خوفاً وهلعاً وهو يقول بصوت يشبه الفحيح:
-بلاش تجيبي سيرة حنان دي الحاجة النضيفه اللي في حياتي أنا بحب أظهر قدامها بأي حجة عشان أملي عيني منها
تأوهت من الألم، عادت لرشدها نتيجة قسوته عليها، عادت إلي واقعها من جديد بعد أن سيطرت عليها العواطف، وقالت بألم:
-خلاص يا سنان خلينا في المهم
حل يديه عنها لتستمر في الحديث، بعد أن ظلت تحرك معصمها لليمين واليسار محاولة لتقليل الألم، وهتفت بقلة حيلة:
-بسبب *** جوهرة مش هعرف أدخل الفيلا تاني يبقي هنوصلها تاني أزاي
تجمد سنان مكانه، شعر كصاعق كهربائي أصابه، ظل غارف في بحر من الأفكار حتى وجد الحل المناسب، فغمغم على الفور:
-بس لقيتها هقولك
........
صوت صياح أصدر في المستشفي التي يمتلكها سنان، ظهر أحد الأطباء في أخر الردهة دون أن يراه أحد، اخترقت أذنيه صوت تهديدات التي يلقيها أهل الشخص الذي توفي، دب الهلع داخل قلبه إذا عرفت الشرطة سرعان ما تغلقها، هب راكضاً إلي مكتبه، من حسن حظه كانت عمله في الليل هذا اليوم، أغلق الباب خلفه، بدأ في الرنين المتواصل على سنان، وهتف:
-ألحقنا في مصيبة
-أنت عارف الساعة كام عشان تتصل بيا
-أعمل إيه المريض مات بتاع عملية الصبح وأهله قالبين الدنيا
-اتصل بفواز وهو هيظبط كل حاجة كان مات طبيعي بالأوراق والتحليلات
-يعني أطمن
-عيب عليك ودول ناس غلابة مش هبقدروا يقفوا قصادي ولا قصاد حد بس لازم نعمل احتياطتنا برده لمدة عشرة أيام هم جم علينا بالخسارة
-ماشي وأنا هظبط ناحيتي وأعرف عنهم كل حاجة لو عرفوا الفلوس هتعميهم
-الله عليك صحصح معايا كده وحقك هجبهولك قريب
-ربنا يخليك يا دكتور
.....
أمر أصيل الخادم أن يرتب حجرته، اندفع للخارج تاركه يعمل مت يريد، حل للخادم التعب، لقد فعل الكثير هذا اليوم، عمله لا يحق له الاعتراض ينفذ الأوامر فقط، هبط للأسفل متجه للمطبخ ليجلب ماء بسكر تمد له بعض الطاقة التي يحتاجها
وضعت جوهرة الأطباق في موضوعها، حملقت بصرها على الخادم رأت حالة ضعف، أرادت أن تعاونه، فقالت متسائلة:
-شكلك تعبان
رد عليها بإرهاق:
-هعمل إيه أصيل بيه أمرني أرتب أوضه
نشفت يدها في منشفة صغيرة لتجف الماء الذي لحق بها من غسيل الأطباق، ابتسمت ابتسامة رضا قائلة:
-خليك هنا وأنا هعمل كل حاجة
هز رأسه بالنفي، وقال باعتراض:
-مينفعش أنا بشوف لو في حاجة بايظة ينفع تتعمل أصل أوقات بيبقي مهمل
هزت رأسها لأعلى ولأسفل بتأكيد ورضا عن حديثه، ثم هتفت:
-ولا يهمك هعمل كل حاجة أرتاح أنت بس
صعدت لأعلى لأول مرة تولج حجرته، نس الشيء اللون الأسود يغطي عليها، ما ينورها صورة معلقة على الحائط، اقتربت من الصورة وجدت أصيل بجواره فتاة فائقة الجمال وأمامهما طفل صغير يشبهما، دار في عقلها كثير من الأسئلة، حقاً متزوج؟ من هي زوجته؟ أين هما؟ لم تجد أي إجابة، اضطرت أن تعود للواقع مع نظرة أخيرة على صورة وهي تتنهد، وجدت أصيل بفرحة ظاهرة على ملامحه، انتشلت من أمام الصورة، بدأت في ترتيب الأشياء، بعد فترة من الوقت انتهت، جابت عينيها سماعة الأذن معقدة حاولت حلها لكنه انقطعت منها، زادت ضربات قلبها، تجمدت الدماء في عروقها، لا تعرف كيف تتصرف، اكتفت بالهبوط للأسفل لتخبر الخادم بانتهائها، صعد لأعلى لكي يتأكد أن كل شيء تمام، ولج خلفه أصيل، فقال متسائلاً:
-خلصت
أجاب عليه بوهن خوفاً من بطشه بتركه الحجرة لجوهرة:
-جوهرة هي اللي عملتها أصل كنت تعبان
حفرت ملامح الشيطانية على وجهه بعد رؤيته لسماعة الهاتف المحمول مقطوع على الطاولة، ملامحه تنبض بالتساؤل قبل لسانه وهو يتحدث مع الخادم:
-أنت اللي قطعت الهاند فري؟
صمت ولم يعقب على حديثه، اكتفي بالنظر للأسفل بخجل، فهم ما حدث بالضبط، انزلقت حروفه الشرسة من شفتيه بشر يستطيع أن يدمر الكون:
-يبقي هي مفيش غيرها يا أنا يا هي النهاردة
ألقي النداء عليها مرات عديدة بصوت قوي يبرزه خشونته الرجولية، لم يجد أي رد، اندفع عند المطبخ كالثور الهائج، بحث عنها في كل مكان، المكان خالي حقاً، غرق في شتي الأسئلة، أين هي؟ كيف اختفت؟
كانت تنظر من جانب الطاولة وتختفي مرة أخرى عن عينيه، ببطء دست نفسها تحت الطاولة الخشبية بخوف يسيطر على كيانها، أطرافها ترتعد، دون قصد أخرجت منها الحازوقة ما يطلق عليها بالعامية (زغطة)
استطاع سماعها، نجح في المكان الذي تخفي فيه، دني جسده لتقتحم عينيه السوداء المشتعلة ببركان من الغضب عينيها البنية التي يبدو عليها الخوف والتوتر، جز على أسنانه من الغيظ، هدر بشراسة:
-بتعملي إيه هنا
بلعت ريقها بتوتر شديد، كانت كالريشة الضعيفة، أرادت أن تشق الأرض وتبلعها، حاولت أن تنهض من مكانها، ارتطمت بالطاولة، لمست رأسها بعد أن نهضت لتقلل الألم، فصاحت عالياً:
-عجبك كده عمال تزعق وتسأل اهوه اتخبط
كور قبضة يده ليقلل الغضب الذي يسيطر عليه بعد حديثها الأذع، شبه تعود على أسلوبها وطريقتها، فقال بحذر ممزوج بصريخ:
-جوهرة
فزع قلبها بشدة، تراجعت للخلف تلقائياً، حركت يدها بعدم رضا قائلة بحدة:
-حد يفزع حد كده
كاد أن يقترب منها ليمسكها يفعل بها ما يخلصه من غضبه، لكنه تذكر كلامها السابق عن البعد، فرك على جبينه بغيظ نابع من داخله، حدث نفسه:
-أعمل إيه بس يا رب
رفعت يديها لأعلى قائلة باندفاع:
-إيه اللي ضايقك بس
أظهر سماعة الهاتف المحمول، قال بغيظ واضح:
-دي
بلت شفتيها بلسانها، أظهرت اللامبالاة في حديثها عكس ما تبدو عليه داخلياً من قلق وتوتر:
-فدايا
لم يفعل شيء، اكتفي بنظرات يكسوها الانتقام، ليهب داخلها ضعف، عقدت مرفقيها أمام صدرها لتخفي ضعفها، طالعته بتكبر قائلة:
-قولي مهمة ليه هتسمع بيها أغاني والأغاني فيها موسيقي يبقي حرام عملت فيك خير
رفع يده لأعلى، لكنه تراجع فكور قبضة يده بقوة ليقلل غضبه الجارح، ضغط على شفتيه، وهو يتمتم بكلمات:
-ماشي يا جوهرة حسابك معايا هردهالك
لكل هدف وسيلة، والوسائل أنواع منهم الشريفة والغير شريفة، الوسيلة الغير شريفة هي التي لجأت لها مرام، نفذت الخطة المتفقة عليها مع سنان، عدلت خصلات شعرها بفخر دون اهتمام أن الحجاب فريضة، فرضها الله لتحفظ المرأة، وتزداد جمالاً فوق جمالها
دخلت في حرب مع شفتيها لتكون ابتسامة مزيفة قبل أن تقرع جرس الباب، حين رأتها أمامها هتفت بسعادة متصنعة:
-surprise (مفاجأة)
جابتها جوهرة من رأسها حتى قدميها، عقلها مشتت في تفسير هذا الموقف وتصرفاتها، فقالت بعدم تصديق:
-معقول أنتِ هنا بس على فكرة خطيبك في شغله
أومأت رأسها بالتأكيد، اندفعت للداخل بنشاط زائد:
-عارفة أنا جيالك أنتِ
أشارت إلي نفسها، غرقت في بحر الحيرة قائلة بشك:
-أنا.. معقول
جلست على الأريكة بارتياح، أسندت حقيبتها بجوارها، فتحت سحاب الحقيبة، أخرجت منها علبة قطيفة ذات لون الأحمر، طالعتها بنظرات سريعة يكسوها الاحتقار لتثبت عدم رضاها قبل أن تفتح العلبة، ثم رددت:
-إيه رأيك في الخاتم ده
تأملته بلا اهتمام، عليها أن تجاملها، فهتفت بابتسامة:
-جميل مبروك عليكِ
نهضت الأخرى من مكانها، تقدمت بعض خطوات بالقرب منها، على وجهها ملامح الرفض، قالت باعتراض:
-لا ده مش ليا ده ليكِ عايزة افتح معاكي صفحة جديدة أنتِ عارفة إن أختي توفت من كام شهر محتاجه أخت تمدني للأمام أنتِ متعرفيش هي كانت بالنسبالي إيه
كلماتها صادقة حقاً، تشعر بها في بعض الأوقات، لم تجد قلب حنين سوي سنان، لجأت له في البداية سيطر على قلبها، ثم علمت عنه كل شيء، كان الوقت متأخر، أصبح يسيطر عليها من أفعال وحديث، فشلت في الهروب، وفي أخذ الحق
سيطرة العاطفة التي توجد في قلوب كثيفة من البشر، لتجعلهم يغفروا، يسامحوا، ويضحكوا، قالت بابتسامة:
-من غير حاجة أنا أختك وتحت أمرك في أي وقت
تحمست مرام جداً، جاءت لها الفرصة لتعرف عنها ما تريد، استخدمت سلاح لين والمحبة قبل أن تتفوه:
-طيب أحكي لي عن نفسك
ظلت تتحدث عن نفسها بسلامة نية، لم تعرف أنها تدخل في لعبة تصلها للشيطان، لتبدأ حرب بينهما، من يفوز هو بقوته ونفوذه أم هي الضعيفة الوحيدة، تحدثت عن مرض والدها فكان هو الطعم الذي سوف تستغله مرام، لتطعنه به
دب الفرح داخل قلب جوهرة، أصبح يتطاير كالطائر الحر، رفرفت السعادة كيانها، عندما سمعت كلماتها تقول:
-بجد أنا أعرف دكتور كويس ممكن يشوفه وبيعمل تخفيض في الكشف والعمليات أيام معينة في السنة زى مثلاً افتتاح المستشفي، وقرب يوم الذكري على الأسبوع جاي، ممكن نروحله ونشوف المطلوب
...........
أمسك أصيل صورة صغيرة، تكاد تكون نفس الصورة المعلقة على الحائط في حجرته التي رأتها جوهرة، لمعت أهدابه بالعبرات رغماً عنه، فقدهم منذ بضعة أشهر، عاد للبيت ذات مرة وجدهم مقتولين، لا يعرف السبب، أخذ عهد على نفسه أن يجلب حقهم، مازال لم يصل، اضطر أن يخطب مرام لتعاونه، فهي أخت زوجته، توقع أنها تريد نفس الشيء، ما لم يكن يعرفه أنها وصلت وذابت في حب الشيطان
انتشل من عالم الذكريات على صوت السكرتيرة تخبره إن معاد الاجتماع بعد ربع ساعة، جاء في ذهنه أن يتصل بأحد الضباط المسئولين عن قضية قتل زوجته وأبنه، أمسك الهاتف المحمول، ضغط على قائمة الأسماء ليبحث عن اسمه، كالذي فقد شيء هام فيريده، بدأ في التفوه حين سمع صوته:
-أزيك يا شريف باشا
-تمام
-وصلت لحاجة
-صدقني أنا عذرك بس لسه مش وصلنا لحاجة
-طيب أمتي من شهور ومحصلش حاجة
-احتمال كبير تتسجل القضية ضد مجهول
رد عليه بنبرة حادة ممزوجة بصريخ، لم يصدق ما سمعه إن المجرم سوف يعيش حياة عادية، بينما هو يذوق النيران بسهولة:
-أنت بتقول إيه وحقهم أنت عارف يعني إيه أرجع الاقي مراتي وأبني مدبحوين
-ما أنت مش مساعدني بحاجة ومفيش سرقة أحنا بندور على إبرة في كوم أش
-لو أعرف مكنتش بخلت عليك بس أنا معرفش حاجة
-ربنا يقدم اللي في الخير
يعلم أنه ليس يحدث بعد طول المدة، حاول كثير أن يطول في فتح القضية، اقترب موعد النهاية، مازال عند نقطة البداية، تمني النهاية، لتهدأ نيران قلبه ولو دقيقة واحدة، لا يشعر به سوي القليل من يعيش تلك التجربة القاسية
........
انتهت جوهرة من تحضير الغداء بسعادة بعد حديثها مع مرام، تظن أنها كانت تعاملها بسوء الظن، خرجت للخارج تري الأجواء، كان أول من شاهدته والدها يخرج من حجرته، تلك عادته لا يحب الخروج من حجرته، منذ أن أتي للقصر، حتى بعد مجيء محمد الشاذلي لا يهتم، فهو في الأساس بيس صديقه، كل ما جمعهم هي مقابلة ورائها هدف
اقتربت منه ممسكة في ذراعه قائلة بقلق تجمع داخلها:
-إيه اللي خرجك من الاوضه
أجاب عليها بابتسامة:
-متقليش أنا كويس قولت أحرك رجلي شوية
صفقت بيديها الاثنان، قفزت على الأرضية، والفرحة تغمر وجهها، وقالت بتأمل:
-عندي ليك خبر حلو مرام خطيبة اللي بيقول على نفسه المظلم مش عارفة هتتجوزه أزاي المهم قالت لي على دكتور هيكشف عليك ولو محتاج عملية هيعملها بتخفيض ومتحتجش علاج تاني
تقدم بعض خطوات للأمام يفكر في حديثها، الأمل يولد من جديد لديه، كاد أن يتشبث فيه، لكنه تذكر المال على الفور، تبدد حاله من حال إلي حال، أصبح العبوس مسيطر عليه، فقال بتوتر:
-والفلوس هنعمل فيها إيه ده أنتِ بتشتغلي في الفصر من فترة قريبة وعلاقتك مش تمام بأصيل بيه علطول قط وفأر يبقي إيه لأزمته نتمسك بالألم
أصبحت حياة البشر، وأمل شفائهم من الأمراض متعلق بالمال، الفقير لا يعالج، لأنه ليس لديه مال، حياة لعينة شهوتها المال فقط، هذا ما فكرت به جوهرة بعد حديثها مع والدها، سرعان ما طردت تلك الأفكار اليائسة التي تجعلها تتراجع للخلف، الله موجود برحمته الواسعة التي تتسع العالم كله، يستطيع أن يقف بجوارها، لذلك هتفت:
-يا بابا خليك واثق في ربنا ومرام تعرف الدكتور يعني هيعملها خاطر خلي عندك أمل في ربنا مش بيقول " يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي "‏ تفائل
-لا
نفي، اعتراض، اخترقتا أذنيهم تلك الكلمة التي لها مدلولات كثيرة لقوله تلك الكلمة، نظرا لمن تفوه، كان محمد الشاذلي لم يترك لهم له فرصة، ليتحدث بقوة على الفور:
-أنا شفتكوا وأنتوا بتكلموا استغربت هي عايزة منك إيه بس دلوقتي عرفت متثقيش فيها أنا مش برتحالها اللي جواها غير اللي براها
عقدت مرفقيها أمام صدرها، تزهر تحديها وعدم اقتناعها بحديثه، فهو لا يملك أي دليل على حديثه، واجهته بحديثها التي قالته لها عن وفاة أختها:
-على فكرة هي حزينة على موت أختها محتاجة حد يقف معاها ممكن تكون تصرفاتها راجعة لفقدانها
كان رد عليها سؤال سبب لها الحيرة، شل تفكيرها لتعرف إجابته:
-أنتِ عارفة مين أختها وتبقي لأصيل إيه، أصيل مخطبش مرام مش صدفة
حلت يدها منتظراه أن يكمل قوله بنظرات يكسوها الفضول، حطم أمالها لم يكمل، فاضطرت تسأله:
-مين؟
أصدرت ضحكات عالية، يسخر من سؤالها، كان رده الأغرب:
-أمال بدفعي عنها ليه أعرفي بطريقتك مين ما أنتِ شاطرة وفاهمة الناس
........
جاء ليل ليناسب لونه حياة حنان بعد أن صممت على الطلاق، ورفض أهلها العيش معهم كوسيلة للضغط لكي تتراجع عن تلك الخطوة التي في نظرهم أنها حمقاء، مددت جسدها للفراش بجوار أبنها الصغير، عبثت في شعره ليشعر بالأمان الذي فقده، كان يري بعينيه المشاكل التي تحصل بين والديه، اضطرت للبعد عنه عندما رن هاتفها المحمول، نظرت إلي الشاشة، كان صاحب الاتصال حمزة، ما عليها إلا الرد، ضغطت على زر الإيجاب، وهتفت:
-الو
-عامله إيه
-الحمد لله
-أبنك كويس معرفش اسمه
-اسمه يحيي
-ربنا يخلهولك أنا حبيت بس أطمن عليه
-شكراً على سؤالك
-لو لسه تعبان خليكِ جنبه دي أكتر وقت بيحس الطفل فيه بأمه
-لا مفيش داعي هو بقي كويس
ابتسم وهو يقول:
-متخافيش مش هخصم منك
بدلاته هي الأخرى الابتسامة في ردها:
-لا بجد هو كويس وجارتي هتبقي معاه
لم يجد أي كلام أخر يتفوه به سوي النصيحة، كثير من الأمهات لا تفهم معني احتياج الطفل إلا أمه، لأنه حرم من هذا الشعور يحب الجميع أن يذوقه ما حرم منه:
-اسمعيني كويس أوعي في مرى تحرمي أبنك من حنانك واهتمامك بيه خليه دايماً فاكر أنك كنتِ جنبه في كل خطواته لو مش فاهم دلوقتي هيفتكر بعدين ويقدر
-أنت صح بس ليه بتنصحني أنت مخلف
-لا أنا متجوزتش لسه
-أمال بتنصحني ليه ممكن أعرف
أغلق عينيه ليخفي عبرة علقت في مقلتيه، وهو يجاوب:
-عادي شفت كتير ناس اتحرموا من أهلهم وهم صغيرين وشفت عذابهم لما يحسوا بالحرمان سلام
أغلق فجأة دون أن ترد عليه بكلمة واحدة، باتت عواطفه الحزينة تسيطر على أفعاله وتصرفاته، لا يحب أن يتذكر تلك اللحظات، مع ظهور حنان في طريقه، انفتحت خانة الذكريات مرة أخرى وأقوي مما قبل
........
الفضول والمعرفة استحوذا على النوم، اختفي النوم من مقلتي جوهرة بعد حديثها مع محمد الشاذلي، يدور في عقلها عدم اطمئنانه إلي مرام، ومن هي أختها؟ ما صلتها بأصيل؟
شعرت بحرارة تسير في جسدها، دون تفكير ولجت للشرفة بشعرها، لأول مرة يظهر شعرها البني الغزير ذي اللون البني، فتاج المرأة شعرها
تصرف يفعله الكثير من البنات، ينظرهن بالشرفة بشعرهن، دون اهتمام أن أحد يشاهدهم، وسوف يحصلن على سيئات مقابل هذا
هذا ما حدث لجوهرة، ما لا تعرفه أن شخص ما ينظر عليها، كان أصيل، لأول مرة يري شعرها، لم يقصد ذلك، لكنها من أتاحت له الفرصة، سيطرت شهوة الراجل عليها لبضع ثوانٍ معدودة، ينظر إلي شعرها لكن سرعان ما تذكر أنه لا يجوز شرعاً، استغفر الله ليولج حجرته، فعلتها سبب في سلاح جديد يرد عليها ليلقنها درس في الدين
في الصباح الباكر، قرر أصيل أن يرد جزء مما تفعله، حين جاءت له الفرصة، انتظرها أثناء وضعها الطعام على مائدة الطعام، وهو يوضع قدم على الأخرى يردد بعض الشعر،فور ما انتهت رمي بصره عليها بسؤال لينظر لرد فعلها لينشرح قلبه لعل تتعظ:
-متعرفيش شعر لوصف الشعر البني التقيل الطويل أصل بحبه أوي
ها هو شعرها، دب القلق داخلها، دخلت في حرب مع ضربات قلبها وتجعلها تنتظم بدلاً من الزيادة المستمرة، وقفت كالبلهاء لفترة من الوقت، ثم صاحت فيه عالياً:
-واشمعني الشعر البني بالتحديد
نهض من مكانه، وقف أمامها أنفاسه لفحت وجهها، يعلن تحديه لها بقوله:
-أصل شفت شعر بني خطفني خلاني عايز أقول فيه شعر
سعت عينيها من الصدمة، اعترف بكل سهولة، اشتعلت عينيها كجمرتين من الجحيم، وهي تهدر فيه:
-أنت أزاي تشوف شعري
أصدر ضحكات عالية، رفع حاجبيه لأعلى يبث فيها الضيق أكثر قائلاً:
-هو أنا اللي شفته أنتِ اللي طالعة البلكونة ناسيه إن أنا موجود وجدي وحرس الفيلا أنتِ الغلطانة مش أنا
حاولت أن تجادله ليعود عليه الخطأ قائلة:
-متعودة على كده وأنا في بيتي
ضرب كفاً على الأخر، رمقها بنظرات عدم تصديق ليبدأ في تلقينها الدرس:
-لبسه الحجاب ليه مفيش جيران بتشوفك مفيش راجل ماشي في الشارع يشوفك سواء بقصد أو لا.. الحجاب ليه احترامة مش مكتوب في القرآن )وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾ [النور: 31] يبقي نتقي الله شوية أنا رايح أفطر
انتصر عليها هذا المرة، ضغطت على أسنانها من الغيظ لانتصاره عليها من جهة، ومن جهة أخرى تشعر بالضيق لأنه محق، لا يجب الدخول للشرفة بظهور الشعر لأبد من الاحتشام والتغطية
الأمل الكاذب أحياناً يدفعنا للتمسك به دون رؤية كذبه، هذا القرار الذي اتخذته جوهرة لتلجأ إلي مرام، ما عليها أن تأخذ رقمها، لكن من هو الذي تطلب منه الرقم، لقد نسيت تأخذه المرة السابقة
انشغال وتفكير ذهنها جعل السكين تجرحها جرح بسيط أدي إلي سقوط بعض قطرات الدماء، ركضت إلي صنبور المياه، وضعت أصبعها تحت الماء، يليها سارت للخارج تسأل الخادم عن لأزقة طبية، حركت عينيها لليمين و اليسار على أمل أن تجده، لكن دون جدوى، مازال أصبعها يهبط بعض القطرات القليلة، أصدرت صياحاً عالياً عندما سمعت صوته يقول:
-مالك بتبصي يمين وشمال عامله زى اللي عامل عامله
نفخت من الضيق دون قصد مثل ما فعل بالسابق وحذرته هي من فعل ذلك، فهذه طبيعة البشر، الإنفعال والشعور يستحوذ على العقل والمعرفة، لقد تلاشت أصول دينها، وقالت بحنق:
-عامله إيه بس من فضلك سبني دلوقتي
لم يترك أصيل الفرصة التي جاءته على طبق من ذهب، انتهزها على الفور، لكي يلقنها الدرس الجديد، أصبحت دروس الدين تأديب لكل منهما ليصلحا نفسهم، ولو على خطوات قليلة، فالمعرفة تثبت في العقل، وحب الله يجعلنا ننفذها، رد عليها بغطرسة:
-أنتِ نفختي مش النفخ مكروه وحرام للوالدين برده ولا نسيتي مش ده اللي قولت هولي
ضربت يدها على رأسها فظهرت دماء يدها الأخرى، يكره الدم، لا يحب رؤيته، خيال الذكريات في ذهنه، غرق في بحر من الحزن لفترة وجيزة، ثم عاد إلي رشده قائلاً بخوف:
أنتِ متعورة
أومأت رأسها بالموافقة قائلة بتوتر:
-اها عشان كده كنت عايزة عم محمود أسأله على لأزقة طبية عشان أعرف أكمل شغل
اختفي من أمامها، بعد ثوانٍ معدودة ظهر مرة أخرى يمسك علبة الإسعافات الأولية، أخرج قطنه لتسد دمائها، غمغم بنبرة رسمية:
-خدي دي
أخذته منه حتى وضعته على الجرح، سرعان ما كتم الدم، رأته يقدم لها لأزقة طبية، حاولت تضعها مرات عديدة حتى نجحت في فعل ذلك، لا تسمح لأحد يلمسها، ثم قالت بنبرة ممتنة:
-شكراً عن أذنك هعمل الأكل
-لا قضيها أي حاجة بلاش تتعبي نفسك
كلامه شل عقلها عن تشخيصه، هل طيب أم شرير؟ فعل معها الآن كل خير، لم تري أي مكروه، ساعدها وعذرها، أراد مساعدتها في تقديم الراحة، ظهرت الحيرة تقيد تعبيرات وجهها، وهي ترد:
-أنت أزاي كده شرير ولا طيب
أبتسم ابتسامة عارمة على ثغره، يفهم مقصدها جيداً، رد عليها بتأكيد:
-هو عشان حاطط قوانين لحياتي أبقي شرير
حركت يدها بإشارة الهدوء، لتفهم ما يعنيه أكثر، كانت كالطفلة ذي عمر الثلاث سنوات التي بدأت تكتشف العالم وتفهمه، فتلقي كثير من الأسئلة، قالت بحيرة:
-طيب ليه بتقول على نفسك المظلم
الظلام يعني اللون الأسود، قرر أن تكون لون حياته منذ رحيلهم، كيف تكون حياته سعيدة من غيرهم؟ فهم حياته، اختفت ابتسامة لتحل محلها وجه خالي من أي تعبيرات عدا العبوس، قلبه يكاد يقتلع من مكانه، أراد الموت ليلحق بهم، لكن ليس بيده شيء، اكتفي بقوله لها:
-بلاش تفتحي في جرح قديم
رحل بعيد عنها، غاص في نهر من الأفكار لعل تفهم شيء، كان من يراقبهم من بعيد جده، فرح لأنها استطاعت أن تجعله يهتم لشأنها، ولو لمرة واحدة، كان لا يهتم لأحد، علاقتهم تمثل الحرب، وفي الحرب يولد الأمل، هذا ما كان يريده، أن الأمل يدخل حياة حفيده لتلون حياته مرة أخرى، شاهدته جوهرة من بعيد، وجدت أن دي الفرصة المناسبة لكي تأخذ رقم مرام منه، فوالدها أهم بالتأكيد، شبكت يديها لبعضهما البعض، بوجه يمتلئ بالتوتر قائلة:
-ممكن رقم مرام
لم يرد عليها، غادر من أمامها، يعبر عن رفضه بهذه الطريقة، جزت على أسنانها من الغيظ، كيف تصل إلي مرام؟ أخر حديث مع أصيل كان الحزن سيطر على كيانه لأبد أن تنتظر فرصة أخري
....
