رواية الثلاثة يحبونها كاملة جميع الفصول بقلم شاهنده سمير

رواية الثلاثة يحبونها كاملة جميع الفصول بقلم شاهنده سمير


رواية الثلاثة يحبونها كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة شاهنده سمير رواية الثلاثة يحبونها كاملة جميع الفصول صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية الثلاثة يحبونها كاملة جميع الفصول حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية الثلاثة يحبونها كاملة جميع الفصول

رواية الثلاثة يحبونها بقلم شاهنده سمير

رواية الثلاثة يحبونها كاملة جميع الفصول

كان يحيى مغمض العينان غارقا في سبات عميق، ولكنه إستيقظ على الفور حين أحس بيدها تمر على ظهره بنعومة، و تثير كيانه الذي يعشقها بكل ذرة فيه، إنفلجت عيناه ببطئ وإرتسمت على ثغره إبتسامة، لتتسع إبتسامته وهو يشعر بتلك اليد تمتد لتصل إلى صدره تداعبه في رقة ليمد يده يمسك يدها على الفور، يسحبها بسرعة ثم يعتدل هو لتصبح هي ممددة أسفله وهو مشرف عليها، تطالعه بعينين رماديتين رائعتين، متسعتين من المفاجأة بينما يتابع هو ملامحها بشغف، بعشق سرق النوم من عينيه، تتسارع أنفاسه لمرأى شفتيها المرتعشتين، مد يده ومررها على بشرة وجهها السمراء الناعمة بقلب تصدعت جنباته شوقا إليها ليقول بصوت هامس متهدج:.

وحشتيني أوي.
تأملته بعيون عاشقة وقد أذابتها همساته ولمساته قائلة:
إنت كمان، وحشتني أوي يا يحيى.
مال يقبل وجنتها اليسرى قائلا في نعومة:
روح يحيى.
ثم قبل وجنتها اليمنى قائلا:
وعمر يحيى.
لينظر إلى شفتيها قائلا بعشق:
ونبض قلبه كله.

ليتوقف عن الحديث وهو يميل مقبلا شفتيها في رقة لم تلبث أن تحولت إلى إجتياح، يشعر بقلبه على وشك التوقف من شدة الإنفعال وهي بين يديه ينهل من شهدها حد الإكتفاء، ولكن كيف يكتفي من حبيبته التي يعشقها من كل قلبه، كيف يكتفي من روح سكنت روحه وتغلغلت فيها، كيف؟
فجأة...

تلاشت من بين يديه وكأنها لم تكن في أحضانه منذ ثوان، إنتفض يبحث عنها بعينيه وعندما لم يجدها صرخ بإسمها في لوعة، ليحيره صوت يأتيه من بعيد، هل هو صوتها؟لا إنه ليس بصوتها أبدا، ولكنه وعلى الرغم من ذلك صوت يعرفه جيدا، إنه صوت راوية والتي كانت تقول بقلق:
يحيى، فوق يايحيى.

فتح يحيى عيناه ببطئ ليجد عينا راوية في مواجهته وهي تنظر إليه في حزن إمتزج بالقلق، لقد بات يعرف تلك النظرة جيدا، فقد باتت تتكرر مؤخرا بشكل أشعره بالذنب ليشيح بعينيه عنها وهو ينأى بجانبه مانحا إياها ظهره ليتمالك نفسه التي ضاعت في عشق أخرى، مسببا الألم لكليهما، فقد أدرك في الآونة الأخيرة أن راوية تعلم بأن قلبه مشغول بسواها، ربما لا تعلم من هي ولكنها متأكدة من وجودها في قلب زوجها، قلب يحيى الذي يأبى أن ينساها رغم مرور كل تلك السنوات على فراقهما، ورغم انه لم يرها خلالهم ولو لمرة واحدة ولكنه لم يستطع إخراج صورتها من خياله ولا عشقها من قلبه رغم محاولاته المستميتة لفعل ذلك.

أفاق مجددا من أفكاره على لمسة راوية لكتفه وهي تقول:
يحيى، إنت كويس؟
تجمد جسد يحيى تحت يدها لثوان قبل أن يلين قائلا:
أنا كويس يا راوية متقلقيش، ده مجرد كابوس وفقت منه خلاص.
ليلتفت إليها ثم يمسك وجهها بين يديه طابعا قبلة خفيفة على جبهتها قائلا:
إرجعى نامى إنتى وأنا هقوم آخد شاور وألبس عشان إتأخرت على الشغل.
ثم تركها ناهضا ومتجها إلى الحمام ليتوقف في جمود على صوت راوية وهي تقول بتردد:.

كلمتها يايحيى، كلمت رحمة؟
أجابها دون أن يلتفت إليها قائلا بجمود:
إنتى لسة مصممة ياراوية إنها تيجى هنا من تانى؟
قالت راوية بحزم:
أيوة يايحيى، أنا مصممة؟قلتهالك كتير، ليه مش قادر تفهمنى؟
مال بجانب وجهه يقول بصوت خال من المشاعر:
إنتى عارفة إنى مش حابب وجودها هنا في البيت معانا وعارفة السبب.
قالت راوية برجاء وهي تتجه بضعف إلى يحيى وتقف قبالته:.

إسمعنى بس يايحيى، رحمة ملهاش ذنب في موت هشام ولازم كلكم تفهموا ده، رحمة مش ممكن تكون السبب في موته، انتوا كلكم ظالمينها.
نظر يحيى إلى عيون راوية قائلا في برود:
رحمة انتهت بالنسبة لنا كلنا من زمان ياراوية، من قبل حادثة هشام، ولا نسيتى؟
أطرقت راوية برأسها في حزن ليزفر يحيى وهو يمد يده إلى ذقنها يرفعها لتتقابل عينيها الدامعتين مع عينيه ليقول هو بحنان:.

لو مصممة بجد، فأنا هبعتلها حد يبلغها رغبتك في إنك تشوفيها ياراوية، أنا أهم حاجة عندى إنى مش عايز أشوفك زعلانة تانى ولا عايز أشوف في عنيكى دموع، مفهوم؟
أومأت راوية برأسها ليربت على وجنتها بحنان ثم يتركها متجها إلى الحمام ليستوقفه صوتها مجددا وهي تنادى بإسمه قائلة:
يحيى.
نظر إليها متسائلا، لتقول بألم ظهر في نبرات صوتها وعيونها التي غشيتها الدموع:
ياريت بسرعة مبقاش فيه وقت.

مزقت قلبه دموعها وكلماتها ليسرع إليها قاطعا المسافة بينهما في خطوتين ليأخذها بين أحضانه يضمها إليه بقوة لتترك لدموعها العنان تفرغها داخل صدره، ليتركها هو حتى أفرغت دموعها بالكامل، ثم أبعدها عنه قائلا بحنان وهو يمسح دموع وجهها بيديه:
قلتلك مبحبش أشوف دموعك دى ياراوية، بتوجعنى، عشان خاطرى تنسى الحزن وتبعديه عن قلبك، انتى أقوى منه، وأنا كمان جنبك، ولا إيه؟

أومأت برأسها ليبتسم إبتسامة حانية وهو يقبلها على وجنتها ثم يلتفت متجها إلى الحمام ومغلقا بابه خلفه، لتنظر راوية في إثره، وتقول بحزن:.

كان نفسى أفضل جنبك طول العمر بس إرادة ربنا بقى، أو يمكن عقابه لية عشان كنت عارفة الحقيقة وخبيت عنك، كنت أنانية، ومفكرتش غير في حبى ليك، مع إنى متأكدة إن عمرك ما حبيتنى، إنت حبيتها هي وبس، وهي كمان، هي كمان محبتش غيرك، غلطة أنا غلطها زمان، وكلنا دفعنا تمنها، يشهد ربى إنى كنت بتعذب كل يوم بسبب الغلطة دى، بس خلاص لازم أصلحها ويارب أقدر أصلحها قبل فوات الأوان، يااارب.

قال مراد بنبرة حاول أن يجعلها طبيعية قدر الإمكان:
هتخليها تيجى بجد يايحيى؟
نهض يحيى وإلتف حول مكتبه ليقف أمام النافذة يتطلع إلى الخارج قائلا في جمود:
مكنش أدامى حل تانى، أنا أكتر واحد مش حابب إنى أشوفها أدامى من جديد، بس راوية طلبت منى إنها تشوفها كتير وأنا ماطلت أكتر، ومبقاش فيه وقت زي ما قالت، وأنا خايف.
اقترب منه مراد قائلا في حيرة:
خايف من إيه بس؟

ابتلع يحيى ريقه بصعوبة وهو يلتفت مواجها عينا أخيه ومستطرد في ألم:
خايف يامراد، خايف أندم بعد كدة إنى حرمتها من إنها تشوف أختها، يمكن للمرة الأخيرة.
مزقت نبرات يحيى الحزينة نياط قلب مراد، ليربت على كتفه قائلا بعطف:
شايل كتير ياأخويا جوة قلبك، ومضطر تشيل أكتر، وللأسف مش بإيدى حاجة أقدر أخفف بيها عنك.
تمالك يحيى نفسه وهو يرى نظرة الشفقة في عيون أخيه، ليربت على يده الرابضة على كتفه قائلا بهدوء:.

أنا كويس يامراد، متقلقش علية.
ثم إبتعد متجها إلى مقعده خلف مكتبه ليجلس عليه قائلا:
المشكلة دلوقتى في وجودها هنا معانا تحت سقف بيت واحد والمشاكل اللى هتيجى من وراها.
عقد مراد حاجبيه قائلا:
قصدك إيه؟
تراجع يحيى في مقعده وهو ينظر إليه نظرة ذات مغزى قائلا:
يعنى مش عارف يامراد أقصد إيه؟
ظهر التوتر على محيا مراد ليقول بإرتباك:.

لو قصدك، يعنى، الموضوع القديم ده، يبقى إنسى، ومتقلقش خالص، أنا نسيت رحمة من زمان ومبقتش في دماغى أساسا.
رفع يحيى إحدى حاجبيه قائلا:
متأكد يامراد؟
ظهر التوتر أكثر على ملامح مراد ليقول بعصبية:
طبعا متأكد، من يوم ما بقت رحمة مرات هشام والموضوع ده إتقفل بالنسبة لى يا يحيى.

تنازعت يحيى مشاعر ثائرة هزت كيانه، مابين غيرة وألم وندم وشعور يستقر في أعماقه، إنه شعور عميق بالخيانة تجاه إخوته، ولكنه قال بهدوء لا يعكس تلك المشاعر:
بس هشام مات يامراد، و...
قاطعه مراد قائلا بحزم:.

بالنسبة لى هيفضل عايش العمر كله، هشام مش بس كان أخويا الأصغر منى، لأ ده أخويا اللى ربيته على إيدى و مستحيل أخون ذكراه مهما حصل وأقرب لمراته، ده غير إنى متجوز، وياريت منفتحش الموضوع ده تانى يايحيى، متندمنيش إنى قلتلك على مشاعرى في لحظة ضعف، رحمة بالنسبة لى دلوقتى مش أكتر من أرملة أخويا الله يرحمه وبس، مفهوم؟
هز يحيى رأسه بإرتياح ثم قال:
طب وبشرى، تعرف حاجة عن الموضوع ده؟
قال مراد نافيا:.

لأ طبعا، مكنش ينفع تعرف، بشرى طول عمرها مبطيقش رحمة لله في لله، مابالك بقى لو عرفت حاجة زي دى، الموضوع ده لازم يفضل سر بينا وبس.
اومأ يحيى برأسه موافقا، ليقترب مراد ويجلس على المقعد المواجه ليحيي قائلا:
تفتكر هتيجى؟
ظهرت البرودة على ملامح يحيى وهو يقول:.

مش عارف، أنا عملت اللى علية وبعتلها تقارير أختها الصحية، وهي حرة، لو كنا بنتكلم عن رحمة اللى كنا فاكرين إننا عارفينها زمان كنت قلت أكيد هتيجى، بس إنت عارف كويس إن دى مش رحمة بنت عمنا اللى إتربينا معاها، وإنت شفت بنفسك هي عملت إيه، دى واحدة احنا بجد منعرفهاش، وبعد اللى عملته زمان، ممكن نتوقع منها أي حاجة، إنت ناسى كمان لما أخوك مات وكنت أنا برة مصر، وخبيتوا علية وسافرت إنت عشان تجيب جثة أخوك تدفنها في مقابرنا هنا في القاهرة، و لما طلبت منها تيجى معاك رفضت، فيه زوجة في الدنيا ترفض تحضر مراسم دفن جوزها الأخيرة، مهما كان بينا وبينها من مشاكل؟

أومأ مراد برأسه قائلا في حزن:
معاك حق، رحمة صحيح كانت منتهية بالنسبة لى كحبيبة من يوم ما إتجوزت أخوك بس في اليوم ده انتهت بالنسبة لى كبنت عمى كمان وبقت بالنسبة لى واحدة غريبة زيها زي أي حد معرفوش، دى حتى مهنش عليها تسألنا عن مكان قبره، أو تحضر الذكرى السنوية بتاعته.
أغمض يحيى عينه في ألم ثم فتحهما وقد ذهب الألم وحل محله برودة قاسية وهو يقول:.

رحمة بالنسبة لنا بقت واحدة غريبة فعلا، مش أكتر من أخت لراوية اللى أمنيتها الأخيرة تشوفها قبل ما تموت، لو جت يبقى هتيجى وتمشى من غير أي مشاكل وأنا بنفسى اللى هتأكد من كدة، ولو شفت منها أي حاجة معجبتنيش، يبقى هي اللى جابته لنفسها وهيكون عليها تواجهنى أنا، وساعتها والله ماهرحمها.

توجس قلب مراد خيفة من نبرات يحيى الصارمة يدرك أنه من الأفضل لرحمة أن لا تثير غضب يحيى، فيحيي عندما يغضب يجب ان يبتعد عنه الجميع، فغضبه قد يحرق الاخضر واليابس، وكل من يقع في طريقه هو هالك لا محالة، ليتمنى في قرارة نفسه أن لا تلبى رحمة دعوة أختها وأن تظل بعيدة تماما عنهم، فهذا هو الأفضل للجميع.

بينما كانت هناك أذن قد سمعت حوارهما وعينان قد ظهر بهما حقد شديد، تتوعد صاحبتهما تلك الرحمة والتي تنوى اقتحام حياتهم من جديد بإنتقام يليق بها، وستتأكد تلك المرة من أنها ستغادرهم بلا رجعة، خاصة بعد اعتراف زوجها الصريح بأنه كان يحمل لها مشاعرا بداخله، حتى وإن زالت تلك المشاعر فلن يزول حقدها الأبدي تجاه فتاة أحبها أفضل ثلاثة رجال في عائلة الشناوي، لقد كانوا شركاء في الدم والعشق، بينما هي لم يحبها أحد منهم، وعانت الكثير لتتزوج أحدهم حتى تصبح قريبة من هدفها الذي شعرت بقربها من تحقيقه في تلك الأيام، لتحضر تلك الأفعى وتحاول أن تفسد لها كل ما خططت له لسنوات ولكنها لن تسمح بذلك أبدا، ستتفنن في خلق المشاكل والعقبات والتي ستؤدى برحمة إلى الإقصاء من حياتهم مجددا، ستبذل قصارى جهدها لتنحيتها من طريقها تلك المرة، للأبد.

كانت رحمة تضع أشياءها وملابسها الخاصة داخل حقيبتها، تستعد للسفر إلى القاهرة حيث توجد أختها هناك تصارع مرضا ميئوسا منه كما قالت تقاريرها، حاولت عرض تلك التقارير على بعض الأطباء المشهورين في دبي ولكن مع الأسف كانت النتيجة واحدة، أجمع الكل على أن صاحبة تلك التقارير تنتظر الموت مابين لحظة وأخرى، أدمعت عيونها في تلك اللحظة وهي تترك ما بيدها وتجلس ساكنة تحاول ان تستجمع شجاعتها، تلملم جراح قلبها المتألم حزنا على أخت كان أمامها سنوات عديدة لتحياها في كنف زوجها وطفلها ذو العامين ولكن القدر أبى أن يمحنها تلك السنوات، أغمضت عيونها تسمح لدموعها بالسقوط على وجهها تتذكر ذلك الزوج، تتقطع نياط قلبها عندما تمثلت أمامها صورته، عينيه العسليتين، حواجبه المعقوفة، غمازتيه، ضحكته التي تبرزهما وتحملها إلى عالم آخر، فتحت عينيها تنفض مسار أفكارها، كيف تفكر فيه مجددا؟، كيف سمحت لنفسها أن تتذكره؟أو لم تعد نفسها مرارا وتكرارا أن تنساه؟أو لم تقسم أن تمحى ذكراه من حياتها إلى الأبد، ليس فقط من أجل أختها، بل أيضا من أجل كرامتها المذبوحة على أعتاب قدميه، قلبها المكسور الممزقة مشاعره، هل جنت؟بالتأكيد نعم، لتتساءل في ألم، كيف تتذكره وهي لم تنساه للحظة، صورته تلك و التي تخشى تذكرها الآن لم تفارق خيالها يوما، لذا فضلت الإبتعاد عنه وعدم رؤيته طوال تلك السنوات، فهي تدرك أنها مازالت تعشقه رغم كل شئ، وهو لم يعد لها رغم كل شئ أيضا.

، نهضت من مكانها، وإقتربت من دولابها تبحث عن ألبوم الصور المخبأ تحت طيات ملابسها لتلتمع عيناها وهي تجده وتمسكه بين يديها وكأنه كنز ثمين لتذهب إلى السرير وتجلس عليه تفتحه بلهفة، تجرى عيناها على صوره والتي تعيد إليها الذكريات بقوة، ترى تلك الصور لعائلة الشناوي واحدة تلو الآخرى، حتى وصلت لصورة يحيى لتطالعها عينيه الجميلتين وإبتسامته الرائعة، رفعت يدها ولمست وجهه برقة تدرك أنها تفتقده بشدة من أنفاس تسارعت و قلب إزدادت خفقاته تعلن عن وجيب إشتياقها له، أبعدت أصابعها عن الصورة بسرعة وقد أحست بنيران الشوق تلفحها، لتنظر إلى تلك الصورة المقابلة لصورة يحيى، إنها آخر صورة لعائلة الشناوي مجتمعين، قبل أن تفترق عنهم، تأملت تلك الصورة جيدا، ترى لأول مرة ما عجزت عن رؤيته طوال سنوات حياتها معهم، فها هي رحمة تضع يدها في ذراع يحيى بأريحية تعودت عليها منذ صغرها فقد كان دائما لها كظلها، صديقها، حبيبها وحاميها، تبدو السعادة على وجه كليهما جلية، بينما يتطلع لهما هشام بعيون امتلأت حقدا، أما راوية، تلك الرزينة العاقلة، تنظر بدورها إلى يحيى بنظرة عشق تعرفت عليها رحمة على الفور، بينما تلتصق بشرى بمراد ناظرين لرحمة ولكن نظرة بشرى يتخلل أعماقها كره شديد يتسلل منها ليصل إلى قلب رحمة الآن على الفور وتفهمها بوضوح، تدرك ان تلك الأفعى لم تحبها يوما، كما لم تكن تدعى يوما، فلطالما سخرت منها ومن إلتصاقها بيحيي كظله وأرجعت رحمة تلك السخرية لغيرة طفولية لأن يحيى لا يعيرها إهتماما بينما ينصب كل إهتمامه على رحمة والقليل منه على راوية، ولكن يبدو أن الموضوع أكبر من ذلك، وغيرة بشرى الطفولية شبت معها حتى صار ما صار.

نفضت رحمة أفكارها وهي تنظر إلى صورة الجد الذي يتوسط الجميع، إنه هاشم الشناوي، كبير العائلة وسندها، كم يشبه يحيى في الشكل والطباع، لتقول بحزن:.

ظلمتنى أوي ياجدى، بس هفضل لآخر نفس فية أحبك، مش هنسالك لحظة حنية حسيتها مرة وأنا صغيرة لما سخنت وكنت هموت، وأول ما فوقت ضمتنى لصدرك وقلتلى حمد الله على السلامة يابنتى، وبعد ما بابا مات في الحادثة ضمتنا تحت جناحك أنا وأختى راوية، وان كنت مقدرتش تشوف انى كنت مظلومة وقتها وقسيت علية زيهم، إذا كنت شفتنى ساعتها بهيرة أمى، فأنا هعذرك، إذا كان هو صدق انى ممكن أعمل كدة، يبقى إنت مش هتصدق، مكنش فيه حد في الدنيا دى ممكن يصدق إنى مظلومة غيره هو، هو أكتر واحد عارفنى، ده مربينى على إيديه ومع ذلك صدقهم، حكم علية وظلمنى معاكم، يبقى إزاي هلوم عليك إنت، كان كل أمنيتى إنى أشوفك وأشوف اختى قبل فوات الأوان وان كنت مقدرتش أشوفك فالظاهر ربنا هيحققلى أمنيتى التانية بإنى أشوف أختى وأضمها لحضنى، ورغم إنى مش قادرة أتخيل رجوعى هناك من تانى بس هرجع، هرجع بس عشانها هي، راوية،.

لتلمس وجه أختها بالصورة قائلة بحنان:
إستنينى لإنى خلاص ناوية أواجه، هواجه اللى دبحونى لأول وآخر مرة عشانك انتى، وده وعد منى.
ليظهر التصميم على وجهها وهي ترفع سماعة هاتفها تتصل برقم لتقول لمحدثها:
أنا بتصل أأكد الحجز، أيوة، طيارة القاهرة، بكرة الصبح.
وقفت رحمة تتطلع إلى هذا المنزل الكبير، ورغما عنها عندما تقابلت جروحها القديمة مع حاضرها لأول مرة حدث انفجارا لسد أحزانها وسقط على خديها شلال من مياه مالحة مرة المذاق، تعبر عن مرارة شعورها بعودتها مجددا إلى هذا المنزل، منزل عائلة الشناوي.

نظرت رحمة إلى ذلك البيت الذي غادرته مجبورة منذ خمس سنوات مضت، لقد خرجت منه مكسورة الفؤاد، ذليلة، دامعة العينان غاضبة من قاطنيه، واليوم عادت إليه، مضطرة مجبورة أيضا، مازالت مكسورة الفؤاد دامعة العينان، ولكنها أبدا ليست بذليلة فقد تخطت ماحدث وأصبحت أقوى مما كانت عليه بالماضى ومستعدة للمواجهة بكل حزم، ولم تعد أيضا غاضبة من قاطنيه، فقط هم لا شئ بالنسبة إليها، وربما تشفق علي بعضهم، لكنها تقسم في نفسها أن من سيلتزم منهم جانبه ستدعه وشأنه أما من سيحاول أن يضايقها فستتصدى له بكل قوة حتى وإن كان يحيى بنفسه من يفعل ذلك، نعم، ستكون له بالمرصاد ولن تدع له أي فرصة ليحطمها من جديد.

ذكرتها دموعها بضعفها القديم، لتنتفض ماسحة إياهم بعصبية قبل أن تتجه بخطوات رشيقة بإتجاه الباب تأخذ نفسا عميقا قبل أن تمد يدها و تدق جرس الباب بحزم، غافلة عن عينان تابعتها منذ اللحظة الأولى لدلوفها من باب الحديقة، عينان اشتعلت فيهما نيران الشوق والنفور، العشق والكره، الشفقة والغضب، نيران امتدت إلى قلب صاحبها تشعله بدورها بكل تلك المشاعر المتناقضة وتمزق نبضاته ليدرك أنه أخطأ بشدة حين لبى طلب زوجته وإستدعاها إلى هنا، ولكن بماذا يفيد الندم الآن، وقد فات الأوان؟

فتحت الخادمة روحية الباب لتفاجئ برحمة تقف أمامها لتظهر السعادة جلية على ملامحها وهي تقول:
ست رحمة، حمد الله ع السلامة.
إبتسمت رحمة قائلة:
الله يسلمك ياروحية.
أفسحت لها الخادمة لتدلف إلى المنزل قائلة:
اتفضلى ياستى، بيتك ومطرحك، نورتينا، ووحشتينا والله.
دلفت رحمة إلى المنزل قائلة:
تسلمى.
لتتبعها روحية التي مالبثت أن سبقتها قائلة بحبور:
ثوانى بس أبلغ كل اللى في البيت إنك رجعتى.
إستوقفتها رحمة قائلة:.

إستنى ياروحية.
توقفت روحية تنظر إلى رحمة بتساؤل لتقول رحمة بهدوء:
من فضلك بلغى بس راوية إنى جيت و عايزة أشوفها.
نظرت إليها روحية في حيرة قائلة:
بس ياستى، يحيى بيه...
قاطعها صوت تعرفه رحمة جيدا يقول بصرامة:
نفذى كلام الهانم ياروحية.

أغمضت رحمة عينيها عند سماع نبرات صوته التي زادت من دقات قلبها، قاومت رغبة هائلة في أن تلتفت إليه تشبع شوقها إلى رؤيته، تملأ عيونها بملامحه، لتفتحهما مجددا على صوت الخادمة وهي تقول بإحترام:
أمرك يايحيى بيه، عن إذنكم.

لم تلتفت إليه رحمة بعد إنصراف الخادمة، بل ظلت واقفة مكانها في جمود تدرك أنه يقترب منها من خلال صوت خطواته، لتشعر أنه أصبح خلفها تماما تصل إليها رائحة عطره المميز والتي لطالما أسكرتها، لتغمض عينيها مجددا وتأخذ نفسا عميقا ثم تفتحهما على إتساعهما عندما سمعته يقول ببرود:
حمد الله ع السلامة ياهانم.

لاحظت تجنبه نطقه لإسمها، لتلتفت إليه ببطئ تتلاقى به وجها لوجه لأول مرة منذ خمس سنوات، رغما عنها رقت عيناها لثوان وهي تلتقى بعينيه الخاليتين من المشاعر، تتشرب بلهفة من ملامحه التي شعرت بها قد زادتها السنون وسامة ولكن في نفس الوقت جعلته يبدو أكبر من سنه، تبا، لقد إشتاقت إليه حقا، ولكن برودة ملامحه رغم تأمله لوجهها بدوره أعادتها من رحلة شوق بائسة وجدت نفسها فيها، لتتذكر حاضرها المرير وأن هذا الرجل الذي أمامها الآن لم يعد حبيبها الذي دق القلب لأول مرة على يديه، بل إنه جارحها وهو أيضا زوج أختها الآن لذا لابد وأن تتعامل معه بما يناسبه حقا، لتظهر على وجهها بدورها برودة قاسية وهي تقول:.

الله يسلمك.
أحست رحمة بلمحة من الإعجاب ظهرت في عمق عسليتيه لا تدرى سببا لها، ثم مالبثت ان اختفت وكأنها لم تكن أبدا، آه من عسليتاه، و اللتان تطالعانها الآن ببرود، تشعر بقلبها يذوب فيهما، فهي تعشق عيناه، فلطالما كانتا نافذتها إلى روحه، ولكن تلك النافذة مغلقة الآن أمامها، لتشيح بوجهها بعيدا عنه، ثم تعود إليه بنظراتها مجددا عندما قال في برود:.

ياريت ما تتعبيش راوية في الكلام، الدكتور قايل متتكلمش كتير، وحاولى متزعليهاش او تضايقيها بأي شكل من الأشكال، أنا على فكرة، مكنتش موافق على زيارتك دى بس مع الأسف مرضيتش أزعلها لما طلبت تشوفك.
رغم قسوة كلماته التي غرست سكين بارد في قلبها فقد عبر بكلمات واضحة ومباشرة عن عدم رغبته في رؤيتها، ولكنها تجاهلت ذلك الألم بقلبها تماما وهي تقول بقلق:
هي أخبارها إيه دلوقتى؟وهو إحنا ممكن نسفرها تتعالج برة؟

تأمل يحيى قلقها بريبة يتساءل هل حقا لديها مشاعر تجاه أختها أم أن قلقها هذا مجرد تمثيل؟، لم يتوقف كثيرا عند تلك النقطة بل تخطاها وهو يقول ببرود رغما عنه أمتزج بالألم:
مريضة سرطان وبتموت، هتكون حالتها عاملة إزاي يعنى؟أكيد تعبانة وبتتألم، ولو ع السفر برة فأكيد مكنتش هستنى اقتراحك عشان أنفذه، انا عرضتها على أكبر الدكاترة برة وجوة، ومع الأسف، الكل أجمع على إن الحالة ميئوس منها.

أحست رحمة بالتحطم لدى سماعها كلمات يحيى، لقد كانت تعلم أن حالة أختها ميئوس منها ولكن كان لديها أمل في عرضها على بعض الأطباء بالخارج، لكن يحيى أزال هذا الأمل بكل قسوة، شعرت بالدوار وأن المكان من حولها يلف بشدة، كادت أن تسقط ولكنها شعرت بيد قوية تسندها، نظرت إلى صاحبها تلاحظ القلق في عينيه، إرتعشت أطرافها من نظراته ولمسته لها، أعادها قربه هذا لذكريات مضت، حين كانت تذوب بين يديه، رمشت بعينيها وتسارعت أنفاسها، وإرتعش جسدها تأثرا، لتفيق من حالتها تلك على برودة اجتاحت ملامحه بقسوة، تذكرها مجددا بحاضرها المرير، لتعتدل بسرعة، مبتعدة عنه تشيح بوجهها، تلتقط أنفاسها بصعوبة، وتحاول أن تهدئ نبضات خافقها، بينما تأملها هو بوجه بارد لا يعكس ذلك الإشتعال الذي أحرق كيانه بالكامل حين لامسها وطالعته بتلك العيون الرمادية البريئة التي لطالما سحرته، لقد زادتها السنون جمالا بالفعل، ربما غيرت لون شعرها من الأسود إلى الكستنائي ولكن تظل رحمة كما هي، الوحيدة التي إستطاعت أن تجعل خافقه يدق بتلك الطريقة، يطالبه بإمتلاكها، ولكن كيف؟، كيف وبينهما كل الحواجز والسدود والخطوط الحمراء؟، فلو تغاضى عن خيانتها له قديما فكيف يتغاضى عن أنه الآن زوج أختها، أشاح بوجهه عنها بدوره ليخفى ذلك الألم الظاهر بعينيه، يدرك أن رحمة جاءت إلى منزله وجلبت معها كل شعور قد تناساه، وأهمهم الآن هو هذا الشقاء، الذي يشعر به بين أركان فؤاده، مجددا.

أفاقا سويا من مشاعرهما على صوت الخادمة تقول بإحترام:
راوية هانم مستنياكى في أوضتها ياست رحمة.
ألقت رحمة نظرة أخيرة على يحيى قبل أن تومئ برأسها وتتبع روحية، تتجه إلى حجرة أختها، لينظر يحيى بإثرها تاركا مشاعره الحقيقية تظهر على وجهه بعد أن أخفاها كثيرا، قبل ان يتهدل كتفاه ويتجه بدوره إلى حجرة المكتب،.

لتتراجع بشرى بحذر، تتجه إلى حجرتها بعد أن شاهدت هذا اللقاء من مكان خفي، كادت ان تشعر بالسعادة ف بداية هذا اللقاء وهي تستشعر البرودة والجمود في لقاءهما ولكن ظهور مشاعرهما رغما عنهما أشعل الحقد في قلب بشرى من جديد، لتعقد النية على فعل أي شئ لكي تغادر تلك الرحمة المنزل بأسرع وقت، تلك التي حصلت على قلوب رجال الشناوي بينما لم تحصل هي على شئ، حتى الآن.

دلفت شروق إلى الحجرة تحمل في يدها صينية عليها كوبين من العصير، لترى مراد يلبس قميصه ويبدوا مستعدا للمغادرة، لتضع الصينية على تلك الطاولة الصغيرة الجانبية وتتجه إليه قائلة في حيرة امتزجت بالحزن:
إنت ماشى بسرعة كدة؟
إلتفت إليها ليرى ملامحها الجميلة تمتزج بهم الحيرة بالحزن، ليرفع يده ويقرص بها أنفها بخفة قائلا:.

معلش مضطر أمشى، بنت عمى ومرات أخويا الله يرحمه جاية من السفر النهاردة ولازم أكون في البيت دلوقتى، عموما متزعليش، هحاول أجيلك بكرة.

أومأت برأسها موافقة دون أن تنطق بحرف، ليقبلها في رأسها بحنان قبل أن يتجه لمغادرة الحجرة ليوقفه صوتها المتهدج حزنا وهي تنادى بإسمه، إلتفت إليها يدرك أنها حزينة على فراقه من ملامحها الشفافة، فهو يعلم أنها تعشقه بجنون وتود لو ظل بجوارها إلى الأبد، يؤلمها إبتعاده الحتمي وذهابه إلى زوجته بشرى، يشعر قلبه بألمها وغيرتها، مشاعرها الحزينة و التي تخفيها عنه بصعوبة ولكنه يدركها، ويحزن من أجلها، ولكن يسعده أيضا ان هناك من تجعله ملكا على قلبها وتاجا فوق رأسها، بينما يؤلمه أنه لا يستطيع أن يبادلها كل ذلك الحب، فقلبه قد مات منذ زمن، فقده منذ أحب فتاة جعلته عاشقا لأول مرة وجعلت خافقه يدق بشدة وحين كاد ان يصارحها بعشقه، اكتشف أنها على علاقة غير شرعية مع أخيه ليزوجهم الجد خوفا من الفضيحة ثم يبتعدا عن عائلة الشناوي لسنوات، سنوات شعر فيها بموت القلب والمشاعر، حاول فيها أن ينسى هذا العشق الذي أضناه، يكاد يقسم أنه قد نجح في ذلك، لولا أن رآها مجددا عند موت أخيه ليدرك أنه لم ينساها يوما، بعد ذلك حاول أن يؤكد لنفسه أنها ربما تكون السبب في موت أخيه، حتى يغضب منها ويتناساها، خاصة عندما رفضت الرجوع معه لتحضر مراسم دفن زوجها، ليغضب منها بشدة، ليعتقد بأنه صار يبغضها ولكنه ليس متأكدا من ذلك الآن، خاصة بعد سماع صوتها في الصباح تخبره بأنها قادمة، وقلبه الذي ازدادت دقاته وقتها، ربما يخشى هذا اللقاء، أو يخشى حقا تجدد مشاعره؟، هو حقا لا يدرى.

، تأمل شروق الماثلة أمامه، تلك الفتاة الجميلة والتي تزوجها لأنها تشبه رحمة في شقاوتها وطيبتها القديمتين، تشبه حبيبته التي لم تعد حبيبته، نسخة منها تختلف فقط في الملامح، أو ربما تزوجها لأنها على نقيض زوجته بشرى المتعالية، خالية المشاعر، والتي يملأ قلبها حقد تجاه الجميع، حقد اكتشفه بعد زواجها منه، شعر بأنه تسرع في ذلك الزواج ولكنه لم يستطع أن ينفصل عنها، فهي إبنة عمه اليتيمة والتي لا أحد لها سواه، ليكمل معها حياة بائسة لا يهونها سوى لحظاته مع شروق، رآها تتجه نحوه، تمسك كوب العصير من على الطاولة وتناوله إياه قائلة:.

طيب، إشرب عصير المانجة قبل ما تنزل، إنت بتحبه وأنا عاملاهولك مخصوص.

إبتسم وهو يأخذ الكوب منها يرتشف منه بينما أخذت هي كوبها وإرتشفت منه بدورها، نظر إلى تلك القطرة من العصير والتي إستقرت على شفتيها الكرزيتين لتغيم عينيه وهو يتطلع إليها، مد يده ومسحها بنعومة وهو يلامس شفتيها برغبة جعلتها تتمسح بيده كقطة صغيرة ليميل آخذا شفتيها في قبلة خطفت أنفاسها، لتقع أكواب العصير من أيديهما ولكن أحد منهم لم يهتم، ليحملها مراد بين يديه دون ان يفارق شفتيها ينهل من شهدهما، يمددها على السرير وهو يفك أزرار قميصه بسرعة يتأمل عيونها الخضراء الناعسة والتي تدعوه بكل نعومة للعودة إليها، ليرتوى من فيض عشقها، حد الإرتواء.

أمسكت بشرى هاتفها لتتصل برقم ما وما إن رد عليها محدثها حتى قالت بعصبية:
إنت فين، بقالى ساعة بكلمك وتليفونك خارج التغطية؟
إستمعت إلى محدثها لتقول بعدها:
طيب إستنانى في الشقة أنا جاية حالا.
لتغلق الهاتف وهي تتجه إلى دولابها تختار منه فستانا كي ترتديه للخروج، تفرغ مشاعرها الغاضبة قبل ان تنفجر غيظا لتعود لتلك الفتاة بخطة جديدة تخرجها من حياتهم للأبد، نعم، للأبد.

كاد مراد أن يقود سيارته متجها إلى المنزل عندما إستمع إلى رنين هاتفه ليمسك الهاتف ويرى رقم أخيه، وضع السماعة في أذنه وهو يجيب قائلا:
آلو.
أجابه يحيى قائلا بإختصار:
رحمة جت.
أخذ مراد نفسا عميقا وهو يقود السيارة قائلا:
عارف.
عقد يحيى حاجبيه قائلا:
وعرفت منين؟
قال مراد:
كلمتنى الصبح قبل ما تركب الطيارة.

شعر يحيى بغيرة حارقة تكوي شرايينه وهو يدرك أنها تحادث أخاه الذي يدرك أيضا مشاعره تجاهها، ليقول بهدوء لا يشعر به البتة:
تمام، إنت فين دلوقتى؟
قال مراد:
أنا في الطريق.
قال يحيى بجمود:
طيب، مستنيك.
ثم أغلق الهاتف ليزيد مراد من سرعته متجها إلى المنزل وقلبه يرتجف قلقا، يشعر من لهجة يحيى، إلى جانب قلبه الذي ازدادت دقاته وهو يشعر بقرب لقاءه بها مجددا، أن حياتهم جميعا على وشك التغير، تماما.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

دلفت رحمة إلى تلك الحجرة التي ما تخيلت يوما أن تدخلها إلا كزوجة ليحيي، لتدلف إليها اليوم كغريبة تماما، لا تمت إليه بصلة ولا حتى صلة القرابة التي جمعتهما منذ البداية، فلم يعد يعدها كإبنة عمه ولم تعد تعتبره كذلك أيضا،.

ما إن وقعت عيناها على وجه أختها الشاحب حتى أسرعت إليها تجلس بجوارها على السرير ثم تضمها بشوق دون أن تنطق بكلمة، لتضمها راوية بدورها تنعم بدفئها الذي حرمت منه لسنوات، هذا الدفئ الذي لطالما أحاطتها به رحمة، وجعلتها تشعر بأنها هي الأخت الصغرى والتي تحتاج إلى الرعاية والحنان وليس العكس،.

لقد عادت رحمة وعاد معها هذا الشعور الذي جلب الدموع إلى عينينها على الفور إشتياقا، لترتعش بين أحضان أختها الصغرى التي أحست بدموعها لتبتعد عنها تضم وجه راوية بين يديها قائلة في جزع:
وجعتك؟
رفعت راوية يديها تربت على يدي رحمة الرابضتين على وجنتيها قائلة بإبتسامة حزينة:
وجعى كان في بعدك عنى يارحمة، ودلوقتى وجعى راح لما شفتك من تانى.

أدمعت عينا رحمة وهي تتأمل ملامح أختها الشاحبة التي غيرها المرض كثيرا فبدت أكبر من سنوات عمرها الثلاثين، لتقول بصوت متهدج من المشاعر:
أنا كمان يا راوية كنت حاسة بروحى ضايعة منى ولقيتها بس في حضنك.
قالت راوية بلهفة:
بجد يارحمة، يعنى مش زعلانة منى؟
عقدت رحمة حاجبيها في حيرة قائلة:
وهزعل منك ليه بس ياراوية؟
قالت راوية بحزن:
عشان موقفتش جنبك وقت اللى حصل، لما، لما...
أخفضت رحمة يديها بجوارها وهي تقول:.

الكلام ده كان من زمان يا رواية، وخلاص مبقتش تفرق كتير، صحيح إنتى أختى وكان لازم تعرفى إنى مش ممكن أعمل كدة، بس إنتى اكيد إتخدعتى زيهم وأنا خلاص مش زعلانة، كل واحد بياخد نصيبه، وانا أخدت نصيبى وراضية بيه.
أطرقت راوية برأسها في حزن قائلة:
بس أنا متخدعتش، أنا كنت عارفة الحقيقة.
إتسعت عينا رحمة دهشة وهي تقول:
كنتى عارفة؟
رفعت راوية وجهها تواجه عينا أختها الحائرتين وهي تقول مدمعة العينان:.

أيوة كنت عارفة إنك مظلومة وإنك مكنتيش مع هشام ليلتها زي ما حاول يبين لينا كلنا، كنت عارفة إن كل اللى حصل ده كانت تمثيلية عشان يتجوزك غصب عنك.
عقدت رحمة حاجبيها قائلة:
وعرفتى منين يا راوية؟
صمتت راوية ليزداد إنعقاد حاجبي رحمة وهي تقول:
طب ليه متكلمتيش ساعتها؟
نزلت دموع راوية في تلك اللحظة قائلة في حزن:
هحكيلك يا رحمة، هحكيلك كل حاجة، أنا سكت كتير بس خلاص مبقاش ينفع أسكت أكتر من كدة.

لتتحدث راوية ومع كلماتها كانت رحمة تذبح مجددا، من الصدمة.

جلس يحيى في هذا الركن المظلم من الحجرة، يحاول ان يهدئ أعصابه، يشعر أنه على حافة الإنهيار ألما، ما هذا الذي يحدث له؟الغضب منها يشعله والشوق إليها يحرقه، تبا، ما الذي أقحمها في حياته مجددا؟

مرض زوجته، نعم، لولاه ما رآها قط مجددا، فهذا كان قراره منذ تلك الليلة التي فقد فيها إيمانه بالعشق، وفقد فيها روحه التي غابت بغيابها، فالخيانة ضربته في مقتل ليتمنى لو لم يعشقها يوما، لا يستطيع نسيان هذه الليلة أبدا، فإلى جانب إكتشافه لخيانتها له في هذا اليوم، فقد تزوجت فيها أخاه أيضا، ليشعر بكيانه يتمزق حرفيا، ورغم إدراكه انها أصبحت لأخاه من قبلها إلا أن رؤيتها وأخاه يعقد عليها ثم يأخذها بعيدا أدمت قلبه ثم أماتت مشاعره للأبد فظن أنه لم يعد يعشقها وأنه بات فقط يكرهها حتى بدأت تغزو أحلامه، توقظ فيه كل المشاعر، وتثير فيه جنون الإشتياق، لتتجسد أمامه منذ لحظات ليدرك أنها تقبع تحت جلده، يسرى عشقها في شرايينه مسرى الدم، يعلم أنها اخت زوجته، و خائنة، ومع ذلك يخفق قلبه فقط لمرآها، وقد زادتها تلك السنوات جمالا وجاذبية وقوة، لتستيقظ مشاعره الكامنة داخل أعماقه حين لمسها، وكأن ماضيه معها كأن لم يكن، وقيوده التي يفرضها حاضره عليهما كأنها سراب ولا وجود لها من الأساس، زفر بقوة وهو ينظر إلى السماء، تصرخ أعماقه بصرخة هزت وجدانه(ياإلهى ماذا أفعل؟)..

ليفيق من صراعه على دلوف أخيه إلى المكتب وإنارته ضوء الحجرة ليجد يحيى قابعا في هذا الركن البعيد تبدو ملامحه المكفهرة دليلا واضحا على مقابلته لرحمة، ليقترب منه بقلق قائلا في تقرير:
ضايقتك، صح.
هز يحيى رأسه نفيا قائلا بهدوء:
ملحقتش، وبتمنى متفضلش كتير عشان تحاول، ياريت تشوف أختها وتمشى علطول، مجرد وجودها في البيت خانقنى.
ظهرت الحيرة على ملامح مراد وهو يتأمل يحيى قبل أن يقول:.

إنت ليه بتكرهها بالشكل ده يايحيى؟
قال يحيى بصرامة:
يعنى مش عارف يامراد ليه بكرهها؟
جلس مراد على الكرسي المجاور ليحيي قائلا:.

لأ مش عارف، صحيح هي غلطت زمان غلطة كبيرة في حق نفسها وفى حقنا، وصحيح إن إحنا شاكين إن ممكن تكون السبب في موت أخونا لإنها كانت معاه وقت الحادثة، وصاحبه صلاح قال إنهم إتخانقوا مع بعض في الحفلة قبل ما تركب العربية معاه عشان يروحوا، بس برده إحنا مش متأكدين من الكلام ده، غير إن علاقتكم ببعض كانت حلوة أوي قبل جوازها من هشام، إنت كنت أقرب واحد ليها، وكان واضح للكل إنها بتعتبرك زي أخوها.

إبتسم يحيى بسخرية مريرة يردد كلمات أخيه داخل نفسه بمرارة، تعتبره مثل أخاها، كم كان مراد ساذجا، لايدرى أنها كانت توهمه بأنه عشقها الأول، وهو صدقها لأنها كانت بدورها عشقه الأول والأخير، وأنه في ليلة إكتشافهم لها مع أخيه هشام في حجرة نومه، كان قد وعدها قبلها مباشرة بأنه سيخبر جده في اليوم التالى برغبته في الزواج منها وتحقيق حلم لطالما تمنى ان يناله، ولكن ماحدث ليلتها دمر كل ما حلم به طوال عمره، لتتزوج أخاه ويرحلا بعيدا عن المنزل ثم يوافق هو على الزواج من أختها عندما عرض عليه الجد ذلك الأمر، ربما نكاية بها، أو هو فقدان الأمل في أن يقع مجددا بالحب، او ربما هو فقدانه الإيمان بالحب ذاته، حقا كم تظلمنا الحياة وتسخر منا، تحركنا كالدمى في يديها ولا نستطيع أن نفعل شيئا سوى ان نخضع لها، ونسايرها.

افاق من أفكاره على صوت أخيه يقول في حيرة:
يحيى، روحت فين؟
زفر يحيى وهو يستند برأسه إلى الكرسي خلفه يغمض عينيه قائلا:
روحت لنفس المكان بس في زمن غير الزمن، زمن كنت فيه واحد تانى مبقتش دلوقتى عارفه ولا قادر أميزه جوايا.
ليفتح عينيه ويعتدل قائلا في حزم:
المهم دلوقتى، أنا عايزك تفهم بشرى متعملش مشاكل معاها وتعدى اليومين اللى رحمة قاعدة فيهم هنا على خير، مفهوم يامراد؟، أنا فية اللى مكفينى ومش ناقص جنانها.

ربت مراد على ساق اخيه مطمئنا وقد رأى حقا ذلك الإرهاق البادي على أخيه قائلا:
متقلقش يا يحيى أنا هنبه عليها بنفسى وأوعدك متعملش مشاكل، وزي ما إنت قلت هما يومين وهتمشى، بس هي راحت فين؟
عقد يحيى حاجبيه قائلا:
تقصد مين؟
قال مراد:
بشرى، رجعت البيت ملقيتهاش.
قال يحيى بنظرة ذات مغزى:
وإنت بتسألنى أنا عن مراتك يامراد؟
شعر مراد بالتأنيب المختفى داخل طيات كلمات أخيه ليقول بإرتباك:.

أصل هي كلمتنى والفون كان مقفول، ولما فتحته وكلمتها، تليفونها كان خارج التغطية فقلت يمكن قالتلك حاجة.
قال يحيى بملامح جامدة:
لأ مقالتليش، ومشوفتهاش النهاردة خالص، إنت عارف إنى كنت مشغول برجوع رحمة.
أومأ مراد برأسه متفهما وهو يقول:
ورحمة فين دلوقت؟
تنهد يحيى قائلا:
عند راوية.
قال مراد:
بقالها كتير؟
قال يحيى:
تقريبا ساعة.
اومأ مراد برأسه ثم نهض قائلا:
شكلهم هيطولوا، طيب، أنا هروح أوضتى آخد شاور وأرجعلكم تانى.

أومأ يحيى برأسه، ليذهب مراد بإتجاه الباب ليتوقف عند سماع أخيه يقول بحزم:
ياريت يامراد تخف من سهرك برة شوية وتاخد بالك من مراتك وبيتك.

إلتفت إليه مراد ينظر إلى ملامح أخيه الجامدة ليدرك أنه يلمح إلى شئ ما، كاد أن يستوضح عن مقصده بذلك التنبيه ولكنه الآن مرهق، ويحتاج لأخذ حماما سريعا يزيل به كل ماعلق بأفكاره المتعبة أكثر من جسده المنهك، وليؤجل هذا الحديث إلى وقت لاحق، ليغادر يتابعه يحيى بعينيه يقول بصوت خافت:
لولا عارف طبيعة بشرى، مكنتش عذرتك أبدا في اللى بتعمله يامراد.

ليتنهد في حزن ثم يشرد مجددا في عذابه الخاص، يتألم كالعادة، وحده تماما.

نهضت رحمة قائلة بصدمة:
إنتى إزاي تعملى كدة، إزاي هنت عليكى بالشكل ده ياراوية؟ده أنا أختك من لحمك ومن دمك.
إنهمرت دموع راوية على وجنتيها وهي تقول بإنهيار:.

مش عارفة يا رحمة إزاي طاوعتهم وعملت اللى عملته، يمكن عشان حسيت بحبه ليكى ويمكن عشان كنت أنانية وفضلت مشاعرى على مشاعرك، أو يمكن عشان شيطانى قاللى إن ده حل كويس لينا كلنا، مش عارفة، صدقينى مش عارفة، بس كل اللى شايفاه دلوقتى هو إحساسى من يومها، كنت عارفة إنى غلط وإنى أذنبت في حقك، والإحساس بالذنب مكنش بينيمنى، كنت متأكدة إنى مجرمة وأستاهل العقاب، بس العقاب قاسى أوي يارحمة، مرض بياكل في جسمى وبيموتنى بالبطئ، بيبعدنى عن كل اللى إتمنيته وعملت عشانه كل ده، أنا آسفة يارحمة، وعارفة إن أسفى مش كفاية بس كان نفسى أعترفلك وأطلب منك السماح، أنا خلاص مبقاش أدامى كتير وخايفة أموت وأنا شايلة ذنبك جوايا.

شعرت رحمة بالشفقة على أختها وإنفطر قلبها وهي تشعر بأن كل ماحدث لها يهون أمام ذلك الموت الذي يهدد أختها المسكينة ويحرمها من زوج ضحت من أجله بأقرب الناس إليها و طفل لن تعيش لتراه يكبر أمامها يوما بعد يوم، لتسرع بنفض مشاعرها الغاضبة بعيدا، وإحلال السماح في قلبها محل الغضب، لتجلس مجددا في السرير آخذة أختها في حضنها لتفرغ راوية دموعها على صدر رحمة، تشعر بالخزي من أختها صاحبة القلب الطيب والتي سامحتها رغم ذنبها الكبير، لتقول بألم:.

أنا آسفة يارحمة، والله آسفة وندمانة، ندمانة بجد عن كل اللى عملته زمان، ربنا يسامحهم بقى، هما اللى فضلوا يزنوا على دماغى، والزن على الودان أمر من السحر.
ربتت رحمة على شعرها قائلة بحنان:
خلاص ياراوية إهدى وإنسى كل اللى حصل، متتعبيش نفسك، اللى فات مات وإحنا ولاد النهاردة.
قالت راوية بحزن من وسط دموعها:.

إزاي بس أنسى إنك إتعذبتى السنين اللى فاتت دى كلها من تحت راسى، إزاي بس أنسى إنى فرقت بينك وبينه عشان يكون لية أنا، عشان أنانية وفكرت في نفسى وبس؟
قالت رحمة بحزن وعيونها تترقرق بالدموع:.

الذنب مش ذنبك لوحدك، هما مشتركين معاكى في اللى حصل، هم الأبالسة الحقيقيين، اللى فضلوا وراكى لغاية ما سلمتينى ليهم، وهو كمان مذنب زيهم، صدقهم، صدق إنى خنته وخنت وعودنا، صدق إنى كنت بغشه وبخونه مع أخوه، صدق إنى وحشة زي أمى ووقف يتفرج علية وأنا بتجوز هشام ياراوية.
خرجت راوية من محيط ذراعيها قائلة:.

لأ يارحمة متظلميهوش، التمثيلية كانت محبوكة أوي، وأي واحد غيره لو شاف اللى إحنا شفناه كان هيصدق، وهيتصدم في حبيبته زي ما هو إتصدم، بس أنا لوحدى اللى عارفة أد إيه هو إتعذب من اللى حصل، وأد إيه إتعذب في بعدك.
زفرت رحمة قائلة:
مبقاش يفيد الكلام ده دلوقتى ياراوية، كل واحد فينا خد نصيبه، حكايتنا إنتهت من زمان ومبقاش ينفع الندم ع اللى راح، ولا ينفع كمان نعيد اللى فات.
قالت راوية بسرعة:.

لأ ينفع، ينفع يارحمة، انا عايزاكى بس تسامحينى ياحبيبتى، لأنى غلط في حقك بس، وانا الله هعوضك عن غلطى ده وهرجع كل حاجة لأصلها.
عقدت رحمة حاجبيها وهي تقول بحيرة:
قصدك إيه ياراوية؟
قالت راوية بأمل:
قصدى تتجوزى يحيى يارحمة؟
نهضت رحمة تقول بصدمة:
إنتى بتقولى إيه؟إنتى اكيد إتجننتى، أتجوزه إزاي وهو جوزك؟
قالت راوية بحزن:
أنا خلاص يارحمة، أوانى قرب ويحيي بعد شوية هيرجع حر، وساعتها تتجوزيه وكل حاجة تتصلح.

تمزق قلب رحمة من كلمات أختها اليائسة لتعود وتجلس إلى جوارها تمسك يدها قائلة:
متقوليش كدة، دى مجرد أزمة في حياتك، إنتى كويسة، وهتقاومى مرضك وهتبقى بخير عشان خاطر جوزك وإبنك هاشم، وأنا هفضل جنبك لغاية ماتعدى الأزمة دى.
اغروقت عينا راوية بالدموع وهي تقول بنبرات متهدجة:.

متضحكيش على نفسك، إنتى عارفة كويس إنى بموت وإن كلها أيام وأروح عند اللى خالقنى، أنا مش خايفة من الموت، بس عايزة أروح لربنا وإنتى مسامحانى، عايزة أروحله وأنا مطمنة عليكى وعلى يحيى وهاشم، عايزة أكون متأكدة إنى صلحت غلطتى وإن يحيى وإبنى في حضنك إنتى وبس يارحمة.
قالت رحمة بعيون أغروقت بالدموع:
مش هينفع ياراوية، والله ما هينفع، قلتلك أنا ويحيي إنتهينا من زمان، ومش هينفع نرجع تانى لبعض.

قالت راوية في تصميم:
لأ، هينفع، دى وصيتى الأخيرة ليكى وليه.
إتسعت عينا رحمة قائلة:
إنتى قلتى ليحيي الكلام اللى انتى قلتهولى ده؟
هزت راوية رأسها نفيا قائلة:
لأ مقلتلوش، بس كنت مستنياكى ترجعى وتوافقى عشان أقوله.
نهضت رحمة قائلة في حزم:
إوعى تقوليله اي كلمة من اللى إنتى قولتيهالى دلوقتى، لإنى مستحيل هوافق، سامعانى؟
قالت راوية بخيبة أمل:
يبقى هتضطرينى أقوله عن اللى عملته زمان يا رحمة.
إتسعت عينا رحمة قائلة:.

إنتى إتجننتى ياراوية؟، هيكرهك وهيمحيكى من حياة إبنه، مش هيجيب سيرتك حتى أدامه، إنتى متعرفيش يحيى ولا نسيتيه؟
قالت راوية بسخرية مريرة:
أنساه إزاي وأنا عايشة معاه السنين اللى فاتت دى كلها؟إذا كان إنتى واللى كانت روحه فيكى، محى إسمك من حياتنا كلها السنين اللى فاتت دى بسبب اللى حصل، ولولا انه عارف إنى بموت مكنش رجعك هنا من تانى، أمال أنا هيعمل فية إيه، بس لو مقبلتيش فأنا مضطرة أحكيله.

قالت رحمة بقلب تمزق من كلماتها:
ياراوية إفهمينى بس، اللى إنتى طالباه منى فوق طاقتى، مش هقدر أعمله.
قالت راوية في تعب:
بصى يارحمة، ياتوعدينى إنك تتجوزى يحيى بعد ما أموت وتكونى أم لهاشم إبنى وتحافظى على سرى عشان خاطره، وعشان أفضل جوة حياته ويحيي ميمحنيش منها، يا هقوم بنفسى دلوقتى أكشف السر ده ليحيي ويحصل اللى يحصل.
قالت رحمة في ألم:
إنتى بتطلبى منى المستحيل، إزاي بس أوعدك بوعد زي ده؟

قالت راوية بحزم وهي تنهض من سريرها:
يبقى إنتى مخلتيش أدامى حل تانى، وإفتكرى يارحمة إن إنتى اللى إخترتى.
لتبتعد بإتجاه الباب بضعف، تتابعها رحمة المتمزقة حيرة وألما ولكن ما لبثت ان إتسعت عينيها بصدمة حين سقطت راوية فجأة أرضا أمامها لتصرخ رحمة بإسمها في لوعة.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

إنتفض يحيى على صوت صراخ رحمة بإسم راوية لينخلع قلبه من صدره وهو يسرع إلى جناحه، يشعر بوجود خطب كبير بينما كان مراد بدوره في حجرته يرتدى ملابسه ويستعد للنزول حين إستمع إلى صرخاتها الآتية من جناح أخيه ليسرع في إرتدائه بنطاله ثم يخرج مسرعا، متجها الى هناك ينتابه القلق الشديد،.

كان يحيى هو أول من دلف إلى الحجرة ليجد راوية أمامه مسجاة على الأرض بينما رحمة بجوارها ترفع رأسها بين يديها تحتضنها وتبكى بحرقة، لينفض جزعه جانبا وهو يتجه إلى راوية شاحبة الوجه، يأخذها من بين يدي رحمة ويحملها ممددا إياها على السرير ليمد يده يتفحص نبض وريدها وسط حالة من الصدمة سيطرت على رحمة وجعلتها عاجزة عن النطق بحرف، تتابع ما يفعله بذهول جزع، تخشى ان تكون أختها قد فارقت الحياة، بينما دلف مراد في تلك اللحظة لينظر إلى هذا المشهد متوجسا بدوره، توقف بجوار رحمة القابعة أرضا لينحنى ويمد يديه، يمسكها من يدها لتنظر إلى يده ثم ترفع عينيها إليه وهي مازالت في حالة من الصدمة وينظر هو إلى ملامحها الشاحبة وذهولها في شفقة، ليغمض عينيه ثم يفتحهما مطمئنا إياها، لتفيق هي من تلك الحالة و تتمسك بيده لتنهض ببطئ وتقف إلى جواره، ثم تترك يده بينما تنزل دموعها وهي تتضرع إلى الله من كل قلبها أن تكون أختها بخير.

رغما عنه أحس مراد بقلبه يدق لها، يشفق على أحزانها، يود لو يضمها إلى صدره الآن ويطمئنها على أختها، ولكنه قبض على يديه بقوة كي لا يفعل، بينما كانت رحمة تنظر إلى يحيى الذي أمسك بزجاجة عطر ونثر على يده بضع قطرات منها ثم قربها من أنف راوية، لتبدأ راوية في إظهار بعض ملامح الحياة على وجهها، وهي تعقد حاجبيها بألم ثم تفتح عينيها ببطئ، زفر يحيى بإرتياح ثم لاحظ تلك الدموع العالقة برموشها ليدرك ماحدث بينهما في غيابه، لابد وأن رحمة أحزنت راوية لسبب ما، وتلك الدموع دليلا على ذلك، ليلتفت إلى رحمة بغضب ويتجه إليها بخطوات سريعة، تبدو على ملامحه كل إمارات الشر، لتشعر رحمة لأول مرة بالخوف منه وتلجأ إلى صدر مراد الذي شعر بالإرتباك للحظات قبل أن يمد ذراعه ويحيطها بها ليتوقف يحيى بصدمة وهو يراها تلجأ إلى صدر أخيه خوفا منه، يشعر بالإحتراق وهي في حضن أخيه، يشعر حرفيا بروحه تسحب منه والدموع تترقرق بعينيه ليعقد مراد حاجبيه بحيرة من نظرة الضعف الممتزجة بالحزن القابعة بعيني أخيه والمتلألأة بدموع لم يرها أبدا في تلك العيون العسلية، ليطرق يحيى برأسه للحظات ثم يرفع وجهه مجددا ليرى مراد برودة إجتاحت ملامح أخيه وصقيع في تلك العيون وكأنهما عينان خاليتان من الحياة تماما، وهو يقول بنبرة صارمة:.

إيه اللى حصل بينكم يارحمة؟
قالت رحمة بإضطراب:
محصلش حاجة.
هدر قائلا:
لأ حصل ودموع أختك دليل، هو انا مش قايلك إن راوية تعبانة ومنبه عليكى ما تضايقيهاش؟
خرجت رحمة من محيط ذراع مراد تنظر إلى ملامح يحيى الباردة قائلة بنبرات حزينة:
غصب عنى، هي طلبت منى حاجة مش هقدر أعملها ولما رفضت زعلت بس والله ما قصدت أضايقها، أنا بس مش هقدر أنفذ طلبها.
عقد يحيى حاجبيه قائلا:
وإيه هو الطلب ده؟
أطرقت برأسها أرضا قائلة:.

دى حاجة تخصنى أنا وهي وياريت متدخلش فيها.
قال يحيى بعصبية:
مادام تخص راوية تبقى تخصنى، راوية مراتى ولا نسيتى؟
قال مراد:
اهدى بس يايحيى، الأمور متتاخدش بالشكل ده.
إلتفت إليه يحيى قائلا بغضب:
أومال تتاخد إزاي يامراد؟، بالأحضان؟ولا بالحنية والطبطبة زي ما بتعمل إنت، شكلك نسيت إن اللى أدامك دى رحمة، رحمة اللى داست على شرفنا ومرمغته في الوحل ومش بعيد تكون هي السبب في موت هشام...
قاطعته رحمة قائلة بحدة:.

من فضلك، لغاية كدة وكفاية، أنا مسمحلكش.
إقترب منها يحيى يقول بصوت كالفحيح:
بتقولى إيه؟تسمحيلى؟طب لعلمك بقى، تسمحيلى أو متسمحليش فأنا حر، أقول اللى أنا عايزه في بيتى يا،
ليصمت لثانية ثم يستطرد بسخرية قائلا:
يارحمة هانم.
رفعت رحمة رأسها قائلة بإباء:
ومادام ده بيتك كان المفروض تكرم ضيفك فيه، بس الظاهر إنك متعرفش حاجة عن الأصول ياإبن الأصول وأنا ميشرفنيش نكون مع بعض تحت سقف واحد، أنا ماشية من بيتك يا...

لتستطرد بسخرية قائلة:
يايحيى بيه.
كادت أن تغادر عندما إستوقفها صوت راوية الضعيف وهي تقول:
رحمة، إستنى متمشيش.
إلتفتت إليها رحمة تنظر إلى ملامحها الشاحبة بشدة لتتغير ملامحها الباردة ويظهر القلق على وجهها وهي تقترب من أختها متجاهلة تلك النظرات الغاضبة الثاقبة المنصبة عليها من قبل يحيى، بينما يقف مراد يتابع مايحدث بصمت، لتقول راوية بضعف:
أنا عايزة قرارك الأخير يارحمة، موافقة على طلبى ولا لأ؟

توقفت رحمة وهي تسترق النظر إلى يحيى الذي يتابع حديثهم عاقدا حاجبيه بشدة، لتبتلع ريقها قائلة بصعوبة:
مش وقته يا راوية الكلام ده، هنأجله لوقت تانى، إتفقنا؟
قالت راوية بإصرار:
لأ وقته، أنا عايزة أعرف حالا، موافقة تتجوزى يحيى بعد ماأموت وتربوا هاشم في حضنكم ولا لسة رافضة؟
إتسعت عينا رحمة بصدمة، وألقت نظرة مرتاعة على الرجلين الواقفين خلفها في حالة من الذهول قبل أن يفيق يحيى من صدمته ويقول بغضب:.

إنتى بتقولى إيه ياراوية؟ إنتى اكيد إتجننتى.
نظرت راوية إليه قائلة في حزن:
بالعكس أنا عقلت، مواجهتى للموت خلتنى أفكر بعقلى، مش هلاقى أم لإبنى أحسن من رحمة، ومش هلاقى حد ياخد باله منك أحسن منها برده، دى رغبتى الأخيرة وياريت تحققوهالى.

في تلك اللحظة إندفع مراد خارجا من الحجرة تتابعه العيون، يدرك يحيى في غيرة وغضب سبب رحيله المفاجئ بينما إنتابت كل من رحمة وراوية دهشة لذلك الرحيل غريب القسمات، ليفيقا من دهشتهما على صوت يحيى يقول بحدة موجها حديثه لراوية:
ممكن تنسى الكلام اللى انتى بتقوليه ده خالص، وتركزى في مرضك وتحاولى تقاوميه بكل قوتك، ومتستسلميش بالشكل ده، لو مش هتقاومى عشان نفسك فقاومى عشان خاطرى وخاطر هاشم.

أدمعت عينا راوية قائلة:
أنا حاسة بالموت قريب منى أوي، مبقاش فيه وقت خلاص، واللى بعملوا ده عشان خاطرك وخاطر هاشم، ولازم تعرفوا إن دى رغبتى الأخيرة ومش هسمح لحد فيكوا يرفضها، مفهوم؟
إندفعت رحمة تجلس بجوار أختها تضمها بحزن ودموعها تنطلق بدورها قائلة:
متقوليش كدة، قلتلك إنتى هتعيشى، مش هنسمحلك تمشى بالسهولة دى.
خرجت راوية من محيط ذراعي رحمة وهي تمسك يد رحمة بقوة تغالب بها ضعفها قائلة بحزن:.

مش بإيدك ولا بإيدى ولا حتى بإيد يحيى، ده قدر، المهم دلوقتى إنى لازم أسمع موافقتكم.
قال يحيى بحدة:
مستحيل أوافق على الكلام ده طبعا.
رغما عنها أحست رحمة بحزن مزق فؤادها من لهجته الحادة النافرة منها لتطرق هي بحزن قائلة:
أنا كمان، مستحيل هوافق.
زفرت راوية في يأس قائلة:
إنتوا مخليتوش أدامى حل تانى غير إنى أقولك يايحيى...
قاطعتها رحمة قائلة في صدمة:
إستنى يا راوية.
نظرت إليها راوية قائلة في هدوء:.

أستنى إيه يارحمة؟
قالت رحمة في يأس:
أنا، أنا موافقة.
نظر إليها يحيى بصدمة يدرك أنها وافقت على الزواج منه بعد رفضها القاطع منذ قليل والذي مزق قلبه ولكن الغضب الكامن في نفسه أخبره انه لا يريد ايضا أن يقترن بها، أم أنه وفى أعماق قلبه كان غاضبا من نفسه لأنه أراد ذلك وبشدة، ولكن رغما عنه انتابته الحيرة لقبولها المفاجئ ذاك، لينفض افكاره على تنهيدة إرتياح خرجت من شفاه راوية وهي تلتفت إليه قائلة:.

وإنت يايحيى؟لسة رافض؟
قال يحيى بغضب:
إنتوا اكيد إتجننتوا، وأنا مش مستعد أقف ثانية واحدة وأسمع جنانكم ده، أنا مش موافق وبقولها أدامكم أهو، مش موااافق.
ثم إندفع مغادرا تتابعه عيونهم لتلتفت راوية إلى رحمة التي أغروقت عيناها بالدموع قائلة:
هيوافق، أهم حاجة كانت إنك إنتى توافقى يارحمة، أما يحيى فسيبيه علية أنا هعرف إزاي أقنعه.
نهضت رحمة وهي تقول بصوت متهدج:.

أنا مش هقدر اسامحك أبدا على إنك أجبرتينى على إنى أوافق ياراواية، إنتى بترتكبى اكبر غلطة في حقنا كلنا وبكرة أفكرك.
ثم غادرت الحجرة بخطوات بطيئة حزينة تتابعها راوية بعينيها قبل أن تقول بهمس:
مبقاش فيه بكرة يا رحمة، أنا بصلح الغلط اللى عملته زمان، قبل فوات الأوان، وصدقينى، بكرة إنتى هتسامحينى وهتعرفى إنى كنت صح، وساعتها...
نظرت إلى السماء قائلة:.

ياريت تفتكرينى بدعوة تخفف عنى ذنوبى اللى شلتها من يوم ما قبلت أكسر قلبك وقلبه يارحمة.
لتغمض عينيها تشعر لأول مرة منذ أمد بعيد، بأنها تفعل الصواب.

مررت بشرى أظافرها الطويلة المطلية باللون الأحمر القانى على طول صدر مجدى العارى والمتمدد بجوارها على السرير لتأخذ بأصابعها تلك السيجارة المتعلقة بشفتيه وتضعها بين شفتيها تأخذ منها نفسا عميقا ثم تطلقه، لتضعها مجددا بين شفتيه ثم تنهض من السرير ترتدى ثيابها ليتأمل مجدى جسدها بعيون إمتلأت بالرغبة مجددا ليقول بلهجة ثقيلة ممطوطة:
إنتى ماشية بسرعة كدة؟

توقفت بشرى عن عقد أزرار بلوزتها القطنية وهي تنظر إليه قائلة:
هو أنا مش قايلالك إن رحمة جت، ولازم أكون في البيت.
نهض من السرير يقترب منها وهو يقول:
قلتيلى، بس الساعة لسة ٨، مستعجلة ليه بس على حرق الدم؟
ليرفع يده يحل أزرار بلوزتها مجددا وهو يقول بنعومة:
بصراحة انا لسة مشبعتش منك.
أبعدت بيديها يديه قائلة وهي تعاود عقد تلك الأزرار:.

والله إنت فايق ورايق يامجدى، وأنا مش رايقالك خالص، إبعد بقى خلينى ألبس وأمشى، أنا روحى بقت في مناخيرى.
أمسك مجدى بيديها آخذا إياها إلى السرير يجلسها قائلا:
إهدى بس ياحبيبتى، أنا مش قلتلك متتعصبيش.
نظرت إليه بشرى قائلة بحنق:
متعصبش إزاي بس، إنت نسيت انا قلتلك إيه؟، جوزى طلع بيحب رحمة هو كمان، ورحمة رجعت وشكلها هتكوش على كل حاجة من تانى، رجالة وفلوس عيلة الشناوي، وأنا هطلع من المولد بلا حمص.

أشار إلى عقلها قائلا:
وده راح فين؟زي مادبرتيلها بيه مصيبة قبل كدة، تدبريلها مصيبة من تانى.
زفرت قائلة:
مبقاش فية عقل يامجدى يفكر، من ساعة ماعرفت إنها راجعة وسمعت إن مراد بيحبها وأنا هتجنن.
عقد مجدى حاجبيه قائلا:
اللى يسمعك دلوقتى يفتكر إنك بتحبى مراد وغيرانة عليه مش آخداه سلمة توصلى بيها للى إنتى عايزاه، وبعدين انتى قلتى إنك سمعتيه بيقول إنه كان بيحبها، كان، يعنى مفيش خوف منها دلوقتى.

نظرت بشرى إليه قائلة في حقد:
مراد فعلا سلمة لفلوس عيلة الشناوي، بس مجرد ما عرفت إنه كان بيحبها خفت، إنت متعرفش رحمة وتأثيرها، هالة البراءة اللى حواليها واللى بتشدك ليها زي السحر، مش كفاية يحيى بيحبها عشان تاخد مركزها وقوتها جوة العيلة؟، دلوقتى مراد كمان.
صعد مجدى إلى السرير وجلس خلفها يمسد لها كتفيها قائلا بنعومة:.

يحيى مبقاش يحبها بعد اللى حصل زمان، ولو لسة فيه رماد فاضل من حبهم إحنا هنزيحه خالص ونمحيه، أما مراد فإشغليه، خليه ميشوفش غيرك، هو انا برده اللى هقولك تعملى إيه عشان تكسبيه، بس متزوديش العيار عشان بغير،
ليصمت لثانية يهدئ مشاعر الغيرة بداخله ثم يستطرد قائلا:
صدقينى يابشرى عمر ما رحمة هتكون أد ذكاءك وجمالك، لو آمنتى بده، بسهولة هتغلبيها.