عندما تتشابك الظروف لبعضها البعض، لتخلق طموح وأمل جديد، يستطيع أن يكفي أحد ما يحتاجه، فسوف تبتسم الحياة، تلك الظروف تحدث مع حنان، اقتربت من المطعم، وجدت خبر ينتظرها، أن حمزة يريدها في مكتبه، أجابت على مضض:
-ماشي
استحوذ القلق داخلها، وبات عقلها مشغول بالعديد من التساؤلات، هل فعلت شيء سيء؟ ماذا حدث؟ لماذا يرغب بها؟ ها هي تقف أمام باب مكتبه، ترددت كثيراً أن تطرق الباب، لكن ما عليها إلا التنفيذ، طرقت الباب بانتظام، أمسكت مقبض الباب وحركت دائرته، ليفتح الباب بعد أن سمح لها بالولوج، نظرت إلي الأرض، تحاشي النظر عليه، فهتفت بوهن:
-تحت أمرك يا أستاذ حمزة
أشار لها بالجلوس قبل أن يتفوه:
-أقعدي الأول
راقب ملامحها جيداً، رفع حاجبيه لأعلى باندهاش، بسبب القلق المعتلي وجهها، بث فيها الأمان بقوله:
-متقليش مفيش حاجة أنا عايزك أستفسر منك في موضوع صغير
حشرج الحديث في لسانها، فقالت بتلعثم:
-تحت أمرك
أرخي جسده على ظهر المقعد، شبك يديه لبعضهما البعض ليسندهم على سطح المكتب، ثم قال بحماس:
-تحبي تشتغلي في الفترة التانية عشان أبنك لو الصبح أزمة معاكي
ردت عليه باعتراض مماثل لملامح وجهها التي مليئة بالنفي والاعتراض:
-لا الفترة الأولي أحسن ليا عشان في حد بيقعد معاه وبيبقي نايم بغيب عنه ساعات قليلة
هز رأسه لأعلى ولأسفل بالموافقة على حديثها مع ابتسامة فرشت ثغره لشعوره بالاطمئنان، ثم ردد:
-أنا كنت حابب أساعد بس
لأول مرة تشعر بالأمان، أن أحد يشغل باله أمرها وأمر أبنها، أن المال ليس له فائدة، كانت ضحية سطوة المال، ورغبة في زيادة المال من أهلها يليهم طليقها، لكن هنا يبقي السؤال، إلي متى تظل تحت سطوة المال؟ من يعاونها؟ من يقف بجوارها في الأزمات؟ الجميع ينتظر تلك الفرصة كأنهم ذئاب بشرية تأكل لحمها
خرجت من مكتبه سرعان ما أتي إليها اتصال، نجح صاحب الاتصال أن يعكر مزاجها، ما عليها إلا الرد، حتى لا يأتي لها هنا، فهتفت على الفور:
-عايز إيه يا سنان
-لا كده أزعل مفيش أزيك
-أعمل إيه عشان أخلص منك
-مش بالسهولة دي
-طيب أنت بتتصل ليه
-عايز أشوف ابني
-هنرجع للأسطوانة دي تاني
-حنان أنا مش عايز أضغط عليكِ جتلك البيت وبطلبك على الموبايل لازم نتفاهم
-مش عايزاك في حياتي ولا حياة ابني
-مش بمزاجك أنا أبوه وهفضل أبوه
-كانت جوازة الندامة
-بلاش تقولي كده أنتِ الحاجة النضيفة اللي عملتها في حياتي
-طيب حافظ علينا وسبنا في حالنا
سيطرت الغضب عليه فردف بنبرة فحيح الأفعى:
-أنا كده عملت اللي عليا استني اللي جاي يا حنان
تفوه عدد كلمات قليلة معناها أكبر من عددها، يستطيع أن يحطم حياتها في لمح البصر، ارتجفت شفتاه لم استطيع النطق، زادت ضربات قلبها، تجمدت الدماء في عروقها، من يستطيع أن يقف أمام الشيطان وينجح في تدميره
......
لم تحدث مقوله تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، بل حدث العكس، فأتت مرام إلي القصر بعد أيام قليلة، لم تنجح فيها جوهرة من الوصول إليها، تعمدت مرام استخدام ذكائها هذه المرة، عندما أكدت للجميع، أنها أتت لرؤيه أصيل فقط، فقد جاءت برفقة والدتها الكبيرة التي صممت أن تجبلها معها بعد حوارها القديم مع أصيل، عن عدم صحة مجيئها إلي هنا بمفردها.
كانت والدتها حزينة، منكسرة، تنفذ ما يطلبه الجميع منها، أصبحت حياتها بلا هدف، كأنها لم تكن موجودة على وجه الأرض، تريد الرحيل لتذهب عند أبنتها، تلك هي الأمنية التي لا أحد يستطيع تحقيقها بمفرده، منتظره تلك اللحظة بفارغ الصبر.
أخرجت جوهرة بالعصائر توزع على كل منهما، عينيها مشتعلة على مرام التي تعمدت عدم النظر إليها، انتهزت جوهرة تسليمها العصير، اضطرت أن تتفوه هي، هي من تحتاجها فالتألي سوف تبدأ في الحديث، قالت برجاء:
-ممكن أتكلم معاكي
أومأت برأسها بالموافقة، وعينيها تنظر على أصيل، تثبت له أن نفسها صافي، خالي من أي سواد اتجاه جوهرة، خرجتن للشرفة يتحدثن، اندفعت جوهرة بالحديث عليها كالطفلة التي تنتظر لعبة تريدها، تسأل إذا أحد اشتراها أم لا، فهتفت مسرعة:
-عملتي إيه في موضوع بابا
حركت مرام يدها على جبينها، تتعمد التذكر، رسمت وجه عابس ممزوج بالضيق على ملامح وجهها، لتتفوه خلفه بنبرة الضيق:
-اها صحيح نسيت مكلمتنيش ليه تفكريني
ردت عليها باعتذار:
-للأسف مش معايا رقمك
ربتت على كتفها ببطء قائلة بابتسامة:
-ولا يهمك هديكي رقمي وأخد رقمك بس بصراحة أنا كنت نسيت الموضوع ده أكد لك هكلمه
ربتت على صدرها برجاء، ثم تفوهت:
-بس خليها النهاردة
عوجت شفتيها لليمين، تتصنع التفكير في الأمر، لتظهر انشغالها، بسبب وجودها هنا، فقالت بهدوء:
-هحاول أنتِ عارفة هقضي اليوم كله هنا النهاردة على حسب الوقت
لم يكن أمامها سوي الانصياع لها، ليشفي والدها، يليه مغادرتها لهذا المكان، وصاحبه الذي لم يتحدث معها بكلمة واحدة، منذ اليوم الذي جرحت به بالسكين، واستمر حوار بينهما أنتهي بسؤالها، لماذا يطلق على نفسه المظلم؟
المال من جلبها لهذا المكان لعلاج والدها، وموافقة والدها بعد زيارة جده له التي لم تعرف ماذا حدث ليوافق والدها؟ بتلك السهولة استحوذ تفكيرها لاستخدام تلك النقطة لتعرف إجابات عن الأسئلة التي تدور في عقلها كالدراجة وهي تسير
.....
جلس أصيل يقرأ أحد الكتب في هدوء تام، سرعان ما تبدد الأحوال، سمع صوت برق ورعد، هلع جسده بشدة، نهض من مكانه متعجلاً بعد تركه الكتاب، تقدم اتجاه النافذة يتأكد من غلقها جيداً، على الرغم أنه لا يفتح أي نوافذ، في حين يحدث حالة الجو السيئة يتأكد بنفسه
خرج مهرولاً للخارج من الحجرة، يتتبع باقي النوافذ والشرف، جابت عينيه جده يجلس بجوار والد جوهرة، يحاول بث الهدوء داخله، تأمل ملامح والدها جيداً، فرأي القلق يثري على تعبيرات وجهه، هب راكضاً نحوهم، سأل بنبرة عادية:
-هو في إيه
زاد عبوس سعد، بينما رد محمد عليه بتوتر:
-جوهرة نزلت تجيب حاجات للبيت من السوبر ماركت ولسه مجتش وأنت شايف الجو عامل أزاي
تلك الكلمات بعثرت داخله، جعلت الغضب يشتعل في مقلتيه، هذه الفتاة التي تتسم بالعند لا تسمع له، ليس من حقها جلب الأشياء من الخارج، فالحين خرجت دون إخباره من جهة، ومن جهة أخرى عقلها الذي لم تستخدمه قط، خرجت للخارج في حالة الجو المتقلبة، ضغط على أسنانه من الغيظ موجه حديثه لوالدها قائلاً:
-هي بنتك دي مش بتفكر في نفسها أبداً
لقي عدة الكلمات في وجهه، كالذي يلقي ماء النار على البشر فيؤذيهم، اختفي من أمامهم في لمح البصر، بعد أن تركهم مشغولين بكلماته، لم يعرف له طريق أين أختفي، هل صعد لحجرته أم خرج للخارج يبحث عنها حتى يعثر عليها؟
خرج أصيل كالذي لدغه عقرب متجه إلي سيارته، صعدها على الفور، ضغط على زر المساحة، لكي يستطيع القيادة على الطريق، عاد صوت البرق والرعد من جديد، تمكن الخوف في الاستقرار داخله، ألا يعرف يسيطر على السيارة إذا زادت سوء حالة الجو
ترجل من السيارة، متجه للقصر مرة أخرى، حدث نفسه:
-أنا مالي بكل ده أموت عشانها هي مين يعني
سار بعض خطوات للأمام، صعد أول درجتين من السلم، سرعان ما ارتطم بالدرجة الثالثة، وقف لبرهة يتحمل الألم الذي يشعر به في أصبع قدمه
نظر في نقطة ما، اشتركت ذاكرته وخياله لبعضهما البعض فشاهد مشهد خيالي مرعب، ما يحدث لجوهرة، رفض تلك الأفكار الشنيعة، رحب بالدخول للقصر أفضل، لكن قدمه لم تستطيع التحرك إذا حركها يشعر بألم زايد، كأن ربنا يعاقبه على تخليه عنها
نفخ من الضيق تلقائياً، ابتسم عندما تذكر أقوالهما وتحديهما لبعضهما البعض على النفخ، استغفر الله لنفخه، وجاءت له رغبة في البحث عنها، ظل واقف دقائق قليلة، حتى استمد شجاعته مرة أخرى
اندفع يخرج من القصر بعد أن التقط الشمسية الموجودة داخل سيارته دائماً، سار على قدميه يبحث عنها في المناطق المجاورة، تأمل جميع الاتجاهات بقلق يملك كيانه، باغت بشدة عندما وجدها تقف في أحد الجوانب، هي والخوف يتحدان لبعضهما البعض، شعر بارتياح يتبعثر من أركان جسده، أقترب منها بابتسامة مرسومة على ثغره، وضع الشمسية فوق رأسها
انتشلت جوهرة من خوف حالة الجو إلي خوف أكبر، توقعت أكثر الشر في هذه اللحظة، رفعت عينيها لأعلى بقلق يتجلي ملامح وجهها، بسط الأمان داخلها فور رؤيته، قالت بوهن:
-أنت
ثبت بصره عليها، نظرات توحي بعدم رضا، تفوه بنبرة شرسة:
-حد يعمل كده شايفه الجو عامل كده تروحي خارجة فين عقلك
نظرت للأسفل بخجل، فشلت في رفع رأسه، حتى نجحت في إيجاد الكلمات التي تلقيها عليه كمهب الريح، فرفعت رأسها لأعلى قائلة بنفاذ صبر:
-يعني أعمل إيه اسيب واحد فوق الأربعين سنة ينزل وهو تعبان
حك أسفل ذقنه، يفكر بعمق في حديثها، وجد الحل المناسب، سرعان ما تراجع عنه، لأن حتماً سوف يأخذ درساً قاسياً، تغاضي عن تلك الفكرة، لكنه مازال مشتت الانتباه، هتف بنبرة حائرة:
-ما أنا لو قلت أعين شباب هتقوليلي حرام عليك أعمل إيه دلوقتي
أجابت عليه بهدوء:
-بسيطة خلي عندك رحمة ومتنزلش حد في الجو ده
ألقت كلام دون التفكير فيه، أو التأكد من صحته، دائماً تخطأ باندفاعها، فتأتي له الفرصة ليرد الصاع صاعين، قال باندهاش:
-دايماً سوء الظن فيكِ أولاً أنا معرفش إن حد نازل النهاردة، ثانياً ده كان غلطه عشان ساب البيت من غير خزين أنا قايل قبل ما الحاجة تخلص تنزلوا
كسب التحدي في هذه اللحظة، كادت أن تضربه، تبدد الحال فضربها في مقتل، هربت الكلمات من لسانها، أرادت ما ينقذها، نفذ الله أمنيتها، خفت الأمطار بالتدريج، يستطاعا السير، قالت بسعادة:
-المطر قل نقدر نروح
خرجت بعيد عن الشمسية، لا تريد الاقتراب وهي تسير، بات عقلها مشغولاً حتى وجدت الحلة المناسبة التي لا تسبب له ولها إحراج، قالت بثقة:
-إيه رأيك نعيش اللحظة أحسن
استدار بجسده، رماها بنظرات اندهاش، و قال بحدة:
-أفندم
علقت عينيها بعينيه لبضع ثوان، وقالت بتأكيد:
-عنيك فيها حزن كبير فرصة تغير جو
حملق بعينيه عليها من رأسها حتى أخمص قدميها، وقال بحنق:
-ممكن تخليكِ في حالك
هزت رأسه بالنفي، وقالت باعتراض:
-لا مش هخليني في حالي ممكن تعيشي اللحظة معايا
لوح يده في عدم رضا، وقال بسخط:
-أنتِ مالك بيا أصلاً
حركت يدها لكي يشرح لها، هتفت بهدوء:
-ممكن تدي لنفسك وليا الفرصة يمكن أقدر أضحكك
جز على أسنانه من الغيظ، ملامح وجهها تملأها الغضب، ثم هتف:
-ممكن تمشي كفاية البهدلة دي مش نقصاكي
وقفت أمامها، و لا تعرف سر إصراره أنها تحدثه وترغمه أن ينفذ ما تريد، تفوهت بإصرار:
-طب أديني فرصة معجبكش الوضع بلاش أنا عايزاك تتمتع بالمطر
لم يكن أمامه غير الطاعة حتى يتخلص منها، فتح يده لتسقط قطرات المطر عليها، رفع عينيه لأعلى، دون أن يشعر ارتسمت ابتسامة تلقائية على ثغره، لاحظتها جوهرة وصمتت، ألقت مرمي بصرها عليه تارة أخرى عندما وجدته يدور بجسده تحت المطر، كان أشبه بالطفل، أحست أنها تريد أن تشاركه تلك اللحظات، سكبت عليه بعض قطرات المطر، وهنا توقف الزمن
حركة تلقائية منها سحرته، لأول مرة يري الدنيا بشكل جديد، حركتها العفوية الممزوجة بالطفولة، جعلت منه إنسان صامت لا يثور أو يغضب عند فعلتها، هذا عكس شخصيته مع الأشخاص، شاهدها مختلفة عن أي بنت، عاد للواقع على ركضها للأمام و هي تفتح يدها للهواء، ركض خلفها، استمر الوضع هكذا لبضع من دقائق حتى توقف، وقال بنبرة ممتنة:
-ميرسي أنك خلتنيني أعيش اللحظة دي
عدلت ملابسها، وقالت بغرور:
-عشان تسمع كلامي بعد كده
حمل بنظرات يكسوها الغضب، لم يتحمل غرورها وتحديها أنها كسبت، أراد رفع غروره لسابع سماء مرة أخرى، فقالت بعدم اقتناع:
-وأسمع كلامك ليه تطلعي مين أنتِ
حركت سبابتها للأسفل، ورددت:
-تاني الغرور
صمت ولم تعقب، بينما أضافت هي:
-انبسط المهم
أومأ رأسه بتأكيد، تحدث بسعادة، لأول مرة يشعر بهذه السعادة مرة أخرى منذ فترة قد تكون طويلة بالنسبة له:
-جداً
ارتسمت ابتسامة على ثغرها، أشبه بالتي امتلكت كل الدنيا، قالت بثقة:
-كويس أنا كده نجحت في مهمتي
وصلا للقصر فقد كانت بالقرب منه، ضمت شفتيها للداخل، بات عقلها مشغولاً بالعديد من الأفكار، تأنيب ضمير على ما فعلته معها، لقد سمحت لنفسها المشاركة معه، خل يجوز شرعاً، لقد بل جسدها بالماء وظلت تلعب تحت المطر، كرهت نفسها في تلك اللحظة، استغفرت الله مرات ومرات عديدة
دخلت حجرتها بعد أن أطمئنت الجميع على حالها، مددت جسدها على الفراش، عبراتها رسمت خط واضح في وجنتيها، ثم انتقل إلي الوسادة، مع الاستغفار الذي كان وانسها طول الليل
......
دب القلق يصاحب حنان، وهي ترتدي الملابس لتهب إلي عملها، بعد ما علمت بالأمس بمرض جارتها أن لديها دور برد شديد، ألقت نظرة سريعة على أبنها في حيرة، تتركه لوحده أم تأخذه معها، تصورت أبشع الصور السيئة التي تكاد تحدث له من مصائب في البيت، زاد الرعب في أوصالها أكثر عندما تخيلت سنان في البيت، يأخذه عنوه، أو يصفها بالإهمال إذا حدث شيء له شيء سيء
أخرجت تنهيده قدر ما تحمله من حيرة تبلور داخلها، انصاعت إلي تلك الفكرة التي جاءت في ذهنها بالأمس، لم تجد غيرها
اقتربت منه لتيقظه بهدوء تام، حتى لا يفزع، سرعان ما نهض، بدل ملابسه، خرجت من بيتها، سارت بعض خطوات لتصعد الحافلة الناقلة، لم تتوقع ما يحدث وفي انتظارها، وصلت إلي المطعم برفقة أبنها، دخلت من الباب في حذر، تراقب جميع الناس، كان شريك حمزة الذي أجري معها المقابلة يقف في أحد الجوانب، فتذكرها على الفور، قابلها بوجه يعتريه السخط، عقد مرفقيه أمام صدره قائلاً بضيق:
-أنتِ إيه اللي جايباه معاكي ده
ابتلعت ريقها بخوف، أوصالها ترتعد آلات موسيقية ترتطم لبعضها البعض، لتصدر أصوات في قلبها، بسبب زيادته المفرطة عن الحد المسموح به، تبخرت الحروف كاملة من لسانها، كأنه لم تتحدث يوم على الإطلاق، شرعت في الحديث بعد محاولات عديدة قائلة:
-أصل مفيش حد يقعد معاه وأنا مش هينفع يتخصم مني فلوس لو مجتش النهاردة
ارتسمت ابتسامة سخرية على فمه، لا يهتم ما تتفوه به، فقد يعلم أن الجميع يتفوه في هذه الظروف بكلمات غير مهمة، فرد عليها:
-وأنا مالي بكل ده المفروض ده شغل
صمتت ولم تعقب، أي حديث تجده، رفعت عينيها لأعلى بأمل يكسو ملامحها، لكي تطلب النجاة والمساعدة، سرعان ما تحقق ما تتمناه قلبها، فقد سمعت صوت مألوف عليها يقول:
-في إيه بالظبط
أجاب عليه شريكه الذي يدعي وليد بلامبالاة:
-الهانم فاكرة نفسها صاحبة المكان جايبة أبنها معاها فكراها دكيه من غير بواب
تدخلت حنان في الحوار، كان حمزة قبل النجاة التي تتشبث فيه، لتنجو من الخطر:
-أصل كنت بسيب أبني مع جارتي وهي تعبانة عندها دور برد شديد مش هتعرف عليه وفي نفس الوقت خايفة أسيبه معاها
صمتت لبرهة، ثم أردفت قائلة:
-غصب عني جبته معايا
ضرب وليد كفاً على الأخر، لم يصدق ما تتفوه به، ظفر في ضيق:
-حد قالك أنها حضانة
ربت حمزة على كتفه، لكي يهدأ قليلاً، ثم همس:
-خلاص أنا هاخده يقعد معايا وهي تشتغل عادي كده مش هيحصل تقصير
لوح يده في عدم رضا قبل أن يقول:
-أنا مش عارف إيه طيبة قلبك دي الكلام مع الأشكال دي مينفعش
تلقت إهانة أمام أبنها، أرادت أن تنشق الأرض وتبلعها، تخفي ملامح الخجل التي قيدت تعبيرات وجهها، وقالت بتأكيد:
-من فضلك أنا هنا شغالة بمرتب مش عابدة عند حد
ظل الحوار بينهما، حتى قطعه حمزة بصوته:
-اهدوء بقي الناس بتتفرج علينا خلاص أنا قولت يحيي هيقعد معايا لحد ما تخلص شغلها والموضوع يتحل
أشارت إلي يحيي لكي يذهب معه بابتسامة مشرقة مرسومة على شفتيه، أطمئن الطفل خاصة بعد أن سمحت له والدته بالذهاب معه، ظل يعبوا كثيراً حتى جاء وقت الحديث، فقال يحيي بسلامة نية:
-أنت طيب أوي يا عمو أنا بحبك أكتر من بابا
هبطت تلك الكلمات داخل قلب حمزة كآلة حادة، فسر المشهد من وجهة نظره أن لا يجوز أن يقول مثل هذا الكلام، هتف بنبرة دفء:
-يا حبيبي بابا بده بيحبك وأنت كمان بتحبه عشان مش بتشوفه تقول كده
كمل يحيي حديثه بتلقائية، دون إدراك ما يبوح به:
-أنا مش عايز أشوفه عشان كان بيزعق لماما وماما بتشوفه تاخدني بعيد
وقعت تلك الكلمات كاللجام على قلبه، طعنته في قلبه بكذبها عليه، نظر لها في خياله في أكثر صور يكسوها الاحتقار، أراد أن يتأكد من شكوكه، قال متسائلاً:
-بقولك إيه يا حبيبي بابا فين
أجاب عليه بحنق:
-في البيت والمستشفي
ربت على ظهره حتى يكمل استفساره:
-هو بابا تعبان
هز رأسه بالنفي، وقال باعتراض:
-لا بابا بيشتغل فيها
حينها تأكد كمن شكوكه، جاءت تلك الفتاة تدخل حياته بكذب دون خجل، من اللحظة دي لم يثق فيها، أو يعطيها الأمان معها وفي شغلها، ركض إليها بسرعة القطار تاركاً الطفل في مكتبه، وقف أمالها ملقي عليها سؤال، وقع عليه كالذي ألقي ماء النار على وجهها:
-أبو يحيي عايش صح
التزمت الصمت، فرت الكلمات هاربة من حلقها، صمتها جعله يفهم الدنيا من حوله، قال بنبرة فحيح الأفعى:
-أطلعي بره مش عايز أشوفك هنا تاني
..........
استدارت مرام بوجهه نصف استدارة، رمقته بنظرات عدم تصديق، لم يفعل حساب لمشاعرها، كل ما يشغل باله جلب المال، فرش وجهها بالغضب اتجاهه قبل أن يقول لسانها:
-أنت بتقول إيه عايزني أكلمها مستحيل يا سنان
أخذ زجاجة المياه، رشف منها ببرود قاتم، وقال بهدوء:
-لا هتكلميها دلوقتي وقدامي
عقدت مرفقيها بتحدي، ترفض ما يقول، جاءت على نفسها كثيراً لكي تكسبه، بينما هو لم يفعل أي شيء لها، اكتفي بالتقرب اتجاهها وقت الحاجة فقط، هتف بشراسة:
-لا مش هتكلم
أصدر ضحكات عالية، بعدها ألقاها بنظرات مميتة حادة تنبض بالشر الواعد، فقال بحنق:
-مرام أتصلي بيها ولا هوديكي في ستين داهية
ابتسمت هي الأخرى، ردت له صاع صاعين، هتفت وهي تضغط على أسنانها:
-ما أنت هتكون يا حبيبي في نفس الداهية
نظر من زجاج نافذة السيارة، مط شفتيه للأمام، لا حبذا أن يتكلم بتلك الكلمات، لكنها من سمحت له بأفعالها وأقوالها، قال ببرود:
-ليه هو أنا اللي عرفت مين قتل أختي وحبيته مش بس كده لا ده أنا شريكته كمان
احتقن وجهها بالغضب من حديثه، تذكرت ما حدث بالسابق من حديث مع أحد الأطباء المشاركين في تلك التجارة عبر الهاتف المحمول:
-هتعمل إيه
-مفيش حل غير أني أخلص عليها عشان عرفت كل حاجة
-هي مين
يعلم أنها أختها فلجأ إلي الكذب:
-واحدة أبنها مات في العملية
-طيب لو الدكتور سنان عرف اللي بنعمله
ابتسم بمكر، ثم حوله بصره على سنان الجالس بجواره:
-دي يوادينا في داهية أنا قولت لك عشان شايفك عايزة تطوري من نفسك ومتقليش بقي من حكاية البنت اللي بعتت رسالة التهديد قولت هخلص عليها
عادت للواقع من جديد، ردت بكره:
-ما أنت استغليت وقت ضعفي وقربت لحد ما عرفت كل حاجة كنت حبيتك
رد عليها بمكر:
-وشريكتي يا حبيتي عشان الست الوالدة متعرفش
صمت لثوانٍ، ثم أضاف بانتصار:
-وخطيبك كمان
أجرت الاتصال على جوهرة تحت ضغط منه، أرادت أن تطعن قلبها ليتوقف عن النبض باسمه، بعد أن أصبحت مشاعرها الجياشة تحت سيطرته، هتفت بحنق مكتوم:
-الو
-الو
-عندي ليكِ خبر حلو
-كلمتي الدكتور
-اها وهيشوف والدك بعد يومين أصل دايماً مشغول
قاد السيارة وهي تتحدث معها بعد أن حقق أول خطوة بانتصار رهيب، لتقع تحت أيديه، ولا أحد يعلم ما يحدث في الأيام القادمة.
فتحت روحها من جديد كالزهرة في فصل الربيع، لم تكن تعلم المصائب التي سوف تحدث لها فور سعيها وراء مرام، السعادة داخل قلبها تعزق طرباً نادراً، خرجت جوهرة من المطبخ ولم تكمل إعداد الطعام، فرحتها غمرت المكان أرادت أن تفرح والدها، هرولت كالحصان عند والدها، وجدته ينام في ثبات عميق، تملك اليأس داخلها، أسرعت بخطواتها للمطبخ، استدارت بجسدها للخلف عندما اخترقت أذنيها صوت يقول:
-فرحانة ليه كده
طالعته بنظرات تعجب، يتدخل بحياتها بكل سهولة، ردت بتحدي:
-أصل مرام اتصلت بيا عشان في دكتور هيكشف على بابا ولو ليه عملية هيعملها بمبلغ قليل
دس الشك داخل قلب محمد، لكنه لم يملك أي دليل على شكه، اضطر أن يصمت، استخدم خدعة أخرى تستطيع من خلالها لأن تكشف الحقيقة، أو يملك الشك داخلها، بادرها الحوار متسائلاً:
-طيب سؤال بس هو باباكي لما تعب وكشفتي عليه حد قال إن محتاج عملية
أجابت عليه بنفي:
-لا بس ده دكتور كبير هيشوف لو ليه عملية أحنا كنا بنكشف تبع الحكومة مش في عيادة خاصة
عقله لم يقتنع بتلك الأقوال، مازال الشك مسيطر عليه، اكتفي أن يتفوه بكلمات قليلة، ومعناها أكثر من عددها:
-ركزي مع مرام كويس بلاش تثقي فيها
قوست فمها بابتسامة، كانت وجهة نظرها أنه يري المشاهد من وجهة نظره، دون أن يملك دليل على حديثه، ليس يوجد بشر عاقلة تثق في حديثه، من المحتمل أن يراه البعض السن أثر على أفعاله، قراراته، وحديثه، قالت بسخرية:
-تاني كلامك ده لو تعرف حاجة أقولها علطول مش عارف لامؤاخذة مش همشي وراء أوهام
ضغط على سنانه من الغيظ، حدث نفسه بصوت منخفش:
-ياريت كنت أعرف حاجة واثق فيها كله شكوك
سمعت حروف لم تستطع تكوين كلمة واحدة، قالت بعدم فهم:
-بتقول إيه
لوح يده في عدم رضا مثل تعبيرات وجهه التي كست عدم رضاه، قال بحسرة:
-مش بقول خلاص أمشي وأنا هتصل بأصيل أطمن عليه مشفتوش النهاردة
أومأت رأسها بالموافقة، كادت أن ترحل، لكنها تذكرت سؤال هام، ألقته على الفور:
-أنت ليه مش بتقول عليه المظلم ده هو بيقول على نفسه كده
كست ملامح وجهه بالحزن، لا يحب أن يري حفيده حياته بالون الأسود من ملابس، جدران، ستار، ديكور،...إلخ، حاول إرسال بث شعاع الأمل الممسك بطيفه لها بقوله:
-عشان دايماً يفتكر إن اسمه أصيل مش المظلم وتتلون من حياتها من جديد
الفضول استحوذ عليها لكي تعرف إجابات الأسئلة التي تروضها دائماً اتجاه أصيل، تذكرت مجيئه إلي البيت، وحواره مع والدها، انتهزت أن تكون هي الفرصة التي تحصل على إجابات للأسئلة، قالت بحماس:
-ليه مش عايز تقولي حاجة عنه طيب ما أنا ممكن أقوله أنك جيت عندنا البيت وأتكلمت مع بابا عشان يقتنع يجبني أشتغل هنا
هبطت أمالها على الأرض، عندما تحرك من أمامها بابتسامة وهو يتفوه:
-قولي له ممكن يفرح
.........
يا ويل من تلك الأيام، عندما تختار الأمان وراحة البال، لم تعجبها الدنيا، فتجلب له اليأس والوجع، هؤلاء ما كانت تفكر فيه حنان بعد خسارتها بالأمس عملها، قررت الذهاب إلي المستشفي، لتلقي نظرة على الشيطان, الذي سبب كل شيء في حياتها، دخلت بسرعة من البوابة، فرست بعينيها لليمين واليسار، لم تجد له أثر، اضطرت أن تتحدث مع الفتاة عند الاستقبال، التي تذكرتها على الفور، فقد كانت تأتي كثيراً إلي المستشفي قبل الطلاق، نهضت الفتاة بقلق على الفور بوجه يملأه القلق قائلة:
-مدام حنان
ضربت بيدها على سطح المكتب،عينيها تشع غضباً، قالت وهي تضغط على أسنانها:
-هو فين
صمتت ولم تعقب، أدركت حنان أنها تهاب لتخسر عملها، خطت بعض خطوات للأمام، فتحت الباب باندفاع، ألقت حروف مبعثرة، تكاد تكون خارقة من أعماق قلبها، لم تشعر بنفسها، أين هي؟ ماذا تقول؟ كل ما تريده إخراج الشحنة السلبية التي تكتمها كل يوم:
-أنت عايز مني إيه حرام عليك مش كفاية اللي عرفته عنك برده مش سايبني في حالي
هب واقفاً غير مرحب لزيارتها وكلامها، تتحدث عن شيء حدث بالفعل، لم يفعله هو قط، هدر بعن:
-أسيبك في حالك إيه أنا معرفش حاجة عنك بقالي كذا يوم إيه اللي حصل عايزة تدبسيه فيا
رفعت أصبع سبابتها لأعلى تحذره، بل نبرته كانت توحي بالتهديد:
-أنت عارف لو ملقتش شغل مناسب مش هسيبك في حالك
ضرب كفاً على الأخر، وقف أمامها يتأمل ملامحها عن قرب، حقاً براثن الغضب تشع منه، لكن ليس هذا الذي يبحث عنه، أراد رؤية الإرهاق والتعب، وجهها خالي من الذي يريده، فقال متسائلاً:
-أنتِ كويسة مش تعبانة
جزت على أسنانها من الغيظ، هدرت بعنف:
-أنت هتستعبط إيه الكلام ده اللي بقوله هو
لم تستطيع اكتمال حديثها، قطعه بسرعة عندما أمسك معصمها، غرس أنامله بقوة لتدر أهات متتالية بالألم، لم يبالي أي شيء، وصل إلي قمة الغضب، بسبب توبيخها له، قال بسخط:
-حنان أنتِ نسيتِ نفسك ولا إيه أزاي تشتميني ولا شكلك نسيتِ أيام زمان
لوت شفتيها بحسرة على الزمن، فقدت زهرة شبابها مع إنسان، بل شيطان مخيف قائلة:
-بلاش تفكرني بزمان لأن زمان سبب في اللي أنا فيه
أبعد يده عنها، أشار بكف يده بهدوء، طلب منها ليرضي فضوله، لاكتشاف ما هو مبهم أمامه:
-أحكي لي اللي حصل أما معرفش حاجة عنك الأيام اللي فاتت عشان مشغول في شغل مهم ولسه مخلصتوش
فرصتها جاءت عندما خطأ بحديثه، أي شغل مهم سوي تجارة الأعضاء، الانتقام حان وقته، لكن يبقي السؤالين، كيف تنتقم؟ متى الموعد؟ نفضت تلك الأفكار مؤقتاً من رأسها، منع ظهور ملامح الأمل بدلاً من ملامح الغضب، هتفت بوهن:
-أترفد من شغلي هصرف منين دلوقتي
استغل هو الفرصة، يري أنها الوحيدة الشيء النظيف الذي ليس عليه غبار في حياته، على الرغم من معاملته السابقة لها، لكن نظرة منها تشبعه وقار واحترام لذاته، ولو للحظات بسيطة، فهتف:
-هديكي فرصة أرجعك لذمتي
وكزته بصدره بخفة، عكس ما تريد من داخلها، تود أن تقتله على كل لحظة مرت فيها من أسي وحزن، رقرقت عبراتها بالعبرات، ردت بصوت مكتوم من أثر البكاء:
-أرجع للعذاب تاني وكنت عايشة معاك ومعرفش أنك شيطان وقاتل
كاد أن يصفعها على وجنتيها، لتظهر علامة تفكرها به، تخلي عن تلك الفكرة، استدار بجسده للخلف دفعة واحدة، بألم يعتريه كلياً، تتمني أن ترجع له مرة أخرى، غادرت هي المكتب فقد أطلقت بعض الكلمات المكبوتة داخلها
........
اختلج وجه مرام بفرحة مزيفة حين سمعت ما يريده أصيل، حاولت مع لسانها العثور على الكلام المناسب في هذه اللحظة، مشاعرها كانت لها سيطرة الأكبر على عقلها، فلم تجد غير كلام يعرقل طلبه، فقالت:
-بس لسه معداش على ذكرة أختي سنة مش هينفع نتجوز
ذكرياته مع زوجته كان تمر أمامه، وصل إلي قمة الاشتياق واللهفة، فقدها منذ بضعة أشهر في مشهد لا يمكن أن يتصوره بشر، الدماء تهطل من عنقها بشراهة، كأنها صنبور دماء لا يغلق، أغمض عينيه ليطرد تلك الذكريات المؤلمة من رأسه، لم يستطع، فزحلقت العبرات رغماً عنه على وجنتيه كالبحار، قال ببكاء:
-الحي أبقي من الميت وأنتِ عارفة جوازنا ليه لأزمة نعرف أزاي حصلها وحصل لأبننا كده وليه
تلك المرة الأولي التي تري فيه الحزن واضح بشتى وجهه، كرهت نفسها اللعينة، أرادت أن تكون القتيلة ليست القاتلة، كل ما فعلته دموع هبطت من مقلتيها بعنف، لا أحد يستطيع كبتها ومنعها، غرقت في نوبة من اللوم والعتاب، لأول مرة منذ أن عرفت الحقيقة كاملة، رفضت تلك الزيجة، لم تجد غير هذا الحل الوحيد، فاقت من عالم البكاء إلي عالم الحقيقة، نزعت الحلقة الذهبية من أصبعها، عينيها تشع راحة بال، وقالت بنبرة عادية عكس ما في داخلها من فرحة تغمر قلبها بالسعادة:
-أنا آسفة مش هقدر أتجوزك
باغتها بسؤاله:
-ليه؟
لم تجد غير إجابة واحدة يستطيع من خلالها التهرب من قول الحقيقة حتى تستطيع المواجهة:
-مش هقدر أخد مكان أختي في يوم من الأيام هساعدك من غير جواز
دب الفرح يغلغل قلبه، ويفرش ملامح وجهه، لا يعرف السر، لكن الأكيد أنه لم يحبها، ولا يريد من زيجتها سوي أخذ الحق، فالحصول على الحق بينهما مشترك، لأبد من المشاركة في العهد أن يستمرا سوياً، وليس مشروط بعهد زواج، الخطبة كانت خطأ من الأول، الآن تم إصلاحها، ليعاد كل شيء مثل السابق
.........
شعور بالعطش سيطر على جوهرة في منتصف الليل، مدت يدها على الكامود لتلتقط زجاجة المياه، تذكرت أنها لم تجلبها معها قبل النوم، نهضت عن الفراش بخطوات ثقيلة، نظرت على والداها النائم في ثبات عميق قبل خروجها إلي المطبخ، روت عطشها الشديد، ثم خطت خارج المطبخ، لمحت طيف شخص يسير بعد دخوله من البيت، ظلت تراقبه حتى أيقنت أنه أصيل، لم يعود اليوم مبكراً، وطلب أن الجميع ينام في موعدهم إذا تأخر
ظلت تراقبه وهو يلقي بجسده على أقرب مقعد جابه عينيه، وجهه مليء بالإرهاق، باغتت حين نزع الحلقة الفضية من أصبعها، تأملها لبضع ثوانٍ قبل أن يلقيها على الأرض، اقتربت منه بحذر واضح، فركت يديها من التوتر، تحق لها أن تسأل أم لا، فضول البشر يدفعهم ليفعلوا مع ينافي الأخلاق في بعض الأحيان، فسألته:
-ليه قلعت الدبلة شفتك وأنت بتقلعها
ألقي مرمي بصره عليها، أجابها إجابة تعمقت داخل قلبها:
-بحاول أصلح كل حاجة وأرجع زى زمان
تعمق الأمل كيانها، تلون قلبها كالفراشات الملونة الطائرة حول الزهور بحرية، وقالت بحماس:
-هتلون حياتك
رده عليها كانت ضحكة ساخرة من حديثها، ثم هتف:
-مش قبل ما أثار الدم تروح ده لو لونت أصلاً
لغز يتفوه به، فشلت في الفهم، الجميع لا يخبرها بالحقيقة، لكن لما لا، لو تعلم سوف تنقذ حياة والدها، إلي متى تظل حمقاء وتنخدع في الجميع؟ نطقت بعدم فهم:
-يعني إيه
نهض عن المقعد، وهو يسند على مسنده الضخم، تفوه بألم:
-قولت لك قبل كده بلاش تفتحي في جروح قديمة لو على الألوان لو على اللون الأسود هو بقي جزء من حياتي مش هلبس غيره وهيفضل لون حياتي
عقدت مرفقيها أمام صدرها بتحدي، وضعت نفسها في فخ كبير، ويبقي السؤال هل هي تستطيع الانتصار أم لا، هتفت:
-أنا هقدر أخلي حياتك ألوان
ابتسم ابتسامة عارمة، قال وهو يصعد السلم:
-هنشوف مين هيكسب
أعلن موافقته على تحدى، اليأس لم يتملك منها في يوم من الأيام، سوف تحاول مراراً وتكراراً، حتى تنجح في تحول حياته من الأسود إلي شتي الألوان
تطيل الحياة بنا في ألم وقسوة، هيهات نعاد لمرحلة الطفولة المبكرة كما كنا لنبتسم بأقل الأشياء، لا نشعر بقلة المال عكس ما يحدث بعد ذلك الشعور بالحرمان، يدفع البعض لفعل أشياء محرمة فيما بعد
عاد سنان إلي شقته بعد عمل شاق، الشقة مظلمة، خالية من الحياة والروح، سكنتها الشياطين بدلاً من الملائكة، دخل أحد الحجرات الملونة بزخرفة الأطفال، كل شيء بها يدل أنها حجرة أطفال، مدد جسده على الفراش، حوط أحد لعب الأطفال المصنوعة من القطن من داخلها، خارجها يكسوه قماش بلون(دب)
هطلت العبرات بغزاره من عينيه، اشتاق لابنه الذي حرم منه بسبب أفعاله، تذكر ما حدث بالسابق
***
أمسكت حنان الهاتف المحمول لتجري اتصالاً بأهلها، انتهت من المكالمة كادت أن تضع الهاتف المحمول مكانه مرة أخرى، باغتت بإرسال رسالة أتيت له، استحوذ الفضول عليها أن تفتحها لتطمئن من عدم خيانته، صرخت صرخة خفيفة لكنه استطاع سماعها، لم تصدق ما مكتوب، علمت أنه تاجر أعضاء، وسبب في قتل زوجة أصيل حتى لا ينكشف أمره
وقف أمامها عندما اخترق أذنيه صوت صياحها، فرشت تعبيرات وجهها بالقلق قائلاً:
-في إيه
تجمدت عروقها من الفزع، أوصالها ترتعد من الخوف، تراجعت للخلف بجسدها إرادياً، تهاب منه، الشيطان أمامها في صورة بشر، الأفكار البشعة سيطرت على عقلها، فشلت في النطق عدا كلمة واحدة، كلمة تعني الفرار، واسترداد حريتها مرة أخرى:
-طلقني
***
أخرجت تنهيده من صدره عندما عاد للواقع لم يبقع كثيراً في الألم والذكريات، رن هاتفه المحمول، ليعلن عن فتاة لا يحبها، لا يريدها، استمر في الحديث معها حتى يحصل على ما يريد، منع أن يطوله السواد، ها هو في أمان، فكانت هي مرام، هتف:
-الو
-عامل إيه
-كويس
-بقيت بترد من تحت لسانك من وقت ما دريت عليك
-يوه بقي أنجزي يا مرام
-أنا فسخت خطوبتي على أصيل
نهض من مكانه باندفاع، هاجمها في نبرته، أراد أن تكون أمامه حتى يضع يديه حول عنقه، لكي تختنق بسهوله، ويتخلص منها:
-أنتِ أتجننتِ أزاي تعملي كده
-مش هقدر يا سنان مش هقدر
-ولو وصل وقتها هتروحي في داهية أنا مش عليا حاجة
-اطمئن مش هيعرف
-صحيح عملتي إيه مع البت الطباخة
-جوهرة
-أيوة جوهرة هتجيلي أمتي
-ما بلاش يا سنان قلبي مش مطمئن
-بكرة تبقي عندي مفهوم يا هتشوفي الوش التاني
-مفهوم
........
الفائز ما يستطيع الانتصار على الطرف الآخر، لأبد أن يلجأ في بعض الأحيان إلي المعاونة التي من خلالها يتغلب عليه، بات عقل جوهرة مشغولاً، كيف تنجح في الانتصار، هرولت خارج المطبخ بعد أن أصبح كل شيء جاهز، حركت عينيها في جميع الاتجاهات، جاب بصرها كلاهما سعد ومحمد يجلسان بجوار بعضهما البعض، اقتربت منهما، ألقت سؤالها على الفور دون تردد:
-هو أصيل ممكن حياته تتلون
قوسا فمهما بابتسامة عارمة على ثغرهما، هذا ما كان يريده محمد الشاذلي، لذلك طلب من سعد أن تأتي جوهرة، وتنجح في تلوين حياته، لكن من جانب أخر، اندهش من سرعتها في أخذ القرار لكن سعادته كانت أكبر من الاندهاش، فباح قائلاً:
-طبعاً بس الموضوع هياخد وقت
فركت يدها من التوتر، وهي تلقي سؤال أخر، هذا ما تريد إجابته من قبل سابق:
-طب ليه حياته بقت سوده
توقع محمد أن هذه خدعة، لتعرف المزيد، اندرج في قول كلام أخر تقتنع به دون أن يبوح في نفس الوقت:
-أنا مش صاحب الشأن عشان أقول هو اللي يقول
طردت تلك السؤال من رأسها، لأن هدفها تغير حالياً، أصبح الآن تلون حياته إلي الألوان، وضعت إبهامها في فمها تفكر ماذا تفعل؟ لتطلب منه أن يلون ملابسه، غرقت في بحر من الأفكار حتى وجدت الحل المناسب، فقالت على الفور:
-في كوتشينه هنا
مط محمد شفتيه للأمام، هز كتفه بعدم المعرفة، برزت ملامحه اليأس، لكنه جاء في ذهنه فكرة ما، هتف بسرعة:
-مش عارف بس هقول لحد من الحرس يشتري وخلاص بس ليه
تجاهلت سؤاله، قيدت تعبيرات وجهها بالحماس الزائد، عينيها تشع التحدي، لتنتصر عليه تلك الفتاة الضعيفة، اكتفت أن تقول:
-لازم نجيب دلوقتي ونلعب كلنا ونخليه يلعب معانا
بعد فترة من الوقت، قد بدأ اللعب، صوت الضحك والفرحة يصل للخارج، وصل إلي مسامع أصيل بعد أن أستقر بالسيارة داخل القصر في المكان المخصص لها، احتقن وجهه بالغضب، لا يجوز في عهده الفرح، السعادة، المرح، والضحك خاصة بعد ما حدث لزوجته وأبنه، توجه داخل القصر من الباب الخشبي، وعينيه تشتعل كجمرتين من النيران، تلهب كل شيء أمامه، فتح الباب بقوة، اندفع للداخل يهدر بصوت صاخب، زلزل المكان من حوله:
-انتوا بتعملوا إيه
ردت عليه جوهرة في هدوء لكي تستفزه:
-بنلعب تعالي ألعب معانا
لو تعلم ما يحل لها من قول تلك الكلمات، التي أدت إلي نتيجة عكسية، قد أغلق باب الرحمة الذي مازال يميزه، ما كانت نطقت، هدر بعنف:
-ألعب.. ألعب إيه واضح إن عشان بعدي حاجات كتير وأقول مغلش لسه مش واخده على نظام يبقي تسوقي فيها لا من هنا ورايح مفيش لعب وهيبقي اللون الأسود أكتر من الأول لو بتعملي كده عشان حياتي تتلون تبقي غلطانة
صمت لبرهة، ثم أضاف بتأكيد:
-أنا مش غبي أنتِ كنت عايزاني ألعب وتكسبي وتطلبي مني ألون جزء من حياتي عشان كسبتي كان غيرك أشطر
اقترب من الطاولة، بعثر الورقات قليلاً، وأخذ البعض يدسه على الأرض بكل قوته، همس بفحيح الأفعي، موجه كلامه لها:
-مش شوية ورق هيطفوا النار اللي جوايا
..........