أحست بشرى بالإسترخاء بين يديه تدعم حركاته كلماته المشجعة لتهمهم موافقة، إبتسم مجدى وهو يقبل عنقها يتمرغ فيه بقبلاته نزولا إلى كتفها، ثم يمددها على السرير ويعتليها يغرقها بقبلاته فبادلته إياها بشغف، بإثارة، ليمد يده ويخلع عنها بلوزتها التي نجح في حل أزرارها دون ان تعترض مجددا ليقبلها مجددا وينهل منها ما يشاء وهي مستسلمة لتلك المشاعر الثائرة والتي تشعر بها فقط في أحضان، الرزيلة.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

جلست رحمة على سريرها تضم ركبتيها إلى صدرها بيديها، وتسيل دموعها على وجنتيها كدماء سالت من جروح عميقة بروحها، مؤلمة حقا ومزهقة لأنفاسها، لا تدرى كيف وافقت على طلب أختها، كيف ستستطيع تلبية رغبتها الأخيرة، كيف ستصبح لهذا الرجل الذي ما تمنت يوما غيره والتي أيضا أدركت منذ زمن بعيد أنها لن تستطيع أن تكون له، كيف؟

نهضت من مكانها تدرك أنها لن تستطيع الحصول على الراحة هنا في تلك الحجرة لتخرج منها باحثة عن الراحة في مكان آخر، مكان لم تكن تحلم بالتواجد فيه ولكن ها هي متجهة إليه، وبكل حزم.

دلفت بشرى إلى حجرتها بعد أن وجدت المنزل ساكنا على غير عادته في مثل هذا الوقت، إنتابتها الحيرة تتساءل عن مكان وجود الجميع، وكيف كان لقاء زوجها برحمة، ورحمة براوية، وإلى متى تنوى رحمة المكوث هنا أم أنها تنوى المكوث طويلا؟أسئلة وأفكار عديدة راودتها، ولكنها كانت مرهقة للغاية فتركت أفكارها جانبا، ربما في الصباح تعرف إجابات تلك الأسئلة فكل ماتحتاجه الآن هو حمام دافئ وساعات طويلة من النوم كي تستعيد نشاطها مجددا، وتنجلى أفكارها، لتدبر لتلك الرحمة مصيبة تليق بها،.

أضاءت نور الحجرة، لتنتفض وهي تجد مراد جالسا في هذا الركن البعيد، ينظر إليها بملامح جامدة، لتبتلع ريقها وهي تقترب منه قائلة:
خضتنى يامراد، إيه اللى مقعدك في الضلمة كدة؟
لم يجيبها مراد وإنما سألها بدوره قائلا:
كنتى فين يابشرى؟
قالت بشرى بإرتباك:
هكون فين يعنى، كنت، كنت عند صفاء، أنا والشلة، حفلة بنات كدة ع السريع، خلصتها وجيت.
قال مراد ببرود:
ومقلتليش ليه؟
إقتربت بشرى منه قائلة:
إتصلت بيك وتليفونك كان مغلق.

نهض مراد قائلا بحدة:
يبقى متخرجيش، المفروض إنى لازم أعرف مراتى خارجة فين قبل ما تخرج من البيت وياأوافق ياموافقش، مفهوم؟
إتسعت عينا بشرى قائلة بإستنكار:
إيه الكلام اللى انت بتقوله ده يا مراد؟، ومن إمتى الكلام ده، ها؟من أول جوازنا وأنا بخرج ومبقولكش وانت مبتعترضش ومبتهتمش أصلا.
اقترب منها مراد قائلا في برود:.

من النهاردة ياستى ههتم وهعترض. من النهاردة ممنوع تخرجى من غير إذنى، كان منظرى وحش أوي أدام يحيى وأنا مش عارف مراتى فين؟
رفعت بشرى حاجبها الأيسر وهي تقول بسخرية:
يحيى، قلتلى، بقى الموضوع فيه أخوك الكبير ومنظرك أدامه وأنا اللى قلت جوزى فجأة بقى مهتم بية وعايز يعرف بروح فين وبعمل إيه.

أحس مراد لثوانى بالإرتباك، فبالفعل سؤاله عن مكان وجودها ما جاء سوى من تنبيه أخيه عليه، وشعوره انه مقصر في حياته الزوجية أما في الحقيقة فهو لا يهتم ببشرى أبدا ولا يود أن يعرف شيئا عنها، فهي بالنسبة إليه مجرد زوجة أجبر عليها ولم تستطع أن تكسب قلبه بسبب عنجهيتها وتصرفاتها البغيضة، ليفقد أي إهتمام بها كإمرأة رغم جمالها الرائع والذي يحسده عليه الجميع، فلم يشعر معها بتسارع دقات قلبه مثل هذا الذي حدث معه منذ قليل عندما ضم رحمة إلى صدره، ولم يشعر معها بالراحة كما يشعر مع، شروق.

لا يدرى لما اقتحمت صورة شروق مخيلته الآن، لينفض تلك الصورة وهو ينتبه إلى كلمات بشرى التالية وهي تقول:
متحاولش تتعب نفسك، وتدور على كلام تبرر بيه موقفك، وبصراحة انا تعبانة ومش حمل مجادلة معاك وعايزة آخد شاور وأنام، بعد إذنك.

تجاوزته ليمسك ذراعها يعيدها إلى مكانها أمامه، كاد أن تقع فإستندت إلى صدره مغمضة العينين تخشى السقوط ليدعمها بيديه، فتحت عينيها بقوة وهي تشتم رائحة نسائية تعرفها جيدا وتكرهها في آن واحد، فهي تذكرها بصاحبتها التي تكرهها بدورها، وبشدة، تبا إنها تقليدية للغاية تلك الرحمة، حتى عطرها مازالت تحتفظ به، ولم تغيره، ولكن ما الذي أتى به على ملابس زوجها؟، لتنتفض مبتعدة عنه وهي تقول بحدة:.

إيه الريحة دى؟فهمنى جتلك منين؟
عقد مراد حاجبيه قائلا بحيرة:
ريحة إيه؟
قالت بشرى بحدة وهي تشير بإصبعها إلى صدر مراد قائلة:
ريحة البرفيوم الحريمى دى.
أحس مراد بالإرتباك لثوانى وهو يدرك أنها رائحة رحمة العالقة به، ليتمالك نفسه قائلا:
راوية أغمى عليها ورحمة من قلقها كان هيغمى عليها هي كمان...
قاطعته قائلة بحدة:
وإنت طبعا الشهم الهمام اللى لحقتها قبل ما تقع وسندتها، صح؟
قال مراد بحدة:.

بالظبط، زي ما عملت معاكى دلوقتى، فيها إيه دى كمان؟
إزدادت نبراتها حدة وهي تقول:
بس أنا مراتك.
قال مراد بغضب:
وهي كمان مرات أخويا.
قالت بشرى بسخرية:
كانت مرات أخوك، كانت،
تجمدت ملامح مراد وهو يقول:.

رحمة هتفضل دايما مرات أخويا، فبلاش مشاعرك الغريبة واللى مش مفهومة بالنسبة لى من ناحيتها وناحية راوية اللى بتموت ومع ذلك مشفتش منك شفقة ولا عطف او حنية عليها، ياريت تصفى قلبك قبل فوات الأوان، ياريت تبعدى من جواه كل مشاعر الغل والكره اللى بحسهم ماليينه قبل ما تخسرى كل حاجة يابشرى، لإنى بجد زهقت ومليت من تصرفاتك.
ليتركها ويغادر الحجرة صافقا الباب خلفه لتقول بشرى بغل:.

مش ممكن قلبى يصفى من ناحيتهم ولايمكن انسى إنى بكرههم، الاتنين أخدوا منى حلم حياتى وحب عمرى، واحدة حبها والتانية إتجوزها، وأنا ورغم انى من دمه زيهم، عمره ما شافنى ولا حس بية، ومش ههدى ولا يرتاحلى بال غير لما أخلص منهم الإتنين.
ليظهر في عيونها كل التصميم وهي تدلف إلى الحمام، لتستسلم للمياه وتريح أعصابها فالغد يوم طويل وعليها الإستعداد له، تماما.

دلف يحيى إلى حجرته ليجد راوية مازالت تنتظره رغم تأخر الوقت، نظر إليها نظرة طويلة معاتبة قبل ان يتجه إلى الحمام ليوقفه صوتها الضعيف وهي تنادى بإسمه، التفت إليها لتشير إليه بالإقتراب، ليقترب منها رغما عنه فملامحها الشاحبة بشدة وحالتها الصحية، تملأ قلبه بالشفقة و ترغمه على الإنصياع لرغباتها، جلس بجوارها على السرير دون أن يتحدث، فقط ينظر إليها لتمد يدها وتمسك يده بحنو، لم يبعدها، لتقول هي بصوت هادئ ولكن يحيى إستشعر حزنها الدفين به:.

أنا عارفة إنك زعلان منى عشان طلبت من رحمة ومنك حاجة زي دى من غير ماأرجعلك في الأول وآخد رأيك، بس مكنش ينفع أقولك على رغبتى دى قبل ما آخد موافقتها.
قال يحيى بعتاب:
وموافقتى يا راوية ملهاش أي إعتبار عندك، ولا رأيي تحصيل حاصل بالنسبة لك؟
إلتمعت عينا راوية بالدموع وهي تقول:
تفتكر إن مكانتك عندى قليلة أوي كدة عشان أستخف برأيك؟، كل الموضوع إن أنا حاسة بيك وعارفة اللى في قلبك يايحيى.

أطرق يحيى برأسه قائلا بحزن:
إنتى متعرفيش حاجة.
مدت يدها ترفع ذقنه لتواجهها عيناه وتقول هي بتقرير:
أنا عارفة إنك بتحبها.
إتسعت عينا يحيى في صدمة لتستطرد قائلة:.

بتحبها من زمان، وأنا كنت عارفة، ولغاية النهاردة مقدرتش تحب غيرها، بسمعك بتنادى إسمها في أحلامك، لإنك مش قادر تكون معاها في الحقيقة، إتجوزت هي أخوك وإتجوزت إنت أختها، بس القدر أهو بيديلكم فرصة تانية وكأن قصتكم مش مكتوب لها تنتهى بالفراق، وكأن مصيركم إنكم تكونوا لبعض مهما حاولوا يفرقوكم.
إنتفض يحيى واقفا وهو يقول:
إنتى بتقولى إيه بس، قصة إيه ومصير مين؟إنتى جرى لمخك حاجة؟
إبتسمت راوية بحزن:.

الموت لما بيكون قريب منك بيخليك تشوف كل حاجة صح وبتحاول تصحح حاجات كتير غلط في حياتك وحياة اللى حواليك واللى يهموك، وانا عمرى ماكنت صح أد النهاردة، متحاولش تنكر حبك، اللى بيبان جوة عيونك، في قاعهم اللى حاولت تخبى حبك فيه، وبيظهر فيهم بس لما بتسمع إسمها، وعشان كدة محيته من حياتنا كلنا، عشان بيفكرك بيها، بيفكرك بحبك الأول والأخير.

نظر إليها يترك مشاعره لأول مرة تظهر على وجهه دون أن يواريها كعادته مع الجميع، ليجلس مجددا وهو يقول بألم:
هي السبب، هي اللى إتخلت عنى ياراوية وخانتنى، و مع مين، مع أخويا، محت إسمها من قلبى قبل ماأمحيها من حياتنا كلها، ياريت تقفلى على الموضوع ده لأنه بيوجع أوي، الموضوع ده منتهى بالنسبة لى، وبعدين مش انتى مراتى برده، إزاي بس تطلبى منى أعمل حاجة زي دى؟
قالت راوية بحزن:.

لإنى هموت قريب أوي بطلبها منك، لإنى مش هكون موجودة في حياتك وحياة إبننا بطلبها منك، بطلبها وقلبى بينزف بس لازم أكون واقعية وأطلبها منك، لإنى لو مطلبتهاش، وإنت لو موعدتنيش، مش هتعملها يايحيى.
نهض يحيى يقول بعصبية:
ايوة مش هعملها، لإنى مستحيل هقدر أسامحها، وبعيد عن إنك مراتى وتبقى اختها فالجواز منها أصلا شئ مستحيل افكر فيه لإنها إنتهت بالنسبة لى، فجوازى منها مستحيل هيحصل وده قرارى النهائى ياراوية.

نظرت إليه راوية متفحصة ملامحه وهي تقول:
وإن قلتلك إنها هتكون لغيرك من تانى يا يحيى.
لم يستطع يحيى إخفاء صدمته التي ظهرت على وجهه رغما عنه وهو يقول:
تقصدى إيه بكلامك ده يارواية؟
تأكدت راوية في قرارة نفسها أنه مازال يعشق رحمة ولكنه كبرياؤه الأحمق ما يجعله ينكر مشاعره لتقول بهدوء:.

توفيق إبن خالتى في زيارته الأخيرة لية قاللى إنه قابلها في دبي وإنه لسة بيحبها وعايز يتجوزها وفعلا طلبها للجواز، وأنها طلبت منه يديلها فرصة تفكر، وبتهيألى لو رفضت إنك تتجوزها هتوافق عليه يايحيى.
قال يحيى بتوتر غاضب:
هي قالتلك إنها هتتجوزه؟
قالت راوية بهدوء:.

قلتلك قالتله هتفكر، بس طبعا لما أقنعتها تتجوزك، بقى الموضوع ده بالنسبة لها منتهى، لكن لو رفضت فتوفيق مستعجل ومش بعيد يقنعها ويتجوزها في أسرع وقت، توفيق عريس كويس وميترفضش، القرار بقى في إيدك يايحيى، والوقت بيفوت بسرعة.
تمالك يحيى نفسه الممزقة في تلك اللحظة غضبا وألما وغيرة، ليقول ببرود صقيعي:
وقرارى لسة زي ما هو ياراوية، جوازى من رحمة مستحيل، تتجوز اللى تتجوزه، صدقينى مبقتش تفرق كتير.

ليغادر الحجرة مسرعا وكأن شياطين الأرض تطارده، تدحض خطواته الغاضبة برودة لهجته وكلماته، لتقول راوية بألم:
مهما حاولنا ننكر مشاعرنا مش هنقدر، في الآخر هنستسلم ليها وساعتها هنعمل أي حاجة، أي حاجة عشان نحميها من الأذى.
لتغمض عينيها تشعر بالإرهاق الذي أنهك جسدها وروحها، بشدة.

دلف يحيى إلى حجرة ولده يبغى أن يريح قلبه المتعب برؤياه، ربما وجد صغيره مستيقظا لينسى أفكاره التي تحرقه وهو يداعبه، ذلك الملاك الصغير الذي يعشقه والذي يجعله ايضا يحتمل تلك الحياة وآلامها، ليتوقف في مكانه متجمدا وهو يراها أمامه نائمة على هذا الكرسي الهزاز بجوار السرير، تضم طفله بين ذراعيها، وينام هو على صدرها بأمان، لا يدرى لماذا شعر بقلبه الآن يذوب في صدره، ولما إزدادت حرارة جسده وإشتعل كيانه بالكامل، هل لأن هذا المشهد لطالما راود أحلامه منذ أن شب على حبها ودق قلبه من أجلها، أم لإنها الآن تبدو كصورة مجسدة لجمال ملائكي برئ يخلب الألباب، أو ربما لأنها هي فقط رحمة وهذا الذي بين يديها هو طفله الصغير هاشم، وكليهما قطعة من روحه مهما رفض مشاعره وأنكرها، أغمض عينيه عن تلك الصورة الخلابة ليفتحهما مجددا تصارعه أفكاره من جديد، ترى هل سيأسر رحمة رجل آخر بالرباط المقدس، هل ستكون أما في يوم من الأيام لطفل رجل آخر يتأملها وهي نائمة يضم حضنها صغيره كما يتأملها هو الآن؟، أشعلته الغيرة، وأحرقه غضب شديد سري بعروقه وهو يتخيلها ملكا لغيره، مجددا،.

يشعر بأنه لن يتحمل ذلك تلك المرة، ورغم أنها تستحق الموت لما فعلته به بالماضى، لكن لابد وأن يعترف أنها لازالت تمتلك قلبه، ذلك القلب الخائن العاشق لها حتى الموت، يدرك وبكل ضعف أنه لن يستطيع أن يتركها لغيره، فإما هو أو الموت، ولا خيار آخر أمامها.

تراجع إلى الخلف بحذر، لينظر إليهما نظرة اخيرة قبل أن يغلق الباب متجها إلى حجرته، ليجد راوية مازالت مستيقظة رغم تأخر الوقت، تتطلع إليه في حزن، ليأخذ ملابسه متجها إلى الحمام في صمت ولكن يده توقفت على مقبض الباب للحظة وهو يستدير بجانب وجهه إليها قائلا بجمود:
أنا موافق ياراوية.
ثم دلف إلى الحمام وأغلقه خلفه، لتتسع عينا راوية لا تصدق أذنها، ثم مالبثت أن زفرت براحة قبل أن تنظر إلى السماء قائلة:
الحمد لله.

لتغلق عينيها وتستسلم لنوم عميق، ترتسم على شفتيها لأول مرة منذ سنوات، إبتسامة إرتياح.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

قال هشام بسخرية:
حبيب القلب هيتجوز بكرة.
نظرت إليه رحمة في صدمة قائلة:
إنت بتقول إيه؟
إقترب منها يقول بإبتسامة ساخرة باردة الأحرف:
بقول إن يحيى فرحه بكرة وتعرفى مين عروسته؟
مزقتها صدمة ذلك الخبر، يحيى سيتزوج غدا، بعد مرور أيام على زواجها من أخيه، ألم يعشقها يوما، ألم يخبرها أنه يذوب في هواها، كيف إستطاع نسيانها بتلك السرعة، كيف؟لتفيق من صدمتها على سؤاله الساخر وهو يقول:.

مش عايزة تعرفى إسم العروسة؟، على فكرة، إنتى تعرفيها كويس.
أغمضت عينيها، لا ليست بشرى، تلك التي تكرهها من كل قلبها، تعلم منذ صغرها أنها تكن لها نفس الشعور لتفتح عينيها في ذهول على كلمات هشام التالية:
العروسة تبقى راوية، أختك.
قالت بنبرات مرتعشة:
كددداب، مستتتحيل، راوية؟
أخرج من جيبه كارت دعوة ألقاه بوجهها قائلا:
إقريه يمكن ساعتها تصدقينى.

إنحنت تأخذ الكارت من على الأرض، تفتحه بيد مرتعشة لتقع عيناها على إسم العريس، يحيى الشناوي، حبيبها الخائن الذي تزوج بعد أيام من وعده إياها بالزواج، لتصل عيناها لإسم العروس، راوية الشناوي، أختها، أغمضت عينيها في ألم، تدرك أنه يعاقبها على زواجها التي أجبرت عليه، بزواجه من أختها، وياله من عقاب، أفاقت على قبضة هشام التي أمسكت بذراعها وهو يقول بنبرات كالفحيح:.

جوازه نجاه منى، انا كنت خلاص بفكر أقتله بسبب حبك ليه، حتى تصديقه لخيانتك و جوازنا قصاد عنيه وهو واقف مفكرش حتى يعترض، كل ده مقدرش يمحى حبه من قلبك، لكن جوازه خلانى عرفت إنك ولا حاجة بالنسبة له، وبتهيألى انتى كمان عرفتى ده، فالمفروض دلوقتى تنسيه، بإرادتك أو غصب عنك، بس لازم تكونى متأكدة إنك هتنسيه هتنسيه، لإنك مراتى أنا، حبيبتى أنا، مفهوم؟

كان يضغط على ذراعها بقوة، يؤلمها بشدة ولكن ألمها الأكبر نبع من أعماقها التي أدركت بالفعل أنها لم تعنى ليحيي شيئا.

، إستيقظت رحمة تشعر بألم شديد بصدرها، فتحت عينيها لتجد نفسها جالسة على ذلك الكرسي الهزاز تضم هاشم إلى صدرها، شعرت ببعض الراحة بعد أن كانت تشعر بذلك الألم في قلبها والذي يجلبه تجدد تلك الذكرى في أحلامها، نهضت ووضعت الصغير في سريره، ليفتح عينيه الجميلتين وتراهما رحمة لأول مرة، كم تشبه عيناه عينا أبيه، يحيى، ليبتسم وتظهر غمازتيه بدورهما، كتلك الغمازتين الخاصتين بيحيي تماما، لتدرك ان هاشم قطعة من أبيه، أغمضت عينيها عن صورته التي تمثلت أمامها ثم فتحتهما مجددا لترى هاشم قد عاود النوم مجددا، إبتسمت في حنان، ثم ربتت على رأسه ومالت تقبله قبلة خفيفة على وجنته قبل أن تتجه خارجا لتغادر الحجرة، لتتوقف و تلقى عليه نظرة أخيرة قبل أن تغلق باب الحجرة، بهدوء.

ألقى مراد نظرة على بشرى النائمة بعمق إلى جواره، قبل أن ينهض ويتجه إلى شرفة الحجرة، يقف ناظرا إلى الحديقة بشرود، أخرج من جيبه علبة سجائره والتي لا يلجأ إليها سوى عندما يكون في قمة توتره، ليشعل منها سيجارة وينفث دخانها ناظرا إلى الأفق البعيد، لم يستطع النوم بتاتا، يفكر في ما سمعه البارحة من راوية وطلبها من أخيه الزواج من رحمة، ليشعر بقلبه يشتعل نارا، نارا أحرقته مجددا وهو يتخيلها زوجة ليحيي، ماالذى يحدث له؟ألا يكفيهم عذابه الذي عاش فيه لسنوات وهو يدرك انها أصبحت زوجة لأخيه الأصغر هشام، الآن يريدونها زوجة لأخيه الأكبر يحيى؟وماذا عنه، ماذا عن مشاعره التي يحملها لها، نعم لقد أدرك البارحة انها مازالت تحتل قلبه، الذي إستكان بإستكانتها داخل صدره واشتعل غيرة وهو يتخيلها ملكا لأخيه، إذا ماذا سيفعل إن كانت لأخيه فعلا، أطفأ سيجارته في منفضة السجائر، يرفض أفكاره ويبعدها بعيدا، فمن الواضح أن أخاه رافضا لذلك الطلب، ولن يقبل به، لذا فليطمأن قلبه الثائر في صدره، ليعود ويفكر، إن لم تكن ليحيي فيوما ما ستكون لغيره، ربما عليه الإسراع وعرض الزواج عليها، لتظهر صورة شروق في تلك اللحظة ماثلة أمامه، عقد حاجبيه وهو يشعر بالحيرة، يتساءل، ماذا عن شروق؟، هل سيستطيع التخلى عنها من اجل رحمة، وماذا عن بشرى أيضا، هل سترضى ان تكون رحمة زوجته، رحمة التي تكرهها من كل قلبها؟وماذا عن رحمة نفسها هل ستوافق؟أحس بالإضطراب، بحيرة قاتلة وهو لا يجد إجابة لأي سؤال من تلك الأسئلة التي طرحها عقله عليه، ليزفر بقوة ثم يتجه إلى الداخل ليبدل ملابسه وينزل إلى حجرة الطعام، ربما وجد الراحة هناك، مع رحمة، بالأسفل.

كادت رحمة ان تتجه إلى جناح أختها لتطمأن عليها، ولكنها نظرت إلى ساعتها التي تشير إلى السابعة صباحا، تدرك ان الوقت مازال مبكرا وربما كانت نائمة الآن وإلى جوارها يحيى، وعلى الرغم من أنها تدرك أن هذا شئ طبيعي إلا ان مجرد تخيله يمزق قلبها ألما، إلى جانب شعورها بأنها لن تتحمل أن تواجهه بعد ما حدث البارحة ومعرفته بإقتراح أختها، بل وصيتها ورغبتها الأخيرة كما تردد، هبطت رحمة إلى الأسفل، لتفاجئ بمراد جالسا في حجرة الطعام لتبتسم قائلة:.

صباح الخير.
خفق قلبه لإبتسامتها ليبتسم بدوره قائلا:
صباح النور.
جلست إلى جواره قائلة:
الظاهر إن مش أنا لوحدى اللى صحيت بدرى.
نظر إليها يتأمل ملامحها بطريقة أربكتها قائلا:
لأ، مش لوحدك.
إبتلعت ريقها قائلة في إرتباك:
إحمم، هي، بشرى مراتك فين، وأخبارها إيه؟أصل، يعنى، مشفتهاش إنبارح لما جيت.
كاد مراد أن يتحدث ولكن قاطعه صوت بشرى الذي يحمل سخرية داخل طياته وهي تجيبها قائلة:.

موجودة ياحبيبتى، والله فيكى الخير وبتسألى عنى، حمد الله ع السلامة.
مازالت بشرى كما هي، حقود، غيور منها، تكرهها وبشدة، هذا ما فكرت فيه رحمة وهي تلتفت إلى بشرى الواقفة أمامها بثبات لتقول بهدوء:
الله يسلمك يابشرى، إزيك؟
قالت بشرى بإبتسامة باردة:
بخير يارحمة، إيه مش شايفة بنفسك؟
إبتسمت رحمة ببرود قائلة:
لأ شايفة طبعا، حقيقى متغيرتيش، لسة زي ما إنتى، بشرى بتاعة زمان.

إبتسم مراد بداخله وهو يتذكر كلمات رحمة عن بشرى والتي ذكرته جملتها الأخيرة بها فقد كانت دائما تقول عنها(بشرى كتلة جنان)، مما كان يثير غيظ بشرى وحقدها على رحمة أكثر لتكفهر ملامح بشرى وتظهر نظرة غل في عيونها كما تظهر تماما الآن، ليبدو أنها تتذكر كلمات رحمة بدورها، كادت أن ترد عليها حين إستمعوا إلى صوت يحيى الذي صرخ بإسم راوية في لوعة، لتنتفض القلوب رعبا وهم يدركون معنى صرخته، لينطلقا بإتجاه حجرته يتآكلهما القلق، فيما عدا بشرى التي تابعتهما، وفى عيونها إرتسمت نظرة إنتصار وعلى شفتيها ظهرت إبتسامة، وهي تقول بهمس:.

وأخيرا.

قالت علا بصوت خافت موجهة حديثها إلى بشرى الجالسة بجوارها تنظر إلى رحمة بحقد:
خفى يابشرى، مش كدة، الستات أخدت بالها منك.
زفرت بشرى وهي تنظر إلى علا قائلة في همس حاد:
غصب عنى، إنتى مش شايفة ستات العيلة عاملين معاها إيه، وكأنها مبعدتش عنهم بمزاجها سنين، وكأنهم نسيوا إنى انا اللى كنت بزورهم وبودهم وبعملهم الحفلات وبجمعهم، سايبينى أنا وقاعدين حواليها بيواسوها، هتشل يا علا، هتشل.
قالت علا بهدوء:.

إهدى بس وإسمعينى، هي أخت المرحومة راوية والطبيعى يكونوا بيواسوها اكتر لإنها الاقرب ليها واللى باين حزنها عليها، إنتى مش شايفة دموعها و حالتها عاملة إزاي، دى لا أكل ولا شرب ولا نوم، تحسيها هيجرالها حاجة.
نظرت بشرى إلى علا في حدة قائلة:.

حتى إنتى يا علا بتصدقى الحركات بتاعتها دى، هو انا مش ياما كلمتك عنها، دى تمثيلية ياعلا، تمثيلية قصدها تكسب بيها عطف العيلة وشفقتهم، وعطف يحيى ومراد طبعا، دى حرباية وعارفة إزاي تتلون بألف لون.
قالت علا بهمس:
وأهى خطتها نجحت والكل متعاطف معاها، إتعلمى منها بقى ياحبيبتى ومثلى شوية، الناس بيبصولك.

نظرت بشرى بالفعل إلى محيطها لتجد بعض النسوة ينظرون إليها تبدو على ملامحهم الإستنكار، لتشعر ان علا على حق، يجب ان تبدأ التمثيل الآن وحالا وإلا ستكون سيرتها غدا على كل لسان في تلك العائلة التي تكرهها من كل قلبها، عائلة الشناوي.
لتدمع عيناها على الفور وهي تستحضر كل قدراتها التمثيلية، لتصرخ بلوعة قائلة:
ياحبيبتى ياراوية، ملحقتيش تفرحى بهاشم جوة حضنك، كنتى أخت، والله كنت أخت، ربنا يرحمك ياحبيبتى يارب.

ظهر الحزن على وجوه الجميع وهم يقولون آمين، وبدأت بعض النسوة تتجه إلى بشرى تطلب منها الصبر وذكر الله، يواسونها على مصابها وهي تبكى وتقول:
قدر الله وما شاء فعل، ربنا يرحمها برحمته، وحشتني من دلوقتى.

لتتلاقى عيناها بعيني علا التي ضمت السبابة والإبهام رافعة اصابعها الثلاثة علامة الكمال خفية، لتكاد بشرى ان تبتسم في إنتصار ولكنها أخفت تلك الإبتسامة بسرعة لتلتقط رحمة ما حدث وتهز رأسها في يأس، تمد يدها لتمسح دموعها المتساقطة على وجهها قائلة في ضعف:
ربنا يرحمك ياراوية.

، إنفضت النسوة وإنتهى العزاء، لتقترب روحية من رحمة قائلة في حنان:
قومى ياست رحمة، كلى لقمة وإرتاحى شوية، كدة مش كويس علشانك.
قالت رحمة بضعف:
مش قادرة ياروحية آكل، أنا هقوم أرتاح في أوضتى.
قالت روحية بإصرار:
مينفعشى ياستى، إنتى مكلتيش حاجة من ٣ أيام، مفيش حد يقدر يعيش من غير أكل.
قالت رحمة بضعف:
مش قادرة احط حاجة جوة بطنى، من فضلك ياروحية سيبينى براحتى.
قالت روحية:
بس...
قاطعتها بشرى قائلة بحدة:.

ما قالتلك مش قادرة، خلصنا بقى، هو إحنا هنترجاها تاكل، ما إنشالله ما أكلت، دى حاجة تإر...
هدر صوت يحيى من خلفها مقاطعا إياها وهو يقول:
فيه إيه، بتزعقى كدة ليه يابشرى؟
نظر الجميع إلى يحيى الذي دلف لتوه من باب المنزل يبدو عليه الإرهاق بدوره وقد إستطالت ذقنه وظهر السواد حول عينيه، يتبعه مراد، لتقول بشرى متلعثمة:
مبزعقش ولا حاجة، أنا بس، أنا...

ليتجاهلها يحيى تماما وهو يلقى نظرة على وجه رحمة الشاحب بشدة، ينتابه القلق من مظهرها الضعيف، يخشى ان تكون بشرى قد ضايقتها بكلامها ويدرك من إطراقة رأسها أنها لن تتحدث، ليقول موجها حديثه إلى روحية قائلا:
فيه إيه ياروحية؟
قالت روحية في إحترام:
رحمة هانم مكلتش يايحيى بيه وانا كنت بنبهها إنها لازم تاكل قبل ما تطلع اوضتها بس هي رفضت زي كل يوم.
إتسعت عينا يحيى في صدمة وهو يوجه حديثه إلى رحمة قائلا:.

إنتى مكلتيش من إمتى يارحمة؟
رفعت إليه عينان ضرب كل من ضعفهما ودموعهما قلبه في مقتل وهي تقول بصوت خافت:
مليش نفس، مش عايزة آكل.
إقترب منها قائلا بقلق حازم:
أنا بسألك سؤال تجاوبينى عليه، مكلتيش من إمتى؟
قالت روحية بسرعة:
من ساعة المرحومة راوية هانم ما ماتت، من ٣ ايام يابيه.

نظر يحيى إلى روحية بصدمة ثم عاد بنظراته إلى رحمة التي بدأت تشعر بدوار خفيف، تود في تلك اللحظة ان تهرب إلى أمان حجرتها تدرك ان كل العيون عليها وهذا يصيبها بالتوتر والضيق، خاصة عيون هذا الرجل الواقف أمامها، لتسمع صوت بشرى وهي تقول بحدة:
إنتوا مكبرين الموضوع أوي على فكرة، إيه يعنى مكلتش، دلع ماسخ بصراحة.
إلتفت يحيى إلى بشرى قائلا بصرامة:
إنتى بالذات تسكتى خالص ومسمعش صوتك، مفهوم؟

نظرت بشرى إليه بصدمة ثم نظرت إلى مراد الذي كان يتابع ما يحدث بملامح جامدة صامتة، لتشعر بالغضب يهز كيانها لتضرب الأرض بقدميها في حنق قبل أن تتركهم وتتجه إلى حجرتها بخطوات سريعة غاضبة تتابعها الأعين لينتفض يحيى على صوت روحية وهي تقول برعب:
إلحق يايحيى بيه.

ليلتفت يحيى إلى رحمة التي كادت أن تسقط أرضا ليسندها بذراع صلبة قبل أن ينحنى ويحملها بين يديه وقد ظهر الجزع على ملامحه، يدرك أنها أغشي عليها، ليصرخ بروحية قائلا:
هاتى بيرفيوم من أوضتى وحصلينى على أوضتها بسرعة ياروحية، رحمة مستحيل تروح منى تانى.

أسرعت روحية تنفذ اوامر يحيى بينما وقف مراد عاجزا، كاد أن يذهب وراءهم ولكن إكتشافه الذي مزق كيانه الآن، أصابه بالذهول ليشعر بالإختناق، ليقرر أنه لابد وأن يذهب إلى المكان الوحيد الذي يشعر فيه بالراحة، لذا غادر المنزل متجها بكل حسم، إلى شروق.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

وضع يحيى رحمة على السرير ثم جلس بجوارها يمسك يدها يفركها بين يديه، هاله مظهرها الشاحب وشفتيها الزرقاوين ونبض قلبها الضعيف، تحاكى ملامحها ملامح الموتى، ولكن أنفاسها التي تخرج من صدرها هو ماجعله يتنفس بدوره ولو قليلا،.

لقد جزع قلبه حقا خوفا عليها وأنبأه ذلك الشعور الذي يشعر به الآن أنه لن يستطيع التخلى عنها أبدا ولا حتى للموت ليرفع يدها إلى شفتيه يقبلها بقوة وهو يغمض عينيه يتوسل قلبه لها صارخا، بالله عليكى لا تتركينى مجددا، ليترك يدها على الفور وهو يشعر بدلوف روحية إلى الحجرة تمنحه زجاجة العطر الخاصة به لينثر بعض منها على يديه ثم يقربها من أنفها، جعدت رحمة أنفها وبدأت في فتح عينيها الدخانيتين واللتين لطالما أسرتاه بنظراتهما البريئة تلك، زفر بقوة إرتياحا، ليقول لدادة روحية دون أن يحيد بنظراته عن رحمة:.

حضريلها لقمة بسرعة ياروحية.
فتحت رحمة فاهها لتعترض بضعف ولكن إصبع يحيى الذي وضعه على شفتيها كتم إعتراضها خاصة وهو يقول بنبرة حانية أذابت قلبها:
هش، ولا كلمة، هتاكلى وأنا بنفسى اللى هأكلك.

تأملت عيناه بنظرة جعلته أسيرها لثوان، يشعر بإرتعاشة شفتيها تحت إصبعه، إرتعاشة هزته من الأعماق، تجبره على الإقتراب والنهل من شهد شفتيها حد الإرتواء، قبل أن يفيق من هذا الأسر وهذه المشاعر وهو يدرك أنه يقع في سحرها مجددا ليبعد إصبعه عن شفتيها وهو يشيح بوجهه موجها حديثه إلى روحية قائلا في حزم:
مستنية إيه ياروحية؟، بسرعة هاتى الأكل.
أومأت روحية برأسها وهي تقول:
ثوانى يابيه والأكل يكون عندك.

لتسرع بمغادرة المكان بينما عاد يحيى إلى رحمة بنظراته رغما عنه يغرق في سحر تلك العيون التي تبدو في براءة عيون حمل وديع الآن ولكنه يدرك أنها عيون حرباء متلونة، ولكن رغما عنه يغرق فيهما دون إرادة، كالسكير.

كانت شروق تجلس على السرير في حجرتها تتصفح الإنترنت على هاتفها الجوال حين فوجئت بمراد يدلف إلى الحجرة لتترك الهاتف وهي تنهض بسرعة وتتقدم تجاهه وقد هالها مظهره المنهك الحزين، لتحتضنه وتضمه إليها قائلة:
مالك ياحبيبى فيك إيه؟
مرغ مراد وجهه في عنقها وهو يقول بألم:
تعبان ياشروق، تعبان أوي.
زادت من ضمتها إياه وهي تقول بصوت تهدج، تأثرا عليه:
سلامتك من التعب ياقلب شروق، ياريت تعبك يسيبك وييجى جوايا أنا.

إبتعد عن محيط ذراعيها وقد أجزعته كلماتها، لا يريدها أن تصاب بأذى أبدا حتى ولو كان أذى نفسيا، ليضم وجهها بين يديه قائلا بلهفة:
بعد الشر عنك، متقوليش كدة.

أدمعت عيناها وهي ترى لأول مرة لهفته عليها، تدرك أنه بات يكن لها بعض المشاعر حتى وإن لم يعترف بذلك بعد، فلقد كان إتفاقهما عند الزواج أن تمنحه سكينة لا يشعر بها مع زوجته ويمنحها منزلا وزوجا يرعاها بعد أن كادت أن تلقى في الشارع بلا مأوى لها، من قبل عمها الذي قال لها مباشرة أن أولاده هم أحق بتلك اللقمة التي يمنحها إياها، يإست تماما وقد أصبحت دون أهل أو مأوى، مشت في الشوارع حتى بلغ منها اليأس مبلغه لتلقى بنفسها في وسط الطريق تبغى خلاصا من حياة بائسة، ليكبح مراد فرامل سيارته قبل ان يصدمها مباشرة ويهبط منها، يوبخها بشدة لرعونتها، لتنفجر في البكاء فيشفق قلبه عليها، يشعر بوجود مأساة خلف تلك الدموع، ليأخذ بيدها ويطلب منها ان تحكى له مأساتها لتخبره بكل شئ، لا تدرى حتى الآن كيف باحت له بما لم تبح به لمخلوق، صمت طويلا مفكرا ثم عرض عليها العمل معه في الشركة لتوافق على الفور، منحها مبلغ من المال لتبحث عن مسكن قريب، وفى نفس اليوم تقابلت مع صديقتها نهاد وهي في رحلة البحث تلك، لتسكن معها، وتشعر بالحياة وأخيرا تفتح لها ذراعيها من جديد، ومع مرور الأيام فاجئها مراد بعرضه الزواج منها لتفاجئ اكثر بموافقتها التي أرجعتها وقتها لفضله الكبير عليها، ولكنها أدركت بعد الزواج أنها وافقت على عرضه لأنها أحبته من النظرة الأولى، أفاقت من شرودها على يده الحانية والتي امتدت تمسح دموع سقطت على وجهها دون ان تشعر بها، ومراد يقول بعتاب:.

انا مش قلتلك من أول يوم شفتك فيه إن العيون الجميلة دى مش لازم تبكى وأنا موجود.
رفعت يدها تسحب يده إلى شفتيها تقبلها بعشق قائلة:
ربنا يخليك لية يامراد وميحرمنيش منك أبدا.

حركة بسيطة وكلمات أبسط منحاه شعور غريب بالراحة والسكينة، شعور لا تمنحه إياه سوى شروق، تلك الفتاة البسيطة رائعة الجمال، والتي منحته ماعجزت عن أن تمنحه إياه بشرى، منحته حب يظهر في تلك العينين العشبيتين، وفى اهتمامها به وبكل ما يحبه ويرغبه، ومنحته راحة في الإستماع إليه وإلى ما يؤرقه ثم بكلمات بسيطة أو لمسات رقيقة تزيح كل ما يتعب قلبه، تمحيه وكأنه لم يكن، ومنحته ملجأ عندما تضيق به السبل يلجأ إليه واثقا بأنه سيفتح له طاقة من نور تنير طريقه المعتم، إنه حضنها الدافئ ومنزله الذي ملأت أركانه دفئا بدوره، هذا ما تمنحه له شروق، لذا لا يستطيع ان يتخيل يوما حياته دونها، ولكن في المقابل ماذا منحها هو؟

قاطع أفكاره صوتها العذب وهي تقول:
إرتاح شوية على ما أعملك حاجة تاكلها ياحبيبى.
كادت ان تغادر حين أمسك يدها يمنعها من المغادرة ويعيدها إلى مكانها قائلا:
مش جعان، خليكى جنبى وبس، أنا كدة مرتاح، وجودك بس جنبى راحة ياشروق.
نظرت إليه بلهفة قائلة:
بجد يا مراد؟
مال يقبل شفتيها قبلة خفيفة قبل أن يقول هامسا أمام شفتيها:
بجد ياشروق.

ليعود إلى شفتيها ثانية مقبلا إياها قبلة دافئة بادلته إياها على الفور ليتعمق بقبلاته آخذا إياها إلى عالمه التي تعشقه وتشعر بين طياته بعشقه الذي يحمله لها، تدرك أنه لم يعترف به حتى الآن لنفسه ولكنها تشعر به في كل قبلة ولمسة حيا بين نبضاته، وهذا يكفيها، مؤقتا.

قرب يحيى ملعقة الشوربة من فم رحمة لتفتح شفتيها رغما عنها وتشربها، رأي يحيى قطرة من الشوربة إستقرت على شفتيها الجميلتين ليمد يده دون وعي منه ويمسحها بحركة خطفت أنفاسها وأرسلت القشعريرة في سائر جسدها، لتتعلق عيناها بعينيه، تشعر بيحيي يعود كما كان قديما، حنونا محبا، لتزداد حرارة جسدها بشدة وتزداد دقات قلبها وكأنها في سباق وتحمر وجنتاها لتغيم عيناه وهو يرى ملامحها التي إزدادت جمالا، وشفتيها المرتعشتان اللتان تجذبانه لها كما تجذب النار الفراشة، ولكن مع الأسف تلك النار تحرقها بالنهاية، ليكبح جماح نفسه بكل قوة، كادت هي بدورها أن تستسلم لعشقها القديم، كادت أن تلقى بنفسها في أحضانه ليضمها ويبعد عنها احزانها ومخاوفها كالماضى ولكنها قاومت مشاعرها ورغباتها بكل ذرة فيها، تدرك أن هذا هو يحيى من ظن بها السوء رغم أنه هو من رباها على يديه، هو من أنشأها على عشقه فلم ترى غيره ولم يدق قلبها لسواه، هو من تخلى عنها وتركها لأخيه تعانى مرارة الهجر وقسوة الغدر وألما يفوق الإحتمال مع رجل سادي أذاقها كل أنواع الألم الذي تحملته فقط لإنها تؤمن ان لكل ظالم نهاية وأن بعد العسر يسرا كما قال ربها وأكد في قرآنه المجيد.

نهض يحيى قائلا في توتر:
انا هخلى روحية تيجى تأكلك...
قاطعته قائلة:
لو سمحت متتعبهاش، أنا هاكل لوحدى.
نظر إلى ملامحها الهادئة قائلا:
متأكدة؟
أومأت برأسها ليقول مكررا:
هتاكلى يا رحمة، قلة الأكل مش كويسة علشانك.
وكأنه يهتم إن عاشت أو ماتت، لتقول بعصبية:
انا مش طفلة صغيرة على فكرة، ولما أقول هاكل يبقى هاكل، بطل تعاملنى معاملة الأطفال يايحيى، إنت كدة بتخنقنى.
إبتسم بسخرية قائلا:.

الاحسن إنى أعاملك كطفلة، صدقينى، ما هو إنى اعتبرك طفلة صغيرة مش عارفة مصلحتها فين، أحسن كتير من إنى اعتبرك كبيرة وواعية ﻹن تصرفاتك دى لو اعتبرتها من واحدة كبيرة فهتنزلك من عينى أوي يارحمة، وأظن مش ممكن تنزلى أكتر من كدة.

أغروقت عيناها بالدموع ولكنها أطرقت برأسها حتى لايرى دموعها وضعفها، بينما هو شعر بالندم فور نطقه لتلك الكلمات وهو يرى شحوب وجهها ولكنه أدرك أنه أراد بتلك الكلمات ان يثبت لها أنه ليس ضعيفا أمام سحرها كما ظهر منه، وأنها لا تؤثر به بتاتا، أراد ان يوضح لها رأيه فيها حتى لا تنتابها الشكوك حول مشاعره ورغم انه أراد ان يبثها كل ذلك إلا أن إطراقة رأسها ومظهرها الضعيف الآن جعلاه يشعر بالندم على تفوهه بتلك الكلمات الفارغة، يدرك أنه إن تركها الآن فلن تأكل وربما حدث لها شيئا وهو لن يسمح بإصابتها بأي سوء، ليعاود الجلوس بجوارها يمسك بطبق الشوربة مجددا، ويمد يده بالملعقة إليها لترفع وجهها تنظر إليه بدهشة إختلطت بالدموع في مشهد فطر قلبه، لينظر إليها بعيون قرأت فيهم ندمه الذي يحاول أن يخفيه عنها لتسامحه على الفور على كلماته القاسية، لاعنة قلبها الذي يذوب به عشقا، لتفتح فاهها وتشرب، لاتدرى مذاق ما تشربه ولكن كل ما تدركه أن يحيى هو من يذيقها إياه لتستشعره في فمها، رائع المذاق.

كانت بشرى تجوب حجرتها جيئة وذهابا، تشعر بالحقد والغيظ يمزقان كيانها، تبغى الإنتقام ممن كانت السبب في أن يصرخ عليها يحيى لأول مرة في حياتها، لا تدرى ماذا تفعل؟لتتوقف في مكانها ترفع يدها إلى رأسها تفركها في حدة وهي تقول:.

فكرى يابشرى، فكرى، إيه، افكارك الجهنمية راحت فين؟دماغك دى صدت ولا إيه؟أكيد من قلة إستعمالها، بقالك كتير راكناها على الرف، لكن آن الأوان تستخدميها عشان تزيحى العقربة رحمة من طريقك، بس هتظبطيها إزاي بس؟
لتزفر قائلة:
طول ما أنا عايشة في التوتر ده وهي أدامى مش هعرف أفكر وأدبرلها مصيبة تاخدها من وشى، وأخلى الطريق يفضالى بقى، كل اللى هيحصل إنى هتعصب وأغلط وأزعل يحيى منى وبس.
لتلتمع عيناها وهي تقول:.

أيوة، أحسن حاجة أروح لأخو جدى هاشم البلد، أيوة هروح للحاج صالح، هناك هدوء وهعرف أفكر براحتى وبالمرة أجدد علاقتى بيهم، جايز أحتاجلهم في خطتى.
لتبتسم بإنتصار قائلة:
أما إنتى عليكى دماغ يابشرى، ألماس.
لتطلق ضحكة ساخرة، وهي تمنى نفسها بقرب الخلاص نهائيا، من رحمة.

إستيقظ مراد ليجد شروق نائمة في حضنه تضع رأسها على صدره العارى وتحيط خصره بذراعها، تحاوطه وكأنها تخشى ان يبتعد عنها ليبتسم في حنان وهو يمرر يده على خصلات شعرها الحريرية، ثم يرفعها بحذر ويمددها بجواره لتتمطى كقطة وتتمسح به، مال يقبلها على وجنتها بنعومة، يغمض عينيه وهو يستنشق عبيرها الأخاذ، ثم يفتحهما ملقيا على ملامحها الجميلة نظرة أخيرة قبل ان ينهض بحذر، حتى لا يوقظها، فلا طاقة له اليوم برؤية حزنها لرحيله كما يحدث عادة، تظن هي انها إستطاعت ان تواريه عنه ويدركه هو في طيات عينيها الخضراوتين الساحرتين، نافذته التي يستطيع من خلالها رؤية مكنون قلبها، تنهد بحزن، كم ود لو إستطاع ان يبدل قلبه أو يمحى عشق رحمة منه على الاقل كي يستطيع ان يبادلها ذلك العشق الكبير الذي تكنه له، ولكنه للأسف لا يستطيع، رغم انه أدرك مؤخرا حقيقة غابت عنه طوال حياته وهي أن أخاه يعشق رحمة، والمصيبة الأكبر أن رحمة تعشقه بدورها، ظهرت تلك الحقيقة في نظرات رحمة إلى يحيى وكلمات يحيى التي خرجت منه دون إرادة، تلك الحقيقة صدمته وأشعلت كيانه حزنا، فطر قلبه إدراكه أنهم، أولاد عاصم الشناوي، ثلاثتهم أحبوها منذ الصغر، ولكن هي، هي لم تحب سواه، أخاه الأكبر، يحيى، ذلك الذي يحبه كوالد، كأخ أكبر، كقدوة، ورغم أنه وجب عليه ان يتخلص من عشقها الآن بعد إكتشافه ذلك، إلا أنه لا يستطيع، مازال قلبه ينطق بحروف إسمها، مجبرا إياه على التفكير بها، يتساءل ما مصير ذلك العشق الذي يهدم كيانه ويبعده عن كل ما حوله سواها، لينظر إلى شروق النائمة كالملاك متسائلا، وماذنب تلك المسكينة التي تعشقه بكل ذرة في كيانها، وتنتظر يوما يبادلها فيه عشقها؟ليغمض عينيه ألما، فبيده يقبع الحل لكل مشاكله ولكن قلبه يرفض أن يستمع إليه، ليبتعد مغادرا بخطوات ثقيلة، يعلم أنه وحده السبب في عذابه ولكن ما بيده حيلة فالحب في حالته لعنة ولا خلاص منها سوى بالموت، نعم هو الموت، ولا شئ غيره.

دلف مراد إلى حجرته بهدوء يبتهل بكل شدة إل الله ان تكون بشرى نائمة، فلا طاقة لديه اليوم أيضا لمشاجرة جديدة مع بشرى يستشعرها في كل كيانه، عقد حاجبيه بشدة وهو يرى الغرفة الخالية منها، تفقد الحمام فلم يجدها أيضا ليزداد إنعقاد حاجبيه، حتى وقعت عيناه على ورقة بيضاء وضعت على السرير مكتوب عليها إسمه بالخط العريض، تناولها تجرى عيناه على سطورها التي تقول،.

(وقفت ساكت وانا بيتزعقلى عشان خاطر الست رحمة، ملقتش جوزى جنبى يدافع عنى، ومع ذلك انا مش زعلانة منك، لإنى عمرى ما حسيت بوجودك جنبى كداعم لية على الأقل، عموما انا مخنوقة أوي ومش هقدر اقعد أنا وهي تحت سقف بيت واحد، خصوصا وأنا في الحالة دى، عشان كدة أنا روحت لجدى صالح في البلد، هقعد عنده يومين أهدي فيهم اعصابى وهرجع تانى، لو حابب تحصلنى فأنا مستنياك، ولو وراك شغل فعادى، إتعودت على كدة، سلام مؤقت، يامراد).

زفر مراد بإرتياح فإبتعادها في تلك الفترة هو خير بكل تأكيد، ليترك الورقة على الكومود ويتمدد على سريره بملابسه، يستسلم لنوم عميق يرغب به الهروب من كل شئ يحدث حوله، فهروبه الآن داخل أحلامه يبدو الحل الأمثل، على الأقل في الوقت الحالى.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

طرق يحيى الباب فلم يجد إجابة، عقد حاجبيه يتساءل، ترى أمازالت رحمة نائمة؟نظر إلى ساعته ليجدها السابعة صباحا، ليزفر بقوة، يدرك أن رحمة قد تغيرت بالفعل، فبالماضى كانت تصحو في السادسة والنصف تماما، مثله، كانا الوحيدان اللذان يستيقظان في مثل تلك الساعة المبكرة، ليركبان الأحصنة سويا، يتسابقان في جو من المرح، والحب.

أصابته الذكريات بالألم مجددا، وكاد أن يبتعد عن الحجرة ولكن هاجس لديه أوقفه، ماذا لو أن رحمة مازالت مريضة لذا لم تستيقظ مبكرا كعادتها؟ماذا لو أصابها شئ ما، ليشعر بوجع في قلبه لمجرد التخيل، ويسرع بفتح الحجرة والدلوف إليها، عقد حاجبيه وهو يرى الحجرة خالية، يتساءل إلى أين ذهبت في مثل هذا الوقت، أتراها ذهبت إلى الخيل، وركبت إحداها وحدها وهي مازالت منهكة القوى؟أراد أن يقطع الشك باليقين ويتأكد بنفسه ولكن في البداية يجب أن يمر على طفله ليطمأن عليه، فقد إشتاق إليه بشدة، إتجه إلى حجرة طفله ودلفها بهدوء ليتواجه مع رحمة التي ترفع طفله وتداعبه بمرح لتتعالى ضحكات هاشم المرحبة بمداعباتها، تعلقت عيناها بعينيه لتنزل الطفل وتضمه إلى صدرها، بينما نظر هو إليها متأملا، يشعر بخفقات قلبه تعلو وتثير ضجيجا بين جنبات صدره، يظل هذا المشهد الذي يراه الآن مذيبا لقلبه ولو رآه للمرة المليون، فهو حلمه الذي راوده كثيرا وها هو يتجسد أمامه مرة تلو الأخرى، يجبره على التفكير بأن ما يحدث هو الشئ الصحيح وأن رغبة راوية ووصيتها الأخيرة يجب ان تتحقق فرغم كل ما حدث بالماضى فلا يستطيع أن يتخيل رحمة زوجة لآخر ولا أن يتخيل أما أخرى لطفله غيرها، إقترب منها وهو يتنحنح قائلا:.

إحمم، إزيك دلوقتى؟
إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تشعر بإقترابه منها قائلة:
أنا، أنا بخير.
مد يده يداعب وجنة صغيره الذي إبتسم له مرحبا قائلا:
إنت كمان وحشتني.
لينظر إلى عينيها الدخانيتين مستطردا:
وحشتني أوي.

إبتلعت رحمة ريقها مجددا في صعوبة، تشعر بكلماته موجهة إليها، تذيب قلبها وتزيد حرارة جسدها، تنسيها ماض شقي، تنسيها عذابها بأكمله، تود الغفران ولكن كل الإنذارت الحمراء تقيدها، تجبرها ان لا تستسلم مجددا لعشق عند أول عقبة في طريقه سيتصدع وينهار، لتشيح بوجهها عنه، تبتعد عن سحر عيناه المسلطتان على عينيها، وقد لاحظت غفوة الصغير على صدرها، لتحمله إلى سريره تمدده عليه وهي تميل لتقبله على رأسه بحنو يتابعها يحيى، إعتدلت وكادت ان تغادر الحجرة بهدوء متجاهلة وجود يحيى خلفها ليوقفها صوته وهو يقول بهدوء:.

رحمة، إحنا لازم نتكلم.
إلتفتت تواجهه، تنظر مباشرة إلى عينيه وقد احتلت عينيها البرودة قائلة:
هنتكلم في إيه؟
بادلها برودها على الفور ببرود كالصقيع إحتل ملامحه ردا على برودة قسماتها، وهو يقول:
في حاجات كتير، أولهم وصية المرحومة راوية.
إتسعت عيناها بصدمة قائلة:.

أظن مش وقت الكلام ده ولا هنا المكان المناسب كمان، ولا إيه؟، أنا أختى لسة ميتة من أيام على فكرة، على الأقل سيبنى أحزن عليها شوية، ومثل إنت شوية إنها كانت مراتك وزعلان عليها.
أحس بالغليان ليحمر وجهه، وتنتفض عروقه، وتشتعل عيناه بشرارات الغضب، لتدرك رحمة أنها تعدت كل الحدود، تراجعت لخطوة عندما اقترب منها خطوتين يقول بغضب:.

مش انا اللى أمثل يارحمة، أنا فعلا حزين على راوية لإنها قبل ما تكون مراتى كانت بنت عمى الطيبة، الروح الوحيدة النقية في عيلة الشناوي كلهم، كانت بتدى من غير ماتنتظر أي حاجة في المقابل، غيرها خد ومداش غير الغدر.
نظرت إلى عينيه قائلة بمرارة نطقت بها أحرفها وتلك الدموع التي ترقرقت بعينيها:
غيرها ده اللى هو أنا مش كدة؟

أوجعته دموعها ولكنه أظهر البرود وهو يتأملها بنظرة، (نعم أنتى من أقصدها بكلامى)، لتستطرد بصوت يقطر ألما:
ولما أنت عارف إن أنا وحشة أوي كدة، يبقى لازمته إيه الكلام، إنسى وصيتها خالص ولا كأنها كانت موجودة من الأساس؟
مال عليها تلفحها أنفاسه الغاضبة وهو يقول:.

مش أنا اللى يوعد بحاجة وميوفيش بيها، وصية راوية هنفذها، أكيد مش حبا فيكى، لإن الحب كان غلطة حياتى، الحب كلمة مبقاش ممكن أعترف بيها، مسحتها من قاموسى ومن زمان، ومش ناوى أعيد غلطاتى من جديد، بس كلمتى ووعدى لازم أحافظ عليهم حتى لو شايف إنك متستاهليش إسمى، بس راوية شافت إنك هتكونى أم كويسة لإبنى، وبما إنى مش ناوى أرتبط تانى بعد راوية، يبقى عشان خاطر هاشم مستعد أتنازل وأتجوزك.

نظرت إليه رحمة في برود يخالف تلك المرارة التي تشعر بها وذلك الألم الناتج من جرح قلبها النازف بقوة وهي تقول:
ولو رفضت؟
إعتدل وهو يهز كتفيه قائلا بلا مبالاة يخفى بها خيبة أمل أحس بها في أعماقه:.

رغم إنك وعدتى راوية بالموافقة، ورغم انى إتعودت منك على إنك شاطرة أوي في كسر الوعود، إلا إن دى حريتك الشخصية، عايزة ترفضى وتروحى تتجوزى توفيق، إنتى حرة، بس بمجرد ما تخرجى، مش هيكون ليكى أي علاقة بالبيت ده، أو بأي حد موجود فيه، يعنى تنسى إنك من عيلة الشناوي أصلا، وتنسى كمان إن ليكى إبن أخت إسمه هاشم.

عقدت رحمة حاجبيها، تتساءل في حيرة، عن أي شئ يتحدث، وما دخل توفيق؟ما الذي جاء بإسمه في حديثهما؟وكيف عرف؟لا يهم الآن، المهم هو هذا التهديد الصريح بإزالتها من حياتهم، لا يهمها إن تبرأت منها عائلة الشناوي بأكملها فلم ترى منهم سوى القسوة والجراح ولكن ما يهمها هو أصغر عائلة الشناوي، هاشم، إبن أختها الحبيب، آخر من تبقى من أختها، يحمل روحها، هو قطعة منها هي غير مستعدة إطلاقا للتخلى عنها، لتنظر إليه بنظرة جامدة لا روح فيها قائلة:.

كالعادة كسبت الجولة دى يايحيى، زي ما كسبت جولاتنا زمان، بس رحمة بتاعة زمان غير اللى واقفة أدامك دلوقتى، والمهم مين اللى يكسب في الآخر.
لتتركه وتغادر يتابعها بعينيه، يستقر في أعماقهما إعجابا أظهره دون مواربة وهو يقول بهمس خافت وبلهجة تقرير:
يمكن كسبت الجولة دى يارحمة، بس إنتى كسبتى الحرب، ومن زمان.

كانت بشرى تنظر إلى هذا الفضاء الشاسع أمامها، تلك الحقول الخضراء النضرة، تشعر بالملل، نعم لقد ملت رسم الإبتسامة على وجهها لأقاربها والذين إستقبلوها بالترحاب، ولكنهم حقا مملون وبسطاء، لا تجد راحتها بينهم أبدا، ولكنها مضطرة للتعامل معهم ومداهنتهم فربما تحتاج إليهم في مخططها ضد تلك الحمقاء رحمة، زفرت بقوة، فحتى الآن لا تجد أية فكرة لإبعادها بعيدا بلا رجعة، لتقول بسخرية:.

وإنتى يعنى كنتى فاكرة لما هتيجى هنا الافكار هتنط فجأة في دماغك، إصبرى وركزى،
لتجد صوتا بداخلها يسألها، هل ستستطيعين تحمل سماجة عائلة الشناوي وتلميحاتهم عن عدم إنجابك، حتى تجدين الحل لإبعاد رحمة عن طريقك؟هل ستستطيعين تحمل سذاجتهم وفضولهم الريفي المثير للأعصاب؟
لترد وكأنها تحادث نفسها قائلة:.

مش مهم أي حاجة، إمحى يابشرى كل حاجة تانية من دماغك وفكرى بس إزاي تإذى رحمة وتخرجيها من حياتكم. بس المرة دى للأبد يابشرى، للأبد.
لتلتمع عيناها بشر وهي تبتسم إبتسامة مقيتة تليق بقلب مقيت، كقلبها تماما.

كانت شروق تنظر إلى المائدة التي أعدتها بعناية، ترى ماذا ينقصها، لتتأمل هذا الأرز الأصفر والبطاطس المحمرة، وشرائح البانيه وسلطة الكلو سلو، وكيك القرفة تماما كما يحب حبيبها مراد، الذي أخبرها بمجيئه اليوم لها على غير عادته، لتطير من السعادة، وتسرع بإعداد كل ما يحبه، أعلن جرس الفرن عن إنتهاء ذلك الطبق الأخير والذي يعشقه مراد، الشيش طاووق، لتسرع إلى الفرن تغلقه وتخرج تلك الصينية التي يوجد بها الشيش وتضعه على طاولة المطبخ، لتتهادى إليها رائحته الذكية، وتشعر فجأة بالغثيان، وأنها على وشك التقيؤ، لتسرع إلى المرحاض وتفرغ كل ما في جوفها ثم تنهض بضعف تستند إلى الحوض وهي تغسل فاهها تنظر إلى صورتها المنعكسة في المرآة بقلق، تتساءل ماالذى أصابها اليوم، لقد ظنت حينما كانت تحمر شرائح البانيه وأحست بالغثيان و بأنها لا تطيق رائحة الدجاج لتسرع إلى المرحاض وتفرغ ما في معدتها، أنها ربما مصابة بالبرد، رغم أنها لا يظهر عليها أي اعراض تدل على ذلك، ولكن الآن لديها حدس أن ما بها هو فقط غثيان يخص الدجاج بصفة خاصة رغم عشقها له، ليصيبها القلق، تتساءل هل هي...؟

نفضت افكارها، فهذا أمر مستحيل، فهي تأخذ إحتياطاتها جيدا، لقد كان هذا إتفاقها مع مراد من أول يوم لزواجهما، لا أولاد، هكذا حذرها وهي وافقت، فلم تكن تحبه وقتها وبعد أن أحبته لم تطالبه بتغيير إتفاقهما فهي تدرك أنه لم يعشقها بعد لدرجة أن يريد الإنجاب منها، وربما يخشى على مشاعر زوجته بشرى والتي لا تستطيع الإنجاب، هي حقا لا تدرى، ورغم رغبتها الشديدة في الإنجاب منه إلا أنها لا تستطيع أن تخالفه أو تجبره، لذا آثرت أن تدع تلك الأمور للأيام، فالزمن كفيل بتغيير مشاعره تجاهها ليرغب بدوره في الإنجاب منها، لكن ماذا لووو...؟

ليس هناك ماذا لو؟هي ليست حامل؟ولكنها يجب أن تقطع الشك باليقين، وتجرى إختبارا للحمل، ربما بعد رحيله اليوم ستفعل، أما الآن فلتذهب ولتستعد لإستقبال حبيبها الذي تعشقه من كل قلبها، مراد.

كانت رحمة تمرر يدها على تلك الفرسة الجميلة البيضاء والتي تذكرها بفرستها القديمة مرجانة، والتي لم تجد لها أي أثر في الإسطبل، حتى مرجان فرس يحيى الأسود والذي إعتاد على ركوبه معها، إختفى بدوره ولم يعد لوجوده أي أثر، ولكن هناك في هذا الركن البعيد يوجد حصان يشبهه ولكنها خشيت الإقتراب منه فعلى عكس مرجان عندما رآها هاج وماج وكاد أن يكسر الباب لتبتعد على الفور خشية منه، وتقترب من تلك الفرسة الجميلة الهادئة تقول بنعومة:.

تعرفى إنتى بتفكرينى بمين؟بمرجانة، كانت شبهك تمام، رقيقة وجميلة وحنينة، ياترى راحت فين؟
إنتفضت على صوته الذي قال بصرامة:
بعتها.
إلتفتت إليه تنظر إلى ملامحه الجامدة لتقول بهدوء:
بعتها ليه؟
كانت تعرف الإجابة ولكنها بدت وكأنها تهوى تعذيب قلبها، تهوى سماع كلماته الجارحة والتي لم يبخل عليها بها وهو يقول:.

لإنها بتفكرنى بيكى، بالأيام اللى عشت فيها معاكى وأنا مخدوع فيكى، فاكرك طيبة ورقيقة، بس طلعتى في الآخر خاينة وغدارة، وأكيد هي كانت شبهك وعشان كدة بعت مرجان كمان، مكنتش قادر أشوف حزنه عليها بعد ما راحت، أصلى فرقتهم عن بعض، فرقتهم قبل ما تخونه وتحرق قلبه زي ما إنتى خونتينى و حرقتى قلبى يارحمة.

إستمعت إليه رحمة في ألم، تشعر بطعنات كلماته في قلبها، حادة كالسكين، تقطع مشاعرها وتسبب لها نزيفا لا يحتمل ولكنها تمالكت نفسها قائلة في برود:.

كل واحد فينا شايف القصة من وجهة نظره ولو انت شايف إنى خنتك وغدرت بيك، فصدقنى أنا شايفاك أكتر من كدة كمان، الخيانة من وجهة نظرى خيانة عهود ووعود قبل ما تكون خيانة جسد، إفتكر عهودك ووعودك هتعرف إنك خنتهم كلهم يا يحيى، ياريت مسمعش منك كلام زي ده تانى لو إنت ناوى تنفذ وصية أختى الله يرحمها، لإنى ساعتها همشى وأسيب البيت ده، هسيب مصر كلها ومش هيهمنى حاجة أبدا،.

لتمشى من أمامه بإباء ويتابعها هو بعينيه، تعجبه قوتها التي ظهرت كجانب آخر من رحمة لم يره من قبل، ورغم كلماتها الفارغة والتي لم يفهم منها شيئا بعد إلا أنها أخرسته تماما، ليدرك أنه سيتزوجها وسيخضعها له وسيستمتع بكل لحظة رغم الألم الذي يشعر به من ماض بعيد، لكنه سيتأكد من عدم تكراره وسيجعلها له وحده وسيمحى الغدر من قاموسها ولو دفع حياته ثمنا لذلك.

مد مراد يده وسحب المنديل يمسح به فمه، ثم نظر إلى شروق التي تتأمله مبتسمة ليمد يده ويسحب يدها يقبلها ثم يقول:
تسلم إيديكى ياشروق.
إتسعت إبتسامة شروق قائلة:
تسلملى ياحبيبى.
نظر إلى طبقها الذي لم ينقص منه إلا القليل قائلا:
بس إنتى مكلتيش ياشروق.
نظرت شروق إلى طبقها بإرتباك قائلة:
لأ إزاي، أنا كلت، بس كنت بنأنأ كدة وأنا بطبخ وعشان كدة مكلتش أوي، لما هجوع هبقى أكمل.
أومأ برأسه، ونهض لتقول شروق بلهفة:.

رايح فين؟
ليظهر الحزن بملامحها وهي تستطرد قائلة:
إوعى تكون هتمشى بسرعة كدة؟
إبتسم قائلا:
لأ أمشى فين، أنا كنت هروح البلكونة على ماتعمليلى فنجان قهوة من إيديكى الحلوين دول، أنا قاعد معاكى النهاردة وهبات كمان.
إنتفضت شروق واقفة بسعادة وهي تحتضنه قائلة:
بجد يا مراد، بجد هتعمل كدة؟
ضمها قائلا بإبتسامة:
بجد ياشوشو،
ليخرجها من محيط ذراعيه قائلا بخبث:
ويمكن لو عجبتنى القعدة، أقضى يومين معاكى كمان.

إتسعت عيناها من الفرحة لتصفق بجذل ثم تسرع وتقبله قبلة سريعة على شفتيه، لتتراجع وقد إحمر وجهها خجلا عندما أدركت ما فعلته ليمسك ذراعيها قائلا بإبتسامة:
تعالى هنا، رايحة على فين بعد اللى عملتيه ده؟
إزداد إحمرار وجنتيها لتزداد جمالا في عينيه وهي تقول بإرتباك:
أنا، أنا...
رفع يديه يحيط بها وجنتيها الحارتين من الخجل ليقترب من شفاهها هامسا أمامها قائلا:
إنتى تتاكلى أكل ياشروق.

وقبل أن تنطق بحرف أخذ شفتيها بين شفتيه يقبلها برغبة، بشوق، بنعومة، لتبادله قبلته بعشق، ثم تشهق وهي تجد نفسها محمولة بين يديه قائلة:
إنت بتعمل إيه بس؟
نظر إلى شفتيها بنظرة غائمة وهو يقول:
هكون بأعمل إيه بس، ما أنا قلتلك، رايح أكلك ياشوشو.
إحمر وجهها خجلا لتقول بإرتباك خجول:
طب إستنى لما ألم السفرة وأعملك القهوة.
إتجه إلى الحجرة حاملا إياها وهو يقول بخبث:
سفرة إيه دلوقتى وقهوة إيه؟، أنا جعان أوي يا شروق.

ليدلف إلى الحجرة ويغلق بابها بقدمه وعلى وجهه إرتسمت ملامح جديدة دون أن يدرى، لم يدركها وإنما رأتها شروق بكل وضوح، فهي ملامح لا يراها سوى قلب أحب بصدق، ملامح عاشق.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

إقتربت رحمة من حجرة الصغير وكادت أن تدلف إليها لولا أن إستمعت لصوت يحيى وهو يداعب هاشم بحنو، لتقف على عتبة الباب المفتوح وتراه مانحا إياها ظهره يمرغ وجهه في عنق هاشم فتتعالى ضحكات هاشم، وتبتسم رحمة بدورها رغما عنها وعيناها تتقابلان مع عينا الصغير الذي أشار لها مرحبا قائلا:
را، را.

تجمدت الإبتسامة على شفتيها وهي ترى يحيى يلتفت إليها وتتواجه عيناه العسليتان مع رماديتيها، لتبتلع رحمة ريقها بصعوبة وهي تراه يرفع حاجبه الأيسر متسائلا ربما عن سبب وقوفها بجوار الباب وعدم دلوفها اإلى الحجرة، تقدمت بإتجاهه بخطوات مترددة قائلة:
صباح الخير.

تأمل فستانها البسيط الذي منحها مظهر برئ، كفتاة صغيرة في السادسة عشرة من عمرها، ليعود إلى عينيها قائلا بإعجاب ظهر في عينيه ونبرات صوته المرحبة بها رغما عنه:
صباح النور.
مدت يدها تلامس يد الصغير الذي مد يده إليها لتقول بخفوت:
تسمحلى؟

ناولها يحيى الصبي الذي إبتسم على الفور لها، ليستقر في أحضانها، تلامست يديها مع يدي يحيى الذي نظر إليها بإرتباك، فأبعدت يدها بهدوء يخالف دقات قلبها المتسارعة، أفاقت على صوت هاشم يقول لها وهو يلمس قسمات وجهها:
را، را.
إبتسمت بحنو ليقول يحيى بهدوء:
ده الإسم اللى كان بينادى بيه مامته الله يرحمها، أكيد حس إن فيكى حاجة منها.
تأملت رحمة وجه الصغير بحزن وهي تقول:
الله يرحمها، راوية مفيش حد زيها.

قال يحيى ببرود:
في دى معاكى حق، بس إنتى فهمتينى غلط على فكرة، أنا قلت فيكى حاجة واحدة منها، يمكن ملامحها، لكن طبعها فمخدتيش منه حاجة أبدا.
تجاهلت رحمة تعليقه التي تدرك أنه ذم مباشر لها، وهي تقول للصبي الذي لمس وجهها مجددا:.

تعرف ياهاشم، ماما كانت بتحبك أوي، وأنا هفضل معاك واحدة بواحدة، هشوفك بتكبر أدام عينية وهحكيلك بإذن الله كل حاجة عن مامى، هعرفك تفاصيل حياتها، ما هو لازم تعرفها عشان لما تكبر تدعيلها بالرحمة.
قال يحيى بسخرية:
ده معناه إنك هتنفذى وصية راوية.
نظرت إلى عيونه مباشرة وهي تقول في برود:
أنا مستعدة أعمل أي حاجة عشان خاطر هاشم، حتى لو الحاجة دى هي الجواز منك يا يحيى.
إتسعت إبتسامة يحيى الساخرة وهو يقول:.