جلس حمزة على مقعد مكتبه يسب نفسه، ويوبخ ضميره، أنه طرد حنان دون مقدمات، لا يعرف ظروفها، تسرع في القرار، اتهمها بعدم الثقة في أي شيء، بالإضافة أنها لم تقصر في عملها قط، كل ما فعلته كذبه في حياتها، لا تؤثر على عمله، عقله مشغول لم يشعر بخطي وليد، عاد إلي رشده حين هز كتفه، والتقطت أذنيه صوته يقول:
-وبعدين بقي معاك
فرك عينيه ليعلم أين هو، حول بصره في جميع الاتجاهات حتى تيقن من وجوده في المكتب، قال بعدم استيعاب:
-في إيه
جلس وليد على الكرسي المقابل له، رمقه بنظرات غير محبة لهيئته قائلاً:
-من وقت ما هي مشيت وأنت مش طبيعي
نهض من مكانه، خطو بعض حركات في المطبخ، باح بما في قلبه:
-حاسس إن ظلمتها هي مأثرتش في شغلها عشان أمشيها وقتها قولتلها تمشي عشان كنت مصدوم مش بفكر كويس
أخذ وليد قلم عبث فيه، أظهر عدم اهتمامه لما يقول، وهتف:
-محدش قالها تكدب ولو فارقة معاك أتصل بيها
حرك رأسه بالنفي، كسي ملامح وجهه بالحزن، باح بالندم:
-ياريت ينفع بس للأسف مسحت رقمها
علم أن الجلوس والتحدث له فائدة، شعر بعدم رغبة تملئ وجهه، لا حبذا أن يحب هذا المكان، شعر بضيق في التنفس، اندفع للأمام قبل أن يتفوه:
-أنا ماشي يا وليد أنا مخنوق
سار في الطريق مشتت الانتباه، لمح طيف حنان تعبر الطريق، أندلف خلفها تلقائياً، راقب تصرفاتها، كانت تخرج من محل لأخر، محلات منوعة من ملابس، مقاهي، مطاعم، ...إلخ، كل مرة تخرج خيبة الأمل ظاهرة على تعبيرات وجهها، لمحته تبددت ملامحها إلي الضيق، هرولت في خطواتها، تعتمد عدم النظر عليه، فعل عكس ما فعلته، اقترب منها عندما تيقن أنها شاهدته، وقف أمامها قائلاً:
-بتعملي إيه هنا
لوت شفتيها في استنكار، وتشدقت بفمها:
-وأنت مالك
جاءت أن تتحرك عرقل طريقها، ليتحدث بتأكيد:
-بدوري على شغل
ضربت راحتي يدها اليمني على ظهر أليسري، ثم قالت بتهكم:
-أكيد هصرف على أبني منين
بث سمه كالثعبان عليها، لدغها بشراسة حين قال:
-مش هسألك أبوه فين بس كان لأزمته إيه الكدب من الأول
شعرت بغصة داخل جوفها، حاولت ابتلعها، المحاولة باتت بالفشل، هرولت في الركوض بعيد عنه، لا ترحب بالحديث معه لأول مرة، كانت تراه اليد الطيبة أحياناَ، وأحياناً الأخرى الأمان، دمر كل هذا، عقلها مشتت بشدة، سارت في الطريق دون انتباه، بينما هو يراقبها في تحركها، كأنه انتصر عليها، طرد تلك الأفكار التي استوطنت عقله لفترة من الوقت وهو في مكتبه
سعت عينيه من الصدمة عندما ارتطمت بسيارة أثناء عبورها من الطريق، ركض بقوة الصاروخ نحوه، مر بين المارين الذين التفوا حولها، خفق قلبه بقوة، تلون وجهه باللون الأصفر من الفزع، فوجهها ملئ بالدماء، ملامحه قد تكون مخفية، صاح عالياً:
-إسعاف بسرعة حد يتصل بالإسعاف
سمع أحد الأصوات من الواقين يقول بتعجل:
-مستشفي ابن سينا التخصصي قريبة من هنا أسرع من الإسعاف
لم يتردد ثانية حملها بين ذراعيه، اتجه بسرعة إلي المستشفي، عمل كل المطلوب من ملئ استمارة ودفع أموال، وقف أمام حجرة العمليات، يعتلي وجهه القلق والخوف، سمع صوت رنين هاتفه المحمول، ضغط على زر الغلق، متوتر بشدة ليس لديه القدرة على الحديث
كانت أوصاله ترتعد، أمله الوحيد نجاتها، ظل يدعو الله كثيراً، حتى خرج الطبيب، اقترب منه في عجلة قائلاً:
-طمني يا دكتور
أراد الطبيب أن يعرف كل شيء عنها، خاصة بعد هيئتها التي تدل على فقرها، فهذا الطبيب لم يري حنان مطلقاً:
-حضرتك جوزها
فكر في الإيجاب بالتأكيد، لكنه تراجع فهو لا يعرف ماذا يريد، كفي أنه دفع الأموال الأزمة، فقال بنفي:
-لا أنا أعرفها معرفة سطحية ممكن تطمني عليها
تصنع وجهه بالعبوس واليأس، وهو يتفوه بسأم:
-للأسف هي في غيبوبة وحالتها خطيرة
أغلق عينيه بألم واضح، لعن وسب نفسه على ما بذر منه، ثم هتف بقلق:
-والحل
ربت على كتفه قائلاً:
-أدعيلها بس هو مفيش حد غيرك
أومأ رأسه بالتأكيد بحزن يتجلي تعبيرات وجهه، قال بأسف:
-للأسف ملهاش حد
تعمقت الفكرة داخل ذهنه، خفي ابتسامته وفرحته، اندفع للأمام وهو يقول:
-عن أذنك
ولج الطبيب أحد المكاتب، قال بلهفة:
-جات مريضة ملهاش حد هتنفعنا حالتها مش خطيرة كسر في رجليها وأيديها وفتحة صغيرة في جبينها
ترك سنان القلم، أبعد مرمي بصره عن الأوراق، فظهر شعاع الأمل في مقلتيه، هتف:
-بجد
سرد له قصة الفتاة أن ليس لها أحد يسأل عنها سوي رجل واحد يعرفها معرفة سطحية، وحالتها الصحية التي تبدو على ما يرام، فقال بحماس:
-أديها حقنة منومة بعد لما تفوق من البنج
.....
تنفست جوهرة بسعادة بعد شعاع الأمل الذي لحق بها بعد استعدادها للذهاب مع والدها إلي الطبيب، كادت أن تفتح باب الخشبي، احتقن وجهها بالغضب فور ما وجدت أصيل أمامها، لا ترحب بالحديث معها منذ ما حدث في ليلة اللعب، أشاحت وجهها للاتجاه الأخر، تحدثت بدون محبة:
-الأكل جاهز
لم يعقب، بادرها بسؤال ألجم لسانها عن الحديث من دهشتها:
-رايحه فين من غير ما تقولي
فرشت ملامح وجهها بالغيظ، فجزت على أسنانها، لم تنصاع لإجابته، رحبت بفكرة استفزازه أكثر لتسترد جزء من أهانتها في السابق
-وأنت مالك كل اللي عليك أكلك دلوقتي
ضغط على شفتيه لعدم قدرته على فعل شيء، تمني أمساك ذراعها ليغرس قوته لتتألم، فتتراجع عن توبيخها بكثرة، قال بغيظ:
-بس بقي لما أسالك سؤال تجاوبي وبطلي عند أنتِ شغالة هنا
أومأت رأسها بالموافقة، رددت بعض كلماته لتلقنه درس جديد:
-أيوة شغالة هنا من حقي إن أمشي براحتي
اقترب منها ليصافح أنفاسه وجهها، ليهب الخوف داخلها، همس بنبرة فحيح الأفعى:
-الكلام ده لما تكوني مش بتباتي هنا لكن أنتِ بتباتي من حقي أعرف رايحه فين وجاية منين خصوصاً إن كل حاجة موجودة
ظلت مناقشات بينهما كالقط والفأر حتى قطعها سعد بقوله:
-أنتوا مش عاملين ليا حساب بتتخنقوا قصادي
رد عليه أصيل:
-بنتك مش بتحترم حد أنا عامل لأصلي معاها لحد دلوقتي ومش راضي أوريها الوش التاني وقتها مش هتحب تشوفني في المكان لأن حياتها هتبقي سوده
سيطر الغضب عليها من حديثه، باحت بغضب:
-لا أنا محترمة غصب عنك ومسيري في يوم وهسيبك وقريب أوي
تفوه دون أن يحسب ما يقوله:
-هيبقي يوم المني
دخل سعد في الحديث قائلاً بنبرة أمر ممزوجة بغضب:
-وليه تستني يوم المني لمي حاجتنا يا جوهرة أحنا هنمشي دلوقتي
وصلت سطوة العواصف إلي ما لا يتحمله بشر، الجميع ذاق المر دون قصد، تلك هي الدنيا شئت أم أبت، ليس عليك سوي الاستسلام حتى تبرهن لنفسك أنك قادر على فعل المعجزات.
شيطان يسيل لعابه، وهو يجلس أمام جوهرة، لم يلتفت إلي جمالها، بل لعابه كان على والدها سعد، أن يأخذ ما يريد منه
رأي كل التحليلات التي تظهر حالة وعكته الصحية، فكانت على ما يرام، الأمر لا يستدعي إجراء عملية، كفى العلاج، غرق سابحاً في الأفكار حتى عثر على الرد المناسب، أغلق التحليلات الطبية قبل أن يرد:
-التحليلات دي قديمة هكتب شوية فحوصات والنتيجة بتاعتها هي اللي هتعرفنا المرض وصل لفين
أومأت رأسها بالموافقة، عقلها كان في مكان أخر، هل يجوز أن تسأله على ثمن التحليلات؟
سرعات ما تذكرت المبلغ الذي أخذته من المظلم مقابل عملها معه، يستطيع أن يكفي بالطبع، لكن أشرق وجهها بالنور حين قال سنان:
-عشان أنتِ جاية من طرف الدكتورة مرام هتعملي التحليلات المطلوبة تبع معمل أنا أعرف صاحبه هقوله وهيسهل الأمور كلها
كان يرمي كلامه على المال بطريقة غير مباشرة حتى لا يسبب لها إحراج، رأت من هذه الطريقة أنه شخص محترم، قررت أن تعطيه الثقة كاملة، كست ملامحها بالشكر قبل أن تنبض بقولها:
-شكراً يا دكتور في حاجة تانية
هز رأسه بالنفي، وهو يقدم الورقة المدون فيها كل شيء لازم، قال بابتسامة تخفي مخالبه:
-لا أنا كتبتلك عنوان المعمل قولي بس أنا تبع الدكتور سنان ومتقليش من حاجة
تذكر شيء هام، رفع سبابته لأعلى كإشارة للانتظار التي تدل على ثانية واحدة، فتح الدرج أخرج ورقة مدون فيها بعض المعلومات عنه ما يطلق عليها (الكارت) ثم أردف قائلاً:
-ده الكارت بتاعي احتياطي معاكي لو مرضيوش أديهم الكارت
خرجت من العيادة، أسرعت تتحدث مع مرام لكي تطمئنها بعد أن اتفقا على هذا قبل ذهابها إلي الطبيب فور ما سمعت صوتها هتفت:
-عامله إيه
-طمنيني عملتوا إيه عند الدكتور
-كتب لينا شوية تحليلات هنعملها وربنا يستر
-إن شاء الله يقوم بالسلامة
-أنا اللي مش عارفة أشكرك أزاي صممتي تساعديني رغم خناقتنا زمان وسبتي المظلم ده ربنا بيحبك
شعرت أن حديثها لا يجوز، أردفت بأسف:
-أسفه متزعليش والله ما أقصد
-عارفة أبقي قولي لي الأخبار علطول
-من عيوني
....
بكاء، صريخ يصدرا من يحيي بعد تأخر والدته عليه، فلم تعد حتى الآن، حاولت ياسمين بث الأمان داخله حتى يهدأ، عكس ما داخلها من تيار يكسوه القلق والخوف
بعد محاولات عديدة استسلم الطفل للنوم، أخرجت من الحجرة، التقطت الهاتف المحمول، بدأت في الرنين المتواصل على حنان، ربما كان مغلقا، ضربت فخدها بتوتر، وحدثت نفسها:
-وبعدين بقي في الحيرة دي أول مرة تعمليها يا حنان
ظلت تفكر على حل للورطة، فهي ليست أم ليس لديها خبرة كافية، عندما عثرت على الفكرة هرولت في الخروج بسرعة دون أن تصحب يحيي معها
ذهبت إلي المطعم، فهي لا تعلم أنها فقدته، قابلت أحد العاملين، تنحنحت قبل أن تتفوه:
-لو سمحت حنان لسه هنا
رفع حاجبيه لأعلى باندهاش، فهو يعمل في الفترة الثانية، لا يسمع اسمها مطلقاً، فقال بأسف:
-مفيش حد بيشتغل هنا بالاسم ده
ردت عليه بتأكيد:
-لا في بس في فترة الصبح ولسه مروحتش لحد دلوقتي
تمتم قبل أن يجيب:
-أنا بشتغل في الفترة التانية ممكن تسألي مستر وليد هو اللي موجود حالياً هيقدر يساعدك
هزت رأسها لأعلى ولأسفل بالموافقة، سارعت تسأل عنه كأنه مشرف العمال، لعبت الدنيا معها حين سألته هو بنفسه عندما كان ينوي المغادرة:
-لو سمحت في واحد اسمه وليد مشرف عمال شغال هنا
رد بنفي ممزوج بجمود:
-لا
احتقن وجهها بالغصب، سبت ولعنت صاحب المكان، استطاع أن يسمعها فهرول قائلاً:
-أنتِ بتشتمي صاحب المكان
لم تهاب منه، قالتها بتأكيد ليس لديها أي شيء تخاف منه للتمنع عن قول الحقيقة:
-أها ما هو اللي مشغل شوية ناس مش بتفهم مش عارفين حاجة عايزني أقول إيه
أيقن أنها لا تعلمه، قوس فمه بابتسامة عارمة تجلي ملامح وجهه هي الأخرى، حرك يده بهدوء ليفهم منها، وقال برجاء:
-براحة بس وفهميني
سردت له عن حنان وإبلاغ أحد العاملين أن ما يدعي بوليد وأن لا أحد يعلم مشرف العمال
أصدر ضحكات عالية في التو مما غضبها بشدة، حاول كتمانها بعد رؤية الغضب يعتريها، كادت أن ترحل منعها بالقوة، نجح في كتم ضحكته بعد عدة محاولات، وحدثها بعجلة:
-يعني أنتِ فهمتي أن مستر وليد مشرف العمال
صمت لبرهة، راقب تغييرات، راقب ملامح وجهها التي أكدت له هذا، أضاف قائلاً:
-أحنا مش في مصنع أو شركة ده مطعم ومستر وليد يبقي صاحب المكان وأنا مستر وليد
سعت عينيها من الصدمة، وضعت في مأزق، تلون وجهها باللون الأحمر من شدة الخجل، كانت تتفوه بثقة على أنها لا تقابل صاحب المكان، هي وبخته أمامه هو مباشرة، قررت أن تهرب من المأزق بسؤالها عن حنان، فقالت:
-هي فين حنان ممكن أعرف
ألقي عليها سؤالاً:
-مين حنان
جرت بالكلام أخر دون تفكير، فهي شرسة في حديثها:
-مكذبتش أنا عشان تعرف
قصت له عنها بعد التفاصيل لكي يتذكرها، إجابته كانت بئر من الصدمة الذي وقعت فيه، زادت سرعة نبضات قلبها، ضربت يدها على صدرها هاتفة:
-يا مصيبتي هي فين دلوقتي دي نزلت من بدري على أساس أنها في الشغل طب عن أذنك
حاول اللحاق بها لكنه فشل، خطواتها سريعة، وقف يتتبعها وهي تركض بعيد، يظهر عليها عدم معرفتها أي طريق تسلك
....
مرت عدة أيام لم يحدث فيها أي جديد، كل الأمور تسير على نفس النهج
فعلت جوهرة الفحوصات الأزمة لوالدها منتظره نتيجة التحاليل بفارغ الصبر، بينما بدأت ياسمين تهتم بيحيي بعد عودته من المطعم وكان في حالة انهيار، شعرت بتأنيب الضمير، حاولت التقرب منه قدر الإمكان، تصاحبه وهي تبحث عن حنان في أي مكان ليس لها أثر
عند حنان كانت في حجرة مغلقة بعيدة عن الأنظار تأخذ أدوية النوم حسب الاحتياج حتى لا يتسبب ضرر لها، فحين تستيقظ صراخها الذي تصدره لم يصل إلي أحد، هي لم تستطيع الحركة بسبب كسر قدمها، لا تملك سوي الصراخ والعويل
وأخيراً كان حمزة يمر عليها يومياً على أمل أن يحدث شيء جديد في وعكتها الصحية، كل الذي يعرفه أنها فاقدة الوعي تماماً، وبالفعل كان أشبه به رفض أن تستمر حياته لم يفشي الخبر لأي شخص، رفض مزاوله عمله، كفي بالعيش في بيته منفرداً، إذا جاء شخص له لم يفتح الباب
....
أغلق سنان الهاتف المحمول بابتسامة نصر فور ما عرف بغياب حنان وتركها لابنه، قرر الشيطان أن يلعب لعبته الدنيئة، تلاشي العشرة في هذه اللحظة، كل ما يشغل عقله هو أخذ أبنه الذي حرم منه في سبيل أنها لم تبلغ الشرطة عنه، لكن جاء موعد اللحظة التي ينتظرها بفارغ الصبر
انتفض واقفاً يأخذ متعلقاته ليذهب إلي بيتها، صعد السيارة، حرك المقود، لتنطلق السيارة بسلام حتى استقرت أمام بيتها، ترجل بحذر وشموخ كبير يعتلي ملامح وجهه
دخل البيت، طرق على الباب بشدة على أمل أن يسمع شخص صوت الطرق ليظهر، ليعرف منه أين يمكث أبنه؟
بالفعل فتحت ياسمين الباب، سرعان ما أدركت أنه طليق حنان، كانت تشاهده باستمرار، كادت أن تغلق الباب، لسوء حظها لمحها، منعها عندما وضع قدمه أسفل الباب ليعرقله عن الغلق، هدر بنبرة فحيح الأفعى:
-فين أبني
جمعت شتات نفسها حتى لا يفهم على ملامحها أي شيء، أجابت عليه:
-هيكون فين غير مع أمه
أطلق العنان لضحكته لفترة من الوقت، رمي مقلتيه المميتة ليحتل الخوف كيانها، ويسيطر على قواها، قال بتأكيد:
-مش مع أمه متكذبيش
نجح في بث الخوف فيها، فزادت سرعة نبضات قلبها عن المعدل الطبيعي، بهت لون وجهها من الفزع، ليس لديها القدرة على الوقوف عليها أكثر، حاولت التجمد قدر الإمكان، إلا أنها مازالت تحت أثر الخوف، قالت بوهن:
-معرفش
اخترقت أذنيه صوت طفل مألوف عليه، ها هو أبنه، ظهرت مخالبه وهو ينظر لها، كور قبضه يده حتى يقلل الغضب الذي امتلئ به، وجد أن السخرية هي الطريقة الأمثل، فهتف:
-ما هو واضح فعلاً أنه مع أمه بالذوق كده جبيه لأحسن أقول أنك خطفاه وعملتي حاجة في أمة
سبحت في التخيلات المفزعة، لكل منهما له احتمالية أسوء الأشياء، النتيجة حدوث شيء سيء لها أو للطفل، ظلت تفكر في أي نتيجة سوف تختار، فكانت حياتها هي الحجم الأكبر، فكرت من منظور أنه والده مهما كان سيئاً إلا أن هذا الطفل من لحمه ودمه، لم يؤذيه إطلاقاً، عكس ما قد يفعله معها
خطوت للداخل بعد أن أشارت له بالانتظار، أحضرت يحيي الذي فور ما رأي والده سعت عينيه من الصدمة، ظلت واقفة ساكنة عليه، أوصاله ترتعد، شفتيه تجمدت
اقترب سنان منه، مسح على شعره، وقال بعاطفة الأبوة:
-متخافش يا حبيبي مش هعملك حاجة صدقني
لم ينطق يحيي سوي بكلمة واحدة:
-ما
فهم ما يدور في عقله، ابتسم قائلاً:
هندور عليها
-عاون يحيي في الصعود للسيارة، ها هي الفرصة الذي انتظرها، بدأ لسانه يطلق الكلمات الغير مشرفة على طليقته، لتسوء سمعتها فينجح في أخذ أبنه دون تردد
كان الشيطان على هيئة بشر، فعل أبشع الأشياء، ليحصل على ما يريد، أصبحت حلاوة الدنيا للشياطين، يفعلوا، يسيطروا، يقروا ما يريدوا دون محاسبة، فالدنيا أغلبها الشياطين
....
أمسك أصيل هاتفه المحمول، تردد أن يجري هذا الاتصال، منذ ما رحلت جوهرة من القصر، غضب جده وحدثت مشكلة بينهما، أدت إلي ترك محمد الشاذلي، أخرج نفساً مطولاً قبل أن يضغط على عدة أرقام، وهتف:
-الو
-عايز إيه
-خلاص بقي يا جدو متزعلش
-يعني عجبك حياتك كده
-لازم تبقي حياتي كده من حقي أزعل
-تزعل مش تسود حياتك
-غصب عني
-يبقي ترجع جوهرة
-لو سمحت يا جدو مش هقدر
-عشان جبان وضعيف هي عشان قالتلك تلعب عرفت أنها عايزة تغيرك بطلت تكلم معاها
-ايوة يا جدو مش قبل ما أجيب حق مراتي وأبني
-أنت متعرفش اللي حصل كان بسبب إيه
-من فضلك يا جدو مش عايز أتكلم في الموضوع ده
-خلاصة الكلام جوهرة هترجع هرجع أكلمك تاني سلام
أغلق عينيه بألم واضح، فقد والديه منذ فترة، كان جده العوض، فجأة أظلمت الحياة أكثر أمامه، سرح في حياتها، أيقن أن اسم المظلم مناسب لحياته
غرس أنامله في فروه رأسه، عقله مشغول بإيجاد طريقة مناسبة يستطيع من خلالها إرضاء جده دون فقد كرامته
.....
دخل حمزة بعد عدة أيام المطعم، لا يري شيء أمامه، قرر أن يستمر حياته، ولم يعطل في يوم من زيارة حنان في المستشفي، فتح الباب باندفاع، وجهه يملأه الضيق، تعمد عدم النظر على وليد الذي يعرفه جيداً، فأنه سوف يلقنه درس في تلك الحالة، وبالفعل تحقق ظنه حين قال:
-كنت فين ولا بترد على الموبايل ومحدش عارف يوصلك
نطق اسم من أعماق قلبه:
-حنان
لوي فمه باستنكار قبل أن ينبض بسؤاله:
-مالها ست الحسن والجمال؟
احتقن وجهه بالغضب بسبب الطريقة التي يحدثه به، فهدر بعنف:
-أنا مش هستحمل أسلوبك عموماً أستريح عملت حادثة وفي غيبوبة
فرشت ملامح وجهه بالصدمة لثوانٍ معدودة، سرعان ما تشبكت الأحداث داخل عقله، حاول التأكد من شكوكه، فسأله:
-أمتي؟
أجاب عليه على مضض:
-أخر يوم كنت هنا
بالفعل هذا اليوم الذي جاءت فيه تلك الفتاة الشرسة التي لا يعرف أسمها تسأل عن حنان، لكن لأبد من فهم الأحداث أكثر، فعاد متسائلاً:
-وحد يعرف أنها عملت حادثة
هز رأسه بالنفي وهو يقول:
-لا وبطل أسئلة حس بيا أنا مخنوق
نهض من مكانه باندفاع، أشار له بالنهوض، ثم قال بعجلة:
-في واحدة سألت على حنان في نفس اليوم أكيد بدور عليها لازم نروح بيتها
فكرا كثير في إيجاد طريقة يعثرا على طريقة، حتى دلف أحد العاملين معه أحد الملفات الخاصة بالحسابات، نظرا لبعضهما البعض، لقد تلاشي الملف، تحرك حمزة يبحث عن ملفها، عثر على عنوانها المدون في البطاقة، خرج بسرعة متوجه إلي بيتها عند طليقها
دقات قلبه تكاد تصل قبله، ترجل من السيارة عندما استقرت أمام العمارة المدون عنوانها في صورة بطاقة حنان، لم يرد على نداء وليد عليه الذي يلاحقه، اقترب من بواب العمارة، عرقل لسانه أن يجد الكلام المناسب حتى لا تلطخ سمعتها لذلك قال:
-من فضلك مدام حنان ساكنه هنا أصل سابت الشغل وليها حساب ومش عارف أوصالها
رد بنفي وهو يقول:
-لا محدش هنا ساكن بالاسم ده
رفع حاحبيه لأعلى باندهاش، هذا عنوانها المدون في البطاقة، كيف يحدث هذا؟ فقال بصدمة:
-أزاي
كان وليد يقف خلفه، ربت على كتفه لينتبه له، ثم قال بتأكيد:
-مش هي مش عايشه مع جوزها ممكن تكون أطلقت وده عنوانها القديم بالعقل كده أزاي هتعيش في منطقة راقية وتشتغل في مطعم
ضرب مقدمة رأسه بيده، هتف بنبرة غباء:
-اها صح أنا من اندفاعي مركزتش في الموضوع ده
سمع حديثهما البواب، تدخل في الحوار، قال بثقة:
-قصدك مدام حنان مرات الدكتور سنان قصدي طليقته من ساعة ما أطلقوا وهي مش بتيجي هنا
دس حمزة يده في جيب البنطلون، أخرج بعض الورقات النقدية ليحصل على ما يريد، حاول دسهم في يد البواب وهو يحدثه:
-متعرفش ساكنة فين
رفض البواب أخذ المال، وقال باعتراض:
-لا معرفش بس البيه الصغير فوق
-يحيي
نطق حمزة بالاسم تلقائياً، بينما أكد البواب كلمته حين باح:
-,بالظبط كده بس المدام مش موجودة
أمسك وليد ذراع حمزة، جذبه نحوه بقوة قائلاً:
-يبقي طليقها عارف اللي حصلها مفيش داعي تغلب نفسك
هز رأسه بعدم اقتناع قبل أن يقول:
-أزاي أنا مشفتش حد جالها خالص
لوح يده في عدم رضا من تصرفات صديقه، فهتف:
-أفهم بقي أنت كنت قلقان على الولد عشان مامته في غيبوبة ومش عارف توصله زى ما فهمت منك دلوقتي هو مع أبوة يعني أمان عايز إيه تاني
نفخ من الضيق، لم يقتنع بتلك الكلمات، فهتف بعند:
-طيب ليه مش بشوف حد فهمني
رد عليه بنفاذ صبر:
-عشان مش بتقعد طول اليوم ممكن يكون في تواصل عن طريق التليفون عادي بتحصل يلا بقي
....
سمعت صوت طوابق سيارة لا تتوقف مما زاد فضولها أن تعرف من هذا الشخص الذي يزعج الجميع بسيارته، دست جوهرة حجاب على رأسها، حينها تذكرت حوارها مع أصيل حول الحجاب، ابتسمت تلقائياً، فرشت ملامح وجهها بالفرحة، لقد افتقدت تلك المواقف التي سيطرت على جزء من حياتها، طردت تلك الأفكار، أخرجت تنهيدة من صدرها، توجهت للشرفة بسرعة، نظرت للأسفل تتأمل السيارة، رأت سيارته السوداء باهظة الثمن
اتسعت عينيها بشدة، شل عقلها عن تصديق ما تراه، ها هو يقف أسفل بيتها، ترددت كثيراً أن تهبط له، وجدت الحل الأمثل الذهاب عند والدها لتستشيره، فقالت بلهفة:
-بابا
ترك سعد الجريدة من يده، وهتف:
-نعم يا جوهرة
ارتسمت ابتسامة عارمة على شفتيها، وهي تردد:
-أصيل تحت
قليلاً ما تنطق باسمه، دائماً تقول المظلم، تلك المرة الأولي التي تنطق اسمه بعد رحيلها من القصر، فكست ملامح وجهه بالتعجب قائلاً:
-ومالك فرحانة ليه
شعرت حينها بسخونة جسدها، وحرارتها المرتفعة، كانت كاللهب، جمعت شتات نفسها، قالت بجمود عكس ما في داخلها:
-لا مفيش حاجة أنا مستغربة بس أصل هو اللي عامل الدوشه دي
تمتم قبل أن يردد:
-وأنتِ عايزة إيه دلوقتي
وضعت إبهامها في فمها، جلست بجواره، وهي تفرك يدها من التوتر قبل أن تقول:
-أنا بقول أنزل أشوف عايز إيه أصل مش هيسكت غير لما أنزل
أومأ رأسه بالموافقة، فقد رأي في عينيها ما في قلبها نحوه، نعم أحبته بشدة، رحبت بالرحيل لتهرب من تلك المشاعر التي لا تعرف عنها شيء، لكن حين جاء أمامها ظهرت اللهفة عليها، فهتف:
-أنزلي بس خليه يطلع عشان كلام ناس
نهضت بحماس طفلة صغيرة، حقق والديها ما تريد، تأملت هيئتها في المرأة وهرولت في النزول
ظل أصيل داخل السيارة يتوعد لها بكلام قاسي، وإلقاء أكثر الكلمات الموبخة، ظل يضغط على طابق السيارة، وعينيه موزعة على بيتها، على الرغم من إلقاء عليه السب واللعن، تجاهل كل هذا في سبيل أن يحصل على ما يريد
ثبت بصره عليها، تلاشي أوامر الله بغض البصر، كل ما تقترب منه، زلزل قلبه معها، وقف الزمن عنده، هيهات أن تقف اللحظة هذه طوال الحياة، طرقت على زجاج النافذة، بعد أن رأت عيون الناس عليها، تحول وجهها للسأم، بينما هو عاد إلي الأرض الواقع على طرقها للزجاج، فتح النافذة وجد برميل من السخط يلقي عليه:
-أنت أزاي تيجي هنا محدش عارفك الأصول
نزل من السيارة بوجه مليء بالغيظ كعادته عندما تلقنه درس جديد، لوح يده في عدم رضا قائلاً:
-أنتِ مفيش فايدة فيكِ لازم تدي دروس
وضعت يدها على خصرها، بدأت تهز جسدها قليلاً قبل أن تقول:
-لو كان عجبك بقي
دائماً الفرصة تأتي له دون سعي، جابها من رأسها حتى أخمص قدميها، هدر بحدة:
-ودينك والأصول علموكي تهزي جسمك في الشارع
جزت على أسنانها من الغيظ، مع تكوير قبضة يدها، رأت من الأمثل أن تختفي من أمامه، فهتفت:
-أنا ماشية وغلطانة إن نزلت
لا يريد افتقادها مرة أخرى، ألقي النداء عليها، نبرة بها رجاء ولهفة، جعلتها تشل مكانها:
-جوهرة استني متمشيش
أقترب منها بعض خطوات، بات عقله مشغول في إيجاد ما يريد أن يعبر عنه، اكتفي بكلمة واحدة:
-جدي
خفق قلبها بشدة أن يكون حدث له شيء، لا تحبه ولا تكرهه، لكنها لا تتصور أن يحدث له شيء سيء، لذلك قالت بهلع:
-ماله حصله حاجة
نظر للأسفل بحزن يتجلي تعبيرات وجهه، أراد أن يفسر لها غصبه عليه بعد رحيلها، لكن المكان ليس مناسب، فهتف:
-مفيش حاجة بس هو في موضوع حصل بس مش هينفع هنا
سمحت له بالصعود معها بناءً على طلب والدها، جلس على الأريكة، فرك يديه من التوتر قبل أن يبوح بكل شيء، سمعت منه جوهرة حديثه ما حدث، وإظهاره لحب جده، أيقنت أنه نقطة ضعفه، فالكل شخص نقطة ضعف، وزعت عينيها على والدها، وجدت أثر حديث على ملامحه، انتهزت الفرصة، فقالت بسرعة:
-لو بابا يوافق هكلمه على الموبايل
سمح لها والدها، فأخرج أصيل هاتفه المحمول، بدأ في الرنين المتواصل عليه، لم يلقي رد، عاد مرات عديدة، كل المحاولات دون جدوى، أيقن أن جده نفذ وعده، فقال بوهن:
-يبقي قرر ميكلمنيش
وضعت جوهرة إبهامها في فمها تفكر جيداً، ما الذي يجوز فعله في تلك الظروف، حتى حصلت على الفكرة، فرشت ملامح وجهها بالحماس الشديد، قالت على الفور:
-هكلمه على الموبايل بتاعي قولي رقمه
ضغطت على عدة أرقام التي كان يلقيه أصيل، انتظرت حتى سمعت صوته، فهتفت:
-الو
-مين معايا
-جوهرة
-أزيك يا جوهرة
-الحمد لله
-جبتي رقمي منين
-من أصيل
-هو جنبك
-اها
-طيب قومي وأتكلمي بعيد عنه من غير ما يشك ضروري
استسلمت لما يقول، تصنعت علة الشبكة، رغم علمها أن هذا كذب ولا يجوز، لكنها اضطرت لهذا، لأنها تعرف نوايا جده نحوه، أنه يريد أن يغير حياته
-أنا كده بعيد عنه
-أنا عاوزك ترجعي القصر تاني
-مش هقدر أنا وهو مش هينفع نجمع تاني علطول بنتخانق
-فترة صغيرة هنجرب أنا وأنتِ معاه يمكن يتغير
-أشمعنا أنا بالذات
-عشان أنتِ الوحيدة اللي طلبك تشتغلي عنده واللي عرفته إن مش مظبوط بعد لما مشيتي من عنده أثرتي في جزء من حياته من غير مجهود الخناق بتاعكوا كان سبب في ده شغلتي تفكيره أزاي يرد عليكِ عشان كده عايزك ترجعي القصر
-هفكر و أقولك
-طيب عايزك تقوليله إن مش هرجع غير لما أنتِ ترجعي وشوفي هيطلب منك ترجعي أو لا
-ماشي
أغلقت الهاتف المحمول، خرجت في التو، شاهدت عينيهما الموزعة عليها، رسمت على ملامحها الحزن، قصت ما اتفقت عليه معه، باغتت حين وجدت أصيل يجمع متعلقاته، رحل دون كلمة، فشل في هذه الطريقة التي كان يأمل أن تعود علاقته بجده
.....
حاول حمزة التركيز في عمله، فشل بشدة، هز رأسه بحركة دائرية ليعيد انتباهه بالواقع، ويطرد تلك الأفكار من رأسه، لكن دون جدوى، ترك القلم من يده، نظر في نقطة ما، عادت الأفكار تستحوذ على عقله، استسلم لها تلقائياً، بينما لحظ وليد شروده، ترك القلم هو الأخر، قال معاتباً:
-وبعدين بقي مش هينفع شغل بالطريقة دي أحنا أخر الشهر لازم نخلص كل حاجة
مسح على جبينه قبل أن يقول بعدم اقتناع:
-مش داخل دماغي الموضوع في حاجة غلط
جمع الأحداث لبضعهما البعض، تذكر تلك الفتاة التي سألت عنها من قبل، فقال باندفاع:
-البت الشرسة اللي جات تسأل عليها هيبقي عندها كل الإجابات بس هنوصلها أزاي
رفت عينيه بعدم استيعاب، صديقة يلقب فتاة بهذا الاسم، ها هي الفتاة استطاعت التمرد عليه ليلقبها بهذا الاسم، فقال باندهاش:
-بت شرسة ده في إن بقي في الموضوع
لكزه بخفه على كتفه ليصمت، قيدت تعبيرات وجهها بالغيظ، رفض الحديث في هذا الموضوع، هرب بطريقة كوميدية، فقال:
-أهو أنتوا كده يا مصريين تسيبوا الموضوع الأساسي و تمسكوا في الهيافة
أصدر ضحكات عالية رغماً عنه، بعد أن صمت رسم الجمود على ملامحه، وقال بجدية:
-طيب خلينا في المهم موضوعك نشوفه بعدين الحل إيه دلوقتي أنا مش مرتاح ومش هعرف أقول لنفسي أنا مالي
تمتم قبل أن يرد عليه:
-أحنا عرفنا إن طليقها اسمه سنان وبيشتغل دكتور هنحاول نوصل لطليقها بس من بعيد بلاش نروحله البيت ووقتها هتفهم كل حاجة أنا هجبلك قرار الموضوع بس ممكن نخلص شغلنا الأول
.....
أمسك سنان يقرأ التحليلات لدي حنان، ليعرف حالتها الصحية، لم يوجد بها أي أمراض، حمد الله سراً، رسمت ابتسامة نصر على ثغره، قبل إجراء شيء لأبد التأكد من عدم زيارتها لأحد حتى يبعد أي أسئلة، أرسل أحد الأطباء، بعد دقائق جاء الطبيب وقال بجدية:
- تحت أمرك يا دكتور سنان
أغلق التحليلات، وضعها في أحد الجوانب، حرك عينيه عليه قبل أن يقول:
-في حد جه للبت اللي عملت حادثة العربية
أجاب عليه بثقة:
-النهاردة لا تقريباً مشغول
فرك يديه بسعادة، مع ابتسامة تشرق ملامح وجهه، قال بفرح:
-حلو يبقي نخلص النهاردة ولو ماتت هنقوله بكرة ماتت أمبارح وأي فتح يبقي من الحادثة
أومأ رأسه بتأكيد، وقال بحماس:
- وأنا مش هخلي حد في الدور اللي هنعمل في العملية
بعد عدة ساعات، حضر كل شيء للعملية، جهزت حنان رغم صراخها باستمرار، تدرك أنها في خطر، دخلت غرفة العمليات والأطباء من حولها يجهزون
بينما في الخارج، جمع سنان متعلقاته، رأي التحليلات موضوعه في أحد الجوانب، أراد إخفاء المتعلقات الخاصة بها، وقعت عينيه على الاسم "حنان شوقي الدميري"
الاسم كفيل أن يثبته كالصنم، لا يشعر بشيء من حوله، اسم طليقته مدون، حقاً أنها هي إخفائها طوال الفترة الماضية، يتناسب مع وقت الحادثة، شيطانه جعله يقتل أم أبنه دون رحمة، كيف ينظر إلي أبنه إذا عرف بالموضوع، الوقت حان للعملية هل يستطيع إلحاقها أم تموت تحت يديه؟
صدمة!!
فزع!!
هلع!!
عدم توقع!!
انتفض سنان من مكانه يأمل أن لا يكون أصابها شيء سيء، لم يكن لديه الوقت الكافي لارتداء الملابس الخاصة بالدخول بغرفة العمليات، وإجراء الخطوات الأزمة، دخل الحجرة باندفاع سبب في هلع الجميع لبرهة من الوقت، حتى أطمئنوا وهدأت روحهم، أصبحوا تنفسهم طبيعي، خطو خطوات يبرزها الشيطان على ملامحه، أمسك تلابيب الطبيب بشدة قائلاً بقلق:
-عملت فيها حاجة
ليس لديه القدرة على النطق، ما الخطأ الذي فعله ليعامله بتلك الحالة؟ تلك ما كان يفكر فيه الطبيب ولا يستطيع البوح به، ضغط عليه أكثر، كادت أن أنفاسه تخرج ولا تعود، رد بصوت مخنوق:
-لسه
تغيرت ملامحه للهدوء أنها مازالت بخير، حل يده بعيد عن الطبيب، قال بنبرة أمر:
-محدش يعمل حاجة وديها أوضتها وأنا هتكلم معاها بعدين
أومأ برأسه على مضض دون رد، وعاد ينظر
له بأعين تنبض بالفضول قبل أن يسأله:
-بس ليه كله ده دي فرصة
كاد أن يصفعه على وجهه، لكنها تراجع عن الفكرة، وقال بصوت صاخب:
-عشان دي أم أبني
صاعقة حلت عليهم جميعاً، لا أحد على وجه الأرض يتوقع هذا، ألجمت المفاجأة ألسنتهم، حين وجد عليهم الصدمة، لقي أخر كلماته قبل اندفاعه للخارج:
-تروح الاوضة اللي كانت فيها ولما تفوق بلغوني
بالفعل لم ينتظر رد، خرج بسرعة دون أن يطل عينيه عليها، كيف ينظر عليها، ومن ثوانٍ معدودة كانت ذبيحته؟
....
استعدت جوهرة للذهاب إلي الطبيب بمرافقة والدها، كانت ترتدي تنوره سمراء واسعة لا تظهر مفاتن جسدها، كنزه علوية ذي أكمام طويلة وواسعة باللون نبيذي، على رأسها حجاب مشجر من اللونين، ألقت النداء عليه بصرامة:
-بابا يا بابا أنا جاهزة
ظهر سعد في حينها يرتدي قميص كاروه من اللونين البني والبيج، ومن الأسفل بنطلون بني، قال بثقة:
-وأنا كمان يلا
خرجا من البيت وهو يستند عليه، سارا بعض خطوات في الشوارع الجانبية، وقفا في المحطة منتظرين الحافلة النافلة، بعد بضع دقائق كانا في الحافلة، ضغطت جوهرة على التحليلات التي لم تفهم ما بها بناءً على حديث سنان في المعمل دون علمها، نظرت إلي والدها، وقلبه يدعو بدل شفتيها أن يكون والدها بخير، ربت سعد على يدها شعر ما يدور في ذهنها، أرسل الأمان بابتسامته لها
استقرت الحافلة في المحطة التي تريدها، ترجلا منها بحرص، سارا للأمام بعض خطوات استغرق خمس دقائق، دخلا العمارة التي فيها عيادة سنان، كانت الطابق الثاني، وجدت العيادة خالية ليس بها سوي أخر مريض في الكشف، والسكرتيرة بالخارج، انتظرت حتى خرج المريض من الحجرة، دخلت خلفه بعد ما بلغت السكرتيرة سنان
جلست في المقعد المقابل له، قدمت له التحليلات، فركت يديها من التوتر، منتظره أخبار تسرى قلبها، خيب ظنها بالكذب، حين قال أنه محتاج عملية وهو سوف يفعل لازم، لا تهتم بالمال، على الرغم أن التحليلات تؤكد أنه لا يحتاج سوي العلاج فقط
وقعت كلماته كالسكين الحاد عليها، صدمت حقاً، هبطت مقلتيها بالعبرات، حاول سنان يهدأ من روعتها حين قال:
-متقليش للعملية سهلة ومش خطيرة وبعدها هيبقي زى الحصان مش هقولك أسالي مرام لا أسالي أي حد
جففت عبراتها آلتي علبتها، حاولت أن تظل صامدة، فقالت متسائلة:
-والعملية أمتي يا دكتور
أجاب عليها بثقة:
-خلال أيام
هزت رأسها لأعلى ولأسفل بالموافقة على حديثه، نهضت من مكانها، وجهه غير طبيعي من الصدمة، عكس والدها الذي تقبل الموضوع بنية صافية، هتفت:
-شكراً يا دكتور
أثناء سيرهم في الطريق، باغتها سعد بقوله:
-بلاش العملية دي
رمت مرمي بصرها عليه بدهشة، كل ملامح وجهه تؤكد أن يتحدث بجدية، قالت بصدمة:
-ليه يا بابا
رد عليه بنبرة خالية من المشاعر، أدت بها إلي الانهيار:
-هتكلف كتير على الفاضي العمر واحد والرب واحد
كست ملامحها بالحزن، رفضت تلك الكلمات من لسانه، ربتت على صدرها تترجاه أن يكف عن الأقوال:
-عشان خاطري بلاش الكلام ده ربنا يديك الصحة وطوله العمر ولو على الفلوس مش هنغرم كتير يبقي نتوكل على الله
....
لم تمر الليلة مرور الكرام على أصيل، كان يري الحياة باللون الأسود، ليس فيها لون أبيض سوي الكفن الذي يريده كل يوم، دخل أحد الحجرات ببطء، اقترب من أحد الصور العلقة على الحائط، علق عينيه عليه بنظرات يكسوها الحزن، كانت الصورة تجمعه هو وزوجته وأبنه، حدث نفسه كأنه يحدثهما:
-ليه سبتوني وبأبشع صورة مش قادر أنسي ومش عارف أبدأ منين
رقرقت عبراته رغماً عنه، ظل لفترة من الوقت، لا يعرف كم عليه من الوقت، لقد أفتقدهما بشدة، أراد أن يشم رائحتهما، اتجه إلي مكتب زوجته الموجود بالغرفة، فتح أحد الأدراج، جابت عينيه هاتفها المحمول، منذ ما حدث ولا فكر أن يعبث فيه إطلاقاً، أمسكه بيد ترتعد، تذكر هيئتها وهي تعبث وترسل الرسالات بوجه يظهر عليه الاحتقار والسخط، وفي الأيام الأخيرة كان الخوف يبدد ملامح وجهها
دار في عقله أن يفتح يقرأ المكتوب، فتح كل وسائل التواصل الاجتماعي عدا وسيلة Gmail، لم يجد أي شيء ملفت، لا يعرف أنها عندها حساب عليه، كاد أن يغلق الإنترنت عبر الإنترنت الهوائي، وجد رسالة على هذا الحساب، لم تفتح بعد، فتح الرسالة باندهاش، نظر على التاريخ المدون قبل وفاتها بيوم، قرأ النص المكتوب
-أخر يوم في حياتك بكرة لو مجبتيش الفلاشة الصبح أخر النهار هنقول الله يرحمك
لم يفهم الكثير من الأحداث، لكنه استطاع فهم شيء مهم، أنها عثرت على معلومات مهمة تخص شخص ما، قرأ كل الرسائل السابقة ليفهم أكثر، لا يجد سوي اسم سنان فقط، نظر إلي نقطة ما يتذكر الماضي
ألقت حقيبتها على الفراش بسعادة، وقالت بحماس:
-أصيل عندي ليك خبر حلو
أغلق التلفاز الذي يشاهده، وزع بصره عليه ليسمعها في هدوء:
-قولي
قفزت على الأرضية، صفقت بيدها، قات بفرحة:
-مراتك بقت دكتورة في مستشفي سنان التخصصي أكبر مستشفي في مصر
عاد للواقع بشر يعبث من عينيه، لم يفكر في شيء سوس مرام، هي التي تساعده على كل شيء، خرج من الحجرة يجري اتصال لها، وهتف:
-الو
-الو
-أزيك يا مرام
-الحمد لله
-كنت عايزك في موضوع مهم بخصوص اللي حصل لأختك
بدأ القلق يظهر على نبرتها:
-وصلت لحاجة
-مش بالظبط
-مش فاهمة
قص لها من معرفة حسابها على Gmail، قرأته للرسائل التي كانت تتواصل مع أحد الأشخاص، وذكر اسم سنان، وعلمه أنها كانت تعمل في مستشفي سنان التخصصي، وعاد يسألها:
-مش أنتِ بتشتغلي في المستشفي دي
-اها بشتغل هناك هحاول أعرف حاجة
صمتت لبرهة، ترتب الأحداث، فهي لا تفوز بسنان في يوم، لعب بها حتى لا تعترف للجميع بكل شيء، لا يشغل باله سوي مصلحته فقط، قررت أن تقف بجوار زوج أختها، فأردفت قائلة:
-أنت ممكن تستفاد من الايميل اللي بيعتلها رسايل ودي هتبقي أول خطوة هنمسك الخيط من أوله
-طيب أنتِ تعرفي حد
-لا
-شوف بمعرفتك وأنا هساعدك من ناحية تانية
-اوكي سلام
.......
نظر وليد إلي عقارب ساعته في معصمه، تمني أن يلحق حمزة قبل ذهابه إلي المستشفي، صعد الدرج بسرعة، قرع جرس الباب، وهو يتمني من الله ما يريد، استجاب الله أمنيته عندما فتح له حمزة الباب بوجه يكسوه الدهشة والقلق معاً، بسبب مجيئه إلي بيته في هذا الوقت، فقال متسائلاً:
-خير في حاجة.. حاجة حصلت
مط شفتيه للأمام، نظر له بعدم رضا قائلاً:
-طيب مفيش أتفضل
أفسح له الباب لكي يعبر بارتياح، ومازال وجهه تحت أثر الصدمة، سار خلفه بتردد، ينتظر جواب لسؤاله، ثم هتف بحنق:
-أنجز بقي عايز ألحق أروح المستشفي
جلس على الأريكة، أرخي ظهره على مقعد، ثبت نظره عليه يتأمل ملامح وجهه القلقة، قال بنبرة يعتليه الهم:
-سبتك و دورت براحتي مكنتش عايز أقولك عشان أنت مندفع حنان مرات دكتور سنان صاحب مستشفي السنان التخصصي اللي هي فيها
ثوانٍ من الصمت مرت، لسانه ثقيل عن البوح، تنازع الحروف نزعاّ للخروج من شفتاه حتى هتف باستنكار:
-بتهزر صح
هز رأسه بالنفي، استرسل له معرفته بكل الأخبار عن طريق بواب العمارة المجاورة للعمارة التي يسكن فيها سنان طليق حنان، فقال بجدية:
-فهمت
حاول ترتيب الأحداث لبعضها البعض، من السهل معرفة وجودها في المستشفي يليه يأخذ أبنه في المستشفي، ترتيب منسق لا يجوز الشك فيه، قال بفهم:
-عشان كده وصل ليها بسهولة ومشفتوش
نهض من مكانه، ربت على كتفه، عينيه تشع رجاء قبل أن ينطق:
-عشان خاطري أبعد بقي لأحسن وجودك يخليه يأخد الولد منها أنا فهمت أن معاملته ليها كانت وحشة أوي
أخرج تنهيدة من صدره، قدر ما يحمله من شعور بتأنيب الضمير، كره اليوم الذي قابله فيها، ظل يتتبعه ويلاحقها حتى لقاها بكلماته، فسارت في الطريق لا تري أمامها، مما أدي إلي ارتطامها بالسيارة، قرر كلماته كثيراً:
-ياريتني مشيت ولا قربت منها.. ياريتني مشيت ولا قربت منها.. ياريتني مشيت ولا قرب
قطع حديثه باندفاع، ليقلل الغضب الذي احتل ملامح صديقه، لكي يخفف عنه تحمله:
-كل شيء نصيب ومكتوب وربنا بيخلق الأسباب حتى لو البشر اللي عليك أدعيلها وراقب من بعيد
أومأ رأسه باستسلام، ليس في يديه شيء سوي الرضوخ، ملئت ملامح وجهه بالضعف، وقال بوهن:
-حاضر
رفع رأسه لأعلى يحمد الله على تفهم صديقه، واستمراره في العند، فهو كان يدخل في دائرة خسرانه بالتأكيد، وسوف تدمر الجميع
.....