لا والله كتر خيرك بجد، مش عارفين نشكر أفضالك علينا، بتضحى أنا عارف.

تجاهلته رحمة مجددا وهي تركز مع الصبي الذي يجذب خصلات شعرها بشدة، لتحاول أن تبعد يده عن شعرها برفق ولكنه تمسك بها أكثر مسببا لها الألم الذي ظهر على وجهها ليراه يحيى بوضوح، ورغما عنه إقترب منهما بسرعة ويمسك يد الصغير برفق، يفتح قبضته بيد بينما باليد الأخرى يخرج خصلاتها من يده ويرجعهم إلى خلف أذن رحمة بحركة بدت عفوية، إلا أنها أشعلت النيران في قلبيهما، ترجعهما لذكريات مضت، حين كانت خصلاتها تطير مع الرياح، فيمد يحيى يده ويرجعهم إلى خلف أذنها ملامسا إياها بحنو كما يفعل هكذا الآن، بالضبط، لترتعش شفتيها تأثرا وتغيم عينيه بنظرة عاشق راغب في تذوق شفتي محبوبته وبالفعل كان يقبلها برقة وحنو وتبادله قبلته بعشق، حتى يتوقف هو عن تقبيلها آخذا إياها في حضنه بقوة لتسمع دقات قلبه المتسارعة والتي تخبرها أنه يقاوم رغبته فيها بشدة، يتحكم في نفسه بصعوبة كي يبتعد عنها، مؤجلا إطلاق مشاعره العاشقة لبعد زواجهما، حين تكون له شرعا وقانونا، هكذا كانت تظن بالماضى وهكذا ذكرتها تلك الحركة البسيطة منه والنظرة الغائمة المركزة على شفتيها الآن بما كان بينهما، ليبدو وكأنه يتذكر بدوره، فقد ترك أذنها فجأة ورأته يقبض على يده بقوة وهو يشيح بوجهه عنها، مانحا إياها ظهره لثوان وتاركا إياها وسط فوضى من المشاعر والحيرة، قبل أن يتجه بخطوات بطيئة للخارج، ولكنه توقف قبل أن يغادر تماما، ليلتفت إليها بجانب وجهه قائلا:.

ياريت تبقى تلمى شعرك وانتى مع هاشم لإنه بيحب شد الشعر أوي، ومش كل مرة هكون موجود.
لم ينتظر ردها وإنما إبتعد مغادرا، لتجلس على سرير هاشم حاملة إياه، وهي تمد يدها تضعها على خافقها المتسارع النبضات، تشك في إمكانية أن تكون له زوجة، وتلك الذكريات تحاصرها وتجذبها إليه، بقوة.

سمعت بشرى طرقات على باب حجرتها لتزفر بملل ثم تقول:
إتفضل.
دلفت سيدة في العقد الخامس من عمرها تبدو الطيبة على ملامحها تحمل صينية وضع عليها طعاما لتنزل الصينية على الطاولة القريبة منها وهي تبتسم في وجه بشرى التي رسمت إبتسامة مزيفة على شفتيها وتلك السيدة تقترب منها وتجلس على السرير بجوارها قائلة في طيبة:
إزيك يابنتى دلوقتى، بقيتى أحسن.
أومأت بشرى برأسها قائلة:.

الحمد لله ياست آمال، جو الريف جميل أوي وفعلا حاسانى من يوم ما جيت هنا، إتحسنت كتير.
ربتت السيدة آمال على يد بشرى قائلة:
ولسة كمان لما تاكلى أكلنا، وتقعدى معانا أكتر هتتحسنى يابنتى، ده انتى كنتى جاية وشك أصفر، لون اللمونة بالظبط، الحمد لله، الدموية ردت في وشك وبقيتى زي الفل.
كادت بشرى أن تصرخ من كثرة كلام تلك السيدة، تقول في نفسها، يالها من سيدة ثرثارة، كيف أصمتها؟

لتكتفى بإيماءة بسيطة برأسها كإجابة وبإبتسامة باهتة حتى تمل آمال وترحل وبالفعل نهضت السيدة آمال وكادت أن تغادر ولكنها توقفت وإستدرات إلى بشرى قائلة:
إنتى كشفتى يابنتى؟
عقدت بشرى حاجبيها قائلة:
كشفت؟
أومأت آمال برأسها قائلة:
أيوة، في البندر عند الدكتورة، لتكونى حبلى.
جزت بشرى على أسنانها وتمالكت أعصابها وهي تقول:.

ايوة كشفت ومفيش حاجة من الكلام ده خالص، هم شوية برد وأنيميا وبالعلاج هبقى تمام، وبعدين أنا مش قلتلكم ان مراد مأجل موضوع الخلفة ده شوية.
قالت آمال بإستنكار:
وليه بس يأجله، مش يفرح بضناه وهو في عز شبابه ولا هيستنى لما يكبر وإنتى تكبرى ويبقى خطر عليكى الخلفة، ساعتها بقى هيفكر يجيب عيال؟
كادت بشرى أن تقتل تلك السيدة ولكنها تمالكت أعصابها وهي تقول:
لما هروح البيت هكلمه في الموضوع ده ياست آمال.

إبتسمت آمال قائلة:
أيوة كدة يابنتى، أوعى تسيبيه عايش كدة بالطول والعرض، ويسافر ويسيبك كل شوية، إسمعى كلامى يابنتى. من غير ما تربطيه بالعيال بيبقى جوزك مش جوزك، الراجل من دول لو مربطتوش مراته بحتة عيل، بيبقى سهل على أي حرمة تخطفه، ويضيع منها وتبكى بدل الدموع دم.

لم تجيبها بشرى وهي تفكر في كلام السيدة آمال، لتغادر آمال بهدوء بينما كانت بشرى شاردة في كلماتها التي ذرعت بذور القلق في قلبها، ترى هل من الممكن أن تخسر مراد من أجل الأطفال، هل من الممكن أن يتركها من أجل عدم إنجابها؟، فربما عاد عدم إهتمامه بها لإنه ادرك أنها أرض بور لا يمكنها أن تمنحه طفلا، وريثا له، حتى أنه لم يهتم برحيلها ولم يحادثها ولو لمرة واحدة طوال وجودها في هذا المكان، لترفض هذا الإحتمال فهي تدرك أنه يحب تلك الفتاة الحرباء، وإن تزوج سيتزوجها هي، لتتسع عينيها في صدمة، ماذا لو...؟

لترفض أيضا هذا الإحتمال فرحمة تعشق يحيى ولن ترضى بمراد زوجا لها، ولكن هي تزوجت هشام من قبل وقد كان أخيه أيضا، لذا من الممكن أن تتزوج مراد الآن، لتنفض افكارها وهي تخبط رأسها بخفة قائلة:
أمال لو مكنتيش إنتى اللى دبرتى كل حاجة عشان تجوزيهم، إنتى نسيتى انها إتجوزته غصب عشان الفضيحة، المهم، من هنا لبكرة بالليل لو مقدرتيش تفكريلها في مصيبة يبقى تلمى شنطتك وترجعى القاهرة يابشرى.

لتبتسم براحة وهي تنهض تتجه إلى طاولة الطعام تنظر إليها بنهم وقد شعرت فجأة، بالجوع.

تأملت شروق ملامح مراد في عشق، تنتابها سعادة لا حدود لها وهي ترى ملامحه النائمة لأول مرة منذ ان تزوجته، فلطالما كانت تستيقظ تجده قد رحل وتركها وحيدة تتأمل جدران حجرتها في ألم تتمنى أن تحقق يوما أحلامها وتستيقظ لتجد حبيبها نائما بجوارها أو ربما يتأملها بعشق وهي نائمة كما تتأمل هي مراد تماما، تنهدت، ها هي إحدى احلامها تتحقق وها هي تستيقظ وتجد معشوقها بجوارها نائما، ربما يوما تستيقظ وتجده مستيقظا بجوارها يتأملها بعشق، من يدرى، ربما.

رفعت يدها ومررتها على وجنته بحنان ليفتح عينيه فجأة ويبتسم عندما رآها تبعد يدها بسرعة، يحمر وجهها خجلا، ليمسك يدها ويقربها من وجنته مجددا، يمررها بنعومة على بشرته الخشنة قليلا والتي لم يحلقها بعد، لتنظر إلى عينيه اللتين حاصراتها بنظراتهما وتقع في سحرهما، تغرق فيهما، تنتفض مشاعرها مع يد مراد التي أمسك بها يدها يمررها نزولا إلى رقبته لتبتلع ريقها وهي تشعر بنبضات قلبه المتسارعة والتي تظهر في إنتفاضة وريد عنقه تحت يدها ليصل بها إلى صدره، لتشعر بالذوبان كلية وهو يضع يدها على قلبه، تشعر بنبضات خافقه، لتغيم نظراته وهو يعتدل مقبلا شفاهها قبلة بطيئة أطاحت بخفقاتها ثم يبتسم قائلا:.

صباح الخير.
نظرت إليه مشتتة الذهن مضطربة القلب وهي تقول:
ها،
إتسعت إبتسامته وهو يكرر بنعومة قائلا:
صباح الخير.
تنحنحت لإجلاء صوتها الذي ضاعت نبراته وهي تقول:
إحم، صباح النور.
رفع يدها إلى شفتيه مقبلا إياها وهو يقول:
مكنتش أعرف إن الصباح معاكى حلو أوي كدة، لو أعرف كنت قضيت معاكى كل صباح لية ياشروق.
نظرت إليه شروق في لهفة قائلة:
بجد يامراد، بجد الكلام اللى إنت بتقوله ده؟

لهفتها، تلك اللمعة في عيونها، عشقها الذي يظهر في نبراتها، كل هؤلاء أشعروه بالذنب تجاهها، فأقل كلمة منه ترضيها، وبينما هي تعشقه، هو لا يبادلها ذلك العشق، بل يعشق أخرى بلا أمل، وتلك الأخرى تقف في طريقه، فلا هو قادرا على أن ينالها ولا هو قادر على المضي قدما في حياته دونها، حتى بعد إدراكه لحبها لأخيه الأكبر، والأدهى حب أخيه الأكبر لها، مما يفقده الأمل في إقترانهما يوما، ولكن يظل العشق، عشقا، ليس بيدنا إختيار من نعشق، ولا نحن قادرين على نسيان معشوقنا، حتى وإن أردنا النسيان بكل جوارجنا،.

طال صمته وهو يتأملها، لتخبو فرحتها ويظهر الحزن على وجهها لتطرق برأسها وهي تقول:
أكيد مش بجد، إزاي بس هتقضى كل صباح معايا وأنا مجرد زوجة في الخفا، بتجيلها تقضى معاها ساعتين وتمشى
، لكن اللى تقضى معاها كل صباح ليك ولياليك هي بشرى، مش كدة يامراد؟
رفع مراد ذقنها بيده لتتقابل عيونهم ويرى بهم دموع حزينة تأبى السقوط، ليقول بحنان:.

إحنا مش متفقين من الأول على كدة ياشروق، وكنتى عارفة إن ده وضعنا، ودى حياتنا، ليه حاسس دلوقتى بإن وضعنا مبقاش يعجبك؟
نظرت إلى عينيه مباشرة وهي تقول:
لإنى بحبك، واللى بيحب بيغير، بيتمنى حبيبه يكون ليه هو وبس، غصب عنى مش عايزاك تبعد عنى، والله غصب عنى.

سقطت دموعها على وجنتيها ليشعر بالضعف يأكل قلبه، بالألم لحزنها ومشاعرها الجميلة والتي لا يستحقها، يغوص بالذنب، ولكنه قاوم كل تلك المشاعر وهو يمد يده ويمسح دموعها قائلا:
طب إهدى دلوقتى ومتعيطيش، يرضيكى أول يوم أبات معاكى فيه، أشوفك معيطة بالشكل ده؟

إبتسمت رغما عنها، متجاهلة حزنها، فلديه كل الحق، هو لا يجب ان يرى دموعها الآن، لا يجب أن يراها ابدا، فلا يجب ان تزيد همومه، فلطالما قال لها مرارا وتكرارا أنها واحته التي ينسى بها كل همومه، لتبتسم قائلة:
معاك حق ياحبيبى، إستنى بقى لما احضرلك احلى فطار من إيدى.
مال عليها هامسا أمام شفتيها:
وتتعبى نفسك ليه ياشوشو، ما أنا فطارى جاهز أهو وأدام عيونى.

وقبل أن تنطق بحرف كان آخذا شفتيها في قبلة أنستها كل شئ فيما عدا هذا الذي يمنحها أروع شعور في حياتها، شعورها بالعشق، العشق اللذيذ.

كان يحيى جالسا في حجرة مكتبه عاقدا كفيه امام وجهه يفكر في عمق، في مشاعره المتصارعة تجاه رحمة، إنها حقا مشاعر معقدة، إن لم يستطع فك صراعها، والتحكم بها، ستؤدى به حتما إلى الجنون.

رن هاتفه لينظر إلى شاشته ثم يعقد حاجبيه بضيق وهو يرى إسم المتصل، لقد كان يكن لهذا الشخص احتراما، ولكن منذ أن علم برغبته في الزواج من رحمة، تبدلت مشاعره لغيرة وكره، لا يستطيع التحكم بهما، كاد أن يتجاهل هذا الإتصال الهاتفى ولكن شيئا ما دفعه للرد، ربما هو الفضول لمعرفة سبب مكالمته، ليرد قائلا بصوت هادئ يحاول التحكم في نبراته:
ألو.
أجابه صوت توفيق الهادئ بدوره قائلا:
إزيك يايحيى، عامل إيه دلوقتى؟

زفر يحيى قائلا:
بخير ياتوفيق، خير؟
ظهر الإضطراب على صوت توفيق وهو يقول:
انا، انا عارف إنى بتصل في وقت مش مناسب بس الحقيقة، الحقيقة يعنى، أنا كنت طلبت طلب كدة من مدام رحمة وهي قالتلى إنها هتفكر، وأصلى، يعنى، أنا، بكلمها كتير ومبتردش علية، والحقيقة أنا لازم أحدد موقفى عشان أعرف هعمل إيه، لإن السفر إتحدد بعد أسبوع، والموضوع مش هينفع يتأجل أكتر من كدة.

جز يحيى على أسنانه وهو يتظاهر بعدم معرفته بالأمر قائلا:
ممكن أعرف إيه الموضوع اللى مش هينفع يتأجل ده؟
قال توفيق بإرتباك:
الحقيقة مش هينفع، لإنه موضوع خاص.
إلى هنا وكفى، موضوع خاص بينك وبين رحمة، في أحلامك يافتى، ليقول يحيى بهدوء يخالف ثورة مشاعره:
عموما أنا هكلمها وأخليها ترد عليك.
قال توفيق بسعادة:
شكرا، شكرا بجد يايحيى، أنا في إنتظار مكالمتها، سلام.

أغلق يحيى هاتفه بعصبية وكاد أن يكسره ولكنه تمالك أعصابه وهو ينهض ويتجه بخطوات غاضبة لحجرة رحمة ليفتحها بغضب ويقف متسمرا أمام ذلك المشهد، يتأمل رحمة الواقفة أمام المرآة، تلف منشفة حول جسدها، عارية الكتفين والساقين، تبدوا كما لو كانت خارجة توا من الحمام بذلك الشعر الندي الملتف حول وجهها ببراءة، تنظر إليه بعينين متسعتين من الصدمة وتضم يدها على تلك المنشفة وكأنها تخشى سقوطها، لتفيق من صدمتها قبله وهي تقول بغضب:.

إنت إزاي تدخل علية بالشكل ده؟
أفاق من سحر مظهرها الرائع والذي يغرى قديسا، ليبتلع ريقه بصعوبة قائلا:
بتقولى إيه؟.
كادت رحمة أن تبتسم لولا إحراج الموقف، تدرك أنه ليس منيعا ضدها كما يحاول أن يبدو، يقف هناك يبدو على ملامحه كل الإضطراب، لتقول معيدة كلماتها ولكن بنبرة هادئة ذهب عنها الغضب:
بقولك إزاي تدخل علية فجاة كدة من غير إستئذان؟
قال في إرتباك:
أصل يعنى، أنا كنت، هو...
لينفض إرتباكه وهو يقول بحزم:.

انا كنت جاي أقولك إن كتب كتابنا بكرة.
إتسعت عينيها بصدمة ليبتعد مغادرا، كادت أن تناديه، تعترض، ولكنها تدرك في قرارة نفسها أنها لن تود غيره زوجا، ليس فقط من اجل هاشم ولكن من إكتشافها الأكيد في الأيام الماضية أن قلبها مازال يعشقه، وبقوة، لذا آجلا ام عاجلا، سيتم الزواج، فلا يهم إن كان غدا او بعد الغد.

تنهدت وكادت أن تخلع عنها منشفتها لتلبس قميصها حين اقتحم يحيى حجرتها مجددا لتتمسك بمنشفتها بشدة تنظر إليه بصدمة مجددا، تتخيل ماذا كان ليحدث لو تأخر ثانية واحدة، لتؤكد على نفسها بغلق بابها بالمفتاح حين تود ان تبدل ملابسها، كادت أن تتحدث حين قال يحيى بنبرة تحذيرية:
ممنوع تردى على توفيق، وممنوع تكلميه خالص، أقولك إعمليله بلوك، مفهوم؟

لم يمنحها فرصة للرد وهو يغادر مجددا لتسرع رحمة وتغلق الباب خلفه بالمفتاح، ثم تستند بظهرها إليه، وهي تدرك في حيرة أنه يغار عليها، ترى هل يحمل حقا لها مشاعر في قلبه؟مجرد تفكيرها هذا حمل إلى قلبها أملا، وإلى شفتيها إبتسامة، إبتسامة عشق..

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كان مراد يتمدد على الأريكة يضم شروق بين ذراعيه وهم يشاهدون فيلما كلاسيكيا قديما، نهايته حزينة ربما ولكن مما لا شك فيه أنهم يعشقانه سويا، وهو فيلم(دعاء الكروان)، ليرن هاتف مراد ويقطع إندماجهم في الأحداث، مد مراد يده وإلتقط هاتفه من على الطاولة ينظر إلى شاشته ليرى هوية المتصل، ليعتدل فجأة وتعتدل معه شروق، ثم يتجه إلى الحجرة ليتلقى المكالمة وسط حيرة شروق، وهي تتساءل عن هوية المتصل، فحين يكون معها يتجاهل كل الإتصالات وإن كانت بشرى نفسها المتصلة به، أفاقت من أفكارها على صوت تحطم شئ ما بالداخل، لينتابها القلق وهي تسرع إلى الحجرة تدلفها لتجد الهاتف محطما على الأرض ومراد جالسا على السرير مطرقا برأسه، واضعا إياها بين يديه، لتسرع إليه تجلس أمامه على ركبتيها، وهي تحل يديه من على رأسه قائلة في قلق يعصف بكيانها:.

مالك يامراد، فيك إيه؟
نظر إليها مراد بعيون زائغة وهو يقول:
يحيى، يحيى هيتجوز رحمة النهاردة.
عقدت شروق حاجبيها قائلة:
يحيى أخوك هيتجوز بالسرعة دى، بعد مراته الله يرحمها.
تابع هذيانه قائلا:
دى كانت وصية المرحومة، إنه يتجوزها بعد ما تموت، أنا سمعت الكلام ده بودنى بس مصدقتش إنه هيعملها بجد.
إزدادت حيرة شروق لتقول:
ولما هي وصية المرحومة، إيه اللى مزعلك بس يامراد؟
صرخ بألم:.

اللى مزعلنى إنه هيتجوز رحمة، من بين كل البنات اللى في الدنيا، مخترش غير رحمة يحبها ويتجوزها.
نهضت شروق ببطئ، تنظر إليه بتوجس قائلة بصوت شابه القلق:
وهي رحمة تفرق إيه عن كل البنات يامراد؟
إنتبه مراد من صدمته ومرارته على سؤال شروق ليقول بتوتر:
م، متفرقش طبعا، زيها زي كل البنات، بس، يعنى، كانت مرات أخويا هشام، وإنتى عارفة كنت بحبه أد إيه، ومكنتش يعنى، أحب مراته تكون لحد غيره.

لم تشفى إجابته غليلها وبذرة الشك التي ذرعها في قلبها لتقول بهدوء يخالف مشاعرها المضطربة والمستعرة بنيران الشك:
الحد ده مش غريب، ده أخوك الكبير يامراد، وزي ما إنت قلت دى وصية مراته ليه قبل ما تموت، جايز شافت إنها مش هتآمن على جوزها وإبنها غير مع أختها...
قاطعها قائلا في مرارة:
بيحبها، قلتلك بيحبها وهي بتحبه، ده مش جواز مصلحة، ده جواز حب.

تأكدت شكوكها تماما الآن، ليتمزق قلبها بشدة، تشعر بنزيف مشاعرها يقتلها ببطئ، لقد كانت تتعجب من عدم قدرة مراد على الوقوع بحبها رغم أنه لا يحب بشرى وبشرى لا تمنحه كل تلك المشاعر التي تمنحها إياه شروق، تتساءل دوما، من ذا الذي يقاوم سحر الحب والاهتمام من شخص دون ان يقع في حبه؟ إلا لو كان هذا الشخص مغرما بآخر بالفعل، شعرت بآمالها تنهار، وبالكون يضيق من حولها، ثم فجأة، بلا شئ، وكأنه الفراغ يلفها داخله، تشعر حقا بالخواء الكامل، لتقول بنبرة خالية من الحياة:.

وإيه اللى يزعلك لو كانوا بيحبوا بعض يامراد، بالعكس المفروض تفرح لأخوك وتروح تقف جنبه، أخوك اللى انت عارف ومتأكد إنه لو كان مكانك كان هيفرحلك من كل قلبه.

مست كلماتها قلبه وأشعرته بالذنب، نعم فيحيي لو كان مكانه لفرح له من كل قلبه، يحيى الذي أدرك أنه أحب رحمة من زمن وأخفى هذا الحب، تعذب مثله كثيرا، وربما أكثر، وهو يدرك أن أخواته يحبونها مثله ورغم أنها تحبه بدورها، إلا أنها لم تكن أبدا من نصيبه، أدرك مراد الآن أن قصة حبهما تعود للماضى فحب بمثل تلك القوة لم ينشأ منذ أيام، وإذا عاد بذكرياته للماضى قليلا سيجد أن قصة حبهما كانت واضحة للجميع ولكن عشقه أعماه عنها، ليتعجب مما حدث في الماضى وقصة رحمة مع أخيه هشام ان كانت بالفعل أحبت يحيى، ليشعر فجأة بالإرتياب، وبأن ماضيهم به شئ خاطئ لابد وأن يدركه.

أفاق من أفكاره على صوت شروق البارد والذي لم ينتبه لبرودته وهي تقول:
قوم يامراد، قوم جهز نفسك وروح أقف جنب أخوك في يوم زي ده، ومتنساش إن الحب والجواز قدر، قسمة ونصيب ملناش دخل فيها، قوم يامراد، قوم.

نظر مراد إليها ورغم المرارة في قلبه إلا أنه وجد أن لديها الحق في كلماتها، يجب أن يكون بجوار أخيه في يوم كهذا، كما وقف بجوار هشام من قبل، وليذهب عشقه الذي يؤذيه دائما إلى الجحيم، يجب أن يوأده تلك المرة في قلبه للأبد حتى وإن كان بوأده سيقتل كل مشاعره ويوأدها بدورها، لينهض بإنكسار ويتجه إلى الحمام، تتابعه عينا شروق التي ما إن أغلق عليه باب الحمام حتى تركت لدموعها العنان، تبكى عشقها الذي أدركت لأول مرة منذ أن شعرت به، أنه عشق يائس، بلا أمل.

قال مجدى في حدة:
أيوة ياست بشرى، فيكى الخير والله، لسة فاكرة تكلمينى؟
قالت بشرى:
إهدى بس يامجدى، كنت هعمل إيه يعنى وهكلمك إزاي والعيلة دايما حوالية، أنا اول ما عرفت أتهرب، كلمتك علطول.
زفر مجدى قائلا:
وحشتيني أوي، أوي، إزاي بس هنت عليكى تسيبينى كل ده؟
إبتسمت بشرى قائلة:
كل ده إيه بس؟ده كل الموضوع ٣ أيام.
قال مجدى بشوق وصورتها تتمثل أمامه:.

ال ٣ أيام دول عدوا علية كأنهم ٣ سنين، إنتى مش عارفة بحبك أد إيه؟
قالت بشرى بدلال:
لأ مش عارفة، بس أحب أعرف طبعا.
تنهد مجدى قائلا:
تعالى بس وإنتى تعرفى.
مطت بشرى شفتيها قائلة:
الظاهر إنى فعلا هرجع يامجدى.
قال مجدى بلهفة:
بجد، بجد يابشرى هترجعى، لقيتى الحل؟
زفرت بشرى قائلة:.

لأ، ملقتش حاجة وشكلى مش هلاقى أي حل طول ما أنا هنا، والوضع بقى يخنق، انا هرجع مصر وأفكر هناك براحتى، وبعدين سايبة العقربة دى مع مراد ويحيي وخايفة تأثر على حد فيهم، غالبا هسافر النهاردة المغرب.
قال مجدى وعيونه تلمع:
هستناكى ياحبيبتى، هستناكى.
قالت بشرى بهدوء:
مش هينفع نشوف بعض النهاردة يامجدى، أنا هروح البيت وبكرة هشوفك أكيد.
قال مجدى بإحباط:
تمام يابشرى، تمام، هستناكى بكرة.

أغلقت بشرى هاتفها، ثم وضعته في جيبها وهي تقول:
والله فيك الخير يامجدى، وحشتك وبتطمن علية، مش زي جوزى اللى معبرنيش ولو حتى بتليفون صغير، وكأنه ما صدق.

لتلتفت تنوى العودة إلى منزل الحاج صالح والإستعداد للسفر، حين فوجئت بلبنى إبنة حامد، الإبن الأكبر للحاج صالح، ذات التسع سنوات، وهي ترمقها بحدة، لتشعر بشرى بتوقف دقات قلبها وهي تتساءل، هل إستمعت تلك الشقية إلى حديثها، لتعود وتنفض صدمتها وهي تطمئن نفسها بأن تلك الصغيرة لن تفهم شيئا وإن فهمت فبإستطاعة بشرى التملص من أي شئ، لترمقها بشرى بدورها بحدة، قبل ان تتجه للمنزل، تحمد ربها على عدم إنجابها الأطفال، حتى لا ترزق بمثل هؤلاء الأشقياء أبدا فهي لا تستطيع أن تتحملهم، مطلقا.

تأملت رحمة نفسها في المرآة في هذا الفستان الأسود الأنيق والذي وجدته بين ملابسها، بدت جميلة رغم قتامة لون الفستان وذلك الحزن الذي يغلف ملامحها، فلم يمضى سوى أسبوعا واحدا على وفاة أختها، ومازال الحزن عليها مشتعلا في قلبها، أمسكت تلك الصورة الموضوعة على التسريحة محدثة صاحبتها في عتاب وحنين:.

ليه بس عملتى فينا كدة ياراوية، كانت حكايتنا خلصت خلاص، ليه جددتيها؟والمصيبة إن الحكاية معقدة أوي، لا هو فكرته عنى ممكن أصلحها، و لا أنا هقدر أسامحه على اللى عمله زمان.
لتتنهد مستطردة:
ربنا يرحمك ياراوية ويسامحك.

تركت الصورة ونظرت إلى عيونها المغروقة بالدموع، فإلى جانب حزنها على فراق أختها، هناك ذلك القلق المسيطر على كيانها والخوف من زواجها وإرتباطها بحبيب قلبها وخائنه الوحيد، ترى كيف ستستطيع العيش معه دون أن تخونها مشاعرها تجاهه؟، كيف ستستطيع السيطرة عليها؟كيف بحق السماء ستقاوم ضعفها تجاهه؟وكيف ستحتفظ بسر أختها بعيدا في عمق قلبها السحيق؟ربما بتذكير نفسها بتخليه عنها بالماضى وتصديقه السوء عن أخلاقها ومشاعرها، نعم بهذا فقط ستستطيع الصمود، كلما وجدت نفسها تضعف ستذكرها بما حدث منه بالماضى، فقط عليها الإنتباه لخطواتها وحسب، ليظهر التصميم على وجهها وهي تلقى نظرة أخيرة على نفسها، تمسك منديلها وتمسح به برفق دموعها دون أن تفسد زينتها، قبل أن تغادر الحجرة، إلى حيث إجتمع الجميع، لعقد القران.

كان يحيى يقف إلى جوار مراد، يشعر بالتوتر، ينتظر نزول رحمة حتى يعقد القران وينتهى من هذا الأمر، يشعر لأول مرة في حياته أنه يترك العنان لقلبه يتحكم به، ويدع جانبا عقله الذي يرسل إليه جميع الإنذارات الحمراء، يدرك لأول مرة بحياته أيضا أنه لا يفعل الصواب ولكن رغما عنه يقوم به والأدهى ان قلبه يكاد يطير فرحا بما يفعل، لدرجة أنه لم ينتبه لملامح أخيه العابسة والواقف إلى جواره بوجوم، لتتعلق عينيه فجأة بتلك الجميلة، بل رائعة الجمال والتي تتهادى نزولا إليهم في ثوبها الأسود الأنيق والذي أضفى جماله وبساطته إليها جمالا وأناقة ورقي، قد تبدو الثقة على ملامحها ولكن وحده يحيى من يدرك أنها في قمة إضطرابها وهي تمسك بيدها اليمنى تنورة فستانها تفركها بيدها دون أن تشعر ولكنه يراها ويشعر بحركتها التي لا تفعلها سوى وهي في قمة التوتر والقلق.

تسلطت عيونها عليه أثناء نزولها لتلاحظ ملامحه الجامدة ولكنها تعرفه جيدا لتدرك توتره من قبضتيه المضمومتين بشدة، فهو لا يضمهما سوى في حالتين، الغضب والتوتر، يبغى بضمهما تمالكا حديديا لأعصابه التي توشك على الإنفلات، إقتربت منه لتلاحظ وجود مراد، فإبتسمت له فلم يرد إبتسامتها، لتتجمد الإبتسامة على شفتيها ثم تختفى، وهي تتجه نحوهما تتعجب من عبوس مراد، ولكنها كانت متوترة فلم تلقى بالا لسبب عبوسه، وقفت أمام يحيى، ليومئ لها برأسه بهدوء فردت إيماءته بهدوء أيضا، وكادا أن يتجها إلى المأذون لعقد القران حين إستوقفها صوت مراد وهو يقول بسخرية:.

مبروك ياعروسة.
إلتفت كل من يحيى ورحمة يواجهانه، لتتفحص رحمة ملامح مراد، تتعجب من لهجته الساخرة، وهي تقول بهدوء:
الله يبارك فيك يامراد.
إتسعت إبتسامته الساخرة وهو يقول:
أخدتى زينة شباب عيلة الشناوي، بس خدى بالك منه المرة دى، وياريت ما يحصلش اللى قبله.
إنتفضت رحمة على صوت يحيى القوي وهو يقول بصرامة:
مراد.

نظر مراد إلى أخيه ولثوانى تحدت عيناه عيني أخيه، لترتخى نظرة مراد أمام يحيى وهو يشيح بوجهه، بينما أدركت رحمة أن مراد يحملها ذنب موت أخيه هشام، وبالتأكيد يفعل أخاه، ليصاب قلبها بصدمة أخرى تضاف إلى قائمة صدماتها من عائلة الشناوي، ويطغى الحزن على ملامحها لتفاجئ بكف يحيى الذي إمتد لكفها يحتضنه لتنظر إلى عينيه فأومأ لها برأسه، لتشعر رغما عنها بشعور لم تشعر به منذ زمن طويل، إنه يساندها كما كان يفعل دائما بالماضى، لقد كان هو عضدها في كل المواقف التي مرت بها مع أبناء العائلة، ومع أخويه، كان الحامى لها، والذي معه تشعر بالقوة لتتحدى من تسول له نفسه بمضايقتها، وها هو يعود ويساندها، ولكن يظل الفرق كبير فلم تعد هي رحمة الماضى، ولم يعد هو أيضا يحياها.

أوقفت بشرى سيارتها، تتعجب من أنوار المنزل التي مازالت مضاءة، لتهبط منها وتغلقها، متجهة إلى باب المنزل المفتوح على مصراعيه لتزداد حيرتها، عقدت حاجبيها بشدة وهي ترى رجلين، أحدهما شابا في اوائل الثلاثينات من عمره، والآخر رجلا في حوالى الخمسين من عمره، يرتدى بذلة كحلية ويحمل حقيبة جلدية في يده، مغادرا المنزل في عجلة وهو يحادث أحدهم في هاتفه قائلا:.

جاييين علطول ياماجد بيه، إحنا خلصنا هنا خلاص، مسافة السكة بس.
تجاهلتهما بشرى وهي تدلف إلى المنزل لتجد تلك العقربة تقف بجوار يحيى وعلى مقربة منهم وقف مراد بملامح متجهمة، لتعود بنظرها إلى رحمة تتأمل فستانها الأسود الذي أضفى عليها جمالا أثار حقد بشرى خاصة وهي تلاحظ عيون يحيى التي تعلقت بها، لتعقد حاجبيها بحيرة وهي تسمع روحية تقول بطيبة:
مبروك ياست رحمة، مبروك يايحيى بيه.

إكتفت رحمة بإبتسامة هادئة بينما قال يحيى برصانة:
الله يبارك فيكى ياروحية.
قالت بشرى بحدة:
ممكن اعرف إيه اللى بيحصل هنا في غيابى؟
إلتفت إليها الجميع، فاستطردت قائلة في غيظ:
بقى أنا أغيب ومحدش يسأل عنى، لأ
وكمان بتحتفلوا في غيابى، طب على الأقل عرفونى بتحتفلوا بإيه، وإزاي بتحتفلوا أصلا وراوية معداش على وفاتها أسبوع؟

إكتست ملامح رحمة بالضيق ممتزجا بالحزن، بينما عقد يحيى حاجبيه، ليتقدم منها مراد بخطوات حازمة وهو يمسك يدها قائلا:
مش وقت الكلام ده يا بشرى، تعالى معايا.
نفضت يده قائلة في عصبية:
لأ وقته يا مراد، من حقى أعرف إيه اللى بيحصل ولا أنا مش من أهل البيت؟
كاد مراد أن يتحدث لولا أن إقترب منها يحيى وهو يقول بهدوء:
لأ طبعا من أهل البيت، ومن حقك تعرفى، لإن الموضوع مش سر ولا حاجة،.

لينظر مباشرة إلى عينيها وهو يقول في ثبات:
أنا ورحمة إتجوزنا، النهاردة.
إتسعت عينا بشرى بصدمة وهي تقول:
إتجوزتوا؟إنت ورحمة؟إنت أكيد بتهزر مش كدة؟
هز يحيى رأسه نفيا ببرود قائلا:
لأ بتكلم جد يابشرى، وأنا من إمتى بهزر معاكى؟
أفاقت بشرى من صدمتها لتقول بإنفعال:
ما هو مستحيل أصدق، إن يحيى كبير العيلة، إتجوز رحمة، رحمة اللى...
قاطعها يحيى بلهجة تحذيرية تتحداها أن تنطق بكلمة وهو يقول:.

قبل ما تقولى أي كلمة تندمى عليها، لازم تعرفى إن رحمة بقت مراتى، يعنى أي إهانة في حقها هي إهانة في حقى أنا، وإنتى عارفة إن مفيش حد لغاية النهاردة قدر بس يفكر يهين يحيى الشناوي، فيا تباركيلها، يا تطلعى أوضتك، مفهوم؟

شعرت بشرى بنار تحرق قلبها، تشعل كيانها إشتعالا، تود لو أفرغت مكنون صدرها وإنتهت، ولكن وقتها ستربح رحمة، لذا آثرت الصمت وهي تلقى نظرة حاقدة على رحمة الصامتة، حزينة الملامح، ثم نظرة حارقة ليحيي، قبل أن تبتعد عنهما بخطوات مشتعلة، تتجه إلى غرفتها، يتابعوها بعيونهم، بينما إقترب مراد من يحيى قائلا:
يحيى، أنا بفكر نسيب البيت ونمشى، إنت شايف بشرى وعمايلها وأنا مش عايز مشاكل في البيت.

تفحص يحيى ملامح أخاه وهو يقول:
بشرى بس يايحيى هي السبب، ولا فيه سبب تانى يخليك عايز تسيب البيت؟
قال مراد وهو يحاول تمالك نفسه والثبات تحت نظرات أخيه المتفحصة:
انا قلتلك من زمان، موضوعى إنتهى يا يحيى، أنا خوفى كله دلوقتى من بشرى.
ربت يحيى على كتف أخيه قائلا:
لو على بشرى متقلقش، أنا أدها وأدود يامراد، بس أهم حاجة تكون إنت مرتاح، وأنا هرتاح أكتر وإنت جنبى ياأخويا.

لم يجد مراد مفر من المكوث بالمنزل منصاعا لرغبة أخيه، وليتحمل العذاب في سبيل ذلك، فهذا مصيره منذ أن أحبها، العذاب وحده، وبصمت.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كانت بشرى تمشى جيئة وذهابا في الحجرة، تشعر بالغيظ يحرق صدرها، بالغضب يعصف بكيانها، كيف يتزوجها رغم كل شئ فعلته بالماضى، كيف ينتهى بتلك الرحمة زوجة له، كيف؟

إنها الملامة، نعم، هي وحدها الملامة على ذلك، تركت لها المجال خاليا لتعاود ألاعيبها من جديد وتتزوجه بالنهاية، ولكن زواجها منه وبتلك السرعة، هذا ما لم تكن بشرى تتوقعه أبدا، فلم يمر سوى أسبوع واحد فقط على موت راوية، هل كانا ينتظران موتها ليعيدا معا عشق الماضى؟هل نسي لها يحيى خيانتها؟وهل غفرت له خذلانه إياها؟

حقا لقد أصبح تفريقهما الآن أصعب مما كان بالماضى فلقد أصبحا زوجين، وتلك الفكرة وحدها تشعل كيانها إشتعالا.

توقفت عن التفكير حين دلف مراد إلى الحجرة ليجدها واقفة متأهبة، تنظر إليه بحدة، ليدرك أن تلك الليلة لن تمر بسلام، ألا يكفيه ما يعانيه الآن وهو يتخيل رحمة في أحضان أخيه؟، لتظهر بشرى بالصورة وتستنزف آخر طاقته المنهكة، ليستدعى كل ذرة في كيانه تجعله قادرا على تحمل تلك المرأة، وهو ينظر إلى وقفتها المتحفزة في ثبات، ينتظر ثورتها، وهي لم تنتظر، بل ألقتها في وجهه قائلة بصوت يحمل الغيظ في طياته:.

إنت إزاي توافق على جوازهم، إزاي تسمح بالمهزلة دى؟
نظر إليها في برود وهو يقول:
وأرفض ليه؟، ده أخويا الكبير ورحمة، وبعدين حتى لو كنت رفضت تفتكرى كان أخويا يحيى مش هيتم الجوازة عشان خاطر رفضى ده؟
قالت بشرى بعصبية:
يابرودك ياأخى...
قاطعها مراد قائلا بحدة:
بشرى.

إنتفضت بشرى من حدته الفجائية لتلاحظ أنه بدوره مصابا بالضيق وربما بالحنق أيضا من زواجهما، فقد نسيت أن زوجها بدوره يحب رحمة ولابد وأنه الآن يعانى مثلها، لتحاول أن تبعد حنقها جانبا وهي تقترب منه قائلة بنعومة:.

أعذرنى يامراد، إنت عارف إنى مبطيقش رحمة، والكلام ده من زمان أوي، لإنى أكتر واحدة عارفاها وعارفة أخلاقها، دى حرباية بتتلون بكل لون عشان توصل للى هي عايزاه، وهي كل اللى عايزاه فلوس عيلة الشناوي، بدأت بهشام ومش بعيد تكون هي السبب في موته، وأهي لفت على يحيى وربنا يستر وميحصلش أخوه، مفاضلش غيرك، وأنا خايفة عليك يامراد.
بلغ بمراد الضيق حد شعوره بأنفاسه تسحب منه وهو يقول:.

بلاش تخريف يابشرى، حادثة أخويا كانت قضاء وقدر، كانت حادثة عادية ملهاش ذنب فيها وهي نفسها كانت معاه وكانت في المستشفى بعدها، أما يحيى فيقدر ياخد باله من نفسه كويس، وبعدين انا شايف إنه جواز حب مش مصلحة زي ما انتى بتحاولى تصوريلى.
قالت بشرى بعصبية وقد استفزتها كلماته:
حب إيه اللى يحصل في كام يوم ده؟وهي رحمة دى تتحب على إيه بس؟
قال مراد بنبرات حزينة رغما عنه:.

الظاهر الحب ده كان من زمان، والقدر فرقهم، وأهو رجع وإتجدد، ودى حاجة مش بإيدينا، وإذا كان على رحمة، فهي فعلا تتحب، جمال وأصل ورقة وطيبة و...
قاطعته بشرى وقد أحرقتها كلماته، وأغضبتها لأقصى حد وهي تقول:
وإيه كمان ياسي مراد؟، ما تقول كمان إنك بتحبها.
قال مراد بحدة يخغى بها إضطراب نبضاته:
حب إيه بس اللى بتتكلمى عليه؟إنتى إتجننتى؟هحب مرات أخويا؟
تفحصت ملامحه قائلة بسخرية:.

مين عارف، ماهي ساحرة وقاعدة تسحرلكم واحد ورا التانى.
قال مراد في حدة:
بلاش هبل، ساحرة إيه وسحر إيه اللى بتتكلمى عنهم دول، أقولك أنا سايبلك الأوضة وماشى، أنا تعبان ومش ناقص وجع دماغ.
قالت بشرى بحدة:
يعنى أمشى من البيت ومتسألش فية، ولما أرجع هتسيبنى كمان، العيشة معاك مبقتش تتطاق على فكرة.
نظر إليها مراد قائلا في جمود:
مش عاجباكى العيشة معايا، تقدرى تغيريها، إنتى بس أطلبى وأنا هنفذ.

أحست بشرى بتسرعها وإندفاعها وبأنها على وشك أن تخسر مراد، لذا اسرعت بإظهار الضعف على وجهها وهي تقول:
بقى كدة يا مراد، بسهولة كدة بتبيعنى؟
قال مراد ببرود:
أنا مببعش، إنتى اللى مش عاجباكى الحياة معايا يا بشرى، وأنا مبغصبش حد على حاجة، أنا عايز راحتك، و الظاهر راحتك مش معايا.
إقتربت بشرى منه تمد يديها على طول يديه ترفعهما إلى كتفيه لتقترب منه أكثر وتقبله قبلة بطيئة على وجنته اليسرى قائلة بنعومة:.

أنا راحتى معاك.
ثم تقبله قبلة بطيئة اخرى على وجنته اليمنى قائلة:
وقلبى معاك.
ثم تهمس أمام شفتيه قائلة:
ياحبيب بشرى.
لتبادر بتقبيله على شفتيه قبلة مغوية، تضم مؤخرة عنقه إليها ليبدو جامدا بالبداية، لا يبادلها قبلته ثم مالبث أن أغمض عينيه ورغما عنه قبلها متخيلا إياها رحمة، أدرك فجأة أن تخيله إياها وقد أصبحت زوجة أخيه هو جرم في حق أخيه نفسه، لينفض صورتها بقوة،
فجأة...

تمثلت أمام عيناه المغمضتان شروق، ليقبل بشرى وهو يتخيلها شروق، شروق فقط، تلك الجميلة الرقيقة المحبة، يحاول بقبلاته نسيان أن رحمة وأخيه زوجين الآن ومغلق عليهما بابا، ليغوص مع بشرى في معركة مشاعر
إختلطت بها الحقيقة، بالخيال.

دلفت رحمة بخطوات مرتبكة مترددة إلى تلك الحجرة التي لطالما راودتها في أحلامها مع يحيى، تشاركه فيها سعادتهما وعشقهما كزوجة، الآن هي فعلا تشاركه فيها كزوجة، ولكن زوجة مع إيقاف التنفيذ، زوجة بالإسم فقط، دلف يحيى خلفها بخطوات هادئة يتأمل إرتباكها وتخضب وجنتيها بشئ من الإستمتاع وكأنها لم تكن يوما عروس لأخيه ولم تتشارك حجرة مع رجل من قبل، كم تمنى لو كان الأول بحياة رحمة، الأول والأخير والوحيد، ولكن شاءت الأقدار أن تخيب آماله بها، أصابته تلك الفكرة بوجع في قلبه ليسرع وينفضها بعيدا، فلقد تزوجها ليس رغبة فيها ولا حبا، ولكن من أجل وصية راوية، ومن أجل ولده، ليدحض قلبه تلك الفكرة على الفور وهو يسخر من نكرانه لمشاعره التي أجبرته على الزواج منها والإسراع كذلك، عندما شعر بأنها من الممكن أن تكون لسواه، أما عن عدم إخلاصها له وخيانتها القديمة فأرجعها قلبه لرعونتها وصغر سنها أما الآن فربما صارت ناضجة، وإن لم تلتزم حدودها وتدرك أنها زوجة يحيى الشناوي فسيريها الوجه الآخر له، وهو وجه لن تحب رؤيته البتة.

وقفت رحمة في مكانها تشعر بالإختناق، لا تتخيل وجودها هنا في حجرته هو وراوية، حجرته التي تحمل ذكرياتهما سويا، قتلتها الغيرة وهي تنظر إلى السرير تتخيلهما سويا، عليه، لتشيح بوجهها وتلتفت إليه قائلة بضيق:
مش هقدر أكون هنا، أنا لازم أخرج.
عقد حاجبيه قائلا:
تخرجى فين؟دى اوضتى والمفروض تشاركينى فيها.
قالت في مرارة:
لأ دى أوضتك إنت وراوية، ومش هقدر أكون فيها معاك.

تأمل ملامحها المرتعشة من المرارة يغلفها الحزن والضيق، يتساءل عن سر عدم رغبتها بالمكوث بتلك الحجرة، هل هي ذكريات أختها الرابضة بها، أم إنها ذكريات أختها معه والتي تملأ جنبات الحجرة، ترى هل تغار رحمة عليه؟هل كانت تحمل له مشاعر فيما مضى حقا؟دق قلبه بسرعة لهذا الإحتمال الذي تمنى ان يكون صحيحا من كل قلبه، إنتابته الشكوك، وود من كل قلبه لو قطع الشك باليقين ولكن كرامته أبت عليه أن يتحقق من شكوكه، لذا قال بهدوء:.

مش هينفع طبعا، خروجك برة الأوضة شئ مش مسموح بيه.
جلست على الأريكة وقد تهدمت قواها وأغروقت عيناها بالدموع وهي تطالع سريره، تتراءى لها صور قاتلة لقلبها ومشاعرها وكيانها بأكمله، لتقول بألم:
مش هقدر، صدقنى مش هقدر.
لاحظ نظراتها ليعود الامل إلى قلبه الذي رق لدموعها وتمنى ان يكون ما يفكر فيه صحيحا ليقترب منها ويجلس أمامها على ركبتيه، يمسك يدها بحنو، وسط ذهولها وهو يقول برقة:
ليه بس مش هتقدرى؟

تأملت عسليتاه اللتان تعشقهما وخاصة عندما ينظر إليها بهذا الحنان، كادت ان تعترف، ان تصرخ بكل قوتها قائلة، لإنك كنت لغيرى بها، قلبا وقالبا، أشعر بالخيانة، بنار تحرق فؤادى، أشعر بأن أنفاسى تختتنق وأنا أتخيلك تحتضنها، تقبلها، تمنحها العشق الذي تمنيته يوما، أشعر بروحى تزهق وانا أصم آذانى التي تستمع إلى لهاثكم الآن وثورة مشاعركم، نعم أتخيلها بوضوح لتمزق شرايينى، ورغم أننى أتمزق لأن هناك أخرى كانت بحياتك قبلى إلا أن معرفة أنها كانت أختى، تجرى بها دماء أبى، يذبحنى حقا، كادت ان تقول كل ذلك واكثر ولكن خوفها من أن يدرك يحيى أنها مازالت تحبه حال دون إعترافها، وألجم لسانها عن قول الحقيقة، لتقول بصوت حاولت أن تهدئ نبراته:.

عشان يعنى، دى اوضة اختى وبتفكرنى بيها وبحزنى عليها، وكمان مش هقدر أنام على السرير ده انا وإنت، إنت يعنى لسة غريب عنى.
ترك يدها ونهض ببطئ، يشعر بخيبة الأمل ليقول بنبرة خالية من المشاعر تشوبها فقط بعض السخرية:
غريب عنك؟طيب دى حاجة تخلينا أكتر نبات في أوضة واحدة وسرير واحد، عشان نتعود على بعض.
نظرت إليه رحمة قائلة في خجل وإرتباك:
بس...
قاطعها قائلا بلهجة حاسمة:.

مفيش بس، مش هينفع تخرجى برة أوضتى، جوازنا ووجودى هنا بيحتم وجودك معايا، إحنا صحيح جوازنا مصلحة بس أدام الناس مش لازم يبان كدة، أنا مش مستعد حد يتكلم علية وعلى حياتى الشخصية وعلاقتى مع مراتى، لمجرد إنك مش قادرة تتحملى وجودك في أوضة أختك يارحمة.

ليتركها ويدلف إلى الحمام، تاركا إياها تنظر بحسرة إلى ليلة زفافها إليه والتي حلمت بها سنوات طوال، تصارع رغبتها بالنداء عليه والإعتراف له بكل شئ، لتتذكر وعدها لراوية وتنهض ببطئ تفتح دولابه التي وضعت به روحية اشياءها وتأخذ منه عباءة تغطى جسدها بالكامل، فسوف تنام إلى جواره شاءت أم أبت، مدركة أنه لن يرضى بنومها على الأريكة ولن يستطيع النوم بها لصغر حجمها، لذا تنهدت في يأس وهي تنتظره حتى يخرج من الحمام لتدلف هي إليه وتنهى تلك الليلة الطويلة، الحالكة، والتي إختفى قمرها ليزيدها، سوادا.

تأملت بشرى مراد النائم بعمق بجوارها لتنهض بهدوء، وتتجه إلى دولابها تحضر علبة سجائرها التي تخفيها بعناية بين طيات ملابسها، ثم تتجه إلى شرفة الحجرة تفتحها بحذر وتدلف إليها ثم تغلقها وتشعل إحدى سجائرها تنفث دخانها ومعه توترها وضيقها وهي تتخيل رحمة الآن في أحضان يحيى يبادلها وتبادله القبلات، تشتعل ليلتهما بعشق سنوات مضت، لتفرك السيجارة بيدها غير عابئة بألمها من تلك النيران المشتعلة، فألمها الذي يحرق صدرها يفوق كل الآلام، تفكر كيف تفرق بينهما وتشفى غليلها، لتلمع عينيها وقد وجدت الفكرة، نعم، كيف لم تفكر في ذلك من قبل؟، إن أدرات خطتها بشكل جيد، فربما لن ترحل رحمة وتسافر مجددا فقط، وإنما ستختفى من حياتهم، ربما للأبد.

لتبتسم بشيطانية وهي تدلف مجددا إلى الحجرة لتداوى حرق باطن يدها وتنتظر حتى طلوع الصباح لتبدأ في تنفيذ خطتها، تدعوا في سرها أن تحقق تلك الخطة مأربها، لترتاح من تلك الشقية والتي تعبث في حياتها مفسدة كل خططها، حتى الآن.

كانت نائمة بعمق، حين تسللت يداه لتضمها من الخلف تقربها منه، نعم يداه، فهما القادرتان على إشعال حرارة جسدها بتلك الصورة، دفن وجهه في عنقها وشعرت به يستنشق عبيرها فتظاهرت بالنوم مستمتعة بهذا الشعور الذي يمنحها إياه حضنه وإقترابه منها هكذا، لتسمع همساته التي جعلت عينيها تتسع بقوة وهو يقول:
عارف إنك صاحية فبلاش تمثلى علية يارحمة، أنا أدرى الناس بيكى، ده أنا اللى مربيكى.

إلتفتت إليه ليرفع نفسه على مرفقه وينظر إليها متأملا بنظرات سحبت أنفاسها ولكنها تمالكت نفسها وهي تنظر إليه قائلة بعتاب:
ولما إنت مربينى على إيدك صدقت ليه إنى ممكن اخونك، وأخونك مع مين؟مع أخوك اللى إنت عارف أد إيه كان بيضايقنى وياما إشتكيتلك منه؟
نظر إلى ملامحها في عشق قائلا:
عشان أنا غبي، قلبى كان حاسس إنك مظلومة، والنهاردة حابب أسمعك، انا اهو أدامك، فهمينى.
إعتدلت جالسة تنظر إليه بعتاب قائلة:.

كان زمان ممكن أقولك وأشرحلك، بس دلوقتى فات الأوان.
سحبها من ذراعها يمددها مجددا ويشرف عليها ملامسا وجنتها بيده بنعومة قائلا بهمس:
سامحينى،.

لتغمض عينيها تأثرا بنبراته الهامسة و لمساته الرقيقة، ليمرر يده نزولا إلى عنقها ووصولا إلى سحاب عبائتها ليفتحه ببطئ أثار كيانها ويميل على وجنتها يقبلها برقة يمرر شفتيه على بشرتها الناعمة وسط تأوهاتها العاشقة والتي أثارت كيانه بالكامل ليخلع عنها عباءتها ثم يندمجا سويا في ثورة من المشاعر أكملت إتحادهما وسط همساتها بإسمه مرارا وتكرارا كنغمة لن تمل منها أبدا...

أفاق يحيى من نومه على صوت همسات رقيقة بإسمه، إعتدل على الفور وهو يدرك مصدر تلك الهمسات، لينظر إلى فاتنته التي ظل يتأملها طوال الليل بعد أن نامت بصعوبة تتمسك بالغطاء وكأنه سيحميه منها إن أرادها، إبتسم وهو يتأمل شعرها المبعثر ووجهها الرائع الملائكي القسمات حتى في نومها، لتنطلق من شفتيها مجددا همسة بإسمه، أطارت عقله عندما ترددت مجددا بنبرة عاشقة جعلته يود لو مال الآن وقطف تلك الشفاه التي تهمس بإسمه بنبرة إشتاق لسماعها، كاد أن يستسلم لمشاعره ويفعل، ليميل بالفعل عليها ولكنه عقد حاجبيه وهو يتراجع فجأة بعد ان أدرك أنها تحلم به، نعم إنها تحلم به، ترى أيراود هو احلامها كما تراود هي أحلامه؟آاااه كم يتمنى لو كانت حقا تعشقه، ربما وقتها سامحها على كل أخطاء الماضى، همست بإسمه مجددا ليشعر بأنه على وشك ان يطيح بكل شئ ويميل آخذا إياها في جولة عشق خاصة بهما وحدهما، ولكنه عندما يفعل يجب ان يتأكد بأنها تعشقه حقا وتريد ان تكمل حياتها معها، حتى الرمق الأخير، ليميل عليها ولكن ليهزها برفق قائلا:.

رحمة، فوقى يارحمة.
فتحت عيناها الرماديتان ببطئ ليذوب هو عشقا عندما رأته فإبتسمت إبتسامة عشق، ليبتسم بداخله، ولكنه قال بهدوء:
صباح الخير.
إختفت تلك الإبتسامة على الفور وهي تدرك أن ماحدث بينهما كان حلما، وأن يحيى أمامها حقا، لتتسع عينيها في صدمة ويتخضب وجهها خجلا، ويخفى يحيى إبتسامة كادت ان تعلو شفتيه وهو يدرك ما هي فيه الآن من إضطراب وخجل، لتقول بإرتباك:
صباح النور،.

ثم تنظر إلى عبائتها تتأكد أنها ترتديها وأن سحابها مغلق، ليكاد يحيى ان يطلق ضحكة من بين شفتيه رغما عنه وهو يتابع نظراتها ليكتمها تماما وهي تعاود النظر إليه قائلة:
انا، أنا...
قال بنعومة:
إنتى إيه؟
إبتلعت ريقها بصعوبة قائلة:
أنا هاخد الحمام الأول، عن إذنك.
لتنهض بسرعة وتدلف إلى الحمام، كاد يحيى أن يطلق سراح ضحكته وهو يتابعها ليكتمها مجددا ورحمة تفتح الباب قائلة بإضطراب:
نسيت آخد هدومى.

لم ينطق يحيى بكلمة، لتذهب رحمة إلى الدولاب وتأخذ ملابسها متجهة إلى الحمام بسرعة، ومغلقة الباب خلفها، ليطلق يحيى سراح ضحكته تلك المرة، ضحكة فارقت شفتيه منذ زمن بعيد، يتراقص قلبه فرحا، وهو يدرك كنه حلمها من همساتها ونظراتها لملبسها وخجلها، ويدرك أن بطيات قلبها هناك مكان له، أور ربما هي تتمناه حقا، وإلا ما كانت حلمت بمثل تلك الأحلام، ليشعر بشعور لا يستطيع وصفه من روعته، إنها أنفاس الحياة تعود إليه مجددا، فلقد كانت حياته من دونها قاحلة وجاءت هي فأعادت الألوان لحياته من جديد ومنذ اليوم الأول، وحدها من تستطيع فعل ذلك، هي، رحمته، ولا أحد غيرها.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

زفر مراد قائلا:
يعنى برده مصممة متنزليش تفطرى معانا؟
تقلبت بشرى على جنبها، تسحب الوسادة لتضعها تحت رأسها، قائلة بنعاس:
تؤ تؤ، أنا قلتلك من بالليل إنى هحاول مشوفهاش كتير، عشان لما بشوفها بتعصب وساعتها إنت وأخوك هتزعلوا منى، يبقى أنزل بقى ولا أكمل نوم أحسن؟
تنهد مراد قائلا:
لأ، كملى نوم أحسن، أنا نازل رايح الشغل، محتاجة حاجة؟

غمغمت بكلمات لم يفهم منها شيئا ليدرك أنها قد عاودت النوم من جديد، هز كتفه بقلة حيلة، ثم إتجه إلى الخارج مغادرا الحجرة بهدوء، وما إن غادر حتى فتحت بشرى عينيها وهي تنهض بسرعة ساحبة الهاتف من على الكومود بجوارها وممررة أصابعها على أزراره بسرعة، ليرن على الجانب الآخر، وما إن رد عليها محدثها حتى قالت بصوت متهدج تشوبه دموع مفتعلة:
حاج صالح، إلحقنا ياحاج.

كان مراد يهبط السلالم ببطئ، يحضر نفسه ربما لمشهد عاطفي يمزق قلبه، يتمنى من الله أن يظلا هذين الزوجين بحجرتهما وأن يغادر للعمل دون أن يراهما اليوم مطلقا، توقف في جمود حين خاب أمله و رآهما على طاولة الطعام يتناولان الإفطار، تماما كالماضي، حين كان يهبط لتناول الإفطار فيجدهما يفطران مع بعضهما البعض، وسط جو من المرح والضحك مايلبث أن يشاركهم فيه، كان وقتها لا يدرى أنهما واقعان بالحب بل كان يظن أنه وحده المغروم بذات العيون الدخانية والشعر الأسود كالليل، ورغم أنها غيرت لونه الآن للون الكستنائي، إلا أنه مازال يليق بها، ولا يقلل من جمالها ذرة، بل إنها إزدادت نضجا وجمالا عن الماضى، نفض أفكاره الخاطئة كلية، إنها زوجة أخيه، إمرأته هو ولا يجب أن ينظر لها كحبيبة أبدا، بل يجب أن ينساها، ولكن كيف ينساها وهي أمامه طوال الوقت؟، ربما عليه فعلا الإنتقال لمنزل آخر.

تأمل الزوجان الجالسان بجوار بعضهما البعض بشئ من الريبة، إنتابته الحيرة، فكليهما صامت، يتناول طعامه بسكون تام، وكأن الليلة الماضية لم تكن أبدا ليلة زفافهما.
مهلا...

ها هو أخيه يسترق النظر إليها يتأملها بنظرات لم يرها في عيني أخيه أبدا، إنها نظرات عاشق، ربما لم ينتبه لها بالماضى ولكنه كان غرا وقتها، مشاعره ساذجة، ودون تجارب تذكر، فقط رحمة ولا أحد غيرها، لذا لم يميز نظرات العشق من نظرات المودة والأخوة،.

وها هي رحمة ترفع عينيها إلى يحيى تحاول إستراق النظرات إليه بدورها فإلتقت عيناها بعيني يحيى وتجمدا سويا، فقط ينظران لبعضهما البعض، يغرقان وسط دوامة من المشاعر ظهرت لمراد واضحة جلية، أشعرته بالإختناق رغما عنه، كاد أن يبتعد مغادرا قبل أن يلمحاه، ولكن لسرعته إرتطم بتلك الطاولة في طريقه وكاد أن يوقع تلك المزهرية الثمينة ولكنه تمسك بها في اللحظة الأخيرة، ليضعها مكانها وهو يزفر بقوة ليغمض عينيه بقوة حين إستمع لصوت أخيه وهو يقول بهدوء:.

مراد.
فتح عيناه وهو يلتفت إليهما مقتربا بهدوء يختلف عن كيانه المضطرب بالكامل، قائلا:
صباح الخير.
قالا سويا:
صباح النور.
تخضب وجه رحمة بحمرة الخجل وهي تنظر إلى يحيى قبل أن تطرق برأسها، بينما أبعد يحيى عيونه عنها بصعوبة وحمرة الخجل تزيدها جمالا، لينظر إلى مراد قائلا:
إنت كنت ماشى من غير ما تفطر يامراد؟
أومأ مراد برأسه قائلا:
أيوة، أصل ورايا شغل مهم وعايز أخلصه قبل الميتنج.
قال يحيى بهدوء:.

الميتنج مهم صحيح بس صحتك أهم يامراد، أقعد إفطر معانا.
نظر مراد إلى رحمة ثم إلى يحيى بإرتباك قائلا:
مش هينفع صدقنى.
كانت رحمة قد أعدت لمراد شطيرة سريعة وهما يتحدثان وناولته إياها قائلة:
طب كل دى بس، عشان خاطرى يامراد.

شعر مراد بالإضطراب لينظر إلى يحيى الذي ظهرت ملامحه عادية وهو يومئ له برأسه ليأخذها، ليأخذ مراد منها الشطيرة وهو حريص على أن لا تلامس يده يدها، ويحيي يجز على أسنانه ويقبض على يده بقوة كي لا يتهور، يشعر بالغيرة تحرقه، أشعلته كلمات رحمة البسيطة، وإدراكه أن مراد تأثر بها، وبإبتسامتها الحمقاء تلك والتي إرتسمت على شفتاها عندما رأت مراد يتناول شطيرته على عجل، ليود يحيى أن يمحي تلك الإبتسامة من على وجهها حتى لا يراها غيره، ولكن وحتى دون تلك الإبتسامة تظل ملامح رحمة ملائكية جذابة، تجذب هالتها البريئة إليها الصغير قبل الكبير، فما بالك بقلب يعشقها كقلب مراد، وقلبه هو قبل الجميع.

إستأذن مراد كي يذهب إلى عمله فتمنى له يحيى التوفيق في إجتماعه اليوم والإتصال به إن إحتاجه، ليغادر مراد تتبعه العيون، قبل أن يلتفت يحيى إلى رحمة يحدجها بنظرات قاتمة حادة، لتنظر إليه في حيرة قائلة:
بتبصلى كدة ليه؟
قال بنبرات حانقة:
يعنى مش عارفة؟
عقدت حاجبيها قائلة:
لأ مش عارفة.
لينهض ويمسك بيدها ينهضها ويسحبها خلفه وسط دهشتها، لتشعر بالألم في يدها من جراء إحكام قبضته عليها و جذبه إياها بقوة، لتقول بألم:.

إيدى يايحيى.
توقف على الفور وهو يلتفت إليها، ثم ينظر إلى يده الممسكة بيدها بقوة، ليدعها على الفور يلاحظ إحمرار بشرة كفها، ليلعن بسره قبل أن يشير إليها لتسبقه، فنظرت إليه لثوان في تحدى لم يلبث أن فاز فيه عندما مد يده ليمسك بيدها مرة أخرى ولكنها تفادتها بصعوبة وهي تسرع بخطواتها إلى الحجرة، ليبتسم من طفوليتها، رغما عنه.

كانت شروق جالسة في مكانها تنظر في صدمة إلى هذا الشريط المزين بخطين أحمرين، تدرك أنها حامل بالفعل ولم تكن أوهاما كما صور لها عقلها، صدمة أخرى، ألا يكفيها صدمة إكتشافها بالأمس حبا خفيا في قلب زوجها، ورغم أن حبه لرحمة اصبح حبا بلا أمل لزواجها بأخيه، ولكن يظل قلبه معلقا بأطلاله كقلبها تماما، قلبها هذا الوحيد المعذب في عشق يائس يضنيه، تشعر بألم قلبها، بدقاته المتسارعة، يمتزج به الألم بالخوف، فكيف ستخبر مراد بهذا النبأ؟وهو الذي حذرها مرارا وتكرارا من حدوثه، فقد قالها صريحا، لا أطفااال،.

ولكن ما ذنبها وقد أراد الله أن تحمل طفله، ويعلم الله أنها ما حاولت أن تنجب منه عمدا، بل اخذت جميع إحتياطاتها، أحست بالإعياء، بدوار يكتنفها، مدت يدها لتسحب هاتفها وتتصل بمراد لينجدها، ولكن كيف تتصل به وهي تخشى ردة فعله، لتفتح قائمة الأسماء وتختار إسما تدرك أن صاحبته الوحيدة التي قد تستطيع مساعدتها الآن، صديقتها نهاد، لتضغط على زر الإتصال وعندما أجابتها نهاد، قالت شروق بضعف:
نهاد، محتاجالك.

إستمعت إلى صوت محدثتها لتقول بصوت خفتت نبراته:
تمام، مستنياكى.

كانت رحمة تلاعب هاشم الذي إبتسم وهو ينظر إليها عندما تهدم ذلك البيت من المكعبات والذي بنياه سويا، هو ورحمة، لتبتسم رحمة بدورها وهي تميل عليه تمنحه قبلة على وجنتيه قائلة:
ياجمال إبتسامتك بغمازاتك دى ياقمر إنت.
لتنظر إلى عسليتيه المبتسمتين بدورهما وتتنهد قائلة:
لأ وكمان عيون باباك، هو أنا كنت قادرة على يحيى واحد بس؟عشان أقدر على إتنين ياهاشم؟
تأوهت حين شد خصلات شعرها بين يديه لتقول بألم:.

سيب شعرى ياهاشم.
تعالت ضحكات الصغير لتقول رحمة متوسلة:
بتضحك؟، طيب سيب شعرى وأنا هجيبلك شيكولاتة.
ترك الصغير شعرها على الفور وهو يقول بسعادة:
طا طا، طا طا.
إعتدلت رحمة على الفور وهي تنظر إلى ملامح الصبي المسرورة قائلة في عتاب:
بقى كدة ياهاشم، يعنى إنت قاصد بقى؟
لتبتسم رحمة رغما عنها وهي تراه يومئ برأسه مرددا:
طا طا، طا طا.

مدت يدها إلى جيب فستانها لتخرج لوح شيكولاتة صغير فتحته و منحته للصبي الذي أخذه مهللا، لتتسع إبتسامتها قائلة:
حتى في دى طلعت شبه باباك، كان يعوز منى حاجة وأعاند معاه يقوم يلف خصلتين من شعرى على إيده، وأول ما أقوله خلاص حرمت، كان يسيبنى ورغم إنى كنت ببقى متغاظة منه أوي بس اول ما أبص لإبتسامته أم غمازات دى، وأبص لضحكة عينيه، كنت أنسى كل غيظى منه وأترمى في حضنه، وآه من حضنه،.

لتشرد بعيدا، تتذكر هذا الإحساس الذي أضناها إشتياقها إليه، وهي تقول:.

مكنش فيه أحن من حضنه، كنت بحس فيه بإنى لقيت مكانى، وطنى، أهلى اللى إتحرمت منهم، كنت بلاقى فيه نفسى، وفجأة إتحرمت من الحضن ده، صدق كل اللى إتقال علية، وحرمنى من حبه وحنانه، حتى لو كان اللى شافه يظهر خيانتى، كان لازم ساعتها قلبه ينكر اللى شافته عينيه، كان لازم يقول فيه حاجة غلط، رحمة مش ممكن تخونى، كان لازم يفضل سندى، لكنه وقف معاهم ضدى، مش قادرة أسامحه رغم إنى سامحت جدى على قسوته علية زمان وإديتله أعذار، لكن هو، مش قادرة أسامحه أو أديله عذر، يمكن في يوم قلبى يسامح، لكن دلوقت ورغم إنى عارفة إنى لسة بحبه بس قلبى مش قادر ينسى او يسامح، فاهمنى؟

إبتسمت رغما عنها وهي ترى الصبي قد لوث شفتيه وجانب وجهه ومقدمة ملابسه بالشيكولاتة، لتقول بمرح:
هو أنا إيه اللى بقوله ده؟، وإنت أصلا في دنيا تانية ياهاشم، الظاهر إنى لازم أسمع الكلام وألم شعرى وانا معاك ياحبيبى، بس تعالى كدة يابطل لما نغسل وشك و نغير هدومك، قبل ما حد يشوفك وإنت كدة، مع إنك برده سكر وأحلى من السكر كمان.

تعالت ضحكات هاشم، لتحمله رحمة وتتجه به إلى الحمام الملحق بالغرفة، بينما كانت هناك عينان بخارج الغرفة، ظهر بهما حقد شديد، وقلب يغلى من الغضب قد إستمعت صاحبته إلى حديث رحمة، و الذي يدور عن يحيى وذكرياتها معه، لتقول بغل:
عشتى مع يحيى اللى حلمت أعيشه معاه يارحمة، وحضنه اللى كان ملكك مسيره في يوم هيبقى ملكى أنا، اللى مطمنى إنك لسة مسامحتيهوش وده معناه إنه لسة مقربلكيش،
لتبتسم بسخرية قائلة:.

ومعتقدش هتعيشى لغاية ما تشوفى اليوم اللى هتسامحيه فيه ويقربلك يابنت بهيرة.
لتبتعد عائدة إلى حجرتها تعلو شفتيها إبتسامة شيطانية وهي تنتظر وصول الحاج صالح ورجال عائلة الشناوي، جميعا.

خرج الطبيب من حجرة شروق تصاحبه نهاد التي أغلقت الحجرة خلفها، ثم إلتفتت إليه قائلة:
طمنى يادكتور رأفت، شروق أخبارها إيه؟
تأمل رأفت عسليتيها القلقتين، يود لو قال، صديقتك بخير، أما أنا فلست بخير إطلاقا طالما لم تمنحينى ردا على طلبى الذي أنتظر إجابتك عليه منذ زمن طويل ولن أيأس ولن أتراجع حتى أحصل على ردك بالإيجاب يافاتنتى، شعرت نهاد بالخجل وهي تلاحظ تأمله لملامحها، لتقول بإرتباك:
دكتور رأفت؟

تنهد رأفت وقلبه يقول:
عمر رأفت ونبضه.
ولكن لسانه قال:
مدام شروق بخير يا نهاد، الإغماءة اللى حصلتلها دى طبيعية، نتيجة للحمل، هي بس ضعيفة حبتين ومحتاجة فيتامينات وتاخد بالها من صحتها شوية، أنا كتبتلها على الفيتامينات اللى هتحتاجلها وبإذن الله مع المتابعة هتكون كويسة وزي الفل كمان.
ظهرت إبتسامة على شفتيها خلبت لبه وهي تقول:.

أنا مش عارفة أشكرك إزاي يادكتور، وأنا آسفة يعنى لو تعبتك وخرجتك من عيادتك وانا عارفة أد إيه إنت مشغول.
قال في حنان:
تعبك راحة.
ثم مال قليلا ينظر إلى عمق عينيها قائلا:
بس مش ناوية توافقى على طلبى وتريحى قلبى بقى يانهاد؟
تراجعت نهاد خطوة للخلف وهي تطرق برأسها أرضا تقول بصوت خجول تشوبه بعض المرارة:
أنا قلتلك رأيي قبل كدة يادكتور، ياريت تنسى الموضوع ده خالص وتشوف واحدة تليق بحضرتك، وبعيلتك.

لترفع رأسها تواجه عيناه وهي تستطرد قائلة:
واحدة تشرفك يارأفت.

رقص قلبه طربا رغم مرارة كلماتها، فلأول مرة تنطق بإسمه دون ألقاب، إلى جانب دموع عيونها الحبيسة داخل مقلتيها، واللتان أشعرتاه بأنها تكن له بعض المشاعر، مما زاد الأمل في قلبه بأنها ستوافق، إن أشعرها بأنه حقا يعشقها ولا يهمه كل تلك الأسباب البالية والتي تسيطر على عقلها وتمنعها من أن تحظى بفرصة أخرى في الحياة، فرصة للسعادة، لذا نظر إلى عينيها الجميلتين وهو يقول بحنان:.

إرتباطك بية شرف لية يانهاد، إنتى مكسب لأي عيلة بأدبك وأخلاقك وذوقك وعطفك، إنتى نسيتى ماما كان جرالها إيه بعد وفاة اختى ناهد الله يرحمها وإزاي رجعتيها لنفسها ولحياتها ولينا من تانى، نسيتى بتحبك أد إيه، دى بقت بتعتبرك زي بنتها بالظبط، انتى مش بس أخدتى ملامح من ناهد، إنتى خدتى روحها، وأد ما أهلى كانوا بيحبوا أختى حبوكى انتى كمان، يعنى مستحيل هيعارضوا جوازنا.
سقطت دموعها وهي تقول:.

وأنا كمان بحبهم زي أهلى اللى ماتوا وسابونى لوحدى، بحب حنيتهم وروحهم الطيبة المتواضعة، بس رغم تواضعهم يوم ما هتقولهم إنك عايز تتجوزنى مش هيرضوا، إزاي بس يرضوا لإبنهم الوحيد إنه يتجوز من واحدة زيي بسيطة وعلى أد حالها وكمان، مطلقة؟
كاد رأفت ان يمد يده يمسح دموعها التي تقتله، ولكنه يدرك خجلها الرائع والذي يجذبه بشدة إليها، ويعلم علم اليقين أنها سترفض أن يلمسها، ليقول بحنان:.

هيرضوا لإنهم عارفين إن الفقر مش عيب، هيرضوا لإنهم عارفين إن الجواز قسمة ونصيب وكل واحد بياخد نصيبه، هيرضوا لإنهم بيحبوكى وبيعتبروكى زي بنتهم بالظبط، هيرضوا لإنهم عارفين إنك ملاك برئ تايه في الدنيا ومحتاج أمان، وعارفين برده إن إبنهم هو الوحيد اللى يقدر يحميكى يحافظ عليكى، هيرضوا لإنهم متأكدين إن إبنهم مش بس بيحبك، لأ ده بيموت فيكى كمان.

تأملت عيونه العاشقة بعيون ظهر فيهم عشقه أخيرا، عشقه الذي أخفته بين ضلوعها، خوفا من أن تضعف، وكادت أن تعلنها صريحة، أحبك وسأتزوجك، ولكنها لم تستطع أن تتفوه بتلك الكلمات، فمازالت ترى أن رأفت، هذا الطبيب العظيم سليل تلك العائلة العريقة يستحق أكثر من تلك الممرضة المطلقة والتي دعستها الحياة مرارا وتكرارا، فلم تعد ترى في نفسها سوى حطام إمرأة، لتطرق برأسها قائلة في حزن:.

كلام جميل، بس تطبيقه مستحيل، هنتجوز وتندم بعدين، صدقنى.
قال رأفت:
نهاد أنا مستح...
قاطعته نهاد وهي تنظر إليه مشيرة بيدها إليه بالصمت قائلة:
أرجوك يادكتور، من فضلك نقفل الكلام في الموضوع ده.
تأمل قرنيتها العسليتين الدامعتين وهو يقول بتصميم:
مش هقفل، مستحيل أفقد الأمل، أنا معاكى يانهاد ويا توافقى ياتوافقى، الأيام أدامنا طويلة، وأنا صبرى أطول.

رغما عنها ظللت عيونها إبتسامة فرح لم تظهر على شفتيها ولكنه رآها وإكتفى بها، ولو مؤقتا، ليستطرد قائلا:
مش هتنزلى معايا أوصلك البيت؟
هزت رأسها نفيا قائلة:
مش هروح دلوقتى، شروق زي ما انت شايف تعبانة ومحتاجالى جنبها وخصوصا إن جوزها مسافر وملهاش حد زي حالاتى، هبات معاها.
إبتسم قائلا بعشق:
أنا قلتلك قبل كدة إنى بحبك.
أطرقت برأسها خجلا، ليستطرد قائلا:.

طيب، خلى بالك من نفسك ولو هتباتى بكرة كمان، ياريت تعرفينى، رقمى معاكى، فياريت متبخليش علية بإنى أكون مطمن عليكى يانهاد، لو سمحتى.
رفعت إليه عيونها وهي تهز رأسها موافقة، ليبتسم لها قبل أن يغادر لتغلق الباب خلفه وهي تضع يدها على خافقها تهدئ ضرباته القوية، لتنتفض على صوت شروق وهي تقول:
لما انتى بتحبيه كدة ياهبلة، رفضتيه ليه؟
إلتفتت إليها نهاد وهيتأخذ نفسا عميقا ثم تقول بعتاب:
وقفتى قلبى ياشروق.

ثم تقدمت منها قائلة في قلق:
إنتى قمتى من السرير ليه بس دلوقتى؟إنتى لسة تعبانة.
جلست شروق مكانها وهي تقول لنهاد التي جلست بدورها:
بصراحة كنت خايفة الدكتور يكون مخبى علية حاجة، فقمت عشان أسمعه بيقول إيه،
لتبتسم في مرح قائلة:
لقيت بقى حتة مسلسل تركى إنما إيه، البطل فيه هيمان ع الآخر والبطلة مش عاطياله ريق حلو خالص،
نهرتها نهاد قائلة:
شروق.
قالت شروق:.

بلا شروق بلا نيلة، فيه واحدة تلاقى راجل بيحبها أوي كدة وقابلها بكل كلاكيعها وترفضه وتكسر خاطره بالشكل ده؟
تنهدت نهاد قائلة في حزن:
ماهو مش هينفع ياشروق، انتى مش فاهمة حاجة؟
نظرت إليها شروق قائلة بمرارة:.

لأ أنا أكتر واحدة فاهمة وحاسة بيكى، وحاسة بيه هو كمان، الحب أجمل حاجة في الدنيا، ولما يكون الحب متبادل بين الإتنين، يبقى كدة لقوا جنتهم على الأرض يانهاد، ليه بقى ترفسى جنتك عشان أوهام في دماغك، ليه تخرجى تانى من الجنة يابنت حوا عشان وساوس شيطان ملهاش أي أساس؟، إتمسكى برأفت وعيشى معاه، حبى وإتحبى، إدى نفسك فرصة، الحياة من غير حب مش حياة يا نهاد، ومش كل حد بيحب بيبادله حبيبه مشاعره.

لتسقط دموعها في تلك اللحظة، فتسرع إليها نهاد تأخذها في حضنها قائلة:
طب إهدى ياحبيبتى، إهدى عشان خاطر اللى في بطنك.
قالت شروق بسخرية مريرة من وسط دموعها:
اللى في بطنى، اللى في بطنى غلطة مش ضامنه مراد يتقبلها، ورغم إنى نفسى فيه بس ممكن محتفظش بيه...
أخرجتها نهاد من حضنها وهي تقول بجزع:
إنتى بتقولى إيه يا شروق؟مراد مستحيل يقبل بحاجة زي دى، مستحيل يخليكى تجهضى طفلكم.
مسحت شروق دموعها وهي تقول في مرارة:.

كان ممكن أصدقك لو كان مراد بيحبنى، بس مراد مش بيحبنى يانهاد، مراد بيحب واحدة تانية.
عقدت نهاد حاجبيها قائلة:
إزاي؟، إنتى مش قايلالى إنه مبيحبش بشرى.
قالت شروق بسخرية مريرة:
هو فعلا مبيحبش بشرى، بس بيحب رحمة، مرات يحيى، أخوه الكبير.
إتسعت عينا نهاد بصدمة وهي تقول:
إنتى بتقولى إيه؟
تنهدت شروق قائلة:
هحكيلك يا نهاد، لإنى تعبت، تعبت ومش لاقية حد أفضفضله غيرك.
قالت نهاد بشفقة:.

طيب، إحكيلى ياشروق، إحكيلى ياصاحبتى.
لتسرد لها شروق ما إكتشفته اخيرا من مشاعر زوجها التي أخفاها داخل قلبه طويلا والتي جعلت من أملها في عشق زوجها، أملا مستحيلا.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كان يحيى ممددا على الأريكة داخل حجرة مكتبه داخل منزله، يفكر فيما يحدث بينه وبين تلك الشقية الفاتنة والتي ستودى به يوما إلى حتفه من جراء ذلك الصراع الذي يكتنفه حين يكون معها، فتارة يود لو آلمها كما تؤلمه كلماتها وخيانتها له قديما، وتارة يود فقط لو إحتضنها حتى يعتصرها ويشبع توقه إليها والذي يأخذ أنفاسه بعيدا ويزيد من نبضاته مجرد تخيله لذلك...

فجأة، ومض بعقله ما مر به اليوم معها لترتسم على شفتيه إبتسامة حانية، وهو يسترجع ما حدث.
فلاش باك
إنت إزاي تكلمنى بالطريقة دى؟
قالت رحمة تلك الكلمات بحنق، ليقترب منها يحيى خطوة قائلا بصوت حاد النبرات:
والهانم عايزانى أكلمها إزاي يعنى، ها؟بتصغرينى أدام مراد النهاردة ولا همك، بتعمليله أكل وبتقوليله ياكله عشان خاطرك، وأنا قاعد جنبك زي شوال البطاطا ولا لية أي لازمة.
إتسعت عيناها بصدمة قائلة:.

إنت بتقول إيه؟مراد ده أخوك يايحيى؟وإبن عمى.
إقترب منها بسرعة يمسكها من كتفيها يقربها منه لتلفحها أنفاسه الغاضبة وهو يقول بمرارة:
وأنا جوزك، فاهمة يعنى إيه جوزك؟

تأملته بعيون واسعة وشفاه إرتعشت من لمسته جسدها وقرب وجهه منها، وأنفاسه التي ودت لو إستنشقتها بالكامل لتمتزج مع أنفاسها، يتخبط قلبها في صدرها ويظهر نبضه السريع في ذلك العرق النابض في رقبتها، ليتأمل هو ملامح وجهها وصولا إلى ذلك العرق النابض بقوة ثم يصعد بعيونه إلى شفتيها لتغيم عيناه وهو يقترب منهما رغما عنه فقد بلغ شوقه إليها منتهاه، ليقاطع رغبته تلك صوت طرقات على الباب وصوت روحية وهي تخبرهم أن الصبي إستيقظ ويبدو أنه يرغب بحضور السيدة رحمة إليه لتهرب رحمة من بين يديه بسرعة تاركة إياه لاعنا تلك الطرقات التي حرمته رغبته في تذوق شفاهها، والتي إشتاق إليها حد الجنون، نعم الجنون، فذلك الصراع في المشاعر بين إيلامها وتقبيلها هو بذاته جنون لابد وأن يتحكم فيه أو يحسمه لصالح أحد تلك المشاعر، وإلا جن بالكامل.

قاطعت أفكاره تلك الطرقات مجددا ليقول بملل:
إدخلى ياروحية.
دلفت روحية إلى حجرة المكتب، تبدو على ملامحها إمارات القلق، ليعتدل يحيى على الفور و هو يقول:
خير ياروحية؟
قالت روحية بإضطراب:
الحاج صالح ومراته وولاده في الهول، ومعاهم رجالة كتير مستنيينهم برة البيت يايحيى بيه، وطالبين يشوفوك إنت والست رحمة حالا.
عقد يحيى حاجبيه، يفكر لثوان، ثم قست ملامحه وهو يقول:.

قولى لرحمة تنزل عشان العيلة جت وحابة تشوفها وخليكى إنتى مع هاشم، مفهوم؟
قالت روحية بإحترام:
مفهوم يابيه، عن إذنك.
لتغادر روحية ويخرج يحيى هاتفه، يتصل بمراد الذي أجاب على الفور، ليبادره يحيى قائلا بنبرات صارمة:
العيلة كلها هنا يا مراد، والموضوع ميطمنش، أنا مش مرتاح، الزيارة غريبة وحاسس بحد لاعب في الموضوع ده، تعالى ع البيت وخلى الرجالة مستعدين لأي غدر.
قال مراد في حزم:
متقلقش يايحيى، مسافة السكة.

ليغلق يحيى الهاتف وهو يغلق زر قميصه العلوي، إستعدادا للخروج ومواجهة عمه صالح والعائلة، فتلك الزيارة لا تبشر بخير، لا تبشر بخير أبدا.

قالت رحمة في توتر:
عمى صالح والعيلة، أنا مرحتلهمش من زمان أوي وهما مش بيخرجوا من البلد، إلا في أقصى الظروف، غريبة.
قالت روحية وهي تتناول منها هاشم قائلة:
إلا غريبة، ولا وشوشهم ياستى، مكشرين كدة وتحسى إن ميتلهم ميت، ربنا يستر، أنا خفت، ولولا إنى عارفة إن يحيى بيه قدهم، كنت إترعبت.
نظرت إليها رحمة قائلة:.

متقلقيش ياروحية، إنتى عارفة إن يحيى فعلا أدهم، وهما برده على أد ما يبانوا قاسيين لكن قلبهم طيب وميتخافش منهم.
تنهدت روحية لتمرر رحمة يدها على وجنة الصبي بحنان ثم تقول لروحية:
خلى بالك منه يادادة وأنا بإذن الله مش هتأخر.
قالت روحية:
في عيونى ياستى.

إبتسمت رحمة وهي تغادر الحجرة، ولم تلبث أن إختفت إبتسامتها وهي تترك قلقها يظهر على ملامحها توجسا من تلك الزيارة الغريبة من عائلة الشناوي، تدعوا من كل قلبها ان تمر تلك الليلة، بسلام.

تأمل يحيى ملامح عائلة الشناوي المتجهمة بتوجس، يزداد شعوره بوجود خطأ ما، يتساءل عن كنهه، وما ان إقتربت رحمة من يحيى ورآها الجميع حتى تحفزوا جميعا ليتقدم منها فارس، الإبن الأوسط للحاج صالح وهو يقول بغضب:
تعالى يافاجرة يابنت الفاجرة.
وقف يحيى في مواجهته والغضب يعلو ملامحه وهو يهدر قائلا بغضب:.

فارس إنت إتجننت؟، إزاي تكلم مراتى بالشكل ده، أقف مكانك ومتقربش منها خطوة واحدة، وإلا قسما برب العزة لأموتك بإيدية دول وما أعمل حساب للقرابة والدم.
تجمد فارس في مكانه يطالع يحيى بنظرات حانقة بينما يرمقه يحيى بنظرات غاضبة متحدية، ليردع فارس صوت أبيه الذي قال بهدوء:
إهدى يافارس وتعالى جنب إخواتك ياإبنى الله يرضى عنك.

تراجع فارس ليقف خلف أبيه رغما عنه، بينما توارت رحمة خلف يحيى الذي شعر بخوفها وإحتمائها به منهم، تمسك قميصه من الخلف كما كانت تفعل بالضبط وهي صغيرة، ليرق قلبه ويشعر بالألم، فمازالت هي كما هي، رحمة الضعيفة والتي تشعر بكره الجميع لها رغم أنه لا ذنب لها فيما فعلته والدتها، ومازالت تحتمى به لينقذها من براثن كرههم، شعوره بأنه حاميها دفع الدم لعروقه وأكسبه تصميما على ردعهم جميعا اليوم وقد ظهر الغدر في عيونهم، حتى وإن عام في بحر من الدماء فلن يمسوها بأذى، طالما هو حي يتنفس.

ليطالع الحاج صالح بنظرة قوية أثرت في الحاج صالح إعجابا به رغما عنه وهو يقول:
ممكن أعرف سر الزيارة الغريبة دى واللى الواضح إنها مش ودية أبدا، ممكن أعرف جايين ليه النهاردة ياحاج صالح؟
قال صالح بهدوء وهو ينقر بعصاه على الأرض مقتربا من يحيى قائلا:
جايين نحمى شرفنا يا ولدى، شرف عيلة الشناوي، جايين نغسل عارنا بإيدنا.
إتسعت عينا رحمة في صدمة بينما عقد يحيى حاجبيه قائلا:
عار إيه وشرف إيه، تقصد إيه ياحاج؟

دلف مراد في تلك اللحظة إلى المنزل، لتظهر بشرى بدورها والتي كانت تتابع ما يحدث من بعيد، ليجتمع الكل ويقترب الحاج صالح من يحيى أكثر قائلا:
وصلنى إن بنت بهيرة دايرة عليكوا واحد واحد، ياولاد عيلة الشناوي، بتوقعكم في مصيدتها واحد ورا التانى بألاعيبها اللى بتوصلكم لسريرها وبعدين تضطروا تتجوزوها عشان تداروا الفضيحة، مظبوط كلامى؟ولا إيه؟

كادت رحمة الآن ان تموت حزنا من كلمات الحاج صالح، بينما علا ثغر بشرى إبتسامة وارتها على الفور ولكن ليس قبل أن يلمحها مراد ويدرك انها هي من أخبرتهم بذلك ليتوعد لها بعد إنتهاء تلك المهزلة، أما يحيى فقد قال بصوت قاطع صارم متوعد النبرات:.

خد بالك إن اللى بتتكلم عليها دى تبقى مراتى، مرات يحيى الشناوىطي والعرض اللى بتخوض فيه ده، هو عرضى، والله في سماه اللى يجيب سيرة مراتى أو يخوض في عرضى ما أسيبه عايش على وش الأرض ولو كان مين؟
تحفز أبناء الحاج صالح وتقدموا بإتجاهه ليرمقهم يحيى بصرامة ويقترب مراد من أخيه بسرعة بينما إتسعت عينا بشرى بخوف، فلم تكن تتوقع ان تتدهور الأمور بهذا الشكل، ليرفع الحاج صالح يده، بإشارة لأبنائه قائلا:.

خليكوا مكانكوا ياولاد صالح.
ليتوقف الجميع مكانهم ينظرون إلى بعضهم بحيرة وحنق بينما رمق الحاج صالح يحيى بنظرة عميقة غير مفهومة وهو يقول:
رد على سؤالى ياإبن صديق، إتجوزتها بسرعة كدة ليه وإنت لسة دافن مراتك يا إبن الأصول.
نظر يحيى إلى عمق عيني الحاج صالح وهو يقول بحزم:.

رغم إن دى حياتى الشخصية وأنا حر فيها، ومش مجبر إنى أبرر، بس هقولك ياحاج، جوازى من رحمة كان بوصية من أختها، اللى شافت إنى عمرى ما هرضى أتجوز وأجيب لهاشم مرات أب، وفى نفس الوقت خافت إن هاشم يتحرم من حنان الأم وملقتش أحن من أختها كأم بديلة ليه،
ليخرج من جيبة ورقة مطوية وهو يناولها للحاج صالح مستطردا:
الوصية أهي، تقدر تقراها بنفسك.

فتح الحاج صالح تلك الورقة وقرأها بهدوء، ليهز رأسه قبل أن يمنحه إياها قائلا:
مظبوط كلامك ياابنى، طب ده بخصوص جوازك لكن جوازها الأول بأخوك وجدك هاشم اللى لقاها في أوضته وهي...
قاطعه يحيى وهو يهدر قائلا:
عمى، الكلام ده محصلش منه حاجة ومراد يشهد بكدة،
ليقول مراد بسرعة:
فعلا محصلش ياحاج، اللى قالك كدة كداب ويستاهل الحرق.
قالها وهو ينظر إلى زوجته التي أشاحت بوجهها بعيدا عنه، بينما قال يحيى بصرامة:.

ياريت نقفل بقى ع الموضوع ده، لإنى قلتلك ياحاج صالح، اللى بتتكلم عنها دى مراتى ومش هسمح لأي حد مهما كان يجيب سيرتها،
ليقول فارس بحدة:
بس ده شرفنا كلنا، شرف عيلة الشناوي.
كاد يحيى أن يتقدم بإتجاهه ينوى ضربه ليمسكه الحاج صالح من ذراعه بقبضة حديدية رغم سنه الذي تعدى السبعون لينفض يحيى يده بغضب وكاد أن يشتبك الجميع، لتصرخ رحمة قائلة:
كفاية بقى، كفاية.

إلتفت إليها الجميع لتطالعهم جميعا بعيون غشيتها الدموع ولكنها قوية تحمل إصرارا وهي تقول:
مش عشان أمى طلعت ست خاينة ووحشة، أبقى أنا كمان زيها وأفضل طول عمرى عايشة بوصمة عارها، أنا إستحملت ظلمكم وقسوتكم علية كتير، ومن قبلكم جدى الحاج هاشم، بس خلاص مبقتش قادرة أستحمل ظلمكم أكتر من كدة.

التفت إليها يحيى يظهر الألم على وجهه تأثرا بألمها الذي يقطر من كلماتها، وهو ينادى بإسمها، لتشير إليه بيدها أنها بخير وهي تلتفت إلى الحاج صالح قائلة بحزم:
أنا معايا دليل برائتى ياحاج صالح.
عقد صالح حاجبيه بينما تبادل الجميع النظرات، ليقول صالح بندوء:
وإيه هو الدليل ده؟، وريهولنا يابنت بهيرة.
هدر يحيى بصرامة قائلا:
حاج صالح.

لمست رحمة ذراع يحيى مهدئة إياه لينظر إليها فتومئ إليه بعينيها ان يترك لها هذا الأمر، ليتركه لها بالفعل وسط حيرته، إلتفتت هي إلى صالح قائلة بثبات:
دليلى مش هقوله غير للحاجة آمال، وده آخر ما عندى.
نظر الجميع إلى آمال الواقفة بهدوء بينهم، لتومئ برأسها لهم وهي تتجه إلى رحمة قائلة برصانتها المعهودة:
وأنا مستعدة أسمعك يابنتى.
أشارت لها رحمة أن تتقدمها لتخطو بالفعل معها ليقول حامد مناديا إياها:
أمى.

إلتفتت إليه قائلة بهدوء:
متقلقش ياحامد، دقايق وراجعالكم.
ثم نظرت إلى صالح ليومئ لها الحاج صالح برأسه وتذهب آمال مع رحمة ليدلفوا إلى حجرة المكتب وسط توتر وحيرة وقلق من الجميع وخاصة ذلك الذي تعلقت عيناه بحبيبته التي نظرت إليه نظرة طويلة قبل ان تغلق الباب خلفها، بهدوء.

، بعد مرور بعض الوقت
كان الجميع ينتظرون خروج رحمة و الحاجة آمال من الغرفة المغلقة، لتتعلق العيون بالباب حين فتح وظهرت الحاجة آمال وهي تمسك بيد رحمة على عتبته، يبدوان وكأنهما كانتا تبكيان من تلك العيون المتورمة والأهداب التي مازالت ندية، ليقترب يحيى من رحمة على الفور وهو يقول بقلق:
إنتى كويسة؟

أومأت برأسها بينما إبتسمت الحاجة آمال وهي تسلمه يدها لتستقر في يده وسط دهشة الجميع، بينما إتجهت آمال إلى الحاج صالح ومالت على أذنه هامسة ببعض الكلمات، لتتسع عينا الحاج صالح في صدمة وهو ينظر على الفور إلى رحمة التي أطرقت برأسها على الفور، بينما شعر الجميع بان هناك لغز ما يسيطر على الموقف، وحل هذا اللغز عند اثنين فقط، رحمة وآمال، والآن أضيف لهم الحاج صالح، ليقول صالح بثبات:
إحنا لازم نتأكد،.

إتسعت عينا آمال قائلة بدهشة:
إنت بتقول إيه ياحاج؟
قال صالح بحزم:
اللى سمعتيه ياحاجة.
قالت آمال:
بس...
قاطعتها رحمة وهي تقول بثبات:
وأنا مستعدة أروح معاكم بنفسى عشان تتأكدوا.
قال يحيى بحدة:
تروحى على فين؟إنتى إتجننتى؟
إلتفتت إليه قائلة بحزن:
لأ تعبت، تعبت ظلم ولازم أرتاح بقى، وإنت مش هتمنعنى.
كاد ان يتحدث لتقاطعه وهي تضع يدها على فمه قائلة:.

مش هقولك عشان خاطرى، بس عشان خاطر راوية وهاشم، سيبنى اروح معاهم وأوعدك إنى هرجع عشان...
لتصمت لثانية وقد كانت أن تقول (عشانك)لتستطرد وهي تصححها قائلة:
عشان هاشم.
نظر إلى عينيها لثوان، ثم لم يلبث أن أومأ برأسه في هدوء، لتنزل رحمة يدها وهي تتجه إلى الخارج مغادرة المنزل مع صالح وآمال، بينما ظل الجميع بالمنزل ليقول يحيى هادرا:
حاج صالح.
إلتفت إليه صالح ليستطرد يحيى قائلا:.

مراتى ترجعلى زي ما خرجت من بيتى، لو إتمس شعرة واحدة منها مش هيكفينى قصادها عيلة الشناوي كلهم، مفهوم؟
أومأ صالح برأسه بهدوء، وإلتفت مغادرا، ترتسم على شفتيه إبتسامة إعجاب هادئة، فهذا الشبل حقا من ذاك الأسد، ويحيي إبن صديق، يشبهه تماما.

بعد وقت قليل...

دلفت رحمة إلى السيارة بعد ان انهوا مهمتهم بنجاح وظهرت برائتها لتدحض كل شكوكهم تماما، جلست إلى جوار الحاجة آمال التي رفعت يدها ووضعتها على كتف رحمة لتضمها إلى جانبها وتربت عليها بحنان، شعرت رحمة بحنانها وتعاطفها معها لأول مرة منذ أن عرفتهم رحمة كأقارب لأبيها، لتسقط دمعة من عيني رحمة أسرعت تمسحها، وهي تتمنى من كل قلبها الآن أن تكون أمام يحيى لترتمى في حضنه وتبكى لتشعر بالراحة بعد طول عناء، حانت من الحاج صالح الذي يجلس بجوار السائق إلتفاتة إلى رحمة القابعة في حضن آمال بضعف، ليلوم حاله على التشكيك بكلماتها وإخضاعها لتلك التجربة البغيضة، ولكن ما باليد حيلة فمن بثت السموم في عروقه هي بنت رباب، من كان يعتقد أنها أكثر نساء عائلة الشناوي عقلا كأمها تماما، و التي كان يستطيع الوثوق بها كلية، ليتضح أنه على خطأ، وأن كل ما في الأمر، هي غيرة، غيرة نسائية بغيضة من جانبها، ولكنها رغم قباحتها إلا أنها أرجعت إليه إبنة ناجح من جديد، أرجعتها إلى عائلتها بعد وقت طويل قاست فيه ظلمهم وتجاهلهم ونكرانهم، ولكن آن الأوان لكي تعود لأحضانهم من جديد وينقشع ضباب الظلم عن سماء المظلوم.

تبادل كل من الحاج صالح وزوجته آمال النظرات لتومئ إليه برأسها وكأنها تقرأ افكاره، وتوافق عليها، كلية.

نزلت رحمة من السيارة لتنزل خلفها آمال، كاد الحاج صالح أن يسبقهما حين نادته رحمة بضعف قائلة:
حاج صالح.
توقف صالح وهو يلتفت إليها قائلا بحنو:
نعم يابنتى.
أطرقت برأسها في خجل قائلة بهمس:
ياريت يحيى ميعرفش باللى حصل، إنت عارف يحيى وعصبيته، وأكيد مش هيعدى حاجة زي دى بالساهل، إنت فاهمنى طبعا؟
أومأ برأسه قائلا:
فاهمك يابنتى.
ليستطرد قائلا بإعجاب:.

يحيى راجل من ضهر راجل ويستاهل واحدة زيك يارحمة يازينة بنات عيلة الشناوي كلها.
رفعت رأسها إليه تغشى عيونها الدموع بسرعة، فلقد قال الحاج صالح جملته الأخيرة بفخر جعل دقات قلبها تتقافز فرحا، فأخيرا إعترفت بها العائلة كإبنة لها، فقط تمنت لو جدها هاشم كان هنا الآن ليدرك بدوره كم ظلمها ويعترف بها أخيرا كحفيدته، أفاقت على ربتة يد صالح على كتفها قائلا:
تعالى نرجعك لجوزك يابنتى، ربنا يوفق بين قلوبكم ويسعدكم.

قالت الحاجة آمال:
آمين ياحاج.
بينما أومأت رحمة برأسها وقلبها يؤمن على دعوته، ليمشوا سويا متجهين إلى منزل عائلة الشناوي، ويدلفوه، سويا.

قال يحيى بحنق غاضب:
يعنى إيه عربيتهم إختفت، فهمنى؟إحنا مشغلين معانا حمير؟
ليرفع عيونه إلى السماء قائلا في مرارة:
إرحمنى يارب، رحمة لوحدها مع الحاج صالح والحاجة آمال، والله أعلم ودوها فين، ولا عملوا فيها إيه، وانا واقف هنا متكتف مش عارف مراتى فين؟وجرالها إيه؟

جلس مطرقا برأسه وهو يضعها بين يديه، يتهدل كتفاه في صورة واضحة عن ضعفه وقلة حيلته، يراه مراد لأول مرة بتلك الحالة ليدرك عمق مشاعره تجاه رحمة ويقرر نهائيا نسيان ذلك العشق، ووأده في قلبه، حتى إن كان الثمن إبتعاده عن أخيه، تماما.

في تلك اللحظة دلف الحاج صالح وإلى جواره الحاجة آمال ورحمة ليقف يحيى على الفور يتفحصها بعينيه، إبتداءا من ضعفها الواضح، و شحوب وجهها، إلى رعشة جسدها الواضحة، ليسرع إليها بينما كانت تبحث عنه بعينيها حتى وجدته متجها إليها لتمد يدها إليه فمد يده إليها بدوره وعندما تلامست أيديهما، تركت نفسها تغرق في ذلك الظلام الذي أحاطها، والذي قاومته كثيرا حتى وجدت نفسها في أمان يديه، ليلقفها يحيى قبل ان تقع أرضا، ويكون آخر ما تسمعه هو صراخه بإسمها، في لوعة.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

تأمل يحيى ملامح رحمة الشاحبة بقلق، ورغم أن الطبيب طمأنه عليها إلا أن إرتعاشة جسدها وشحوب وجهها غمروا قلبه بالخوف عليها، يتساءل ماذا حل بها؟وماالذى أوصلها لتلك الحالة، فعندما سأل الحاج صالح عن المكان الذي ذهبوا إليه وجعلها بتلك الحالة، أطرق الحاج صالح رأسه بحزن قائلا له أنه سر بينه وبين رحمة والحاجة آمال وأنه وعدها بعدم البوح بسرهم،.

أي هراء هذا؟هو من بين الناس جميعا من يحق له معرفة كل الخبايا بحياة رحمة، فمن حقه أن يعلم كل صغيرة وكبيرة عنها، فهو زوجها، بل حبيبها، نعم، حبيبها، لقد أيقن منذ اليوم الأول والذي رآها فيه من جديد، أن الحب هو ما في قلبه لها، الحب فقط ولا شئ غيره، خاصة في تلك اللحظة التي شعر فيها بأنه من الممكن أن يفقدها، إحساسه وقتها بالروح تسحب منه كلية، وبأنه لن يستطيع الحياة إن هي تركته، كل هذا جعله يدرك أنها هي حياته، أنفاسه التي يعيش بها، إلى جانب أنه أصبح يشك كثيرا بماضيها مع أخيه، يعلم بوجود خطأ ما، وسيعمل على كشفه وتصحيحه، نعم، سيفعل.

أفاق من أفكاره على صوتها الضعيف ينادى بإسمه، وجدها تنظر إليه بضعف، فمال عليها يزيل خصلات شعرها المتعرقة عن جبينها بحنان يمرر يده على وجنتها قائلا بهمس:
عيون يحيى.
همست بدورها برجاء:
خدنى في حضنك، ضمنى، أنا خايفة، خايفة أوي.

أسرع يتمدد إلى جوارها دون تردد، يسحبها إلى صدره لتستكين داخل حضنه، يحكم ذراعه حولها، يضمها إليه بقوة يغلف قوته شوقا وحنانا، لتستمع رحمة إلى دقات قلبه وتهدئ إرتعاشاتها تدريجيا ويحيي يمرر يده في خصلات شعرها الحريرية بحنان، حتى سكنت تماما، وإنتظمت أنفاسها ليدرك يحيى أنها إستسلمت لنوم عميق، رق قلبه عشقا ليشرد في حياتهما مجددا، وفيما حدث مؤخرا، يدرك أن هناك أحد يريد بحبيبته السوء، لتقسو عينيه وهو يشك بإحداهن، فقلبها الأسود هو فقط من يستطيع ان يفعل شئ مشين كهذا، وإن تأكدت ظنونه فلن يرحمها حتى وإن كانت إبنة عمته، لحمه ودمه، وزوجة أخيه.

قال مراد في غضب:
إنتى السبب في كل اللى حصل النهاردة، انتى اللى بلغتى الحاج صالح بالكلام الفارغ ده.
قالت بشرى في إرتباك:
إنت أكيد جرالك حاجة عشان تتهمنى بإتهام زي ده من غير دليل.
إقترب منها يمسك ذراعها بقوة قائلا بحدة:.

دليلى كان كلام محدش يعرفه غيرى انا وإخواتى وجدى هاشم وراوية ورحمة وإنتى يابشرى، دليلى كانت إبتسامتك اللى ظهرت تشفى في بنت خالك يا بنت عمتى وفرحك باللى بيجرالها، دليلى كان في نظرة من عمى صالح ليكى قالتلى أد إيه سقطتى من نظره بعد ما رحمة خليته متأكد إن كلامك كله كدب.
نفضت بشرى يدها بقوة قائلة بحدة:.

ضحكت عليه، أكيد ضحكت عليه، بس إزاي خليته يصدقها وإحنا كلنا زي ما قلت كنا شاهدين على اللى حصل زمان، مش ده يأكدلك إنها حرباية قدرت تعمل تمثيلية دخلت على الكل، وقدرت تتلون بلون الضعيفة وتكسب عطف العيلة بعد ما كانت منبوذة منهم، مش ده يأكد كلامى وفكرتى عنها.
زفر مراد ضجرا وهو يقول:.

الحاج صالح مش صغير ولا راجل أي كلام عشان يتأثر بتمثيلية او كدبة، دليل برائتها كان قوى وإلا مكنش الحاج صالح هيسيبها وكان النهاردة هيبقى يوم بطعم الدم، كان هيروح فيه زينة شباب عيلة الشناوي وكل ده بسبب حقدك وغيرتك منها، كنتى هتفرحى لو جرالى حاجة، كنت هتنبسطى لو يحيى أو حد من ولاد الحاج صالح جراله حاجة؟

أطرقت برأسها تتخيل لو هذا بالفعل حدث وقتل يحيى، كانت ستجن بالتأكيد، لترفع إليه عينان ظهر بهما الخوف والألم وشحب وجهها ليظن بالخطأ أن لها قلبا رغم كل شئ يخشى عليه، ليزفر مجددا قائلا:
اللى انتى عملتيه، رحمة لحقته ووقفت بحر الدم، بس اللى باين أدامى دلوقت إن إحنا لازم نسيب البيت، إنتى ورحمة مش ممكن تعيشوا في بيت واحد.
رفعت إليه وجهها تقول بإستنكار:
وليه إحنا اللى نمشى؟ما تمشى هي.

نظر إلى عيونها مباشرة وهو يقول بصرامة:
لإن البيت ده بيت عيلة الشناوي، يعنى بيت كبيرهم، وكبير عيلة الشناوي هو يحيى يا بشرى، ولا إنتى مش آخدة بالك؟
ظهر الغضب في عيونها ليتجاهله وهو يقول:
أنا هروح أشوف شقتى اللى في المعادى ناقصها حاجة ولا لأ، وهرجع آخدك عشان نعيش هناك، ياريت على ما أرجع تكونى جهزتى شنطنا.

ثم تركها مغادرا الحجرة، لتغلى هي من الغضب، تدرك أن خطتها قد إنقلبت عليها فبعد ان ظنت أنها بمكيدتها ستصبح هي سيدة المنزل وسيدة قلب يحيى، أصبحت خارجهما إلى جانب أنها أصبحت منبوذة من عائلتها، فقد رأت نظرات الحاج صالح والسيدة آمال إليها قبل ذهابهما، ليشتعل قلبها حقدا، تتساءل ما هذا الدليل الذي أنقذ رحمة من براثن الموت الأكيد، والذي كان يحاصرها من كل جانب، أتعبها التفكير، لتزفر بقوة وهي تقول بهمس حقود:.

حتى لو بعدت، هفكرلك في مصيبة وأرجعلك من تانى يارحمة عشان أخلص منك، وآخد مكانك وأبقى أنا ست البيت، ما هو ياأنا ياإنتى يابنت بهيرة.

دلف مراد إلى شقته فوجدها هادئة على غير العادة، فدائما ما تكون شروق جالسة في الردهة تتابع مسلسلاتها التركية، فيجدها إما باكية أو هائمة مع حلقاتها، ليظل يمزح حول هوسها بتلك الحلقات الخيالية والتي تجعل البطل فارسا رومانسيا من الدرجة الأولى يتنفس فقط من أجل إسعاد حبيبته، حقا ستتسبب تلك المسلسلات في طلاق نصف النساء وعنوسة النصف الآخر، فالفتيات ساذجات وسيضعن أبطالها معيارا للمتقدمين لخطبتهم، فيفشل العريس وتفشل الزيجة بكل تأكيد، زفر في حنق، فالمسئولون يجب أن يمنعوا عرض تلك المسلسلات على الفضائيات وإلا سيندمون.

إتجه إلى حجرة النوم وفتحها ليجد شروق نائمة، عقد حاجبيها لنومها في تلك الساعة المبكرة، ليتوجس قلبه خيفة أن تكون مريضة، أسرع إليها ليجلس بجوارها على السرير يهزها برفق قائلا بلهفة:
شروق، ياشروق.
إنفلجت عيناها الجميلتين ببطئ لتراه أمامها يطالعها في قلق، لتفيق كلية وتتسع عيناها من المفاجأة مع ملامحها التي أشرقت لرؤياه، لتقول بسعادة:
مراد، إيه المفاجأة الحلوة دى؟
زفر مراد قائلا:.

خضتينى يا شروق، أنا إفتكرتك تعبانة، ما هي غريبة إنى ألاقيكى نايمة في الوقت ده.
إضطربت ملامحها وهي تقول بإرتباك:
لأ، ما هو أنا كنت فعلا تعبانة شوية وطلبت نهاد تجيلى ولسة نازلة من شوية.
عقد حاجبيه قائلا في قلق:
تعبانة مالك؟فيكى إيه؟
قالت بإرتباك:
ها، لا، أبدا، شوية دوخة كدة وراحوا لحالهم خلاص.
نظر إليها بعتاب قائلا:
حتى لو كانوا شوية دوخة يا شروق، تقومى تتصلى بنهاد، طب أنا روحت فين، متصلتيش بية ليه؟

أطرقت برأسها قائلة في حزن:
أنا عارفة إنك مشغول ومحبتش أعطلك أو أشغلك أكتر.
مد يده يرفع ذقنها لتتقابل عينيه البنيتين بعشبيتيها، وهو يقول بعتاب:
إنتى مراتى ياهبلة، وتشغلينى في أي وقت، ده حقك.
نظرت إلى عيونه، يصرخ قلبها، هل أنا حقا لدي حقوق؟إن كنت كذلك فهل أستطيع أن أحتفظ بطفلى منك؟طال تأملها لملامحه ليبتسم قائلا:
بتبصيلى كدة ليه، وحشتك؟
تنهدت قائلة:
بتوحشنى وإنت قصاد عينى يامراد.

إتسعت إبتسامته وهو يمد يده يمررها على وجنتها الناعمة قائلا:
ياجمال كلامك ياشروق.
إبتسمت شروق قائلة:
ده مش كلامى، ده كلام الست.
ضحك ثم نهض قائلا:
عظمة على عظمة ياست.
إختفت إبتسامتها وهي تقول:
إنت رايح فين؟
جعد أنفه قائلا:.

للأسف مضطر أمشى، أنا كنت بس جاي أطمن عليكى، لإنى مش هقدر أجيلك اليومين الجايين دول، فيه مشاكل في البيت، ومضطر أسيبه أنا وبشرى ونقعد في شقة المعادى، وطبعا مش هينفع أسيبها الفترة الجاية لوحدها في مكان غريب، وأول ما تتأقلم هرجعلك تانى.

شعرت شروق بالإحباط والألم، تتساءل هل سيتركها الآن وهي في أمس الحاجة لوجوده بجوارها؟و لماذا يترك منزل عائلة الشناوي؟هل بسبب وجود مشاكل حقا بالمنزل كما قال، أم بسبب عدم إحتماله لرؤية رحمة كزوجة لأخيه؟لترجح بحزن هذا الإحتمال الأخير، أفاقت من شرودها على صوته وهو يقول بحنان:
محتاجة حاجة يا شروق أجيبهالك قبل ما أمشى.

هزت رأسها نفيا دون ان تنطق بكلمة، ليمد يده بجيبه ويخرج رزمة من المال وضعها على الكومود بجانبها قبل أن يميل مقبلا وجنتها لتغمض عينيها ثم تفتحهما مجددا عندما إعتدل قائلا:
أشوف وشك بخير.
إبتسمت إبتسامة لم تصل لعينيها، ليغادر الحجرة تتبعه عيناها ثم ما لبثت أن إستمعت إلى باب الشقة يغلق، لتترك دموعها الحبيسة تهبط بصمت، بألم، بقلب يملؤه الحزن.

إستيقظت رحمة لتجد نفسها بين احضان حبيبها لتتذكر طلبها منه أن يضمها، علت وجهها حمرة الخجل، فترى، ماذا سيظن بها الآن؟

رفعت رأسها قليلا تتأمل ملامح وجهه وهو نائم بعمق، لتتردد لثوان ثم تمد يدها تمررها على وجهه برقة، تترك لنفسها حرية التنقل على ملامح إشتاقت إليها، إبتداء من شعره الأسود الكثيف مرورا بجبهته ونزولا إلى وجنته الخشنة قليلا، لتستقر يدها على شفتيه الرائعتين، كم إشتاقت لقبلتهما التي كانت تحملها إلى أعالى السحاب، ليفتح عينيه فجأة وتستقر نظراته على عينيها التي إتسعت في صدمة، سحبت أصابعها في خجل وكادت أن تبتعد ليمد يده بسرعة يحكمها على كتفيها يعيدها إليه، نظرت إلى عسليتيه بمشاعر مضطربة نتيجة قربه منها ونظر إلى شفتيها بنظرة غائمة ليقترب منهما يلامسهما في تردد، فشعرت بقلبها ينتفض مع لمسته إياهم، ولكنها لم تقاوم بل إستسلمت كلية لقبلاته، بدا في البداية مترددا وكأنه يختبر مذاقهم، يقارن بين حاضر وماض، ليتعمق في قبلاته وقد شعرت بخفقات قلبه تدوى تحت يدها لتبادله قبلاته، تشعر بقلبها بدوره ينتفض، ليمرر يده على جسدها يضمها إليه ويقلبها ليشرف هو عليها، يتأملها لثوان بعشق قبل أن يعود فيقبلها مجددا ويجتاحها بعشقه وهي مرحبة بذلك الإجتياح، لا يهمها عواقبه وكأن إتحادهما هو، قدرهما.

، إنتفضت، تفتح عينيها بقوة لتجد نفسها بالفعل في حضن يحيى، يقبع رأسها على صدره، وتحيطه بإحدى ذراعيها، بينما يحيطها بذراعه بدوره بإحكام، رفعت رأسها ونظرت إليه، تتأمل مجددا ملامحه وهو نائم، أدركت أنها كانت تحلم، وأن ما حدث بينهم كان حلما رائعا إستيقظت منه، مدت يدها تود لو تمررها على ملامحه الحبيبة مجددا، ترغب في إشباع رغبتها وشوقها للمسه، ولكن خوفها من تحقيق حلمها وإتحادهما وقف حائلا دون تحقيق رغبتها، لتتوقف يدها بالهواء ثم تسقط إلى جوارها لتهمس بحزن قائلة:.

آسفة.

لتنهض متجهة إلى الحمام، ولكنها توقفت لتلتفت وتنظر إليه بقلب إشتاقت إليه خفقاته، كادت أن تعود إليه تلقى بمخاوفها بعيدا، تبغى عشقه وليذهب كل شئ للجحيم ولكنها إن عادت إليه، إن عرف الحقيقة، ستنكث بوعدها لأختها وتضرب به عرض الحائط، لتتنهد وتكمل طريقها إلى الحمام، تعاتب أختها في سرها، يصرخ قلبها، مالذى فعلتيه ياراوية؟، لقد ألقيتينى في جحيم مستعر، فإما ان أنكث بوعدى لك وأعترف له وأريح قلبى وإما ان اظل هكذا، في نظره خائنة، لا أستطيع الإقتراب منه،.

وفى كلا الحالتين، أعيش في جهنم، لتغلق الباب خلفها بهدوء، ويفتح يحيى عيونه ينظر إلى الباب المغلق بحيرة، يتساءل، ماذا قصدت رحمة بكلمتها، آسفة، هل تعتذر له على خيانتها بالماضى؟أم تعتذر عما تخفيه عنه؟أو ربما تعتذر عن عدم مبادلته مشاعره؟أوجعه ذلك الإحتمال الأخير، ليغمض عينيه على دموع غشيتهم، قبل أن يفتحهما مجددا، وقد توقفت تلك الدموع وظلت حبيسة مقلتيه، لينفض الغطاء عنه وهو يتجه إلى الدولاب يسحب ملابسه ويأخذها معه إلى خارج الغرفة هربا من آلامه، ومنها.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

رن هاتفها وهي تضع لمساتها الأخيرة على زينتها، لتجيبه قائلة:
أيوة يامجدى.
قال مجدى بعتاب:
إتأخرتى علية أوي يا بشرى، إنتى مش قلتى مراد نزل من ساعتين وإنك هتلبسى وتيجى علطول.
إبتسمت قائلة:
ما أنا فعلا عملت كدة، يادوب لبست وجاية أهو، مسافة السكة ياحبيبى.
زفر مجدى قائلا:
طيب بسرعة يا بشرى، وحشتيني، هتجنن عليكى، بقالى شهر مشفتكيش، هنت عليكى، تبعدى عنى الوقت ده كله؟

إتسعت إبتسامتها الخبيثة وهي تنظر إلى وجهها بالمرآه تلف خصلة شعرها على سبابتها قائلة في دلال:
أعمل إيه بس، ما إنت عارف اللى حصلى ومرواحى للعيلة وبعدين رجوعى واللخبطة اللى حصلت، وكله كوم وقعاد مراد معايا هنا في البيت كوم تانى خالص، خنقنى، لأ والباشا كان عايزنى أدخل المطبخ وأحضرله أكل، أنا بشرى الدرملى، أقشر بصل واغسل اطباق وكوبايات وأعمل حاجات غريبة كدة، يرضيك يامجدى؟
قال مجدى بجزع:.

ده أكيد إتجنن، بقى إيديكى الحلوين دول يمسكوا بصل ويغسلوا أطباق، أمال راحوا فين الخدامين؟
مطت بشرى شفتيها وهي تقول:
ما أنا طبعا مسكتلوش، وقلتله كدة، وهيجيبلى واحدة من بكرة.
إبتسم مجدى قائلا:
قلتلك سيبك منه، إتطلقى وتعاليلى وأنا احطك جوة عيونى وأقفلهم عليكى.

ظهر الحنق على ملامحها من إلحاحه عليها في هذا الموضوع تلك الفترة الأخيرة، حتى انها فكرت بقطع علاقتها معه ولكنها أدركت انها ربما تحتاجه، لتقول بمداهنة:
مش قبل ما آخد فلوس عيلة الشناوي يا مجدى، الفلوس دى حقى، واهو بالفلوس دى أدخل معاك في مشروع القرية السياحية، ونكبره ونعيش بقى.
تنهد مجدى قائلا:.

ماشى يابشرى، هستنى، بس إعملى حسابك مش هستنى كتير، أنا بغير عليكى أوي، بموت لما بفكر إنك مراته هو، ولولا إنى متأكد إن إنتى مبتحبيهوش، وهو ما بيحبكيش، كنت إتجننت.
زفرت بشرى في ملل ثم قالت بحب زائف:
وأنا كمان بحبك يامجدى، ومستنية اليوم اللى هكون فيه ليك لوحدك، يلا بقى شغل دماغك دى شوية خلينا نخلص من رحمة ونكوش ع الفلوس وأبقى ملكك.
إبتسم قائلا:
عيونى ياحبيبتى، هشغل، بس يلا بقى تعالى، خلاص مبقتش قادر.

إبتسمت قائلة:
أنا جاية حالا.

ثم اغلقت الهاتف، وهي تنظر إلى نفسها في المرآه، تلقى نظرة أخيرة على نفسها وهي تبتسم بثقة، تدرك تأثيرها على مجدى وحبه لها، تتمنى لو أحبها يحيى مثله، فمجدى كالخاتم بإصبعها، هي لا تريد يحيى أن يكون مثله خاتما بإصبعها او دمية تحركه كيفما تشاء، ولكنها تريده عاشقا مدلها في حبها تريده كما هو تماما، بقسوته، بحنانه، بكيانه هذا الذي يمنحه لتلك البلهاء رحمة، وستحصل عليه، نعم، يوما ما ستحصل عليه، وهذا اليوم تشعر به قريبا، قريبا جدا.

دلفت رحمة إلى حجرة الصبي فوجدت يحيى يميل مقبلا جبهة إبنه النائم بحنان، تجمدت في مكانها للحظة ثم إلتفتت لتغادر المكان ليوقفها صوته وهو يناديها قائلا:
رحمة.
تجمدت في مكانها لثوان، ثم إلتفتت إليه تطالعه، ليقول بهدوء:
أنا عايز أتكلم معاكى شوية.
إبتسمت بسخرية قائلة:.

دلوقتى جالك مزاج تتكلم معايا، وال ٣ أيام اللى فاتو دول واللى حضرتك نمت فيهم في أوضة الضيوف، و إتجنبتنى فيهم وكأنى مريضة وهعديك، حتى السلام مكنتش بترده، وكل ده من غير ما أعرف أنا ذنبى إيه، عملت إيه عشان تعاملنى بالشكل ده، أنساهم عادى كدة؟طب نسيت كلامك اللى قلتهولى في أول يوم عن إن محدش يعرف عنا حاجة؟أنساه هو كمان، زي ما نسيته انت؟
زفر يحيى قائلا:.

كنت زعلان من إنك طلبتى من الحاج صالح ان مشواركم يفضل سر بينكم،
نظرت إليه قائلة في توتر:
اظن من حقى يكون لى أسرارى.
قال لها في عتاب:
أنا جوزك يارحمة، حتى لو كان جواز ع الورق. مينفعش يكون فيه أسرار ما بينا، ده غير إنى كنت محتاج أفكر بعيد عن اللخبطة اللى بتحصلى وأنا معاكى، كنت برجع نفسى.
نظرت إليه قائلة بدورها في عتاب:
ورجعتها يا يحيى؟
قال يحيى وهو ينظر إلى عمق عينيها قائلا بإقرار:.

إكتشفت إن نفسى خدتها منى واحدة بعيون في لون الدخان، وشعر إسود زي الليل، ورغم إنها غيرت لونه بس لسة بيسحر قلبى كل ما نسمة هوا تعدى وتطيره، إكتشفت إن نفسى بقت ملكها من يوم ما شفتها، ومش ممكن هترجعلى إلا لو هي بنفسها رجعتهالى.

إبتلعت رحمة ريقها بصعوبة ودقات قلبها تدوى في أذنيها من جراء كلماته، التي هي عبارة عن إعتراف ضمني بأنه يعشقها، بل إعتراف بأنه لطالما عشقها، لتكاد أن تلقى بنفسها في حضنه، تعترف له بكل شئ، ولكن تخليه عنها بالماضي وقف حائلا دون تصديقها لكلماته، لتنظر إليه ببرود قائلة:.

البنت اللى خدت نفسك منك مش موجودة هنا، نفسك اللى مليانة شكوك وتردد ولخبطة بعدتها، ياريت تشوف البنت دى راحت فين عشان ترجعهالك، لإنها أكيد مش أنا.
لتلتفت مغادرة بهدوء، تتابعها عيناه لينظر في إثرها بشرود قائلا:.

إتغيرتى يارحمة وبقيتى بتعرفى تجرحى، انا قدمتلك قلبى على طبق من دهب، مديتلك إيدى وسيبتيها من تانى، الظاهر إنى حبيت سراب، أو إن رحمة اللى أنا حبيتها موجودة جوة منك وفيه سر مخليكى دفناها جواكى، لو موجودة بجد، يبقى لازم تظهر من جديد وأنا هخليها تظهر، ولو مش موجودة وانا كنت مخدوع يبقى هبعد المرة دى للأبد، وده وعد منى ليكى.
لتظهر في عيونه نظرة تصميم، إمتزجت بالعشق.

دلف مراد إلى شقته ليصاب بالجزع على الفور وعيناه تقع على شروق الملقاة أرضا، ليسرع إليها ويحملها ممدا إياها على الأريكة ثم يضع يده على وريد عنقها ليزفر وهو يشعر بدقات قلبها، ليدرك أنها فقط مغشيا عليها، أسرع إلى حجرتهما وأحضر عطرا، ثم جلس إلى جوارها ووضع بعضا منه على يده ثم مرره على أنفها لتستنشقه شروق وتفيق ببطئ، تنفلج عيناها لتتطلع إليه بضعف أوجع قلبه، فشروق تحمل بقلبه مكانة كبيرة حتى وإن لم يكن عشقا ما يحمله قلبه لها، وإنما مودة وإحتراما، يكفيه أنها تعشقه، إلى جانب أنه قد إكتشف أنها إمرأة عظيمة بالفعل حين قارن زواجه بها بزواجه من بشرى وذلك البيت الذي حولته شروق بلمساتها وحنانها وعشقها إلى واحة يشعر فيها بالراحة على عكس هذا الخراب الذي يعيش فيه الآن مع زوجته بشرى، فرغم فخامة شقتهما إلا أنها باردة فارغة، لا حياة فيها ولا دفئ كهذا الذي يشعر به بين جنبات تلك الشقة البسيطة، مع شروق.

لمس مراد وجنتها بحنان قائلا:
إزيك دلوقتى، أحسن.
أومأت برأسها بهدوء، ليستطرد هو قائلا:
يعنى تقدرى تنزلى معايا نروح للدكتور، ولا أجيبهولك هنا؟
إتسعت عيناها قائلة في إضطراب:
دكتور لأ، قصدى يعنى دكتور ليه؟أنا بقيت كويسة.
نظر مراد إلى ملامحها المضطربة متوجسا، يدرك ان هناك شئ ما خاطئا في الصورة، ليقول بهدوء:.

لأ مش كويسة ياشروق، إنتى بقالك فترة مش تمام، وشك شاحب وبتنامى كتير وأكلتك تقريبا بقت معدومة، ده غير إغمائتك دلوقتى، فيه حاجة مش طبيعية وأنا حابب أطمن عليكى، إفرضى مكنتش جيت دلوقتى؟كان هيحصل إيه؟
لينظر إلى عمق عينيها قائلا بحزم:
قومى ياشروق، هنروح للدكتور يعنى هنروح للدكتور.
أدركت شروق أن النهاية آتية لا محالة، وأنه سيعرف اليوم بالخبر الذي حاولت أن تؤجله كثيرا لتقول بيأس:.

مفيش داعى للدكتور، أنا عارفة فية إيه؟
إنتفض قلبه من القلق، تجزعه كلماتها ونبراتها الحزينة ليقول بتوتر:
فيكى إيه ياشروق؟
رفعت إليه عينان حزينتان وهي تقول:
أنا حامل يامراد.
إتسعت عينا مراد في صدمة ونهض مرددا:
حامل.
أطرقت برأسها وهي تعتدل قائلة:
أيوة، حامل.
قال ومازالت الصدمة تغزو كيانه:
حامل إزاي؟إنتى مش بتاخدى الوسيلة؟
ليعقد حاجبيه قائلا في غضب:
ولا كنتى بتضحكى علية ياشروق؟
نظرت إليه بسرعة قائلة:.

والله العظيم ما حصل، انا كنت باخدها علطول ومفوتش يوم واحد وربى شاهد.
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو يرمقها قائلا:
أمال الحمل ده حصل إزاي فهمينى؟
هزت كتفيها في قلة حيلة قائلة:
مش عارفة، إرادة ربنا بقى.
نظر إليها لثوان قبل أن يقول بجمود:
الحمل ده مش لازم يكمل.
نظرت إليه بجزع قائلة:
قصدك إيه؟
قال بثبات:
قصدى ينزل، البيبى ده لازم ينزل ياشروق.

وضعت شروق يدها على بطنها بسرعة وكأنها تحميه من كلمات والده التي حطمت قلبها ومزقته تمزيقا فقد كان لديها أمل في أن يخيب مراد ظنونها ولكنه تعدى أسوأ تلك الظنون بطلبه ذلك، فلم تتوقع حقا أن يسعده خبر حملها ولكنها لم تتخيل مطلقا أن يطلب منها هذا الطلب البغيض، لتقول بألم:
أنا مستحيل أعمل حاجة زي دى.
نظر إليها مراد قائلا في برود:
بصى ياشروق، إنتى أدام إختيارين، مفيش ليهم تالت، ياأنا، ياالجنين اللى في بطنك.

إتسعت عيناها في صدمة وهي تقول:
يعنى إيه الكلام ده؟
مال عليها قائلا:
يعنى أدامك يومين تفكرى فيهم كويس وياتتصلى بية تقوليلى أحدد ميعاد مع الدكتور اللى هيعملك عملية إجهاض، ياتتصلى تطلبى ورقة طلاقك، وده آخر كلام عندى، مفهوم؟
ليعتدل مجدد وهو ينظر إلى ملامحها المصدومة لثوان، قبل أن يلتفت مغادرا الشقة وتاركا إياها وسط ذهولها، لتندفع الدموع فجأة إلى مقلتيها وهي تقول بهمس مرير:.

بالسهولة دى بتخيرنى ما بين إنى اقتل طفلى أو أقتل قلبى وأنسى حبى وأنساك يا مراد، بالسهولة دى بتبيعنى، يااااه، أد كدة انا رخيصة عندك،
لتنزل دموعها وهي تستطرد قائلة بحزن:.

بس العيب مش عليك، العيب علية أنا، أنا اللى رخصت نفسى وخليتك تبيع وتشترى فية، أنا اللى إديتك كل حاجة ومبقتش جوايا حاجة فخليتك متأكد إنك بسهولة تقدر تسعدنى وبسهولة برده تقدر تذلنى وتكسرنى، لأ يامراد، مش انا اللى تغضب ربها وتموت طفلها عشان تحتفظ بحبيبها، حبيبها اللى باعها في أول موقف مر عليهم، حبيبها اللى سقط في الإمتحان، وسقط من نظرها كمان.

ليظهر بعيونها التصميم وهي تنهض ببطئ وتتجه إلى غرفتها لتلملم أشيائها فلم يعد لها مكان في تلك الشقة التي ستحمل لها دائما ذكريات هذا العشق المميت، وهذا الرجل، الخائن.

إلتفت مجدى إلى بشرى قائلا:
كل ده يحصل من ورا اللى إسمها رحمة دى؟
نفثت بشرى دخان سيجارتها قائلة في غل:
آه يامجدى، مطلعتش سهلة ابدا بنت بهيرة، قلبت الدنيا علية ووقعت انا في المصيدة اللى عملتهالها، وبعد ما كنت هخلص منها، خلصت هي منى وبقى البيت ليها لوحدها تؤمر وتتأمر فيه براحتها.

أخذ مجدى من بين اصابعها تلك السيجارة ليأخذ منها نفسا طويلا أطلقه بهدوء، ثم وضعها بين شفاهها الجميلتين المصبوغتين باللون الأحمر القاني، قائلا بهدوء:
واللى يقولك دلوقتى على فكرة هتبعدها عن سكتك خالص، تكافئيه بإيه؟
إلتمعت عيناها بقوة وهي تبعد السيجارة عن شفتيها تطفئها في منفضة السجائر وهي تقول بلهفة:
هديك كل اللى إنت عايزه يامجدى.

إبتسم متأملا جسدها الذي تظهر قسماته الفاتنة في هذا الرداء الشفاف، قائلا بعشق إمتزج بالرغبة:
تقضى معايا الليلة دى، عايز أشبع منك ياحبيبتى، الساعتين اللى بتقضيهم معايا كل فترة، بيشوقونى ليكى أكتر، نفسى أصحى في يوم ألاقيكى جنبى، في حضنى.
نظرت إليه وهي تفكر لثوان، من اجل الخلاص من رحمة هي مستعدة لفعل أي شئ، ستتصل بمراد وتخبره ان صديقتها علا مريضة وأنها ستبيت معها، نعم، هذا ما ستفعله، لتبتسم قائلة:.

وأنا موافقة.
ظهرت السعادة جلية على وجه مجدى ليقول بإبتسامة منتصرة:
وأنا هقولك إزاي تخلصى منها وبسهولة كمان، ومستحيل حد هيشك ولو للحظة إن إنتى اللى عملتى العملة دى.
عقدت حاجبيها قائلة في حيرة:
عملة إيه، فهمنى؟
فتح مجدى علبة سجائره واخذ منها سيجارة اخرى، أشعلها واخذ منها نفسا طويلا قائلا:
إنتى مش بتقولى إن مراد قالك على حفلة عشا في فيلا الشناوي بكرة هيمضوا فيها عقود عمل جديدة مع شركة كبيرة.

عقدت بشرى حاجبيها قائلة:
أيوة، وأنا رفضت أحضرها، رفضت أشوف الهانم وهي نجمة الحفلة والكل مهتم بيها.
قال مجدى:
بس إنتى هتحضريها، ومش هتحضريها.
إزداد إنعقاد حاجبي بشرى وهي تقول:
إزاي يعنى؟
إبتسم مجدى قائلا:
هتحضرى على أساس إنك خدامة م اللى بيجيبوها في حفلة زي دى وهتبقى لابسة نقاب، هتحطى سم ليها في كوباية العصير بتاعتها وتخلعى، بسيطة، إيه رأيك؟
قالت بشرى في غيظ:.

هي دى خطتك، عايز تودينى في داهية، ما هم أكيد هيفتشونى ويعرفوا إن أنا اللى لابسة النقاب يافالح.
إبتسم مجدى قائلا:
دى بقى عليكى، انتى عارفة حراس الفيلا كويس وعارفة مين فيهم ممكن تبقى نفسه ضعيفة ونقدر نشتريه بالفلوس عشان يظبطنا.

لتتذكر بشرى هذا الحارس الذي كان يتابعها بعينيه جيئة وذهابا إعجابا بجمالها، كما أنها في مرة سمعته يخبر مراد انه يحتاج إلى أجازة لأن زوجته مريضة وبالمستشفى، ربما يحتاج إلى المال فعلا لعلاجها، لتلمع عيناها وهي تقول:
فيه واحد، هنجرب معاه، وخصوصا إنه معجب بية وممكن أأثر عليه بسهولة.
ظهرت الغيرة على ملامح مجدى وهو يقول بحنق:
يبقى تنسيه خالص، انا مش هستحمل حد يبصلك بصة، مش كفاية مراد.

إقتربت منه تمرر يدها على وجهه بدلال قائلة:
كله في سبيل إن إحنا نخلص من رحمة بسرعة ونكون مع بعض ياحبيبى.
لتميل على شفتيه تقبله بنعومة، لينسى كل شئ تحت تأثير فتنتها، ويرفع يده يمررها على جسدها وقد بلغ شوقه وإثارته الذروة يبادلها قبلاتها الناعمة بقبلات ملتهبة أشعلت غرائزها لينغمسا سويا في بحر من اللذة المحرمة، والذي يغرقون دائما في مشاعره المخزية، لتكون جهنم بالنهاية، مصيرهم.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

مررت رحمة يدها على عنق تلك الفرسة الجميلة قائلة بحنان:
تعرفى انا نفسى في إيه دلوقتى؟
إلتفتت إليها الفرسة لتمنحها رحمة قطعة من السكر تناولتها الفرسة بنهم لتبتسم رحمة قائلة:
شكلك بتحبى السكر ومش عايزة تعرفى، بس أنا غلسة وهقولك برده.
لتشرد وهي تقول بعيون تلمع:.

نفسى أركبك وأطير بيكى، أسابق الريح زي ما كنت بعمل زمان، نفسى أفرد دراعاتى والنسمة تضرب وشى تحسسنى إنى لسة عايشة، إنى سعيدة وفرحانة، مبسوطة بحياتى وراضية، بس مع الأسف مش هقدر.
لتصمت وقد كسى صوتها الحزن في كلماتها الأخيرة، لتنتفض على صوته وهو يقول:
وإيه اللى مانعك؟

إلتفتت إليه لتجده واقفا على باب الإسطبل، يستند بظهره إلى بابه يتأملها بدوره، نظرت إلى عيونه المنتظرة إجابتها لتقول بصوت حاولت أن تجعله هادئا:
يمكن عشان مركبتش خيل من زمان، بقيت بخاف، ويمكن لإن خوفى مش بس من الركوب، لأ، خوفى إنى مش هحس بنفس الإحساس اللى كنت بحسه زمان لما كنت بركب على حصانى وأطير، خوفى من إكتشافى إن الإحساس ده راح منى للأبد ومش ممكن احس بيه من جديد.

إعتدل وهو ينظر إلى عينيها مباشرة وهو يقول:
الظاهر إنك نسيتى أنا قلتلك إيه قبل كدة، مش قلتلك متحكميش على حاجة قبل ما تجربيها ومتسبقيش الأحداث، مش قلتلك إنك لو خفتى يبقى مش هتجربى وإنك لازم تآمنى بإنك تقدرى تحققى المستحيل، الظاهر إنك نسيتى كل اللى علمتهولك زمان.
نظرت إلى عينيه قائلة بمرارة ظهرت في نبراتها رغما عنها وهي تقول:.

أنا منستش حاجة، بس اللى إتعلمته من يوم ما خرجت من البيت ده خلانى حسيت إن اي حاجة إتعلمتها جواه ملهاش أي معنى.
نظر إلى ملامحها في حيرة، يتساءل عن مقصدها، وبالفعل وجد نفسه يسألها قائلا:
وإتعلمتى إيه يارحمة برة بيتنا؟

نظرت إليه يقول قلبها، تعلمت أن الإخلاص في الحب خرافة، وأن سنده وهم وأنك مهما كنت طيب القلب محب وتهتم فقط بشئونك فمن السهل أن يظلمك أحبائك ويلقونك خارج حياتهم كما يلقون بقمامتهم، تعلمت أن من يمسح دمعتى هو كفى ومن يطبطب على جرحى هو إستغفارى وأن من يريح قلب ذاق الكثير هي سجدة أسجدها لخالقى أسكب فيها مدامعي وأناجيه، فأنهض منها مرتاحة القلب وكأن احزانى لم تكن، تعلمت الكثير والكثير ومازلت أتعلم على أيديكم ياآل الشناوي،.

غشيت عيونها الدموع، لتطرق برأسها بسرعة ولكن ليس قبل أن يلمحهم يحيى، ليتوجع قلبه وهي تقول:
ياريت نقفل على الموضوع ده ونركز على حفلة النهاردة لإن الوقت بيجرى، من فضلك بس تقولى إيه المطلوب منى؟
قال لها بهدوء:
يعنى مش ناوية تسمعى كلامى النهاردة وتجربى تركبى الخيل؟
نظرت إلى ساعتها ثم رفعت رأسها تنظر إليه ليجد عيونها خالية من الدموع وكأنها لم تكن، ليظن أنه توهم تلك الدموع، وهي تقول بهدوء:.

مش هلحق، عايزة أقعد مع هشام شوية قبل ما، آااااه.
تأوهت رحمة من الألم وهي تجد يحيى قاطعا المسافة بينهم في خطوتين قابضا على ذراعيها بقوة وهو ينظر إلى وجهها قائلا بغضب شعرت به في كل ذرة من كيانه:
إبنى إسمه هاشم مش هشام يارحمة، مفهوم؟
قالت رحمة بألم:
أكيد عارفة إن إسمه هاشم، يمكن بس عشان إفتكرت هشام دلوقتى لخبطت أو يمكن عشان...
هدر بها وهو يضغط أكثر على ذراعيها ليزداد ألمها قائلا:.

وكمان بتقولى أدامى إنك إفتكرتيه، إفتكرتى جوزك الأولانى، عشيقك اللى خنتينى معاه زمان، إفتكرتيه وأنا واقف قصادك قلبى بيوجعنى على حزنك اللى حسيته قى صوتك، تصدقى إنى أنا اللى أستاهل كل اللى بيجرالى، وأنا اللى جبت ده كله لنفسى.
غشيت الدموع عيونها وهي تقول بصوت يقطر مرارة:.

حرام عليك بقى كفاية ظلم، أنا مخنتكش ومكرهتش في حياتى أد هشام وإنت عارف، لو كنت بس فكرت بعقلك شوية، لو كنت دورت جوة قلبك، كنت هتعرف الحقيقة، بس إنت زيهم كلهم، كنت دايما تقولى ميهمكيش منهم، إنتى غير مامتك، بس ساعة الجد، شفتنى زيها، أنا صدمتى الكبيرة فيك هي اللى خلتنى سكت وسيبتكم تظلمونى كمان وكمان، لكن لحد كدة وكفاية أنا تعبت، حقيقى تعبت،.

خفف قبضته حول ذراعيها ليتركها تماما وهو يعقد حاجبيه في حيرة قائلا:
قصدك إيه؟، انا مش فاهم حاجة.
إبتسمت في مرارة قائلة:
ولا عمرك هتفهم، تعرف ليه؟لإنى لما حبيتك، كنت فاكراك مختلف عنهم، بس إنت في الآخر طلعت زيهم يايحيى، طلعت زيهم.

لتتركه وسط حيرته وتسرع بخطواتها مهرولة من أمامه بإتجاه المنزل، تنهمر دموعها بألم، بينما يتابعها يحيى بعينيه، تزداد شكوكه حول ما حدث بالماضى، ليصمم على سبر أغواره، والوصول للحقيقة مهما كان الثمن.

كان مراد يعدل من رباط عنقه لينظر إلى نفسه في المرآه، تأمل وجهه للحظات، إنها فعلا ملامحه ولكنه بات لا يعرفها فهذا الذي يراه أمامه لا يمت بصلة لمراد الذي يعرفه، بل إن هذا الذي أمامه هو مسخ تجرد من كل المشاعر الإنسانية، كيف إستطاع أن يفعل ما فعل؟، أن يخير شروق بكل برود بين وجوده في حياتها ووجود طفلهما؟، بل كيف أمرها بكل قسوة أن تقتل الطفل، هذا الطفل الذي حلم به طويلا، وأدرك أنه لن ينجبه من بشرى فلم يحزن، فهو لا يريد أطفالا منها، لقد أراده فقط من رحمة ورحمة أصبحت الآن بالنسبة إليه ماض، أم أنه ولصدمته مازال يأمل بأن تكون له يوما وأن تحمل هي طفله، هي فقط ولا احد غيرها، ولاحتى تلك المسكينة شروق والتي تعشقه بكل كيانها، ياالله هل جن؟لقد تحول حقا لمسخ، وهذا لا يعجبه على الإطلاق، ليقرر اليوم وبعد أن يحضر تلك الحفل أن يجلس مع نفسه طويلا يعيد حساباته جميعها، يجب أن يحسم قراراته ويعيد ترتيب حياته، تلك الحياة الفوضوية والتي لا تعجبه على الإطلاق وأول قرار سيتراجع عنه هو قرار إجهاض الطفل، فمن المستحيل أن يجبر شروق على تلك الفعلة الشنعاء، فلا ضميره يقر ذلك ولا، قلبه.