وقف عند الباب يسمع صياحها، مازلت لم تفهم شيء، كل صرخة تقتله، على الرغم من معاملته السيئة في بعض الأحيان، مازال قلبه ينبض وينطق باسمها، أمسك مقبض الباب وحركه، ليفتح الباب، لتنظر هي اتجاه الباب بعد صراخها، حتى ظهر أمامها خفق قلبها بشدة، الرعب احتل كيانها، دار في عقلها العديد من الأسئلة، حتى نطقت بخوف:
-سنان
أخذ مقعد باندفاع، وضعه أمامها بحرص، جلس عليه ببرود قاتم، تعبيرات وجهه مرسوم عليها شيطان على هيئة بشر، لا يوجد عليه الرحمة، كفي القسوة والمصلحة، ظل صامت لا ينطق بحرف واحد، فعادت هي الحديث مرة أخرى:
-أنت عرفت مكاني أزاي وعايز مني إيه
كان يعلم بقصة دخولها وزيارة أحد الرجال لها، دون أن يعرف هويتها، شبك يديه لبعضهما البعض، أنحني بجسده قليلاً، طالعها بنظرات مميته أدت إلي دب الفزع داخلها، قال متسائلاً بنبرة شيطانية:
-مين اللي بيزورك هنا
اتهامات من الباطل يلقيها عليها دون مقدمات، ويريد إجابات تقنعه، وإذا ما حدث، كأنه لم يسمع منها شيء، فهي العلاقة المستنزفة، تبدد كل طاقتك
حاولت حنان تجمع أقواله، كانت في نقطة المتاهة بالنسبة له، حاولت إخراج ما يدور في عقله قائلة:
-قصدك إيه أنا مفيش حد بيزوني أنا محبوسة هنا أخري حد يجبلي الأكل والشرب بس
أومأ رأسه بتأكيد، ظل عينيه ثابته عليها، يقرأ ما تظهره، وبالفعل وجد الجد على ملامحها، لذلك قال بجدية:
-عارف كل ده بس في حد جابك المستشفي هنا وكل يوم بيزورك
سارت وراء الهراء الذي يقوله، حتى تثبت عدم معرفتها بأي شيء، فقالت باستسلام:
-لو افترضنا كلامك صح ليه مش بشوفه
وضع في مأزق من جديد، أي كلام يقوله، هربت كل الحروف من لسانه، التزم الصمت، صمته طال عن المفروض، عادت كلامها مرة أخرى لعل يفهم هذه المرة:
-لو افترضنا كلامك صح ليه مش بشوفه
مازال الصمت يخيم عليه، فهمت الدنيا من حولها، كيف يعرف مكانها؟ متى علم بدخولها للمستشفي؟ لماذا يسأل عن الشخص الذي يزورها؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهنها، الإجابة المشتركة بينهما أنه صاحب المستشفي، ضربت رأسها لعل تخرج تلك الأفكار السيئة من عقلها، لكن هيئته تؤكد لها ذلك، هتفت بشك:
-سنان أنت صاحب المستشفي
نهض من مكانه بعد ما تبدد ملامح وجهه للشيطان الذي يوصف تصرفاته، اقترب منها كالثعبان الذي يغرس سمه في البشر، همس في أذنها:
-هكون صريح معاكي أيوة أنا صاحب المستشفي مش بس كده يحيي معايا ومش هتعرفي تاخديه تاني
أرادت أن تأكل لحمه بأسنانها، كسر قدميها ويدها هي التي منعتها، على الرغم من هذا، ملامح وجهها مليئة بمخالب الأمومة التي تظهر وقت الخطر، قالت بشراسة كالقطة التي أخذت أطفالها منها:
-هقتلك
وضع سبابته على فمه بإشارة الصمت، حرك يده ليشرح لها، قال بنبرة فحيح الأفعى:
-مش هكدب عليكِ أصل عرفت أنك مروحتيش البيت خد الولد قولت أنك سبتي أبنك وطفشتي تخيلي سمعتك بقي بقت عامله أزاي ومش هتخرجي من هنا غير لما تفكي الجبس أصل حالتك مش خطيرة كسر في رجل والأيد وجرح بسيط في جبينك تقريباً اللي بيسوق كان بيحاول ميخبطكيش وهقدر أخفي كل حاجة استسلمي للأمر يا حنان وفكري كويس
.....
مرت الأيام على نفس الوتيرة، مازالت حنان تحت رحمة سنان حتى يقرر يطلق سراحها خاصة بعد عدم زيارة هذا الرجل لها، ضبط الأوراق كاملة، أمحي وجودها من دخولها المستشفي، أثبت جريمته الفاحشة دون تردد
بينما عند مرام، رفضت تذهب إلي العمل سابحة في تلك الذكريات القديمة مع أختها من جهة، ومن جهة أخرى ذكرياتها مع سنان حتى تعرف ماذا تفعل؟
كمل حمزة حياته كأن شيء لم يكن، أستمع إلي نصيحة وليد أن يترك الأمور تسير كما تريد الدنيا، ويعيش حياته ولا يشغل باله بالآخرين
....
اليوم مميز لدي أصيل منتظر المكالمة التي يستطيع من خلالها أن يعرف من صاحب الايميل، ظل ينظر على عقارب الساعة من حين لآخر، اخترقت أذنيه صوت رنين الهاتف المحمول، صدح في المكان كأنه صدح في قلبه أشعله باللهفة والشغب، ألتقطه على الفور، وهتف:
-الو
-أيوة يا أصيل بيه
-وصلت لحاجة
-طبعاً أنت جاي على سمعتي وعرفت إن شاطر في الحاجات دي
-عرفت الايميل بتاع مين
-بتاع دكتور اسمه علي البارودي
-مين علي البارودي
-لا دي بتاعتك انت بقي اللي عليا عملته
-متعرفش حد مصحصح يساعدني أوصل بسرعة أهم حاجة يكون بسرعة أنا مش عايز أظهر في الصورة
-في هديلك رقمه 01**** قوله أنك تابعي
-بجد مش عارف أشكرك أزاي
-مفيش شكر ولا حاجة ده شغلي وأي حاجة تعوزها أنا موجود
-أكيد سلام
أغلق الهاتف المحمول، خطو اتجاه الصورة، عينيه تشع لوم وعتاب، بسبب عدم اخباره بكل شيء يحدث لها، لو قصت له مشكلتها، ما لم تجد منه سوي المعاونة، أخرج نفساً مطولاً قبل أن يحدث نفسه كأنها تقف أمامه، ويلقي عليها الحديث:
-خلاص هانت والحق هيظهر وهتنامي أنتِ وأبننا مرتاحين
خرج من الحجرة، كان في طريقه إلي حجرته، عينيه وقعت للأسفل أخر مكان تجمع فيه جده وجوهرة، أحتفظ بنظراته لفترة من الوقت، يتذكر التفاصيل التي أجراها معهما مع ابتسامة عارمة تبدو على شفتيه، سرعان ما تحول للبؤس، أصبح وحيد في الدنيا، الجميع يرفض حديثه، وهو مازال محتفظ بكرامته، أتجه إلي غرفته بعد أن ارتوي من خيلات الذاكرة
.....
جلست جوهرة تقرأ القرآن الكريم في المستشفي بعد أن حدد معاد العملية، تركت القراءة عندما سمعت صوت طرق على الباب، أغلقت القرآن، حركت عينيها على الباب، ثم قالت بنبرة رسمية:
-أدخل
دخل سنان الحجرة بخطوات ثابتة، قرأ كشف حالته اليوم من مستوي الحرارة والضغط المعلق في أخر الفراش، قال بنبرة عادية:
-كل حاجة مظبوطة إن شاء الله هنعمل العملية كمان ساعتين
ألقت عليه سؤالاً لتفهم أكثر:
-ليه جينا بدري
أجاب عليه بابتسامة تعتلي شفتيه:
-عشان في إجراءات طبية لازم تتعمل قبل دخول العمليات بس الحمد لله هو كويس
حمدت الله سراً مرات متتالية، وجهت حديثها بها بوجه يبرزه الخجل، وقالت بتمني:
-مش عارفة أشكرك أزاي يا دكتور ربنا يجزيك على قد أعمالك
عاد الكشف في موضعه مرة أخرى، قال باعتراض:
-من فضلك بلاش تقولي كده
سؤال سيطر على عقلها تريد إجابته، ألقته عليه بسرعة، ليهدأ قلبها من روعتها:
-هي العملية خطيرة
رد عليها بتهكم ليبث الأمان نحوها اتجاهه:
-أنتِ كده بتهنيني مسمعتيش عني قبل كده
أحمر وجهها من الخجل، أرادت أن تختفي قبل أن تبوح بتلك الكلمات السيئة، حاولت تحسين صورتها أمامه قائلة:
-مش قصدي يا دكتور ده أنا عشمي فيك بعد ربنا سبحانه وتعالى
بلحظة ارتخت ملامحه لترسلها نظرة رضا، ويبعد عنها أي شكوك من خطر العملية، ردد في ثقة:
-ونعمة بالله العملية مش خطيرة متقليش عن أذنك أشوف اللي ورايا
خرج من الطبيب، اقتربت والدها الذي كان يتابع الحوار في صمت، ربتت على صدرها لتخفف عنه القلق، وقالت بتأكيد:
-سمعت يا بابا بنفسك كلام الدكتور أطمن
ابتسم قائلاً:
-حاضر
.....
بدأت الدموع تقفز من مقلتيها واحدة تلو الأخرى بغزارة دون توقف ترسم طريقاً على وجنتيها، سرعان ما تغير طريقها إلي الوسادة التي شاركتها في الحزن في الأيام الأخيرة، ألقت نفسها عليها تعانقها، لتستمد منها الحنان، مر عليها بضع دقائق وهي في نفس الحالة
انتفضت فجأة عن الفراش، ثبتت بصرها على نقطة ما، لقد غرز في عقلها فكرة ما، توجهت عند خزانة الملابس، ارتدت أول ملابس جابتها عينيها، هرولت للخروج بسرعة، صعدت الحافلة الناقلة، سارت خطوات في طرق جانبيه حتى وصلت للمطعم التي كان تعمل فيه حنان، قابلت أحد العمال فسألته عن مكتب وليد صاحب المطعم لحسن حظها كان موجود
ركضت خلف العامل لكي يبلغه عن وجود فتاة تريده بالخارج، انتظرت حتى ظهر أمامه، وأول كلمة سمعته منه هي:
-البت الشرسة
حملقت به عين غاضبه من أهانتها بتلك الطريقة، صاحت فيه عالياً:
-بتقول إيه احترم نفسك لأحسن عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي
حملق بها بنظرات تحدي قائلاً:
-على فكرة أنتِ اللي جيالي
تذكرت سبب مجيئها إلي هنا، اضطرت أن تلين نبرتها لتحصل على ما تريد، فقالت بحيرة:
-اها صحيح طيب في واحد شغال معاك تاني شريكك يعني هو فين
أصدر ضحكات عالية، قال بتهكم:
-أنتِ مش طبيعية هو أحنا شغالين عندك
نفضت كلماته من أذنها، كأنها لم تسمع شيء، هتفت برجاء:
-من فضلك مفيش وقت عايزة شريكك لو أعرف اسمه مكنتش سألتك من الأول ولا عبرتك
رد عليها بفراسة ليغيظها:
-أنا قولت كده أزاي تقولي من فضلك أنا متعود على الشراسة منك
وضعت يدها على خصرها، تظهر عدم محبتها لحديثه، رفعت أصبع سبابتها لأعلى لتهدده بشكل واضح وصريح:
-أنت عارف لو مشفتوش دلوقتي هوريك الشراسة حالاً
حرك يده بحركة الهدوء، حرب مع ضحكته التي رسمت على شفتيه رغماً عنه، و قال بضحك:
-خلاص خلاص تعالي ورايا
سارت خلفه بالضبط، أول ما وقعت عينيها على حمزة، شعرت راحة تامة، جلست في المقابل له، فركت يدها بتوتر قبل أن تقول:
-أنا جارة حنان
انتبهت حواسه بالكامل بعد ذكر اسم حنان، على الرغم أنه فضل عدم الاقتراب، إلا أن فضوله لمعرفة أخبارها كان أكبر من قراره، فقال باللهفة:
-تحت أمرك
عجز لسانها عن النطق، فرشت ملامح وجهها بالخجل من أفعالها، فركت أناملها من التوتر، وهي تتنازع مع لسانها لتسرد له ما حدث مع سنان، وتهديه لها لكي يأخذ أبنه، ثم إلقاءه على حنان أبشع التهم في المنطقة، وبالفعل إخفاءها طوال الفترة الماضية ساعدت على تصديق الإشاعات
شعر حمزة أنه في دنيا أخرى، عقله لم يتصور شخص يفعل التصرفات بكل جراءة دون خجل، قال بصدمة:
-أنتِ متأكدة أزاي حنان عملت حادثة وفي المستشفي
أومأت رأسها بالموافقة، حاولت تبرر فعلتها بقولها:
-أيوة مكنتش هقدر أقف لوحدي قصاده خفت أنت مشفتش شكله
كان حمزة يتابع الحوار في صمت، يسمع بكل أذن صاغية، ليرتب أفكاره، قال بخوف:
-كده حنان في خطر حنان عنده في المستشفي أنت ناسي لازم نتصرف
لطمت على صدها قائلة:
-يا مصيبتي
......
وقفت جوهرة أمام حجرة العمليات تدعو الله ليخرج والدها بسلامة، ساعة مرت والقلق شريكها لا يتركها، فضلت أن تصلي وتدعو الله، وبالفعل فعلت ذلك، عادت تقف أمام باب غرفة العمليات مرة أخرى
فتحت الغرفة، وقفت تنتظر الطبيب، خرج سنان وجهه مخطوف بالفعل، لا يعرف أي كلمات يبوح به، كل التحليلات الطبية نتيجتها تقول إن حالته الصحية تقاوم خطر العملية، لكن إرادة الله عز وجل كانت أكبر، نظر للأسفل، وهو يقول:
-البقاء لله
وقفت كالتمثال لا تري، لا تسمع، ولا تشم، ثوانٍ مرت عليها والصدمة تعتلي تعبيرات وجهها، جسدها متجمد يليه سقوطها فاقدة الوعي على الأرض
الحياة دون سند كالطعام دون قشرة تحميه، سوف تقابل الحيوانات المفترسة لوحدك، فهل ينجو البشر أم يصبحوا فريسة لهم
أفاقت جوهرة وجدت نفسها مدده على الفراش حولها أحد الممرضين تضع المحلول في يديه، تذكرت ما حدث، فأجهشت بالبكاء، والممرضة تحاول أن تهدأ من بكائها، ألقت عليه كلام يقلل من حزنها لكن دون جدوى، لا أحد يشعر بها عدا الذين مروا بتلك الحالة
أصبحت وحيدة عليها تهاجم الجميع، تصبح قوية مثل الرجال، لا يوجد رجل في حياتها يحميها، يعاونها، يسندها عند المواقف الصعبة، أرادت الموت للتخلص من الحياة البائسة، لكن لا، هي خلقت لهدف لعبادة الله الآخرة وخلفت لتفعل شيء هام في الدنيا
نزعت الإبرة من مكانها المخصص، جاءت أن تركض منعتها الممرضة، فصاحت فيها وهي تبتعد عنها:
-سبيني عايزة أشوف بابا أنا كويسة أغمي عليا من الصدمة
ردت عليها الممرضة:
-هيجهز بس
لا تعلم أن والدها كان فريسة سهلة الصيد، قبل أن تصعد أنفاسه للرب، بعض أعضاء جسده انتشلت دون وجه رحمة لتضع في الثلاجة تحت مسمي عار على المجتمع تجارة الأعضاء
جففت عبراتها لتصبح صامدة، ظلت تفكر من يعاونها في تلك الحالة، أم تتحمل المسئولية كاملة، وجدته حين جاء في ذاكرتها دق القلب على الفور، تجاهلت هذا الإحساس، بدأت تبحث عن هاتفها المحمول، فسألت الممرضة على مكانه، أجابت عليها بنبرة رسمية:
-هجبهولك بس لو سمحتي نكمل المحلول عشان تقدري تقومي أنتِ ضعيفة
استسلمت للأمر، عاونتها الممرضة في وضع إبرة المحلول، بدأت في الرنين المتواصل على أصيل بعد أن أحضرت لها الممرضة متعلقاتها، حين سمعت صوت قالت ببكاء:
-ألحقني
-في إيه
-بابا مات
-بتقولي إيه
-بقيت لوحدي
-أنتِ فين
-في مستشفي سنان التخصصي
الصدمة جعلته مشتت الانتباه، ركز على حالتها، وتجاهل اسم المستشفي، فردد:
-ليه
-كان بيعمل عملية ومات
-أنا جايلك حالاً
-بجد مش هتسبني
-طبعاً سلام
.....
وصل حمزة إلي المستشفي، وقف أمام حجرة العناية المركزة، خرجت ممرضتان يتحدثن لبعضهما البعض، اخترقت أذنيه صوت الممرضة القديمة تحدث الجديدة عن شيء فقدت تجلبه، عادت الممرضة تجلبه من الداخل حين خرجت وجدت حمزة يتوجه لها، وقال متسائلاً:
-من فضلك مفيش أخبار جديدة عن حنان؟
كست ملامح وجهها بالاندهاش، لأول مرة تسمع الاسم هنا، فردت بنفي:
-مفيش حد هنا بالاسم ده
شعر بدوار في رأسه، عقله مازال في عدم استيعاب ما تقوله، الطبيب أبلغه أنه هنا، كيف يحدث هذا؟ استمر لبضع ثوانِ في عدم اتزان، وصل إلي تفسير الموقف، فعاد يقول:
-مش ممكن تكون فاقت وراحت أوضة جديدة أنا مجتش بقالي كذا يوم
ألقت علي سؤالاً:
-حضرتك بقالك قد إيه مجتش
أجاب عليه بشك:
-بقالي كام يوم مش فاكر كان بالظبط
مطت شفتيها للأمام بحيرة قبل أن تهتف:
-غريبة أنا هنا من أسبوع ومفيش حد بالاسم ده خالص
حاول أن يصف شكلها مع حجمها لعل أن تكون لا تعلم الأسماء، لكن الإجابة واحدة:
-مفيش حد صدقني
تركها ترحل، غرق في شتي الأفكار المختلفة، تأكد أن طليقها له يد في إخفائها ليحصل على أبنه، دار في عقله الكثير من الأسئلة، هل يساعدها؟ ماذا يفعل لكي ينقذها؟ ما الطريقة التي يستطيع التدخل بها؟
يعلم أنه في ورطة كبيرة، تحتاج من يعاونها ويساندها، أخذ نفس عميق، وزفره مرة أخرى بتردد يعتلي ملامح وجهه
.........
صف سيارته أسفل المستشفي، دخل المستشفي وهو يجري اتصال على جوهرة، علم بمكانها، توجه لها بسرعة الصاروخ، كانت الحجرة مغلقة، طرق على الباب حتى سمعها تسمح له بالدخول
خطو بخطوات للأمام، ألقي مرمي بصره عليها، عينيها حمراء منتفخة، وجهها أصفر اللون، يظهر على كيانها الإرهاق، والتعب، قال بلهفة:
-جوهرة
كان طوق النجاة، الصدر الحنين الذي ربنا أرسله لها، لم تردد ثانية في هبوط دموعها أمامه، قالت ببكاء:
-بابا.. بابا يا أصيل
لو يستطيع أن يأخذه في عنقه، كان فعل دون تردد، اكتفي أن ينحني بجسده نحوها، حفرت ملامحه بالقلق عليها قبل أن ينبض بلسانه:
-أنتِ كويسة
هزت رأسها بالنفي، وقالت باعتراض:
-لا مش كويسة بابا مات وأتحرمت منه
الكلام لا يجيب نتيجة في تلك الحالة، مر بتلك التجربة اللعينة مع أقرب ناس لقلبه، أهله، زوجته، وأبنه، ذاق مر قلبه من جديد، عادت ذكرياته القديمة تخرج من الخانة، تمالك نفسه قدر الإمكان، وقال بوهن:
-هتتعودي تعيشي
صرخت فيه دون إحساس لمشاعره:
-أزاي وأنا حياتي بقت سوده من غيره
بعثر الألم في كل كيانه، قيدت تعبيرات وجهه بكتلة من السواد قبل أن يقول دون رحمة:
-دلوقتي فهمتي إن لما بنختار اللون الأسود مش بيبقي بمزاجنا بيتفرض علينا
-ليه
نطقت بألم يسيطر عليها، بينما رد عليها بقسوة:
-عشان دنيا لعينة بتحرمنا من الأشخاص المهمين في حياتنا
عبرات تهبط على وجنتيها كحبات المطر الغزير، ردت من أعماق قلبها:
-مفتكرش هنقدر نواجه
رده كان لغز عليها، فشلت في فهمه، خاصة نبرة صوته، ونظراته، كان ينتفض من داخله حقاً:
-بتتعودي على البعد زى ما أنا تعود على بعدهم على رغم من الظلم اللي تظلمته
نست كل شيء، ركزت في حروف التي ألقاها لسانه دون قيد:
-مين دول
اقتلع قلبه من مكانه، وهو يبوح لأول مرة لها، سر الذي أرادت معرفته طول بقائها معه، قال بوجع:
-مراتي وأبني ماتوا مقتلوين
صمت لبرهة، ثم صاح عالياً باندفاع:
-لا مش مقتولين مدبحوين بسكينة
صدرت صراخ رغماً عنها، وضعت يدها على فمها تكتم شهقاتها، قالت بصدمة فرشت وجهها:
-بتقول إيه
ندم على إطلاق لسانه تلك الكلمات، أخرج نفساً مطولاً، رفض أن يبوح أكثر، ركز على حوارها، فقال على الفور:
-يلا نشوف الإجراءات اللازمة عشان والدك الله يرحمه
بعد فترة من الوقت كل شيء كان على تم الاستعدادات المطلوبة، خرج أصيل من المستشفي يجهز سيارته ليتحرك فور هبوط جوهرة مع والدها، قابل مرام في طريقه التي رفعت حاجبيه لأعلى من الاندهاش قبل أن تقول:
-أصيل بتعمل إيه هنا
نظر إليها، أخرج تنهيدة من صدره قبل أن يتفوه:
-والد جوهرة توفي واتصلت بيا عشان أجيلها ملهاش حد مش هينفع أسيبها هنا
صاحت عالياً دون قصد بعد الفزع، والهلع الذي أصابها، كانت تجلس بمفردها نادمة على تلك الأفعال التي فعلتها، رفضت مقابلة الأشخاص، وبعض الاتصالات، لم تعرف بموعد العملية من قبل، قالت بهلع:
-لااااااااا أزاي ده حصل
هز كتفيه بعدم المعرفة، أطلق للسانه تأكيد الحركة، والتعبيرات التي ملئت وجهه:
-معرفش حاجة عن أذنك عشان نخلص من الموضوع ده
وضعت إبهامها في فمها، قضمت أظافرها، ترددت كثيراً أن تبوح بكلمات لها دلالات كثيرة، داخلها يرتعد من التوتر، قالت بوهن:
-شرحوا الجثة
وقف كالتمثال لبرهة، استدار بوجهه نصف استدارة، رمقها بنظرات يكسوها الصدمة، قال باندهاش:
-بتقولي إيه
ردت عليه قبل أن ترحل من أمامه، لا تريد أن تدخل في مناوشات كثيرة:
-زى ما سمعت أنا هقدم استقالتي وهساعدكم بس أسمع مني خلي جوهرة تشرح الجثة أكيد هتلاقي مناطق في جسمه مفتوحة عن أذنك
.........
حك وليد وجنتيه بعد ما سمع حديث حمزة له، بات عقله مشتت لفترة من الوقت، قام مندفع من مكانه، لم يبدي أي رد فعل سوي حديثه:
-تعالي معايا
حاول ألحاق به، أمسكه من ذراعه، لكي يكف عن الحركة، وزع بصره عليه باندهاش، وقال متسائلاً:
-رايح فين كده
رد عليه بجمود:
-لازم نعرف حياة حنان كانت عامله أزاي من ياسمين
ابتسم بسخرية على سذاجة صديقه، قرر أن يسير معه على خطته ليثبت له أنه صعب الوصول إليها، فقال بابتسامة متصنعة:
-وهتعرف أزاي عنوانها
ظهر الارتباك على تعبيرات وجهه، وقال بتلعثم:
-ما هو يعني.. من الأخر بحاول أكلمها بس مش مستجابة معايا قافلة الموضوع
ربت على كتفه بقوة إلي حد ما، قال بشراسة:
-سيبك بقي من الحب ولفلفة وركز معايا في إن لازم نعرفها وننقذ حنان أكيد في خطر
ركب كلاهما نفس السيارة حتى استقرت أمام بيت قديم إلي حد ما، ترجل وليد من السيارة، تأمل البيت جيداً، وقال بتأكيد:
-هو ده البيت
ترجل حمزة هو الأخر، حرك بصره على البيت، أندفع قبله للداخل، قال دون أن ينظر له:
-يلا ندخلها
طرق حمزة الباب، انتظر حتى فتحت له الباب، قوس فمه بابتسامة على ثغره حين شاهدها، وهتف بنبرة رسمية:
-أزيك
عقت مرفقيها أمام صدها، كست ملامحها بعدم الرضا قبل أن تثور عليهما:
-أنتوا أتجننتوا أزاي تيجوا هنا
رد حمزة عليها ببساطة:
-عشان حنان
أومأت رأسها بالموافقة، لتؤكد استيعابها للموقف، على الرغم من هذا، أصدرت اعتراضها الذي اجتلي ملامحها قبل ان تنبض به بلسانها:
-ماشي بس ممكن في أي كافيه أنا ساكنة في مكان شعبي وألسنة الناس مش بترحم خصوصاً لو حاجة تخص حنان بعد اللي عمله*** طليقها
مرت دقائق قليلة، كانوا يلتفوا حول طاولة من ثلاث أفراد، كل منهما يتحدث بالذي يعرفه، حتى عثرت ياسمين على فكرة ما، قالت بحماس:
-لقيتها
قصت لهما ما جاء في ذهنها، ليتعجبا بعض الشيء، ثم يستلما للفكرة لم يوجد غيرها، نهضوا ليحضروا المطلوب
......
خرج سنان من العمارة التي يقطن بها، كاد أن يصعد سيارته مثل عادته كل يوم، لمح ظرف أبيض موضوع أسفل مساحة السيارة، خطو بعض خطوات قليلة، أمسك الظرف، فتحته بقلق يفرش تعبيرات وجهه، سعت عينيها من الصدمة حين قرأ المكتوب:
-حنان فين
طوي الورقة بغضب يعتري وجهه، ألقاها بشراسة على الأرض، نظر لليمين واليسار على أمل أن يجد أحد، المكان خالي، توجه عند البواب، سأله إذا أحد اقترب من السيارة، أكد له عدم اقتراب أحد من سيارته طوال الليل وحتى الصباح، كز على أسنانه من الغيظ، أراد أن يدمر كل شيء حوله لعل يعرف من هو الشخص الذي يبحث خلفه
صياح!!
تذمر!!
عويل!!
بكاء!!