خرجت رحمة من الحمام لتتفاجأ بفستان أسود رائع دون أكمام، موضوع على سريرها وإلى جانبه جاكت أبيض قصير يتناسب معه، وعلى الكومود بجوار السرير وضع حذاء وحقيبة يتناسبان معه، إتجهت رحمة إلى الفستان وامسكته بين يديها تتأمله بسعادة، تعلم أنه إختيار يحيى وهديته إليها، لا تدرى إن كان إعتذارا منه عن تلك الكلمات القاسية التي قالها لها هذا الصباح، أم هو مجرد فستان أحضره لها لتليق به كزوجة ليحيي الشناوي، في كلا الحالتين، هذا الفستان من إختياره، إختاره خصيصا من أجلها، هذا الفستان ذوقه، ولطالما أعجبها ذوقه في الإختيار لتخلع منشفتها وتلبس الفستان وداخلها لا يوجد سوى السعادة، السعادة الخالصة.

نظرت رحمة إلى نفسها في المرآه تتأمل جمالها به، حقا لقد عرف يحيى مقاسها بالضبط وعلم ما قد يليق بها، ليبدو هذا الفستان وكأنه قد صنع خصيصا من أجلها، لتنظر إلى ذراعيها واللذان ظهرت عليهما علامات يد يحيى ككدمات ذرقاء كادت أن تقلل من جمال فستانها ولكنها حمدت ربها أن هذا الفستان له جاكت أبيض قصير بأكمام سيوارى تلك الكدمات بسهولة، لتقول بهمس:
شكله كان عارف إنها هتعلم بالشكل ده.

إنتفضت على صوته وهو يقول:
إيه دى اللى هتعلم؟
ضمت نفسها بيديها تخفى آثار أصابعه، لينظر إلى فعلتها ويفسرها على أنها خجل منه، ليقترب من السرير قائلا:
على فكرة أنا شفتك قبل كدة بفستان من غير أكمام، يعنى مفيش داعى تتكثفى منى، لكن مش معنى إنى شفتك يبقى غيرى يشوفك كمان، أنا راجل شرقى جدا، وعشان كدة جبت الجاكت ده تلبسيه عليه.

إلتقط الجاكت من على السرير وإتجه إليها ينوى إلباسه لها بنفسه، ليجدها مازالت تضم نفسها بيديها ليزيل إحدى يديها وهو يقول بعتاب:
قلتلك إنى...
ليصمت وهو يحدق بجزع في علامات أصابعه على ذراعها ويدرك أنه السبب فيها، ويدرك أيضا سر وضعها يدها على ذراعها ليسقط الجاكت من يده وهو يقول بألم:
أنا السبب، صح؟

نظرت إلى ألم عينيه لتدرك أن لم يكن بوعيه حين ضغط على ذراعها ولم يتوقع أن تترك أصابعه ذلك الأثر البشع المظهر عليها، لتشفق عليه قائلة:
دى حاجة بسيطة، أنا بشرتى بس اللى حساسة وبتظهر كدماتها بسرعة، أنا كنت بتعالج لشهور من علامات...
لتقطع كلامها فجأة وقد كادت ان تكشف الماضى أمامه وتعرى روحها، لتطرق برأسها قائلة:
دى حاجة بسيطة يايحيى وهتروح بسرعة، متقلقش.

لم تمر كلماتها بسلام، أدركت هذا وهي تستمع إلى صوت يحيى وهو يقول بحيرة:
كنتى بتتعالجى من إيه يارحمة؟
رفعت رحمة إليه عيون مضطربة وهي تقول بإرتباك:
لما كنت يعنى بقع من على السلم أو أتخبط في حاجة، كنت بضطر أتعالج من كدماتهم اللى كانت بتسيب أثر جامد على بشرتى.

لم يقتنع يحيى بكلماتها، يدرك أن هناك ما هو أكثر من ذلك، يراها الآن ترتدى الجاكت وتعدل مظهرها بأيد مرتعشة من التوتر، لذا لا يجب أن يزيد من توترها وهي مقبلة على حفل هام كهذا الحفل، سيتركها في الوقت الحالى، لينوى بعد إنتهاء الحفل أن يسعى إلى الحقيقة، سيدفعها لقولها، دفعا.

تأملت نهاد بأسى صديقتها شروق التي تجلس شاردة في الشرفة تنظر إلى الأفق البعيد، تنهمر دموعها بصمت، لتقترب منها قائلة:
مش تروقى كدة ياشوشو، وتمسحى دموعك، عشان خاطر البيبى اللى جواكى ده على الأقل.
مدت شروق يدها تمسح دموعها وهي تنظر لنهاد قائلة في حزن:.

غصب عنى يانهاد، مش قادرة اصدق إن مراد اللى حبيته وإديتله قلبى وعمرى وكل حاجة جوايا، جاي يخيرنى دلوقتى مابينه وبين إبنه، مش قادرة أصدق إنه باعنى بالرخيص أوي كدة.
قالت نهاد وهي تربت على يدها:.

يمكن الصدمة كانت جامدة عليه شوية ياشروق، أنا مش بديله عذر على كلام فارغ قاله في ساعة صدمة او غضب، انا بديله فرصة يفوق ويفكر صح، ووعد منى إن مجاش وصلح غلطته وإعتذر عن اللى قاله، لأنا بنفسى اللى هقفله وأجيبلك كل حقوقك منه.
قالت شروق بحزن:
أنا مش عايزة منه حاجة.
قالت نهاد بحزم:
لو متنازلة عن حقك فمتتنازليش عن حق إبنك في فلوس أبوه.
تنهدت شروق قائلة:.

أنا كان نفسى لإبنى في حب أبوه وعطفه وحنانه، مش فلوسه يانهاد.
قالت نهاد بشفقة:
إذا مقدرتيش تجيبيله حقه في دول فعلى الأقل هاتيله حقه في أملاك أبوه، عشان يستقوى بيها على الزمن اللى إحنا فيه، واللى بينداس على أمثالنا فيه لمجرد إن مش معانا فلوس ياشروق.
نظرت لها شروق قائلة بإستنكار:
إنتى اللى بتقولى الكلام ده يانهاد؟، إنتى أكتر واحدة عارفة إن الفلوس مبتجيبش قوة ولا سعادة، وان الحب بس هو اللى بيحققهم.

أطرقت نهاد برأسها، لا تستطيع دحض كلمات صديقتها فهي تعلم علم اليقين أن معها كل الحق، لتتنهد قائلة:
طيب، أنا هقوم أعمل كوبايتين لمون، يروقوا دمنا وبعدين نقعد نشوف هنعمل إيه، ونحل مشكلتك دى إزاي ياشروق؟
لتنهض تتابعها عينا شروق التي نظرت إلى الأفق البعيد مجددا، وقد اغروقت عيناها بالدموع، تقول بهمس مرير:
مشكلتى ملهاش حل يانهاد، مع الأسف، مش شايفالها أي حل.

أجابت بشرى هاتفها قائلة:
أيوة يامراد.
قال مراد بهدوء:
إنتى فين يابشرى؟
قالت بشرى:
لسة عند علا، وإنت؟
قال مراد وهو يشغل سيارته:
رايح خلاص الحفلة،
قالت بشرى:
طيب يامراد، بالتوفيق.
كادت ان تغلق الهاتف لتتوقف يدها عن إنهاء المكالمة وهي تستمع إلى صوته يناديها لتعقد حاجبيها قائلة:
فيه حاجة يامراد؟
زفر مراد قائلا:
لأ مفيش، بس متتأخريش يابشرى.
مطت بشرى شفتيها قائلة:
ماشى يامراد، مش هتأخر، سلام.

إستمعت إلى صوته وهو يقول بهدوء:
سلام.
ثم أغلق الهاتف، لتغلقه بدورها وهي تشرد قليلا لتفيق على صوت مجدى يقول بحيرة:
مالك يابشرى؟
نظرت إليه وكأنها تنتبه لوجوده للمرة الأولى لتقول بحيرة:
مراد.
ظهر الضيق على وجه مجدى وهو يقول:
ماله سي زفت؟
هزت بشرى كتفيها قائلة:
أول مرة يتصل بية ويسألنى عن مكانى وأول مرة يقوللى متتأخريش،
نظر إليها مجدى قائلا بإستنكار:
وده بقى مفرحك ولا محيرك؟

نظرت إليه لتنتبه إلى غيرته وتقول بإبتسامة:
وانا بس هفرح ليه يامجدى؟من حبى فيه مثلا؟
قال مجدى بسخرية:
مثلا؟
إتسعت إبتسامتها وهي تقول:
متبقاش عبيط يابيبى، مراد ولا في دماغى أصلا، بس تحس من صوته كدة إنه مخنوق وكأن فيه حاجة مش ظابطة معاه، أو حاجة حصلت، مش عارفة بس الموضوع ميريحش.
قال مجدى بحنق وهو يربت على كتفها بقوة:.

بقولك إيه يابشرى، سيبك من سي مراد بتاعك ده وركزى في اللى إنتى رايحة تعمليه عشان متوديناش في داهية، ماشى.
نظرت إليه قائلة في حنق:
بالراحة طيب، وعموما لو إتكشفت أنا بس اللى هروح في داهية ياسي مجدى.
قرصها مجدى في وجنتها بخفة قائلا:
وأنا وإنتى إيه ياروحى؟
تجاهلته قائلة:.

طيب مش إحنا خلاص ظبطنا مع فتحى، وكله تمام، مش فاضل بس غير إنى أدخل البيت زي ما إتفقنا، ورايحة متأخر أهو زي ما قلتلى، على بداية الحفلة تمام عشان الكل يبقى مشغول و محدش يقفشنى، وساعتها هحط السم في كوباية عصيرها وهتأكد إنها بتشرب منه وهمشى بسرعة، هلاقيك برة بعربيتك هتاخدنى ونهرب قبل ما حد يكشفنى، كدة تمام يامجدى؟
أنزل مجدى نقابها لتظهر فقط عيونها الجميلة من خلاله ليتأملها قائلا بعشق:.

كدة تمام ياقلب مجدى، خدى بالك بقى من نفسك.
ظهرت إبتسامتها في عيونها وهي تومئ برأسها، ليتجها سويا إلى الخارج لتنفيذ خطتهما الشريرة والتي تتناسب مع قلوبهم السوداء، تماما.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كانت رحمة تتهادى كالفراشة بين جنبات المنزل، تبتسم بدبلوماسية في وجوه الحاضرين، تتابعها عينا يحيى بشغف، بغيرة من تلك العيون المسلطة عليها، حتى إستقرت بين مجموعة من الحاضرين، تتحدث معهم بأريحية ليتعرف فيهم على نهى، تلك الصديقة القديمة لرحمة وزوجة عيسى أحد شركاءه في تلك الصفقة الجديدة، ليقترب من رحمة ويضع يده على ظهرها لتلتفت إليه تمنحه إحدى إبتساماتها الدبلوماسية، لييبتسم بداخله، هي تخبره بإبتسامتها أنه بالنسبة إليها مثلهم ولكن إرتعاشة جسدها تحت يديه وفركها لتنورة فستانها يخبرانه العكس تماما.

ليمنحها هو إبتسامة خلابة سحرت لبها وجعلتها أسيرة عينيه، ليظهر للجميع أنهما عاشقين، فيبتسموا بدورهم، بينما أشاح مراد بوجهه عنهما وهو يأخذ كوبا من العصير ليتجرعه مرة واحدة، كما إعتاد تجرع ألمه، فها هو زوج لإثنين ويحب ثالثة، ومازالت السعادة غائبة عن حياته، والأدهى أن من يحبها هي زوجة أخيه كما كانت دائما، في البداية هشام والآن يحيى، ليتوقف فجأة عن التفكير وهو يلاحظ شيئا غريبا، ألم قلبه الغريب هذا ليس ناتجا عن الغيرة كما كان بالماضى، بل هو نتاج شئ آخر، أم أنه يهيأ له؟فقد رآها تبتسم للجميع ورأى الجميع عيونهم مسلطة عليها، ولم يتألم قلبه غيرة.

تألم قلبه غيرة فقط حين رأى سعادة وعشق تنبعث من عيونهما تجاه بعضهما البعض، كأنه يود لو حظي بمثل هذا الحب، لو غرق فيه حتى الثمالة، أتراه لم يعد يحب رحمة؟أتراه كان وهما تزول آثاره من قلبه ببطئ، ترى ما السبب الذي جعله يرى رحمة الآن كإمرأة عادية تعشق زوجها وزوجها يعشقها، لا يتأملها كإمرأة، لا يتأمل ملامحها، قوامها، فقط يتأمل عيونها العاشقة، نظرتها، لقد قالها سابقا، لقد أصابه مس من الجنون ومن الأفضل أن يغادر الآن أن يذهب بعيدا إلى واحة راحته، إلى شروق، لعله يجد عندها جوابا لأسئلته، او على الأقل، راحته.

كانت بشرى في نفس الوقت تتابع هذا النادل الذي سلمته العصير ونفحته مبلغا من المال ليسلمه لرحمة، رحمة فقط، لتبتسم بإنتصار حين أمسكت رحمة كوبها وبدأت تشرب منه، لتلقى عليها نظرة أخيرة شامتة قبل أن تبتعد مغادرة بسرعة لتجد مجدى بالفعل ينتظرها بالخارج في سيارته، لتسرع بالركوب في حين قال لها:
عملتى إيه؟
خلعت نقابها وهي تقول:
كله تمام، يلا بينا من هنا.
إبتسم وهو ينطلق بسيارته، يسابق الريح.

إرتطم أحد الحاضرين برحمة وهو يتراجع محدثا أحدهم ليسقط كوب العصير من يدها منكسرا، بينما كادت هي ان تسقط لولا تلك اليد القوية التي جذبتها لتستقر في حضن صاحبها الصلب، والتي عرفته على الفور فلطالما كان ملجأها، لتسمع صوته القوي وهو يقول:
إنتى كويسة؟
أومأت برأسها بهدوء، دون أن تبتعد عن حضنه، تنعم بدفئه، ليعتذر الذي صدمها قائلا:
أنا آسف والله مكنش قصدى يايحيى، آنا آسف يامدام رحمة، أنا بس...

قاطعه يحيى قائلا:
خلاص يافوزى محصلش حاجة.
ليعتذر فوزى مجددا بإحراج وقد لاحظ نبرات يحيى نافذة الصبر، ثم إبتعد بسرعة بينما إعتذر يحيى من الحاضرين ثم إتجه بها إلى المنزل، وهي مستسلمة له وهو يقودها، تشعر ببعض الضعف يزحف إلى جسدها، ليأخذها يحيى إلى حجرتهما وهو يلاحظ شحوب وجهها ليقول بقلق ما إن دلفا إلى الحجرة:
رحمة، إنتى بجد كويسة؟
نظرت إليه وقد بدأ بعض الألم يظهر على وجهها وهي تمسك معدتها قائلة بضعف:.

الخبطة كانت بسيطة بس مش عارفة، فيه وجع في بطنى، والوجع بيزيد يايحيى.
نظر يحيى إلى معدتها التي تمسكها بقلق ليقول بسرعة:
أنا هكلم الدكتور رءوف ييجى يطمنا عليكى و...

لم يكمل كلماته وهو يراها تجرى على الحمام ليتبعها بقلق ليراها تفرغ محتويات معدتها، تكاد أن تسقط ليسندها بسرعة وهو يحضر تلك المنشفة الصغيرة ويبللها قليلا يمسح به فمها و وجهها المتعرق، ثم يحملها ويتجه بها إلى السرير، يمددها عليه، ليتمدد بجوارها وهو يضمها إلى صدره، يمسك هاتفه محادثا الطبيب بسرعة قائلا:
دكتور رءوف تعالى دلوقتى ع الفيلا، بسرعة.

ليغلق الهاتف وهو يضمها إلى صدره بقوة، يشعر قلبه ولأول مرة، بالخوف.

كان يحيى يجلس أمام حجرة العمليات في هذا المستشفى الخاص بصديقه الطبيب رءوف بوجه شاحب، عيونه معلقة بتلك اللمبة الحمراء المضاءة، وقلبه ينتفض بين ضلوعه رعبا على تلك القابعة بالداخل بين الحياة والموت.
(حالة تسمم ويجب ان تنقل فورا إلى المشفى).

، كلمات قليلة قالها له رءوف ولكنها كانت كنصل حاد إخترق قلبه، جعله يعانى نزيفا من الألم، يموت ببطئ وهو يشعر أنه ما بين اللحظة والأخرى قد يفقدها، مجددا، ولكن تلك المرة، للأبد.
لماذا يقسو عليه القدر هكذا، لماذا يحرمه منها دائما، لماذا كلما إقترب وشعر أنه قاب قوسين أو أدنى من الوصول إليها يبعدها القدر عنه بقسوة، لماذا، لماذا؟

ضرب بقبضته الكرسي الحديدى بجواره ضربات متتالية أدمت يده وهو يصرخ في لوعة قائلا:
ليه بس، ليه؟
إقترب منه مراد في ثوان وأمسك قبضته الدامية قائلا في جزع:
إهدى بس يايحيى، جرالك إيه؟
نظر إليه يحيى بعيون غشيتها الدموع ليشعر مراد بقلبه ينفطر حزنا على أخيه، ليتمزق تماما وأخيه يقول بمرارة:.

رحمة بتموت يامراد، رحمة بتروح منى تانى، المرة اللى فاتت قلبى مات في بعدها، بس عشت لإنها كانت عايشة وبتتنفس، المرة دى مش هستحمل، هموت وراها يامراد.
إحتضنه مراد قائلا في أسى:
متقولش كدة يايحيى، إستهدى بالله، رحمة هتعيش وهترجعلك، وهتعيشوا زي أي إتنين بيحبوا بعض.
خرج يحيى من حضن أخيه قائلا في ألم:.

أنا مش بس بحبها أنا بعشقها، من أول يوم شفتها فيه وقلبى مبقاش ملكى، خطفتنى بعينيها، بسحرها، بحبها اللى كانت محاوطانى بيه، وباين في كل تصرفاتها، صارحتها ولقيتها هي كمان بتصارحنى، مكنش حب مزيف زي ما حاولت أوهم نفسى عشان أبرر خيانتها لية، دلوقتى لازم أعترف إن حبها كان حقيقى، كنت بحسه في نظرتها، لمستها، رعشتها وهي في حضنى، كل حاجة بتعملها كانت بتصرخ، بحبك، لما شفتها مع أخويا، كان لازم أتأكد قبل ما أظلمها، أيوة ظلمتها، قلبى حاسس دلوقتى إنى ظلمتها وإن فيه حاجة مش طبيعية حصلت زمان ودفعت أنا وهي تمنها غالى من عمرنا ومشاعرنا، خايف يجرالها حاجة دلوقتى وملحقش أقولها إنى بحبها وإنى فعلا طلعت زيكم زي ما قالت وظلمتها، خدتها بذنب مش ذنبها، وإنى آسف، آسف على كل القسوة اللى شافتها منى، وإنى مش عايز دلوقتى غير إنى أشوفها بخير وبس وإن سعادتها لو هتبقى في إنها تكون بعيد عنى، فأنا...

ليهز رأسه نفيا وهو يقول في مرارة:
لأ مش هقدر، مش هقدر أسيبها تبعد عنى يامراد، الموت عندى أهون،
لتغشى عيونه الدموع مجددا وهو يردد بهمس مرير:
الموت عندى أهون.

ربت مراد على كتف أخيه وهو يشعر بالشفقة عليه، يدرك مشاعره، يتفاجئ بها وبماضيها القوي، لتتردد كلمات أخيه داخل صدره، لتتمثل أمامه إحداهن، ظن في البداية أنها رحمة بهذا الشعر الكستنائي لتلتفت إليه فجأة ويرى عيونها العشبية تتطلع إليه بعشق، ترتسم على شفتيها إبتسامتها العذبة والتي تريح قلبه من كل الهموم، شروق، تأملها للحظة قبل ان تختفى صورتها، ليغمض عينيه وقد ضربته الحقيقة بقوة، لقد جذبته بسحرها وحيويتها، وخفة ظلها، بجمالها ورقتها، منحته عشقا ظهر في كل أفعالها، أحاطته بكل ما يجعله رغما عنه يقع بغرامها، ولكن قلبه كان يغشاه وهم عشقه لرحمة والذي لم يدع له مجالا للتفكير بغيرها، وحين أيقن أن رحمة تحب أخاه وأخاه يحبها، بدأ ضباب ذلك الوهم ينقشع تدريجيا، حتى اليوم، فاليوم أدرك وبكل يقين أن حبه لرحمة إنتهى منذ زمن وأنه لم يكن سوى وهما، فالحب من طرف واحد، هو عذاب يودى بصاحبه إلى الهلاك إن لم يدعه لحال سبيله، وقد ودعه هو منذ زمن ودون أن يشعر، ليعشق قلبه فاتنته شروق دون أن يدرى، وها هو الآن يدرك أنه أحبها هي، وحدها دون غيرها، فهي من إستطاعت أن تجعله أسيرا لها بعشقها وكينونتها الطيبة، ليشعر بسعادة داخلية لهذا الإكتشاف فهي حبيبته الآن وأم طفله، ليشعر بالجزع لخوفه من أن تكون قد أجهضت الجنين، وقتها ستنهار علاقتهما وبلا رجعة، ليقرر فور الإطمئنان على رحمة أن يسرع إليها يطلب منها غفرانا لا يستحقه ولكنه يعلم أن قلبها الطيب سيمنحه ذلك الغفران فور طلبه إياه.

أفاق من أفكاره على صوت فتح غرفة العمليات وخروج رءوف منها، ليتجها إليه على الفور ويقول يحيى بلهفة:
رحمة كويسة يارءوف؟
إبتسم رءوف بهدوء قائلا:
إطمن يايحيى، مدام رحمة بقت كويسة الحمد لله، السم كان شديد والحمد لله إن اللى وصل معدتها منه كمية قليلة أوي، وإنها كمان تقيأت، وده قلل من تأثيره، وخلانا قدرنا ننقذها في الوقت المناسب.
ظهر الإرتياح على ملامح كل من يحيى ومراد، ليقول يحيى:
الحمد لله.

قال الطبيب في حزم:
بس الموضوع فيه شبهة جنائية، فيه حد كان قاصد يموتها، وأنا لازم أبلغ يايحيى؟
عقد يحيى حاجبيه وهو يقول بصرامة:
لأ يارءوف، مفيش داعى لتدخل البوليس، اللى عمل العملة السودا دى أنا هوصله بنفسى، وهيكون عقابه عندى أنا، وصدقنى مش هرحمه، ده تارى يارءوف ويحيي الشناوي مبيسيبش تاره أبدا.
تنهد رءوف بقلة حيلة وهو يدرك صلابة وعناد يحيى، ليقول بهدوء:.

تمام، إحنا هننقل مدام رحمة دلوقتى لأوضتها، وياريت تبقى في راحة تامة وبعيد عن التوتر، وحمد الله على سلامتها.
أومأ يحيى برأسه في هدوء ليغادر رءوف بينما قال مراد بقلق:
هتعمل إيه يايحيى؟
قال يحيى وعيونه تملؤها القسوة:
هطمن على رحمة الأول وبعدين هوصل للى عملها، وهخليه يتمنى لو كان في آخر الدنيا عشان مطولوش، وبرده هجيبه ولو كان في سابع أرض، وساعتها، صدقنى مش هرحمه.

تأمل يحيى ملامح رحمة الساكنة، يتخيل حياته من دونها ليجدها مستحيلة التخيل، فلا حياة له وهي خارجها، يسرح في كل ما مر بهما، من بداية تعارفهما وحتى تلك اللحظة، لتتردد في آذانه كلماتها الأخيرة(حرام عليك كفاية ظلم، لو كنت دورت جوة قلبك كنت هتعرف الحقيقة، إنت زيهم كلهم)لينتفض واقفا وهو يقول:.

لأ يارحمة، أنا مش زيهم، أنا بحبك أوي، محدش في الدنيا حبك أدى، ولو كنت ظلمتك زيهم فعشان غيرتى عميتنى وخليتنى مشفش اللى شايفه أدامى دلوقتى، لما رجعت بالأحداث لورا، شفت صدمة في عينك أول ما شفتينا، مش صدمة حد بينكشف، لأ، صدمة انا فين وبعمل إيه هنا، وإنتوا واقفين بتبصولى كدة ليه، وصدمة لما سمعتى كلام جدى وهشام اللى إعترف إنكوا على علاقة من زمان وإنه مستعد يصلح غلطته دلوقتى، شفت قهرة في عيونك وإنتى بتبصيلى وأنا ساكت مبقلش حاجة، واقف جامد ببصلك وأنا مش عارف أشرب من دمك ولا أسيبك تتجوزى هشام وتغورى من وشى، دلوقتى بس شفت ده كله، دلوقت حسيت فعلا بكل ده، بس إزاي متكلمتيش إزاي مدافعتيش عن نفسك؟، أكيد هشام خدرك وأخدك أوضته، أكيد عمل حاجة عشان نقع كلنا في الفخ ونجوزهولك، وده اللى حصل، أد إيه كنت ساذج وقتها، أد إيه كنت غبى.

ليقترب منها يميل على وجهها يزيح خصلاتها المتعرقة على جبينها بحنان قائلا في تصميم:
بس وعد منى هعرف إيه اللى حصل زمان ومين السبب في اللى جرالك النهاردة ومش هرحمه، ولازم أرجعلك حقك من كل اللى ظلموكى حتى لو كنت أنا بينهم، بس أهم حاجة دلوقتى، تفوقى وترجعيلى يارحمة، أنا بحبك أوي.
توقف قلبه عن النبض ثم عاد لينبض مجددا وهي تقول بهمس:
يحيى.

تأمل ملامحها، وعيونها المغلقة، ليدرك أنها تناديه وهي مازالت تحت تأثير البنج ليذوب قلبه وهو يهمس بدوره قائلا:
قلب يحيى.
رددت إسمه مجددا بهمس لتشتعل دقات قلبه ويميل على وجنتها يقبلها قبلة بطيئة تحمل مشاعر قلبه كلها وهو يهمس بجانب أذنها قائلا:
عمره كله.

ثم نثر قبلاته على باقى وجهها يهمس بعشقه لها ما بين القبلة والقبلة وبينما يقبل شفاهها قبلة خفيفة أغمض بها عيونه ليشعر بشفتيها تنفرج قليلا وكأنها تبادله قبلته ليفتح عينيه ويبتعد عن وجهها ليراها تطالعه بعينين ناعستين، تستفيق من تأثير المخدر لتبتسم بضعف هامسة بإسمه:
يحيى.
ليميل مقبلا شفتيها بخفة مجددا لتتسع عينيها بدهشة، ثم يرفع رأسه قائلا بعيون ظهر بهما عشقه خالصا لتنظر إلى عيونه بحيرة قائلة بضعف:.

يحيى أنا، إنت،
وضع يحيى إصبعه على شفتيها قائلا بعشق:
أنا بحبك، بحبك أوي يارحمة.
نظرت إليه رحمة في صدمة لإعترافه الصريح هذا بعشقها، لتتسع عينا رحمة في دهشة و، سعادة.

دلف مراد إلى المنزل يبحث عن شروق فلم يجدها، دلف إلى حجرته ليجد ورقة بيضاء مطوية وضعت على الكومود بإسمه، فتح الورقة بسرعة وجرت عيناه على محتوياتها،
(مراد...

أنا مش مستعدة أتخلى عن طفلى حتى لو خيرتنى بينك وبينه، أنا بختاره هو، تعرف ليه؟لإنى مستحيل هختار واحد باعنى بالرخيص وفى أول موقف مر علينا، وكأنى مهمكش يامراد ولا يهمك مصيرى، سواء أموت، أو، أعيش، مش هتفرق معاك، أنا كنت موجودة في حياتك ليه؟، عشان أكون مجرد بديل، مرة أكون بديل لمراتك اللى مبتحبهاش، ومرة بديل لحبييتك، حبيبتك اللى مقدرتش توصلها، مش كدة؟، للدرجة دى يامراد كنت بالنسبة لك ولا حاجة، للدرجة دى محسيتش بية وبقلبى اللى كان بيتعذب كل يوم وأنا عندى أمل واحد في المليون إنك تحس بحبى وتحبنى ولو شوية، الأمل ده النهاردة إنت قتلته زي ما كنت عايز تقتل إبنك، ضناك، وتقتلنى معاه، لكن انا هعيش، هعيش عشان خاطر إبننا، متحاولش تدور علية عشان مش هتلاقينى، ومتقلقش مش هتشوفنى تانى ولا هتشوف طفلك، إنسانا يا مراد وأظن إن ده سهل عليك، أوي، شروق).

جلس مراد فلم تعد قدماه قادرتان على حمله، يشعر بالإنهيار بداخله، تمزقه كلماتها تمزيقا، يدرك فيم تفكر الآن وبما تشعر، لقد كانت تعلم، تعلم بحبه لأخرى ولم تلومه ولم تعاتبه، فقط تحملت ألمها بداخلها ووارته، لترسم إبتسامتها على شفتيه وتسعده، كم كان غبيا حين أعماه عشقه المزيف عن رؤية كل مشاعره تجاهها، عن منحها ما تستحق، فقط السعادة والحب، فهي تستحقهما،.

ليظهر التصميم على وجهه، سيجدها، وسيفعل المستحيل لتسامحه، وسيعلنها زوجة له أمام الجميع حتى وإن واجه بذلك أعاصير بشرى، ورفض عائلته، سيربى طفله بينهما وسيمنحهما كل ما حرمهما منه، نعم هذا ما سوف يفعله، لينهض سريعا ويركب سيارته يقودها بأقصى سرعة متجها إلى حيث يمكن أن يجد شروق، ولن يهدأ له بال حتى، يجدها.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

دلفت رحمة إلى الحجرة تتأملها بلهفة، فلقد قضت بالمستشفى يومين كاملين، وحقا إشتاقت إلى تلك الحجرة وإشتاقت إلى المنزل بأكمله، بمن فيه، خاصة ذلك الصغير هاشم والتي ما إن دلفت إلى المنزل حتى إتجهت إلى حجرته على الفور لتشبع شوقها إليه، تغمره بالقبلات يقابلها بضحكات مرحبة بها ونداءه الذي تعشقه(را را)، لتقول مابين القبلة والقبلة(قلب رارا وعمرها كله)ليدلف يحيى إلى الحجرة ويبتسم لهذا المشهد، ثم يأخذ منها هاشم، يخبرها أنه سيخلده إلى النوم بينما تأخذ هي حماما تريح به جسدها المتعب، لتوافق على الفور فهي تحتاج فعلا إلى هذا الحمام.

إبتسمت بحنان وهي تتذكر معاملة يحيى لها منذ أن إستيقظت في تلك المستشفى وألقى إعترافه بحبها أمامها، لقد عاد يحيى كما كان بالماضي، هذا المحب المندفع، الشغوف الحنون، يعاملها مجددا كأميرته الصغيرة المدللة، لم يعد يعبس في وجهها أبدا، بل تشمل ملامحه دائما نظرة العشق التي كانت تراها بالماضى، وهاهي دقات قلبها تعلوا عندما تتذكر تلك النظرات التي يرمقها بها، لتضع يدها على خافقها تهدئه قليلا قائلة بهمس:.

إهدى ياقلبى، كل ده من نظرة، أمال لو...
لتنفض رأسها قائلة:
لأ طبعا، إنتى أكيد إتجننتى، نسيتى وعدك لأختك؟، طيب لو كنتى نسيتى وعدك، فنسيتى كمان إنه إتخلى عنك زمان، مش يمكن يتخلى عنك تانى، ويجرح قلبك من جديد، قلبك اللى دلوقتى هيطير من نظرة عشق أو كلمة بحبك اللى قالها، ما هو كمان قالها زمان، وفى أول إختبار لحبكم نساها، وفشل فيه، خليكى عاقلة يارحمة وإوعى تضعفى، عشان في الآخر متندميش.

لتتنهد بضعف وهي تتجه إلى الحمام لتأخذ حماما، ربما يريح جسدها المتعب ولكن روحها المنهكة، ماذا يريحها؟

قالت بشرى بغيظ ما إن دلفت لشقة مجدى:
نفدت منها بنت الأبالسة، إزاي، أنا هتجنن؟
عقد مجدى حاجبيه قائلا:
مين دى؟ونفدت من إيه؟
نظرت إليه بشرى قائلة بحنق:
بقولك إيه يامجدى متجننيش معاك إنت كمان، هيكون مين غيرها؟، ست رحمة طبعا.
إتسعت عينا مجدى بصدمة قائلا:
إنتى عايزة تفهمينى إن رحمة نجت من جرعة السم اللى إديتيهالها؟، مستحيل طبعا.
نظرت إليه قائلة بغيظ يأكل قلبها:.

حظ أبالسة، تقول إيه، من حظها إن واحد وقع الكاس من إيدها فمكملتش كوباية العصير وكمان رجعت شوية، فاللى فضل في معدتها حاجة بسيطة متموتهاش، وأهي راجعة الفيلا النهاردة وكأننا معملناش أي حاجة.
قال مجدى بدهشة:
وعرفتى منين؟
قالت بحقد:
من فتحى.
قال مجدى:
حظ أبالسة فعلا، ليها عمر صحيح.
قالت بشرى بغضب:
لازم أشوفلها حاجة تانية تغورها في ستين داهية، أنا خلاص مش قادرة أستحمل العيشة في الشقة دى وعايزة أرجع بيتى يامجدى.

أمسك مجدى بكتفيها يمسدهم قائلا:
طب إهدى بس، روقى أعصابك وتعالى نشرب كاسين، نظبط بيهم دماغنا ونفكرلها في حاجة تانية.
إبتعدت بشرى عنه وهي تقول بضجر:
مش هينفع أقعد وأشرب، مراد اليومين دول حالته حالة ومتعصب على الآخر، مش عارفة ماله بس، بيتلككلى ع الفاضية والمليانة، أنا عايزة ألحق أرجع البيت قبل ما يرجع.
عقد مجدى حاجبيه وهو يقول بضيق:
والباشا بيرجع إمتى؟
هزت كتفيها قائلة:
ملوش مواعيد، اهو بيطب في أي وقت.

ليرن هاتفها وتشير إليه بالصمت ليدرك مجدى في ضيق أنه مراد، وبشرى تجيب بهدوء:
أيوة يامراد.
إستمعت إليه لثوان قبل أن تقول:
طيب تمام، متقلقش، سلام.
أغلقت الهاتف لينظر إليها مجدى بإستفهام لتعقد حاجبيها قائلة:
ده مراد، بيقولى إن وراه شغل متأخر، وإحتمال يبات في الشركة.
إلتمعت عينا مجدى وهو يجذبها من يدها متجها إلى حجرة النوم قائلا:
وإحنا مستنيين إيه بس؟، تعالى معايا.
قالت بشرى:
إستنى بس يامجدى...

أدخلها مجدى حجرته وأغلق الباب وهو يتطلع إليها بعشق، ليقترب منها يلتصق بها ممررا يده على جسدها ثم يضمها بقوة إليه تلفحها أنفاسه وهو يقول:
مش قادر أستنى، أنا بحبك، بعشقك يابشرى، إسقينى من شهدك بسرعة.
فتحت فمها لتنطق فإذا به يلتقط كلماتها داخل فمه، ينهل من شهدها الذي يسكره، والذي أصبح له إدمانا، لا يريد منه شفاءا، أبدا.

دلف يحيى إلى الحجرة ليتوقف فجأة متجمدا وهو يطالع فاتنته الواقفة أمام الدولاب تقف على أطراف أصابعها تحضر شيئا ما من أعلى الدولاب، بينما تمسك فستانا بيدها الأخرى، تلف جسدها بمنشفة ليظهر كتفيها المرمريتين وساقيها الجميلتين أمامه مجددا، في المرة السابقة إستطاع كبح جماح نفسه عنها أما تلك المرة فوجد نفسه مرغما على الإقتراب ليغلق الباب بهدوء خلفه ويلف المفتاح فيه ليسكره تماما، وسط نظرات رحمة التي تجمدت مكانها يدق قلبها بعنف تلعن غبائها الذي يجعلها تنسى إغلاق الباب جيدا كلما أخذت حماما، كلما تقدم يحيى بإتجاهها بعيونه الغائمة تلك، كلما أدركت رحمة أنها هالكة لا محالة، لتزدرد لعابها قائلة بإضطراب:.

خير يايحيى؟
توقف يحيى أمامها تماما ليمد يده ويأخذ ذلك الفستان من يدها يعلقه بالدولاب، وسط حيرتها ثم يمسك يديها بين يديه ليدق قلبها ويتعالى صوت أنفاسها وهو يقول:
خير ياقلب يحيى،
إزدردت لعابها مجددا وهو يترك يديها، يمرر يديه على طول ذراعيها العاريتين قائلا بصوت تهدج شوقا:
مش آن الأوان يارحمة ننسى اللى فات ونكون لبعض.
كان قد وصل لكتفيها يمسدهم برقة لتشعر رحمة بالذوبان المطلق، لتقول بضعف:
يحيى أنا، وإنت...

قاطعها قائلا بعشق:
أنا وإنتى بنحب بعض، دى حقيقة إحنا الإتنين عارفينها، ومتأكدين منها،
ليمسك بكتفيها يقربها منه حتى لفحتها أنفاسه وهو يقول:
إحنا لازم ننسى كل حاجة تانية ومنفتكرش غير حاجة واحدة وبس، إنتى بتحبينى، وأنا بحبك، صح يارحمة، قولى إنك بتحبينى أد ما أنا بحبك، قوليها.

شعرت رحمة بأنها تفقد كل ذرة مقاومة تمتلكها وهو قريب منها هكذا، يهمس أمام شفتيها بكلمات تدركها وتؤمن بها، تشعر بها في أعماقها، تكاد تستسلم ولكن وعدها لأختها وقف حائلا دون إستسلامها لتطرق بحزن قائلة:
مش هينفع يا يحيى، صدقنى مش هينفع.
ليرفع ذقنها بيده يهمس أمام شفتيها قائلا:.

لأ هينفع، متنكريش إنك بتحبينى، عيونك بتقولها، رعشة جسمك بين إيدية بتقولها، حتى شفايفك بتقولها، شفايفك بتنادينى وأنا مستحيل ملبيش نداها.

لتفتح رحمة شفتيها تعترض على كلماته، ليختطف كلماتها في قبلة أودع بها عشقه يضم جسدها إليه وهو يرفع يده يتخلل خصلات شعرها يضمها إليه أكثر يتعمق بقبلته، لتعلن إستسلامها وتبادله قبلاته، ليحملها دون ان تتفارق الشفاه ويمددها على سريرهما، يبتعد عن شفاهها مرغما لثانية يرغب إعترافا يريح قلبه ليهمس أمام شفتيها قائلا برجاء:
قوليها يارحمة، قوليها وريحى قلبى، نفسى أسمعها من بين شفايفك زي زمان.

لتلبى رجاءه على الفور قائلة بعشق:
بحبك يايحيى، بحبك.
لتلتمع عيناه ويدق قلبه طربا لسماعه كلمات الحب من بين شفتيها ليعود إلى شفتيها يقبلها ويقبلها، يشبع شوقه إليها والذي أضناه سنوات طويلة، طويلة جدا.

دلف مراد إلى تلك الحجرة التي لطالما جمعتهما سويا، هو وشروق، تلك الحجرة التي شهدت لحظات عشقهما، تلك الحجرة التي كان يشعر فيها براحة وسعادة ظللوا حياته لسنوات، والآن إختفوا بإختفائها، توقف أمام المرآه ومرر يده على أدوات زينتها، أمسك زجاجة عطرها ونثر بعضا منه أمامه ثم إقترب يستنشقه بشغف، يغمض عينيه ويتخيلها، تتمثل بالفعل أمامه، يمد يديه ليحتضنها ولكنه يجد فراغا، ليفتح عينيه في ألم ويمرر يده في شعره بعصبية، يلوم نفسه على ضياعها منه، على إكتشافه مشاعره، ولكن بعد فوات الأوان، فقد ضاعت منه ربما للأبد، فلا يعرف لها مكانا آخر ولا عائلة لها فقد كان هو كل عائلتها وخذلها رغم علمه بذلك، هجرته وحتى هاتفها أغلقته بدوره فلا يستطيع حتى محادثتها والتوسل إليها كي تعود إليه، تبا، كم هو مؤلم غياب من نحب.

فتح الدولاب وأحضر منه أحد قمصانها المفضلة لديه، إحتضنه وكأنه يضمها هي، ثم أخذه معه إلى السرير، ليتمدد وهو مازال يضمه إلى صدره، يدرك الآن من هذا الشعور القاتل بالألم في قلبه نتيجة بعد شروق عنه، أنه ربما أحب رحمة يوما ولكنه لم يحبها بقوة كما يعشق تلك الرقيقة التي تزوجها، والتي وبمجرد أن يتخيل الآن بأنها قد تختفى من حياته للأبد، يشعر بأنه يموت، تسحب أنفاسه منه، حرفيا.

نهض يحيى بسرعة وقد إتسعت عيناه بصدمة وهو ينظر إلى بقعة الدماء تلك على الملاءة، ثم يعود بنظراته إلى رحمة التي جذبت الغطاء توارى به جسدها العارى، وهي تطرق برأسها في خجل إمتزج بالحزن، فلقد إستسلمت لعشقها، وهاهي الآن مضطرة أن تنكث بوعدها لراوية، مضطرة لكشف الحقيقة كاملة، لتنتفض على صوت يحيى الذي قال:.

إزاي، فهمينى، أنا هتجنن، إنتى كنتى، طيب واللى حصل وجوازك من هشام، يارحمة فهمينى أبوس إيدك، أنا هتجنن.
نظرت إلى عيونه لثوان تبغى هروبا ولكن ما من مهرب، لتقرر أن تعترف بكل ماحدث بالماضى لتقول بألم:.

الحكاية بدأت من زمان، من اليوم اللى حبيتك فيه وإنت حبيتنى، كنت دايما أقولك هشام بيضايقنى، وكنت دايما باعده عنى، بس جه اليوم اللى طلبت فيه منى الجواز وأنا وافقت، كان هو للأسف سامعنا، وقرر يوقف الجواز ده بأي تمن، حتى لو بفضيحة، خطته كانت إنه يخدرنى بمنوم في عصير ويجيبنى أوضته ويتظاهر بإنى معاه أدامكم بعد ما حد معين يجمعكم، وطبعا خطته نجحت قدر يخدرنى ويجيبنى لحد أوضته ولما فقت، لقيتكم كلكم بتتهمونى بالخطيئة معاه، إنصدمت حاولت أشرح إنى بريئة وإنى مش زي أمى بهيرة اللى خانت أبويا بعد سنة من الجواز وهربت مع السواق، بس بصة واحدة لعنيك خليتنى أسكت، شفت فيهم إنك شايفنى هي، وده صدمنى، خلانى عرفت إنى لوحدى، وعرفت إنى بالنسبة لك ولا حاجة، بالنسبة لكوا كلكم ولا حاجة، أنا بس بنت بهيرة وهفضل طول عمرى بنت بهيرة.

ترقرقت الدموع بعيونها ليجلس يحيى فلم تعد قدماه قادرتان على حمله، لقد كان يشك بأن هذا بالفعل ماحدث ولكن تأكيدها شكه أصابه بطعنة في قلبه، فقط لو كان وثق بها وبحبه لها لأنقذها في هذا اليوم وأنقذ نفسه من كل هذا العذاب الذي مرا به، ليلوم نفسه على ضعفه ويدرك أنه حقا لا يستحقها، ليعقد حاجبيه وهو يدرك أنها تزوجت هشام بعد تلك الليلة البغيضة ومع ذلك هي كانت ماتزال عذراء حتى اليوم، كيف؟

وكأنها قرأت ملامح وجهه وأدركت ما يحيره، لتقول بهمس مرير:
هشام كان مريض يايحيى، كان عاجز جنسيا.
إتسعت عينا يحيى بصدمة لتستطرد قائلة بألم هدج صوتها:
مع الأسف دى الحقيقة، هشام حبنى، بس كان عارف إنه مريض ومرضه ملوش علاج، حبه كان مرضي، مقدرش يشوفنى غير مراته، مقدرش يتخلينى لحد غيره، وخصوصا أخوه، وفضل يعمل ده كله في سبيل إنى أكون ليه لوحده، حتى لو هكون في حياته زوجة بالإسم، المهم مكونش لغيره وبس.

تأمل ملامحها المتألمة بحزن هز كيانه، يعلم أنها ضحية، ضحية لأمها ولجدها ولهشام وله، ضحية للجميع، كم تمنى لو حماها من أن تكون ضحيتهم ولكن ليس كل يتمناه المرء يدركه، تجعد وجهها ألما ليدرك أن القادم أسوأ وهي تقول:.

بكى ليلة فرحنا، إعترفلى، وإعتذرلى، طلب منى أسامحه ووعدنى إنه هيسعدنى، هيحققلى أحلامى، قاللى إن الجواز مش سرير وبس، ولإنى متخيلتش حد غيرك ممكن يلمسنى، رضيت أكمل معاه وأنا مع الأسف، فرحانة من جوايا بعجزه، مش قادرة أتخيل لو مكنش عاجز وقربلى أنا كان ممكن أعمل في نفسى إيه؟مش بعيد كنت إنتحرت، بس هو كان حاسس، كان عارف إنى بحبك وإنك رغم تخليك عنى إلا إن قلبى مقدرش يكرهك، غصب عنى كنت بحلم بيك كل ليلة وفى بعض الأحلام كنت بصحى على عنفه، على قسوة كانت بتظهر فجأة لما بيسمعنى بنادى بإسمك في أحلامى، كنت بعيط، بطلب منه يرحمنى، وإن أحلامى مش بإرادتى، دى حاجة غصب عنى بس كان بيرفض يسمعنى وينتهى بية الأمر في المستشفى بين الحيا والموت، أقعد بالشهور أتعالج، ورغم ألمى بس كنت ببقى مرتاحة منه، كان بيزورنى وفى زياراته كنت بفضل ساكتة لغاية مايمشى وأخلص منه.

كاد يحيى أن يمزق يديه القابض عليهما بقوة غضبا، أين كان وحبيبته تتعرض لكل هذا العذاب على يد أخيه؟أين كان وهي تمر بكل هذا، قسوة وعنف وألم ووجود بالمستشفى مابين الحياة والموت، لقد عانت بما يكفى ولم يكن كعادته بجوارها، ليلعن نفسه الخائنة التي تركتها بلا سند، ويلعن قلبه الذي ظن بها السوء، إستطردت رحمة بحزن:.

كتير فكرت أهرب منه وأرجع على مصر، بس أرجع لمين؟لعيلتى اللى إتخلت عنى وصدقت فية أسوأ شئ ممكن تصدقه في بنتها، العيلة اللى طردتنى ومحدش فيهم سأل علية مرة واحدة، كان حل مستحيل طبعا، فكرت أخلص من حياتى، وأخدت حبوب فعلا، بس حتى دى مسبنيش أعملها ومقدرتش أكملها للآخر، لحقنى وأنقذنى، عشان يعذب فية من تانى، ويضربنى من تانى كل ما يسمعنى بنادى إسمك في أحلامى،.

لتنهار بالبكاء فيسرع يحيى يضمها إلى صدره لتضربه على صدره ترفض ضمته إياها، ضربات متتالية، يدرى أنه يستحق كل ضربة منهم على مافعله بها بالماضى، على سوء ظنه وتخليه عنها، على عدم وجودها بجوارها وهي تعانى كل هذا، فقط لأنها أحبته، ضعفت ضرباتها لتخفت تماما وهي تستكين بين ذراعيه تخفت شهقاتها تدريجيا حتى خفتت بدورها، لتقول بصوت ضعيف:.

فضلت أتعذب لغاية يوم الحادثة، كنا في حفلة، وكنا واقفين بنتكلم مع صحابنا، واحدة فيهم قالتلى إن لون شعرى الجديد مش لايق علية وان الأسود كان أحلى، مش عارفة قالت كدة ليه، غيرة أو يمكن فعلا دى الحقيقة، حقيقى مش عارفة، المهم ان جوزها قال ساعتها إنى مهما كبرت أو غيرت في شكلى هيفضل فية سحر بيجذب الكل لية.

لو كان هذا الرجل أمامه الآن لفتك به، كيف يقول لها تلك الكلمات؟وأمام زوجها، ليجزع وهو يتخيل رد فعل هشام، يتمنى أن تخيب ظنونه، ليضمها بقوة دون أن يشعر وهي تقول:.

شدنى من إيدى أدامهم كلهم، وجرجرنى، إتكعبلت في فستانى ووقعت، راح شاددنى من شعرى موقفنى، حاولوا يخلصونى منه بس هو زعقلهم وقالهم مراتى وأنا حر فيها، فبعدوا عننا، ركبنى العربية وأنا بعيط من ألم رجلى اللى إتلوت لما وقعت وألم كرامتى اللى داس عليها أدام الكل، صرخ فية وطلب منى معيطش، مقدرتش أسكت من الألم، قاللى كلام بشع، عن إنى ساقطة وبشجع الرجالة عشان تقولى كلام حلو وإنه مش مالى عينى ومش قادر يسعدنى وعشان كدة بدور على حد يسعدنى غيره، إستفزنى كلامه وجاب آخرى، طلبت منه الطلاق عشان أخلص من عذابى معاه، قاللى ان الحل الوحيد عشان أخلص منه هو الموت، فتحت باب العربية وكنت هرمى نفسى فعلا بس هو لحقنى وقفل الباب بالقفل الالكترونى، وعينيه لمعت بجنون وقاللى ياهنعيش سوا ياهنموت سوا، لقيته بيزود السرعة ع الآخر، رغم عنى خفت، حاولت أرجعه عن اللى بيعمله بس هو ساعتها أخد القرار، فقد السيطرة على العربية وإتقلبت، وفجأة لقيتنى بطير من إزازها، وبقع على الأرض، وهو جوة العربية، مش قادر يطلع، حاولت أقوم، أحاول أخرجه مقدرتش، لإن رجلى إنكسرت، بصلى بصة أخيرة حسيتها إعتذار منه ورغم كل اللى عمله هزيت راسى إنى مسامحاه، وفجأة العربية إنفجرت أدامى ومحسيتش بحاجة بعدها، ولما فقت كنت في المستشفى وأخوك بيطلب منى أرجع معاه مصر عشان يدفن جثة هشام اللى إتحرقت في الحادثة، طبعا كان مستحيل أرجع في الوقت ده، ساعتها إنت وراوية كنتوا متجوزين وكانت راوية حامل، كنت هعمل إيه وسطكم، مكنتش هقدر أتحمل أعيش بينكم، كان مستحيل أشوفك وياها وقلبى متقيدش فيه النار من غيرتى عليك يايحيى، أنا كنت بتقطع كل يوم وأنا بتخيلك معاها، كنت بموت يايحيى، بموووت.

ضمها يحيى بقوة إلى صدره أكثر، يقول بحنان:
أنا كمان ياقلب يحيى، كنت بموت وأنا بتخيلك معاه، بس الحمد لله ربنا حفظك لية وخلاكى ترجعيلى من تانى.
خرجت رحمة من بين ذراعيه وهي تنظر إليه قائلة بعتاب:
بس أنا مش أول واحدة في حياتك يايحيى، زي ما كنت انت اول واحد فيها.
قال يحيى بعشق وهو يرفع يده يمررها على طول وجنتها الناعمة الرقيقة:
هتصدقينى لو قلتلك إنك أول واحدة وآخر واحدة في حياتى يارحمة.
قالت رحمة في سخرية:.

وراوية دى كانت إيه يايحيى، مجرد زوجة بالإسم، مش هصدقك طبعا، والدليل، هاشم.
قرص وجنتها بخفة قائلا بمزاح:
حبيبتى الغيورة.
أبعدت يده عنها وقد عادت إليها مشاعر الغضب من مزاحه وإستخفافه بغيرتها ليعتدل قائلا بجدية:.

أنا إتجوزت راوية صحيح، بس ده كان عشان خاطر جدى هاشم طلب منى أتجوزها، إنتى عارفة إن راوية اختك كانت اكتر حفيدة بيحبها جدك، يمكن عشان كانت بتشبه جدتك عايدة، أو يمكن لإنها بنت سعاد مرات إبنه الأولانية واللى كان بيحبها جدا، وقهرتها من والدك لما إتجوز والدتك عليها موتتها،
أومأت رحمة برأسها في حزن فهي تعرف كل ذلك ليستطرد يحيى قائلا:.

جدك كان عارف إنها بتحبنى وكان فاكر إن حبها لية ممكن ينسينى حبك، بس كان غلطان، فضلت أحبك حتى بعد ماإتجوزتها، فضل بينى وبينها سد، حاجز، بينى وبينها إنتى، رحمة أختها، كانت حاسة إنى بحب واحدة غيرها وساكتة، إستحملت ومتكلمتش، كان إحساسها إنى جنبها وإسمها على إسمى مكفيها، لحد ما في يوم جدى قاللى إنك في المستشفى عشان وقعتى والبيبى اللى إنتى كنتى حامل فيه نزل، هشام لما كلمه قاله كدة، أكيد كان بيحاول يوصل لينا إن حياتكم طبيعية، أو يوصل لية أنا بالذات الكلام ده، وفعلا، الخبر ده جننى، فكرت، أنا بتعذب في بعدك عنى، وإنتى عايشة حياتك ولا همك، شربت، شربت عشان أنسى بس مقدرتش أنسى، فضلت أشرب وأشرب لغاية مبقتش شايف أدامى ولما رجعت لقيتها مستنيانى، غصب عنى شفتها إنتى، قربتلها على إنها إنتى، فضلت أهمس بإسمك جوايا، وأنا بقولك على كل مشاعرى، لغاية ما حصل اللى حصل وفقت تانى يوم لقيتها جنبى، كانت بتعيط، بتقول كلام غريب على إنها غلطت، وإنى مش هقدر أنسى وإنها لازم تصلح غلطها، حاولت أفهم منها حاجة مقدرتش، سيبتها وسافرت، إحساسى بالذنب ناحيتها كان أكبر من إنى أتحمله، ورجعت لما جدى بلغنى إنها حامل، وعشت معاها بس زي ما كنا قبل الليلة دى، زوجين بالإسم وبس، هي عارفة إنى بحب ومش هقدر أكون لغير حبيبتى، مكتفية بوجودى في حياتها ووجود هاشم، لغاية ما تعبت وبعتتلك، عشان تدخلى حياتى من تانى يارحمة.

أطرقت برأسها قائلة بحزن:
بعتتلى عشان تصلح غلطتها، لإن هشام أقنعها تدينى كوباية العصير بكلام فارغ عن إنى بحبه وإن إنت بتحبها بس عشان أنا وانت قصاد بعض مفكرين ان تعود الطفولة ده حب، لكن لو كل واحد فينا بعد عن التانى هنشوف إن ده مش صح، وهنعرف احنا بنحب مين بجد.
قال يحيى بهدوء:
من كلامك حسيت بكدة، هشام كانت نفسيته مريضة وراوية كانت ساذجة وعرف يضحك عليها ربنا يرحمهم ويغفر لهم.

نظرت رحمة إليه قائلة بإرتياح:
يعنى انت مش زعلان منها يا يحيى؟
تأمل يحيى ملامح رحمة بحنان وهو يدرك أنها تخشى أن يغضب من أختها فيحرم هاشم من ذكراها ليهز رأسه نافيا وعلى شفتيه إرتسمت إبتسامة وهو يقول:
لأ مش زعلان، كفاية إنها عرفت غلطتها وصلحتها قبل ما تموت.
إبتسمت رحمة بسعادة، ثم ما لبثت أن تدراكت كلماته لتتأمل عيناه في فرحة خالصة تغشى عيناها دموع الفرح وهي تقول بنبرات ملهوفة:.

يعنى إنت فضلت لية أنا وبس يايحيى.
إبتسم وهو يمرر يده على وجنتها قائلا بحنان:
زي ما فضلتى لية أنا وبس.
ثم أمسك وجهها بين يديه مستطردا برجاء:
أنا بين إيديكى دلوقتى يارحمة بتمنى تسامحينى ع اللى فات ونبدأ مع بعض صفحة جديدة، بوعدك فيها إن عمرى ما هتخلى عنك تانى وإنى هفضل أحبك لآخر يوم في عمرى وإنى أعوضك عن كل العذاب اللى عشتيه في بعدى، هتقدرى يارحمة، هتقدرى تسامحينى؟

تأملت عيونه بنظرة ظهرت فيها مشاعرها واضحة جلية وهي تقول بعشق:
أنا سامحتك من يوم ما عينك جت في عينى في أول يوم شفتك فيه من تانى يايحيى.
ليبتسم هو في سعادة وهو يتأمل ملامحها قبل أن ينحنى يلثم كل إنش من وجهها وهو يسمعها أحلى كلمات الغزل لتلتقى شفاههم بالنهاية وتكمل معه مقطوعة عشق، آن لها أن تظهر للنور.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كانت رحمة تقف في الشرفة تتأمل الفضاء أمامها، لا تصدق ما آلت إليه قصتها مع يحيى، لقد أصبحت له أخيرا وأصبح لها، ورغم نكوثها بوعدها إلى أختها إلا أن يحيى لم يغضب من راوية بل سامحها لإنها بالنهاية جمعت بينهما من جديد، تنهدت وهي تتذكر أحداث الليلة الماضية بكل مشاعرها ورقتها، بيحياها الذي حملها معه إلى الجنة، لتتسلل بسمة إلى شفتيها حين أحاطت يد من يشغل بالها وقلبها بخصرها ثم قبل عنقها بقبلة أذابتها لتغمض عينيها تستشعر لذتها، لتفتحهما مجددا وهو يتكئ بذقنه على كتفها قائلا:.

صباح الخير.
قالت بإبتسامة:
صباح النور.
تنهد يحيى قائلا:
يرضيكى برده في صباحيتى مصحاش ألاقى عروستى جنبى قاعدة تبصلى وتتأمل ملامحى وأنا أبتسملها وأكسفها وبعدين أبوسها وأبوسها وأبوسها، وهنا تسكت شهرزاد عن الكلام المباح،
تعالت ضحكات رحمة ليبتسم يحيى وهي تلتفت تواجهه بعينيها الرائعتين الضاحكتين قائلة:
ده كلام روايات يايحيى، إنت بقيت بتقرا روايات؟
تأمل ملامحها الجميلة وهو يقول:.

إنتى ناسية عشقك للروايات يارحمة؟، من بعد ماسيبتينى بقيت أدور عليكى فيهم، أشوفك وأشوف نفسى في أبطالهم، وأفرح بالنهاية السعيدة لحكاياتهم، للاسف دى كانت الحاجة الوحيدة اللى بتصبرنى على بعدك،
تأملته بعشق وهي ترفع يدها تمررها على وجنته ليذوب من لمستها وهي تقول:
لما إنت بتحبنى أوي كدة يا يحيى، ليه إتخليت عنى، ليه ضيعت من عمرنا كل السنين دى؟

مال يقبل يدها وهو يغمض عينيه يخفى ألمه من فعلته التي أثرت بمحبوبته بهذا الشكل ليفتحهما مجددا وهو ينظر إلى عمق عينيها قائلا:.

غلطة كبيرة هفضل عمرى كله أندم عليها، و أعوضك عنها، بس لازم تعرفى انه كان غصب عنى، المشهد اللى شوفته وحبكته تخدع أي إنسان وخصوصا لو إنسان بيحب وبيغير على حبيبته، الغيرة شئ بشع يارحمة، بتخليكى عامية ومش شايفة أدامك، وأنا ساعتها مشفتش غير جرحى من الغدر، كان لازم أكون متأكد من مشاعرك أيوة، بس عذرى إن إحنا كنا لسة معترفين لبعض بالمشاعر دى، ومكنتش ساعتها متأكد من حاجة غير مشاعرى من ناحيتك وبس.

إقتربت منه حتى لفحته أنفاسها وهي تقول:
ودلوقت؟
تأملها بشوق، بعشق ملك عليه كيانه، ليهمس أمام شفتيها قائلا:
دلوقتى أنا متأكد إن يحيى بيعشق رحمة ورحمة بتعشق يحيى، وإن لقاهم نصيب وعشقهم قدر وفراقهم...
إبتسمت وهي تقاطعه قائلة بهمس:
مستحيل، فراقهم مستحيل يايحيى.
غامت عينا يحيى وهو يقول بعشق:
قلب يحيى وعمره كله.

ليميل ويقبلها قبلة ناعمة رقيقة وكأنه يتذوقها، يرشف من شهدها، يذيبها بقبلته تلك، لترفع يدها إلى عنقه تتخلل شعره بأصابعها تضمه لها مبادلة إياه قبلته الرائعة ليتعمق بقبلته وقد انتفض قلبه من لمساتها ليتركها فقط كي يتنفسا وهو يضع جبهته على جبهتها، مغمض العينين يقول بهمس:
بعشقك يارحمة.

ثم وفى ثوان كان يحملها بين يديه يدلف بها إلى الحجرة ليكمل لها تلك المعزوفة والتي يعزف فيها بلمساته وقبلاته على أوتار مشاعرها، تلك المعزوفة الرائعة التي لها بداية ولكنها بالتأكيد، بلا نهاية.

قال مراد بلهفة:
بجد ياعزت، عرفت عنوان صاحبتها؟، متأكد إنها هناك؟
ليصمث لثوان مستمعا إلى صديقه ليقول بعدها بسرعة:
طيب إدينى العنوان، أيوة، أيوة إبعتهولى في ماسيدج.

ليغلق الهاتف وهو يشغل سيارته ليصل إلى مسامعه صوت يدل على وصول تلك الرسالة إليه ليفتحها على عجلة وتلتمع عيناه، فالمكان الذي توجد به شروق ليس بعيدا عن هنا، كيف لم يخطر على باله هذا المكان من قبل وقد عاشت فيه لفترة قصيرة قبل أن يتزوجها، لابد وأن هناك خطب ما في رأسه أو أن غيابها لم يترك له عقل بالتأكيد ليفكر به، ليبتسم في إنتصار وهو ينطلق بسيارته بسرعة يسابق الريح كي يصل إليها، يزيد من سرعة السيارة فهو في شوق لرؤية محبوبته والإطمئنان على طفله، فلم ينتبه لتلك السيارة التي جاءت من الطريق المعاكس، حاول تفاديها بكل قوته ومهارته في القيادة وبالفعل تفاداها لكنه وجد نفسه متجها إلى شجرة حاول كبح فرامل سيارته ولكن وللأسف الشديد، كانت محاولة متأخرة، ليصطدم بالشجرة بعنف وترتطم رأسه بالمقود وهو يشعر بالألم الشديد قبل أن يغرق في ذلك الظلام الذي أحاط به.

رن هاتف بشرى لتمد يدها إليه قائلة في نعاس:
ألو.
إنتتفضت فجأة وإحتلت ملامحها السعادة وهي تقول:
يحيى،
ثم تلاشت إبتسامتها وعقدت حاجبيها قائلة:
إمتى الكلام ده حصل؟
لتنفض الغطاء عنها بسرعة وهي تقول:
طيب أنا جاية حالا، مسافة السكة.
ليستيقظ مجدى على صوتها ويفرك عينيه وهو يراها تحدث أحدهم في الهاتف ليقول بنعاس:
مين ده اللى بيتصل بيكى في نص الليل يابشرى؟
كانت بشرى ترتدى تنورتها وهي تقول بسرعة:.

ده يحيى، مراد عمل حادثة ولازم أروحله المستشفى حالا.
نهض بدوره قائلا:
طيب، أوصلك؟
قالت بشرى بإستنكار:
توصلنى فين بس؟، انت عايز يحيى يشوفك وتبقى مصيبة، المستشفى قريبة من هنا، مش بعيدة، مسافة السكة.
أومأ مجدى برأسه متفهما وهو يقول:
طيب أول ما توصلى طمنينى عليكى يابشرى.
أومأت بشرى برأسها وهي تقول بسرعة:
هطمنك، سلام دلوقتى.

وتركته لتغادر الحجرة يتبعها بعينيه في قلق، يتمنى أن تصل إلى المستشفى دون أن يصيبها، أي مكروه.

دلفت بشرى إلى المستشفى وإتجهت مباشرة إلى الحجرة التي أخبرها يحيى بوجودهم بها لتتجمد مكانها وهي تجد يحيى يقف أمامها يضم رحمة إلى جانبه و تميل هي على صدره تبكى بدموع التماسيح، لتستدر عطفه بينما ينظران من خلال تلك النافذة الزجاجية للقابع بالداخل على سريره ملتفا ببعض الأربطة التي تحيط برأسه ويده، إشتعل الحقد بداخلها خاصة وهي تستمع إلى نبرات يحيى الحانية وهو يقول:.

إهدى يارحمة، الحمد لله إنها جت على أد كدة، بإذن الله بكرة يفوق ويبقى زي الفل.
لتقول هي بهمس باكى:
يارب يايحيى، يارب.
ليزيد من ضمته إياها وتدفن هي رأسها بداخل صدره لتشتعل النار بصدرها، وهي ترى رحمة تستكين بين ذراعي يحيى وهي التي لطالما حلمت بوجودها في حضنه بدلا من تلك الساحرة الشريرة رحمة، لتتقدم بخطوات غاضبة بإتجاههما وهي تقول بنبرات خرجت رغما عنها محتدة وهي تقول:
أخبار مراد إيه يايحيى؟

إلتفتا لها سويا لتحاول رحمة الخروج من بين ذراعي يحيى بينما تمسك يحيى بها رافضا ما تفعله، ليقول هو بهدوء وهو يواجه بشرى قائلا:
الحمد لله يابشرى، نجا بأعجوبة، مجرد كسر بسيط في الدراع، وجرح بسيط في الراس، مفيش نزيف داخلى الحمد لله، بس الغريبة إنه دخل في غيبوبة، الدكاترة بيقولوا ملهاش سبب عضوى وان غالبا السبب نفسى، ولما هيكون مستعد هيخرج منها بنفسه.

ألقت بشرى نظرة عابرة على مراد ثم عادت بعينيها إلى يحيى ورحمة التي مازال يضمها إلى جانبه تطرق برأسها في حزن تتساقط دموعها، لتقول بشرى بحنق:
طيب، أظن إنك عارف يايحيى إن دى مستشفى محترمة والعمايل اللى بتعملها مراتك دى متليقش بالمكان، فياريت تروحها أو تبعدها عن هنا، لو مش هتقدر تمسك نفسها.

نظرت رحمة إليها في صدمة، تتساءل عن تلك القوة التي تتحدث بها وزوجها هناك على سرير المرض يعانى من آثار حادث كاد أن يودى بحياته، بينما لا يظهر بعينيها حتى أي أثر لألم او أي شعور، لتفيق من صدمتها على صوت يحيى الصارم وهو يقول:.

مراتى تعمل اللى هي عايزاه في أي مكان يابشرى وإذا كان الإحساس بالنسبة لك أو لغيرك عمايل متليقش بمكان محترم فاللى مش عاجبه يخرج من المكان، لإنه أكيد المكان المحترم اللى بتتكلمى عنه ده بتاعى صاحبى أنا، يعنى بتاعى، وأنا اللى مش هقبل يكون فيه ناس معندهمش أي إحساس، ومش هقبل مراتى فيه تتمس ولو بكلمة واحدة من ناس زي دول.
أدركت بشرى أنه يقصدها بكلامه لتتراجع عن حديتها وكلماتها قائلة بمداهنة:.

أنا مقصدتش كدة بس...
قاطعها قائلا بضجر:
بشرى، أنا أخويا في أوضة في مستشفى جوة غيبوبة مش عارف هيفوق منها إمتى، ودماغى فيها كتير ومش ناقص وجع دماغ، فياريت تشوفى مكان وتقعدى فيه أحسن.

نظرت إليه بشرى في حنق لمعاملته الجافة لها، لتبتعد بخطوات غاضبة بإتجاه هذا المقعد المواجه للحجرة وتجلس، تطالعهما يعودان إلى مكانهما أمام النافذة بعيون ظهر بهم حقدا شديدا، تفكر في طريقة للتخلص من تلك التي إستطاعت أن تروض هذا الليث وتجعله كالحمل الوديع بين يديها، تماما.

إقتربت نهاد من شروق الجالسة بالشرفة تشرب فنجال من الشاي وتتطلع إلى الأفق في شرود، لتقول في تردد:
شروق.
إلتفتت إليها شروق قائلة بهدوء:
أيوة يانهاد.
قالت نهاد بإضطراب:
أنا، الحقيقة، يعنى...
عقدت شروق حاجبيها وهي تلاحظ التوتر على ملامح صديقتها لتقول بحيرة:
مالك يانهاد؟فيه إيه؟
قالت نهاد وهي تحسم رأيها فيجب أن تعرف شروق الحقيقة لتقول بحزم:
مراد عمل حادثة.

وقع كوب الشاي من يد شروق لينكسر بصوت مدوي وهي تنظر إليها بعيون متسعة من الصدمة وقلب يرتجف رعبا وهي تقول بألم:
مراد جوزى؟
أومأت نهاد برأسها وهي تنظر إلى ملامحها الشاحبة في شفقة قائلة بسرعة:
هما بيقولوا إنه الحمد لله نجا منها بس دخل في غيبوبة.
تتلقى شروق صدمة تلو الأخرى بألم لتقول بهذيان:
غيبوبة، مراد، جوزى أنا؟، عرفتى منين يانهاد؟

اقتربت منها نهاد متجنبة ذلك الزجاج المكسور وهي تأخذ بيدها تبعدها عنه وتدخلها إلى الحجرة لتكون بأمان قائلة بحنان:
إنتى ناسية إنى ممرضة في المستشفى بتاعة الدكتور رءوف صاحب يحيى و مراد؟، أنا لسة جاية من هناك حالا، أنا بس عايزاكى تمسكى نفسك وتتمالكى أعصابك عشان تشوفى هتعملى إيه ياشروق؟
نظرت إليها شروق وقد أغروقت عيناها بالدموع قائلة:
هروحله طبعا، أنا لازم أشوفه يانهاد.
قالت نهاد:.

طيب إهدى، هتشوفيه ياشروق، بس هنظبطها إزاي ومراته أنا شايفاها بنفسى هناك.
تساقطت دموع شروق وهي تقول:
معرفش، بس عشان خاطرى يانهاد، إتصرفى أنا عايزة أشوفه.
فكرت نهاد قليلا ثم قالت:
أخوه يحيى، مفيش غيره ممكن يحل المشكلة دى.
إتسعت عينا بشرى قائلة بإستنكار:
لأ طبعا، يحيى لأ.
قالت نهاد:
إنتى مش قلتى إن يحيى عارف بجوازكم، يبقى ليه لأ؟
قالت شروق بحزن:.

يحيى عرف بجوازنا بالصدفة لما دور ورا أخوه ولاقاه بييجى كتير الشقة عندى، ولما جالى وبهدلنى عشان كان مفكرنى واحدة من إياهم، اضطريت أوريله قسيمة جوازنا، بس حلفته ميقولش لمراد، لإن مراد حابب جوازنا يفضل سر، وفعلا حافظ على وعده.
قالت نهاد:
يعنى راجل كويس، وهيقدر رغبتك في إنك تشوفى جوزك وتتطمنى عليه، وهو الوحيد اللى هيقدر يهيألك الفرصة، إيه المشكلة بس؟
هزت شروق كتفيها في قلة حيلة وهي تقول:.

مش عارفة بس خايفة أكلمه، وبعدين هجيب بس رقمه منين، رقمه مش معايا أصلا؟
قالت نهاد:
دى سهلة، سيبيها علية، هجيبها منه هو شخصيا، بس يلا جهزى نفسك، وأنا دقايق وأكون عندك.
إبتلعت شروق ريقها بصعوبة وهي تخشى إجراء تلك المكالمة ولكن من أجل مراد هي مستعدة لأن تفعل، أي شئ.

رأت رحمة يحيى عائدا بعد أن إبتعد عنهم قليلا وهو يجيب على مكالمة لإحداهن، تدعى شروق، لتقول بغيرة يشوبها الحيرة:
مين شروق دى يايحيى؟
أشار لها يحيى بالصمت وهو يتنحى بها بعيدا عن بشرى قائلا:
تعالى بس هنا وأنا اقولك.
عقدت حاجبيها قائلة بحنق:
مين دى يايحيى، السكرتيرة بتاعتك ولا عميلة عندك؟
رفع يحيى حاجبيه قائلا بإستمتاع:
حبيبتى غيورة أوي على فكرة؟
نظرت إليه بغيظ ليبتسم قائلا:.

طب خلاص خلاص، دى ياستى لا سكرتيرة ولا حتى عميلة، دى مرات أخويا.
نظرت إليه بدهشة قائلة:
أخوك مين؟
رفع حاجبه قائلا:
هيكون مين؟، مراد طبعا.
شهقت لتكتم شهقتها بسرعة وهي تنظر إلى بشرى لتزفر في راحة حين رأتها تتحدث بالهاتف ولا تعيرهما إهتماما، لتعود بعينيها إلى يحيى الذي كان يتابعها بتسلية وهي تقول بحيرة:
هو مراد متجوز واحدة تانية غير بشرى؟
رفع حاجبيه قائلا:
أيوة، شروق.
عقدت حاجبيها قائلة:
طب إزاي وليه؟

قال بهدوء:
لأ، دى قصة طويلة أوي هبقى أحكيهالك بعدين، المهم دلوقتى إنها جاية في الطريق وعايزة تشوف مراد، وأنا عايز أشوف حل للمصيبة دى اللى إسمها بشرى عشان أبعدها عن المكان قبل ما تيجى وتبقى كارثة، عندك حل يا حبيبتى؟
ظهر التفكير على وجهها لثوان ليعشقها يحيى أكثر وأكثر يتمنى لو ضمها إلى صدره الآن وأسكنها بين ضلوعه للأبد فيبتسم وتظهر غمازتيه الرائعتين حين لمعت عيناها وقالت بإنتصار:
لقيتها.

سردت على مسامعه خطتها الصغيرة الذكية ليدرك أن فاتنته هي فتاة مليئة بالمفاجآت وأن عشقه لها ليس من فراغ، ليس من فراغ أبدا.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

دلفت شروق إلى حجرة مراد بجسد يرتعش قلقا على هذا الممدد على سرير المستشفى، تحيطه الأربطة البيضاء المرعبة، إنهمرت دموعها في صمت وهي تقترب منه، ترى شحوب وجه الذي أوجس قلبها خيفة عليه، جلست بجواره ومدت يدها تحيط بيده اليسرى السليمة بلهفة حزينة، تقول بهمس مرير:.

سلامتك ألف سلامة، ياحبيبى يامراد، ياريتنى كنت أنا اللى بدالك، ليه بس مأخدتش بالك من نفسك، إنت مش عارف غلاوتك عندى، إنت مش عارف لو جرالك حاجة أنا ممكن يجرالى إيه؟
لتسرع وهي تهز رأسها بجزع قائلة:
لأ، بعيد الشر، إنت مش ممكن يجرالك حاجة أبدا، مفهوم، إنت روحى يامراد، ومن غيرك أموت.
لترفع يده إلى شفتيها تقبلها بشوق وهي تغمض عينيها ألم.

لتشير رحمة إلى يحيى كي يبتعدا عن النافذة الزجاجية ويتركا لها بعض الحرية لتعبر عن مشاعرها بخصوصية، ليجلس يحيى وتجلس بجواره رحمة على تلك الكراسي المقابلة للحجرة، إستندت رحمة إلى كتف يحيى فرفع يده ووضعها على كتفها لتضم نفسها إليه تمد يدها وتمسك يده الأخرى تتخلل أصابعه بأصابعها وهي تقول بهمس:.

أنا عرفت دلوقتى ليه مراد إتجوز على مراته، شروق هي بجد اللى تستاهله، هي مراته الحقيقية، واضح جدا إنها بتحبه، وأكيد هو كمان بيحبها.
تنهد يحيى قائلا:
هي فعلا بتحبه، بس مع الأسف هو مش شايف حبها ده، معمي بحب واحدة تانية.
عقدت رحمة حاجبيها وهي تعتدل قائلة:
واحدة تانية، بس مراد مبيحبش بشرى وإلا مكنش إتجوز عليها، وكمان مش باين أبدا إنه بيحبها.
قال يحيى بهدوء:
بشرى مش هي الإنسانة اللى بيحبها يارحمة،.

عقدت حاجبيها قائلة في حيرة:
أمال هي مين؟وياترى أعرفها؟
أومأ برأسه إيجابا قائلا:
أيوة.
إزداد إنعقاد حاجبيها وهي تقول:
مين دى؟، قول بسرعة يايحيى متحيرنيش.
تأملها لثوان حبست فيهم أنفاسها ليقول هو بهدوء:
إنتى.
نهضت وقد إتسعت عيناها في صدمة قائلة:
أنا؟
أومأ برأسه قائلا:
أيوة إنتى، بس إهدى كدة وأقعدى عشان أفهمك.
جلست ومازالت الصدمة ظاهرة بعينيها ليستطرد يحيى قائلا بشرود:
أنا هحكيلك حكاية صغيرة...

من زمان، عرفنا إن عمى إتجوز وجاب طفلة تانية غير راوية إسمها رحمة، وإنها جميلة ورقيقة زي البدر، بتشبه مامتها بالظبط، كان نفسنا نشوفها بس جدنا كان مانعنا، ولما هربت مامتها وباباها اتوفى، دخلت هي حياتنا، دخلتها بطلتها، بجمالها، بسحرها، بطيبتها وخفة دمها، دخلتها بروحها اللى جذبت الكل وخلتهم إما عاشقين لها أو غيرانين منها زي بشرى، للأسف حبها الإخوات التلاتة، وللأسف برده محدش فيهم صارح التانى بمشاعره، الكبير كان عاميه حبه عن إنه يشوف إن إخواته هما كمان حبوا حبيبته، أما الصغير ولإنه طايش ومجنون ومريض نفسى، قدر يتجوزها رغم حب أخوه الكبير ليها وحبها ليه، وبعدها إكتشف الأخ الكبير أن أخوه الوسطانى كمان بيحبها لما إعترفله بالحب ده في لحظة ضعف منه بعد جوازها من أخوهم الصغير، كانت صدمته كبيرة وهو شايف إخواته حبوها زي ما حبها هو بس اللى كان متأكد منه إنهم محبوهاش أده، وإنهم لو حبهم في يوم إنتهى من قلوبهم، حبه هو مش ممكن ينتهى وإنه محفور في جلده، فجأة الصغير عرف إنها مبتحبوش وده جننه، والأخ الوسطانى بدأ يفوق من وهمه قبل ما يتجنن هو كمان، لكن حب الأخ الكبير لرحمة هو الحاجة الحقيقية بس في حياتهم، واللى فضلت زي ما هي متغيرتش، والأكيد إنه هيفضل يحبها مهما طال بيهم العمر،.

نظرت إلى أصابعه التي تمسكت بأصابعها ثم نظرت إلى عيونه بعيون غشيتها الدموع قائلة بحنان:
الحمد لله إن ربنا جمعنا وفوق مراد يايحيى قبل ما يخسر كل حاجة زي هشام، أما أنا فهفضل أحبك لآخر نفس فية يايحيى.
إبتسم لها برقة، لتبتسم له بدورها ثم مالبثت أن إختفت إبتسامتها وهي تقول:
طب ومراد، إمتى هيحس بشروق يايحيى؟
قال يحيى بغموض:.

مراد خلاص بدأ يفوق من وهمه، معتقدش فاضل كتير ويحس بيها وبحبه هو كمان ليها، ولو محسش بيها، فأعتقد الحادثة دى هتفوقه بالكامل.
أومأت برأسها موافقة وعيونها على هذا الباب المغلق والذي تضم جنبات حجرته حبيبان مثلهما تماما، تنقصهما فقط، النهاية السعيدة.

نظرت شروق إلى ملامح مراد في عشق قائلة:
وحشتني أوي يامراد، وحشنى صوتك، وحشنى حضنك، قوم ياحبيبى بالسلامة ومش مهم ترجعلى، المهم تقوم وأشوفك أدامى زي زمان، ولو من بعيد حتى، قوم عشان خاطرى وخاطر إبنك وأخوك، قوم عشان خاطر كل اللى بيحبوك، متسيبناش كدة متعذبين في بعدك عننا، عشان خاطرى قوم، قوم يامراد.
إنهمرت دموعها، لتظل هكذا برهة من الوقت، حتى هدأت قليلا، لتنهض وتميل مقبلة وجنته بحنان ثم تعتدل قائلة:.

أنا همشى دلوقتى عشان معملش ليك مشاكل مع بشرى بس هجيلك تانى وهفضل أجيلك وأجيلك لحد ما أشوفك مفتح عيونك، لحد ما أشوفك مراد، حبيبى بتاع زمان.
لتنظر إليه تتأمله للمرة الأخيرة ثم تغادر الحجرة بخطوات بطيئة منكسرة، حزينة، لتجد يحيى و رحمة بالخارج، اقتربت منهم تمسح دموعها برقة ثم تقف أمامهما قائلة بحزن:
أنا همشى دلوقتى عشان بشرى، بس من فضلك يايحيى لو حصل أي حاجة بلغنى بيها علطول.

أومأ يحيى برأسه في هدوء قائلا:
متقلقيش ياشروق، هبلغك.
قالت شروق بإرتباك خجول:
أنا، يعنى، من بعد إذنك هجيله تانى، عارفة إنى بتعبك معايا بس غصب عنى يايحيى، عايزة أشوفه وأطمن عليه بنفسى.
إبتسم يحيى قائلا:
انا مقدر مشاعرك، ومتقلقيش إبقى كلمينى بس، ورحمة هتظبط كل حاجة.
أومأت برأسها بهدوء، ثم إلتفتت شروق إلى رحمة تتأملها قائلة بصوت ظهر به حزنها رغما عنها:
إنتى رحمة؟
أومأت رحمة برأسها قائلة:
أيوة.

تمالكت شروق نفسها وهي تقول:
كتر خيرك على اللى عملتيه معايا، يحيى قاللى إنك صاحبة فكرة الفحوصات اللى شروق لازم تعملها عشان لو إحتاجوا يعملوا عملية لمراد، متشكرة، متشكرة أوي.
أمسكت رحمة يد شروق قائلة بحنان:
دى حاجة بسيطة عشان أجمع إتنين بيحبوا بعض.
نظرت شروق إلى عيون رحمة التي ظهرت بهما روحها الطيبة لتدرك سر حب الجميع لها، حتى هي أحبتها على الفور، لتبتسم إبتسامة باهتة قائلة:.

ربنا يخليلك يحيى ويخليكى ليه.
نظرت رحمة إلى يحيى الذي بادلها نظرتها بعشق قائلة:
يارب.
إبتسمت شروق بحزن وهي ترى هذان العاشقان أمامها، لتتمنى لثوان فقط لو كانت هي ومراد مثلهما، لتخفض بصرها قائلة:
انا لازم أمشى ومتشكرة أوي على تعبكم معايا.
قال يحيى:
إستنى هوصلك.
إبتسمت قائلة:
مفيش داعى، نهاد صاحبتى مستنيانى برة، بعد إذنكم.

لتغادر تتبعها عيونهم، بينما كانت هناك عينان تابعت ما يحدث بشئ من الريبة، ربما لم تستطع سماع حديثهما من هذا المكان البعيد ولكن ما شاهدته لا يبشر بالخير أبدا، لترفع هاتفها قائلة:
مجدى، إنت لسة ممشتش صح؟
لتزفر براحة قائلة:
طيب فيه واحدة خارجة دلوقتى من المستشفى لابسة فستان أزرق وعينيها خضرا وشعرها كستنائى، إمشى وراها وإعرفلى كل حاجة عنها، مفهوم؟

لتغلق هاتفها وهي تنظر بحقد إلى هذان العاشقان اللذان جلسا مجددا إلى جوار بعضهما البعض يمسك يحيى بيدها وكأنه إن تركها ستهرب منه،
حمدت ربها ان مجدى قد جاء في اللحظة المناسبة ليطمأن عليها وأنها طلبت منه المغادرة حتى لا يراه يحيى، ولكنه لم يغادر بعد ليتبع الفتاة وتصل هي إلى ما يخفونه عنها، نعم ستصل بكل تأكيد، إلى الحقيقة.

إنتبه يحيى على صوت إضطراب تلك الأجهزة المتصلة بأخيه، لينظر من خلال النافذة الزجاجية بسرعة، ليلاحظ تحرك يد أخيه ويسرع بالدلوف للداخل تتبعه رحمة، ليقترب من سرير مراد يلاحظ سكون أخيه مجددا وعودة الأجهزة لمسارها الطبيعي، ليغمض عينيه بخيبة أمل فقد ظن أن أخاه قد أفاق من غيبوبته، ليفتحهما على صوت شروق التي قالت:
حصل حاجة يايحيى، مراد فاق؟
لاحظت رحمة تجاهلها الدائم لها لتتجاهلها بدورها بينما قال يحيى:.

للحظة حسيت إنه فاق، بس الظاهر إنى كنت غلطان.
أومأت بشرى برأسها، ثم قالت:
طيب، أنا هروح البيت آخد شاور وأغير هدومي، وأرتاح شوية،
لتنظر إلى رحمة وهي تستطرد قائلة:
المكان هنا بقى خنيق أوي، ومحتاجة بريك، مش هتأخر يايحيى.

كادت رحمة أن تموت غيظا من تلك التي تسمى بشرى، والتي تترك زوجها في غيبوبة وتعود للمنزل فقط كي تأخذ حماما وتبدل ملابسها ثم ترتاح قليلا، بينما هناك محلا للملابس أمام المستشفى قد تستطيع شراء شئ مناسب لها منه وهناك حجرة محجوزة لها بالمستشفى أيضا يمكنها أن تاخذ به حماما، ثم كيف تستطيع أن تنام وترتاح بينما زوجها يرقد على الفراش أسير غيبوبة لا تعرف هل سيفيق منها أم لا؟، لتهز رأسها بعدم رضا بينما قال لها يحيى ببرود:.

ماشى يابشرى، السواق تحت هيوديكى ويبقى يجيبك تانى.
أومأت برأسها بهدوء ثم إقتربت منه وسط دهشة رحمة قائلة:
مش عايز حاجة أجيبهالك وأنا جاية يايحيى؟
شعرت رحمة بالحنق من تلك المأفونة والتي بدأت رحمة تدرك نواياها الخبيثة، وما يضمره قلبها لزوجها، لتقول رحمة بغيظ:.

لأ ياحبيبتى متشكرين، جوزى لو عايز حاجة هيطلبها منى أنا وهجيبهاله أنا، هاتى إنتى لجوزك وإنتى جاية هدوم، ومتتأخريش، لإنه أكيد هيحب مراته تكون جنبه لما بإذن الله يفوق.

كاد يحيى أن يبتسم وهو يدرك غيرة زوجته الرائعة عليه ووقوفها تدافع عن حقها به بضراوة، ليكتم إبتسامته ولكنه شعر بداخله بالسعادة المطلقة وبعشقه الذي يشمل ذرات كيانه لتلك الجميلة زوجته، بينما نظرت بشرى إليها يأكلها الغيظ من تلميحاتها الغير مباشرة ولكنها مقصودة و بشدة، ليحمر وجهها غضبا، وكادت أن تتفوه بكلمات حانقة ولكنها كتمتها بدورها في اللحظة الأخيرة وهي ترسم إبتسامة باردة على وجهها قائلة:.

إن شاء الله ياحبيبتى،
لتنظر إليها من رأسها لأخمص قدمها قائلة بشفقة مزيفة:
طيب أجيبلك فستان معايا يارحمة، إنتى مغيرتيش من إنبارح، وبصراحة المنظر مش تمام ويأثر اكيد على سمعة عيلة الشناوي.
ليتدخل يحيى بالكلام قائلا بهدوء ولكن بنبرة خرجت تحذيرية وشديدة الصرامة:
مراتى مبيهماش المظاهر، والكلام الفارغ ده يابشرى،
لينظر إلى عيون رحمة قائلا بحنان:.

مراتى بتشرفنى أيا كان مظهرها، مظهرها اللى أنا شايفه دلوقتى كامل ومش محتاج أي حاجة،
رفعت رحمة حاجبيها تأثرا وقد غشيت عيونها الدموع، تشعر بقلبها يغرق في عشقه، فماذا هناك أكثر من الغرق في العشق؟هي حقا لا تدرى.

ليبتسم لها بحنان وهو يدرك أفكارها التي تظهر على ملامحها الشفافة، لتبادله إبتسامته بدورها، تتابعهما بشرى بقلب يشتعل حقدا، تشعر أنها تكاد ان تموت قهرا الآن، ليلتفت يحيى إلى بشرى وهو يضع يده على كتف رحمة يضمها إليه قائلا:
لكن طبعا لو حبت هبعت أجيبلها بدل الفستان عشرة بس معتقدش إن وضع أخويا دلوقتى يخلينا نفكر في حاجات تافهة زي دى.

إلى هنا ويكفيها ما لاقته من كلمات يحيى التي تحمل لها تقريعا غير مباشرا وتجريحا مقصودا، لتقول بملامح عجزت عن إخفاء الحقد بهم:
آااه، طيب، أنا ماشية، سلام.
لتبتعد بشرى بخطوات سريعة غاضبة، وتقول رحمة بدهشة:
هو فيه كدة، بشرى دى إيه، ياساتر، مراد مستحملها إزاي بس؟
قال يحيى بهدوء:
دى الحاجة الوحيدة اللى شفعتله عندى جوازه من شروق، بشرى بجد متتطاقش، وشروق مختلفة عنها خالص.
قالت رحمة:.

مفيش أصلا وجه مقارنة بينهم، دى حاجة ودى حاجة تانية خالص، أنا عن نفسى حبيت شروق وحسيتها بجد بتحب مراد، بس اللى مش قادرة أفهمه، ليه مخبى جوازه منها؟
نظر إليها بنظرة ذات مغزى لتفهم نظرته وهي تومئ برأسها قائلة في تقرير:
بشرى أكيد، صح؟
كاد أن يوافق على كلماتها حين إنتفض على صوت مراد وهو يقول بضعف:
يحيى.
إلتفت كل من يحيى ورحمة إلى مراد ليميل يحيى على مراد الذي كان مغلق العيون قائلا:.

مراد، إنت فقت بجد وبتكلمنى؟ولا أنا بتخيل؟
فتح مراد عيونه بوهن ونظر إليهم وهو يبتلع ريقه بضعف قائلا:
شروق يا يحيى، شروق كانت هنا، صح؟
أغشيت عيون رحمة بالدموع ويحيي يقول بسعادة:
حمد الله ع السلامة ياحبيبى، حمد الله ع السلامة يامراد.
إبتلع مراد ريقه قائلا:
الله يسلمك،
ليصمت لثانية ثم إستطرد قائلا:
شروق يايحيى، شروق كانت هنا، أنا متأكد؟صح؟
إبتسم يحيى قائلا:
ايوة يامراد، شروق كانت هنا،
زفر مراد بإرتياح قائلا:.

كنت عارف، قلبى حس بيها، سمعت كلامها، كانت حزينة،
إبتلع ريقه ثم إستطرد قائلا بضعف:
فضلت تنادى علية وقلبى لبى نداها، طلبت من ربنا أفوق حتى لو بعدت عنها، إزاي فكرت بس إنى ممكن أعيش من غيرها،
ليغمض عينيه مستطردا:
أكيد أنا السبب، انا اللى خليتها تفتكر إنها مش مهمة عندى، أنا السبب.
قالت رحمة بشفقة وقد فتح مراد عيناه لتظهر بهما الدموع:
إهدى يامراد، بالراحة، مش كدة؟
نظر مراد إليها ليتأملها لثانية قائلا في حزن:.

أنا آسف يارحمة،
ثم نظر إلى يحيى قائلا بندم نطقت به أحرفه وهو يقول:
أنا آسف يايحيى.
ليبدل نظراته بينهما وهو يستطرد قائلا:
أنا آسف بجد، آسف لو غلطت في حقكم من غير قصد،
ليصمت لثانية ثم يستطرد بألم:
كان نفسى أتأسفلها هي كمان، كان نفسى أقولها إنى غلطت في حقها كتير وسامحتنى أكتر، وإنى بحبها أوي، أوي يايحيى، بحبها أوي يارحمة، والحمد لله إنها منزلتش البيبى، كنت هموت لو حصلها أو حصل لإبنى حاجة يايحيى.

إتسعت عينا يحيى قائلا في صدمة:
هي شروق حامل؟
أومأ مراد برأسه قائلا بحزن:
أيوة حامل، وأنا بلسانى اللى كان يستاهل قطعه ده قلتلها تختار بينى وبينه، خيرتها مابينى وبين إنها تقتل إبنى يايحيى، أنا طلعت وحش أوي.
قال يحيى بشفقة:
غلطة وندمت عليها يامراد وهي اكيد سامحتك، اللى بيحب بيسامح، وهي إختارت متنزلش طفلك وده معناه إنها لسة بتحبك وإنها أصيلة يا مراد.
ليربت يحيى على يده مستطردا:.

بص، أنا عايزك تهدى يامراد، إهدى ومتفكرش في حاجة دلوقتى غير إنك تقوم بالسلامة، ولما تقوم بالسلامة اكيد هتقدر تصحح كل الغلطات اللى في حياتك، وهترجع مراد، اللى انا عارفه كويس وواثق فيه.
نظر مراد إلى يحيى بإمتنان ليبادله يحيى بنظرة ثابتة قوية حانية، قبل أن يقول:
أنا هروح أجيب الدكتور يطمنا عليك يامراد، مش هتأخر.
إبتعد مغادرا الحجرة بهدوء بينما أغلق مراد عيونه بوهن ليفتحهما مجددا حين قالت رحمة:.

شروق دى كنز يا مراد، ياريت تحافظ عليه.
أومأ مراد برأسه وقد ظهر بعيونه التصميم، يدرك أن شروقه بالفعل كنز كما قالت رحمة، كنزه الذي تركه يفلت من يده، وهو ينوى إسترجاعه والحفاظ عليه، بكل قوته.

نظرت رحمة إلى بشرى الجالسة بجوار مراد تتظاهر باللهفة عليه، من خلال النافذة الزجاجية، لتشعر بالحنق، زفرت ببطئ، ثم ربتت على يد يحيى قائلة بهمس:
يحيى.
نظر إليها بإستفهام، لتقول مستطردة:
مراد بقى كويس الحمد لله فأنا هروح البيت، أجيبلنا شوية حاجات من هناك.
قال يحيى وهو يهمس بدوره:
كل الموضوع ليلة واحدة كمان يارحمة وهنروح بكرة.
أطرقت برأسها قائلة بحزن:.

بصراحة هاشم وحشنى أوي وعايزة أشوفه يا يحيى، وأطمن عليه.
تأملها يحيى بحنان قائلا:
طيب، يلا هوصلك تشوفيه وتجيبى الحاجات اللى إنتى عايزاها ونرجع تانى.
نظرت إليه بدهشة قائلة:
مش مستاهلة تيجى معايا يايحيى، السواق هيوصلنى ويرجعنى علطول.
تأمل ملامحها الجميلة الرقيقة وهو يقول بشغف:
مش هقولك هاشم كمان وحشنى وعايز أشوفه، لأ، كمان مش هقدر أسيبك تغيبى عن عينى الشوية دول.

دق قلب رحمة فرحا لكلماته التي حملتها إلى أعناق السماء، فمنذ إعترافه لها بعشقه وهو يغمرها به، حتى كاد قلبها ان ينسى كل مامر به من عذاب، لتنظر إلى ملامحه التي تعشقها وهي تقول بحنان:
على فكرة أنا قلبى مش حمل كل الحب ده يا يحيى، خايفة أصدقه وأعيش جواه وبعدين...
رفع إصبعه يضعها على شفتيها الجميلتين ناظرا إلى عينيها بعشق قائلا:.

مفيش بعدين، صدقيه وعيشى جواه ووعد منى مش هتندمى على إنك سيبتى نفسك تعيشى الحب اللى اتحرمنا منه سنين.
إبتسمت لتتحرك شفتيها تحت أصابعه وتغيم عيناه وهو ينظر إليها لتتجمد بدورها ثم تنتفض على صوت بشرى التي خرجت من الغرفة فجأة قائلة بحنق:
الحاجات دى ليها أوض مقفولة تتعمل فيها يايحيى.
جز يحيى على أسنانه وظهرت بعيونه القسوة وهو يلتفت إليها قائلا ببرود صقيعي:
تصدقى إنتى معاكى حق، يلا، سلام يابشرى.

ثم أخذ بيد رحمة متجها إلى الخارج وسط صدمة بشرى التي نظرت في إثرهما بدهشة تحولت لغضب شديد وهي تقول بغل:
ماشى يايحيى بتغيظنى، طب وحياتك عندى لأحسرك على العقربة اللى انت فرحان بيها أوي دى، أصبرى علية يابنت بهيرة.

لتتجه بخطوات غاضبة بإتجاه حجرة مراد مجددا وهي تتساءل بغيظ، لماذا لم يمت في هذا الحادث ولماذا إستفاق من الغيبوبة، هل هو حظها العاثر أم أنه القدر والذي يعاندها دائما، لتقسم في نفسها أنها ستغير هذا الحظ وستتحدى القدر حتى، فقط لكي تصل إلى مأربها، تصل إلى يحيى.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كان يحيى ينظر بحنان إلى هاشم القابع في أحضان رحمة نائما بعمق، ليتخيل أن هذا هو طفله منها هي ويمتلئ قلبه بالعشق لكليهما، فهما دنياه وإسعادهما هو الشئ الذي يعيش من أجله، ليتمنى من كل قلبه لو رزقه الله طفلا آخر، منها هي، لتكتمل سعادته.

قرأتها على ملامحه الشفافة وشعرت بكيانها كله يرتعش حزنا، لتنهض وتضع هاشم في سريره وهي تقبله بحنان، سقطت من عينيها دمعة على وجنة الصبي مسحتها برقة، لمحها يحيى ليإن قلبه وجعا، وينهض بدوره متجها إليها ليقف أمامها تماما يشعر بالحيرة لمرأى تلك الدمعة، أطرقت برأسها في ألم، فمد يحيى يده ورفع ذقنها إليه ليرى عيونها، تلك العيون الدخانية الرائعة و التي لا يرى الآن لونهما المختفى حول بحيرة راكضة من الدموع، سكنت عيونها وأبت أن تجرى على وجنتيها، سألها يحيى بقلب واجف قائلا:.

ليه الدموع دى يارحمة؟
سالت تلك الدموع على وجنتيها بالفعل، كنهرين جاريين، لتهرب من أمامه، تاركة إياه وسط خوف تملكه من سبب بكائها، ليتبعها حتى حجرتهما ويدلفها خلفها، وجدها مستلقية على السرير، تخفى وجهها فيه، يهتز جسدها بضعف ليسرع إليها ويجذبها، يأخذها بين أحضانه يضمها بقوة وهو يقول بلهفة تمتزج بالقلق:.

طمنينى عليكى يارحمة، عشان خاطرى، متسيبينيش بالشكل ده، دماغى بتودى وتجيب، وقلبى بيترعب من السبب اللى مخليكى بتعيطى بالشكل ده.
ضمته بدورها بقوة قائلة بمرارة:
ضمنى كمان يايحيى، حسسني إنك مش ممكن تسيبنى، وإنك هتفضل جنبى طول العمر، طمني إن مفيش حاجة ممكن تفرقنا عن بعض.

ضمها إليه بشدة، يود لو أسكنها ضلوعه، يتساءل بحيرة عن سبب خوفها من الفراق وهو يؤكد لها في كل لحظة عشقه الأبدي، لتخرج هي من أحضانه، وتضم وجهه بين يديها قائلة بهمس مرير:
إنت أغلى حاجة في دنيتى يايحيى، إنت حبيبى وجوزى وكل ما لية، بس تعرف أكتر حاجة الست ممكن تتمناها لما تتجوز حبيبها هي إيه؟
تأمل المرارة على وجهها ليدرك قلبه مابها، ويتألم فقط لألمها الذي عبرت عنه في حروفها وهي تقول:.

أكتر حاجة الست بتتمناها هي طفل يكون جزء منها ومن حبيبها، حتة منه زي هاشم بالظبط، بس للأسف الأمنية دى مستحيلة بالنسبة لى، تعرف ليه؟
لم ينطق بحرف بينما إستطردت هي بألم قائلة:
لإنى مبخلفش يايحيى،
لتترك يديها تسقط بجوارها وهي تردد بمرارة:
مبخلفش.
رفع يده إليها يمسك يديها بين يديه على الفور، قائلا بحنان:.

وهاشم ده إيه؟ها، مش إبنى، حتة منى، قلبك ده مبيحسش إنه كمان حتة منك، يبقى ليه نضايق وربنا أكرمنا بيه، هاشم إبنى وإبنك يارحمة، إبننا.
نظرت إليه بعيون غشيتها الدموع وهي تقول:
يعنى إنت مش زعلان إنى مبخلفش يايحيى؟
نظر إليها يحيى قائلا بحنان:.

أنا كفاية علية إنتى يارحمة، الأطفال ده رزق من عند ربنا زي ما الحب رزق، وأي نعمة ربنا يديهالى، أنا راضى بيها، وهشكره دايما عليها، ربنا رزقنى حبك ورزقنى هاشم، مش معقول أكون طماع ومشوفش النعم اللى إديهالى وأبص بس للى ناقصنى.
سالت دموعها وهي تقول بعشق:
إنت مفيش منك يايحيى.
مد يده يمسح دموعها بيديه قائلا بعشق:
أنا بحبك، بحبك وبس يارحمة.

نظرت إليه نظرة طويلة حملت إليه كل مشاعرها ليبادلها نظرتها بنظرة مماثلة، ليقتربا سويا في قبلة حملت مشاعرهم، قبلة سحبت أنفاسهم كلية، أذابتهم، ليبتعد يحيى عن شفاه رحمة لثوان تاركا لها الفرصة لكي تستعيد أنفاسها ليجتاحها مجددا بقبلاته التي بادلته إياها بعشق، لتمر أيدى كل منهما على جسد الآخر وكأنهما يتأكدان من أنهما موجودان بين ذراعي بعضهما البعض، وبلمساتهما يثيران في كل منهما مشاعر عاتية، وكأنهما يؤكدان على قوة المشاعر التي تجمعهما، تحاول رحمة أن تقاوم تلك المشاعر التي تكاد أن تفجر قلبها من قوتها، حتى فتح يحيى سحاب فستانها ليسقط الفستان أرضا وتسقط معه آخر ذرة مقاومة لديها.

عقدت بشرى حاجبيها بشدة وهي تقول:
يعنى هي كانت شغالة مع مراد وبعدين سابت الشغل من سنتين، ومحدش عرف عنها حاجة لحد ما جت من فترة بسيطة وقعدت عند صاحبتها من تانى، صح؟
قال مجدى:.

أيوة يابشرى، دى كل حاجة قدرت أعرفها عنها، البواب قال إنها جت عاشت مع صاحبتها فترة وإنها بتشتغل في شركة الشناوي لغاية فجأة ماإختفت ورجعت ظهرت من كام يوم، ولما سألت في شركة الشناوي قالولى إنها كانت سكرتيرة مراد وفجأة سابت الشغل ومراد عين واحدة تانية بدالها.
أطرقت بشرى برأسها تفكر، ليطول صمتها ويقول مجدى في قلق:
بشرى، روحتى فين، ألووو؟
إنتبهت بشرى من أفكارها لتعدل وضع سماعة هاتفها وهي تقول:.

معاك يامجدى، بس بفكر شوية، طب قوللى، صاحبتها دى ساكنة فين؟
أملاها مجدى العنوان لتتذكر أنه نفس العنوان الذي حمله هاتف مراد في آخر رسالة نصية وصلته قبل الحادث لتعقد حاجبيها بشدة وهي تقول بهمس:
كدة الموضوع ميطمنش خالص.
قال مجدى بحيرة:
موضوع إيه اللى ميطمنش؟
إنتبهت بشرى له مجددا لتقول:
ها، لا، مفيش حاجة، سلام دلوقتى يامجدى وهكلمك بعدين.
إنتفضت على صوت مراد وهو يقول:
مجدى ده مين يابشرى؟

شعرت بالإضطراب والخوف وهي تلتفت إليه تتساءل إلى أي مدى إستمع إلى محادثتها، لتطمأنها ملامحه الهادئة وتقول بإهتمام مصطنع:
إنت إيه بس اللى قومك من السرير، إنت لسة تعبان والدكتور قال إن لازملك راحة عشان تتعافى من الحادثة.
قال مراد بهدوء:
أنا بقيت كويس، مقلتليش، مجدى ده يبقى مين؟
قالت بشرى بإرتباك:
ده، ده يبقى صاحب البيوتى سنتر اللى بروحله دايما، كنت عاملة حجز هناك ولما مروحتش إتصل بية.

عقد مراد حاجبيه قائلا:
وهو متعود يتصل بالعملا اللى عنده كلهم.
إبتلعت بشرى ريقها وهي تقول:
لأ طبعا مش كلهم، العملا الدايمين بس.
زفر مراد وهو يجلس على مقعد قائلا:
طيب، روحى شوفيلى الدكتور يابشرى، أنا زهقت من المستشفى دى وعايز أمشى من هنا حالا،
قالت بشرى:
متأكد يا مراد؟
قال مراد بضيق:
طبعا متأكد، ما إنتى عارفة إنى مبحبش المستشفيات، ومبطيقش اقعد فيها، ده غير إن ورايا مشوار مينفعش يتأجل.
عقدت حاجبيها قائلة:.

مشوار إيه ده بس دلوقتى؟
نظر إليها مراد قائلا في برود:
بيزنس والعميل هيسافر ولازم ألحقه،
قالت بشرى:
إنت بتهزر يامراد؟، تخرج من المستشفى على ميتنج، ما تخلي يحيى يحضره، ولا هو لازق للهانم بتاعته ومش قادر يسيبها؟
قال مراد بصرامة:
بشرى، بقولك إيه بلاش شغل الأطفال ده، الميتنج محدش يعرف تفاصيله غيرى، ويحيي كان هيكنسل المشروع كله، عشان وضعي بس أنا اللى أصريت أكمله للآخر، وهروح الميتنج بنفسي.

قالت بشرى بنبرات تملؤها الشك:
طيب آجى معاك؟
قال مراد بضيق:
هتيجى معايا فين بس، انا هجتمع مع الراجل لوحدنا، آخدك بقى معايا وأقوله سورى، معلش جايب مراتى معايا، عشان أنا طفل صغير ومش هعرف آجى لوحدى؟
قالت بشرى في برود:
لأ ميصحش طبعا، عموما براحتك، عايز تروح لوحدك روح، أنا مش همنعك، بس كلم يحيى وقوله، عشان ميطلعش فية أنا علشان سيبتك تروح لوحدك.
نظر إليها مراد في سخرية قائلا:.

كل اللى يهمك رأي يحيى عنك، حاضر يابشرى هكلمه، روحى انتى بقى هاتيلى الدكتور خلينى أمشى من المكان ده.
زفرت بضيق وهي تقول:
حاضر، حاضر.
لتبتعد مغادرة في خطوات غاضبة يتابعها مراد بعينيه قائلا بحزن:
مفيش فايدة.
ليشرد بخياله في هذا العمل الذي لابد وأن يقوم به، حتى يصحح خطأه مع التي سرقت قلبه دون أن يدرى وتركته هائما في عشقها، تائها دونها، يبحث عن مرفأها، ولن يرتاح، حتى يجده.

كانت رحمة، تستند برأسها على صدر يحيى العاري، تمرر يدها صعودا وهبوطا عليه، بينما هو مستسلم تماما للمساتها يمرر يده بين خصلات شعرها الناعمة، لتتوقف رحمة بيدها عند قلبه متسارع الدقات، تستكين يدها عليه، لتقول بهمس:
قلبك ده قلبى على فكرة، دقاته هي دقاتى، لما بسمعها بطمن أوي يايحيى.

أمسك بيدها يسحبها إليه لتصبح مشرفة عليه، تتأمل عيونه العسلية وهو يرفع يديه يمررها على وجنتها بحنان قبل ان ينظر إلى عينيها قائلا:.

وعيونك دول مرايتى السحرية، دايما لما ببص فيهم بشوف نفسى فرحان، وبحس إن الدنيا كلها فرحانة معايا، حتى لما كنت بغضب أو أضايق، كنت أبص جوة عيونك أشوف صورتى، أحس إنى جزء منك، جوة تكوينك، برتاح، برتاح أوي يارحمة وأنا حاسس بكدة، وزي ما هم مرايتى واللى بشوف فيهم نفسى جواكى، وزي ما بيسعدونى، كمان بيعرفونى كل أسرارك، عيونك شفافة بتعكس روحك، بتوصلى كل مشاعر وكل حاجة ممكن تكونى مخبياها عنى، عيونك دول حبايبى.

كاد قلبها الآن ان ينفجر عشقا لهذا الرجل، لتبتسم بعشق قائلة:
وإنت حبيبهم يايحيى.
إقترب يحيى بوجهه منها يكاد ان يلثم شفتيها الكرزيتين، لتبتعد قائلة بمشاكسة:
بس قوللى عيونى بس اللى حبايبك.
ليعدل وضعها في ثوانى وتصبح هي بالأسفل وهو مشرف عليها ليقبل عيونها قائلا بهمس:
عيونك حبايبى.
ثم قبل وجنتها هامسا:
وخدودك.
ليقبل شفتيها هامسا بعشق:
وشفايفك.

ثم قبل عنقها قبلات بطيئة قائلا بنبرات أصبحت ثقيلة من رغبته بها و التي أطاحت بعقله:
أنا بحبك كلك على بعضك يارحمة.
لتمد يدها ترفع وجهه بيديها تقرب شفتيها من شفتيه تقبله هي وقد بلغ عشقها له أبعد الحدود، ليبادلها قبلاتها ثم يقود هو علاقتهما فرحا بمشاعرها التي ظهرت في كل لمساتها وهمساتها التي قالت له، أحبك، أعشقك ياتوأم الروح.

قال مراد بحزم:
كان لازم أمشى من المستشفى يايحيى، كان لازم أشوفها وأعتذرلها وأرجعها بيتها.
قال يحيى بقلق:
طب كنت إستنى الليلة دى على الأقل يامراد عشان نكون مطمنين عليك.
زفر مراد قائلا:
قلتلك مكنتش هقدر يايحيى، عموما، أنا مش هتأخر.
تنهد يحيى قائلا:
طب إنت فين دلوقتى؟
نظر مراد إلى تلك البناية القديمة من خلال نافذة تلك السيارة التي أجرها خصيصا لتوصله إلى حبيبته قائلا:.

أنا أدام بيت نهاد، متقلقش يايحيى، هصالحها وهرجع علطول.
قال يحيى:
وبشرى قلتلها إيه؟
قال مراد:
قلتلها إجتماع مهم مينفعش يتأجل، وخليتها تسبقنى على البيت.
قال يحيى بضيق:
إنت برده هتروح على شقة المعادى؟
قال مراد بهدوء:
أيوة يايحيى.
قال يحيى:
يعنى مش ناوى ترجع بيت الشناوي يامراد؟
تنهد مراد قائلا:
إنت عارف إنى لو رجعت، هترجع المشاكل بين بشرى ورحمة، أنا لو علية عايز أرجع من الصبح بس مع شروق مش مع بشرى يايحيى.

قال يحيى بثبات:
طب ما تطلق بشرى يامراد وتعيش مع شروق أدام الكل، مش في الضلمة زي زمان.
زفر مراد قائلا:
كان نفسى يايحيى بس مش هينفع، فيه حاجات كتير تمنعنى أطلق بشرى وإنت عارف، لو كنت إنت مكانى مكنتش هتطلقها، صح؟
صمت يحيى كان إجابة واضحة لكونه على حق فلكي يطلق بشرى يحتاج إلى سبب قوي، حتى لا يلومه أحدا من العائلة أو يغضبون عليه، ليستطرد مراد قائلا:.

أما بالنسبة لشروق فأكيد هتكون علاقتنا في النور، لو مكنش عشان حبى ليها واللى خلانى شفت أد إيه أنا قصرت في حقوقها علية، فعشان خاطر طفلى اللى جاي، بس صدقنى محتاج أفكر كويس أوي عشان أظبط أمورى وأقدر أعمل كده.
قال يحيى بهدوء:
ماشى يامراد، أنا معاك وفى ضهرك، ولو إحتجتنى هتلاقينى جنبك.
إبتسم مراد قائلا:
ده العشم يايحيى، ربنا يخليك لينا.
إبتسم يحيى قائلا:
ويخليكوا لية يامراد.

كان يحيى ينظر في تلك اللحظة لرحمة التي إبتسمت بدورها وهي ترسل له قبلة هوائية إتسعت على أثرها إبتسامته ليعود ويركز في الطريق عندما قال له مراد:
مفيش داعى بقى ترجع البيت يايحيى، مدام خرجت إنت ورحمة وكنتوا جايينلى المستشفى، أقولك، خدها حتة هادية وعشيها عشا رومانسى كدة، شموع وحركات، كفاية بقى الكآبة اللى عاشت فيها اليومين اللى فاتوا دول، غيرلها جو ياكبير.
قال يحيى بمزاح ساخر:.

ماشى ياخفيف، ركز إنت بس في اللى عندك وسيبك منى.
إبتسم مراد قائلا:
مركز، متقلقش، سلام.
أغلق يحيى الهاتف وهو ينظر إلى رحمة قائلا:
إيه رأيك؟ مادام أخويا خرج من المستشفى وإحنا مش رايحين على هناك، ومادام إحنا في العربية وخرجنا خلاص، نروح مكان هادى نتعشى فيه؟
إبتسمت في سعادة وهي تصفق بيدها قائلة:
وهنرقص؟
إبتسم على طفوليتها وهو يومئ برأسه قائلا:
وهنرقص.
لتندفع مقبلة إياه في وجنته ثم قالت في سعادة:
موافقة طبعا.

إبتسم قائلا:
طب ماتدينى بوسة كمان وأنا أوديكى الملاهي يارحمة.
إتسعت عينا رحمة بفرحة قائلة:
بجد؟
تعالت ضحكات يحيى لتنظر إليه رحمة مشدوهة من وسامته الطاغية حين يبتسم فما بالها حين يضحك وتعلو ضحكاته، حينها حقا يذوب قلبها عشقا، توقف عن الضحك وهو ينظر إلي نظراتها المتيمة به مبتسما بحنان وهو يقول:
بحب طفلة بجد،
عقدت حاجبيها لتنفرج أساريرها حين أمسك يدها يقربها من فمه ويقبلها بنعومة، وهو يستطرد قائلا:.

بس أجمل طفلة خلقها ربنا، طفلتى أنا.
لتتمسك بيده التي تمسك بيدها وهي تحمد ربها أن هذا الرجل الرائع هو زوجها هي، ملكها هي، ومالكها.

ترجل مراد من السيارة متجها إلى تلك البناية التي لم يزرها لأعوام مضت، توجس قلبه خيفة من أن ترده خائبا، ولكنه عزم أمره، لن يتوانى عن طلب الغفران ولن يستسلم حتى تغفر له وتسامحه، ليظهر بعينيه التصميم قبل أن يدلف إلي الداخل غافلا عن عيون إتقدت شرارتها، وصاحبتها تنظر إليه من خلال زجاج سيارتها، لتحمل هاتفها وتتصل بهذا الرقم الأخير على سجل مكالماتها قائلة:
زي ما توقعت يامجدى، الباشا راحلها البيت.

قال مجدى:
وده معناه إيه يابشرى؟
قالت في غضب:
اللى أنا شايفاه أدامى ملوش عندى غير معنى واحد، إن مراد بيلعب بديله، ولو إتأكدت من الكلام ده، هيبقى ياويله منى، مش بشرى اللى جوزها يعرف واحدة عليها أبدا، دى تمحيه وتمحيها من على وش الأرض.
قال مجدى بهدوء:
طيب إهدى يابشرى، إنتى فين دلوقتى؟
زفرت بشرى قائلة بحدة:
أدام العنوان اللى إنت إديتهولى.
قال بحزم:
طيب أنا جايلك حالا، إستنينى.

ليغلق الهاتف بينما تعلقت عيون بشرى بتلك البناية تتوعد كل من مراد وتلك الفتاة البسيطة شكلا وملبسا، بنيران ستحرقهما إن تأكدت فقط من خيانة زوجها لها، نعم فقط ستنتظر، لتتأكد.

نظرت شروق إلى نهاد التي تنظر إلى هاتفها الذي رن مجددا بمشاعر مختلطة ظهرت جميعها على وجهها، لتدرك هوية المتصل وتشفق على حاله وحال صديقتها، توقف رنين الهاتف لتقول شروق بحزن:
برده مش هتردى عليه يانهاد.
تجمعت الدموع فجأة في عيني نهاد وهي تقول بأسى:.

أعمل إيه بس؟، أرد عليه وأقوله إيه؟، إنى لسة عند رأيي، إنى مش موافقة أربط حياته بحياة واحدة زيي، تعبت أجرحه وتعبت أشوف خيبة أمله جوة عيونه وصوته، حقيقى تعبت.
لتنساب دموعها على خديها، ربتت شروق على يديها قائلة بحزم:.

هقولك كلامى ده لآخر مرة يانهاد، إنتى اللى تاعبة نفسك ومعذبة قلبك وقلبه على الفاضى بأوهام جوة دماغك إنتى وبس، حبه ليكى واضح وقوى زي حبك تمام، والحب اللى بالشكل ده مفيش عقبة في الدنيا ممكن تقف في طريقه، حبكم هيعدى كل حاجة ممكن تفرقكم، إسمعى كلامى وآمنى بقوة حبكم وإديلوا فرصة، صدقينى مش هتندمى.
رفعت نهاد إليها عيون تملؤها الحيرة وهي تقول:
طب ليه إنتى مآمنتيش بكدة ياشروق، ليه بتتخلى عن مراد؟

قالت شروق بنبرات رغما عنها خرجت متهدجة حزنا:
أنا ومراد وضعنا مختلف زي ما قلتلك، أنا صحيح بحبه بس هو محبنيش، وعشان كدة، حلقة جوازنا كانت ضعيفة وأقل حاجة قابلتنا كسرتها، لو كان بس بيحبنى نص الحب اللى حبتهوله، صدقينى أنا كنت إتحديت الدنيا عشان أفضل معاه.
رن الهاتف مجددا لتنظر إليه نهاد بتردد، لتقول شروق بإستنكار:.

إنتى لسة هتفكرى؟، ردى على التليفون يانهاد، ياهرد أنا وأقوله إنساها يارأفت، نهاد حبها أضعف من حبك، روح دورلك ياابنى على واحدة تستاهلك.
نظرت لها نهاد وقد ظهر التصميم على وجهها، لتمسك هاتفها تجيبه قائلة:
ألوو، أيوة يارأفت، ثوانى وهكون معاك.
لتنهض وهي تضع يدها على سماعة هاتفها تكتمها قائلة بهمس:
أنا قلتلك قبل كدة إنى بحبك ياشروق.
إبتسمت شروق قائلة:
قوليله هو.
قالت نهاد في حيرة:
أقوله إنى بحبك إنتى.

جزت شروق على أسنانها قائلة بغيظ:
إمشى يانهاد من وشى، هتعليلى ضغطى والضغط العالى غلط على الحمل.

لتبتعد نهاد ضاحكة وتدلف إلى الحجرة ولكن قبل أن تغلقها بعثت قبلة هوائية لشروق التي إبتسمت لها ثم ردتها إليها، لتغلق نهاد باب الحجرة في نفس الوقت الذي رن فيه جرس الباب، لتنظر شروق إلى باب الحجرة المغلق ثم تبتسم وهي تنهض لتفتح باب الشقة، لتتسع عينيها بشدة حين رأت زائرهم وأدركت هويته، فعلى الباب وقف من رؤيته قد خطفت أنفاسها يتأملها بنظرة عجزت عن تصديقها، نظرة جعلتها تقف عاجزة عن النطق، يدق قلبها كالطبول بين أضلعها، ليبتسم هو قائلا:.

إيه ياشروق، هتسيبيتى واقف كدة على الباب، مش هتقوليلى إتفضل؟
لتجد صوتها أخيرا وتهمس به قائلة:
مراد...

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

إبتسم مراد قائلا:
لأ خياله، طبعا ياستى مراد، أدخل بقى ولا أفضل واقف كدة؟، على فكرة، منظرى وحش أوي ياشوشو.

إنه حقا مراد، أمامها معافى، لقد أفاق من غيبوبته، ويقف ببابها يمزح معها، هي حقا لا تتخيل، لقد إستجاب الله لدعائها وأعاده إليها سالما، أحست بالدوار وبأن الكون يدور من حولها، شعر مراد بالقلق وهو يرى شحوب وجهها وترنحها ليسرع بإسنادها، لتستند عليه بالفعل، ثم يدلف بها إلى داخل الشقة ويجلسها على أقرب مقعد ويجلس على ركبتيه أمامها، يدلك يديها بين يديه قائلا في قلق:
شروق إنتى كويسة ياحبيبتى؟

إنتشلتها كلماته من ذلك الدوار الذي أصابها لترفع إليه عينان إتسعتا بشدة، لا يدرى دهشة أم إعتقادا منها بأنها تحلم؟لتعبر كلماتها عن مقصدها وهي تقول بعدم تصديق:
إنت قلت إيه؟
أدرك مقصدها على الفور، لينظر إلى عينيها بعشق، نعم بعشق، تراه بوضوح الآن، لاتصدق عينيها، تتساءل بلهفة، هل يحمل لها مراد بعض المشاعر؟هل ما تراه الآن حقيقيا؟هل أثرت تلك الغيبوبة على عقله؟أم ماذا؟
ليبتسم هو قائلا:.

قلت حبيبتى، حبيبتى ياشروق.
تأملت عيونه البنية بعيون عشبية يملؤها الأمل، عيون ترجوا بكل قوة أن لا يخيب رجاءها، وهي تقول:
دى أول مرة من يوم ما إتجوزنا تقولهالى يامراد.
رفع يدها إلى شفتيه يقبلها بنعومة قائلا:
ومش هتكون آخر مرة، لإنك مش بس حبيبتى إنت روحى كمان ياشروق.
رفعت شروق يدها الحرة تضعها على خافقها متسارع النبضات وهي تقول:.

بالراحة علية يامراد، مش أبقى عايشة في جفاف السنين دى كلها وفجأة ألاقينى غرقانة في سيل، ده حتى مش كويس على نفسيتى.
تعالت ضحكاته لتنظر إليه شروق بوله حتى توقف عن الضحك وهو يقول بإبتسامة:
أنا قلتلك قبل كدة إن دمك شربات ياشروق.
هزت رأسها نفيا في عدم إستيعاب لكل تلك الكلمات التي حلمت فقط بسماع بعضا منها ولكن ها هي اليوم تسمع الكثير والكثير، ترى هل من مزيد؟
ليميل مراد عليها قائلا بعشق:.

إزاي مكنتش شايف قبل كدة، أد إيه أنا بحبك ياشروق؟
إلى هنا وكفى، لقد قالها صريحة، لو ماتت الآن ستموت سعيدة بعد سماعها لكلمات الحب من بين شفتيه، لتقول بلهفة:
بجد بتحبنى يامراد؟، أنا مش قادرة أصدق.
رفع يده يمررها على وجنتها قائلا بحنان:
لأ صدقى، أنا حبيتك من زمان، يمكن من أول ما عرفتك ياشروق، حبيت طيبتك وخفة دمك وجدعنتك ورقتك، حبيت فيكى كل حاجة ورغم كدة محستش بحبك ده، تعرفى ليه؟

نظرت إلى عيونه قائلة بهمس مرير:
عشان بتحب رحمة.
عقد حاجبيه بدهشة من الصدمة ثم مالبث أن قال:
إنتى كنتى عارفة؟

أومأت برأسها وهي تطرق برأسها في حزن، ليرفع بيده ذقنها وتقابله عيناها المغشيتان بالدموع، ليقول بألم من أدرك أنه عذبها كثيرا، في البداية بزواجه بها سرا و بنكرانه مشاعره تجاهها ثم بماضيه ووهم عشقه الدائم لرحمة، وفى النهاية بطلبه المشين بقتل طفلهما، ليرفع يده يمسح بها دموعها التي سالت على وجنتها قائلا بحزن:.

هتصدقينى لو قلتلك إن حب رحمة مات في قلبى يوم ما شفتك، وإنى حبيتك من الأول بس كنت فاهم إنى بحب فيكى رحمة لإنك بتشبهيها أوي، روحك، طيبتك، حنانك، مكنتش شايف إنى حبيتك إنتى مش هي، حبيت حتى إختلافك عنها.
نظرت إلى عيونه بأمل ليومئ برأسه قائلا:.

أيوة إنتى مختلفة عنها، يمكن آخدة نفس الروح، بس ليكى سحر بيخصك لوحدك، تعرفى ياشروق، إنتى الوحيدة اللى مجرد وجودها جنبى بيريحنى، بحس معاكى بمزيج غريب من المشاعر، وكأنك كل حاجة بالنسبة لى، كل ست ممكن أقابلها في حياتى ويكون ليها تأثير علية، بحس معاكى بحنية الأم وسند الأخت وعشق الحبيبة وسكن الزوجة، بدخل بيتك تعبان وشايل هموم الدنيا بخرج منه واحد تانى، وكأنى مشلتش في الدنيا دى هم، أنا معاكى مش ببقى واحد تانى، لأ، أنا معاكى بكون أنا، على طبيعتى، لا بحاول أجمل من طبعى ولا أخفى أي حاجة عنك، إنتى بالنسبة لى نفسى ياشروق.

رفعت يدها تضعها على فمه قائلة بقلب تكاد تقف دقاته من الفرحة:
أبوس إيدك كفاية، قلتلك قلبى مش حمل كلمة واحدة من الكلام اللى إنت بتقوله ده، أنا كنت بحلم بس تبصلى بحب، تقوم تبصلى وتقوللى كل الكلام الحلو ده في يوم واحد، كدة كتير على قلبى يامراد، كتير أوي.
قبل يدها بعشق وهو يقول:.

سلامة قلبك يا شروق، أعذرينى، غصب عنى، فجأة بعدتى عنى وفجأة لقيتنى مش قادر أعيش من غيرك، بدور عليكى زي المجنون، وقتها ظهرت الحقيقة أدامى، والحقيقة هي إنى بحبك ياشروق، بحبك أوي،
ليرفع يده ويضعها على بطنها قائلا بعشق:
الطفل اللى في بطنك ده كان السبب في إنى عرفت مشاعرى ناحيتك، وعشان كدة أنا بحبه، بحبه حتى من قبل ما أشوفه.
نظرت إليه بعتاب ليقول بسرعة:.

سامحينى لإنى فكرت في يوم إنك تنزليه، كان يتقطع لسانى...
وضعت يدها على فمه تصمته، قائلة في لهفة:
بعيد الشر عنك ياحبيبى.
قبل يدها مجددا لترفع يدها على إستحياء ويمسكها هو بين يديه قائلا:
يعني سامحتينى ياشروق؟
قالت شروق وهي تتأمل ملامحه بعشق:
سامحتك من أول ما شفتك يامراد، مجرد رجوعك لية بالسلامة، كان يخلينى أنسى كل اللى حصل وأفتكر بس إنى بحبك، بحبك يامراد.
قال مراد بإبتسامة:.

يعنى هترجعوا معايا؟وتنورولى البيت من تانى؟
أعجبها أن جمعها مع الطفل في سؤاله لتبتسم وهي تومئ برأسها موافقة لينهض وينهضها قائلا بسعادة:
يبقى يلا بينا.
قالت بإبتسامة:
أصبر يامجنون، نهاد بتتكلم في التليفون، هتخلص وأقولها ونمشى علطول.
إبتسم لها، لتبهت إبتسامتها قليلا ليقول بقلق:
مالك ياشروق؟
نظرت إليه شروق قائلة في حزن:
إبننا يامراد؟هيفضل كدة في الضلمة زي جوازتنا.

رفع يدها يقبلها ثم يقول وفى عينيه ظهر التصميم قائلا:
وعد منى قريب أوي، هتكونى إنتى وإبننا في حياتى بشكل رسمى، وفى النور ياشروق.
إرتسمت السعادة على ملامح شروق لتندفع وتحتضنه، ليضمها بدوره، يدرك أنه في سبيل تلك السعادة البادية على وجهها و في أفعالها، هو مستعد لبذل الغالى والرخيص، ومن أجل تحقيق وعده لها، سيفعل المستحيل.

كانت رحمة تجلس في مقابل يحيى على تلك الطاولة الخاصة بهذا المطعم الشهير، تتسلل إلى مسامعها تلك الموسيقى الحالمة فتغمرها بشعور رائع، وكأنها موسيقى من الجنة، حتى تلك الشموع المتناثرة هنا وهناك وقد خففت الإضاءة، منحت المكان جوا خياليا، نظرت رحمة حولها فلم تجد أحدا غيرهم بالمطعم، لتقول ليحيي بحيرة:
هو المطعم فاضي النهاردة ولا إيه؟

ترك يحيى ملعقته وتوقف عن الأكل وهو يهز رأسه نفيا بهدوء قائلا بإبتسامة:
لأ، أنا حجزت المكان كله مخصوص علشانك.
إتسعت عيونها بصدمة قائلة:
علشانى أنا؟طب إمتى بس؟
قال يحيى:
من شوية؟
قالت بدهشة:
وأصحاب المكان وافقوا كدة بسهولة؟
إبتسم بثقة قائلا:
ميقدروش يرفضوا لإن المطعم تابع لشركة الشناوي.
قالت ومازالت الدهشة تعلو ملامحها:
بجد؟، بس حجز المكان كتير أوي علية يايحيى.
إتسعت إبتسامته قائلا في حنان:.

مفيش حاجة تكتر عليكى، وبعدين، مش عايزة ترقصى، أهي فرصتك جتلك لحد عندك، ولا إنتى كنتى عايزة الناس تتفرج عليكى وإنتى بترقصى، مستحيل أسمح بكدة طبعا.
قالت بإستمتاع:
يعنى إنت حاجز المكان كله عشان نرقص مع بعض.
أومأ برأسه لتنهض قائلة بإبتسامة واسعة:
طيب وإحنا مستنيين إيه؟، يلا نرقص.

إبتسم على طفوليتها لينهض بدوره ويمسك يدها يتجه بها إلى حلبة الرقص، لترقص بين يديه على أغنيتها المفضلة لماجدة الرومى، (كلمات)، ليضمها إلى صدره يقربها منه أكثر لتستكين رأسها على صدره ليترك دقات قلبه تخبرها همساته، عشقه لأنفاسها، وتترك بدورها دقات قلبها تخبره همساتها، وأن مكانها هنا بين ذراعيه، تتسلل كلمات الأغنية إليهم لتحملهم إلى عالم خاص، إنه عالم العاشقين والذي لا يوجد بين جنباته سوى السعادة، السعادة الخالصة، ليستمعون لها ويتركونها تتغلغل داخل وجدانهم تهمس الرائعة ماجدة بما يجول بخاطر رحمة وما تشعر به في كل ذرة من كيانها.

، يسمعني حين يراقصني
كلمات ليست كالكلمات
يأخذني من تحت ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات
والمطر الأسود في عيني
يتساقط زخات زخات
يحملني معه يحملني
لمساء وردي الشرفات،
لمساء وردي الشرفات،.

كادت بشرى أن تفتح باب سيارتها وتهبط منها تجذب تلك الفتاة من شعرها وتبعدها عن يد زوجها التي يحيط بها خصرها، تتألق مشاعر السعادة في عيونهم وهما ينظران إلى بعضهما البعض، ولكن يد مجدى أمسكت بذراعها تمنعها من تحقيق ماتريد لتنظر إليه تتطاير شرارات الغضب من عينيها، ليقول لها بسرعة:
إهدى يابشرى ومتتسرعيش.
قالت بحدة:.

أهدى؟، أهدى إزاي بس؟إنت مش شايف اللى انا شايفاه؟الباشا بيخونى، لأ ومستناش لما جروحه تشفى عشان يشوفها، ده نزل من المستشفى علطول عليها، عارف ده معناه إيه؟
نظرت بحقد إلى مراد الذي وقف أمام السيارة يتحدث مع تلك الفتاة بحب تنطق به ملامحه، لتستطرد بشرى بغل قائلة:
معناه إنه بيحبها، بيحبها يامجدى.
قال مجدى بحنق:
وإنتى مضايقة إنه بيحبها ليه، ولا تكونى وقعتى في حبه يا بشرى من غير ماتحسى؟

نظرت إليه بإستنكار قائلة:
أحبه إيه بس؟
لتنظر مجددا إلى مراد الذي قبل يد شروق لتبتسم تلك الفتاة بحب قبل أن يفتح لها باب السيارة وتدلف هي إلى الداخل ويتجه هو إلى مكانه بالجهة الأخرى، لتستطرد بحقد قائلة:
المشكلة دلوقتى إنى حسيت إن العيب فية أنا وأنا اللى مبتحبش، مراد محبنيش وحب حتة البنت دى، اللى لا شكل ليها ولا حتى منظر، ولا ليها إستايل ولا أصل.

فكر مجدى بإستنكار، هذه الفتاة كل هذا، كيف؟، إنها رائعة الجمال وتبدو في منتهى الرقة ولولا أن قلبه يفيض حبا لبشرى لأعجب بها على الفور، ليفيق من أفكاره على صوت بشرى تقول بغل تسلل إليه نبرات الحزن وهي تقول:
حتى يحيى حب رحمة، طب ليه بس محبنيش؟
قال مجدى بغضب:
وإنتى كنتى عايزة يحيى يحبك يا بشرى؟
نظرت إليه قائلة بصوت مضطراب حاولت أن تتحكم فيه قدر الإمكان:.

مالك بس يامجدى؟، إنت نسيت خطتنا ولا إيه؟مش خطتنا كانت إنى أخليه زي الخاتم في صباعى عشان تبقى ثروة الشناوي في إيدينا.
نظر إليها مجدى لثوان في شك ولكنه ما لبث أن وأد شكه على الفور مقتنعا بكلماتها فبشرى تحبه وحده دون غيره، وتفعل كل ما تفعل لتحصل على ثروة عائلة الشناوي لتكون لهما سويا ويجتمعان في آخر الأمر، لينظر إلى الأمام وهو يلاحظ تحرك السيارة التي إستأجرها مراد ليقول بسرعة:.

طيب خليكى وراهم وبعدين نبقى نشوف موضوع يحيى.

قادت سيارتها على الفور وهي تلاحظ بدورها إنطلاق السيارة الأخرى لتظل وراءها على مسافة منها حتى لا يفطن إليها مراد ويكتشف مراقبتها له، ليسود الصمت بينهما لدقائق طويلة بدت كالساعات بالنسبة لبشرى، حتى توقفت السيارة أمام هذا المبنى الأنيق وترجل كل من مراد وتلك الفتاة من السيارة لتتوقف سيارة بشرى على مقربة منهم، تتابع صعودهم إلى ذلك المبنى بعيون إتقدت نارا، ووجه تحول من الغضب إلى وجه شيطاني كريه، ليقول مجدى بقلق:.

هتعملى إيه دلوقتى يابشرى؟
لتنظر إليه قائلة بكره شديد:
ينزل بس من عندها وهطلع فوق أفهم البنت دى، إن اللى ياخد حاجة من بشرى يبقى الموت مصيره يامجدى.
قال مجدى محاولا تهدئتها قائلا:
لو عايزاها تموت تبقى هتموت يابشرى، بس متوديش نفسك في داهية وإنتى بتنفذى إنتقامك.
عقدت حاجبيها قائلة:
قصدك إيه؟
قال مجدى بهدوء:.

قصدى خلى غيرك ينفذ وأقعدى إتفرجى من بعيد، المرة اللى فاتت نفدتى بأعجوبة وانتى بتقتلى رحمة، وأنا بصراحة خايف عليكى، إنتى إنتقامك عاميكى وهيغلطك، تفتكرى متعة إنك تموتيها بإيدك تستاهل حبل المشنقة اللى هيتلف حوالين رقابتك لو إتمسكتى؟
رفعت بشرى يدها دون وعي تتلمس رقبتها بخوف، لتنظر إليه وقد اقتنعت بكلامه كلية وهي تنظر إلى المبنى مرة أخيرة قبل ان تبتعد بسيارتها قائلة بحقد:.

معاك حق، أنا همشى دلوقتى بس حكايتها لسة مخلصتش معايا، ووقت حسابها جاي قريب...
لتلتمع عيونها بشر قائلة:
قريب أوي.

قال مراد بحنان:
محتاجة حاجة منى قبل ما أمشى ياشروق؟
قالت شروق:
عايزة سلامتك بس يامراد، وياريت تخلى بالك من نفسك.
إبتسم قائلا:
يعنى أفضل هنا دلوقتى، عشان أخلى بالى من نفسى؟
نظرت إليه في حيرة ليقول مستطردا بحب:
ما هو إنتى نفسى ياشروق.
إتسعت عينا شروق بدهشة قائلة:.

مراد، إيه الكلام الحلو ده كله، يعنى أقعد معاك سنتين مسمعش كلمة حب واحدة وفى يوم واحد أسمع الكلام ده كله، قلتلك غلط علية ياحبيبى، إرحم قلبى شوية.
نظر إليها بعشق وهو يمرر يده على وجنتها قائلا:
أنا آسف ياحبيبتى، آسف لو بخلت عليكى بكلام الحب، بس أنا متعودتش أقول الكلمة دى غير لو بجد حاسسها، وأنا آسف لو محستش بمشاعرى غير متأخر، بس الحمد لله إنى حسيت بيها قبل فوات الأوان، وقبل ما أخسرك،.

ليهبط بيده إلى بطنها يلمسها بحنان قائلا:
وأخسر طفلى.
إبتسمت قائلة:
أنا النهاردة أسعد واحدة في الدنيا يامراد، عشان رجعتلى واعترفتلى بحبك ياحبيبى.
إبتسم مراد قائلا:
وأنا أسعد واحد في الدنيا لإن دنيتى منورة بيكى ياشوشو.
أسرعت تحتضنه ليصدر منه أنة ألم لتبتعد على الفور وقد أدركت أنها إرتطمت بذراعه المجبور لتقول بجزع:
وجعتك؟
أغمض عينيه ليفتحهما مجددا وقد خلتا تماما من الألم قائلا:
إنتى عمرك ما وجعتينى ياشروق.

رفعت يدها إلى حيث رباط رأسه تتلمسه برقة قائلة:
ياريتنى كنت أنا...
قاطعها وهو يضمها إليه بقوة قائلا:
متقوليش كدة يا شروق، أنا روحى فداكى، وفدا خدش بس يصيبك أو يجرحك.
لتضمه بدورها وتغمض عينيها قائلة:
وأنا عمرى فداك وفدا روحك ياحبيبى، ربنا يخليك لية ومايحرمنيش منك.

ليدفن رأسه في تجويف عنقها يستمتع بدفئها، بقربها منه، بكلماتها التي تذيب قلبه عشقا لها، ليلوم نفسه على سنوات أضاعها وهو يحرم نفسه من هذا الشعور الرائع الذي يشعر به الآن وهي بين ذراعيه، إنه العشق الحقيقي، وما أروعه من إحساس.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كانت بشرى تمشى جيئة وذهابا، ينتابها الغيظ ممتزجا بالحقد الشديد، تشعر بأنها الآن تود أن تحرق الأخضر واليابس وليشتعل الجميع بنيرانها، تابعها مجدى بعيون قلقة على حالتها، ليقول بعد لحظات:
بشرى، إهدى كدة، على فكرة التوتر ده مش هيحل مشكلة.
توقفت ونظرت إليه بحدة قائلة:
مش ههدى ولا يرتاحلى بال غير لما أحرقهم كلهم بنارى يامجدى.
لتعود وتمشى جيئة وذهابا قائلة في غل:.

بقى مراد يطلع متجوز علية أنا، ومتجوز مين، حتة سكرتيرة لا طلعت ولا نزلت، لوكال، مشغلهاش عندى خدامة حتى، لأ وبيبصلها بصة عمره ما بصهالى، ماشى يامراد، ماشى.
لتقف مجددا وهي تقول بغضب:
هو البواب قالك إسمها إيه؟
قال مجدى بتوتر:
إسمها شروق.
ضمت بشرى قبضتها اليمنى تضرب بها كفها الأيسر المنبسط وهي تقول:
شروق، شروق، شروووق.
لتفكر لثوانى ثم تلتمع عيونها فجأة وهي تستطرد قائلة:.

طيب، تمام أوي، إن ما وريتك يامراد، إن ما خليتك تندم على اللى عملته مبقاش أنا بشرى. إصبر علية بس.
قال مجدى وقد لاحظ تلك اللمعة بعيونها:
هتعملى إيه يابشرى؟، عينيكى بتقوللى كتير.
نظرت إليه لثوان تتأمله، ثم إبتسمت وهي تقترب منه تلمس وجنتيه بنعومة قائلة:
قربت منى كتير أوي يامجدى وبقيت بتفهمنى من عيونى كمان.
ضم خصرها بيديه يقربها منه أكثر وهو يقول بعيون عاشقة:
ده إسمه حب يابشرى، وأنا مش بس بحبك، أنا بعشقك.

إتسعت إبتسامتها وهي تقترب بشفاهها منه تقبل شفتيه بنعومة تهمس أمامهما قائلة:
حلو، حلو أوي يامجدى.
لتغيم عيناه من أنفاسها التي لفحته وقبلتها التي أذابته ليختطف شفاهها في قبلة طويلة مشتاقة، لتبادله قبلته تشعر بالراحة أخيرا وقد وجدت الحل لكل مشاكلها، تقريبا.

إقتربت رحمة من يحيى تدفن رأسها في تجويف عنقه، ليضمها يحيى إليه أكثر، رفعت يدها تضعها على خافقه تشعر بنبضاته المتسارعة في حركة بات يألفها ويعشقها، ليسمعها تهمس برقة قائلة:
شكرا يايحيى.
عقد حاجبيه في حيرة وهو يقول بهمس مماثل:
على إيه بس ياحبيبتى؟
رفعت وجهها تنظر إلى عيونه العسلية قائلة بإمتنان:.

على أجمل ليلة قضيتها في حياتى، عيشتنى فيها قصة خيالية، كنت فيها مع أميرى، أكلنا وضحكنا ورقصنا، حلمت دايما أكون بين إيديك، عينى في عنيك وإنت بتسمعنى أحلى كلام عن حبنا، وكملت بأغنية ماجدة، اللى دايما كنت بسمعها في غيابك.
ليبتسم وهو يرفع يده يمررها على وجنتها قائلا ف حنان:
وكنت بسمعها أنا في غيابك.
لتدندن رحمة بالكلمات قائلة بصوت عذب:
يسمعنى حين يراقصني، كلمات ليست كالكلمات.

يأخذني من تحت ذراعي، يزرعنى في إحدى الغيمات.
ليضمها إلى صدره بقوة وهو يهمس قائلا:
وأنا كالطفلة في يده، كالريشة تحملها النسمات،
لتقول هي بهمس:
يخبرنى أنى تحفته وأساوي ألاف النجمات، بأنى كنز وبأني أجمل ما شاهد من لوحات.
ليعتدل وهو يشرف عليها قائلا بهمس:
يروي أشياء تدوخني، تنسينى المرقص والخطوات.
نظرت إليه بعشق قائلة:
كلمات تقلب تاريخي، تجعلني إمرأة في لحظات.

لتصمت وهي تتطلع إلى عينيه بنظرة شابها بعض الحزن وهي تقول:
يبني لي قصر من وهم، لا أسكن فيه سوى لحظات وأعود لطاولتي لا شيئ معي إلا كلمات.
تأمل ملامحها وقد أدرك مقصدها ليقول بوعد:
مبقاش فيه قصور من وهم، مبقاش فيه فراق، سامحيني من قلبك يارحمة وإنسي الماضي، وإفتكرى بس إنى بعشقك ووعد منى، إنى مستحيل هسمح لقلبى يإذيكى من تاني ولو كان التمن حياتى يارحمة.

إبتسمت بعيون غشيتها الدموع من وعده الذي قطعه على نفسه، رغبة منه في أن يطمأن مخاوفها، ليميل بشفتيه يمسح تلك الدموع عن وجنتيها ثم يقبلها قبلة أودعها كل ثقته في القادم، ليطمئن قلبها بدورها وتمنحه نفسا أذابها عشقه.

دلفت بشرى إلى شقتها، لتجد الظلام التام يحيط بها، وماإن خطت بإتجاه مفتاح الإضاءة حتى سطع الضوء في كل مكان، لتجد مراد جالسا على الأريكة، ينظر إليها بوجه خال من المشاعر، تأملته لثوان تدرك أن هناك شيئا ما خلف هيئته تلك لتقول بهدوء:
مساء الخير.
نظر مراد إلى عينيها مباشرة قائلا:
كنتى فين يابشرى؟
إقتربت منه وجلست على المقعد المقابل له وهي تزفر قائلة:.