هؤلاء ما صدر من جوهرة حين أبلغها بما قالته مرام عن تشريح الجثة، ظلت هكذا لفترة من الوقت، لا أحد يمنعها بناءً على تعليمات أصيل، ترك لها الحرية تفعل ما شاءت، أبي تدخل حد بشدة
ظهرت مرام على باب الشقة بعد ما أجرت اتصال على أصيل، استطاعت معرفة عنوان البيت، عبثت أناملها لبعضهما البعض دون توقف، وهي تتحرك للأمام، ألقت النداء على أصيل الذي لبي النداء، اقترب منها، وقال بنبرة حائرة:
-ممكن تفهميني ليه قولتِ كده من وقت ما قولت لجوهرة عياطها زاد
شعرت بغصة في حقلها، حاربت مع لسانها بعد عجزه عن النطق حتى استطاعت البوح بما في قلبها:
-سنان بيتاجر في الأعضاء واحتمال يكون خد أعضاء لو ده مش سبب الموت
حروفها هبطت على أذني جوهرة، فاقتربت على الفور منها، لم تشعر وهي تمسكها من جسدها تهزه بعنف دون رحمة، كانه تمسك سجاد تخرج منه التراب المليء بالداخل، فقالت بصدمة:
-أنتِ بتقولي إيه
اضطرت أن تكذب حتى تخرج من المصيدة اللعينة التي وضعت نفسها فيها لفترة من الوقت تحت خداع الحب، حين أفاقت أرادت تصليح كل شيء:
-مكنتش أعرف حاجة وقت ما قولت لك وكنت بعيدة عن الشغل وقت العملية معرفش تفاصيل عن موضوعك أنا في مشاكل بسبب غيابي وكنت راحه النهاردة عشان كده شكلي هنقطع عن العمل هيرفدوني
رد عليها أصيل بقسوة:
-وجاية تقولي دلوقتي كان ممكن تقولي من بدري
نظرت للأسفل بحزن، تنازعت الحروف لبعضها البعض حتى وجدت كلام مناسب، فهدرت:
-اللي حصل سنان لو عمل حاجة لازم يكون مكانوا السجن شرحي الجثة وجيبي حق باباكي
دخلت في نوبة حرب مع عقلها، هل تترك والدها يدفن في أمان أم تجلب له حقه؟ هل تستطيع المواجهة بمفردها؟ ماذا يفعل إذا علم بالموضوع؟
عشرات من الأسئلة لكل سؤال له مليون إجابة، أصبحت مشتت الانتباه حتى قطع حبال تفكيرها كلام أصيل:
-استني كده سنان ده اسمه اللي أتذكر في رسالة من رسايل اللي أتبعتت لمراتي قبل ما تتقتل
أومأت مرام رأسها بالموفقة مع حزن يتجلي ملامحها، وقالت بثقة:
-اها هو ومش بعيد يكون لي يد في قتل مراتك وابنك
نظر إلي جوهرة، فهي شعاع الأمل ليطفئ ناره، قال كلامه بألم يصدر من قلبه:
-حقهم هو اللي ممكن يلون حياتي تاني
أخرجت تنهيدة من صدرها، على الرغم من عينيها التي تهطل العبرات كمجري مائي، تفوهت بين أسنانها رغماً عنها:
-موافقة أجيب الحق
........
وقفت بسنت أمام الوقود تعد طعام الغد كعادتها كل يوم، هي تحب أن تفعله بالليل بسبب عملها طول النهار، فجأة زادت النار قضاء وقدر لتصل إلي ذراعها، فتخرج منها صرخة قوية، تجمع أهلها حولها، صياح، وعويل شطح في المكان، خرجت معهم في الخارج
صعد حمزة السلم بسرعة عندما اخترقت أذنيه صوت الصريخ، وقف أمام باب الشقة، ملامح وجهه يبزها التساؤل قبل أن ينبض لسانه:
-في إيه
أجابت عليه والدة بسنت ببكاء:
-البوتجاز هب في أيد بسنت أول مرة يعمل كده
أخرج مفتاح سيارته من جيب البنطلون، قدمه لأخيه الأكبر، وقال بتأكيد:
-خد مفتاح العربية أطلع بيها على المستشفي بسرعة
لم يتردد كثيراً، أخذ منه المفتاح، ليذهب به إلي أقرب مستشفي تستقبل حالتها، قرر أن ينتظرهم في شقته ليطمئن على حالتها الصحية، رفض أن يستسلم للنوم الذي شعر به
وبالفعل بعد فترة من الوقت، سمع صوت قرع جرس الباب، أندلف نحو الباب يفتحه بسرعة، بعد أن اطمئن على حالتها، طلب منه أن يراها لو يستطيع فعل ذلك
رحب أخيه بالأمر، دخل قبله الشقة ليعرف الجميع، وتستعد هي الأخرى، وقف أمامها بحيرة، يبحث عن الكلام المناسب منعاً أن تفهم سؤاله له غرض معين، فقال بنبرة رسمية:
-ألف سلامة عليكِ
ردت بابتسامة مرسومة على ثغرها:
-الله يسلمك
حاول فتح حوار معه ليستغرق زيارته بعض الدقائق، فهتف متسائلاً:
-روحتي مستشفي إيه أصل أنتوا متاخرتوش
حديثه أكد لها أن ليس يحدث شيء، لأبد أن تنزعه من قلبها، فأجابت عليه بألم نابع من قلبها:
-مستشفي سنان التخصصي هي اللي هتوافق
وقع الاسم عليه في مقتل، سرعان ما سيطر عليه فكرة ما، قوست ملامح وجهه بالحماس قبل أن يقول بلهفة:
-لو طلبت منك حاجة توافقي تعمليها وده خير لناس تانية
هزت رأسها لأعلى ولأسفل بالموافقة، باحت بجد:
-أكيد
خرج من الشقة التي تقطن فيها بسنت، توجه إلي شقته، أول شيء فعله، أجري اتصال على وليد، وهتف:
-الو
-في إيه
-مالك يا أبني
-واحد نايم عايز إيه دلوقتي
-في حاجة جديدة حصلت هنقدر نعرف حاجات عن سنان
-سنان مين
-ركز معايا دكتور سنان طليق حنان وكده هنعرف مكانها
-طيب خلي الموضوع لبكرة عشان أنا مش مركز دلوقتي سبني أنام أبوس أيدك
-طيب نام يا أخويا نام
....
راقب سنان نظرات الجميع من حوله قبل أن يسير في الطرية المؤدية لحجرة حنان، طرق على الباب، لم ينتظر منها السماح، دخل على الفور، اكتفي بإشارة لها، وزع بصره عليها وجدها تعتدل في جلستها، نظرتها تملأها الغضب، تعمد إلقاء نظرات البرود عليها قبل أن يهتف:
-صباح الخير
ردت عليه بضيق:
-عايز إيه مش كفاية اللي عامله فيا
حرك يده بإشارة للهدوء، وقال بتأكيد:
-أهدي عشان نعرف نكلم
لوت شفتيها باستنكار، برزت عينيها بالشر، وقالت بعدم ثقة:
-نكلم أنا أصدقك أنت بتحلم صح مين يصدق الشيطان
أقترب منها، جذب ذراعها بقوة تكاد تكسره، هتف بين أسنانها من الغيظ:
-لا يا حلوة بصي بقي أنتِ ليكِ غلاوه عندي عشان أنتِ الحاجة النظيفة اللي في حياتي مش عايز أذيكي
تأوهت من الألم، حاولت نزع ذراعها مرات عديدة، باتت محاولاتها بالفشل، فقالت بوهن:
-أنت عايز إيه
ضغط أكثر على يديها ببرود قاتم يظهر على ملامحه، حاول ينتشلها من بئر الغيبة التي غارقة فيه، وقال بسخط:
-بطلي تستعبطي يا حنان أنا عايز أعرف مين اللي جابك هنا وعايز منك إيه
هبطت العبرات من مقلتيها، الألم جعلها تفشل في الرد حتى شعر بها، فقرر حل يده عنها لتجيبه على سؤاله، ربتت على ذراعها لتخفف الألم الذي استحوذ عليها، هتفت باعتراض:
-معرفش مين أنا مشفتش حد
كز على أسنانه من الغيظ، من وجهة نظره لا تقول الحقيقة، تريد إخفاء هذا الشخص، هدر بعنف:
-بلاش تستعبطي عليا اللي جابك بيزورك كل يوم قطع شوية ورجع يزورك تاني
هنا فهمت أن الذي جاء به إلي هنا، ويزورها باستمرار هو حمزة، غرفت في بحر الأفكار حتى قطع حبال تفكيرها بقوله:
-روحتِ فين
أجابت عليه بعدم رضا:
-هروح فين أنا قاعدة أهو سنان ينوبك ثواب سبني أمشي
حفرت ملامح الشيطانية وجهه، ابتسم بمكر قبل أن يقول بشراسة:
-واللي عملته يضيع برجوعك شوية كده عشان أقدر أخد أبني
رفضت أن يأخذ أبنها منها، فصاحت عالياً:
-كله إلا أبني يا سنان مش أنت بتقول أنا الحاجة الحلوة اللي في حياتك ليه عايز تعمل فيا كده
استدار بجسده للخلف، تعمد عدم النظر عليها، قال بشغف:
-بعمل كده غصب عني عشان أبني مستعد ادوس على أي حد
....
أمسكت بسنت هاتفها المحمول في تردد لتنفذ ما اتفقت به مع حمزة، فكرت كثيراً في أخذ القرار، مهما كان قرارها، فالنتيجة واحدة حمزة ليس لها في يوم من الأيام، تذكرت قصة حنان فخفق قلبها عليها، وفي نفس الوقت أدركت أنها مهمة لديه، في النهاية حسمت أمرها، ضغطت على عدة أرقام، وهتفت:
-الو
-إيه يا بنتي اللي سمعته ده ماله دراعك
-كنتِ افتكرتِ تسألي عليا أوي
-صدقيني لسه عارفة النهاردة
-طيب عايزة منك خدمة مفيش يرك ينفع فيها وأهو تمارسي هوايتك
-هوايتي التمثيل بس إيه الحوار
-بصي في دكتور اسمه سنان صاحب مستشفي سنان التخصصي ده خابه طليقته عشان ياخد الولد
-طيب وأنا مالي
-جالك في الكلام أهو هتروحي تمثلي غليه أنك مريضة وملكيش حد مقطوعة من شجرة يمكن نقدر نوصل لحاجة
-ومش هيعمل فيا حاجة
-لا متقليش أحنا متابعين كل حاجة
-بس هتسفادي إيه وأنا كمان هستفاد إيه
-خير مش بتعملي خير البت في خطر
-وماله نعمل خير بس سبيني أممخ وأظبط عان مانلبس في الأخر
.........
كور حمزة قبضة يده اليمني، وضربها في راحتي يده الأخرى، أنفاسه سريعة من شدة التفكير، جبينه يصب عرقاً غزيراً حتى أن هدأ ووصل إلي حل الذي اتفق مع وليد عليه، فاستطاع وليد أن يجعل خط حمزة خاصاً لا يظهر أي رقم، استغل هذا، وبدأ في إرسال رسالة نصية معناها يعني الكثير:
-مكنتش أتوقع منك كده تطلع سمعه وحشة على أم أبنك عشان تاخده بس قريب هتاخده منك وهتدفع التمن
بينما عند سنان سمع صوت رنين رسالة نصية، فتح هاتفه المحمول، باغت عندما نظر إلي المرسل، فلم يجد أي رقم، رفع حاجبيه لأعلى، وهو يفتح الرسالة، زادت سرعة نبضات قلبه عن المعدل الطبيعي حين قرأ المكتوب، أدرك أنه سوف يقع قريباً على يد أحد ما، لكن من هو؟
ألقي الهاتف المحمول بقوة على الأرض، لعل أن تهدأ من روعته، لكن دون جدوى، برز الخوف يظهر في ملامحه، فقد السيطرة على حالته، فالنهاية حتماً سوف تحدث
تمت الإجراءات اللازمة لسعد حتى يعرفوا ما حدث له، سقطت جوهرة على الأرض فاقدة الوعي تماماً عندما سمعت خبر أخذ أعضاء من والدها، لقد قتل عمداً على يد شياطين
بعد فترة أفاقت وجدت حولها كلاهما أصيل ومحمد، اقترب منها محمد بوجه حزين، قال بتمني:
-ربنا يصبرك يابنتي
ثبتت بصرها عليه، كانت في أعلي قمة سحاب الغضب، هدرت بصوت عالي:
-بابا أتقتل.. قتلوه المجرمين
اكتفي أصيل بذكر اسم واحد:
-سنان هو المجرم الحقيقي لازم يموت
هزت رأسها بالنفي قبل أن تقول:
-لا قصدك يتقتل وأنا اللي هقتله بأيدي
يعلم أصيل أنها مندفعة من أثر الصدمة، تركها تبوح بالكلمات التي يراها ترهات بعد أن أدرك الأمور على حقيقتها، انتظر يسمع منها حتى انتهت، وقال متسائلا:
-خلصتِ
فشلت في تفسير أقواله، حملقت به بنظرات تعجب، وقال بعدم فعم:
-قصدك إيه مش فاهمة
مط شفتيه للأمام، أغلق عينيه ليغلق خانة من خانات الذكريات، حتى يقل الحزن المرسوم على تعبيراته، قال بتأكيد:
-أصل حصلي الحالة بتاعتك دي وكنت هموت فيها اندفعت بالكلام كتير أوي لازم نهدأ ونفكر هنعمل أحنا طريقنا واحد
اعترض محمد على حديثه، وقال بقسوة:
-لا أنا مش هسيبك ترمي نفسك في النار وأتفرج عليك في قانون عرف وهيجبلك حقك
ربت على صدره، كست ملامح وجهها بالرجاء، لمعت أهدابه بالعبرات التي لحق يجففها بسرعة حتى لا يراها، هتف بوهن:
-احتمال ضعيف عشان خاطري سبني أجيب حقهم يمكن أرتاح أنا مصدقت أنك بدأت تكلمني تاني بلاش نعمل فجوة ما بينا
وجه حديثه إلي جوهرة، رسم شعاع الأمل على ملامحه، وقال بحماس:
-تعالي نحط أيدي في أيدك ونجيب حقهم حق المظلوم أنا عارف هنبدأ من عند مين
سألته بلهفة:
-مين
أجابه عليه بثقة:
-من دكتور اسمه علي البارودي
ظل يتحدث، كل حرف يتقوه به يدخل في أعماق ذاكرتها، لكي تفعل ما تريد دون إذن أحد
........
عاد سنان إلي البيت، ترجل من السيارة رافع عينيه إلي العمارة التي يقطن بها، لديه الكثير من المال والنعم الكثيرة لكنه حرم من الحب بمن يرغبهم، حقاً لا تعطي الحياة كل شيء، في حين جاءت له الفرصة على طبق من ذهب لم يتردد، ليحصل على الحب
دس يده في جيب سترته أخرج هاتفه المحمول، ثم بدأ في الرنين المتواصل، وهتف:
-الو
-معقول بتكلمني خير
-أنا في مصايب كتيرة
-أزاي
قص له قصة حنان، والرسائل التي يراها، وعلمه بخبر ما فعلته جوهرة من رفع قضية عليه، فرد عليه علي البارودي
-لا أحنا متفقناش على كده
-أعمل إيه اللي حصل
-نخلص من واحدة من المصيبة دي طلع طليقتك
-طيب وأي شغل تاني هنعمل في إيه
-في إيه يا سنان لازم توقف كل حاجة أنا شريكك من الباطن بس لو أتقفشت رجلي هتيجي هتيجي غصب عن الكل أهدأ إيه مشبعتش فلوس
-لا بقيت طماع بفضلك
-مغصبتكش على أسدك ولولاي مكنتش تبقي صاحب مستشفي وكنت قدرت أوصل للبت الدكتورة اللي عرفت كل حاجة وخلصت عليها هي وأبنها أهدأ وبطل لوش
أغلق الهاتف المحمول دون كلمة، لوح يده في عدم رضا، وعاد يصعد سيارته مرة أخرى، حرك المقود، وقادها حتى وصل إلي المستشفي مرة أخرى، حفر الغضب ملامحه، أصبح أناني لا يهم إلا نفسه، لذلك حدث نفسه:
-وأخرتها يا زمن عشت محروم كتير ويوم لما يبقي معايا فلوس وواصل أقع
عدل ملابسه مستعد للدخول، عند اقترابه من الباب لمس جيب البنطلون من الخارج تأكد من وجود بعض المال، ولج الحجرة التي بها حنان، وهتف:
-حنان
فرش وجهها بالعبوس، وأيضاً التعجب من مجيئه في هذا الوقت قائلة بصدمة:
-أنت إيه اللي جابك
جذبها من ذراعها قائلاً بقسوة ممزوجة بأمر:
-هطلعك بس مش عايز أشوف وشك تاني ومتقوليش أبني عندك المحكمة أعملي فيها اللي أنتِ عايزاه كده كده أنتِ محبوسة مس مستفادة حاجة
حقاً معه حق، بعدت عنه ببطء عندما حل يده بعيد عنها، عيناها مليئة بالقلق، منتظراه أن يستكمل باقي المفاجأة، وبالفعل ما تفكر فيه كان في محله، سعت عينيها بالصدمة فاغرة فمها عندما شاهدت المال يخرجه من جيب البنطلون، وقال بنبرة رسمية:
-خدي دول
لا تريد المال، ما تتمني غير أبنها، لذلك قالت برجاء ظاهر على ملامح وجهها:
-عشان خاطري هاتلي أبني
نفذ صبره، ألقي المال بجوارها، وقال بنبرة أمر:
-يلا أجهزي وسبهولي الأيام دي شكلك أنتِ اللي هتربيه لوحدك
رفت عينيها بعد استيعاب الذي جلي يسيطر على كيانها، وقالت بعدم فهم:
-قصدك إيه
استدار بجسده للخلف، دس يديه في جيب البنطلون، رمقها بنظرات جانبية قبل أن يتفوه:
-أجهزي هوصلك لأي مكان أنتِ عايزاه
.......
وقفت ياسمين أمام المرآة ممسكة فرشاة الشعر تمشطه برفق، اضطربت نبضات قلبها فجأة بعد ما سمعت صوت صريخ، وصياح من خارج الحجرة، فزت راكضة تفتح الباب بسرعة الرياح لكي تفهم ما يحدث، رفت عينيها بعدم استيعاب عندما رأت حنان تبكي بين يدي الناس، جسمها يوجد به بعض الكسور، لكن لا يهم هذا بل مجيئه هنا في تلك الساعة زاد من اندهاشها لذلك قالت باندهاش:
-حنان
استطاعت أن تملصهم من بين يديهم قائلة بصراخ:
-في إيه مش شايفينها متكسرة أزاي
أكدت المعلومة بقولها:
-والله ده اللي حصل وطليقي اللي جابني هنا
بعد مناوشات عديدة، نجحت حنان في تأكيد المعلومات والإجابة على كل الأسئلة، اقتنع البعض، ورفض البعض الأخر، لكن لاتفاق كان خروجها من المنطقة في الغد، دخلت مع جارتها حجرتها، وجلست على الأريكة، رفعت عينيها عليها بنظرات ثابتة يسكوها خيبة الأمل، ظل صامت اكتفت بالنظر عليها، بينما قالت بسنت متسائلة:
-إيه اللي حصل بالظبط
أمسكت ساقيها بألم، قصت لها ما حدث مما زاد تعجب بسنت بل صدمة، فقد عرفت بموضوع تجارته للأعضاء، ضربت صدرها بيدها قبل أن تصرخ:
-يا لهوي ده كده حمزة هيدخل في دايره سوده
اسمه كافي أن يزلزل قلبها، ارتعد من مكانه، واضطرب بشدة، تريد الاطمئنان، سألت وبدون تفكير:
-ماله حمزة
قصت لها ما حدث معها الأول، وذهابها إلي حمزة، والخطة التي أتفق عليها بإرسال رسائل ليجن عقله
وقفت حنان كالتمثال أمامها لم تتوقع أن يفعل حمزة هذا بدون تردد، كانت في دنيا أخرى لم تشعر بالواقع غير على صوت النداء عليه فقالت بصدمة:
-بتقولي إيه
جلست على الأريكة بجوارها، أرخت ظهرها بارتياح، ووضعت ساقاً على الآخر، ثم ردت عليها بتأكيد:
-بقولك كان هيتجنن عليكِ شكله بيحبك
وكزتها في كتفه قائلة برجاء:
-لا بلاش تقولي كده إيه اللي يخلي واحد زى حمزة يحبني
هزت رأسها بالنفي، بدأ استرسال لها قلقه عليها حتى تعمقت الفكرة في رأسه، وبدأ في تنفيذها، في حين انتهت قالت:
-ده كل اللي حصل ولسه مش متأكدة وبتشكي
عوجت شفتيها لليمين واليسار، دائماً تضغط عليها الدنيا دون رحمة، لذلك قالت:
-وأشمعنا الدنيا هتضحكلي دلوقتي مصدقش
نهضت من مكانها باندفاع، ثبتت بصره على نقطة ما، وقالت بحماس:
-طيب بصي أنا هخليكي تشوفي بعينك بكرة نروح ونخليه يتفاجئ بيكِ أبقي ركزي في عينيه مش بيقوله عنوان الحب العنين
حكت وجنتيها بأناملها، ويبدو على ملامح وجهها الحيرة، والقلق معاً، إذا كان حقيقي، ماذا يحدث لأبنها؟ فهي أم مشاعرها اتجاهها نحو ابنها لا تتوقف، فقالت:
-طيب وأبني بصي أنا عايزة أبني مش مهم أي حاجة غيره
هزت رأسها بالنفي قائلة باعتراض:
-مستحيل حمزة يسسيبك أنا متأكدة
وكزتها في صدرها بسبب الجراءة التي أصبحت فيه، أرادت أن تجعلها تعي ما يحدث حولها بالضبط، فتفوهت:
-بقولك إيه سيبك من الكلام ده أنا كل اللي شاغلني دلوقتي ألاقي مكان وأجيب أبني
دار حديثها في عقلها حتى استوعبته جيداً، أدركت أنها محقة لابد أن تتخذ قرارها دون رجوع إليها، وكان من يعاونها على ذلك وليد
..........
ألقت بسنت الهاتف المحمول على الفراش بعد أن قرأت أحد الرسائل عبر أحد وسائل التواصل الاجتماعي ما يدعي بالواتساب التي استطاعت أن تعكر مزاجها حين علمت بذهاب صديقتها إلي المستشفي، ولم يهتم أحد لأمرها، فشلت في الإيصال لطرف خيط
نهضت باندفاع عن الفراش عندما صوت والدتها تخبرها بتجهيز طعام، جلست على مائدة الطعام، حركت عينيه على والدتها وهي تسند الطعام على المائدة، ثم عادت خصلة شعرها للخلف، وهي تتأمل الطعام، لم ينال إعجابها خاصة بعد أن فسدت الخطة التي جاءت لها على طبق من ذهب، لكي تقربها أكثر من حمزة، ويستطيع أن يشعر بها، لكن خبر صديقتها دمر كل شيء، أشاحت وجهها للاتجاه الآخر قائلة:
-أنا مش هأكل مليش نفس
أسندت والدتها أخر طبق كان بيدها، ظلت تتأملها برفق حتى لاحظت تغير جذري في ملامح وجهها راجع لسبب ما استطاعت أن تتعرف عليه بحكم العشرة لذلك قالت بتأكيد:
-الشكل ده أنا عرفاه شفته كتير أكيد حاجة تخص حبيب القلب يا بنت قولت لك بلاش منه أنتِ مش في دماغه
نفخت من الضيق لا ترحب أن تذكر ما عرفته للتو من صديقتها، على الرغم من رغبتها الواضحة في الحديث لكن ليس عليها سوي التحدث حتى لا ينكشف الأمر فتفوهت:
-شكل في حد في دماغه يا ماما
خطت خطوتين للأمام بالقرب منها، ربتت على كتفها برفق قائلة بابتسامة:
-ولا تزعلِ نفسك بكرة يجيلك اللي بتحلمي بيه عارفة اللي عجبك في حمزة أنك شفتي شقاه وحرمانه عشان يوصل للي هو في لكن الحب ربنا بيجعله ينبت في القلوب مع بعض تبقوا انتوا الاتنين بتحسوا بعض وفاهمين بعض أحسن من ما نجري وراء واحد أحنا مش في دماغه صلي وأدعي ربنا يرزقك بالأحسن
كأن ربنا فعل ذلك لتسمع تلك الكلمات، وتؤمن بها، هزت رأسها لأعلى ولأسفل بالموافقة على الحديث بعد أن علت ملامح وجهها بالفرحة على حديث والدتها، فقد اقتنعت بيه كثيراً فقالت:
-أقنعتيني كده أنا هأكل مش عارفة من غيرك كنت هعمل إيه فتحتي نفسي على الأكل
علت ضحكاتها، وضربت كفاً على الأخر بسبب ما سمعته من حديثها، ثم قالت بثقة:
-والله يا بخت اللي هتبقي من نصيبه
حاولت استعطافها بنبرة صوتها المدللة لترجوها تقبل بما تطلبه:
-ممكن أروح أقول حمزة حاجة كان طالب مني حاجة ومعرفتش أعملها كل حاجة قبل ما يروح شغله بس ألحقه ولما أرجع هحكيلك
خرجت من الشقة مهرولة له، قرعت جرس الباب، فور ما فتح الباب، سردت لحمزة ما أخبرته صديقتها، مما أدي إلي تحول وجهه للعبوس، والضيق، اكتفي بشكرها غارقاً في متاهة من جديد
......