هكون فين يعنى يامراد؟كنت مخنوقة، لفيت بالعربية شوية، وأنا جاية في الطريق العربية عطلت وإضطريت أوديها لميكانيكى وقعدت لغاية ما أصلحها وبعدين جيت علطول.
عقد حاجبيه قائلا:
ومكلمتنيش ليه؟
قالت بنبرة ساخرة:
وهو إنت فاضيلى أصلا؟
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو يقول:
قصدك إيه؟
قالت في هدوء:
هيكون قصدى إيه يعنى؟إنت مش قايل إنك في ميتينج مهم، أنا محبتش بس أعطلك، هي دى كل الحكاية.

تفحصها مراد يدرك أن هناك شيئا ما تخفيه عنه، يظهر في نظراتها الغريبة إليه وتلك النبرة الساخرة في صوتها، ليصمم على معرفته آجلا أم عاجلا، ليقول في حزم:.

يحيى ورحمة كلمونى وكانوا عايزينا نرجع الفيلا، وأنا رفضت، يحيى كان عايز يكلمك وأنا إضطريت أكذب وأقوله إنك نايمة، مكنتش أقدر أقوله إن مراتى لسة مرجعتش البيت وهي عارفة إنى تعبان ولسة خارج من المستشفى، ده غير إنه لو سألنى عن مكانك، كان هيبقى شكلى وحش وأنا معرفش عنك حاجة، ياريت لو هتروحى مكان بعد كدة تبقى تعرفينى قبلها، مفهوم؟

مظهره أمام يحيى، هذا ما يهمه فقط، أما هي فلا تهمه على الإطلاق، تدرك ذلك جيدا، فعلاقتهما سويا واضحة ومنذ البداية، فهي لم تستطع أن تحبه وقلبها ممتلئ بحب أخاه، وهو لم يستطع أن يحبها وقلبه ممتلئ بحب رحمة، مهلا، إذا كان هكذا إذا لماذا أحب تلك الشروق، وهل نسي رحمة؟وهل حقا العيب فيها لذا لا أحد يحبها حقا؟إذا لماذا أحبها مجدى كل هذا الحب؟تحركه بإشارة من إصبعها وإن طلبت روحه فلن يتوانى عن إهدائها إياها؟لماذا؟

آاااه، أسئلة عديدة تدور برأسها بلا إجابة، تطيح بتركيزها على مهمتها الجديدة وهي التخلص من رحمة للأبد هي وتلك الشروق وستسعى من الغد في تنفيذ مخططها، لذا ستريح أعصابها المتعبة الآن وتكتفى بالصمت، الصمت المطلق.
لتفيق من أفكارها على صوت مراد وهو يقول بلهجة تحذيرية:
مفهوم يابشرى؟
نظرت إليه ببرود قائلة:
مفهوم يامراد، بعد إذنك اليوم كان صعب أوي، وأنا محتاجة أنام.

لتبتعد من أمامه يتابعها بعينيه بقلق، فهدوءها هذا وحالتها الغريبة تلك تنبئ بكارثة في الطريق، ليدعوا الله في صمت أن ينجيهم منها.

كانت رحمة تقف في الحديقة حين أحست بيدين توضعان على عينيها، لتبتسم بسعادة وهي تدرك أن صاحب تلك اليدين هو حبيبها يحيى، لتقول بحب:
مهما غميت عينية هفضل شايفاك ياحبيبى، وحشتني.
تسللت إلى مسامعها نبراته التي تخشاها وتمقتها وهو يقول بهدوء:
إنتى كمان وحشتيني يارحمة.

إنتفضت تبعد يديه عن وجهها وتبتعد عنه وهي تلتفت لتواجهه قائلة بعيون إتسعت من الصدمة وهي تراه أمامها، بنفس الهيئة التي رأته عليها آخر مرة، لم يتغير البتة لتقول بنبرات مرتعشة من الخوف:
هشام؟
إبتسم قائلا:
أيوة هشام، حبيبك، إنتى قلتى إنى حبيبك، وأخيرا يارحمة؟، سمعتها بودانى، ولا كنتى تقصدى حد تانى؟
تراجعت لخطوة وقد إرتعش قلبها وجسدها عندما إقترب منها خطوة، لتقول وهي مازالت تحت تأثير صدمتها:
إنت، إنت ممتش؟

إتسعت إبتسامته وهو يقول:
هموت إزاي بس وأنا واقف أدامك أهو؟
قالت بخوف:
أنا شفتك بعيونى، والعربية بتنحرق بيك؟
ضحك بسخرية قائلا:
ده اللى حبيت أوريهولك، لكن قبل ما النار تمسك في العربية، كنت ناطط منها، وبعدين إنتى أغمى عليكى وأنا هربت.
قالت بدهشة:
والجثة اللى لاقوها جوة العربية؟
إقترب منها قائلا بسخرية:
ده شغلى أنا بقى.
عقدت حاجبيها في حيرة قائلة:
طب وعملت كل ده ليه، كنت عايز توصل لإيه ياهشام؟

مال يرمقها بعيون باردة وهو يقول بلهجة كالصقيع:
كنت عايز أشوفك هتعملى إيه بعد ما أموت، هتبقى أصيلة وتفضلى عايشة على الذكرى، وأبقى بكدة ظلمتك، ولا هتخونى الحب اللى بينا، وتقلي بأصلك؟، وإنتى ما شاء الله مكدبتيش خبر، جريتى وخونتينى، وقليتى بأصلك زي ما توقعت يارحمة.
إبتلعت ريقها بصعوبة قائلة:
إحنا مكنش بينا حب أصلا، وإنت متجوزنى وإنت عارف ومتأكد إنى بحب يحيى.
هدر بها قائلا:.

إخرسي، متقوليش إسمه على لسانك، إنتى فاهمة؟
تخلت رحمة عن خوفها وهي تقول بكل قوة:
لأ هقول، يحيى يبقى حبيبى وجوزى وكل حاجة لية.
إتقدت عيونه بشرارات الغضب وهو يقول بحدة:
جوازك منه باطل، باطل يارحمة، إنتى مراتى أنا وحبيبتى أنا،
قالت بغضب:
لأ، أنا مش مراتك، أنا عمرى ما كنت مراتك، أنا مراته هو، وشم روحى وقلبى بإسمه، ومستحيل هكون لحد تانى، إنت فاهم ولا لأ؟
توقف أمامها تماما ليتأمل ملامحها لثوان ثم قال ببرود:.

الظاهر إنه موشمش روحك وقلبك بس يارحمة، ده قدر يوصل للى مقدرتش أنا أوصله.

أطرقت برأسها تدرك مقصده لتجد يديه فجأة إمتدت لعنقها، يحكمها حوله، لتشعر بالإختناق، حاولت المقاومة، الإستنجاد بيحيي، ولكنها كلما نطقت إسمه، كلما زاد من خنقها، لتسمع صوت يحيى آتيا من بعيد ينشلها من الموت المحيط بها، فتحت عينيها فجأة بقوة لتجد يحيى أمامها، نظرت حولها بصدمة، تدرك أنها في حجرتها وأن يحيى بجوارها ينظر إليها بقلق، وأن كل ما مرت به هو كابوس، فقط كابوس بشع، لتعود بعينيها ليحيي الذي قال بقلق:.

رحمة، مالك ياحبيبتى، فيكى إيه؟
طفرت الدموع من عينيها فجأة، ليسرع ويضمها إلى صدره، يهدهدها، قائلا:
هششش، خلاص إهدى يارحمة، أنا جنبك...
قالت بصوت تهدج ألما:
هشام، هشام يايحيى رجع وكان هيموتنى.
أغمض عينيه في ألم وهو يدرك خوفها المرضي منه، كم عذبها أخيه سامحه الله على أفعاله، ليفتح عينيه وهو يقول بحنان:
ده كابوس يارحمة، هشام مات وإنتى هنا في بيتى وفى حضنى.
قالت رحمة بنبرات مرتعشة:.

ضمنى كمان يايحيى، ضمنى جوة حضنك، خبينى جواك.
ليضمها يحيى بقوة، يود لو أدخلها بين ضلوعه بالفعل ليحميها من مخاوفها، يعيد لقلبها الأمان والسكينة اللذان حرمها منهما هشام، ليقسم أنه سيحاول بكل طاقته أن يفعل ذلك، وسينجح بإذن الله.

قالت نهاد بإبتسامة خجولة:
أنا لما جيت أخرج ولقيتك جوة حضنه كنت هموت من الكسوف ياشروق،
قالت شروق بمرح:
كان شكلك فظيع وإنتى مش عارفة تتلمى على أعصابك ولا تقولى كلمتين على بعض، وبدل ما تقوليله أهلا يامراد، قلتيله صباح الخير يامراد، صباح الخير بالليل، مراد مسك نفسه بالعافية، أنا شفت وشه ساعتها، كان هيموت ويضحك.
وكزتها نهاد وهي تقول بغيظ:
آه، بس إنتى مسكتيش، نزلتى ضحك لغاية ما خليتينا كلنا ضحكنا.

إبتسمت شروق قائلة بمزاح:
وهو فيه أحلى من الضحك، ربنا يديمها علينا نعمة ياشيخة.
لتنظر إلى نهاد وهي تعتدل قائلة بجدية:
بس مقلتليش عملتى إيه مع رأفت؟
إبتسمت قائلة في خجل:
عملت بنصيحتك ووافقت، متتخيليش فرحته كانت عاملة إزاي، وقاللى إنه هياخدنى النهاردة عشان نجيب الشبكة، والفرح هيكون آخر الشهر بإذن الله.
قالت شروق بسعادة:
بجد، ألف مبروك يانهاد.
إبتسمت نهاد قائلة:
الله يبارك فيكى، عقبال ما نفرح بالنونو بتاعك.

وضعت شروق يدها على بطنها قائلة:
يارب يانهاد، يارب.
قالت نهاد بإبتسامة:
وإنتى عاملة إيه دلوقتى مع مراد ياشروق؟
إرتسمت على شفتي شروق إبتسامة حالمة، وهي تقول:
مش قادرة أوصفلك حنيته معايا وحبه اللى بقى مغرقنى فيه، بيتصل بية كل شوية عشان يطمن علية وقبل ما يقفل يقولى بحبك، بحبك ياشروق، يااه لو يعرف أد إيه إستنيت الكلمة دى وإيه اللى بتعمله فية لما بسمعها، أنا عايشة حلم يانهاد، حلم بتمنى مصحاش منه أبدا.

تأوهت فجأة لتنظر إلى نهاد بإستنكار قائلة:
بتقرصينى ليه بس؟
قالت نهاد في مزاح:
عشان تعرفى إنه مش حلم ياشروق وإنه حقيقة.
قالت شروق بغيظ:
تصدقى إنك بايخة، خرجتينى من المود، وأنا كنت لسة هبدأ أوصف الجنة اللى أنا عايشة فيها معاه، فصلتينى يافصيلة.
تعالت ضحكات نهاد وهي تقول من بين ضحكاتها:
جنة إيه ياشروق؟، إنتى لحقتى، طول عمرك أوووفر.

لتنظر إليها شروق لثوان ثم لم تلبث أن شاركتها ضحكاتها وهي تحمد الله على تلك الصديقة التي تشاركها كل شئ، أحزانها، وأفراحها.

نظرت بشرى بإشمئزاز إلى هذا المبنى القديم والذي يوجد به سلاحها القاتل لرحمة، ترغب في العودة من حيث أتت، ولكن رغبتها الشديدة في إزاحة رحمة عن طريقها، دفعتها للدلوف إليه، لتقف أمامه وتطرق بابه، لم يجبها أحد، كادت أن تطرق بابه مجددا، لينفتح الباب في تلك اللحظة ويظهر على عتبته سيدة في الخمسينات من عمرها، تأملتها بشرى لتدرك أنه رغم ملابسها البالية إلا أن تلك الملابس لم تقلل أبدا من جمالها، جمالا لم تأخذ منه السنون كثيرا، لتنظر تلك السيدة إلى بشرى وهي تعقد حاجبيها، قائلة:.

أفندم، حضرتك مين؟وعايزة إيه؟
إبتسمت بشرى قائلة وعيونها تلمع خبثا:
أنا بشرى، بشرى الدرملى.
لتتسع عينا تلك السيدة في دهشة وتزداد إبتسامة بشرى، خبثا.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

تأملت بشرى ملامح تلك السيدة جيدا تلاحظ هذا التشابه بينها وبين غريمتها، لتدرك سر كره الجد هاشم لرحمة فهي تذكره بمن خانت إبنه وقضت عليه كلية، بينما تأملتها تلك السيدة بدورها، لتقطع حاجز الصمت وهي ترفع حاجبها الأيسر قائلة:
شبه رباب يابشرى، في الشكل بس، إنما الطبع، فحاجة تانية خالص، غالبا طالعة لأبوكى محسن الدرملى.
إبتسمت بشرى قائلة بثقة:.

يشرفنى إنى أبقى شبه ماما في الشكل لكن مختلفة في الطبع يابهيرة، لإنى لو كنت طلعت زيها، كنت مخدتش حقى وضاع زي ماهي ضاع حقها، لكن بابا عرف ياخد حقه كله.
جلست بهيرة وهي تضع قدما على قدم تخالف حركتها تلك مظهر ملبسها البالي، وهيئة منزلها المتواضعة جدا، وهي تقول بسخرية:
وفى الآخر ضيعه على القمار ومات في حادثة عربية.

نظرت إليها بشرى شذرا ثم تجاهلتها تماما وهي تنظر إلى أركان المنزل وأثاثه البالي، لتدرك وضع بهيرة المالى بكل سهولة، لاحظت بهيرة نظراتها لتقول بسخرية:
عفش البيت مش عاجبك صح؟أعمل إيه بقى، ماهو لو كان خالك كتبلى حاجة بإسمى قبل مايموت، كنت عرفت أشترى بيت حلو في حتة راقية.
نظرت إليها بشرى قائلة بسخرية:
كنت عايزة تخونى خالى وتهربى مع السواق ويكتبلك كمان أملاك بإسمك، تؤ تؤ تؤ، كنتى فاكراكى أعقل من كدة.

إبتسمت بهيرة ببرود وهي تنظر إلى عيون بشرى مباشرة قائلة:
الحال من بعضه يابشرى، قوليلى بقى إتجوزتى مين في ولاد خالك؟ومستنية منه إيه؟
نظرت إليها بشرى بإضطراب لم يدم سوى ثانية ولكنه كان كافيا لتلاحظه بهيرة، لتتمالك بشرى نفسها قائلة:
أنا عمرى ماهبقى زيك يابهيرة، إنتى لعبتيها غلط، وخسرتى كل حاجة في النهاية، أنا بقى بلعبها صح، وبكرة تشوفى إن أنا اللى هكسب في الآخر.
زفرت بهيرة قائلة في ملل:.

إختصرى يابنت رباب. وقولى جايالى ليه وعايزة منى إيه؟
قال بشرى في هدوء:
رحمة.
إعتدلت بهيرة قائلة بلهفة:
سألت عنى؟عايزانى؟طلبت أرجعلها، طيب مجتش معاكى ليه؟
إبتسمت بشرى بسخرية قائلة:
رحمة مين اللى تيجى معايا؟، رحمة أصلا مش طايقة تسمع إسمك، عملتك السودة أثرت على حياتها عمر بحاله، وخليتها منبوذة من الكل، معتقدش حتى إنها حابة تشوفك.

ظهرت خيبة الأمل على وجه بهيرة لتتخلى عنها في ثوانى وهي تعود لتضع قدما فوق الأخرى وهي تقول ببرود:
أمال إيه اللى جابك يابشرى؟، وياريت تتكلمى علطول من غير لف ولا دوران.
جلست بشرى قائلة في هدوء:
الموضوع مصلحة هتطلعى منها بمبلغ محترم، هيعيشك عمر بحاله مرتاحة ومش محتاجة لحد.
نظرت إليها بهيرة وقد بدا على ملامحها الإهتمام قائلة:
مصلحة إيه دى؟
إلتمعت عيون بشرى بخبث وهي تقول:.

مصلحة هنضرب بيها عصفورين بحجر واحد وأنا واثقة إنك مش هتطلعى منها خسرانة، أبدا.

كانت رحمة تهدهد هاشم، تشعر به كما لو كان طفلها هي كما قال يحيى، نعم تمنت لو أنجبت طفلا من يحيى يحمل قطعة منها ومنه، ولكنها إرادة الله، إرادته أن لا تنجب أطفالا، لكنه عوضها عن حرمانها من الإنجاب بهاشم، ذلك الطفل الذي تعشقه وتشعر به كما لو كان لها تماما، قبلته في رأسه بحنان فضحك ضحكة خافتة إبتسمت على إثرها، لتدندن له بكلمات أغنيتها المفضلة قائلة:.

ماما زمانها جاية، جاية بعد شوية جايبة لعب وحاجات.

تذكرت أختها في تلك اللحظة لتترحم عليها في سرها وتعدها ان تكون أما حقيقية لطفلها بينما تتذكر كلمات تلك الأغنية التي ترجعها لطفولتها، تلك الأغنية التي كانت تتمنى لو سمعت مثلها يوما من أمها، أمها التي هجرتها دون أن تنظر مرة إلى الوراء، لم تتساءل كيف أصبحت طفلتها، أو كيف تعيش؟شعرت بالحزن في أعماقها لتنفضه بسرعة وهي تضم هاشم إليها بحنان تغمض عينيها و تكمل تلك الأغنية التي يبدو وكأنه أحبها مثلها قائلة:.

جايبة معاها شنطة فيها وزة وبطة بتقول واك واك واك.
لتمد يدها تمسح دمعتها التي سقطت منها وهي تستطرد بصوتها العذب قائلة:
عارف الواد اللى إسمه عادل جا الدكتور وعمله إيه؟
لتنزل دموعها في صمت وهي تقول بصوت مختنق:
لقى رجليه كانوا زي البتلة بص شوية جوة عنيه.
إستمعت إلى صوته الهامس وهو ينادى إسمها بصوت مختنق بدوره قائلا:
رحمة.

فتحت عيونها تنظر إليه ليتوقف الزمن للحظات، يإن قلبه لمرأى دموعها ويإن قلبها لإنه يراها دائما في لحظات ضعفها، ليقترب منها حتى وقف أمامها تماما، تتابعه بعينيها، مد يده ليأخذ هاشم منها ليقول هو بصوت حان:
أنا مش قلتلك إن هاشم هو إبننا، وإن الموضوع ده مش لازم يقلقك أو يخلى دموعك تنزل بسببه، مش قلتلك إن دموعك دى بتوجعنى، ليه مصرة توجعينى يارحمة؟، ليه مصرة تخلينى أحس بعجزى لإنى مش قادر أسعد قلبك؟..

وضعت يدها على فمه تقول بصوت قاطع النبرات:
انا محستش بالسعادة غير لما بقيت ملكك يايحيى، محستش بطعم الفرحة غير وأنا معاك، إنت وبس.
قبل يدها بحنان لتخفضهم مستطردة:
أنا بس وجعى كبير، وغصب عنى بوجعك بيه، صدقنى غصب عنى أنا مستحيل أوجعك عن قصد يايحيى.
رفع يده الحرة والتي لا تحمل طفله يمررها على وجهها قائلا بحنان:
وإيه اللى واجعك ياقلب يحيى؟

أطرقت برأسها أرضا ليقبل يحيى وجنة الصبي بحنان ثم أنزله أرضا ليذهب إلى ألعابه وينشغل بها، بينما مد يحيى ذراعه ليضم رحمة إلى صدره قائلا بحنان:
فضفضى باللى في قلبك، صارحينى باللى جواكى ومتخبيش حاجة علية.
إستكانت بين ذراعيه لتتنهد بضعف وهي تقول بصوت متهدج النبرات:.

إفتكرت ماما يا يحيى، وإزاي سابتنى وهربت، ومبصتش للحظة وراها، ولا سألت علية، مفكرتش للحظة في بنتها وأحوالها، مسألتش نفسها، ياترى عايشة أو ميتة، وجعنى قلبى على نعمة بتمناها ومش طايلاها، ربنا رزقها بيها وهي رفضتها وإتخلت عنها بكل سهولة.

مرر يحيى يده على ظهرها صعودا وهبوطا مهدئا إياها وهو يشعر بالمرارة في حلقه، يود لو يخبرها حقيقة أمها الأكثر بشاعة لتنساها كلية، ولكن يخشى تأثير تلك الصدمة عليها، يود لو يأخذ ألمها بعيدا ولكنه يظل عاجزا أمام حجم مصابها، فوجعها أكبر من أن يمحيه في لحظات او أيام، تلزمه سنوات ليستطيع رأب صدوع قلبها ليعود تماما كما كان، ليهمس لها قائلا:.

أنا عايزك تنسى الماضى بكل ألمه يارحمة وتركزى بس في حياتك اللى إنتى بتعيشيها دلوقتى، عايزك تحاولى تنسى كل حاجة ممكن تسببلك وجع وتفكرى بس في الحاجات اللى ممكن تسعدك، أنا عايزك ترجعى رحمة بتاعة زمان.
إبتعدت عن حضنه تنظر إليه بأمل يمتزج بالحزن قائلة:
تفتكر ممكن أرجع رحمة بتاعة زمان يايحيى بعد كل اللى شفته ومريت بيه؟

تأمل ملامحها الطفولية التي تتعلق سعادتها بكلماته التي ستخرج من شفتيه الآن ليبتسم قائلا بحنان:
أوعدك إنى أرجعلك ضحكتك اللى راحت وعيونك اللى كانت بتلمع، وأشفيلك قلبك من كل جروحه، طول ما أنا عايش وفية نفس يارحمة.
أغروقت عيناها بدموع السعادة التي إرتسمت على شفتيها بإبتسامة خلابة قبل أن تندفع إلى حضنه تضمه بقوة ليضمها بدوره، تتسع إبتسامته حين قالت بنبرات خرجت واثقة تمتلئ بنبرات العشق الممتزج بالسعادة:.

أنا بحبك أوي، بحبك أوي يايحيى.

إتسعت عينا بهيرة في صدمة لتنهض قائلة بإستنكار:
وإيه اللى يخليكى واثقة أوي إنى ممكن أشترك معاكى في حاجة زي دى، إنتى ناسية إن اللى هتنضر دى بنتى؟
نهضت بشرى بدورها وهي تقول بسخرية:.

اللى خلانى متأكدة سنين عمر بنتك اللى محاولتيش فيهم مرة واحدة تشوفيها، اللى خلانى متأكدة المعلومات اللى قريتها عنك في الفايل اللى يحيى جمعه عنك لما حاول يفاجئ رحمة في عيد ميلادها العشرين ويجمعها بمامتها، المعلومات اللى ساعدتنى كتير في إنى أفرق بينهم بعد ما قريتها، وأبين ليحيي إن رحمة زي مامتها تمام، بتمشى ورا غرايزها وبس، وزي ماكنتى السبب في فراقهم زمان هتكونى السبب في فراقهم دلوقتى، وكل ده في سبيل مبلغ هيعيشك العمر كله مرتاحة، على الأقل مش هتضطرى تشتغلى تانى، خصوصا إن الشغل دلوقتى قليل ومش زي زمان، ولا إيه؟

أطرقت بهيرة برأسها للحظات قبل أن ترفع وجهها إلى بشرى قائلة بهدوء:
وتفتكرى الحيلة دى ممكن تمر على يحيى مرتين؟
تحولت ملامح بشرى الجميلة في ثوان إلى ملامح شريرة وهي تقول في حقد:
حبه ليها وغيرته عليها هيعموه، وساعتها هيطلقها وتغور في ستين داهية.
قالت بهيرة بقلق:
وتضمنى منين إنه مش هيإذيها؟
قالت بشرى ومازالت نبراتها مغلفة بالحقد:.

رغم إن قلقك ده متأخر شوية بس هقولك ليه أنا ضامنة إنه مش هيإذيها، لنفس السبب اللى قلتلك عليه، بيحبها ومش هيطاوعه قلبه يإذيها.
قالت بهيرة بحيرة:
ولما هو بيحبها كدة وهي بتحبه زي ما قلتيلى، ليه مش
سايباهم في حالهم، يهمك في إيه تفرقيهم؟اللى يسمعك كدة يقول إنك...
لتصمت بهيرة وعيونها تتسع في دهشة:
إنتى بتحبى يحيى؟
قالت بشرى بغضب:.

خليكى في حالك يابهيرة ومتدخليش في اللى ملكيش فيه، حياتى خط أحمر بالنسبة لك، ولو حشرتى مناخيرك فيها هتواجهينى، وإنتى متعرفنيش كويس، اللى يقف في طريقى بفرمه، مفهوم؟
رغما عنها أحست بهيرة بالخوف من تلك المرأة لتقول بصوت خرج رغما عنها مرتعش:
مفهوم، طيب هيكون تبريرى إيه لرحمة لو سألتنى عن سبب بعدى عنها السنين دى كلها، وعدم سؤالى؟
هدأت ضربات قلب بشرى الغاضبة وهي تقول في هدوء:
هقولك،.

لتفتح حقيبتها تخرج منها رزمة مالية وتقدمها لبهيرة التي إلتمعت عيونها لمرأى المال وبشرى تستطرد قائلة:
خدى دول الاول ظبطى بيهم نفسك، إشترى هدوم وحاولى تظهرى بمظهر كويس، إنتى مش بس مامة رحمة، إنتى حماة يحيى الشناوي.
قالت بهيرة:
عندى هدوم لزوم الشغل.
إبتسمت بشرى بسخرية قائلة:
يعنى مش عايزة الفلوس؟
لمعت عينا بهيرة جشعا قائلة:
لأ طبعا، هاتيهم.

رن هاتف بشرى لتنظر إليه وتلتمع عيناها ثم تنظر إلى بهيرة بسخرية وهي تأخذ المال لتقول بهدوء:
أنا مضطرة أمشى دلوقتى، لكن هستنى منك تليفون النهاردة تقوليلى إنك خلاص هناك، في فيلا الشناوي، عشان نظبط أمورنا، الكارت ده فيه كل أرقامى، أنا عايزة الموضوع ده يخلص بأسرع وقت، مفهوم؟

أومأت بهيرة برأسها وهي تتناول منها هذا الكارت، لتنظر إليها بشرى نظرة أخيرة حازمة قبل أن تبتعد مغادرة المنزل بسرعة، تتابعها عيون بهيرة التي نظرت إلى محتوى الكارت تقرأ إسمها بهدوء قائلة:
بشرى الدرملى.
لتبتسم في سخرية وهي تستطرد قائلة:
آل وأنا كنت فاكرة نفسى وحشة، ده الدنيا دى مليانة بلاااوى.

رن جرس الباب عند شروق لتبتسم وهي تدرك أن الطارق لابد أن يكون تلك الصديقة التي نسيت هاتفها لديها ولابد أنها عادت لإسترجاعه عندما إفتقدته، لتفتح الباب قائلة:
عارفة...
لتصمت وقد بهتت إبتسامتها وهي ترى أمامها هاتان السيدتان المتشحتان بالسواد واللتان ترمقاها بنظرات لا تريحها على الإطلاق، لتبتلع ريقها بصعوبة وهي تقول:
أفندم، أي خدمة؟
قالت إحداهما بصوت متحشرج قليلا:
إنتى شروق عبد الفتاح.
قالت بقلق:.

أيوة...

لم تكمل كلماتها والمرأة الأخرى تدفعها للداخل، كادت أن تصرح ولكن تلك المرأة كممت فاهها بقوة بينما إندفعت الأخرى لتكيل لها الضربات، لتتسع عينا شروق من الألم والخوف على جنينها، تدرك أنها وجنينها هالكين لا محالة، إن إستمرت تلك السيدة بضربها على هذا النحو، حاولت المقاومة بكل قوتها للدفاع عن نفسها ضد هذا الإعتداء التي لا تدرى له سببا، لتزيد تلك المرأة من تكميمها وإحكام ذراعيها حولها، بينما يزداد عنف الأخرى تجاهها، أحست شروق بالألم ينهكها، يقتلها ببطئ، تدرك الآن أن طفلها قد هلك، تشعر به صريعا بداخلها، تسيل دماؤه على ساقيها لتشعر فجأة بالإستسلام لموت صارت تشم رائحته، يدنوا منها بشدة، لتغمض عينيها وتتركه يأخذها ليرحمها من، ألمها.

ضربت نهاد رأسها بخفة وهي تتذكر أين تركت هاتفها الذي تبحث عنه منذ عدة دقائق دون جدوى، لقد تركته في منزل صديقتها شروق، لتنظر إلى الساعة ثم تلتفت وهي تسرع بخطواتها لتعود أدراجها إلى حيث منزل صديقتها القريب والتي لم تبتعد عنه كثيرا، لتحضر هاتفها حتى تحادث رأفت وتخبره أين يلقاها، إقتربت من المنزل لتجد إمرأتين متشحين بالسواد يهرولان من بوابته بإتجاه سيارة حديثة تقف على مقربة من المبنى ليصعدوا إليها بسرعة، وتبتعد السيارة عن المنزل ولكن ليس قبل أن تلمح نهاد سائقتها التي بدت غريبة عن تلك السيدتين بجمالها وأناقتها، لتهز كتفيها في حيرة قبل أن تصعد درجات السلم وتقترب من شقة شروق لتعقد حاجبيها بشدة وهي ترى الباب مفتوحا، دلفت إلى الشقة لتتسع عيناها بشدة وهي ترى صديقتها شروق مسجاة على الأرض غارقة بدمائها، لتقترب منها في هلع ترفع وجها من على الأرض وهي تهتف قائلة بجزع:.

شروق، ردي علية ياشروق، مين اللى عمل فيكى كدة، ده انا لسة سايباكى من شوية، شروووق.
لم تجد منها إستجابة لتنفض صدمتها بسرعة وهي تبحث عن هاتفها، تبحث عن رقمه بأصابع مرتعشة لتتصل به صارخة برعب:
رأفت، إلحقنا يارأفت.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كانت رحمة تجلس على الأريكة تلاعب هاشم، الذي مد يده يمسك بأنف رحمة لتضحك رحمة وهي تقول:
حتى إنت مش عاجباك ياهاشم؟، صحيح، هذا الشبل من ذاك الأسد.
قالت جملتها الأخيرة وهي ترمق يحيى بنظرة ذات مغزى ليرفع يحيى حاجبه الأيسر قائلا:
وأنا من إمتى قلتلك إنها مش عاجبانى ها، أنا كل حاجة فيكى بتعجبنى ومستعد أثبتلك حالا،
تسلل الخجل إلى وجنتيها فبدت ساحرة في عينيه، لتنفض خجلها وهي تقول:.

نسيت لما كنت بتشدنى دايما منها وإحنا صغيرين، وكنت مسمينى بينوكيو.
تعالت ضحكات يحيى لتتوه رحمة في وسامته، ليتوقف عن الضحك وهو يبتسم قائلا:
الاسم ده مكنش عشان هي مش عاجبانى، لأ طبعا، الموضوع إن بينوكيو لما كان بيكذب كانت مناخيره بتطول، إنتى لما كنتى بتكذبى كانت مناخيرك بتحمر، وده كان قصدى من التشبيه مش أكتر.
إتسعت عينيها بإستنكار قائلة:.

الكلام ده بجد، وأنا اللى فكرت أعمل عملية تجميل عشان أصغرها، حرام عليك يايحيى، ده انا مبقتش أبص في المراية بسببها.
تعالت ضحكات يحيى مجددا، لتنفض رحمة ضيقها منه وهي تتوه مجددا في سحر غمازتيه وملامحه التي زادتها ضحكاته وسامة، ليلاحظ نظراتها ويتوقف عن الضحك، وعيونه تغيم بالعشق، لينظر إليها قائلا بهمس:.

قلتلك وهقولهالك لغاية ما تصدقينى، أنا بعشق كل حاجة فيكى يارحمة، شايفك كاملة، مفيكيش غلطة، وكأنك لوحة فنية إترسمت بإبداع.
شعرت رحمة بقلبها يذوب عشقا، فهذا الرجل يسحرها بكل ما فيه، إقترب يحيى منها وكاد أن يقبل تلك الشفاه التي تناديه ليروى ظمأها، لتقاطعه نحنحة روحية وهي تقول:
أحمم، يحيى بيه.
إلتفت يحيى إليها وقد عادت ملامحه الغائمة بالمشاعر لطبيعتها وهو يقول:
خير ياروحية؟
قالت روحية:.

في واحدة على الباب عايزة تقابل الست رحمة.
قالت رحمة بدهشة:
تقابلنى أنا؟
قبل أن تجيبها روحية وجدت يحيى يقول بقلق ظهر بنبراته:
إسمها إيه الست دى ياروحية؟
قالت روحية:
إسمها بهيرة،
ليستمعا إلى صوت نسائي جاء من خلف روحية وهي تقول بثبات:
بهيرة حسان، مامتك يارحمة.

لتتنحى روحية جانبا وتظهر سيدة أنيقة تشبه رحمة إلى حد كبير، تقف بثبات، تنقل عينيها بين هذين الزوجين، لتتسع عينا رحمة في صدمة بينما شعر يحيى بالخطر، الخطر التام.

هرول مراد في أروقة المستشفى كالمجنون، يبحث عن تلك الحجرة التي أخبرته نهاد برقمها، حتى وجدها عندما رأى نهاد تقف أمامها تتكئ على الحائط بجسدها، الذي يهتز بالبكاء، يقف أمامها رجل، تبدو على ملامحه الحزن وهو يتأملها، لتتباطئ خطواته وهو يشعر بالجزع من مظهرهما، يتساءل بقلب واجف، ترى هل أصاب شروق أي سوء؟هل فقدها بعد أن إكتشف عشقها الرابض بقلبه؟هل...؟لا، لن يفقدها أبدا، إن ربه رءوف رحيم ولن يأخذها منه ويتركه جسدا بلا روح، ليسرع في خطواته مقتربا منها ينادي نهاد، لتعتدل ناظرة إليه بلهفة إمتزجت بالحزن وهي تقول:.

مراد، شروق يامراد، شرووق.
هبط قلبه بين قدميه في تلك اللحظة وعيونه تتسع بصدمة تتجمع الدموع فيهما بسرعة ليهز رأسه نفيا وصوته يرتعش قائلا:
أوعى تقولى إنها سابتنى، إوعى تقولى إنها راحت منى.
قالت بسرعة:
لأ يامراد، إهدى، شروق عايشة، بس...
نظر إلى ملامحها الحزينة بقلق فتك بقلبه وهو يقول بصوت ملهوف يستحثها أن تنجد قلبه من ظنونه السوداء:
بس إيه؟، قولى يانهاد.

إنهارت نهاد بالبكاء ولم تستطع التحدث ليقول مرافقها بحزن:
مرات حضرتك فقدت الجنين وكانت هتفقد حياتها هي كمان، الإعتداء والضرب اللى إتعرضتلهم مكنوش حاجة بسيطة أبدا، ولولا رحمة ربنا ووصول نهاد في الوقت المناسب كانت مدام شروق ماتت من النزيف اللى حصلها.

ماهذا الذي يسمعه؟شروقه تعرضت للإعتداء والضرب المبرح من أحدهم، لماذا، من هذا الذي قد يؤذى ملاكا مثلها؟، وهل فقد جنينه بالفعل؟، ياالله، أهذا عقابه على رغبته بالماضى بالتخلص منه؟إنه عقاب قاس عليه، يشعر بقلبه يدمى وتسيل دماؤه الآن بغزارة، تكاد تقتله، إهتز من الصدمة وكاد أن يقع أرضا ليسرع هذا الرجل بإسناده بينما شعرت نهاد بالجزع، ليتمالك مراد نفسه وهو يقول بحزن:
فين شروق؟

أشارت نهاد إلى الحجرة بألم، ليتجه إليها بخطوات بطيئة ضعيفة، يفتح الباب، أوقفه صوت نهاد وهي تقول بحزن:
مراد.
إلتفت إليها لتقول بصوت متهدج من الألم:
الضرب كان جامد وشروق وشها، شكلها، يعنى...

أومأ برأسه متفهما بألم، ليدلف إلى الحجرة ويغلق الباب خلفه بهدوء، ثم يلتفت لينظر إلى زوجته التي تمددت في سريرها تحيط بها الأربطة، نظر إلى وجهها الحبيب، هذا الوجه المنتفخ، والذي إمتلأ بالكدمات، تمزق قلبه حزنا عليها، لقد تعرضت شروق لهذا الإعتداء وهو بعيدا عنها، لم يستطع أن يحميها، أن يكون بجوارها، أن ينقذها من براثنهم، إقترب منها، حتى توقف أمامها تماما ليسحب الكرسي ويجلس بجوارها يمسك إحدى يديها بين يديه بحذر ليميل مقبلا إياها قائلا بألم:.

قلبى إنتى ياشروق، عمرى كله، الحمد لله إنك لسة عايشة وبتتنفسى، الحمد لله إنك لسة موجودة في حياتى، من غيرك بس أنا كنت هعيش إزاي؟، إنتى مش فاهمة إنتى بقيتى إيه بالنسبة لى؟، إنتى بقيتى روحى، روحى اللى لو إتاخدت منى أموت، نبضى اللى لو راح، أبقى إنتهيت، مش مهم أي حاجة حصلت، المهم إن إنتى لسة في حياتى، أما اللى كان السبب في اللى حصلك.

لتقسو نبراته مع هذا الغضب الذي ظهر بعينيه وهو ينظر للأمام، وهو يستطرد قائلا:
وعد منى لأقتله بإيدى الإتنين وأخليه عبرة لأي حد يفكر يإذى حتة منى.
لتحنو نظراته وهو ينظر إلى حبيبته مجددا، قائلا بهمس:
بس قومى إنتى بالسلامة ونوريلى دنيتى من تانى ووعد منى، وعد منى هحققلك اللى إتمنتيه، هخلى جوازنا في العلن وهنجيب بدل الطفل عشرة.
ليبتسم في مرارة قائلا:.

ولو واحد منك بس أنا راضى، أهم حاجة إنى أقدر أسعدك يا شروق من تانى، بعد كل اللى شوفتيه في حياتك ياحبيبتى.
تأملها لبعض الوقت في حزن، ثم نهض ومال مقبلا جبهتها لتنزل دمعة منه على وجنتها، إعتدل يمسحها برقة، قبل أن ينظر إليها نظرة أخيرة متمهلة، ليبتعد بخطوات حزينة بإتجاه باب الغرفة، إلتفت ينظر إليها مجددا ثم مد يده يمسح دموع تسللت إلى وجنتيه، قبل أن يخرج منها ويغلق بابها، ينظر إلى نهاد قائلا بهدوء:.

نهاد أنا عايزك تحكيلى كل حاجة تعرفيها عن اللى حصل.
لتقسو نبراته وهو يقول بحزم:
كل حاجة.

هدرت بشرى قائلة بغضب:
يعنى إيه مماتتش؟الستات بنفسهم قالولى إنهم سابوها وهي قاطعة النفس.
قال مجدى بضيق:
لحقوها وودوها المستشفى، إنكتبلها عمر جديد، بس...
نظرت إليه بشرى قائلة في حدة:
بس إيه؟
قال مجدى مضطربا:
فقدت جنينها.
إتسعت عينا بشرى بإستنكار قائلة:
هي كانت حامل كمان؟
اومأ مجدى برأسه في قلق وهو يلاحظ ملامح بشرى التي إتقدت بشرارات الغضب، وهي تقول:.

أنا مكنش لازم أسمع كلامك، كان لازم أخلص عليها بإيدى، البنت دى بقت خطر علينا ولازم نخلص منها، أنا مش عارفة بس، كل ما آجى أخلص من واحدة فيهم، تعيش وتبقى زي القطط بسبع أرواح.
قال مجدى بسرعة:
لأ إهدى كدة ومتحاوليش تتهورى، مراد دلوقتى عينيه في وسط راسه، وأكيد هيحط حراسة عليها، نبعد دلوقتى عنها وخلينا في موضوع يحيى ورحمة نخلصه الأول، وأول ما مراد يتأكد إن شروق في أمان ويشيل الحراسة هنبقى نضرب ضربتنا.

نظرت إليه بشرى بهدوء، تفكر في كلماته المنطقية، لذلك فقط هي تحتفظ به، فهو يستطيع أن يفكر بعقلانية ويهدأ تهورها الناتج عن غضبها، لتقول بهدوء:
معاك حق، هصبر بس لغاية ما أخلص من ست رحمة وبالمرة هيروح معاها مراد وساعتها بس هفضالك ياست شروق.

نظرت بهيرة إلى رحمة قائلة بحنان مزيف:
إيه يابنتى هتفضلى واقفة كدة كتير، مش هتيجى تسلمى علية.
قالت رحمة ببرود بعد أن أفاقت من صدمتها مخاطبة روحية:
خدى هاشم طلعيه على أوضته ياروحية وخليكى معاه.
اومأت روحية برأسها إيجابا، وهي تأخذ الطفل منها، بينما إقترب منها يحيى يمسك يدها بقوة لتشعر رحمة بأنه يساندها، فإستمدت قوتها منه، وتخلت عن تلك الإرتعاشة بداخلها،.

شعرت بهيرة أن خطة بشرى على وشك الفشل، لتقول بصوت حزين مفتعل:
مبترديش علية ليه يارحمة؟
قالت رحمة ببرود:
وأرد عليكى بمناسبة إيه؟حضرتك مين؟
شعرت بهيرة بصدمة حقيقية من قوة تلك الفتاة وظهرت على ملامحها تلك الصدمة وهي تقول:
ما قلتلك، أنا مامتك،
تركتت رحمة يد يحيى لتشير بها إلى بهيرة قائلة بقسوة ممتزجة بالمرارة:.

بأمارة إيه، ها؟، كنتى فين وأنا محتاجالك في طفولتى، كنتى فين وأنا موصومة بيكى، الكل بيجرح فية بسببك، كنتى فين وأنا بتوجع كل يوم، بموت، نفسى في حضن أترمى فيه وأشتكيله، وهي البنت إيه أقربلها من حضن أمها يداوى جروحها وإيدها تطبطب عليها، ها، كنتى فين؟

شعر يحيى بقلبه ينفطر عليها، يدرك أن أوجاع رحمة تصل إلى عمق روحها، يتمنى لو فقط كان قادرا على محوهم جميعا، بينما إهتزت بهيرة بالفعل تدرك أن خطتها باءت بالفشل بالفعل لولا أن تذكرت كلمات بشرى لتقول بسرعة:
كنت فاقدة الذاكرة.

تراجعت رحمة للحظة وبهتت ملامحها بينما عقد يحيى حاجبيه يدرك أنها تكذب، يتعجب من كذبتها ويتساءل عن السبب فيما تفعله تلك السيدة الآن بحضورها الغريب بعد كل تلك السنوات وكذبتها السخيفة تلك، لتستطرد بهيرة قائلة بحزن مفتعل:.

أنا عارفة إنى غلط وغلطتى كانت كبيرة وربنا عاقبنى عليها علطول، عملت حادثة بعد ماهربت من هنا، وفقدت الذاكرة، فضلت سنين تايهة في الشوارع مش عارفالى إسم ولا عيلة، لغاية ما ست طيبة أخدتنى عندها وشغلتنى معاها، وفجأة من أسبوع رجعتلى الذاكرة وإفتكرت فجيتلك علطول يارحمة، جيت علشان أشوفك يابنتى.

أغروقت عينا رحمة بالدموع، أمها لم تتركها عمدا بل كان رغما عنها، أمها عادت إليها، حتى وإن أخطأت فقد نالت عقابها، ستسامحها فقط لعودتها، لرغبتها في أن تنال هذا الحضن الدافئ الذي حرمت منه طويلا، لتبتسم بسعادة إمتزجت بالدموع حين فتحت لها بهيرة ذراعيها قائلة:
مش آن الأوان تيجى في حضنى يارحمة وننسى كل اللى فات.

تقدمت رحمة منها، كاد يحيى أن يمنعها، أن يخبرها بأنها تكذب، يخبرها حقيقة أمها بالكامل، ولكن تلك الفرحة التي إرتسمت على ملامح حبيبته، ودموع السعادة بعينيها وخوفه الشديد من أثر تلك الصدمة عليها حال دون أن يفعل ذلك، إلى جانب لمعة عيون بهيرة وإبتسامة الإنتصار التي ظهرت على شفاهها ليشعر بأن هناك شيئا خلف ظهور بهيرة المفاجئ وعودتها إلى حياتهم بعد كل هذا الغياب، ليصمم على معرفته حتى يستطيع أن يبعد هذا الخطر الكامن في كل مايحدث عن حياتهم، للأبد...

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كانت نهاد تتطلع إلى مراد الجالس مكانه مطرقا الرأس بحزن، تشعر بما يدور في قلبه الآن من صراع، يتساءل عن تلك السيدات التي رأتهم نهاد أسفل تلك البناية التي يقطن فيها هو وشروق، وما سر ذلك الإعتداء الغاشم والغير مبرر على الإطلاق، وينتابه القلق على زوجته التي لم تفيق بعد، وكيف سيجعلها تتقبل خبر فقدانها جنينها، ليلاحظ رأفت نظراتها ويقول بحزن:
شكله فعلا بيحبها، ربنا يصبره على اللى هو فيه.

تنهدت نهاد قائلة:
وهي كمان بتحبه أوي، اللى حصلهم مش قليل، ياما نفسى أوصل للى عملوا فيها العملة دى وأنا أقطعهم بسنانى.
ربت رأفت بيده على يدها قائلا:
إهدى يانهاد، الحمد لله إنها جت على أد كدة، على فكرة من رحمة ربنا عليها إنها لسة عايشة بعد النزيف اللى حصلها ده، وإن الرحم فضل سليم ومضررش.
قالت نهاد بعيون غشيتها الدموع:
الحمد لله، الحمد لله.
تأمل رأفت عيونها بقلب حزبن وهو يقول:.

إنتى مش هتهدى بقى؟، أنا مضطر أمشى عشان أعمل العملية اللى قلتلك عليها، ومش قادر أمشى وأسيبك بالشكل ده، حرام عليكى يانهاد، أنا لازم أركز.
ربتت على يده التي إستكانت على يدها بيدها الأخرى قائلة بحنان:
متخافش علية يارأفت، أنا هبقى كويسة، روح وإعمل العملية وأنا هستناك هنا عشان تطمنى،
إبتسم وهو يومئ برأسه، قبل أن ينهض مغادرا، ليوقفه صوتها الهاتف بإسمه بخجل، ليلتفت إليها متسائلا، فإستطردت قائلة:.

أنا آسفة يارأفت، آسفة لو بتلاقى نفسك دايما جوة مشاكلى ومضطر تتحملنى.
نظر إليها قائلا بحنان:
وأنا وإنتى إيه يانهاد، مش واحد، ياريت لو تحسيها بجد عشان تبطلى تتأسفيلى كل شوية.
إبتسمت وهي تومئ برأسها، ليبتسم بدوره، قبل أن يغادر تتابعه عيناها بعشق، قبل أن تتنهد عندما إختفى من أمام ناظريها، لتلتفت إلى مراد وتقترب منه بهدوء، تجلس بجواره، ليشعر بها ويلتفت إليها قائلا:
رأفت مشي؟
أومأت برأسها، ليقول بهدوء:.

إنسان كويس يا نهاد، ربنا يسعدكم.
قالت نهاد:
ويسعدك إنت وشروق يارب يامراد.
تنهد قائلا:
يارب.
قالت له نهاد بصوت شابت نبراته مشاعر القلق:
هتقول لشروق؟
زفر وهو يمرر يده في رأسه قائلا:
أكيد هقولها، ما هي أكيد هتحس، وهتعرف.
أومأت نهاد برأسها في تقرير قائلة بحزن:
معاك حق، ربنا يستر عليها من الخبر ده، إنت متعرفش كانت فرحانة أد إيه بالطفل اللى راح ده.
قال مراد بمرارة:.

عارف، عارف يانهاد، ومع الأسف، أنا طفيت فرحتها بيه قبل كدة، وهاجى النهاردة أكمل عليها.
قالت نهاد بشفقة:
معلش يامراد، إبتلاء من عند ربنا، ومع الأيام هتعوضوا اللى راح منكم.
كاد مراد أن يقول شيئا حين وجد الممرضة أمامه تقاطعه قائلة بعملية:
حضرتك زوج المريضة شروق؟
أومأ برأسه إيجابا، يشعر بالوجل، لتستطرد قائلة:
حضرتك عايزينك في الإستعلامات عشان يكملوا البيانات، وياريت يكون معاك بطاقتك وقسيمة جوازكم.

أومأ برأسه لتغادر هي ويقول هو:
أنا مضطر أروح الشقة أجيب قسيمة الجواز، أنا مبشلهاش معايا.
قالت نهاد:
مفيش داعى، أنا جبتها معانا عشان حسيت إننا هنحتاجها في إجراءات المستشفى، عشان يعني، وضعها، وإنها حامل.
قال مراد بإمتنان:
أنا مش عارف أشكرك إزاي يانهاد على اللى بتعمليه معانا.
قالت نهاد:
دى أقل حاجة أعملها لصاحبتى وعشرة عمرى،.

لتفتح حقيبتها وتخرج منها القسيمة تمنحها إياه، ليخرج محفظته بدوره يفتحها ليضعها بها، لتتسع عينا نهاد برعب وهي تنظر إلى داخل المحفظة وتكتم صرخة كادت أن تخرج من بين شفتيها، ليلتفت إليها مراد ويلاحظ نظراتها المرتاعة إلى تلك الصورة الموجودة بمحفظته، ليعقد حاجبيه بشدة ونهاد تهمس بكره شديد مشيرة إلى تلك الصورة:
هي دى، هي دى اللى كانت سايقة العربية وكان معاها بقية المجرمين، هي دى.

ليمد مراد يده إلى تلك الصورة بالمحفظة ويخرجها منها ناظرا إليها بدوره بكره شديد، وهو يدرك الآن السبب وراء قتل طفله ومحاولة قتل شروق، إنها للأسف زوجته، بشرى.

نظر يحيى إلى تلك المرأة المزينة بقناع الإهتمام والمحبة ببراعة، لتنتقل عيناه إلى سمرائه التي ملكت قلبه يدرك مدى طيبتها التي جعلت تلك المرأة مدعية الأمومة تقنعها ببرائتها في ثوان، بل وتجعلها تجلس أمامها الآن، تبدو على ملامحها السعادة وكأنها ملكت الدنيا ومافيها، يود من كل قلبه أن يفتح عيونها على حقيقة أمها البشعة ولكنه يخشى العواقب، إتجه إليهما بخطوات سريعة، ليقف أمام رحمة التي نظرت إليه بحب قائلة:.

يحيى، النهاردة أسعد أيام حياتى بجد.
مال يلمس وجنتها بحنان قائلا:
كل أيامك هتكون سعادة ياحبييتى،
إبتسمت له بدورها، لتقول بهيرة بمداهنة:
رغم إنك شبه باباك، بس إنت مختلف عنه خالص في الطبع يايحيى.
إعتدل يحيى ناظرا إليها ببرود قائلا:
بالعكس يامدام بهيرة، أنا نسخة من والدى في الشكل والروح والمشاعر، ونظرتى في الناس، واللى بتوصل لروحهم وتفهمها، وزيه بالظبط في غضبه كمان ولو حد فكر يإذى عيلتى أكيد بدمره قبلها.

إبتلعت بهيرة ريقها بصعوبة تشعر بالتوجس من مقصد يحيى من كلماته لتمتزج مشاعرها بالغيظ أيضا لهذا التحذير المبطن لها، لتتحاشى نظراته بينما قالت رحمة:
طيب أقعد يا يحيى، إنت واقف ليه؟
نظر إليها يحيى قائلا:
رايح مشوار مهم، هخلصه وأرجعلك، مش هتأخر.
أومأت برأسها بإبتسامة، ليميل ويقبلها في رأسها قبل أن يعتدل مغادرا ليوقفه صوتها الحنون وهي تقول:
يحيى.
إلتفت إليها لتستطرد قائلة:
خد بالك من نفسك ياحبيبى.

إبتسم لها وهو يومئ برأسه ثم إبتعد تتابعه عيناها، لتقول بهيرة:
شكلك بتحبيه يارحمة.
نظرت إليها رحمة قائلة:
بحبه أوي ياماما، هو عوض الدنيا لية عن كل حاجة وحشة مريت بيها، هو سندى، حياتى ولو بعد عنى أموت.
عقدت بهيرة حاجبيها تفكر في جملتها الأخيرة، لتعود فتنفرج أساريرها وهي تقول في نفسها، هراء ما قالته رحمة فمن ذا الذي يقتله الهجران، ستنسى يحيى مع مرور الأيام، نعم ستنساه، فالفراق آت، لا محالة.

إقترب يحيى من مراد بخطوات سريعة وهو يراه يمشى أمام تلك الحجرة كليث جريح، وما إن رآه مراد حتى توقف وهو ينظر إليه بعيون رأى بهما يحيى إنكسارا، توقف يحيى أمام مراد تماما، ليندفع مراد إلى حضن أخيه، يترك لدموعه العنان، تلك الدموع التي حبسها طويلا، يرتعش جسده، لينفطر قلب يحيى حزنا على أخيه، يدرك مشاعره الآن جيدا، زوجته تعرضت للإعتداء ولم يكن هناك ليحميها منه، فقد طفله وكان من الممكن أن يفقدها معه، لو كان في مكانه ل...

نفض تلك الفكرة بسرعة وهو يرفض بشدة مجرد التفكير بهذا الإحتمال، يشعر بروحه تسحب منه حرفيا، ربت على ظهر أخيه مهدئا وهو يقول:
إهدى يامراد، المهم إنها كويسة وبخير.
قال مراد بألم من وسط دموعه:
كويسة فين بس يايحيى، دى فاقت من شوية ومجرد ماعرفت بإجهاضها، جالها إنهيار، وإدولها حقنة مهدئة، أنا عارف شروق، موضوع زي ده هيأثر فيها أوي، دى أرق من النسمة.

أدرك يحيى أن مراد إكتشف حبه لزوجته والذي شعر به يحيى منذ فترة، ولذلك لم يخشى من وهم مراد بالحب تجاه رحمة، فمن يحب حقا لا يسمح لأخرى بالدلوف إلى قلبه، ليربت على ظهر أخيه مجددا وهو يقول بحنان:
إنت موجود جنبها هتعديها من أي حاجة ممكن تأثر عليها، إنت سندها يامراد، والسند بيكون وقت الشدة.
خرج مراد من حضن أخيه وهو يكفكف دموعه قائلا:.

مبقاش فية حيل أستحمل يايحيى اللى بيحصلى، أنا إتكسرت، هسندها إزاي بس وأنا عايز اللى يسندنى.
أمسك يحيى يده قائلا في حزم:
إنت أدها وأدود ياإبن صديق الشناوي، مفيش حاجة ممكن تهزك أو تكسرك، واللى بيحصلك بيقويك، وعمره ما يضعفك.
نظر مراد إلى عينيه لثوان قبل أن ينتقل عزمه وإصراره إليه، ليقول بحزم:
معاك حق، ولاد الشناوي يقفوا قصاد الريح وميتهزوش.
إبتسم يحيى قائلا:
هو ده مراد أخويا اللى أنا أعرفه.

نظر إليه مراد بإمتنان قائلا:
أنا مش عارف من غيرك يايحيى كنت عملت إيه في حياتى، إنت سندى ياأخويا.
ربت يحيى على يده قائلا:
وإنت سندى.
ليقول مراد وقد ظهر الإصرار على وجهه:
بس لازم أنتقم من اللى عمل فيها وفية كدة، اللى حرمنى من طفلى و كان هيحرمنى منها، لازم أنتقم من اللى ضربنى في أعز شئ في حياتى يايحيى.
ربت يحيى على كتفه قائلا بعيون إمتلأت بالقسوة وهو يقول:.

اللى عمل العملة السودة دى مكنش يعرف إن شروق تخص عيلة الشناوي، وإلا مكنش عملها، لإن عملته دى عندنا بتبقى تار وردها بالدم.
لينظر إليه مراد قائلا بعيون امتلأت بالألم:
بس اللى عملها عارفنا كويس وعارف طباعنا وعوايدنا، اللى عملها مننا يايحيى.
لينظر إليه يحيى وقد توجس قلبه خيفة من مقصد مراد ولكنه كان مضطرا لسؤاله قائلا:
قصدك مين يامراد؟
قال مراد بكره شمل حروف كلماته:
هقولك يايحيى، هقولك.

قالت بشرى بعصبية وهي تغلق هاتفها:
الباشا بتصل بيه مبيردش علية، قاعد جنب الهانم طبعا.
قال مجدى وهو يتثائب:
أكيد يابشرى، مش مراته.
إتسعت عيناه وهرب النوم منهما وبشرى تهدر بغضب قائلة:
بس متقولش مراته.
ليعتدل قائلا وهو يحاول ان يبدل الموضوع:
طيب إهدى، وقوليلى، إنتى مالية إيدك من اللى إسمها بهيرة دى؟

نجح بالفعل في تحويل إنتباهها من شروق إلى تلك الفتاة الأخرى والتي تمقتها بشدة لتقول بشرى بسخرية، وهي تشير إلى إصبع يدها البنصر:.

بهيرة بقت زي الخاتم في صباعى، دى ست ميهمهاش إلا الفلوس، إنت مشفتش بصت للمبلغ اللى إديتهولها عشان تجيب لبس تحسن بيه مظهرها إزاي؟وكأنها مشافتش فلوس من زمان، وأكيد دلوقتى بتحلم باللى لسة هتاخده منى، صحيح هي طماعة وطلبت كتير بس مش مهم، أهم حاجة تنفذ اللى قلتلها عليه، وساعتها هديلها اللى هي عايزاه.

جذبها مجدى إلى أحضانه ممررا يده على جسدها برغبة إلتمعت في عينيه وهو يتأمل شفاهها التي تلونت بالأحمر القاني قائلا وقد غامت عيناه:
طب واللى أنا عايزه يابشرى.
إقتربت من أذنه تهمس بإغراء قائلة:
طب وإنت طلبت حاجة ومخدتهاش يامجدى.
ليذوب مجدى كلية من إقترابها وهمساتها، ليتخذ منها إشارة خضراء على أن ينفذ ما يحلم به الآن، ليتناول شفتيها بقبلة بطعم الفاكهة، يتلذذ بها تماما، فهو عاشق لفاكهته، حتى النخاع.

كان مراد يجلس في حجرة شروق يتأمل بألم ملامحها الجميلة التي غطتها آثار الضرب ولكنها في عيونه تظل جميلة، تحمل روحها ورقتها مهما تشوهت، أغمض عينيه على دموع غشيتها لتسقط من عينيه الدموع تنعى ألمه لما حدث لها بسببه، لقد أصر على البقاء لوحده رافضا وجود نهاد ومصرا على رأفت كي يوصلها للمنزل ورافضا عرض يحيى بالبقاء معه أيضا، فهو يعرف أن شروق لن تحب أن يراها أحدا بهذا المظهر عندما تفيق، حتى هو، ولكنه سيقنعها أنها في عيونه جميلة الجميلات، تسلل إلى مسامعه صوت حبيبته وهي تقول بهمس حزين:.

مراد.
ليفتح عيونه ويرى عيونها العشبية التي يعشقها تتطلع إليه بألم، ليقول في لهفة:
شروق حبيبتى، حمد الله على السلامة.
نظرت شروق إلى دموعه لتقول بحسرة:
أد كدة شكلى صعب يامراد، حتى إنت مقدرتش تتحمله وغمضت عنيك، وكمان بتدمع.
ليمسك يدها يقربها من فمه يقبلها بقوة ثم ينظر إليها قائلا بعشق:.

لو كنت غمضت عينية أو دمعت فمن ألمك اللى بحسه جوايا ياشروق، شكلك إيه بس اللى مقدرتش أتحمل إنى أبصله؟، دى شوية كدمات ومع الوقت هيروحوا، ولو حتى كان وشك متشوه ومش هيرجع طبيعى تانى، مكنش برده هيهمنى، أنا لما ببصلك بشوفك بقلبى مش بعينية ياحبيبتى، قلبى اللى بيعشقك بكل نبضة فيه.
نظرت إليه بحب، تستشعر الصدق بكلماته، ولكن مالبث أن ظهر الحزن على ملامحها وهي تقول:.

طب ملامحى وممكن ترجع يامراد، لكن إبننا هنرجعه إزاي؟
ضم يدها بين يديه وهو يقول بحنان:
كل شئ في الدنيا يتعوض، كل اللى راح ممكن نعوضه، لكن لو كنتى إنتى اللى روحتى منى كنت هعمل إيه ياشروق؟حبيبتى أنا من غيرك مقدرش أعيش.
نظرت إليه شروق بعيون تغشاها الدموع قائلة:
وأنا كمان مقدرش أعيش من غيرك يامراد، بس...
وضعت يدها على بطنها المسطحة قائلة:.

اللى حصل مش سهل علية يامراد، طفلنا أخد منى روحى، كان جزء منى ولما راح مبقتش أحس جوايا غير بالفراغ، إنت متعرفش الطفل ده كان بالنسبة لى إيه، ده كان أمل، حياة جديدة، دنيا فاتحالى دراعاتها وبتقولى خلاص مبقتيش وحيدة ياشروق.
قال مراد بعتاب:.

وأنا روحت فين بس، من اليوم اللى إتجوزتك فيه، مش بس اليوم اللى إعترفتلك فيه بمشاعرى، كنتى خلاص، مبقتيش وحيدة ياشروق، أنا جنبك ومعاكى في كل حاجة، على الحلوة وعلى المرة، أما موضوع الطفل، فالدكتور قاللى إنك ممكن تانى تحملى بس مش قبل ست شهور،
أشاحت شروق بوجهها في ألم وهي تقول بصوت متهدج:
ممكن آه وممكن لأ، مين عارف، هقدر أحمل تانى ولا لأ؟
مد مراد يده وأمسك ذقنها يعيدها لتنظر إليه مباشرة يقول في تصميم:.

هنستنى الشهور دى وبعدين هنحاول ياشروق، وصدقينى ربنا هيعوضنا خير ياحبيبتى.
نظرت إلى عينيه بأمل ليبتسم لها مشجعا، وهو يقول:
خلى أملك في الله كبير.
تسللت إبتسامة إلى شفتيها وهي تقول بإيمان تسلل إلى قلبها:
ونعم بالله.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كان يحيى واقفا في شرفة حجرته يعقد حاجبيه بضيق وهو يتطلع إلى الأفق البعيد، حين أحاطت خصره بذراعيها ومالت برأسها تسندها على ظهره تخرجه على الفور من حالة الضيق التي تعتريه وتحيطه بحالة من السلام النفسي وهي تهمس قائلة:
حبيبى بقاله ساعة بعيد عنى ليه؟
تنهد وهو يضع يديه على يديها قائلا:
حبيبك ميقدرش يبعد عنك ثوانى يارحمة.
ليلفها كي تواجهه، تتأمل عيناه ملامحها بشغف قائلا:.

ومين بس يقدر يبعد عن روحه ياأغلى عندى من روحى.
إبتسمت قائلة:
كلامك حلو أوي، بيدوبنى يايحيى، تعرف؟أنا بقى عندى إدمان إسمه، كلام يحيى الحلو، لازم كل يوم، لأ كل ساعة وكل دقيقة أسمعه.
قرص وجنتها بخفة قائلا بلهجة ذات مغزي:
كلامى بس اللى حلو؟
أطرقت برأسها في خجل قائلة:
إنت قليل الأدب على فكرة.
إبتسم وهو يرفع ذقنها بيده قائلا:
وإنتى دماغك شمال يارحومتى، ليه فهمتيها بالشكل ده؟مايمكن قصدى عيونى، غمازاتي...

ضربت يده بخفة قائلة بغيظ:
بقى كدة، ماشي يايحيى.
كادت أن تمشى ليجذبها من يدها يوقفها ثم يعيدها إلى مكانها قائلا بضحكته التي تذيب ضيقها وغضبها دائما:
تعالى بس، رايحة فين، أنا بهزر معاكى.
نظرت إلى وجهه الذي تشرقه إبتسامته، أما ضحكاته فتجعله ساحرا، لتجد نفسها تقول دون وعي:
إنت حلو أوي يايحيى.
نظر إليها بعينيه اللتين تذيبانها عشقا، عيناه اللتان تبتسمان بعشق الآن وهو يقول:
أنا حلو عشان عيونك حلوة يارحمتى.

نظرت إليه بعيون رائعة وهي تقول بدهشة:
أول مرة تقولى كدة.
إتسعت إبتسامته وهو يقول:
عشان حاسسها بجد، إنتى رحمتى من وحدة عشت فيها قبلك، ورحمتى من أي عذاب شفته في بعدك، ورحمتى اللى دايما معايا كل ما أحس بضيق واللى بتقدر تبعده عنى في ثوانى وتبدله براحة عمرى ما حسيتها غير وأنا معاكى بس.
رفعت يديها تحيط بها وجهه قائلة:
وإنت كمان عوض ربنا لية عن كل حاجة حصلتلى، مبحسش بالسعادة غير وأنا وياك بس يايحيى.

مال يقبل يدها الرابضة على وجنته قائلا:
قلب يحيى وعمره كله.
أحست رحمة بأنها تذوب بين يديه وكادت أن تستسلم لمشاعرها ولكنها تذكرت فجأة ما جاءت إلى يحيى كي تسأله عنه، لتخفض يديها قائلة بمشاعر مازالت مضطربة من أثر قبلته وهمساته:
صحيح إنت خرجت النهاردة روحت فين وراجع مضايق كدة ليه ياحبيبى؟
لاحظت رحمة لمحة من القسوة مرت بعينيه، تعجبت لها خاصة وأن صوت يحيى لم يحملها وهو يقول:
كنت مع مراد في المستشفى.

إتسعت عينا رحمة بجزع وهي تقول:
ليه، حصله حاجة تانى؟
قال بنفي وبصوت شعرت فيه بحزنه:
لأ، مراد كويس، الموضوع بس إن شروق حصلها حادثة وخسرت البيبى.
شهقت بقوة وهي تضع يدها على فمها ثم رفعتها قائلة بصدمة:
وهي عاملة إيه دلوقت؟ومراد عامل إيه؟مخدتنيش معاك ليه بس يايحيى؟
أمسك يديها بين يديه قائلا:.

إهدى بس، هما بخير، أكيد الموضوع مش سهل عليهم بس مع الوقت هيتقبلوه وهيعوضوا اللى راح منهم، ومكنش ينفع آخدك ولسة حالة شروق النفسية مش مستقرة، ده غير رجوع مامتك النهاردة، والأمور كانت متلخبطة شوية.
أومأت برأسها قائلة:
معاك حق، طيب انا عايزة أشوفها يايحيى وأطمن عليها بنفسى.
قال يحيى:
هوديكى ليها، بس يومين كدة على ماتبقى أحسن، على الأقل نفسيا يارحمة.
أومأت برأسها موافقة، ثم تنهدت وهي تنظر إلى عينيه قائلة:.

طيب الوقت متأخر، مش هتنام ياحبيبى؟، إنت شكلك بجد تعبان.
نظر إلى عينيها الجميلتين وهو يقول:
وهتاخدينى في حضنك عشان أرتاح يارحمة؟
تنهدت قائلة:
حضنى ده ملكك ياقلب رحمة.
إبتسم وهو يضمها إلى صدره يغمض عينيه، يشعر بالإرتياح وهو يستنشق عبيرها، فبين ذراعيها هي فقط، وجد راحته.

دلفت شروق إلى تلك الشقة الجديدة مع مراد الذي صمم أن يحملها رغم أنها تستطيع المشي جيدا، فالحمد لله لم تصب بكسور من ذلك الإعتداء الذي أصابها، فقط فقدت جنينها وإمتلئ جسدها ووجهها بالكدمات البشعة، أدخلها مراد إلى الحجرة الرئيسية ومددها ثم جلس بجوارها قائلا:
حمد الله على السلامة ياشوشو، نورتى بيتك.
تأملت المكان حولها قائلة بضيق:.

مكنش ليه لزوم تنقلنا شقة تانية يامراد، واضح إن الشقة دى أغلى كتير من التانية.
إبتسم قائلا:
مفيش حاجة تغلى عليكى ياحبيبتى، النقل كان ضرورى، أولا عشان الأمان، الشقة اللى كنا عايشين فيها مبقتش أمان خلاص، ثانيا الشقة التانية هتفكرك بكل حاجة حصلتلك، وعشان كدة نقلتك هنا، ثالثا إحنا مش هنقعد فيها كتير، فترة كدة وهنروح حتة تانية.
قالت في لهفة:
هنرجع شقتنا؟
قال في غموض:.

لأ، هنروح مكان كان المفروض كنت أعيشك فيه من زمان.
نظرت إلى عينيه في حيرة قائلة:
مكان إيه ده؟
قرص وجنتها بخفة قائلا:
متشغليش بالك دلوقتى، وقوليلى، أخبارك إيه؟
إبتسمت قائلة:
أنا بخير طول ما إنت في حياتى يامراد، وجودك جنبى هون علية كل حاجة.
أمسك يديها بين يديه قائلا:
أنا جنبك وهفضل طول عمرى جنبك، أنا ماصدقت لقيتك ياحبيبتى.
إبتسمت وهي تتأمله بعشق، لتقول بعد لحظة:.

على فكرة، على أد ما كنت بغير من رحمة، على أد ما بحبها دلوقتى، زيارتها لية في المستشفى وكلامها خففوا عنى كتير،
إبتسم قائلا:
رحمة ما تفرقش عنك ياشروق، انتوا الاتنين ملايكة، مكان مابتكونوا بتنشروا فرحة وراحة وحب.
نظرت إلى عينيه قائلة بلهفة:
يعنى انت بجد شايفنى زيها يامراد؟
قال مراد بعشق:
أنا دلوقتى شايفك غير الكل، إنتى بالنسبة لى دلوقتى وعلى رأي كاظم بتاعك ده، ست النساء.
أدمعت عيونها قائلة:
بجد يامراد؟

رفع يده يمررها على خد شروق السليم قائلا بحب:
بجد ياقلب مراد.
غرق كل منهم في عيون الآخر، ليتنحنح مراد قائلا:
إحمم، على فكرة كدة غلط، أنا شوية ومش هقدر أمنع نفسى عنك، والدكتور منبه علية، متودنيش في داهية أبوس إيدك.
تعالت ضحكاتها، ليتيه فيها ثم نهض قائلا:
لأ، أنا همشى بقى قبل ما أتهور يابنت الناس،
توقفت عن الضحك وهي تقول بحزن:
إنت هتمشى وتسيبنى.
مال يقبل وجنتها برقة ثم يقول وهو يستمع إلى جرس الباب:.

غصب عنى، بقالى كام يوم غايب عن البيت والشغل، هروح أظبط شوية حاجات وهرجعلك، ونهاد جت أهي، هتقعد معاكى لحد ما أرجع، وأوعدك، مش هتأخر.
إبتسمت تعلن بإبتسامتها موافقتها على ذهابه ليقبل رأسها ثم ينظر إليها نظرة أخيرة قائلا:
لا إله إلا الله.
إتسعت إبتسامتها وهي تقول:
محمد رسول الله.
ليغادر تتبعه عيناها بعشق قبل أن تتنهد قائلة:
بحبك يامراد، بحبك أوي.

قالت بشرى بعصبية:
قصدك إيه يابهيرة؟
تلفتت بهيرة حولها تتأكد من عدم وجود أحد يمكنه سماعها وعندما إطمأنت قالت بهدوء:
زي ما قلتلك، اكيد محتاجة وقت عشان أكسب ثقتها من تانى، وبعدين يحيى آخد باله منى كويس، حاساه مش مرتاحلى ومراقبنى، فمينفعش أتسرع عشان مغلطش.
زفرت بشرى ثم قالت:
تمام يابهيرة بس إنجزى، على ما أشوف مراد كمان ده راح فين، بس خليكى جاهزة، عشان ممكن أتصل بيكى في أي وقت، مفهوم؟
قالت بهيرة:
مفهوم.

أغلقت بشرى الهاتف بوجهها لتقول بهيرة بضيق:
بتتكلم كدة ليه وبتتأمر بس على إيه؟أمال لو مكنتش محتاجانى كانت عملت فية إيه؟، حاجة تجيب الضغط.
لتبتعد بخطوات غاضبة، ليظهر يحيى من أحد الأركان يتابع إبتعادها بعيينه، ليتأكد تماما من حدسه، وتقسو عينيه وهو يتوعد لها ولمن خلفها بعذاب شديد.