كانت بوادر الانتقام على وشك التنفيذ حين استقرت سيارة أمام أحد البيوت الشبه متهالكة، لقد فعلت أكثر مما ينبغي، سوف تدفع الثمن رغماً عنها
ترجل من السيارة بشموخ، دلف البناية بخطوات حذرة حتى وصل إلي الطابق التي تسكن فيه جوهرة، قرع جرس الباب منتظراً أحد ما يفتح له الباب، حين فتح الباب، قال بغطرسة:
-أنا الشيطان
لم تطيل دهشتها، وصمتها، أخرج زجاجة بها بعض المواد المخدرة، فسقطت على الأرض مغشياً عليها، دخل إلي الشقة، جرها بسرعة، وأغلق الباب على الفور ليكمل جريمته
وزع سنان بصره على جميع الاتجاهات، علق عينيه على هاتف المحمول الخاص بجوهرة، تحرك بسرعة يغلقه على الفور، دس سده في جيب سترته، أخرج هاتفه المحمول، بدأ في الرنين المتواصل على أحد الأشخاص، وهتف:
-الو
-تحت أمرك يا دكتور
-راقب الدنيا قبل ما تطلع أنت والرجالة
-ماشي يا دكتور
-أنجز قبل ما تفوق وجيب الحاجات اللي هنحتاجها معاك
-في الإنجاز يا دكتور سلام
سمع صوت طرق على الباب، نظر من العين السحرية الموضوعة على الباب ليتأكد من الطارق، يليه فتح الباب، أشار لهم أن يحضروها، تم قيدها بالحبال، ولأزقة على فمها، حين انتهوا من كل شيء، قال أحداهما:
-كده تمام بس هنخرج بيها أزاي أحنا في عز النهار
ابتسم بمكر قبل أن يرد:
-كل حاجة مجهزها اتنين هيبقوا معايا والباقي هينزل تحت وتمثلوا خناقة عايزها تولع عشان الحارة كلها تتلم عليكوا والاتنين اللي معايا هيخدوها في العربية بتاعتي وأنا اول ما أطلع بالعربية بعيد تلموا أنتوا ليلة
تحمس الجميع للفكرة، سرعان ما تنفذ كل حرف ليأخذها إلي شقته القديمة التي لا يعرف عنها أحد
.......
في الصباح الباكر ظلت حنان على أعصابها، عبثت أناملها بتوتر شديد يكسوها من الداخل والخارج، من الحين للآخر تجز على أسنانها تخرج التوتر، والقلق المستحوذ عليها، أرخت قليلاً عندما اخترقت أذنيها صوت ياسمين تقول:
-وبعدين معاكي هتفضلي كده كتير
صمتت لبرهة، ثم اختصرت الكلام
-قلقانه من كل حاجة مش عارفة شكل حياتي هيبقي أزاي منك لله يا سنان أنت السبب
تمتمت وهي ترحل لحجرتها غابت دقائق، وعادت بجوارها مرة أخرى بابتسامة على شفتيها، جلست بجوارها قبل أن تهتف:
-إن شاء الله كل حاجة هتتحل تفائلي خير
لم يعجبها الحديث، أجابت عليها باعتراض:
-أزاي بس دي كل حاجة بايظة حواليا
ظلت مناوشات بينهما يكسوها التفاؤل اتجاه ياسمين، والتشاؤم من اتجاه حنان، حتى قطع المناوشة صوت قرع جرس الباب، أشارت لها بالدخول خلف الستارة حتى لا يشاهدها أحد وعاونتها على ذلك، ابتسمت بنصر عندما رأت كلاهما وليد وحمزة، فسحت الباب على مرصعيه لكي يدخلان للداخل، غمزت بعينيها إلي وليد حتى يفهم معني الحديث، فقالت بقلق:
-والعمل إيه يا جماعة هنسيب حنان كده
أخرج حمزة تنهيدة من صدره، وقال بأسي:
-كل حاجة بتبوظ موضوع الرسايل مش مضمون
كور قبضة يده حتى يقلل غضبه الذي برز في كيانه كله، ثم أضاف قائلاً:
-أنا مش عارف أعمل إيه أول ما وليد كلمني وقالي في حاجة عندك مضمونة توصلنا ليها جيت علطول
شبكت يديها لبعضهما البعض، وأصدرت صوت فرقعة خفيفة، ليرسم وجهها بكتلة من البرود قبل أن تنبض بالتساؤل:
-طيب ممكن سؤال ليه بتساعد حنان
ألجمها السؤال لسانه، لا يعرف كيف يجيب عليها اكتفي بأول كلمات على ذهنه:
-عشان أبنها عارف هي بتحبه قد إيه
مطت شفتيها بضيق، وقالت بحسرة:
-طيب ثانية واحدة وجاية
دخلت الحجرة التي بها حنان، وقالت بحزن مخفي:
-خلاص تعالي أطلعي بره
هزت رأسها بالنفي، فقد سمعت صوته بالخارج قائلة:
-لا مش هطلع إيه اللي جابه
صممت أن تخرجها معها لكي يطمئن عليها، علقت عينيها عليه الذي قابلها النظرات الثابتة عليها، لم يصدق ما تراع عينيها، وقف الزمن عنده عيناه تمتلئ بالشغف الذي فقده في بعده عنها، اكتفي بذكر اسمها
-حنان
نطقه لاسمها أوقف الزمن عندها لفترة من الوقت، ظلت العيون تتحدث حتى اقترب منها قائلاً:
-إيه اللي حصل أنا ناقلتك للمستشفي وقالوا أنك في غيبوبة
اضطرت أن تحكي له كل شيء حتى تجارة الأعضاء، وكانت أخر كلمات قالتها:
-لو عايز تساعدني عايزة أرجع أبني
أومأ رأسه بالموافقة على حديثها، وقال بنبرة وعد:
-أوعدك في أقرب وقت أبنك هيبقي في حضنك بس لازم نعرف كل خفاياه اللي تعرفيها
.....
في الصباح المشرق استيقظ أصيل، وقلبه يصيبه بالقلق، لقد تلاشي أن يتصل عليها أمس اكتفي بإرسال رسالة نصية، خرج من الحجرة مر أمام الحجرة الخاصة بابنه، وقف لبضع لحظات يتذكره، ولج للمرحاض باندفاع فتح صنبور المياه، غطس رأسه تحت رزاز المياه، اكتفي بلف منشفة حول خصره
نظر إلي عقارب الساعة المعلقة على الحائط، مازال الوقت مبكراً، تصرف بتلقائية لم يعي حساب لشيء، شعر بحرارة الجو كاد أن يدخل الشرفة لكنه تذكر أنه دون ملابس ركض إلي حجرته أخذ بنطلون سريعاً وارتداه في عجله بالإضافة إلي أخذ هاتفه المحمول لكي يتصل على جوهرة حتى يتفقان على ما يفعلاه اليوم، وقف في الشرفة بجزعه العلوي عاري الصدر، ضغط على عدة أرقام وكاد أن يضغط على زر الاتصال لكنه تراجع حين تذكر حديثه معها على شعرها، فهو نفس الموقف لا يصح أن يشاهده بجزعه العلوي، ابتسم رغماً عنه لقد افتقد منها تلقين الدروس التي استطاعت أن تتعمق من خلالها في قلبه دون قصد، كمل اتصاله لتذكره أنه يعيش في قصر، والمكان خالي من أي وجود نساء
لم يجد أي رد منها لديها الحق أن تحزن، لم يسأل عليها اكتفي بإرسال رسالة، ولم يتصل بها أمس، انشغل في عمله
عاد الاتصال مرات كثيرة لكن دون جدوى، الاتصال ينتهي دون رد، بعثر القلق والخوف داخل أعماق قلبه، سارع في خطواته ليرتدي، ويذهب عندها
بعد فترة قصيرة من الوقت، كان يقف أمام شقتها، ألجمت المفاجأة لسانه، باتت الكلمات تخرج منها بصعوبة بالغة، وقف لبرهة ينظر إلي الباب المفتوح، جمع شتات نفسه محدثاً نفسه:
-أزاي الباب مفتوح
قرر الدخول داخل الشقة، لم يجد أحد، عينيه جابت هاتفه المحمول، لم ينتظر المزيد، أتصل على مرام لتأتي تقابله في أحد الأماكن
جلسا في أحد المقاهي، فركت مرام يديها من التوتر الشديد، التزمت الصمت لفترة حتى قالت:
-أنت كنت عايزني في موضوع
أومأ رأسه بتأكيد قائلاً بثقة:
-آآه أنا بتصل على جوهرة مش بترد
لعب بأعصابها كثر حين أردف قائلاً:
-وروحت بيتها لقيا الباب مفتوح وملهاش أثر
احتقنت عينيها بالغضب مع فرش وجهها بملامح الصدمة، فكانت وجنتيها كتلة حمراء، تفوهت وعينيها متسعة من ما قاله، غرقت أن تبوح بما لا يعرفه أم تصمت، فهي أخذت القرار بالموافقة على تلك التجارة، ولا يجوز الندم بعد فوات الأوان فقالت بأعتراض:
-مستحيل اللي أنت بتقوله
هز رأسه بالنفي، وتفوه:
-لا حقيقة وأنا مش عارف أعمل إيه لقيت نفسي بفك فيكِ أنا خايف من حاجة معينة إن سنان يكون وراء كل حاجة
شبكت يديها لبعضها البعض قائلة بتأكيد بعد ما كست ملامح وجهها بالحزن والصدمة:
-أنت صح
رده عليها جعلها تصمت فلم تجد كلمات تبوح به، حقاً هو محق لفعلته وحديثه، هي المذنبة وليست ضحية:
-يبقي تساعديني حق أختك اللي هتجبهولنا جوهرة البداية من عندها مش ده اللي أحنا عايزينه
عضت على شفتيها السفلي تحاول كتمان عبراتها حتى لا تظهر له مرة أخرى، وقالت بصراخ:
-لا أنت فاهم غلط
اقترب منها رويداً رويدا، صفحت أنفاسه وجهها، وهدر بعنف:
-فاهم غلط
بلعت ريقها بتوتر قبل أن تبوح:
-هحكيلك كل حاجة بس والله مكنتش أعرف أي حاجة من اللي حصلت مع أختي وجوهرة
...........
بعد فترة من الوقت، نظرت مرام إلي المال الموضوع في ظرف، تلك الفلوس أدت إلي بيع أختها، أصبح البيع بكل سهولة بسبب جلب المال، كرهت نفسها في تلك اللحظة، لم تشعر بنفسها غير وهي تلقي المال على الأرض باندفاع، ثم خفت وجهها بين راحتي يديها هاربة في بحر دموع لم تعي بالواقع إلا على صوت أصيل يقول:
-حد يرمي النعمة كده مش ده كان مقابل اللي عملتيه عشان تنقذي حبيب القلب وأختك تدفع التمن
هزت رأسها بحركة دائرية بنفي تام قائلة:
-مش عايزة الفلوس دي عدو الإنسان عمرها ما كانت نعمة صدقني
لعب معها بطريقتها، وكزها بخفه في صدرها قائلاً بعدم رضا:
-الفلوس دي اللي فضلتيه عشان منعرفش الحقيقة
صاحت فيه عالياً:
-قولي عايز إيه بدل ما أنت بتقتلني بكلامك
ابتسم بسخرية قبل أن يقول:
-هيكون إيه نقطة ضعفه
أومأت رأسها بالموافقة باستسلام، ليس في يدها شيء غير هذا، ردت عليه ببكاء:
-طليقته وابنه
حرك مقود السيارة، ليصل إلي مكانهما، هنا فهمت سر إصراره أنها يذهب إلي طليقته، ظنت أنه يفعل فيها شيء سيء، لكنها كانت حمقاء، من الصعب أن يفعل ذلك دون استفادة، فقالت:
-أنت عايز إيه من طليقته
مسح على رأسه قائلاً:
-كبري دماغك منى عقبال ما نوصل أنا لازم أوصل لجوهرة دي في خطر وبسببك
تأففت من الضيق، تعرف طباعه جيداً الكلام ليس له فائدة معه مقتنع بشيء لا يجوز تغيره مهما يكن، استسلمت له في النهاية، أرادت توضيح فعلتها قائلة:
-يوه أنت مصمم ليه إن أعرف اللي كان هيحصل لجوهرة أنا كان أخري هياخد أعضاء من أبوها ولما قولت لك خليها تبلغ عشان كنت فوقت
ضرب كفاً على الآخر، لم يعجبه حديثها هو يعتقد أنها لا تفكر غير في المال، بينما هي تفكر في تصليح كل شي، وهتف:
-يا بنت*** أخرسي عقبال ما نوصل
استقرت السيارة أمام بيت حنان، باغت حين رأي جميع الحارة يقفون أمام البيت، يهتفون بكلام يهين حنان، رمقها بنظرات غير راضية، قائلا بحدة:
-أنتِ سبب كمان في تهمة البنت ما أنتِ كده مرقباها وعارفة عنها كل حاجة
أوقف وليد السيارة بجوار أحد الجدران القريبة من بيت حنان، نظر من النافذة، جاب مقلتيه سيارة أصيل، والناس الملتفة حول بيت حنان، ظن أن يكون سنان، فك الحزام عن جسده، وهو يقول موجه حديثه إلي حمزة الذي يجلس بجواره:
-هو في إيه معقولة يكون سنان
جز على أسنانه من الغيظ مع احتقان مقلتي عينيه بالسواد، وهدر بعنف:
-معقول جاي هنا كل برود ده عايز يتحرق
سكت للحظة بعد أن تعمقت فكرة ما داخل قلبه، ثم أضاف:
-استني كده أنا هنزل أخليه يشوفني وأنت تصور رد فعله لو عمل حاجة محضر علطول
رفت عينيه بعدم استيعاب حين تحدث، يعلم أنه يفكر ينقذها، غرق في العديد من الأفكار، لكي يجد الحل المناسب، ثم عاد إلي ذهنه عندما سمع صوته، فقال:
ها
أخرج نفس عميق من صدره، وعاد كلامه مرة أخرى بضيق:
-بقولك أنا هنزل أخليه يشوفني وأنت تصور رد فعله لو عمل حاجة محضر علطول
هز رأسه بالنفي قبل أن يرد باعتراض:
-مينفعش لازم يتقبض عليه بتهمة تجارة الأعضاء
اندفع يهبط من السيارة دون مقدمات، فقد سيطر فكرة فقدها، أو شيء سيء يحدث لها في عقله، فقال مهرولا:
-لا انا مش هستني إن يحصلها حاجة
أمسكه من ذراعه حين رأي شخصان يهبطا من السيارة التي شاهدها قائلاً:
-بص في اتنين شاب وبنت منعرفهمش نزلوا داخلين البيت
لم يكتفي بإلقاء كلمات عليه أكثر، ترجل من السيارة بوجه يملأها الحيرة، وهتف:
-أنا هشوف في إيه أنت حر دي حنان يا وليد
رحل على الفور رغم النداء التي ألقاه عليه، لا ينكر أنه على حق، يعلم أنه يفعل ما يريد شاء أم أبت، اضطر يسير خلفه كالبهاء حتى وقف أمام الرجل ملقي عليه سؤالاً:
-أنت مين وعايز إيه
رد عليه أصيل ببرود:
-وأنت مالك شيء مش يخصك
توقف الحوار بينهما، ثبت بصرهما على حنان التي يجرها نساء المنطقة لتخرج، على الرغم من توسلات ياسمين لهم، اقترب وليد منهما يحاول تهدئة الأمور، اخترقت أذنيه صوت رجل يقول:
-وأنت مين أنت كمان هي المنطقة ملهاش كبير
أصدر ضحكات عالية متتالية يرمقها الاستهزاء من حديثه، وقال بعدم تصديق:
-أنت متعرفش أنا خطيب مدام ياسمين وجاي أشوف محتاجة حاجة أو لا وهمشي علطول عشان عارف الأصول حتى أسالها هي عندك
شعرت بغصة تقف في حلقها، حاولت بلعها ليطلق لسانها الكلام من أثر المفاجأة، قرر دون إذن منها، فأومأت رأسها بتأكيد، ثم رددت بتلعثم:
-ااا.. اها حقيقة
كمل الرجل كلامه بغلظة:
-يبقي الست الشريفة حنان تخرج بره المنطقة الله أعلم كانت فين
حاولت حنان رد بين دموعها لتصيح بهم:
-والله كنت في المستشفي عند طليقي بس هو عمل كده عشان أبني أنتوا ليه مش عايزين تصدقوني
ظلت تتحدث لا احد يهتم سوي أصيل الذي حفر كلامها عقله، أراد تفسير كلامها، وقف كالتمثال حتى انتهت المعركة بسيرها مع حمزة ليحدثا على طريقة تعاونها في الخروج من المأزق، فقال بلهفة:
-أنتِ طليقة دكتور سنان
رمته بنظرات خوف، حملقت فيه جيداً لكي تتعرف عليه، باتت كل محاولاتها بالفشل، هتفت بوهن:
-أنت مين وعايز إيه
رد عليها بنبرة مميتة:
-أنا ضحية من ضحاياه ممكن نكلم
هز حمزة رأسه بالنفي، حملقت به بتحدي، يعلن مراوغته قائلاً بتحدي:
-لا مش هتكلم معاك أحنا نعرفك
ربت على صدره برجاء، ملامح وجهه تعتريه القلق والخوف، فيظهر في نبرته أكثر:
-في ناس في خطر دلوقتي كل ثانية بتمر عليهم الخطر بيزيد
...........
أصبح المستور مكشوف، كل كلمة تتفوه بالدليل، تؤكده كلتاهما حنان ومرام بما تعرفه، عقد حمزة مرفقيه أمام صدره، رماه بنظرات شك قبل أن يتفوه:
-طيب حنان كده هتدخل في مشاكل ومش هتستفاد حاجة
شبك أصيل يديه، أسندهما على الطاولة معلق عينيه عليه بتحدي قائلاً:
-هتلاقي شقة تبات فيها شقة جدي وهجيبوا يبات معايا وتقدر تغير الكالون بتاع الشقة عشان تطمن غير أبنها اللي هيعيش معاها طول العمر لما نخلص وجوهرة هترجع المصلحة للكل اللي يعرف حاجة يقولها بس أنا عايز أوصل لجوهرة قبل ما يعمل فيها حاجة
الأمل تولد داخلها، هتفت على الفور دون تفكير في العواقب، فعاطفة الأمومة هي التي تحركها:
-أنا موافقة على أي حاجة تجبلي أبني من فضلك يا حمزة ده أبني وخليك أنت بعيد عشان مش تتأذي
شعر أنه تختفي من حياته، رفض تخيل هذا، هز رأسه بنفي قائلاً بسرعة:
-مستحيل أسيبك أنا هفضل جنبك
تدخلت مرام في الحديث قائلة:
-طيب تعرفي أي مكان ممكن تكون في جوهرة أشك إن يوديها المستشفي مش دماغة أنتِ عشان كنتِ هناك
سبحت في بحر الأفكار، حتى تذكرت شيء هام، رفعت أصبع سبابتها لأعلى مع ابتسامة عارمة اعتلت ثغرها، وقالت بحماس:
-لقيتها شقته القديمة هقولك على عنوانها ومكان بيحط في المفتاح عشان مفتاح الشقة مش بيكون معاه
نهض بحماس من مكانه، جمع متعلقاته من الطاولة، وهتف:
-يلا بسرعة مفيش وقت
.......
في أحد الحجرات، كانت تجلس جوهرة مقيدة على الأرض، لأزقة على فمها تمنع وصول أنينها للجيران، وجهها أصفر اللون من قلة الأكل والشرب، سمعت صوت فتح الباب ظنت أن يكون الشيطان أتي ليفعل بها ما يشاء، خطوات شخص يبحث في جميع الغرف، رفت عينيها بعدم استيعاب مع خوف برز معالم وجهها، ظهر أمامها فجأة، فانتشالها من عالمها إلي عالمه لتهف بوهن:
-أصيل
اقترب منها بسرعة دون أن يتفوه بكلمة، تأمل ملامحه ليطمئن أنها بخير، لكن ملامحه أثبتت عكس ذلك، فقال وهو يحل الحبال:
-أنتِ كويسة
حركت يدها بعد حل الحبال عن يدها، نزعت لأزقة عن فمها، حملقت عينيها عليه تسأله قبل لسانها، وقالت:
-كويسة بس أنت إيه اللي جابك هنا
أراد أن يوبخها على حديثها، تسأله لماذا أتي إلي هنا؟ رد عليها بغيظ:
-أنتِ مجنونة يعني إيه اللي جابني هنا هسيبك يا جوهرة يلا قومي
كاد أن يسيرا، لكن جاء العقبة الذي يعرقل طريقهم، طل بعينيه بغضب عليهما قبل أن يتفوه ببرود:
-على فين لسه بدري
على الرغم من الخوف الذي سيطر على جوهرة، إلا أن وقف أصيل كالتمثال من الصدمة، حتى استطاع جمع شتات نفسه، وقال بتحدي:
-لا يدوب الوقت نمشي
أخرج المسدس من ظهره، هز رأسه بالنفي، وقال باعتراض:
- لا لازم تضايف بس أقدم لك إيه تشربه إيه اللي يليق بالمظلم
رد عليه بغطرسة:
-أكيد مش اللي هيناسب الشيطان
أومأ رأسه بالموافقة، لعب بالحروف التي يلقيها لكي يظهر الغضب على مقلتيه:
-اها صح أنا الشيطان اللي بعت ناس تقتل مراتك وابنك عشان مراتك عرفت كل حاجة
شاهد الغضب يملأ مقلتيه بالفعل، فأضاف أكثر:
-مش بس كده لا لعبت على أختها ومثلت الحب عشان متقولش حاجة ومسكت عليها حاجات توديها في ستين داهية عشان أكمل شغل
بر
لم يستطيع استكمال جملته، طلقة جاءت في ظهره، ترنح جسده، استدار للخلف ببطء، وجد مرام العبرات تنساب من مقلتيها، والقهر يظهر في وجهها، باغت برصاصة أخرى في صدره، ابتسم وضغط على زناد مسدسه موجه رصاصه على قلبها قائلاً:
-لازم تبقي دي النهاية يا مرام
صراخ وعويل أصدرا من جوهرة، بينما ركض أصيل عند مرام، انحني بجسده، صاح فيها عالياً:
-مش قولت لك متدخليش ورايا خليكوا معاهم بره ليه تضيعي نفسك
تأوهت من الألم، وقالت بصوت متقطع:
-عش .. عشان يستاهل القتل ده.. ده قتلنا كلنا.. و.. وأنا سكت بس والله مكنتش أعرف أنها أختي ضحك عليا
صعدت الأرواح للرب، ليحاسب كل منهما، ويصبح عقابهما في الآخرة، أتقتل أرواح كثيرة لجلب المال، فأي رحمة يجدوها في الدنيا، ما يستحقا غير عذاب الآخرة
........
مرت فترة طويلة، أصبحت حنان المسئولة عن ميراث أبنها الذي ورثه عن والده، عاشت في بيت الذي كانت تسكن فيه مع سنان، باغتت بوجود وصية عند المحامي، كتب له بعض من المال لتصبح المسئولة عن نفسها، رفضت تلك الفلوس، فشلت في بيع الأملاك لأنها تخص أبنها، ليس لها حق البيع، أكتفت بالعمل عند حمزة، وإيجار شقة صغيرة تسكن فيها
حمل حمزة مجموعة من لعب الأطفال، وقف أسفل البناية التي أجرت حنان فيها شقة، فور ما شاهده يحيي ركض إليه سريعاً، هتف بلهفة:
بابا حمزة بابا حمزة
حمله بسعادة، رتب على ظهره قائلاً:
-حبيب بابا
ظهرت حنان بابتسامة تفرش ثغرها، وقالت بمرح:
-يا بختك يا يحيي بتلاقي حد يعبرك لكن أحنا لا
هبط يحيي عن جسده ، قدم له لعب ليري فرحته، ثم أخرج علبه قطيفة من اللون الأحمر، وقال بتمني:
-أتمني الهدية دي تعجبك عايز أروح فرح وليد وياسمين وأحنا مخطوبين
هزت كتفيها لأعلى لتخفي الحمرة التي لونت وجهها، أشارت على أبنها قائلة:
-راجل بتاعي هو اللي يوافق
انحني بجسده ليصل إلي مستواه، وقال بابتسامة:
-توافق نعيش كلنا سوي
قفز يحيي على الأرض ليدل على فرحته، وموافقته لهذا العرض قائلاً:
-هه هه هه
.....
أخرج أصيل قميص باللون الأبيض، وبنطلون من نفس اللون، بدل ملابسه ليجد جده يقف على الباب بفرحة تطل من عينيه، قال بعدم تصديق:
-مش قادر أصدق أنك قدرت تلون حياتك
اكتفي بذكر اسم واحد بنبرة هيام:
-جوهرة
ابتسم جده هاتفاً:
-يا سيدي يا سيدي
أخذ نفس عميق، وزفره مرة أخرى، عاد بكل الذكريات الماضية قبل أن يقول:
-اللي جمعني بجوهرة تحدينا لبعض وبعد كده بقت حياتنا باللون الأسود قدرنا نتجاوز المرحلة دي سوي
ربت على مرفقيه بخفه، امتثل الحماس في تعبيرات وجهه، ثم هتف:
-يلا يا عريس العروسة مستنيه
بعد نصف ساعة، وقف ينتظر خروجها من الحجرة التي كانت تتزين بها، برق عينيه بالسعادة حين شاهدها بالفستان الأبيض، عاش في اللون الأسود فترة طويلة، من اليوم انتزع اللون الأسود من حياته ليضع كل الألوان، ورحب أن تكون البداية باللون الأبيض
أمسك يديها لأول مرة، همس في أذنها بابتسامة:
-لأن الحلال أجمل سأنتظر
أصدرت ضحكات عالية جداً، ظل ينظر لها قائلاً:
-أنتِ ملكي
بادلته النظرات قائلة:
-أنت ملكي
تمت بحمدلله

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-