كانت بشرى تجلس على الأريكة تمسك مجلة الموضة تتصفحها بلا مبالاة، فمزاجها اليوم غير رائق بالمرة، حين فتح الباب ودلف مراد، لتقول بشرى بسخرية:
لسة بتفتكر إن ليك زوجة وبيت تسأل عليهم يامراد.
نظر إليها مراد مطولا للحظات، لتشعر هي رغما عنها بالإضطراب من نظراته الخالية من المشاعر، والتي تمتلئ ببرودة كالجليد تماما، تتساءل هل عرف بفعلتها؟، لتنفض هذا الإحتمال فأنى له أن يعرف؟ليقاطع أفكارها قائلا ببرود:.

بشرى، أنا لسة راجع البيت وتعبان ومش فاضى أبدا لتلميحات سخيفة عن تقصيرى معاكى.
لتنهض قائلة بعصبية:
أمال فاضى لإيه بالظبط، ها؟كنت فين يامراد المدة اللى فاتت دى كلها؟
نظر إلى عيونها مباشرة وهو يقول ببرود:
كنت مسافر في شغل.
رفعت حاجبيها قائلة بسخرية:
شغل برده؟شغل إيه اللى الشركة متعرفش عنه حاجة، وشغل إيه اللى مخلى شكلك كدة؟، وكأنك منمتش من شهور.
قال بهدوء يحمل بعض السخرية:.

مظنش إن الوقت يسمح أشرح لسموك الشغل ده، ده غير إنك قولتيها بنفسك، انا فعلا منمتش ومحتاج أنام، عن إذنك.
كاد ان يغادر متجها لغرفته حين إستوقفه صوتها وهي تقول بغضب:
إنت هتستعبط يامراد؟
ليلتفت إليها يمسك ذراعيها بيديه قائلا بقسوة:
إنتى إزاي تتكلمى معايا بالشكل ده، إنتى نسيتى نفسك ولا إيه؟انا مراد الشناوي واللى يطول لسانه علية، أقطعهوله، مفهوم؟
نظرت إليه بصدمة ليهدر قائلا:
مفهوم؟

اومأت برأسها لينظر لها ببرود ثم يتركها ويبتعد متجها لحجرته، تتابعه بعينيها بغيظ قبل أن تقول بغل:
والله وطلعلك صوت يامراد، بقى عايز تقطع لسانى، طب نهايتك هتكون على إيدى، وبكرة تشوف.

قالت رحمة بإستنكار:
إنتى بتقولى إيه بس ياماما؟، لأ طبعا، يحيى مستحيل يتجوز علية أو يفكر حتى يعملها.
قالت بهيرة بهدوء:
وليه لأ يارحمة، ماباباه عملها قبل كدة وإتجوز مامة هشام، وباباكى عملها بعده وإتجوزنى، ويحيي نفسه إتجوزك بعد راوية، إيه اللى يمنعه يتجوز تالت، ده شئ بيجري في دمهم ياحبيبتى مجرى الدم.

كادت كلمات بهيرة ان تفتك بقلب رحمة شكا، فبالفعل حدث كل ما قالته والدتها، ولكن لوالد يحيى ويحيي ظروفا أجبرتهم على الزواج، وهو وفاة زوجتهم الأولى، وإضطرارهم للزواج مرة ثانية، أما أباها فخضع لسحر أمها، ولم يكن له حق أبدا في ذلك، ولكنها لن تلومه الآن وقد واراه الثرى، لتتساءل بقلق، ترى هل من الممكن أن تأخذه منها أخرى؟، خاصة وهو يعلم بعدم قدرتها على الإنجاب، كادت بهيرة أن تبتسم إنتصارا وهي ترى ملامح الشك على وجه إبنتها، ولكنها مالبثت أن شعرت بالصدمة، حين إختفت تلك الملامح ليحل مكانها يقينا وهي تقول:.

مستحيل أصدق إن يحيى ممكن يتجوز علية، أنا بحب يحيى، ويحيي بيحبنى ياماما، ومستحيل يعمل كدة، عن إذنك أنا رايحة لهاشم عشان ده ميعاد أكله.
تابعتها بهيرة بعينيها يتآكلها الغيظ، وهي تقول:
طالعة هابلة زي أبوكى.
بينما إبتسم يحيى بعشق وهو يتابع صعود رحمة، بعد ان إستمع إلى كلماتها ليدرك انها أصبحت تثق بعشقه لها، لينظر إلى بهيرة ويدرك أنها أصبحت أيضا خطرا شديدا لابد من إقتلاعه، فورا.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كانت بهيرة تقف في الحديقة إلى جوار رحمة التي كانت تلاعب هاشم بالكرة، ينتابها التوتر الشديد، فقد هددتها بشرى في الهاتف اليوم، إن لم تحضر رحمة إليها بعد ساعة من الآن فلتعتبر إتفاقهما لاغى، وسترسل ليحيي ورحمة كل تسجيلات محادثاتهما مع حذف صوتها بالطبع، لتخشى بهيرة غدر بشرى وتهديدها، وها هي تتحين الفرصة لإحكام خدعتها، حتى حانت من رحمة إلتفاتة لوالدتها، لتتظاهر بهيرة بأنها على وشك الإغماء، لتصاب رحمة بالجزع وتسرع إليها تسندها وهي تقول بقلق:.

ماما مالك، فيكى إيه بس؟
قالت بهيرة بصوت حاولت أن تبث الضعف به:
قعدينى بس يابنتى وأنا أقولك.
أجلستها رحمة وهي تجلس بجوارها تضم يدها بين يديها قائلة:
طمنينى ياماما، إنتى كويسة؟
قالت بهيرة بعيون غشيتها دموع التماسيح:
الحقيقة يارحمة، إن أنا مريضة بالقلب،
كتمت رحمة بيدها شهقة كادت ان تخرج منها وبهيرة تستطرد قائلة:.

أنا كنت متابعة مع دكتور بس لما الدنيا ضاقت بية مبقتش أروحله، وفى الفترة الأخيرة بقت تجيلى نوبات دوخة وضيق نفس زي ما إنتى شايفة.
قالت رحمة من خلال دموعها التي سقطت حزنا على والدتها:
ياحبيبتى ياماما.
تظاهرت بهيرة بالإستكانة وهي تقول:
كان المفروض أروحله من شهر أعمل باقى الأشعة والتحاليل، بس للأسف مروحتش، وشكل حالتى متأخرة يارحمة أو جايز قربت أمو...
قاطعتها رحمة وهي تضع يدها على فم والدتها قائلة بجزع:.

بعيد الشر عنك ياماما، طول ما فيه أمل لحالتك يبقى مفيش يأس، وأنا معاكى وبإذن الله هتقوميلنا بالسلامة ياحبيبتى.
أمسكت بهيرة بيد إبنتها الموضوعة على فمها بين يديها قائلة:
لكن يارحمة العلاج غالى و...
قاطعتها رحمة قائلة بصوت قاطع:
مفيش لكن، أنا قلتلك طول ما فيه أمل يبقى هنمشى وراه ولو كلفنى علاجك كل حاجة بملكها، هدفعها ياماما وأنا مبسوطة إنك موجودة في حياتى.
ربتت بهيرة على يدها قائلة بحنان زائف:.

يخليكى لية يابنتى.
لتمسح رحمة دموعها وهي تنهض قائلة في تصميم:
أنا هاخد هاشم أوديه لروحية عشان تاخد بالها منه وهتصل بيحيي وأجيلك عشان نروح للدكتور بتاعك، دقايق بس، مش هتأخر.
اومأت بهيرة برأسها موافقة، لتتجه رحمة لهاشم الذي يلعب بالكرة تحمله بين ذراعيها متجهة إلى داخل المنزل بينما تتابعها عيون بهيرة بإبتسامة ساخرة قائلة:
مش قلتلك هابلة زي أبوكى.
لتتسع إبتسامتها الساخرة وعيونها تلمع، بإنتصار.

طرقت بهيرة جرس الباب لتفتح بشرى وتلمع عيونها وهي ترى مجدى الذي يحمل رحمة الغائبة عن الوعي لتفسح له الطريق بالدخول تتبعه بهيرة لتنظر بشرى خارج المنزل تتأكد من أن أحدا لم يرهم أثناء دخولهم المنزل، لتغلق الباب بهدوء وقد شعرت بالراحة لتشير لمجدى الواقف بهدوء ينتظر أن ترشده لحجرتها، لتسبقه وهي تفتح باب الحجرة بحذر، ليدلف مجدى إليها ويضع رحمة الغائبة عن الوعي على السرير بجوار مراد الغائب عن الوعي بدوره، ثم يخرج من الحجرة تتبعه بشرى لتقول بسرعة:.

كدة تمام أوي، إمشوا بقى بسرعة لإنى كلمت يحيى وأكيد قرب ييجى، مش عايزاه يلمحكوا، مفهوم؟
قال مجدى:
وقلتيله إيه؟
قالت بشرى:
زي ما إتفقنا، قلتله إلحقنى يايحيى، انا لقيت مراد مع واحدة في البيت، هو طبعا فضل يهدينى، أكيد فاكر إنها أي واحدة ميعرفش إنها مراته رحمة، الصدمة هتبقى كبيرة عليه وأكيد هيفكر يموتهم بس أنا هكون موجودة وهمنعه.
أومأ مجدى برأسه قائلا:
تمام وأنا هكون قريب عشان لو إحتجتينى.
قالت بسرعة:.

كويس أوي، يلا بقى إمشوا بسرعة.
قالت بهيرة في جشع:
طب وفلوسى، انا مش جبتها لحد عندك.
قالت بشرى بحنق:
يخلص بس الموضوع ده وكل اللى طلبتيه هتاخديه، يلا بقى إمشوا عشان ألحق أظبط الدنيا قبل ما ييجى.

غادر الإثنان، لتدلف بشرى إلى الحجرة، تخلع عن رحمة هذا الجاكت القصير التي تلبسه على فستانها ليظهر كل من كتفها و ذراعيها العاريتان ثم تلقى بالجاكت أرضا، لتبعثر شعر رحمة الرائع بيدها، تود لو قصته لها من غلها، ولكن هذا ليس الوقت المناسب لتفعل ذلك، نظرت إلى مراد لتسحب يده وتضعها على خصر رحمة، لتبتعد ناظرة إليهما بإبتسامة راضية، قبل ان تخرج من الغرفة، وتحاول ذرف بعض الدموع وهي تنتظر قدوم يحيى، بفارغ الصبر.

دق جرس الباب لتسرع بشرى بفتح الباب وهي تتظاهر بالإنهيار التام، ليقول يحيى بجزع:
فين مراد يابشرى؟
أشارت بشرى بيد مرتعشة إلى حجرة النوم ليتجه يحيى إليها، فأسرعت بشرى ووقفت بين يحيى والباب تقول في جزع مصطنع:
بلاش تدخل يايحيى، صدقنى مش هتتحمل الصدمة ولا هتقدر تتقبل اللى أنا شفته.
عقد يحيى حاجبيه قائلا:
قصدك إيه يابشرى؟
قالت بشرى بحزن مفتعل:.

الإتنين اللى جوة دول أقرب الناس لقلبك والإتنين خانوك وخانونى يايحيى.
إزداد إنعقاد حاجبي يحيى وهو يشعر بالتوجس في قلبه ليقول بصرامة:
إبعدى عن طريقى يابشرى.
قالت بشرى:
بس...
هدر بها يحيى قائلا:
قلتلك إبعدى.

تظاهرت بالخضوع وهي تبتعد عن طريقه، ليدلف إلى الحجرة ويشاهد هذا المنظر الذي هز كيانه وأعاده إلى الماضى بكل قسوة، ليقف متجمدا يطالع أخاه وهو يضم زوجته شبه العارية في سرير، لتبدو زوجته على وشك الإستيقاظ ببطئ، لتفتح عيونها وترى زوجها الواقف بوجه خال من المشاعر ينظر إليها لتقول بضعف:
يحيى...

لتتسع عينيها بصدمة وهي ترى وضعها المخجل وتدرك أنها تقع مجددا فريسة لخدعة محكمة، كل هدفها تفريقها عن يحيى لتنتفض مبتعدة عن مراد تضم جسدها بقوة تبحث بعيونها عن مايسترها لتجد الجاكت خاصتها ملقى أرضا، فسحبته بسرعة ولبسته تحت أنظار يحيى الذي ينظر إليها دون أية مشاعر تظهر على وجهه، طالعته بعد ان إرتدت ملابسها، تريد أملا، ثقة، أي شئ يدفعها لتبرير ما حدث والتي باتت واثقة الآن من تلك المؤامرة وخيوطها التي حيكت ضدها، خاصة مع تلك النظرة المنتصرة والقابعة في أعماق عيون تلك الأفعى التي تقف بجوار يحيى، هي فقط تريد أن تشعر بأن يحيى قد تغير، أنه قد بات يثق بها، فلا يكرر أخطاء الماضى، لمحة من الحنان في بئر عينيه قد ينقذ قصة عشقهما من ضياع باتت تشعر به الآن، وهي تلاحظ، تلك العيون التي إكتست ببرود جليدي، كذلك الذي أحاط بقلبها الآن، لتقول بشرى عندما طال الصمت:.

قلتلك متدخلش، إنت اللى مرضتش...
هدر بها يحيى قائلا:
إخرسى يابشرى.
صمتت بشرى على الفور ليقول يحيى بنبرة جليدية:
إنزلى إستنينى في العربية.

أطرقت رحمة برأسها لتغادر الحجرة بخطوات منكسرة، تشعر بأنها الآن لديها رغبة واحدة، الموت، فلم يعد هناك سبب تعيش لأجله فالضربة تلك المرة قاصمة، فيحيي الذي منحته كل شئ، دون حدود او قيود، خذلها من جديد، ولكن تلك المرة قاتلة، نظرت إلى سيارته بحزن، لا، هي لن تعود معه، فقد إنتهى كل مابينهما، وربما آن أوان فراقهما، للأبد.

كادت بشرى أن تتحدث ليقول لها يحيى بصوت حاد:
إطلعى برة يابشرى.
قالت بشرى بقلق:
هتعمل إيه يايحيى؟
هدر بها قائلا:
إطلعى برة.
غادرت الغرفة بسرعة، لتزرع الصالة جيئة وذهابا بقلق حتى رأته على أعتاب الحجرة، عيونه بلون الدماء لتقول متوجسة:
عملت إيه في أخوك يايحيى؟
قال يحيى بصوت متهدج:.

كنت هقتله وأقتلها، بس خسارة أضيع روحى في واحد زيه وواحدة زيها، أنا همشى دلوقتى، هروح أطلقها وإبقى قوللى للى جوة ده إن أخوه يحيى مات.
ليبتعد متجها إلى الباب ليغادر المنزل فإستوقفه صوتها وهي تقول:
يحيى.
إلتفت إليها لتقول بتسرع:
أنا هعمل إيه؟
نظر إليها بتساؤل لتقول متلعثمة:
اللى، يعنى، عملته ده، عين العقل، بس أنا هيكون مصيرى إيه؟
عقد حاجبيه قائلا:
مش فاهم، قصدك إيه؟
إقتربت بشرى من يحيى قائلة:.

أخوك وطلع خاين وحقير وأكيد هطلق منه وإنت أكيد هتساعدنى، ورحمة وهتطلقها، طيب، أنا وإنت هنعمل إيه؟
إزداد إنعقاد حاجبيه لتقول مستطردة:
بما إننا أخلصنا في حبنا وملقيناش من اللى حبيناهم جزاء غير الخيانة فإيه رأيك نبقى أنا وإنت مع بعض يايحيى، وأهو بالمرة يكون ده إنتقامنا الحقيقى منهم.

لم يظهر على وجهه أي تعبير، لتقول مستطردة وقد إنتعش الامل بقلبها لعدم رفضه القطعي، تقرر بكل تسرع أن تصارحه بمشاعرها لتقترب منه أكثر حتى توقفت أمامه تماما قائلة
وهي تضع يدها على صدره ناظرة إليه بعشق:.

أنا طول عمرى معجبة بيك يايحيى، طول عمرى بقول بشرى ليحيي ويحيي لبشرى، ولما إتجوزت راوية وأنا إتجوزت مراد رضيت بنصيبى، بس غصب عنى كنت شايفاك كتير على راوية وكتير على رحمة، غصب عنى كنت بشوفنى نفسى أنا وبس مناسبة ليك، وبعد خيانة الإتنين دول، مبقاش فيه داعى أكتم مشاعرى أكتر من كدة،
رأت إبتسامته الساخرة قبل أن يقول:
تعرفى يابشرى، لو إنتى آخر ست على وش الأرض مستحيل هقرب منك، عارفة ليه؟

نظرت إليه وهي تعقد حاجبيها قائلة:
ليه يايحيى؟
إنتفضت وإتسعت عيناها على آخرهما حين إستمعت إلى صوت مراد وهو يقول بحقد:
عشان إنتى أحقر إنسانة خلقها ربنا يابشرى.
إلتفتت تنظر إلى هذا الذي يقف أمامها ينظر إليها بكره شديد، لتعود بنظراتها إلى يحيى الذي نظر إليها بسخرية، لتدرك ماحدث، لقد أرادت أن تنصب لرحمة فخا فكانت هي من أعد لها الفخ ووقعت هي فيه بكل رعونة، لتقول بتوجس:.

إنتوا مالكو، بتبصولى كدة ليه، هو أنا عملت إيه يعنى؟
إقترب منها مراد قائلا:
يابجاحتك يابشرى، بتخدرينى وبتخدرى رحمة وبتحاولى تعملى عملتك السودة دى لتانى مرة، وبرده بتسالى عملتى إيه؟بتعترفى لأخويا بحبك ليه وبإنك عايزة ترتبطى بيه وبرده بتسألى عملتى إيه؟بتقتلى إبنى وبتحاولى تقتلى مراتى ولسة بتسألى عملتى إيه؟
إنتابها الغضب وهي تدرك أنه تم كشفها وأن كل شئ قد ضاع من بين يديها لتقول بغل:.

انتوا السبب ياولاد الشناوي.
لتلتفت قائلة ليحيي:
طول عمرى بحبك، لكن إنت مشفتنيش وفضلت علية اللى إسمها رحمة فكان لازم أفرق بينكم بأي طريقة.
ثم إلتفتت إلى مراد قائلا:
حتى إنت إتجوزتنى بس عاملتنى زي أي واحدة غريبة، لا حبيتنى ولا إديتنى أي مشاعر تخلينى أقدر أنساه.
قال مراد بنبرة جليدية:
مسألتيش نفسك ليه محبتكيش؟
قالت بغل:
عشان كنت بتحب رحمة.
إبتسم بسخرية قائلا:
طب ليه حبيت شروق وأنا بحب رحمة زي ما بتقولى؟

عقدت حاجبيها ليستطرد قائلا:
عشان لقيت مع شروق اللى عمرى مالقيته معاكى، حب حقيقى، تضحية، حنان وسكن وراحة، الواحدة في إيدها تخلى جوزها مش بس يحبها، لأ كمان يعشقها.
ليضيف بصرامة:
وإحمدى ربنا إنى محبتكيش وإلا كان عقابك دلوقتى الموت على إيدية يابنت الدرملى، مش بس العقاب اللى هتتعاقبى بيه أبدا.
نقلت بصرها بين الأخوين وقد إتسعت عيناها توجسا وهي تقول:
عقاب إيه، إنتوا هتعملوا فية إيه؟
قال يحيى بسخرية:.

متقلقيش، قرصة ودان بس تقيلة شوية.
كادت أن تصرخ مستنجدة ليضربها مراد بخفة على مؤخرة رأسها وتسقط فاقدة الوعي، بينما قال يحيى بهدوء:.

وديها المخزن يامراد، وأنا هنزل بسرعة ألحق أفهم الغلبانة اللى تحت دى الحقيقة واللى أكيد فاكرة إنى صدقت فيها زي زمان، متعرفش إن إحنا إتفقنا في المستشفى، على إننا هنحاول نوقع بشرى ونسجلها صوت وصورة بلاويها عشان العيلة متلومش عليك طلاقها، كنا عايزين إعتراف منها بإنها اللى قتلت طفلك بس هي ساعدتنا وعملت أكتر من كدة كمان، عملت اللى يخلى العيلة غضبانة عليها عمر بحاله.
أومأ مراد برأسه قائلا:.

تمام، روح إنت ومتقلقش، أنا مش عارف أشكرك إزاي على إنك وقفت جنبى وفتحت عيونى اكتر على بلاويها ولولا فهمتنى حقيقتها، كانت هتبقى صدمة كبيرة علية وأنا بسمع كلامها دلوقتى.
قال يحيى بهدوء:
متشكرنيش يامراد، الحمد لله إن شرها وقف لحد هنا ولحقناه قبل ما تضر حد فينا أكتر من كدة، سلام دلوقتى.
قال مراد:
سلام.

ليسرع يحيى وينزل درجات السلم إلى حيث سيارته، كاد أن يجن وهو يلاحظ عدم وجود رحمة، ليشعر بالرعب في أوصاله، وهو يتأمل المكان الخالى من حوله، يصرخ قلبه بإسمها، في لوعة

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

كانت رحمة جالسة بهدوء، تتأمل هذا العشب الأخضر الممتد أمامها بلا نهاية، ورغم ان هذا المنظر الطبيعي لطالما أراح أعصابها بالماضى، إلا أنه الآن لا يؤثر فيها مطلقا، فصورة يحيى وهو ينظر إليها بجمود لا تفارق عيينها، لقد صدق ما رأته عيناه للمرة الثانية، ورفض أن يثق بها مجددا، ليهدم بيده عشق سكن قلبها وزواجا ظنت أنه لآخر العمر، تنهدت بحزن، ليخرجها من أفكارها صوت نحنحنة باتت مألوفة لديها لتلتفت وترى الحاجة آمال تقف خلفها تماما، حاولت رحمة أن تبتسم وهي تقول بأدب:.

إتفضلى ياحاجة آمال، واقفة كدة ليه؟

نظرت آمال إلى إبتسامتها الباهتة، وعيونها الحزينة والتي تعكس حالتها منذ أن جاءت إلى هنا منذ ثلاثة أيام، تبكى بحرقة لتأخذها آمال بحضنها، وتجعلها تفضفض لها بمكنون قلبها، لتتحسر آمال على رحمة وكل ما مر بها وتتوعد لتلك الأفعى بشرى، هي والحية بهيرة بقصاص يكون عبرة لأمثالهم، وحين أراد الحاج صالح أن يحضر يحيى ويصلح بينهما، رفضت رحمة بشدة وهددت بالهروب، ليضطر الحاج صالح أن يخضع مؤقتا لرغبتها حتى تهدأ ثم يستطيع أن يجمع بينهما بكل خير، فهو يدرك أن يحيى يحبها وقد ظهر ذلك بوضوح في تلك المرة التي زارهم فيها هو وعائلته، ولكن تلك الشيطانة لعبت لعبتها مجددا لتعمى الغيرة عيون يحيى عن رؤية تلك اللعبة الحقيرة، التي كررتها بشرى بمنتهى الغباء، أفاقت الحاجة آمال من شرودها على صوت رحمة وهي تقول في حيرة:.

حاجة آمال!

إبتسمت آمال وهي تتقدم وتجلس بجوارها قائلة:
أعذرينى يابنتى، سرحت شوية في حالك وحال جوزك اللى مش عاجبنى خالص.
أطرقت رحمة رأسها قائلة بصوت يقطر حزنا:
نصيبنا كدة ياحاجة آمال، حياتنا مع بعض تنتهى في الوقت ده وبالشكل ده.
قالت الحاجة آمال بهدوء:
الست العاقلة يابنتى متسيبش بيتها أبدا وتبعد عن جوزها لمجرد إنه غلط، لأ، تقف وتدافع عن بيتها وحياتها وراجلها، خصوصا لو بتحبه زي ما إنتى بتحبى يحيى.

رفعت رحمة رأسها تنظر إلى آمال بعيون غشيتها الدموع وهي تقول:
كان ممكن أقف أدام الدنيا بحالها لو حسيت للحظة واحدة إنه بجد واثق فية إنى مش ممكن أخونه، لو حسيت لثانية إنه شاكك في اللى بيحصل، لكن هو وقف يبصلى زي مابصلى زمان وكأن خيانتى شئ متوقع، وكأن متأكدش بنفسه بظلمه لية في المرة الأولى.
أطرقت آمال برأسها في حزن قائلة:
معاكى حق يابنتى.
لترفع رأسها قائلة:.

بس اللى بيحب بيبقى أعمى يارحمة وغيرته على حبيبه بتعميه أكتر، مبيشوفش أدامه غير اللى غيرته بتصورهوله، لكن لما بيهدى ويفكر بيعرف إن فيه حاجة غلط، وبيبدأ يحلل صح، ويعرف إنه غلطان، زي يحيى دلوقتى.
عقدت رحمة حاجبيها قائلة بحيرة:
قصدك إيه ياحاجة آمال،
إقتربت منها الحاجة آمال قائلة بحذر:.

وصل للحاج صالح إن يحيى قالب الدنيا بيدور عليكى في كل حتة لدرجة إنه سافر الإمارات يدور عليكى هناك، ده أنا سمعت إنه ياحبة عينى لابياكل ولا بيشرب ولا بينام، وحالف ما يرتاح غير لما يلاقيكى.
أحست رحمة بوجع في قلبها لسماعها أحوال يحيى المؤلمة، لتنفض هذا الوجع وهي تخبر نفسها أنه ربما يبحث عنها ليقتلها إنتقاما لشرفه الذي يعتقد أنه تمرمغ في الوحل، لتترجم إحساسها إلى كلمات وهي تقول بهمس حزين:.

غالبا بيدور علية عشان يقتلنى ياحاجة آمال ماهو فاكر إنى خنته مع أخوه.
أصدرت الحاجة آمال صوتا يعبر عن رفضها وهي تهز رأسها نفيا قائلة:
لأ يارحمة، مظنش، أنا حاسة إنه بيدور عليكى من حبه فيكى يابنتى، كلنا شفنا الحب ده في عينيه لما وقعتى من طولك يوميها ياضنايا.
قالت رحمة بألم:
ياريت نقفل الكلام في الموضوع ده عشان خاطرى ياحاجة آمال، الكلام فيه بجد بيوجعنى، وكفاية وجع لحد كدة.
تنهدت آمال قائلة:.

اللى تشوفيه يابنتى.
نهضت رحمة قائلة:
أنا قايمة أروح أوضتى أرتاح شوية، بعد إذنك ياحاجة.
قالت آمال:
إذنك معاكى يابنتى.
لتمشى رحمة بخطوات بطيئة حزينة تتابعها عيون الحاجة آمال بحزن قبل أن تسقط أرضا لتصاب الحاجة آمال بالجزع وهي تسرع إليها لتجدها فاقدة الوعى لتصرخ قائلة:
إلحقينى يانجاة، إلحقنى ياحاج صالح.

قال مراد:
أنا بخير ياحبيبتى، إنتى أخبارك إيه؟
قالت شروق:
أنا بخير طول ما إنت بخير يامراد، مش ناقصنى بس غير إنى أشوفك.
تنهد مراد قائلا:
إنتى شايفة ياحبيبتى الظروف اللى إحنا فيها، نلاقى رحمة بس وهتلاقينى عندك في ثوانى.
قالت شروق بحزن:
والله أنا قلبى واجعنى عليها، بدعى كل يوم في صلاتى تلاقوها، أنا عارفة يحيى بيحبها أد إيه.

نظر مراد إلى أخيه الذي يزرع الحديقة جيئة وذهابا يتحدث في الهاتف بعصبية، ليقول بأسى:
والله إنتى لو شفتى حالته دلوقتى يصعب عليكى ياشروق، ربنا يكون في عونه، أنا كنت مكانه وعارف هو حاسس بإيه دلوقت.
لمعت عيون شروق لتقول:
طيب ما الحل أدامنا أهو يامراد.
عقد مراد حاجبيه قائلا:
تقصدى إيه؟
قالت شروق:
حادثة يعملها يحيى ورحمة اكيد اول ما تسمع هتيجى تشوفه علطول.
قال مراد بإستنكار:.

إنتى إتجننتى ياشروق؟، يعنى عشان نرجع رحمة نضيع يحيى.
قالت شروق بحنق:
وأنا قلت كدة برده، يامراد ياحبيبى، خبر مزيف في الجرايد، ويحيي في أوضة في المستشفى بتاعة صاحبه، وكل شئ يتظبط عشان يبان زي الحقيقة، ساعتها رحمة لو شافت الخبر هتيجى علطول، أنا متأكدة.
مرر مراد يده في شعره قائلا:
والله هي فكرة، هقوله عليها، رغم إنى معتقدش إنه ممكن ينفذها، بس أهى محاولة، يمكن تصيب.
قالت شروق:.

طيب قوله واللى فيه الخير يقدمه ربنا ياحبيبى.
قال مراد وهو يلاحظ أن أخاه أنهى مكالمته ويتجه إليه بخطوات عصبية:
خلاص ياشروق يحيى جاي أهو، خدى بالك من نفسك ياحبيبتى.
قالت شروق بحب:
وإنت كمان يامراد، خد بالك من نفسك وطمنى عليك أول بأول.
قال مراد:
حاضر، سلام دلوقتى.
ليغلق الهاتف ويحيي يقف أمامه تماما، ملامحه لا تبشر بالخير، أبدا.

قالت الحاجة آمال بقلق:
كدة مبقاش ينفع نخبى على يحيى مكانها ياحاج صالح.
قال الحاج صالح وهو يطرق بعصاه الأرض قائلا:
معاكى حق ياحاجة، الموضوع مبقاش زعل بين زوج وزوجة، الموضوع بقى أكبر من كدة ولازم الإتنين يبقوا قصاد بعض، عشان يتراضوا ويرجعوا لبعض.
قالت الحاجة آمال:
يعنى هتقوله ياحاج؟
نظر إليها الحاج صالح قائلا:.

لا ياحاجة، دى حاجة بين الراجل ومراته، ملناش دخل بيها، أنا هتصل بيه وأقوله على مكان مراته وهو لما ييجى تبقى تقوله.
أومأت برأسها قائلة:
عين العقل ياحاج، عين العقل.
ليمسك الحاج صالح هاتفه ويتجه إلى حجرته يجرى هذا الإتصال الذي أصبح ضروريا لجمع زوج وزوجة، وطفلهما معا.

قال مراد بقلق:
مالك يايحيى، فيه جديد؟
قال يحيى بغضب:
لسة حالا المحقق متصل بية، بيقول إن إبنه حصله حادثة وعشان كدة إتأخر في إنه يجيبلى نتايج فرز الشرايط بتاعة ليلة الحفلة وإنه بعد كدة حاول يوصلى كتير ومكنش بيقدر، طلع الخاين ياسيدى في رجالتى واللى دخل الحرباية اللى حطت السم لرحمة وحاولت تقتلها يوميها يبقى، فتحى.
قال مراد بصدمة:
مش معقول، مش الراجل ده اللى ياما عطفت عليه وجوزت بنته السنة اللى فاتت.

أومأ يحيى برأسه قائلا في غضب:
كلب ومطمرش فيه، مش دى المشكلة أصلا، المشكلة في الحرباية اللى عملت كدة، تعرف طلعت مين؟
نظر إليه مراد بتوجس ليومئ يحيى برأسه قائلا بحقد:
أيوة هي، بشرى.
لتتسع عيون مراد في صدمة.

جلست الحاجة آمال على السرير بجوار رحمة التي شعت السعادة في وجهها، لتبتسم بحنان قائلة:
مبروك يابنتى، ألف مبروك.
قالت رحمة بسعادة تقطرت من كلماتها:
الله يبارك فيكى ياحاجة آمال، إنتى متتخيليش فرحتى بالطفل ده عاملة إزاي، أنا لحد دلوقتى مش مصدقة.
ربتت آمال على يدها قائلة:
لأ صدقى يابنتى، إنتى سمعتى الدكتورة بودانك قالت إيه؟
قالت رحمة بعيون شعت منها الفرحة:.

سمعتها، سمعتها ياحاجة آمال، بس أعذرينى، غصب عنى، أنا عشت فترة كبيرة فاكرة إنى مبخلفش، الله يسامحه هشام بقى، أكيد كان متفق مع الدكتور عشان أحس بعجزى وأرضى بنصيبى معاه، الحمد لله إن ربنا أرادلى الخلفة، دى نعمة كانت نفسى فيها، وكنت بدعيله ليل ونهار يرزق كل مشتاق، الحمد لله إنه إستجاب لدعوتى.
قالت الحاجة آمال:
الحمد لله يابنتى.
لتصمت لثانية قبل أن تقول:.

طب ويحيي يابنتى، مش من حقه يعرف إنه هيبقى أب هو كمان؟
إنطفأت ملامح السعادة من وجهها وحل مكانه الحزن وهي تقول:
لأ مش من حقه، هو إتنازل عن الحق ده، لما ظن فية ظن السوء، مش بعيد يشكك في نسب الطفل ده ليه، مش بعيد يحاول يقتله ويقتلنى.
لتحيط بطنها بذراعيها وكأنها تحمى طفلها من الخطر، لتقول الحاجة آمال بحسرة:.

لا إله إلا الله، يحيى عمره ما يعمل كدة يابنتى، إنتى زعلك منه عاميكى عن معرفة طبعه، يحيى راجل بجد وميإذيش حد بيحبه أبدا، راجعى نفسك يابنتى وفكرى في طفلك قبل ما يفوت الأوان.

نظرت رحمة إلى آمال تدرك أنها على حق، ربما مع مرور السنوات تخبر يحيى بأن لديه طفل منها، وربما لا، هذا ما لا تستطيع أن تقرره الآن مع هذا الألم الكبير الذي تشعر به بداخلها والذي يجبرها على تكتم خبر حملها، على الأقل، في الوقت الحالى.

قال مراد بغضب:
بشرى حسابها تقل أوي يا يحيى،
قال يحيى بغضب:
أنا بلغت الرجالة يقبضوا على فتحى، ويحطوه جنبها على ما أفضالهم وأروحلهم،
قال مراد بضيق:
أنا مش عارف بس إنت مستنى إيه؟، ما نبلغ عنهم وبكل المعلومات اللى معانا والتسجيلات، بشرى أكيد رايحة في داهية، والكلب ده كمان.
قال يحيى:.

مش قبل ما أعرف منها مين الحيوان اللى شفناه في التسجيلات، و اللى ساعدها في اللى عملته، اللى خدر رحمة مع أمها، وشالها على إيديه اللى هقطعهمله، وساعتها بس هعرف أنتقم منهم هما الإتنين.
قال مراد في غيظ:
بشرى وبلاويها بقى، هتلاقيه حد من معارف صاحباتها.
قال يحيى بغضب يحمل بعض الغموض:
مش باين كدة يامراد، الظاهر الموضوع أكبر من كدة.
قال مراد:.

فكرة وضع كاميرات في شقتى واللى قلتلى عليها في المستشفى كانت فكرة ممتازة، بس مش المحقق قالك إنه في خلال يومين بالكتير هيجيبلك كل المعلومات عن الحيوان ده؟
هز يحيى كتفيه قائلا في مرارة:
مفيش حاجة مضمونة يا مراد، ما هو قاللى الكلام ده قبل كدة عن رحمة، وأدينا لسة لغاية دلوقتى منعرفلهاش مكان.
ربت مراد على يد يحيى قائلا:
هنلاقيها يايحيى، لازم هنلاقيها.
تنهد يحيى قائلا:.

يارب يامراد، أنا حاسس إنى تايه من غيرها وقلبى واجعنى، وكأنها سابت جرح في قلبى مش هيشفيه غير طبطبتها عليه.
قال مراد بحزن:
حاسس بيك ياأخويا، حاسس بيك.
ليصمت لثانية ثم يقول بتردد:
شروق قالتلى، يعنى، على فكرة ممكن تجيبها.
نظر إليه يحيى بإستفسار قائلا:
فكرة إيه دى؟
قال مراد:
نفبرك خبر حادثة في الجرايد حصلتلك وأول ما رحمة هتقرا الخبر هتيجى المستشفى علطول زي ما حصل مع شروق.
هز يحيى رأسه قائلا:.

مش هتنفع الفكرة دى خالص، أولا لإن رحمة مبتقراش جرايد، ثانيا أنا معنديش صبر أقعد أستنى في أوضة في المستشفى على أمل رحمة هتظهر أو لأ، أنا عندى ألف القاهرة عليها بيت بيت أحسن.
نظر إليه مراد قائلا:
أنا قلت كدة برده،
ليصمت لثانية مفكرا ثم يقول:
طب مش يمكن رحمة مش في القاهرة؟
عقد يحيى حاجبيه قائلا:
قصدك إيه؟
ليرن هاتفه فنظر إلى شاشته ويجد رقم الحاج صالح، ليرد على الفور قائلا:
ألوو.
قال الحاج صالح:.

إزيك ياإبنى، أخبارك إيه؟
تنهد يحيى قائلا:
أنا بخير ياحاج صالح، إزاي الحاجة والولاد.
قال الحاج صالح:
بخير ياإبنى، كلنا بخير.
ليصمت لثانية قبل أن يقول بحزم:
أنا عايزك في البلد ضرورى يايحيى، النهاردة قبل بكرة.
قال يحيى:
أنا بستأذنك نأجل الموضوع ده يومين ياحاج، فيه موضوع شاغلنى هنا، هخلصه وأجيلك علطول.
قال الحاج صالح:
الموضوع اللى شاغلك، أصله هنا ياإبنى، معانا وفى بيتنا.
عقد يحيى حاجبيه وهو يقول:
قصدك إيه ياحاج؟

قال الحاج صالح:
قصدى إنى مراتك هنا ياإبنى، منورانا بقالها كام يوم.
لتتسع عينا يحيى بصدمة إمتزجت بفرحة شعت من عيونه، ليشعر مراد بأن تلك المكالمة تحمل خبرا مفرحا، للجميع.

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب

تأمل تلك النائمة بلهفة، بشوق دام أيام ولكنه يشعر وكأنها سنوات، فاللحظة في فراقها أعجزت قلبه، وألم بعدها جعله يهرم في لحظات، تمدد إلى جوارها يسحبها برقة إلى صدره، يشعر بها بين ذراعيه، لتتململ بين أحضانه، وكأنها قطة تتمسح به، ليدق قلبه بسرعة وهو يشعر بالإكتمال أخيرا بعد أن كان هناك ماينقص كيانه في هجرانها، ليقسم أن لا فراق بعد اليوم، مد يده يرفع وجهها إليه يتأملها بشغف، يلاحظ بعض الدموع العالقة برموشها، ليإن قلبه ألما، يدرك أنها كانت تبكى قبل أن تنام، مال يقبل رموشها يمسح دموعها بشفتيه، ثم تراجع حين إهتزت رموشها تعلن إستيقاظها لترى وجهه القريب منها، لتبتسم إبتسامتها التي تخلب لبه وهي تقول برقة:.

وحشتني يايحيى،
لتتنهد مستطردة:
يارب حلمى ده ميخلصش، وأفضل في حضنك كدة علطول.
إبتسم لتظهر غمازتيه وهو يقول بحنان:
إنتى كمان وحشتيني يارحمة، ولغاية مالمستك أنا كمان كنت فاكره حلم، وهصحى منه ملقكيش جنبى وأتعذب من جديد.
إتسعت عيونها وهي تدرك أنه حقيقة أمامها وأنه ليس حلما، لتتغير ملامحها العاشقة وتحل البرودة في ملامحها وهي تحاول الإبتعاد عنه، ليتمسك بها بين أحضانه قائلا:
رايحة فين؟ده أنا مصدقت لقيتك.

تململت بين يديه، تحاول الخروج من محيط ذراعيه دون فائدة، لتقول بعصبية:
سيبنى يايحيى، لو سمحت إبعد عنى، أرجوك.
إعتدل وهو يجعلها في مواجهته، ممسكا بكتفيها قائلا وهو ينظر مباشرة إلى عينيها بثبات:
أنا مش هبعد عنك غير بالموت يارحمة، لو عايزانى أبعد عنك، أنا أهو أدامك، إقتلينى أرحم.
لاحظ ظهور الخوف بعيونها، ثم الحزن في نبراتها وهي تقول:
ربنا يخليك لهاشم يايحيى.
مال ينظر إلى عينيها قائلا بحنان:.

وإنتى ياقلب يحيى.
نظرت إلى عيونه بعيون غشيتها الدموع قائلة:
وأنا إيه بالنسبة لك، واحدة مرت في حياتك، كل شوية بتوصمها بالعار وتتخلى عنها، وتسيبها لا هي حية ولا ميتة.
قال يحيى بحنان:
بعيد الشر عنك يارحمة، إنتى فاهمة غلط، إسمعينى للآخر ولو لقيتينى زي ما بتقولى يبقى حقك ياستى تقولى أكتر من كدة كمان.
كادت أن تتفوه بكلمات ليقاطعها وهو يقربها إليها قائلا بصوت تهدج من المشاعر:.

بقك ده ميتفتحش خالص وأنا بكلمك وإلا هسكتك بطريقتى يارحمة.
إبتلعت ريقها بصعوبة ليبتسم بإنتصار، رأت إبتسامته فشعرت بالغيظ منه وكادت أن تتفوه بكلمات تعارضه، لينفذ تهديده حرفيا ويميل مقبلا إياها بشوق، قبلة أخذت أنفاسها، وكادت أن تستسلم لها ولكن وجع قلبها وقف بينها وبين الإستسلام لتضربه في صدره تبعده عنها ليترك شفتيها مرغما وقد غامت عيونه بالمشاعر، ليقول بصوت متهدج:.

إفتحى بقك تانى يارحمة والمرة دى والله ما هسيبك أبدا.
أغلقت رحمة فمها على الفور، وهي تحبس انفاسها ليبتسم بداخله على مظهرها البرئ كالملاك، الرائع كالأطفال، ثم أخذ نفسا عميقا يتمالك به نفسه قبل أن يقول:
الحكاية بتتلخص في يوم ما إعتدوا على شروق وإكتشاف مراد بإن بشرى هي اللى ورا الموضوع ده.

عقدت رحمة حاجبيها وكادت أن تقول شيئا ولكنها تذكرت تهديده لتزم شفتيها حنقا، لتكاد أن تفلت ضحكة من شفتيه وهو يلاحظ رد فعلها، ليقول بإبتسامة:
شاطرة يارحمة.
نظرت إليه بغيظ، تجاهله وهو يقول:.

طبعا مراد كان عايز يطلق بشرى ويبعدها خالص عن حياتنا، بس ساعتها العيلة كلها كانت هتقف قصاده، و بتمثيلية بسيطة بشرى كانت هتطلع نفسها ضحية وهتسبب له مشاكل كبيرة، ورغم إنه أدها بس هو في غنى عنها، كان لازم عشان يطلقها نوقعها في شر أعمالها، وده اللى حصل، نصحته يومها بتركيب كاميرات في شقته ولإنى واثق إن بشرى متهورة ولازم هتغلط، كنت مستنى غلطتها دى، بس للأسف مكنتش متوقع إن غلطتها هتبقى إنتى ضحيتها، يوم ما كلمتنى وجيت شفتك، يمكن غصب عنى إتجمدت وماضى بحاله بيظهر أدامى، بيفكرنى بعذاب سنين، لكن مع الفرق، وهو إنى المرة دى كنت واثق مية في المية إنها لعبة قذرة من بشرى اللى متعرفش بإنى عرفت لعبتها اللى لعبتها زمان لإن الفكرة دى كانت أكيد فكرتها، ولإنها غبية كررتها وهي متعرفش إنى إتأكدت من برائتك بنفسى، بس كان لازم أبين إنى صدقت لغاية ماأشوف آخرة لعبتها دى إيه، ورغم وجعى للألم اللى ظهر في عيونك كنت واثق إنى هعرف أداويه بس لما نرجع بيتنا، نزلتى من هنا وجريت على أخويا أفوقه وأتأكد إنه كويس، وخرجتلها وأنا عارف ومتأكد إنها مش هتسيبنى أخرج بالساهل وهتقول حاجة تدينها وفعلا، بشرى حفرت الحفرة بس هي اللى وقعت فيها، ومعانا دلوقتى تسجيل يوديها في ستين داهية مش بس يسجنها أو يخلى العيلة تغضب عليها، لأ، دول لو شافوه هيشربوا من دمها كمان، وساعتها هنخلص كلنا من شرها.

كانت رحمة تستمع إليه بقلب أدرك أنه لم يخذلها، بل كان فقط يحاول مساعدة أخيه ونحر شر تلك العقربة للأبد، راجعت ماحدث، فوقتها قبض على يده ولكنه بسطها بعد ذلك، وهذا بالضبط مايفعله أثناء التوتر والقلق، وليس الغضب، فلو كان غاضبا مابسط يده قط كالمرة الأولى تماما، لتدرك بالفعل أنها ظلمته، ولكنه جازف أيضا بعلاقتهما ووضعها على المحك في سبيل ما فعل، ليظهر على وجهها الضيق رغما عنها ويحيي يقول:.

فهمتينى يارحمة؟صدقتى إن ثقتى بيكى بقت من غير حدود، وإنى مستحيل أشك فيكى تانى.
أومأت برأسها ليضم ذراعيها يقربها منه قائلا بهمس:
طيب حقى فين؟
كادت أن تنطق ليرفع حاجبيه فإلتزمت الصمت وهي تزم شفتيها مجددا ليبتسم قائلا:
إتكلمى، مش هعاقبك، متخافيش.
تراجعت رحمة بظهرها قائلة بحنق:
وهخاف من إيه يعنى؟
ليرفع حاجبه مجددا لتقول بإضطراب:
ما علينا يعنى، حق إيه سيادتك بقى اللى بتدور عليه؟

إبتسم وهو يقترب منها يميل عليها قائلا:
حق أيام مشفتش فيها طعم الراحة بسبب بعدك عنى، حق أيام لا كنت فيها باكل ولا كنت بنام وأنا مش عارف إنتى فين وعاملة إيه، حق ساعات إتمنيت فيها إن ربنا ياخد عمرى بس أطمن عليكى يارحمة.
أسرعت تضع يدها على فمه قائلة:
بعيد الشر عنك يايحيى، متقولش كدة تانى، أنا من غيرك أموت.

قبل يدها لتبعدها بخجل وقد أقرت له بعشقها وخوفه عليه بلحظات، متناسية كل ضيقها منه، ليبتسم وهو يرى وجنتيها تشتعل بنيران الخجل، ليقول بحنان:
خايفة علية، يبقى لسة بتحبينى يارحمة.
أطرقت برأسها قائلة في حزن:
وأنا من إمتى بس بطلت أحبك يايحيى، أنا بس زعلانة منك شوية.
مد يده يرفع ذقنها بيده لتواجهه عيناها ليقول بحيرة:
ليه بس؟
نظرت إلى عمق عينيه قائلة:.

لإنك كان لازم تصارحنى بكل حاجة بتحصل في حياتك، يمكن لو كنت صارحتنى مكناش بعدنا عن بعض، إنت مش آخد بالك إنى كان ممكن يجرالى حاجة من صدمتى اللى خدتها فيك لتانى مرة؟
أخذها في حضنه على الفور يقول بلهفة:
بعيد الشر عنك ياحبيبتى، بس إنتى معاكى حق، في دى أنا غلطان وبتأسفلك، وأوعدك إنى أقولك على كل حاجة بتحصل معايا من النهاردة، أنا مش مستعد أخسرك من تانى بعد ما خلاص لقيتك يارحمتى.

خرجت رحمة من حضنه قائلة بنبرة شابها الخجل:
على فكرة أنا مبقتش لوحدى، يعنى لازم تاخد بالك مننا كلنا.
إبتسم يحيى قائلا:
إنتى وهاشم في عيونى يارحمتى.
إبتسمت وهي تمد يدها تمسك يده وتقربها من بطنها تضعها عليها قائلة:
أنا وهاشم والبيبى اللى في بطنى يايحيى.
نظر يحيى إليها مشدوها، ينقل بصره بين بطنها ووجهها، ليقول بعد لحظة:
إنتى بتقولى إيه يارحمة؟
إتسعت إبتسامة رحمة قائلة:
بقول إنى حامل يايحيى.

عقد يحيى حاجبيه قائلا:
بس إنتى قولتيلى...
قاطعته قائلة:
قلتلك اللى سمعت الدكتور في الإمارات بيقولهولى، لما تعبت وهشام ودانى ليه وقاللى بعد عمل التحاليل، إن عندى عيب خلقى في الرحم يخلينى عقيمة، الدكتور اللى إكتشفت دلوقتى وبعد حملى وكلام الدكتورة هنا، إن هشام أكيد كان متفق معاه، عشان أفقد الأمل نهائيا في إنى ست طبيعية، ممكن تتجوز من تانى وتخلف وتعيش زي باقى الستات، فأرضى بحالى وأكمل معاه.

قال يحيى وقد بدأت ملامحه تنفرج سرورا:
يعنى أنا هجيب طفل منك يارحمة؟
اومأت رحمة برأسها قائلة:
طفلة، قلبى حاسس إنها طفلة يايحيى، بنوتة صغيرة تكون أخت لهاشم، عشان ياخد باله منها.
قال يحيى بسعادة شعت من عيونه:
ولد أو بنت، نعمة وفضل من ربنا، الحمد لله،
ليمسك رحمة من كتفيها يقربها منه قائلا:
إنتى خليتينى النهاردة أسعد واحد في الدنيا يارحمة.
إبتسمت وكادت أن تقول شيئا ليضع إصبعه على شفتيها قائلا:.

لأ، لحد كدة وكفاية كلام.
ليميل ويختطف شفتيها في قبلة أودع فيها عشقه وشوقه وسعادته، ومشاعره كلها، في تلك اللحظة.

كان الجميع يجلسون مجتمعين لأول مرة، كانوا فرحين بتجمعهم ولم ينغص عليهم سعادتهم في جلستهم تلك سوى خبر إستطاعة بشرى الهروب من محبسها بمساعدة ذلك المأفون فتحى، قبل أن يستطيع رجال يحيى القبض عليه ولكن بشرى هي من إستطاعت الإفلات منهم، ليقول يحيى بعصبية:
أكيد مستخبية عند الحيوان اللى في التسجيل ده واللى ساعدها يوم ماحاولت تقتل رحمة وشروق ويوما ماخدرت رحمة تانى،
قال الحاج صالح بغضب:.

يامين يطولنى رقبتها وأنا أقتلها بإيدى، دى طلعت حية كبيرة ولازم تتقطع رقبتها عشان نبعد شرها عننا،
ليقول فارس في غضب:
وإحنا فين ياحاج، نجيبهالك متكتفة لحد عندك وننحر رقبتها قصادك.
قال يحيى بحدة:
ملوش لزوم الكلام ده دلوقتى، نلاقيها بس وهتاخد جزائها على كل عمايلها السودة وغلطاتها في حق ولاد الشناوي كلهم، وخصوصا مراد.
تنهدت الحاجة آمال قائلة:.

مراد، ياضنايا ياإبنى، الله يكون في عونه، ده كان عايش مع شيطانة، الحمد لله إنه خلص منها.
لتقول رحمة بقلق:
صحيح، هو مراد راح فين يايحيى؟
مرر يحيى يده في رأسه قائلا بتوتر:
راح العربية يجيب موبايل بشرى منه، جايز نلاقى فيه حاجة تفيدنا.
ليدلف مراد في نفس الوقت وعلى وجهه ظهرت ملامح خيبة الأمل وهو يحمل الهاتف يناوله ليحيي قائلا:
آخر رقم كلمته كان واحد إسمه مجدى، ده الكوافير بتاعها.
عقد يحيى حاجبيه وهو يقول:.

كوافير إيه بس اللى هتكلمه في الوقت ده؟، أكيد مش هو، أو يمكن مسحت الرقم.
لتتنحنح نجاة قائلة بتوتر:
تسمحولى أتكلم،
أشار لها الحاج صالح بالكلام، لتستطرد قائلة:.

بنتى لبنى قالتلى إنها في آخر زيارة لبشرى هنا سمعتها بتكلم واحد إسمه مجدى وإنها أول ما شافتها، إتخضت ووشها إصفر، أنا مرضتش أقول لحد، إفتكرت إنها أوهام أطفال، ومحبتش أعمل مشاكل، بس الواضح إن مجدى ده مش الكوافير بتاعها زي ما حضرتك بتقول ياأستاذ مراد، أكيد ده اللى ساعدها في كل بلاويها.

عقد مراد حاجبيه بقسوة، يدرك كم كان مخدوعا بتلك الحية ليقرر أن يكون مقتلها على يده، ويده وحده دون غيره، ليترك المكان مغادرا بخطوات واسعة، لتقول رحمة بعجلة:
روح ورا مراد يايحيى، شكله هيعمل مصيبة.
لينظر يحيى إلى الهاتف قائلا بغموض:
مش هيلحق يارحمة، مش هيلحق.

كانت بشرى تقبع بين أحضان مجدى، تقول بحنق:
شفت يامجدى، عملوها فية الكلاب، كل ده عشان إكتشفوا إنى بحبك إنت، معرفش عرفوا إزاي بس، أكيد العقربة رحمة ليها إيد في الموضوع ده، تعرف يامجدى؟، حبسونى في مخزن قديم مع الفيران، وحرمونى من الأكل والله أعلم كانوا هيعملوا فية إيه تانى، لولا فتحى كنت مت.

زاد من ضمته إياها بقوة يود لو أدخلها بين ضلوعه يرفض فكرة موتها بشدة، ويتوعد لمن أراد بها سوءا بالموت كعقاب له، ليقول بغضب لما حدث لها على أيدي هؤلاء القذرين:.

إهدى بس يابشرى، إنتى دلوقتى معايا وفى حضنى، مفيش أي حاجة ممكن تإذيكى، ياما قلتلك سيبك منهم وخليكى معايا أنا، إتطلقى من مراد وتعالى نتجوز، وكفاية الفلوس اللى معايا، بس إنتى اللى مرضتيش، عموما ملحوقة، أما مراد و يحيى فوعد منى هنتقملك منهم واحد واحد، هموتهم كلهم وأريحك من أرفهم، إصبرى بس وهتشوفى.
خرجت بشرى من حضنه قائلة بغل:.

أيوة يامجدى، موتهم وريحنى منهم، وساعتها هبقى ليك لوحدك، إنت وبس، وفلوس عيلة الشناوي كلها هتكون لينا.
نظر إليها مجدى لثوان يتفحص ملامحها ثم قال بحيرة:
غريبة يابشرى، إشمعنى دلوقتى وافقتى على موتهم، رغم إنى عرضت عليكى قبل كدة الإقتراح ده ورفضتى.
قالت بإضطراب:
عشان، يعنى، زمان، زمان مكنش فيه حاجة ممكن تحرمنى منك، موتهم أو حياتهم مكنتش تفرق معانا كتير، دلوقتى ياهما ياإحنا، وطبعا هختارنا إحنا ياحبيبى.

إبتسم مجدى وهو يميل مقبلا شفتيها بنعومة ثم يعتدل ممررا يده على وجنتها قائلا بحنان:
قلب حبيبيك، يلا بقى روحى ياحبيبتى، إدخلى الحمام وخدى شاور يريح جسمك وبعدين تعالى هتلاقينى محضرلك أحلى أكل، لأحلى بشرى.
إبتسمت وهي تومئ برأسها إيجابا لتتجه إلى الحمام، تدلف إليه ثم تنظر إلى مجدى الذي أرسل لها قبلة هوائية لتبتسم وهي تغلق الباب خلفها، لتختفى تلك الإبتسامة مباشرة وهو تقول بحقد:.

ماشى يامراد إنت ويحيي، بتتفقوا علية، طيب مبقاش بشرى إن ما إنتقمت منكم، كلكم.

كان مجدى يعد صينية الطعام لبشرى، ويضع زهرة حمراء في فازة صغيرة بالمنتصف تماما، حين رن هاتفه يعلن عن وصول رسالة ما، أمسك هاتفه يفتح تطبيق الواتس آب، ليجد أنها رسالة من هاتف بشرى، عبارة عن فيديو ما مازال قيد التحميل، ليعقد حاجبيه بحيرة، يتساءل عن مرسل هذا الفيديو وهو يعلم أن الهاتف ليس بحوزة بشرى وأنها تركته بالمنزل حين أخذها كل من مراد ويحيي إلى هذا المخزن القديم، كاد أن يذهب إلى بشرى يشاركها هذا الفيديو بعد أن تكونت لديه فكرة عن مرسله، حين إستوقفه ذلك الفيديو الذي حمل الآن تماما ففتحه رغما عنه، لتظهر بشرى وهي تتوسل ليحيي أن يتزوجها، تنطق حروفها بعشقه، ليشعر مجدى بالخيانة، نعم لأول مرة يشعر بالخيانة حقا، فعيون بشرى وكلماتها الآن وفى هذا الفيديو اللعين تنطق بالحب، الحب الواضح والصريح، وليس هذا العشق المزيف الذي كانت توهم به مراد من قبله، والآن توهمه به، والذي لولا رؤيته لنظرات الحب تلك الآن وحروفها التي تنطق به، ماأدرك قط أنها كانت تخدعه، فالفرق واضح وقاطع، ليشعر بطعنة نجلاء في قلبه من تلك التي أحبها بلا حدود، ولو كانت طلبت روحه ماتردد في منحها إياها بصدر رحب، ليكتشف في النهاية أنها مخادعة، خدعته، فأصبح مثل غريميه تماما.

ألقى الهاتف من يده بقوة لينكسر بشدة ويتحول إلى حطام، إحمرت عيناه من الغضب، يشعر بكيانه يتحطم، بروحه تذوب ألما، لتتحول عينيه فجأة إلى عيون خالية من الحياة وكأنهما قطعتي ثلج باردتين، وهو يتجه بخطوات بطيئة خالية من الروح إلى حجرته، حيث توجد بشرى، حبيبته، وخائنته الوحيدة.

، دلف إلى الحجرة في نفس الوقت الذي خرجت فيه بشرى من الحمام، تلف نفسها بمنشفة عريضة، تظهر بجسدها العاري أمامه، لتقترب منه بخطواتها، تتدلل في مشيتها، ليستقبل إقترابها بجسد بارد كالثلج بعد أن كان يشتعل إشتعالا من قربها في الماضي القريب جدا، وقفت أمامه لا تلاحظ برودة ملامحه وهي تميل عليه تحتضنه بنعومة قائلة:
وحشتني يامجدى، ووحشنى حضنك.
رفع يده يضمها إلى صدره قائلا:
إنتى كمان هتوحشينى يابشرى.

خرجت من حضنه تنظر إلى عينيه قائلة في حيرة تلاحظ بروده لأول مرة:
هوحشك إزاي يامجدى؟ما أنا أدامك أهو.
رفع يده يمررها على يديها الناعمتين حتى وصل إلى جيدها يلمسه برقة وهو يقول:
متعلقيش على كلامى يا بشرى، أنا معاكى ببقى في حالة مش طبيعية، مببقاش عارف أحضنك، ولا...
كانت بشرى قد أغمضت عينيها تأثرا بلمساته لجيدها لتفتح عينيها حين توقف عن الكلام قائلة بعيون غائمة من المشاعر:
ولا إيه يامجدى؟

لم يجيبها وإنما بدأ بالضغط على رقبتها بقوة لتجحظ عينيها وهي تشعر بالإختناق، تحاول المقاومة، الإفلات من قبضتيه الفولاذيتين، دون جدوى، تقول بصوت مختنق:
مجدى، هموت يامجدى.

لم يعير كلماتها أدنى إهتمام، تلمع عيناه وكأن شيطانا تلبسه، يزيد من ضغط قبضتيه، وتحاول هي المقاومة، الصراخ، الإستنجاد بأي شئ، ولا شئ ينجدها من يديه، حتى لفظت بشرى أنفاسها الأخيرة بينهما، ليتراخى جسدها ويسقط أرضا، ليضحك مجدى بجنون، ثم يتهاوى أرضا يستند إلى ظهر السرير، ينظر إلى جسد بشرى الملقى أرضا وقد فارقته الروح، ليبكى بقوة، ينعى قلبه الذي حطمته تلك الخائنة، وينعى روحه التي فارقت الحياة بدورها، مع فراقها.

كانت شروق تشعر بالقلق على مراد الذي إختفى منذ الأمس، تحاول الإتصال به كل دقيقة، فلا يرد على مكالماتها ليزداد قلقها عليه، حتى أصبح هاتفه مغلقا تماما، لتشعر شروق بالخطر، تتصل بيحيي فيخبرها أنه يبحث عنه بدوره وعندما سيجده، سيطمئنها عليه، ولكن هذه الكلمات لا تطمأن بالها أبدا، تريد أن تخرج بنفسها لتبحث عنه ولكن أين تبدأ؟دق جرس الباب لتسرع إليه وتفتحه بلهفة، لتقف متجمدة من مرأى مراد، يقف أمامها بهيئة مزرية، فلقد نمت لحيته وظهر اللون الأسمر حول عينيه، وتبعثر شعره، إلى جانب تجعد ملابسه، لتدرك أن هناك أمرا جللا قد حدث، خاصة ومراد يقف هكذا، ينظر إليها بإنكسار وقد تهدلت كتفاه، لتسرع وتمسك بيده تدخله إلى المنزل، تتجه به إلى حجرة النوم دون كلمة، لتتركه لثوان وتدلف إلى الحمام، لتعود وتجده واقفا كما تركته، لتأخذ بيده، تدخله إلى الحمام، تزيل عنه ملابسه وهو مستسلم لها، ثم تجلسه في حوض الإستحمام الذي ملأته خصيصا لأجله، تصب عليه الماء برفق، وتدلك كتفيه بحذر، تزيح عنه هموم جسده، وقلبه في آن واحد، حتى أحس بالإسترخاء التام، لتحضر بشرى روب الإستحمام الخاص به وتنهضه لتلبسه إياه، ثم تتجه به إلى سريرهما تمدده وتتمدد إلى جواره، تسحبه إلى صدرها لتستكين رأسه عليه بينما تربت هي على ظهره بحنان، ليغمض عينيه وهو يستمع إلى خفقات قلبها، ليشعر بالراحة ويستسلم لنوم عميق، عميق جدا.

قالت شروق بصوت منخفض:
أيوة يايحيى، هو بخير متقلقش عليه، نايم جوة أهو.
إستمعت إلى يحيى قليلا ثم قالت بحزن:
انا كدة فهمت، متقلقش، مش هسيبه خالص،
إستمعت إليه مجددا ثم قالت:
مش عارفة يايحيى، إذا كان هيوافق ولا لأ، عموما أنا هقوله وربنا يقدم اللى فيه الخير.

لتغلق الهاتف ثم تنظر بإتجاه باب الحجرة بحزن على حال زوجها وسبب تلك الحالة التي هو عليها، قبل أن تأخذ تلك الصينية التي أعدت عليها الإفطار لمراد، وتتجه إلى تلك الحجرة لتبعد عن عيونها الحزن وهي تفتح الباب لتجد مراد مستيقظا، يجلس في السرير ويستند إلى الوسادة لتبتسم قائلة:
صباح الخير يامراد.
قال مراد بنبرات حزينة:
وهييجى الخير منين بس ياشروق؟

وضعت شروق الصينية من يدها وهي تقترب منه وتجلس على السرير إلى جواره قائلة:
تؤ تؤ تؤ، النبرة الحزينة دى مش حلوة على الصحة أبدا يامراد، إيه يعنى اللى ممكن يخليك بالشكل ده؟
كاد أن يتحدث ولكنها وضعت إصبعها على فمه تصمته وهي تقول:
أيا كان اللى حصل، مش هقولك غير الكلام اللى قلتهولى في المستشفى، وخلانى أتغلب على محنتى الكبيرة، فاكر كان إيه؟
نظر إليها في حيرة، لتبتسم وهي تخفض إصبعها تمسك يديه بين يديها قائلة:.

من يوم ما إتجوزنا وإنت مش لوحدك يامراد، أنا جنبك ومعاك في كل حاجة، على الحلوة وعلى المرة، كل حاجة هتعدى، وكل حاجة بتهون، خلى بس أملك في الله كبير.
نظر إليها يتأمل ملامحها بعشق، قبل أن يقول:
ونعم بالله، أنا مش عارف من غيرك كنت عملت إيه في حياتى ياشروق.
إبتسمت ثم قالت بحب:
سواء كنت معاك أو كنت من غيرى، فمراد اللى أعرفه، أقوى من أي محنة ممكن يمر بيها.
رفع يديها إلى شفتيه يقبلهما بحنان، لتقول بتردد:
مراد،.

نظر إليها مستفسرا يشعر بترددها لتستطرد قائلة:
يحيى كلمنى يعنى، عشان يطمن عليك وعايزنا...
قاطعها قائلا:
عايزنا نروح نعيش في بيت الشناوي.
أومأت برأسها دون أن تنطق ليقول مراد بهدوء:
وإنتى رأيك إيه؟
قالت شروق:
اللى تشوفه يامراد، أنا مش مهم عندى المكان، المهم تكون معايا فيه.
إبتسم قائلا:
وفيلا الشناوي هتنور بيكى ياشروق.
إتسعت عينيها بفرحة لتتسع إبتسامته وهو يدرك سعادتها، ليقول بحب:
إنتى حلوة أوي ياشروق.

أحست بالخجل لترفع خصلة من شعرها خلف أذنها ثم تمالكت نفسها وهي تقول بمزاح:
متاخدنيش في الكلام، قوم يلا عشان نفطر، وبعدين أحلقلك دقنك دى اللى مخبية ملامحك وراها.
إبتسم قائلا:
هتعرفى ياشروق؟
نهضت وهي تؤدى التحية العسكرية قائلة بمزاح:
معاك الأومباشى شروق، تخصص حلاقة يافندم.
ضحك مراد بقوة لتنظر إليه شروق بحب قائلة بهمس:
ربنا ما يحرمنى من ضحكتك يامرادى.
توقف مراد عن الضحك وقد وصلت إليه همساتها ليقول بعشق:.

ويخليكى لية ياشروقى.
إبتسمت شروق وهي تنظر إليه بعشق تنطق به نبضات خافقها، ليجيبها بعشق تظهره نظراته.

دلف يحيى من باب الحجرة، ليجد رحمة التي تنتظر إياه بقلق، لتسرع إليه تحتضنه بقوة قائلة:
إتأخرت ليه يايحيى، انا كنت هموت من القلق عليك.
ضمها بقوة يقول بلهفة:
بعيد الشر عنك يارحمة،
ليبتعد عنها وهو يضع يده على بطنها مستطردا:
ربنا يخليكوا لية.
ليمسك يدها ويتجه بها إلى الأريكة يجلسها ويجلس بجوارها، لتنظر إلى ملامحه التي يبدو عليها الإرهاق، لتقول بقلق:
مالك يايحيى، كنت فين كل ده؟
زفر يحيى قائلا:.

كنت بدفن بشرى يارحمة.
وضعت رحمة يدها على فمها تكتم صرخة كادت أن تفلت منها وهي تنتفض مبتعدة عن يحيى قائلة بجزع:
إنت اللى قتلتها يايحيى؟
قال يحيى بإستنكار:
قتلتها إيه بس؟إنتى شايفانى سفاح؟، أقعدى يارحمة وإسمعينى.
هدأت نبضاتها وجلست إلى جواره مجددا ليقول بهدوء:.

النهاردة الصبح لقوا جثة بشرى مخنوقة ومرمية في أوضة في شاليه من الشاليهات، وجنبها جثة مجدى اللى الظاهر بعد ماقتلها مستحملش وقطع شرايينه ومات، الظابط صاحبى كلمنى لما إتأكد من هوية بشرى وانا بإتصالاتى وعلاقاتى لميت الموضوع، وخرجت تصريح الدفن ودفنتها بعد العشا، طبعا كان لازم أروح لمراد وأقوله على اللى حصل وأطمن عليه وبعدين سيبته مع شروق وجيت علطول.
نظرت إليه رحمة قائلة في أسى:.

لا حول ولا قوة إلا بالله، أهي ماتت ومأخدتش معاها غير عملها، ربنا يرحمها ويغفر لها، الحمد لله إن نهايتها مكنتش على إيد مراد.
قال يحيى:
الحمد لله.
لتعقد رحمة حاجبيها قائلة:
بس إيه اللى خلى واحد زي مجدى يعمل العملة السودة دى، بعد مساعدته ليها طول الوقت اللى فات ده.
قال يحيى بغموض:
أكيد فتح عيونه وشافها على حقيقتها يارحمة.
قالت رحمة بحزن:
لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يرحمهم ويغفرلهم.
أومأ يحيى برأسه قائلا:.

آمين.

، بعد مرور ٨ شهور...

قبلت رحمة رأس الصغير هاشم بحنان، ثم دثرته وهي تنظر له بإبتسامة شغوف، قبل ان تنتقل وتفعل بالمثل مع صغيرتها راوية التي إنتهى حفل سبوعها منذ قليل، والذي إجتمعت فيه العائلة بسعادة، فرحين بمولد تلك الصغيرة، أصغر أحفاد عائلة الشناوي، والتي خطفت القلوب بجمالها آخذة من أمها لون عينيها الرماديتين وشعرها الأسود كالليل، وآخذة من والدها جبهته وغمازتيه وآخذة من خالتها إسمها، ليتكالب الجميع على حجزها لولده حتى مراد الذي علم لتوه بخبر حمل زوجته، ليحجزها بدوره لطفله الذي مازال في علم الغيب ولكنه يشعر في أعماقه أنه ولد، رافضا فرق السن الذين تحدثوا عنه وقال أنها شهور فقط، فلا داعى لتلك الترهات التي يقولونها، فراوية لهشام وهشام لراوية، ليضحك الجميع.

إبتسمت رحمة وهي تتذكر تلك الليلة الرائعة، تحمد الله على تلك النعم التي يغدقها عليها، واحدة تلو الأخرى، أغمضت عينيها وهي تشعر بدقات قلبها تزداد لتدرك وجود معشوقها بالحجرة، لتفتح عيونها مجددا وهي تلتفت وتجد يحيى واقفا بالفعل يستند إلى الباب يتأملها بإبتسامة إرتسمت على ثغره، لتبتسم بدورها قائلة:
واقف من بدرى؟
إتسعت إبتسامته وهو يقترب منها قائلا:.

من أول ما بتوزعى كريز شفايفك على حبايبك وسايبانى نفسى في الكريز.
إتسعت إبتسامتها وهي تقترب منه قائلة بدلال:
وأنا من إمتى بس حرمتك منه؟
وقف أمامها تماما، وهو ينظر إلى ساعته ثم ينظر إليها قائلا بهمس:
بالظبط من ٨ ساعات، و٢٠ دقيقة، و٣٠ ثانية.
قالت وهي تقترب منه بوجهها تقف على أطراف أصابعها قائلة أمام شفتيه:
تؤ تؤ تؤ، خليتنى أحس بالذنب يايحيى.
همس بدوره:
قلب يحيى وعمره كله.

لتتلاقى شفتيهما في قبلة عشق أبدي، كتبت سطوره من قبل خلق البشرية، لينهى يحيى قبلتهما كي يستطيعا التنفس، وهو يضع جبهته على جبهتها مغمض العينين، يشعر بأن الله يحبه لأنه جمعه بمحبوبته مرة أخرى ورزقه الله منها براوية التي وافق أن يسميها بإسم أختها رغم ما فعلته بهما في الماضى، لأنها فقط كانت السبب في جمعهما من جديد رغم كل شئ، وتلك السعادة التي يعيشها الآن مع فاتنته السمراء، كان لها فضلا فيها كما أخبر رحمة سابقا، ربما هناك أشياء تمر بحياتهما تعكر صفو سعادتهما، كخبر وفاة والدة رحمة بعد تلقيها عدة طعنات من الرجل الذي تعمل لديه عقب مشاجرة بينهما على مبلغ من المال أخفته عنه، فهو لم يخبر رحمة بعملها كفتاة ليل بالماضى وقوادة بالحاضر، كما لم يخبرها أيضا بخبر وفاة والدتها، فهو يعلم أنه رغم عدم سؤال رحمة عن والدتها إلا أن غدرها بها يؤثر بها وبقوة إلى جانب أنها رغم كل شئ ستحزن عليها، إذا فلا داعى ليحزنها الآن وهي ترضع طفلتهما، وليدع فقط السعادة تظلل حياتهما، فقد مرا بالكثير حتى حصلا على تلك السعادة التي يدعو من كل قلبه أن تكون أبدية، كعشقه لرحمته، تماما.
تمت بحمدلله
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-